بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 22 يناير 2010

الإمبراطورية الأميركية بداية النهاية (الفصل الثامن)

الفصل الثامن
تحت أقدام المقاومة العراقية
يتكسَّر »القرن الأميركي الجديد«
»المركز هو الولايات المتحدة والأطراف هي أجزاء كبيرة من العالم. ومثل كل نظام فإن للإمبراطورية دورة حياة عضوية: تلقيح وحمل وميلاد وطفولة ومراهقة وبلوغ وشيخوخة وموت«( ).
يوهان غالتونج()
»أميركا ليست تلك القوة العظمى، ولا يمكنها في المرحلة الراهنة أن تُرهب سوى الدول الضعيفة، وإذا أصرَّت على أن تثبت قوَّتها الهائلة، فإنها لن تفلح أكثر من أن تكشف للعالم عن عجزها«( ).
إيمانويل تود( )
يُعلِّل العالم الأميركي إيمانويل تود، ونحن نؤيده في تعليله، أن نهاية الإمبراطورية الأميركية ستكون على أيدي الدول الكبرى على قاعدة عملها لإلغاء حكم القطب الواحد للعالم. فهي تنطلق من مصالحها التي يهددها الأخطبوط الأميركي في ظل إدارة أصحاب »القرن الأميركي الجديد«، كما تستند إلى أنه مهما بلغ بها الضعف، وهي فرادى، في التصدي للقوة الأميركية، إلاَّ أن تجميع قواها تجعل منها قوة موازية لقوة أميركا إذا لم تتفوَّق عليها.
وعندما استنتج أن القوة الأميركية لن ترهب إلاَّ الدول الضعيفة، فهو كان يستند في حساباته إلى موازين القوى النظامية، وإنه لو درس تجارب فييتنام، والجزائر، وفلسطين، ولبنان… وإذا درس في المستقبل، تجربة المقاومة الوطنية العراقية، لتوصَّل إلى إضافة استنتاجات أخرى، نحسب أنها ستكون: إن أميركا لن ترهب إلاَّ الدول الضعيفة العلاقة مع الإيمان بقضاياها الوطنية، وضعف انجذاب حكامها وشعوبها إلى معاني الكرامة الوطنية والقيم الإنسانية.
في منظار إيمانويل تود أن العراق هو من الدول الضعيفة، وهذا صحيح بمقاييس القوى النظامية. أما العراق، بالمقاييس الوطنية والانجذاب إلى قواعد الكرامة الوطنية، فهو غير ضعيف. فليس حكامه وشعبه ممن أرهبتهم قوة الولايات المتحدة الأميركية. والدليل على ذلك هو مقدمات تأسيس المقاومة الوطنية العراقية ونتائج نضالاتها.
نرى، هنا، أن يعطي المحللون والمفكرون الاستراتيجيون، الآن وفي المستقبل، اهتماماً لدراسة مدى الحوافز التي وضعتها المقاومة العراقية أمام الدول الكبرى من أجل تصليب مواقفها في مواجهة الأخطبوط الأميركي الكثير الأذرع، الأحادي الهيمنة والتأثير على القرار الدولي.
كما نرى من خلال دراستنا للحركة التي تتفاعل على أرض العراق أن العائق الذي وضعته المقاومة العراقية في وجه السيطرة الأميركية على العالم له تأثيراته الكبرى في رفد ممانعة الدول الكبرى، وفي رفد حركات التحرر العالمية التي تقاوم »الأمركة«. وهي التي دقَّت الإسفين الأول في نعش المشروع الأميركي في الهيمنة على العالم بواسطة »القطبية الأحادية الجانب«.
إن هذا لا يعني أن تنتظم حركة المقاومة العراقية في نادي القوى الدولية وإن كانت عاملاً أساسياً ومساعداً في بناء عالم متعدد الأقطاب، وإن ما يصح موقعاً للمقاومة العراقية فهو أنها طليعة للثورة العالمية التحررية المناهضة للرأسمالية والاستعمار.
نتيجة للمأزق الذي تعانيه قوات الاحتلال، وبعد أن أدارت إدارة جورج بوش ظهرها لكل دعوات الممانعة للحرب ضد العراق، وبعد أن أعلنت انتهاء عملياتها الحربية –على لسان رئيسها- في الأول من أيار. وبعد أن راحت تهدد الدول الممانعة بحرمانها من عقود ما تسميه »إعادة إعمار العراق«، بل وإنزال العقوبات المناسبة بها، تراجعت عن كل ذلك –بعد أقل من شهر- عندما أيقنت أن الحرب لم تنته، بل كان احتلال بغداد بداية تحوَّل فيها العراقيون إلى متابعة الحرب بأسلوب الكفاح الشعبي المسلَّح.
لم تكن المرحلة طويلة لكي تتأكد فيها قوات الاحتلال أنها دخلت في مأزق لم تكن قد وضعته في حساباتها، وهي مواجهة »حرب الأشباح«، فاضطرت إلى أن تجدد لبقاء جنودها لفترة أخرى، وانتهت بنتيجة أن التجديد مستمر، وقد يستمر، ما دام احتلالها موجوداً.
وشيئاً فشيئاً، وبازدياد المأزق، مع ازدياد العمليات –كماً ونوعاً- راحت الإدارة الأميركية تتراجع عن تهديدها للدول الممانعة، بل راحت تتوسَّل الدعم حتى من أقل الدول قوة، لكي ترفدها بالرجال والمال. وكان كل ما حصلت عليه بضعة آلاف من الجنود الذين لا يستطيعون حماية أنفسهم من هجمات المقاومة العراقية( ).
مقدمات انهيار المشروع الأميركي في العراق
تتحمل الولايات المتحدة الأميركية في العراق الأعباء العسكرية الأساسية وتتكبَّد الكثير من الخسائر. وأصبح لدى المراقب -لما يجري- ثقة، إذا ما أضيفت المعلومات التي تؤكد أن نظام حزب البعث قد أعدَّ لحرب التحرير الشعبية منذ سنوات سبقت الاحتلال، بأن العراقيين سيستمرون في القتال. وهم لا يحتاجون لأسلحة متطورة لقتال المدن و القرى، فالأسلحة الخفيفة والتقليدية متوفرة بكثرة. وتشير التقارير الغربية إلى أن حالة استنزاف دائمة تواجه جنود الاحتلال الأميركي، مما لا تدع فرصة للإدارة الأميركية للصمود طويلاً في تحمل الأعباء منفردة، وهذا ما سوف يؤثر على موقعها الداخلي والدولي( ).
وما يؤكد هذا الواقع جاء باعتراف بعض الأوساط الرسمية الأميركية بأن المقاومة العراقية تحوَّلت من مرحلة الإزعاج التكتيكي إلى مرحلة العبء الاستراتيجي السبب الذي أخذ يزرع القلق عند الإدارة الأميركية ويشكِّل إرباكاً حقيقياً لها، بحيث أن عليها أن تجد مخرجاً من المأزق العراقي لا تراه بوضوح بعد مرور أشهر على احتلال العراق. ومن جملة المآزق المطلوب منها أن توضحها وتجد حلولاً لها وتقدم أجوبة عنها للرأي العام العالمي بشكل عام، وللرأي العام الأميركي بشكل خاص:

أولاً: استمرار الاحتلال الأميركي للعراق: حالة استنزاف بشرية ومادية داخلية:
تعاني الولايات المتحدة داخلياً بعد مرور أقل من سنة على احتلالها للعراق من أزمتين:
الأولى: بدأت أعباء احتلال العراق في استنزاف قدرة الجيش الأمريكي والحد من قدرته على نشر قوات قتالية مدربة في مختلف أنحاء العالم.
الثانية: تدهور صناعة النفط العراقية بما لا يمكن التعويل عليه كثيراً في »إعادة الإعمار«.
لذا وجدت الإدارة الأميركية نفسها مُلْزَمَةً بأن تقدِّم إجابات واضحة للرأي العام الأميركي حول الأزمتين، وهما: أعداد القتلى وتكاليف الحرب المالية الباهظة.
1-الأعباء البشرية:
إن احتلال العراق سيربك -على المدى الطويل- حياة الآلاف من أسر العسكريين؛ وسيتعرض نظام الاحتياط المعمول به في الجيش لخطر شديد، إضافة إلى أن ذلك سيحد من النزعة العالمية في السياسة الخارجية الأمريكية. لذا فإن هذه المعادلة الصعبة تعد إحدى العواقب الوخيمة لخوض الولايات المتحدة للحرب على العراق بطريقة منفردة، وذلك إضافة إلى القتلى والجرحى الذين يتساقطون يومياً هناك، وتردد دول أخرى بشأن المساعدة في المجهودات الأمريكية، ناهيك عما لحق من إضرار بسمعة الولايات المتحدة كزعامة مسئولة .
لا يمكن –مع استمرار المقاومة- توقع إمكانية تخفيض حجم القوات الأمريكية العاملة في العراق إلى أقل من 100 ألف جندي. وإذا لم يتم تغيير نظام إحلال وتبديل القوات وتكليف قوات من وحدات أخرى، فإن الجيش الأميركي سيعانى من مشاكل في حشد القوات اللازمة( ).
أما حول أعداد القتلى، فإنه يثير حفيظة الأميركيين؛ وهو إن كان يقلق الرأي العام الأميركي –في هذه المرحلة- يصبح تقديم جواب عنه أكثر صعوبة في المستقبل أمام تطور أعمال المقاومة العراقية بالشكل النوعي الذي يعني إيقاع خسائر أكبر في أرواح الجنود الأميركيين.
على الرغم من تجاهل تقوم به الإدارة الحالية أو تجهيل (لأهداف تكتيكية)، نرى أن المقاومة العراقية قد تجاوزت مرحلة الخطر في القضاء عليها. وهذا يضع الاستراتيجية الأميركية أمام مأزق اختيار صعب بين البقاء في العراق ودفع أثمان لا يعرف أحد متى تنتهي، وهي ستفرض الانسحاب من العراق، وهو حل أسوأ من البقاء، لكنه يوفِّر الخسائر المؤكدة.

2-الأعباء المالية:
في الأول من أغسطس من العام 2002م، استمعت لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ لرأي الخبراء حول مرحلة »ما بعد الحرب في العراق«. وقد قال بايدن (ديموقراطي ورئيس اللجنة) بأنّ التهديد من أسلحة الدمار الشامل قد يجبره على التصويت لصالح الحرب. لكنّه كان قلقاً من الغزو دون دعم كامل من الحلفاء، فأميركا قد نتحمل –لوحدها- فاتورة حرب بـ 70 مليار أو 80 مليار دولار، وقد تضطر إلى إبقاء القوات الأمريكية لفترة زمنية طويلة.
أما في 27 مارس، وبعد ثمانية أيام من المعركة، سأل أعضاء لجنة الاعتمادات التابعة لمجلس النّواب بول ولفويتز عن رقم تكاليف الحرب، فأجاب: مهما كانت هذه التكاليف، فإن نفط العراق سيبقيها دوماً في أدنى مستوى. هناك الكثير من المال لدفع تلك التكاليف. وليس من الضروري أن يكون دافع الضرائب الأمريكي ممول هذه الحملة، فنحن نتعامل مع بلاد تستطيع تمويل إعمار نفسها حقاً، وبشكل سريع نسبياً.
لم تكن حسابات ولفويتز صحيحة، ففي أيلول/ سبتمبر 2003م، بدأ الرّئيس بوش العمل على طلب اعتماد إضافي بـ 87 مليار دولار للعمليات في العراق( ).وبالفعل كان الكونغرس قد أقرَّ مبلغ 87 مليار دولار لتمويل عاجل لنفقات الحرب في العراق وأفغانستان، وإن القسم الأكبر منها سيذهب إلى أوجه الأنفاق على الوجود العسكري الأمريكي في البلدين( ).
أما حول تقليص النفقات المالية التي يدفعها المكلَّف الأميركي وتشكل لديه عامل إثارة آخر، فلا يظهر في الأفق القريب ما يدل على أنها سوف تجد حلاً مع تركيز المقاومة العراقية على استهداف أنابيب النفط لمنع الاحتلال من الاستفادة من ريع تصديره. هذا مع العلم أن الحرب على العراق كانت مكلِفَةً جداً، وهي مرشَّحة لتزايد أعبائها الاقتصادية بمئات المليارات من الدولارات التي ستدفعها الخزانة الأمريكية.
وحول ذلك، كشف مسئولون حكوميون أمريكيون، أن التقديرات المتفائلة التي أصدرتها إدارة الرئيس بوش، في أوائل العام 2003م، (بأنه سيتم تمويل الجانب الأكبر من عمليات إعادة البناء في العراق من خلال الثروة البترولية لتلك الدولة، وليس من أموال دافعي الضرائب الأمريكيين)، تناقضت -إلى حد بعيد- مع التقييم المتشائم الذي صدر –في خريف العام 2003م- من قبل فريق حكومي جرى تشكيله سراً لدراسة أوضاع صناعة البترول العراقية( ).

ثانياً: استمرار احتلال العراق استنزاف أخلاقي للمحافظين الجدد
إن أزمة الخداع والغش ستتحوَّل، مع بقاء عامليْ الاستنزاف بالمال والأرواح على يد المقاومة العراقية، سوف تتحوَّل إلى أزمة أخلاقية في العالم وإلى أزمة ثقة عند الرأي العام الأميركي. وهو ما قد يسهم في قلب الأوضاع الرئاسية والدفاعية رأسا على عقب في واشنطن. وتكون لها تفاعلاتها الخطيرة على أرض المعركة في بغداد. إذ سوف تنكسر (شرعية) هذا الغزو في أعين منفذيه بعد أن تكون قيادته قد وقعت في شر أعمالها. حينئذ ستغدو الإدانة الأعظم والأخطر في تاريخ جرائم الحرب الكبرى، عندما سيثبت أن حكومة أقوى دولة في الأرض قد كذبت على شعبها وعلى المجتمع الدولي كله، وأنها تعمدت التضليل المتغطرس في اخطر القرارات المتعلقة بالشأن العام وأنها أرسلت شبابها ليقتلوا يومياً في حرب لا داعي لها سوى الحقد الأيديولوجي لفئة الحكم المتسلطة والجشع غير المسؤول لمافيات السلاح والطاقة( ).
بالإضافة إلى خطورة التحالف المذكور (متطرفون أميركيون، حركة مبشرين مسيحيين متطرفين، مع الصهيونية العالمية)، الذي يشكل أهم أعمدة الإدارة الأميركية الحالية، يأتي احتمال خضوعها لتأثير »تحالف القوى الدولية المالية والمصرفية«.ليفسِّر وجود ميكيافيلية جديدة تتمظهر في استخدام أساليب لا أخلاقية من قبل إدارة بوش، تستند إلى اختلاق الذرائع حتى الكاذبة منها لتبرير قيامها بأعمال حربية غير مقبولة لتحقيق أهدافها( ). وهذا ما أظهرته تجربة الحرب ضد العراق. فبعد عام من احتلال العراق تدور معركة استنزاف أخلاقية على الساحة الأميركية ضد أعضاء إدارة المحافظين الجدد، ومن أهم ما تركز عليه الحملات الإعلامية، المسائل التالية:
1-كذب الإدارة حول ذرائع الحرب:
اتخذت الإدارة الأميركية قرار الحرب ضد العراق في آب/ أغسطس من العام 2002م، وأعلنته في سبتمبر(أيلول)، وأصرت على أن يصوت الكونغرس لإجازته قبل عطلة نوفمبر(تشرين الثاني). وقال الرئيس، الذي كان يقود جوقة الداعين إلى الحرب، في 25 سبتمبر2002: »لا يمكن التمييز بين القاعدة وصدام عندما يدور الحديث عن الحرب ضد الإرهاب«. وقال في الثاني من أكتوبر(تشرين الأول) إن القضية »تتعلق بخطر داهم وعاجل«. وفي السابع من أكتوبر قال:»ما دامت أمامنا أدلة واضحة على قرب الخطر، فإننا لا يمكن أن ننتظر الخبر اليقين، أي سلاح الجريمة، لأن الخبر اليقين يمكن أن يأتي في شكل سحابة من الدخان«. وفي العاشر من الشهر نفسه أجاز مجلس النواب قرار الحرب بأغلبية 296 إلى 133، كما أجاز مجلس الشيوخ القرار. وتبيَّن أن أياً من تلك الأسباب لم يكن صحيحاً.
أ-حول ذريعة امتلاك العراق أسلحة الدمار الشامل:
كانت الإدارة الأميركية في غاية الإصرار على وجود ذرائع لاحتلال العراق. ولما كانت ذريعة امتلاك أسلحة دمار شامل غير مؤكدة، وليس هناك ذريعة أخرى أقوى حجة، عملت المخابرات الأميركية من أجل تأمين دلائل، ولهذا السبب خططت لغرس أسلحة دمار شامل داخل العراق. وجرت محاولتان من أجل ذلك. حدثت كلاهما قبل و أثناء الحرب على العراق( ).
وبعد أن غرقت قوات الاحتلال في مأزق عسكري حفرته المقاومة العراقية، وبعد أن غرقت الإدارة الأميركية في مأزق سياسي، تراكمت التداعيات في وجه الإدارة حول بطلان وجود ذرائع حقيقية كانت من وراء إعلانها الحرب ضد العراق واحتلاله. فتكاثرت الاتهامات ضد أعضاء إدارة المحافظين الجدد بالكذب والخداع، ابتداء بالرئيس الأول مروراً بنائبه ووزرائه انتهاء بأركان الإدارة من أجهزة مخابرات ونواب وزراء…
اتهم الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر الرئيس الحالي بوش ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير باختلاق الأكاذيب وطرح تفسيرات كاذبة لشن الحرب على العراق. واعتبر أنه لم يكن هناك أي سبب للتورط في العراق، وإن المعلومات المتعلقة بأسلحة الدمار العراقية كانت تستند إلى معلومات مشكوك فيها، وإلى أكاذيب وتفسيرات خاطئة من قبل لندن وواشنطن.
وقال هانز بليكس، الخبير والمسؤول في شؤون الأسلحة بالأمم المتحدة: أعتقد أنه في شهر مارس 2003، حينما تم غزو العراق، كانت الأدلة التي بين أيدينا متهاوية. والأدلة التي قدمها وزير الخارجية الأمريكي كولن باول، للأمم المتحدة في فبراير2003، غير جديرة بالثقة. وكشف أنه أوصل رأيه لمستشارة الرئيس الأمريكي لشؤون الأمن القومي كونداليزا رايس، لكن الإدارة الأمريكية لم ترد عليه.
وأوضح محمد البرادعي مدير الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أنه كان مقتنعاً إلى حد ما أن العراق لم يستأنف برنامج تسلحه النووي الذي قامت الوكالة بتفكيكه عام 1997م( ).
ومن جانبها، أخذت وسائل الإعلام الأميركية، بعد انتهاء الحرب تتجرأ على نقد الإدارة وتشكِّك بمصداقيتها. ويتساءل البعض حول أسباب ابتعادها، قبل شن الحرب، عن كشف الزيف عن ادِّعاءات الإدارة، وهذا ما أخذت تلك الوسائل تكشف اللثام عنه. أما السبب الذي دفع بالإعلام الأميركي لحجب الحقيقة، فتعود إلى أنه في ظل وجود رئيس ذو شعبية يدعو للحرب، كان الديمقراطيون في الكونغرس مترددين بانتقاده. وقد أسهم هذا الأمر في حرمان الصحافيين من النقل عن الأصوات المعارضة. وفي تلك الأثناء، لم يعد الكثير من القراء الأميركيين يحتملون المقالات التي تنتقد الرئيس. إذ كلما أوردت صحيفة بعض الانتقادات تردها أطنان من رسائل الكراهية والتهديد، التي تجعل وطنيتها موضع شك. وكانت وكالات فوكس نيوز Fox News ورش ليمبو Rush Limbaugh والويكلي ستاندارد The Weekly Standard، ضمن وكالات أخرى، جميعها على استعداد للانقضاض على الصحافيين الذين ينحرفون، بوصفهم بالخونة - وهذه صفات يمكن أن تقضي على مهنتهم كلياً، ولهذا كان من المفروض عليهم أن يتحدَّثوا عن سلوك العراق السيئ فقط.
وبدورها كانت الإدارة تضع جدولاً بالقصص التي تجب تغطيتها، وقد صدقت وكالات الأنباء ذلك بدل أن تلقي نظرة نقدية عليها. وبهذا كانت الإدارة تختلق مجموعة من تلك القصص بوصفها حقائق لتحصر الناس معها.
وحول نشاط لجان التفتيش -طبقاً لأقوال موظفي الوكالة الدولية للطاقة الذرية- فقد أعطت وسائل الإعلام الأميركية وزناً أكبر لما كان يقوله الخبراء أو موظفو الإدارة الأمريكيون. ولذلك تم تجاهل نجاح الوكالة الدولية للطاقة الذرية في تفكيك البرنامج النووي للعراق في التقارير الدورية التي كانت ترسلها إلى مجلس الأمن. وهذا التجاهل كان يحصل لأن تقارير الوكالة، لم تجد أي إشارة عن أي جهود من قبل العراق لاستئناف برنامجه النووي.
لقد تبيَّن لوسائل الإعلام الأميركي أن عدد البيانات التي أدلى بها بعض المسؤولين في إدارة بوش، قبل الحرب ضد العراق، بلغ (161 بياناً)، من بينها 76 بياناً مضللاً أدلى بها خمسة مسئولين بعد اندلاع الحرب لتبرير قرارها. إن معظمها كانت مضللة. وإن عشرة بيانات كانت خاطئة تماماً. وبدأت البيانات المتضاربة قبل عام على الأقل من الحرب عندما قال تشيني في 17 مارس 2002م: »نعلم أن لديهم أسلحة بيولوجية وكيماوية«( ).
ولم يوفِّر الجنود الأميركيون المشاركون في الاحتلال، إدارتهم، فاتهموها بالكذب، وباللاأخلاقية. وهروب ما يقرب من 600 جندي أمريكي من الخدمة في العراق بعد حصولهم على إجازات. ومن بعض أسباب الهرب أن بعضهم يرى أن الحرب في العراق غير أخلاقية وأن الكثير من أوامر القتال التي يتلقاها مشكوك فيها أخلاقياً وغير مقبولة( ).
أجبرت حملة الانتقادات الواسعة كل واحد من داخل البيت في الإدارة الأميركية للدفاع عن نفسه. وبدأها جورج تينيت، مدير وكالة الاستخبارات المركزية، حينما أعلن في شباط/ فبراير 2004م، أن الوكالة أبلغت الإدارة قبل الحرب أن »صدام لا يملك سلاحاً نووياً«( ).
وحذر ديفيد كاي الأميركي، كبير مفتشي الأسلحة في العراق، من أن الولايات المتحدة تواجه خطراً كبيراً يتعلق بتدمير مصداقيتها في الداخل والخارج إذا لم تعترف بأخطائها في العراق. أما الحل فهو الاعتراف بالخطأ، لكن الواقع، والأكثر إزعاجاً في واشنطن، هو الاعتقاد »بأنك لا يمكن أن تعترف بأنك أخطأت«( ).
كان الرئيس بوش غير قادر على تقديم معلومة واحدة حقيقية يبرر بها جريمته، حتى العلماء العراقيون الذين وقعوا في أسر قواته لم يجد لديهم ما يستر به نفسه في مواجهة خصومه . وكان عليه أن يبحث عن مخرج، فلم يجد غير سوريا يلقي عليها بالمسئولية : لقد هرَّب العراقيون أسلحتهم إلى دمشق . هكذا هرب من كذبة إلى كذبة لكنه لم يجد من يصدِّقه، فعاد إلى القول بأن عمليات البحث ما زالت جارية. فكان ذلك أشبه بنكتة إذ كيف تكون القوات الأمريكية مسيطرة على كامل الأراضي العراقية، ولا تتمكن من اكتشاف البعبع الذي جاءت بسببه( ).
ب-حول علاقة العراق مع تنظيم القاعدة:
ولم تكن العلاقة بالقاعدة أقل غموضاً. وقد قال محققون من مكتب التحقيقات الفيدرالي في فبراير 2003، إنهم ذهلوا لإصرار الإدارة على وجود مثل تلك العلاقة، وقال أحدهم: »نحن لا نعتقد أن هناك مثل هذه العلاقة«( ).
ومنذ نهاية الحرب ضد العراق، حتى كولن باول، اعترف بأنه لم يكن لديه الدليل القاطع عن صلة بين صدام حسين والقاعدة، خلافاً لتأكيداته في الأمم المتحدة ( ).
ج-على الإدارة أن تدفع ثمناً لممارساتها اللا أخلاقية:
ومن الجرائم اللاأخلاقية التي أخذت تدفع ببعض الأميركيين إلى الإشارة إليها هي ارتكاب جرائم حرب، على الأقل في جانب استخدام الأسلحة التي تحمل إشعاعات نووية، وهي لا تشكل خطراً على العراق وحده، بل ستنتقل تأثيراته السلبية إلى الولايات المتحدة نفسها:
جميع الرصاص الأمريكي –تقريباً- من قذائف الدبابات والقنابل الغبية والقنابل الذكية إلى صواريخ كروز، وكل شئ آخر تمت هندسته، تحتوي على الكثير من اليورانيوم. لقد استعمل الجيش الأميركي ما مقداره أربعة ملايين رطل من اليورانيوم في العراق. وعندما يضرب رصاص اليورانيوم أو الصواريخ أو القنابل شيئاً ما فإنه ينفجر مولداً في الحال ذرات دقيقة جداُ بحيث لا يمكن رؤيتها. وعندما يستنشق شخص هذه الذرات حتى ولو بكميات قليلة جداً فإن ذلك يعني كما لو أنه يتعرض للأشعة في كل ساعة. ولا يمكن إزالة اليورانيوم من الجسم فإنه ليس له أي علاج وسيبقى عملياً في الجسم إلى الأبد.
فكم قنبلة نووية بحجم القنبلة النووية التي ألقيت على ناجازاكي يمكن أن تنشر أربعة ملايين رطل من اليورانيوم ؟ الجواب هو 250,000 قنبلة نووية. الوحيدون في تأريخ هذا العالم الذين شنوا حرباً نووية بهذا الشكل هم الأمريكان. والجيش الأمريكي يعلم تمام العلم ما هي أعراض التسمم بالإشعاع. تبدأ الأعراض بالتهاب الحلق المزعج جداً وتنتهي بالموت المؤلم لكون المصاب يطبخ من داخله. ويتساءل الكاتب الأميركي ساخراً: لماذا يكرهوننا ويزدروننا هكذا!!!
إن تأثير القتل غير المميز بأسلحة. سيكون غبار اليورانيوم في أجساد القوات الأميركية نفسها، وهي التي ستعود إلى بلادها، مع مصادر إشعاعهم الداخلي كحطب للحروب، الحروب النووية الأمريكية في القرن الحادي والعشرين( ).
وإذا كانت الجرائم البشعة التي ارتكبتها إدارة الاحتلال في سجن أبي غريب من أكبر جرائم الاحتلال وحشية، بحق الأسرى العراقيين والأسيرات العراقيات، فهي من أكثر الجرائم اللا أخلاقية بشاعة التي هزَّت ضمير قطاع واسع من الأميركيين. وسيكون لها تداعيات شديدة الـتأثير على مستقبل الاحتلال. وستزيد في كشف خطورة المشروع الأميركي ليس على العالم فحسب، بل على وحدة نسيج المجتمع الأميركي أيضاً.
بداية تعالت الأصوات الأميركية مطالبة باستقالة إدارة الرئيس جورج بوش، وعدم حل الأمور بتقديم كبش فداء عنها. فالإدارة كلها ضالعة في الخطأ. فهذا جورج بوش »ضلل الشعب الأميركي وخدعه«، ونائبه ديك تشيني يمارس ضغوطاً على المخابرات المركزية، ويصر على »أن العراق كان يملك أسلحة دمار شامل«، وأن جورج تينيت، المحمي من جورج بوش شخصياً، قد »انتهت صلاحيته«، فيجب إقالته، وإقالة وزير العدل (جون اشكروفت) الذي هو الأب الروحي لقوانين محاربة الإرهاب والحد من الحريات المدنية( ).
وبعد انكشاف الستار عن الجرائم بحق الأسرى العراقيين، ازدادت لائحة المسؤولين الأميركيين المطلوب استقالتهم، وهي سوف تزداد يوماً عن يوم، لأن الإدارة الحالية تعمل بكل الوسائل لضرب المقاومة العراقية، وتشديد الحصار حول أية ظاهرة عراقية ترفض الاحتلال، تقديراً منها أن عليها أن تصل إلى أبواب الانتخابات مرتاحة لنيل الأصوات الكافية لإعادة التجديد لمشروع الأميركيين المتطرفين الجدد. إن هذا الهدف والإلحاح كافيان لأن يغرقا قيادة الاحتلال بأخطاء أخرى، قد لا تكون أقل بشاعة مما سبقها، وهذا ما سيضاعف عدد المطلوب إقالتهم من المسؤولية.
شنت الإدارة حربها بطريقة تفتقر إلى الأمانة كما يقول إدوارد كينيدي- أفقدتها حلفاءها الأساسيين، وأجَّجت غضب الرأي العام العالمي، وصبت علينا –براكين إضافية من الكراهية وجعلت الحرب على الإرهاب أكثر صعوبة والنصر فيها أبعد مما كان( ).
إضافة إلى اتهام الإدارة بالكذب، وهو تشكيك أخلاقي بنزاهتها، تتالت الأسئلة عند الأميركيين حول جدوى البقاء في العراق، ففي نهاية العام 2003م يتساءل الأميركي: هل تستحق نتائج الحرب دماء جنودنا المحاربين؟ وهل أصبحنا أكثر أمناً بعد غزو الأراضي العراقية؟
تشير الإثباتات إلى أن إدارة بوش لم تستطع إثبات ذرائعها التي على أساسها غزت العراق. فطالب الكونجرس كلاً من رامسفيلد وباول وولفويتز وتومي فرانكس بتشكيل لجنة تقصي حقائق تقوم ببحث عملية غزو العراق. وهل تم التخطيط لها جيداً؟
وفي إشارة إلى اتهام الإدارة بأخلاقيتها، اشترطت بعض المطالبات الأميركية على أية لجنة يتم تكليفها أن تعمل بعيداً عن الأكاذيب( ).
وبالإجمال فقد راح المشروع الأميركي يفتِّش عن سلاح عراقي غير موجود فدفع الغرب إلى اتخاذ عقوبات ضد العراق أودت بحياة مئات الآلاف من العراقيين، وراح يمطرهم بقنابل المدفعية ذات الرؤوس المحتوية على اليورانيوم المنضب، مما ضاعف من انتشار مرض السرطان بنسبة مخزية. ولا شك أن بوش وبلير –يقول أحد الصحفيين البريطانيين- يستحقان أن يسقطا في الانتخابات بسب حربهما الاحتيالية والمخالفة للقانون( ).

2-التعتيم حول الخسائر البشرية الحقيقية في العراق:
إن الطائرات الأمريكية التي تنقل الأشلاء والبقايا البشرية من العراق تهبط تحت جنح الظلام. ويحظر على وسائل الإعلام رؤيتها بأمر عسكري مدعم بقرار صادر عن الرئيس بوش. والإبقاء على صور القتلى والجثث المهشمة بعيداً عن عدسات المصورين وعن ضمير وإدراك الشعب الأمريكي ولم يشارك الرئيس بوش حتى اليوم في جنازة أي قتيل سقط في العراق( ).

3-بين نفط العراق ودم الجنود الأميركيين.
يستفرد أعضاء إدارة المحافظين الجدد بعقود الإعمار بحصر تلزيمها إلى الشركات التي هم أعضاء مؤسسيين أو إداريين أو مستفيدين منها لمنافع شخصية وليست لأهداف وطنية أميركية. وبها غرق أكثر المسؤولين في الصفقات التجارية المشبوهة التي تأتي على حساب شركات تجارية وصناعية أميركية أخرى أولاً، وعلى حساب المكلَّف الأميركي ثانياً( ).
ويبدو أن السياسة الخارجية لإدارة بوش تملى من قبل الشركات. فإصدار الأمر التنفيذي رقم 13303 الذي يعطي حصانة قانونية لشركات النفط الأمريكية التي تعمل في العراق، وفي الوقت الذي يفترض فيه أن الجنود الأمريكيين ذهبوا إلى العراق لفرض القانون والنظام، يضع بوش شركات النفط الأمريكية فوق القانون ( ).
تقول الوثائق التي تجمعت لدى عدد من أعضاء الكونغرس الأمريكي أنَّ كلاً من ديك تشيني نائب الرئيس الأمريكي ودونالد رامسفيلد وزير الدفاع، وجورج بوش الأب وغيرهم قد قاموا بتنظيم عملية سرقة ونهب منظمة لبترول العراق عن طريق شركاتهم العاملة في هذا المجال. وإنَّ بول بريمر الحاكم الأمريكي يشرف بنفسه على الصفقات وإجراءات نقل البترول العراقي في سرِّية مطلقة. وإنَّ الأهداف والمصالح الشـخصية كانت الدافع الوحيد وراء اِتخاذ إدارة بوش قرار شَــنَّ الحرب ضد العراق –على حسب التقرير الذي نشرت جريدة (الأسبوع) المصرية جانباً منه- فإنَّ تحالف النهب والسرقة المكون من ديك تشيني ورامسفيلد وجورج بوش الأب وبول بريمر وآخرين كان قد بدأَ بالفعل يسرق وينهب ويهرب البترول بعد اليوم الثالث لسقوط بغداد، وإنَّ ديك تشيني قد أنهى ترتيبات السيطرة على البترول العراقي قيل بدء العدوان، وإنَّ ثلاث شركات أمريكية للبترول تحتكر البترول العراقي، وتقوم بنقله إلى مختلف دول العالم. والذي يقود هذه العملية هي هاليبيرتون الأمريكية للخدمات النفطية التي تخضع لإشراف ديك تشيني الذي دخل في إطار اِتحاد مع شركة جديدة أسَسَّها جورج بوش الأب أطلق عليها اِسم (الخدمات الأمريكية المتحدة للنفط)، وإنَّ هناك عمولات دُفِعَت لوزير الدفاع رامسفيلد الذي يساهم مساهمة كبيرة في شركة البترول الصافية التي دخلت بدورها طرفاً في عملية النهب( ).

4-الحرب وسيلة الرأسمالية، اللا أخلاقية، في الهيمنة على العالم.
تسجِّل التقارير مئات حالات الاغتصاب التي يقوم بها جنود الاحتلال، وتشمل صبايا وأطفالاً ذكوراً دون الخامسة عشرة. كما كشف موفدو لجان منظمات حقوق الإنسان الذين زاروا عدداً من السجون عن وجود أطفال لا يتجاوزون الحادية عشرة من العمر( ).
ترك بوش لجنوده أن يفعلوا ما يحلو لهم مع ضحايا سجنه الكبير في العراق، ومن أقذرها اغتصاب النساء. وهذا »عار على أمريكا«- حسب تعبير صحافي أميركي- أن تستمر في احتلال العراق. ويكفي تحقيق بعض الأهداف كالبترول والتوسع من أجل مصلحة الأعوان ولترحل وتُرحَم نساؤه وأطفاله وشيوخه. وندَّد صحفي آخر بجرائم الجنود الأمريكيين التي ارتكبوها في العراق كمثل عمليات النصب والسلب التي يقومون بها في المنازل التي يقتحمونها( ).
إن الحرب التي تأسست على الأوهام والأكاذيب وإيديولوجية اليمين المحافظ في الولايات المتحدة كان لا بد لها أن تنتهي بالدم والنار( ).

ثالثاً: احتلال العراق والانقسام العامودي في المجتمع الأميركي
بين مؤيد لبقاء الولايات المتحدة الأميركية جمهورية قوية في علاقاتها مع حلفائها وبنيتها الاقتصادية الداخلية، وجانح نحو استكمال الحلم الإمبراطوري حتى ولو بتصدير القتل والغزو الثقافي للإيديولوجيا الإمبراطورية، بدأت مظاهر الاحتراب الداخلي الأميركي تشق طريقها إلى العلن، وبها انتقلت من حالة الاحتراب مع الخارج على قاعدة »الحلقة المفرغة من العنف والعنف المضاد«، لكي » تمتد إلى الصراعات العديدة التي تتشكل داخل بنية الإمبراطورية الأمريكية ولا تجد لها حلولاً«( ).
إن جملة المتغيرات التي فرضتها الصدمة العراقية، من خلال ولادة المقاومة العراقية بشكل فاجأ المعترضين الأميركيين على الحرب قبل أن يفاجئ إدارة المتطرفين الجدد، سوف تفرض معادلة جديدة على العلاقات الداخلية بين شتى القوى السياسية الأميركية، بحيث يقف المكلَّف الأميركي بضرائب الدم والمال إلى جانب الخروج من سلسلة الحروب المتواصلة التي تشنها إداراته السياسية، الديموقراطية والجمهورية، ضد الخارج. وستفرض القاعدة الشعبية الأساسية في دفع التضحيات بالمال والروح، بعد أن تتراجع صورة »رامبو« الأميركي من مخيلتها، »رامبو« الذي يخرج من كل المعارك التي يخوضها من دون أن تسيل منه قطرة دم، أو من دون أن يلحق بثوبه لوثة من الغبار. وعندما ستظهر صورة »رامبو« الملوَّث بالدماء، أو المنقول إلى بلاده في نعش مغطى بالعلم الأميركي، أو القائلين عنه »رامبو الذي انتحر على أرض العراق من خوف أو من عقدة ذنب أو يأساً من عودته إلى وطنه«، أو الذي يسير على عكازين، أو تجرُّه زوجته بعربة المشلولين، أو الذي يزوره أولاده في مستشفى للأمراض العصبية أو العقلية، عندها فقط ستغيب صورة الفرد الأميركي الذي يتحمس إلى الذهاب خارج الولايات المتحدة الأميركية ليقاتل شبح الإرهاب، قبل أن يتسلَّل إلى غرفة نومه كما يكذب عليه رئيس إدارة بلاده وجميع أعضاء تلك الإدارة. لكنه لن يجده لأنه وهم اخترعته براعة إعلام إدارة المتطرفين الأميركيين الجدد

رابعاً: إستمرار الاحتلال الأميركي للعراق استنزاف لعلاقات أميركا الدولية
على الرغم من أن البعض قد يحسب أن أصحاب مشروع »القرن الأميركي الجديد« يضربون عرض الحائط بكل آراء حلفائهم في المنظومة الرأسمالية وبكل مظاهر الغضب في الرأي العام العالمي، وهم لا ينتظرون أن يستمعوا إلى نصيحة أو احتجاج، نقول: إن هذا صحيح فيما لو لم تتعرَّض الإدارة إلى مشاكل ومآزق تعجز عن إيجاد حلول لها تضطرها لطلب المعونة منهم، ولكن أن تتعرَّض إلى تلك المآزق فإنها ستفتح أذنيها لتصغي صاغرة.
ولأن الإدارة وضعت نفسها أمام العديد من المآزق في »الرمال العراقية«، وأثبتت الوقائع السابقة أنها تشعر بحاجة إلى مساعدة أصدقائها من الدول الكبرى في المنظومة الرأسمالية وطلبت منهم علناً تلك المساعدة. وهي لا تستطيع أن تعتمد على مجموعة من الدول الضعيفة من الذين تأمرهم فيطيعوا، لأنهم –أصلاً- لا يملكون الإمكانيات المطلوبة. ولأن الدول الكبرى تعرف موقع إمكانياتها الحقيقية أصبحت كمثل من عرف الحاجة إليه »فتدلَّلَ«.
ولأن تلك الدول لا تريد –على المدى الاستراتيجي- أن ينجح مشروع المتطرفين الأميركيين لخطورته الاستراتيجية على مصالحهم السياسية والاقتصادية في العالم، بل يرفضون –أصلاً وفصلاً- ذلك المشروع، ويعملون من أجل ترسيخ مشروع بديل يقوم على قاعدة حماية النظام الرأسمالي لكن من دون هيمنة أحادية القطبية العالمية، بل أن تضمن حمايته بواسطة تعددية قطبية تسمح ببقاء توازن في العلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية.
بعد أن تجاوزت الإدارة الأميركية، بكثير من الصلف والغرور، دور المجتمع الدولي. ولما شعرت أنها أصبحت شبه معزولة في حربها ضد العراق. ولما شعرت بثقل المأزق الذي وقعت فيه أمام شدة نشاط المقاومة العراقية، تراجعت عن صلفها السابق، وراحت تتوسَّل إلى دول العالم لكي تساندها. وكانت وسائلها تسير على خطين: خط العودة إلى هيئة الأمم المتحدة، وخط الضغط على بعض الدول الضعيفة، أو تلك المرتبطة مع المشروع الأميركي بمصالح اقتصادية.
أما حول الخط الأول، فهو التمويه على أهدافها، لأنها لا تريد من الأمم المتحدة إلاَّ أن تكون ستاراً سياسياً واقياً لأهدافها الحقيقية لأنها لا تريدها أكثر من صورة شكلية. فتاريخياً، وعملياً، كانت الأمم المتحدة، ولا تزال، وفي كل سلوكها السابق وخصوصاً خلال الحصار متساوقة مع الموقف الإنجلو صهيوني تجاه العراق، حتى وصلت الحال إلى تسليم الأمم المتحدة لكل ما لديها من أسرار عن العراق إلى أمريكا. وهي تريد أن تتدخل لتوفير تغطية له، وتريد أن تنقذ أمريكا. ففي العراق سيكون دور الأمم لا أكثر من مشرف على لجان ستدرس إمكانية حدوث انتخابات أم لا. أما الاحتلال، وبشكله الواقعي أو السيادي، فسيبقى لقوات الاحتلال. وستلعب دوراً مخدراً من شأنه أن يطيل أمده( ).
ولهذا السبب أعلنت قيادة المقاومة موقفها الواضح في كشف التواطؤ الذي تمارسه المنظمة الدولية بأوامر من الولايات المتحدة الأميركية. ورفضت أن يكون لها دور في العراق، لأن أي وجه من وجوه المساعدة التي قد تقوم بها الهيئة الأممية لن يكون إلاَّ تواطؤاً، فهي لم تتمتع »بالمصداقية والحياد على الإطلاق طيلة تواجدها وعملها التفتيشي على أرض العراق بحثاً عن أسلحة التدمير الشامل«. وكان موظفوها»غير محصنين من التعامل أو الخدمة التجسسية لصالح الولايات المتحدة وغيرها«( ).
ومما يذكر أن فضيحة التجسس على الأمين العام قد فتحت الباب أمام فضيحة ثانية تتعلق بتعرض هواتف مفتشي الأمم المتحدة في العراق لرقابة دائمة من قبل الولايات المتحدة وبريطانيا، حيث أعلن ريتشارد باتلر رئيس لجنة التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل العراقية السابق أنه كان هدفاً لشبكة تجسس خلال قيامه بمهماته فيما بين العامين 1997 و1999 وقال:إن هواتفه كانت مراقبة على الدوام خلال مهمته في رئاسة وفد التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل العراقية موضحاً أن المراقبة كانت تتم من قبل جواسيس دول كبري، وأضاف على الأقل هنالك أربع دول كبري أعضاء في مجلس الأمن كانت تتنصت على كل محادثاتي( ).
من جهته اكتفي الأمين العام للأمم المتحدة بالقول إن المعلومات المخابراتية الخاطئة قد تسببت في أضرار يحتاج إصلاحها إلى وقت طويل دون أن يشير إلى حق المجتمع الدولي في معاقبة الذين خدعوه بتلك المعلومات، وهو موقف لا يختلف كثيراً عن موقفه من الفضيحة التي كشفتها الوزيرة البريطانية السابقة المستقيلة كلير شورت حين قالت: إن حكومة بلادها كانت تتجسس عليه بشكل منتظم، إذ اكتفي عنان بمطالبة لندن بالكف عن هذه الأساليب !! ( ).
وابتدأت تداعيات خداع المجتمع الدولي تظهر تباعاً. فقد أعلن ثاباتيرو، رئيس الحكومة الإسبانية الجديد، تحديه لـجورج بوش حيث قال: إنه لن ينصاع لمطالب الرئيس الأمريكي بأن تقف القوات الإسبانية جنبًا إلى جنب مع قوات الاحتلال الأمريكي في العراق( ). وقال إنه سيعلن عن استدعاء 1300 عسكري أسباني منتشرين في العراق منذ صيف 2003، بعد تسلم مجلس النواب الجديد مهامه ، وقال: إن حرب العراق كانت كارثة، والاحتلال كارثة( ). وهذا ما نفَّذه بالفعل ابتداءً من العشرين من شهر نيسان/ أبريل 2004م.
ولحق به وزير الدفاع في دولة هندوراس الذي صرَّح بأن حكومة بلاده قررت سحب قواتها العسكرية الموجودة بالعراق والبالغ قوامها370 جنديًا يعملون تحت القيادة الأسبانية التي تعمل بدورها تحت القيادة البولندية في محافظات العراق الجنوبية والوسطى( ).
كما صرَّح وزير الخارجية الكرواتي أن بلاده تراجعت عن إرسال قوات إلى العراق والتوقيع على اتفاق مع واشنطن يعفي الجنود الأمريكيين من المثول أمام المحكمة الجنائية الدولية.
وعلى الصعيد نفسه أعلنت كوريا الجنوبية أنها ستؤخر إرسال قواتها إلى العراق إلى آخر حزيران/ يونيو بدلاً من نيسان/ أبريل. وإلى أنها تفضل إرسالها إلى أحد المناطق الجنوبية بعد اتضاح استمرار تدهور الموقف الأمني بمدينة كركوك الشمالية وهو ما كانت الولايات المتحدة تصر على استخدام القوات الكورية في العمليات الأمنية هناك.
وفى استراليا، حدد زعيم حزب العمل الأسترالي، إذا ما فاز الحزب في الانتخابات الاتحادية العامة ،أنه سوف يعيد تلك القوات إلى الوطن بحلول أعياد الميلاد( ).
بعض الغربيين، ومنهم من مواطني التحالف الأميركي – البريطاني، لم يجدوا أي سبب يبرر الاحتلال، كمثل الاتهام الذي وجَّهه عضو بارز في مجلس اللوردات البريطاني للمدعي العام غولد سميث بأنه قام بالبحث عن تفسير قانوني بأي ثمن لتبرير الحرب علي العراق أو بعبارة اللورد »قحط قاع البرميل القانوني بحثاً عن تفسير«( ). ولأن قرار الحرب على العراق واحتلاله كان من دون غطاء قانوني أو شرعي، خاص أو عام، وُصِف العمل الذي تشاركت فيه بريطانيا وأميركا بأنه »سطو مسلَّح«( ).
لكل تلك الأسباب، ستتعرض تحالفات الولايات المتحدة الأميركية الدولية والإقليمية إلى شروخ و تصدعات و انهيارات يصعب على أي محلل تصورها و تقديرها من الآن؛ ولكنها بلا شك ستكون فادحة. ولم تتردد بعض الأصوات الداخلية الأميركية عن الكشف عن مصير أميركا من دون تحالفات دولية، أو عن مصيرها وهي تتفرَّد في قيادة العالم بعيداً عن أية مساندة دولية، السبب الذي يساعد على الدعوة إلى التعددية القطبية:
تلك هي مادلين أولبرايت، وزيرة سابقة للخارجية الأميركية، وممن لا مكان في قلبها حباً بنظام حزب البعث في العراق، وممن لهم علاقات وثيقة مع العدو الصهيوني، تتوجَّه بالنقد –المشوب بالخوف- من مستوى الأداء السيئ التي هي عليه إدارة المحافظين الأميركيين المتطرفين الجدد. وهي تستند –في مخاوفها إلى أن الشعب الأميركي لن يستطيع أن يتحمَّل مشاهد التوابيت الجديدة التي تصل إلى أميركا كل يوم، والخوف الأشد هو أن تلك التوابيت تصل من دون أي أفق منظور للحد من وصولها من جهة، ولأن أميركا لا تقبض ثمنها »سنتاً واحداً« من جهة أخرى. وإذا كان على أميركا –أمبراطورية الرأسمالية في العالم- أن تقوم بمغامرات حربية مجزية ومن دون ثمن، عليها أن تحصِّن حروبها بدائرة من القطبية الرأسمالية المتعددة( ).
فإذا كان المشروع الإمبراطوري الأميركي يقوم على (عقيدة الولايات المتحدة بلاد الرب المختارة)، فهذا لا يترك مكاناً لحلفاء الولايات المتحدة الأميركية في تلك العقيدة لأنهم ليسوا أميركيين، ولن يترك مكاناً –أيضاً- لبقية دول العالم الممثلة في الهيئة العامة للأمم المتحدة( ). تلك الإيديولوجيا جامحة بلا شك، وهي لن تتعايش مع غيرها من الإيديولوجيات الأخرى، حتى تلك التي يأتي تصنيفها في نادي الدول الرأسمالية، فكيف يكون الأمر –في مثل تلك الحال- مع الدول الأخرى المفترَض أن تكون هدفاً لابتزاز الولايات المتحدة الأميركية وهيمنتها؟
فإذا كانت الولايات المتحدة تضغط على الدول الفقيرة، أو التي تحتاج إلى إعادة جدولة ديونها، فإن تشكل حلف دولي تقوده أوروبا أصبح أمراً ميسوراً أكثر من أي وقت مضى، وهو بدوره يشكل تهديداً يكبح جموح الحلم الإمبراطوري. وبهذا »يمكن لاتحاد أوروبي عملاق أن يجني ثمار تجنب محاكاة الإمبراطورية الأمريكية ويدعم منظمة الأمم المتحدة«( ).
فإذا كان جموح المتطرفين الأميركيين الجدد لا يرى ولا يسمع أي شيء خارج ذاته، لأنه لم ييأس من إمكانية نجاح مشروعه، وهو يتابع ما يعتبره لعبة النجاح حتى آخر أشواطها في العراق، فإنما يحدوه أمل بتحقيق نصر ما –حتى لو كان محدوداً- ليجدد انتعاش الحالة الأميركية الداخلية، إلاَّ أن عوامل الصراع الداخلي الأميركي ستدفع بالطرف المعارض إلى تلقف الرسائل الأوروبية بجدية واهتمام. وبالتالي إن العامل الأوروبي، بما يمكن أن يولِّد من متغيرات على صعيد العلاقات الدولية –خاصة على صعيد المنظمة الدولية- سيكون لاعباً داخلياً مؤثراً في السياسة الداخلية الأميركية، بمعنى أن يكون معانداً ضد مشروع الأميركيين المتطرفين، ومسانداً للمعتدلين من الحركات والأحزاب والقوى الأميركية، أو بتشبيه أقرب للواقع من الممانعين للمشروع الذي تنقاد إليه إدارة الرئيس جورج بوش الإبن.
أما الحقيقة فهي أن غرق الأميركيين في العراق سيؤدي إلى حصول أزمة في الطاقات المالية للإدارة الأميركية. إن »إصلاح العراق سوف يستهلك أغلب الطاقات المتاحة للإدارة الأمريكية على مدى العام 2004م، والذي سيكون التركيز خلاله منصباً على احتواء الأزمات الأخرى وبناء إجماع دولي أكثر صلابة بشأن الردود الصحيحة على الكثير من التحديات الأمنية«( ).
وبالإجمال، شنت أميركا حربها بطريقة تفتقر إلى الأمانة أفقدتها حلفاءها الأساسيين، وأجّجت غضب الرأي العام العالمي، وصبت براكين من الكراهية وجعلت الحرب على الإرهاب أكثر صعوبة والنصر فيها أبعد مما كان( ).

خامساً: كيف تخرج أميركا من المستنقع العراقي؟
قبل الذهاب إلى العراق كانت الولايات المتحدة تبدو عملاقاً عسكرياً قادراً على كل شيء والآن نرى أن لقدرات هذا العملاق حدوداً( ). كما أن »التكنولوجيا المتطورة وهي الميزة الأساسية للجيش الأمريكي أظهرت عجزها في هذه الظروف الجديدة«( ).
على الرغم من تجهيل الإدارة الأميركية لواقع مآزقها في العراق، فهي متأكدة من أنها تعاني من الصعوبات الكثيرة التي وضعتها أمامها المقاومة الوطنية العراقية. وهي إن كانت تعمل جاهدة لكسب الوقت الذي يداهمها، والذي يفصل بينها وموعد الاستحقاق الانتخابي في خريف العام 2004م، باللجوء إلى أقذر أساليب القمع الوحشي ضد الشعب العراقي، في محاولة يائسة لإنهاء المقاومة العراقية أو على الأقل تحجيمها.
إن تكتيكات كسب الوقت لن تنقذها من مصير صعب، وإن كانت تحلم بأن مغامرتها ستؤدي إلى سيطرتها، حتى ولو بصعوبة فائقة، على العراق، إلاَّ أنها تعدُّ لوسائل الهروب من المآزق العراقية، بتكتيكات خاضعة لقاعدة استنفاد كل الوسائل، أي الغوص بأساليب »التجربة والخطأ«، لعلَّ وعسى. وهي إن لم تستطع أن تحتوي عراقيل إفشال مشروعها، فهي تراهن على تبييض الصورة –من خلال الإيحاء بأن هناك انتصارات ما تحققها في العراق- على أمل أن تستثمر نتائجها في المعركة الانتخابية، لعلَّ عودة جورج بوش –بما يتميز به من مواصفات خاصة وخصوصيات تريح المحافظين المتطرفين الجدد- ما يعطيها فرصة أربع سنوات تتوهَّم أنها تنجز فيها في العراق ما عجزت عنه في أخواتها الأربع السابقة.
إن أفضل النتائج التي ترى إدارة المحافظين الأميركيين الجدد هي أن تمنع الموقف الحالي من الانحدار نحو أسوأ منه، ومن تلك النتائج لا يغيب عن بالها أنها سوف تخرج من العراق بطرق ملتوية على قاعدة »الخروج إلى الداخل«، وهو ما اشتهر بخطة تعمل قوات الاحتلال على تطبيقها في العراق على قاعدة »عرقنة المأزق«، أي تسليم السلطة السياسية الشكلية إلى »إدارة عراقية«، وتسليم الأمن إلى قوات عراقية.
أما الدور السياسي لقوات الاحتلال، فيتحصَّن في داخل المؤسسات السياسية العراقية، آمراً ناهياً، على أن تكون الواجهات العراقية صاغرة »باصمة«.
وأما دورها العسكري، فيتحصَّن في قلاع معزولة خارج الأماكن السكنية، مراقباً ناقداً، على أن تكون الواجهات الأمنية والعسكرية العراقية، جداراً واقياً يتلقى اللكمات وتواجه الموت على أيدي المقاومة العراقية، راضية بقبض الرواتب الهزيلة من خيرات بلادها ليتلذَّذ بفوائدها ونعمها كل من كان له »مرقد عنزة« في جنة المحافظين الأميركيين المتطرفين الجدد.
إن احتيال إدارة جورج بوش على واقع الحال في العراق لن يعفيها، عاجلاً أم آجلاً، من اتخاذ قرار بالخروج منه. وهي إن قرَّرت ذلك، فسوف تعمل جاهدة للخروج بشكل لا يظهر أن أميركا قد هُزِمت. فمثل تلك الطريقة في الخروج تُعدُّ الجامع المشترك بين الإدارة الحالية والمعارضة الأميركية، بمن فيها الحزب الديموقراطي.
حتى منظومة الدول الرأسمالية ترى في هزيمة أميركا العسكرية إهانة لها، وهي إن كانت لا تريد للمشروع الأميركي المتطرف أن يفشل، لكنها لا تكون سعيدة أن ترى الجيش الأميركي –كأحد رموز قوة المنتدى الرأسمالي- يعيش حال الهزيمة.
فإذا كان الأطراف الثلاثة يتحاربون على طبيعة مشروع الإدارة الحالية بوظائفه وأهدافه ووسائله إلاَّ أنهم يجمعون على منع الهزيمة عن القوة العسكرية لأي منهم. فبين عوامل التناقض وعوامل الاتفاق مساحة تُفتِّش فيه الأطراف الثلاثة عن مخرج مناسب لأزمة الإدارة الأميركية الحالية في العراق.
ومن نقطة البداية هذه يمكن استشراف مستقبل الصراع الأميركي – العراقي، بما يتيح من فرصة لوضع تصورات عن الاحتمالات التي ستحدد نهاية لما يدور الآن.
أولاً: لن يسمح الديموقراطيون بانسحاب فوري لأنه يحطم هيبة أمريكا في العالم . و لكن إذا تواصل الاستنزاف الأمريكي بنفس المعدل الحالي -على الأقل- فقد يكون المخرج في إسقاط بوش في الانتخابات و انتخاب رئيس جديد يعلن سياسة جديدة للانسحاب من العراق وتحميل إدارة بوش مسئولية الكارثة.
وحول هذا، أكد محللون أمريكيون أن إدارة بوش تعيش أزمة مستعصية بسبب المقاومة العراقية. وإنها لن تستطيع البقاء طويلاً في العراق مع ما تعانيه من تراجع في التأييد الشعبي لاحتلالها. وعلى الرغم من وجود مساندة شعبية أميركية لغزو العراق، ألا أن بعض استطلاعات الرأي تكشف وجود ضيق متزايد من الاحتلال، وهو الأمر الذي يراه الخبراء بداية للمطالبة بالانسحاب خاصة إذا تعرضت القوات الأمريكية لهجوم كارثي أو في حال لم تتحسن الأوضاع الأمنية. (إشارة إلى نتائج استطلاع للرأي أجرته صحيفة شيكاغو تريبيون.).
إن قراءة تاريخية لتجارب الولايات المتحدة تشير إلى أن التجربة الحالية ستلقى المصير ذاته، ومنها: أدى الإحباط الشعبي إزاء عجز الرئيس الأمريكي هاري ترومان عن إنهاء الحرب الكورية في العام 1952 إلى تخفيض شعبيته إلى 23 % وهي أدنى نسبة بلغتها شعبية رئيس أمريكي في تاريخ استطلاعات الرأي. وعلى نحو مماثل، أجبر سخط دام ثلاث سنوات جراء تورط الولايات المتحدة في فيتنام الرئيس ليندون جونسون الذي فاز بمنصب الرئاسة بأغلبية كبيرة على عدم السعي لترشيح نفسه لفترة رئاسية ثانية( ).
إن ما يدفع بالأميركيين إلى إعلان استيائهم وخوفهم من المزيد من الغرق في العراق، هو الذي يدفع أهالي الجنود البريطانيين إلى إعلان ما يعلنه الأميركيون، (وإذا كنا لا نولي اهتماماً لما يحصل في بريطانيا ليس إلاَّ لأن التداعيات التي تحصل هناك هي صورة مكمِّلة لما يحصل في أميركا. فنتائج ما يحصل في بريطانيا سينعكس على مستوى أداء إدارة الاحتلال الأميركي في العراق. وفي الهامش نعطي نماذج للساحة البريطانية)( ).
1-الإدارة الأميركية تفتش عن حلول تسمح بخروجها من المأزق العراقي
وحول احتمالات الحلول، يمكن أن نستعرض بعضاً من مواقف مسؤولين أميركيين:
أ-يرى بيتر فيفر، عضو مجلس الأمن القومي السابق في البيت الأبيض أن عمليات المقاومة العراقية تحوَّلت من كونها إزعاجا تكتيكياً إلى كونها عبئاً استراتيجياً على أمريكا. وهذا ما يفرض السؤال: هل بدأت الإدارة الأميركية تفقد المبادرة؟ ومن سيكسب الحرب هناك؟
ب-يقول هنري كيسنجر، وزير الخارجية الأمريكي الأسبق: يخطئ البعض إذا تصوَّر أن أمريكا ستنسحب من العراق. قد يكون المكوث في العراق سيئاً وخطيراً ولكن الانسحاب هو البديل الأسوأ لأنه يعني هزيمتنا أمام العالم.
ج-يقول رامسفيلد، وزير الدفاع الأمريكي: أمام كل عمل دفاعي كان الإرهابيون يتحركون صوب طريقة أخرى للهجوم. فالطريقة الوحيدة لهزيمتهم –كما ترى إدارة الرئيس بوش- هي أخذ الحرب إليهم عن طريق ملاحقتهم أينما يعيشون أو أينما يخططون للاختباء. فلا مأخذ على استراتيجيته سوى ضرورة رفع وتيرتها، بما يوجب تطوير الهجوم بشكل كاسح لمنع تشكيل جيل جديد من الإرهابيين، لا بل إيقافهم قبل أن يتمكنوا من إرهابنا أي إيقافهم حتى قبل أن يصبحوا إرهابيين. فالولايات المتحدة لا يمكنها العيش وراء متاريس.
وبما أن الحرب على الإرهاب لا يمكنها إلا أن تبقى مفتوحة. وإنها في بداياتها الأولى ولن تخسرها الولايات المتحدة –كما يرى رامسفيلد- إلا إذا امتنعت عن تصعيدها. فما العمل إذا ما استمرَّت الخسائر الأمريكية؟
إنها إستراتيجية الخروج إلى الداخل، أي الجمع بين عدم الانسحاب والابتعاد عن ضربات المقاومة، وذلك يتحقق بما يسمى بعرقنة الصراع أي جعل الصراع عراقياً – عراقياً. وبدلاً من زيادة القوات الأمريكية لضبط الأمن، ستكثف الجهود لإنجاز إعادة بناء الجيش العراقي. وهذا سيسمح في النهاية بخفض القوات الأمريكية وإعادة العديد منها إلى بلادها.
و لكن ماذا يحدث لو فشلت الإستراتيجية الأمريكية الجديدة في العراق و هو أمر غير مستبعد بأية حال على المدى البعيد ؟ يتوقع مراقبون انسحاباً أمريكياً على غرار الصومال لتترك العراق نهباً لحروب أهلية وصراعات لا يبدو لها نهاية في الأفق القريب ( ).
بقاء قوات الاحتلال في العراق وصموده دونهما ثمن غالٍ لا بُدَّ لإدارة الرئيس بوش من أن تدفعه، ولكن دون دفعه تحول عدة عقبات؛ فهي بحاجة لثلاث مصادر من أجل ضمان أمن قواتها في العراق: زيادة أعداد الجنود الأميركيين، وبحاجة للدعم الدولي، وبحاجة إلى تدريب عناصر الجيش العراقي. وإن تأمين تلك المصادر بغاية من الصعوبة، تناولها البحث في أكثر من مكان. ولذلك تخطط إدارة بوش وراء الكواليس وفي القاعات السرية عن حلول وبدائل.
على الرغم من نفيها المعلومات، بدأت إدارة بوش تفكر باستراتيجية للخروج من العراق. ويبدو أن اقتراب الحملة الانتخابية –في تشرين الثاني/ نوفمبر القادم- يضغط علي بوش، ويدفعه للتفكير جدياً بمثل تلك الخطة وفي أسرع وقت. على أنها لا يمكن أن تنجح بدون تدريب القوات العراقية، التي ستأخذ علي عاتقها قتال من يسميهم بقايا البعث العراقي( ).
وإن عرقنة الأمن، كحيلة تلجأ إليها الإدارة الأميركية، يوفِّر خسارة الأرواح بشكل مؤقت تدع فرصة لالتقاط الأنفاس قبل الاستحقاق الانتخابي، لن يكون حلاً بسيطاً. أما السبب فيكمن في أن المقاومة العراقية، التي أجبرت قوات الاحتلال بكل ما فيها من أعداد، وما فيها من آلة عسكرية متقدمة، على الانكفاء، لن تكون عاجزة أمام مجاميع من الميليشيات التي لا خبرة لديها تحميها من عمليات المقاومة، ولا إيديولوجيا موحَّدة تحصِّنها في الصمود.

2-الخروج من العراق هو الحل الوحيد
حذر (سكوكروفت)، المستشار السابق لشؤون الأمن القومي (وكان من المعارضين جداً لعملية اجتياح العراق، بحجة أنها تحول الاهتمام عن أعمال محاربة الإرهاب وتنظيم القاعدة) في حوار مع مجلة (اكسبريسو) البرتغالية الأسبوعية (قد يتحول العراق إلى فيتنام) بطريقة لم تعرفها حتى حرب فيتنام. وإن خروجنا من فيتنام لم تكن له انعكاسات خطيرة، بينما إذا كنا نريد الخروج من العراق اليوم، فإن النتائج ستكون في غاية الخطورة( ).
وعلى الرغم من المحاولات الأمريكية في التحايل على الوصول إلى حلول تبقيها في العراق، بشكل أو بآخر، سواء بأدوات محلية عميلة أو بأدوات دولية فإنها لا تزال تتخبط الآن، ولن تكون النتيجة في المستقبل غير ذلك. ولأن أسس المقاومة الوطنية العراقية ثابتة فإن إدارة بوش لا يمكن أن تحقق كسباً: فإما أن تتجاهل موجة الهجمات الموجهة ضد قوات الاحتلال، أو تقرَّ بها فالخياران ليس أحدهما أفضل من الآخر.
وتبقى فكرة الرحيل عن العراق في مثل تلك الظروف، التي ربما تكون مهينة للأمريكيين، هي الحل الأوفر حظاً. غير أن تسليم مقاليد الأمور بشكل حصيف لسلطة دولية يعد الأفضل بين خيارات جميعها سيئ يتعين على البيت الأبيض المفاضلة بينها( ).
وستتم خطة الانسحاب المحتملة بشكل تدريجي، ظناً من قيادة قوات الاحتلال أن الانسحاب التدريجي –مع تسليم الأمن لقوات عراقية- يخفف الخسائر بين صفوفها، فتتجمَّع معظم قواتها في ثكنات عسكرية بعيدة عن المدن( ). وفي تقديرنا أن تلك الخطة ليست إلاَّ احتيالاً على الرأي العام العراقي والعربي والدولي، في محاولة لإبقاء الاحتلال الفعلي، ولكن بأدوات عراقية تعطيها حق البقاء بصورة شرعية بناء على اتفاقيات خطية بين الاحتلال وعملائه.
عندما تتساوى النتيجتان: بقاء في العراق على الرغم من تحمل الخسائر البشرية والمادية بدون وضوح نهاية لتلك الخسارة، أو الخروج منه على الرغم من خسارة أميركا المعنوية وهذا يُدفع مرة واحدة، فسيكون الحل أن تختار الطريق الذي يجعلك تدفع الخسارة مرة واحدة من أن تدفعها بالتقسيط ومن ثم ستدفع ما يماثلها لاحقاً شئت أم أبيت.
هذا هو السبب الذي دفع بأحد أعضاء الكونغرس الأميركي إلى مناشدة الكونغرس في إحدى جلساته قائلاً: »لقد وصلت إلى اللحظة الكمبودية في حرب العراق«. كان يشير بذلك إلى حرب سابقة عندما قال الشيخ مانسفيلد زعيم الأكثرية في مجلس الشيوخ الأميركي، أثناء اجتياح كامبوديا، إنه لا يستطيع أن يتحمل حرب فيتنام أكثر مما فعل. وقال هولنغز إنه لا يريد الانتظار بقدر ما فعل مانسفيلد إزاء فيتنام. ولمواجهة السلوك المرضي لنظام بوش يقول إن اعتبار هذه (الحرب) ليست تكرارا لفيتنام كلام عديم المعنى. والدمدمة في قلب أميركا التي يمثلها هولنغز أمر في غاية الواقعية وتنتشر بسرعة كبيرة ( ).
تملك الولايات المتحدة من القوة العسكرية ما يمكنها من البقاء في العراق إلى ما لا نهاية، ولكن هذا لن يكون إلا من خلال التضحية المستمرة بالأرواح في مغامرة طائشة لم يفصح عن الهدف منها بأمانة( ).
احتلال بغداد دون أي مقاومة أزال من قلوب الأميركيين المخاوف، وظنوا أن الأمور ستسير حسب أهوائهم بعد ذلك وهو ما لم يحدث. فقد انقضى عام دون أن يطرأ أي تغيير، وها هم الآن يخشون من التورط في المستنقع العراقي كما تورطوا من قبل في فيتنام. من المفضل الخروج من العراق بكرامة، بشكل يتزامن مع تحويل الإشراف على الدولة إلى مؤسسات الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، وحتى إلى منظمة عربية عامة( ).



ملاحق الفصل الثامن
قائمة تفصيلية بالدول المشاركة في احتلال العراق (عسكرياً ومالياً)
‏24‏/10‏/2003 المختصر/ المسلم / وتضم القائمة التالية، الدول العالمية المشاركة بقوات عسكرية أو قوات غير عسكرية، أو موظفين، في العراق، مع أعدادهم، بالإضافة إلى قائمة أخرى بأسماء الدول التي أعلنت قبيل وأثناء مؤتمر مدريد للدول المانحة، بتقديم مبالغ مالية كمساعدة في إعادة إعمار العراق، مع ذكر المبالغ التي وعدت بها، والفترة الزمنية التي ستقدم فيها هذه المعونة.
1-ألبانيا -بـ71 جندي غير مقاتل، ويوجد مقرها في شمال العراق.
2-أذربيجان –وتشارك بوحدة ذات 150 موظف.
3-بلغاريا - وتشارك بكتيبة مشاة مؤلفة من 485 جندي.
4-أمريكا الوسطى و الكاريبي ( جمهورية الدومينكان)، وتشارك ب300 جندي.
5-السلفادور، وتشارك بـ 360 جندي.
6-هندوراس وتشارك بـ 360
7-نيكاراجوا وتشارك بـ120، حيث تساعد لواء عسكري بقيادة أسبانية في جنوب وسط العراق.
8-جمهورية التشيك- وتشارك بـ 271 موظف .
9-الدنمارك- وتشارك بـ 406 جندي.
10-جورجيا- وتشارك بـ 69 .
11-أستونيا- وتشارك بـ 55 جندي.
12-المجر - وتشارك بـ 300 موظف في العراق .
13-إيطاليا -وتشارك بـ3,000 جندي، يتمركزون في جنوب العراق .
14-مولدافيا- وتشارك بعشرات الأخصائيين بنزع ألغام، والأطباء .
15-هولندا- وتشارك بـ 1,106 من بينهم 650 من جنود البحرية و230 مهندس عسكري.
16-نيوزيلندا – وتشارك بـ61 مهندس جيش للعمل على إعادة البناء في جنوب العراق .
17-النرويج: وتشارك بـقوة مؤلفة من 156 جندي، منهم مهندسين.
18-الفلبين: وتشارك بـ177 جندي, من بينهم عناصر شرطة وجنود خدمات طبية.
19-بولندا: وتشارك بـ2,400 وتعمل كقيادة للجنود الدوليين في ثلاثة قطاعات عسكرية في العراق .
20-البرتغال: وتشارك بـ120 ضابط شرطة .
21-رومانيا: وتشارك بـ800 موظف عسكري,.
22-سلوفاكيا - وتشارك بـ 82 مهندس عسكري.
23-كوريا الجنوبية وتشارك بـ 675 من الأفراد الغير عسكريين.
24-أسبانيا -وتشارك بـ 1,300 جندي, يتمركزون في جنوب وسط العراق.
25-تايلاند -وتشارك بـ 400 جندي، مكلفين بالقيام بأعمال إنسانية؟!.
26-أوكرانيا - وتشارك بـ 1,640 جندي.
27-المملكة المتحدة (بريطانيا) وتشارك بـ 7,400 بالإضافة إلى 1,200 من المتوقع أن يصلوا قريباً
(28)-بالإضافة إلى كل من كازاخستان، سترسل (27), ولاتفيا (106), وليتوانيا (90) ومقدونيا.
.
***
الأصدقاء يقطفون عقود الإعمار في العراق!
بول كروغمان: المستقبل - السبت 4 تشرين الأول 2003 - العدد 1417 - رأي
لقد صار الأمر رسمياً. إدارة بوش التي كانت تحتقر عمليات بناء الدول، صارت من دُعاتها وبُناتها؛ وهي اليوم منهمكة في بناء العراق بخطة مثل خطة مارشال. والفرق الوحيد هو أن العراق اليوم ليس ألمانيا ما بعد الحرب الثانية، كما أن جورج بوش الابن، ليس هاري ترومان! وفعلاً، ففي حين قاد ترومان أميركا للقيام بالعمل الأقل دناءة ـ حسب تشرشل ـ في تاريخ العالم؛ فإن الأمور في العراق تزداد كل يوم شذوذاً ودناءة. وهذه القذارة ليست عارضة وتزول، في عملية نبيلة بمجملها. ان محاباة الأصدقاء عامل حقيقي في الشأن العراقي منذ البداية، فإعادة الإعمار ليست فقط أكثر تكلفة مما ينبغي أن تكون، بل ان تلك المحاباة تُفسد السياسة بحيث تُعطى العقود كجوائز للأصدقاء، وتتأخر عمليات الإعمار، في ظروف توشك أن تصبح كارثية.
ان الذي لا يُذكر الآن إلاَّ نادراً أن الأميركيين أيام ترومان كانوا مهتمين فعلاً بالنزاهة والشفافية، وأن لا يكون هناك فساد أو إفساد. ولذلك تولت تنفيذ خطة مارشال لجنة مستقلة عن البيت الأبيض، وأعلن مارشال أن الأولويات سيحددها الأوروبيون وليس الأميركيين. ولحسن الحظ، فإن تأكيدات ترومان كانت صحيحة. وفي حين نحتفل به الآن باعتباره إحدى قيادات ما بعد الحرب، صار معروفاً عنه عداؤه لتجار الحروب وإمكان إفادتهم منها. وقد كان يعتبر ذلك خيانة عظمى.
أما إعمار العراق، فعلى العكس من ذلك، إذ يبقى بالكامل بيد البيت الأبيض. وإدارة بوش من تلك الإدارات التي لا تهتم بتضارب المصالح، ولذلك يكون علينا أن لا نتذكر إدارة ترومان الآن، بل إدارة هاردنغ. فقد أُعطي عقد ضخم لهيلبرتون، وهي الشركة التي جعلت من ديك تشيني رجلاً غنياً، وبذلك تحققت التوقعات بهذا الشأن. وفي الوقت الذي يسوء فيه الموقف في العراق، ويطالب مجلس الحكم الانتقالي بالمزيد من الصلاحيات، يصر الأميركيون أن يظلّ كل شيء بيدهم، خصوصاً عقود الإعمار. وأضرب مثلاً على ذلك بالعرض الذي تقدمت به شركتان شرق أوسطيتين لاستحداث شبكة هاتف خلوي بالعراق، ولأن نظام الاتصالات تخرب في الحرب، فقد كان يجب أن تفرح الإدارة بسبب ذلك. لكن حدث العكس، فقد أقفلت الإدارة الأميركية بالعراق تلك العروض، زاعمة أنه لا بد من مناقصة. وفي 31 تموز، أُعلن عن شروط المناقصات، ومنها الخلوي، لكن الشروط ما تزال تُحابي الشركات الأميركية. وقد قيل أن نتائج المناقصة على التلفون ستُعلن في أيلول، لكن الموعد يتأجل باستمرار. ولا يملك الهاتف الخلوي الآن غير بريمر ومساعدوه، ويقال أن الامتياز سيُعطى لـ (MCI) وهذه شركة لا تعمل تجهيزاتها جيداً، وهي ارتكبت أكبر عملية غش في تاريخ الشركات، ثم انها أخيراً لا خبرة لها في تركيب الشبكات.
وهناك من جهة أخرى الكهرباء. وأحد أسباب تأخر عودة التيار هو أن الأميركيين استبعدوا منذ البداية الخبراء العراقيين والمؤسسات العراقية، وعوضاً عن ذلك أُعطي العقد لشركة بكتل؛ التي تربطها علاقات جيدة بالجمهوريين مثل هيلبرتون. وإذا شئنا أن نصدّق "واشنطن بوست"، فإن بكتل ما تزال لا تلبي طلبات المهندسين العراقيين بشأن قِطَع الغيار. ويقال الآن أن قريبين من الإدارة البوشية أو أعضاء فيها يتوسطون الآن للشركات من أجل الحصول على عقود لها، يستفيدون هم منها. فالشركة القانونية، التي كان يعمل فيها دوغلاس فيث مساعد وزير الدفاع، حصلت على عقد. وكذلك شركة أُخرى فيها جو ألبو، منظم المعركة الانتخابية لبوش وتشيني عام 2000. ثم هناك باب ثالث يرعاه ابن أخ أحمد الجلبي المعروف.
هناك مشكلة أخلاقية عالقة: المتفائلون الذين يأملون أن تستقيم السياسات في العراق، يخدعون أنفسهم. ولننظر في ذلك: تكلفة الاحتلال تتصاعد كل يوم. والخبراء العسكريون يحذرون من أن جيشنا صارت أعباؤه تفوق قدراته. والإعمار العراقي ما يزال يتعثر، والأمن يتردى، والإدارة منهمكة في توزيع العقود على أصدقائها: فما الذي يجعلنا نتفاءل بأن الأمور ستتغير؟
(نيويورك تايمز 2/10/2003)
***
أولبرايت‎ ‎: لا أحد يعرف ما ذا سيحدث في العراق حيث يقتل جندي أو اثنين يومياً
‏18‏/10‏/2003 المختصر/ القناة / دافعت‎ ‎وزيرة‎ ‎الخارجية‎ الأميركية ‎السابقة‎ ‎مادلين‎ ‎أولبرايت‎ ‎عن‎ ‎تعدد‎ ‎القطبية‎ ‎في‎ ‎إدارة ‏العلاقات‎ ‎الدولية‎ ‎وانتقدت‎ ‎بشدة‎ ‎مجمل‎ ‎السياسات‎ ‎الخارجية‎ التي ‎ينتهجها‎ ‎الرئيس‎ الأميركي ‏جورج‎ ‎بوش‎ ‎وإدارته‎ .‎‏واعتبرت‎ في ‎تصريح‎ ‎لراديو )‎أوروبا‎ ‎واحد) الفرنسي ‎أن‎ أمريكا في ‎نظام‎ ‎متعدد ‏الأطراف‎ ‎ستكون أقوى‎ ‎من‎ ‎وجودها‎ في ‎نظام‎ أحادى ‎القطبية‎.. ‎مشددة‎ ‎على‎ ‎ضرورة‎ ‎أن ‏تتعاون‎ ‎بلادها‎ ‎مع‎ ‎بقية‎ ‎دول‎ ‎العالم. ‎وقالت‎:‎ » ‎يجب‎ ‎على‎ ‎أمريكا‎ ‎أن‎ ‎تكون‎ ‎مع‎ ‎العالم‎ ‎وليس‎ ‎ضده‎.«
وقالت‎ ‎إنه‎ ‎من‎ ‎الصعب‎ ‎أن‎ ‎يكون‎ ‎المرء‎ في ‎فرنسا‎ ‎وينتقد‎ ‎حكومة‎ ‎بلاده‎ ‎لكنها‎ أكدت ‎أنها أقدمت ‎على‎ ‎ذلك ‎لقناعتها‎ ‎بأن‎ ‎الرئيس‎ ‎بوش‎ ‎والذين‎ ‎يعملون‎ ‎معه‎ ‎ينتهجون‎ ‎سياسية‎ ‎غير ‏جيدة‎ ‎لمصلحة‎ أمريكا ‎ومصلحة‎ ‎العالم. وأعربت‎ ‎اولبرايت‎ ‎‎عن‎ ‎مخاوفها‎ ‎من‎ ‎أن‎ ‎تتحول‎ الأوضاع في ‎العراق‎ ‎إلى ‏فوضى‎ ‎حقيقية، مشيرة‎ ‎إلى‎ ‎أنه‎ ‎لم‎ ‎يعد‎ ‎أحد‎ ‎يعرف‎ ‎ماذا‎ ‎سيحدث‎ في ‎العراق‎ ‎حيث‎ ‎يقتل أمريكي ‎أو‎ ‎اثنان‎ ‎كل‎ ‎يوم
***
»لورد بارز ينتقد تقرير المدعي العام البريطاني لغزو العراق«:
16‏/10‏/2003 لندن ـ القدس العربي:
وحسب التقاليد المعمول بها في بريطانيا، فنصيحة المدعي العام تظل طي الكتمان. وكان غولد سميث قد قدم تلخيصاً لنصحيته للحكومة، في رسالة قدمها للبرلمان، عندما طلبت منه لجنة برلمانية الإجابة علي سؤال بصدد المشاركة البريطانية في العراق. وكان لورد الكسندر يتحدث أثناء محاضرة ألقاها في جمعية القانون البريطانية التي كان يترأسها في السابق. وقال إنه من غير المفهوم أن لا يقوم المدعي العام بنشر بقية نصيحته للحكومة، مما يعني أن التفكير وراء الذهاب للحرب والمبرر له لن يقدم للرأي العام. ودعا اللورد إلى قيام المحاكم بإصدار قرارات بشأن الحرب، لان القضاة سيكونون أكثر مسؤولية عندما يتعلق الأمر بتشريع الحرب.
وقارن القاضي بين الحملة علي العراق والعدوان الثلاثي علي مصر عام 1956، عندما تآمرت بريطانيا وفرنسا وإسرائيل، علي الغارة علي مصر، وهي آخر مرة قامت فيها بريطانيا باعتداء عدواني علي بلد ذي سيادة. وقال اللورد انه لو ترك الأمر للقضاة لاتخاذ قرار بهذا الشأن، فان النتيجة التي سيتم التوصل لها، هي أن الحرب ستكون مبررة في حالة واحدة، وهي حالة الدفاع عن النفس.
وأشار اللورد الكسندر ان بريطانيا وأمريكا قامتا فجأة بسحب مشروع قرار ثان يطالب مجلس الأمن بتشريع الغزو، لأنهما كانتا تعرفان أن القرار لن يمرر.
وعندها بدأت بريطانيا وأمريكا بالبحث عن طرق أخرى لتبرير الغزو، ولهذا وجد المدعي العام في قرارات صدرت بحق العراق قبل 12 عاماً مخرجا للازمة، وهذه القرارات التي صدرت عام 1990 طالبت بإخراج صدام حسين من الكويت، وإعادة العملية السلمية في الشرق الأوسط.
وقال اللورد إن قراراً قديماً، صدر لأغراض محددة تم استخدامه كشماعة أو غطاء لفعل عسكري . وقال لورد الكسندر إن الحكومة البريطانية أجبرت على البحث عن أي دليل قانوني والتنقيب في قاع البرميل القانوني لتبرير غزوها للعراق. وأكد أن معظم خبراء القانون الدولي، لم يوافقوا على النصيحة التي تقدم بها المدعي العام للحكومة.
***
توني بين: ما تم في العراق يمثل عملية »سطو مسلح«
‏17‏/10‏/2003 مفكرة الإسلام : أعرب الوزير البريطاني السابق 'توني بين' وهو اشتراكي الاتجاه وعضو حزب العمال -بحسب ما ذكره موقع 'أيرين نيوز' - عن اعتقاده بأن الولايات المتحدة وبريطانيا احتلتا العراق لسرقة نفطه، مشيراً إلى أن التوصيف القانوني للأوضاع في العراق حالياً هو عملية »سطو مسلح«حيث استخدمت الولايات المتحدة وبريطانيا جيوشاً هائلة من أجل سرقة العراق. ودلَّل على صحة رأيه بقوله إن سلطات الاحتلال أعلنت أنه بإمكان الشركات الدولية الذهاب إلى العراق وخصخصة أصول النفط العراقية وأخذها إلى خارج العراق.
وأوضح الوزير البريطاني السابق أن ما يحدث الآن هو أن الولايات المتحدة وبريطانيا تحاولان الاستغاثة بالأمم المتحدة من أجل إنقاذهما من الورطة التي وقعتا فيها، حيث يرغبان أن تكون الأمم المتحدة عبارة عن سيارة إسعاف تلتقط قتلاهما من العراق.
***

بين النتائج الراهنة واحتمالات المستقبل

حيث إن المقاومة العراقية، كما أصبح مؤكَّداً، قلبت كل الموازين الدولية رأساً على عقب، عندما أفشلت المشروع الأميركي الصهيوني في العراق، كان لا بُدَّ من تسجيل بعض النتائج الشديدة الأهمية حول العمل الشعبي المسلَّح كأهم الوسائل التي على الشعوب المُستَضعَفة استخدامها في إعادة صياغة الخلل في موازين القوى العسكرية بين الاحتلال الأجنبي وحركات التحرر الوطني:
1-أصبح من الثابت أن الكفاح الشعبي المسلَّح هو الأداة الرئيسة في طرد الاحتلال الأجنبي. وهو يشكل عامل التوازن الرئيسي بين الضعيف بالتكنولوجيا العسكرية ومالكها.
2-كما أصبح من الثابت أن حالة التراكم في الخسائر بين قوات الاحتلال هي التي ترهقه، وتمنعه من الإمساك بالأرض والشعب، بما يؤدي إلى إفشال أهدافه السياسية.
3-في الدراسة التاريخية لتجارب المقاومة كانت حالة التراكم تمتد لسنوات عديدة قبل أن يشعر الاحتلال بأنه وقع في مأزق. أما من خلال دراستنا لتجربة المقاومة العراقية، فقد توصلنا إلى استنتاج أن حالة التراكم تقوم على قاعدة النسبية، وهي أن نتائج العمل المقاوم لا تقاس بعدد السنين بل بسرعة التراكم النضالي الذي تسجله المقاومة في حركتها ضد قوات الاحتلال.
إن تجربة المقاومة العراقية قد حقَّقت حالة نضالية تراكمية سريعة لم تعرفها كل التجارب الثورية في العالم، ومن أهم نتائجها أنها ستكون محوراً أساسياً لدراسات أكاديمية ستعمل على تغيير الكثير من معالم الاستراتيجيات العسكرية التقليدية السائدة في العالم، سواء منها المتعلقة باستخدام الحروب النظامية كوسائل للسياسة الاستعمارية، أو للأنظمة السياسية التي تخشى نتائج الحروب العسكرية النظامية وتبتعد عن خوضها بحجة أنها لا تستطيع تأمين مستلزماتها.
استندت حجج النظام العربي الرسمي في امتناعه عن خوض حرب تحرير فلسطين إلى عجزها عن إحداث توازن مع الآلة العسكرية الصهيونية. ونصحت النظام السياسي لحزب البعث في العراق بأن لا يقف في مواجهة الآلة العسكرية الأميركية لأنها »كاسحة ماسحة«. بل واستغربت إصرار القيادة العراقية على اختيار المواجهة بدل الاستجابة للإملاءات الأميركية، إلى الحدود التي أخذت فيها بعض الأنظمة والأوساط الإعلامية التابعة لها تسخر من »رومانسية« حزب البعث وأمينه العام، وبشَّرت بأن البعث وأمينه العام يقودان الأمة العربية إلى هزيمة أخرى، تحت شعارات خطابية فارغة من المضمون.
لقد تبيَّن أن الاستراتيجية التي وضعتها قيادة حزب البعث في العراق، ليست إلاَّ الاستفادة من عوامل القوة للشعوب المستضعفَة. لذا راحت تضع استراتيجيتها، مستفيدة من إمكانيات السلطة، موضع الاعداد والتحضير. وهذا ما أكَّدته تقارير تسرَّبت عبر وسائل الإعلام الغربية.
كثيرة هي الأوساط السياسية والثقافية والفكرية والإعلامية العربية هي التي نعت –في التاسع من نيسان من العام 2003م- نظاماً عربياً رسمياً آخر وضمته إلى لائحة الأنظمة التي سجَّلت اسمها في تاريخ »الهزائم العربية«. ولكنها استفاقت على ما وصفته بالظاهرة القتالية »اللا متوقَّعَة«، ومن خلالها راحت تنسج افتراءات وتهم –منسجمة بالترويج لها مع الإعلام الأميركي- لكي تجرِّد التجربة الجديدة من أهميتها وفضلها على إعادة صياغة أسس للمواجهة مع الدول الاستعمارية الكبرى.
وكان من أكثر المفاجآت حدة عند تلك الأوساط –كما عند الدول الكبرى وحركات التحرر العالمية وحركات التحرر العربية والأنظمة الرسمية العربية- هي حالة التأثير السريع التي أجبرت الاحتلال، بعد أشهر قليلة، على الاعتراف بأن ما يواجهه كان خارج كل حساباته. أما تلك الحالة فلم تولد بسحر ساحر، بل سبقها الإعداد والتحضير السابقين للاحتلال بسنوات، وهذا الإعداد المسبق هو الذي سرَّع في خلق حركة تراكمية نضالية نوعية أعطت ثمارها بقفزة غير مسبوقة في التجارب الثورية العالمية.
تعيش حكومات النظام العربي الرسمي، في هذه المرحلة، حالة من القلق والإرباك من تداعيات خطيرة ستتركها حالة التراكم النضالي السريعة التي حققتها المقاومة العراقية ضد الاحتلال الأميركي، وأهمية النتائج التي ستتركها على الأحلام الرأسمالية والاستعمارية في المستقبل القريب، وعلى استراتيجيات تلك الدول في المستقبل الأبعد.
من خلال هذه التوقعات، التي تجاوزت الاحتمالات، مستندين إلى الدروس التي أعطتها تجربة نظام حزب البعث في العراق، نستخلص النتائج التالية:
1-إن الأمة العربية، في مواجهة المشروع الاستعماري الأميركي الجديد، كما في مواجهة المشروع الاستيطاني الصهيوني، ليست بحاجة إلى إحداث تغيير في موازين القوى التقليدية.
2-إن المشروع الاستعماري الأميركي، بالتكامل مع المشروع الصهيوني، لن يحقق أهدافه إلاَّ بالسيطرة على ثروات الأمة وأسواقها. ولن تتم السيطرة بدون قوة عسكرية تتموضع على الأرض العربية. ولا معنى للوجود العسكري المباشر من دون تأمين الحماية الكافية له. ولن يستطيع الاحتلال حماية قواته بالأقمار الصناعية ولا بالطائرات وحاملاتها، ولا بالصواريخ البالستية، ولا بالقنابل الذكية.
3-إن الأمة العربية، نظاماً نظاماً، ليست بحاجة إلى تكنولوجيا متقدمة تواجه بها التكنولوجيا المتقدمة، بل هي بحاجة إلى مقاومين أشباح يمتلكون أولاً إرادة التضحية في سبيل السيادة الوطنية، وثانياً أن يكونوا مزوَّدين بأبسط إمكانيات التسليح الخفيف، وهذا متوفر بسهولة أكثر مما نحسب وأقل كلفة مما نظن.
4-لن تكون ذرائع أي نظام رسمي عربي أنه لا يمتلك الإمكانيات المادية لبناء جيوش وجحافل، لأن ثمن سلاح المقاومين الأشباح يمكن تأمينه من المصروف اليومي لأية عائلة عربية.
5-لن يحتاج أي نظام عربي رسمي للإعداد لحرب شعبية إلاَّ لمجموعات من المدرَّبين المتمرسين في حرب التحرير الشعبية.
إن استراتيجية جديدة، على قاعدة إيديولوجية جديدة، هو المطلوب التبشير به والضغط من أجل تنفيذه. وهذا ما فعلته قيادة حزب البعث والثورة في العراق.
6-من أجل توفير مناخ ملائم للحصول على تراكم نضالي سريع، كما حصل في التجربة العراقية، لا بُدَّ أمام النظام العربي الرسمي من أن يباشر باختصار المسافات الزمنية قبل أن يداهم الخطر الاستعماري مضاجع الجميع، من أن يبدأ بالتحضير قبل الاحتلال ما سوف يرى نفسه مجبراً على تحضيره بعده.
7-ولأنه من الوهم أن نراهن على أن النظام العربي الرسمي سينتقل من ضفة إلى ضفة بسرعة مناسبة، يبقى الرهان على الوسط الجماهيري في الضغط على حكومات ذلك النظام هو البديل المحتمل. أما البديل المؤكد فهو أن تأخذ حركات التحرر العربية وتياراتها دورها اليوم قبل غد لتغيير خطابها التحرري التقليدي، والانتقال إلى خطاب جديد ومسؤولية جديدة.
ومن جملة النتائج التي توصلنا إليها من بحثنا عن المقاومة العراقية، ولتسجيل عدد منها بما يفيدنا كعرب لا زلنا في حالة صراع مع الاستعمار، نضع أمام قادة الفكر والسياسة والثقافة النتائج والإشكاليات التالية:

أولاً: على صعيد الإشكاليات الداخلية المحيطة بالمقاومة العراقية:
يمكن الإشارة إلى عدة مسائل تسهم بعض الأوساط السياسية والفكرية في تشويه مضامينها، أو تنظر إليها بعين قاصرة، ومنها:
أ-لأن نظام حزب البعث السياسي في العراق -كما يحاول أولئك أن يصوروه- كان معزولاً عن المجتمع العراقي، تخلى الشعب عن القتال ضد القوات الغازية في بداية الحرب، لأنه –كما يحسبون- لا يريد أن يدافع عن نظام لم تكن علاقته مع النظام إلاَّ في حدود التناقض والتوتر.
فهم، بداية، اختزلوا الدفاع عن الكرامة والسيادة الوطنية بمواقف جداً ضيقة، أي في حدود الموقف من هذا النظام أو ذاك. بينما الدفاع عن السيادة الوطنية لها شروطها المنفصلة عن العلاقات الداخلية الخاصة بين تيارات المجتمع الوطني. حول هذا الجانب، نؤكد على أن النظر للسيادة من خلال هذا المنظار تنحدر إلى حدود التشويه والتضليل المبدأي وهو افتئات على كل القيم الإنسانية؛ ففيه تتحول السلطة السياسية إلى بديل عن الوطن، كما يمكن أن تتحول إلى سلعة اقتصادية خاضعة للصراع بين الطبقات، يمكن للطبقات الفقيرة –على أساسها- أن تتخلى عن الدفاع عنه إذا كانت الطبقة الرأسمالية هي الحاكمة. وكما يمكن للشرائح المذهبية الدينية أن تستقيل من رسالة الدفاع عنه إذا كان الحاكم من دين آخر أو مذهب آخر.
إن مفهوم السيادة الوطنية ترتقي إلى مفهوم إنساني يعلو كل الفئويات السياسية والطبقية والدينية. ولا مبرر لأي مواطن، كما لا يجوز أن نشرِّع له مبررات التخلي عن رسالة الدفاع عن وطنه عندما يتعرَّض إلى غزو خارجي. أما التناقضات الأخرى فهي خاضعة لقوانين الصراع الداخلي في المجتمع المدني الوطني الواحد.
لقد فرضت الرؤية القاصرة، للتيارات السياسية المتناقضة، والتيارات المذهبية السياسية، مفاهيم مُستغرَبة بفصلها مفهوم الدفاع عن السيادة الوطنية عن الرغبات الفئوية الضيقة.
لقد استند أولئك، في ما له علاقة بين المجتمع العراقي ونظامه الحاكم، إلى مقدمات مغلوطة، من خلال النظر إليها على أنها كانت علاقة القاهر بالمقهور، كان فيه المقهور ينتظر الفرصة للتخلص من قاهره. وتظهر غرابة تلك المقدمات عندما نعرف أن النظام السياسي كان يعمل –قبل العدوان على العرق- على تدريب الملايين من العراقيين وتسليحهم وتأهيلهم للمقاومة. فلو كانت بين النظام والمجتمع العراقي تلك الفجوة التي يتوهم الآخرون وجودها، فماذا يعني أن يسلِّم نظام قاهر ملايين قطع السلاح إلى جماهير الشعب المقهورة؟
ب-ظلَّت شريحة واسعة من المثقفين والسياسيين، أسرى آليات نقدية تجاوزتها تجارب الأمة بشوط كبير. فعلى الرغم من المتغيرات والمعطيات على أرض الواقع ظلَّت النخب المثقفة أسيرة مرحلة نقدية تحاسب الوقائع على أساسها، وهي أصبحت بحاجة شديدة لتغيير آلياتها النقدية لتواكب المراحل الجديدة من نضالات الأمة، وهي الخروج من نقد ما يجري على الساحة النضالية القومية على مقاييس الحروب النظامية إلى استخدام مقاييس أخرى تحسب للإمكانيات والمخزونات الشعبية فعلها وتأثيراتها في خوض حرب طويلة الأمد ضد أعداء الأمة.
هذا الجانب كان مأخوذاً بأهميته القصوى عندما قرَّرت قيادة حزب البعث في العراق خوض المواجهة ضد أعتى قوة عسكرية في العالم؛ والسبب أن لحزب البعث إرث فكري وسياسي ونفسي معلن حول آليات وثقافة الكفاح الشعبي وأعلاه درجةً المقاومة المسلَّحة.
وعى البعثيون تلك الحقيقة فتوقعوا نتائج مرحلة الحرب النظامية على أساسها، واعتبروها مرحلة أولى وغير أساسية في الصراع، وأعدوا البديل عنها منذ سنوات عديدة سبقت الحرب النظامية العدوانية، ولهذا لم يكترثوا بأكثر من الشعور بالألم من احتلال العراق، ولكن الألم لم يصل إلى حدود الصدمة والمفاجأة، بل انتقلوا إلى استراتيجية أخرى، طلَّقوا فيها العمل العلني بالعودة إلى العمل السري، وتابعوا نضالاتهم على قاعدة حرب العصابات ، منذ العاشر من نيسان، بعد انتهاء المرحلة النظامية في التاسع منه.
وإذا بقيت أوساط مثقفة وسياسية ثابتة على آليات نقدها السايق، فهذا يعني خسارة طاقات فكرية وسياسية ونضالية كان يمكن أن تفيد مرحلة النضال الوطني والقومي الراهن في مواجهة الاستعمار لو أنها شاركت في تثقيف الجماهير الشعبية بأهمية المقاومة المسلَّحة وفعاليتها. إن استقالة أولئك من دورهم ستجعل حركة النضال بطيئة ولكنها لن تلغيها أو تلغي ما يجري من حقائق على الأرض يعترف بها العدو قبل الصديق.
ج-تسود بعض الأوساط السياسية والمثقفة من العراقيين، وأكثر منهم من العرب، رؤية خاصة بالنسبة للمقاومة العراقية. تقوم أسسها على حالة انفصام بين الظواهر وصانعيها.
في هذا المجال، وبسبب خلفيات إيديولوجية حزبية، أو بسبب مواقف سياسية سابقة، تظهر بعض المواقف انفصاماً بين تأييد المقاومة العراقية –كأهم ظاهرة في تاريخ العرب الحديث والمعاصر- وتوجيه نقد لاذع يصل إلى حدود التجريح الشخصي للرئيس صدام حسين ولحزب البعث معاً، يتم ذلك على الرغم من أن كل البراهين والوقائع تثبت –بما لا يدع مجالاً للشك- بأن حزب البعث بقيادة صدام حسين قد أعدَّ متطلبات المقاومة الشعبية وموجباتها منذ زمن طويل. وفي تلك المواقف، التي لا بُدَّ من أنها تحمل الكثير من الجور والظلم والتحامل، تسود أحكام »الشخصنة« و»لفردنة«، بحيث يُحلُّون الفرد بديلاً للوطن. فيحرِّضوا ضد الوطن، أو ضد القضايا السامية المرتبطة به، من خلال تحريضهم ضد أشخاص أو أفراد.
إن ظاهرة ما تشكل مثار اعتزاز وتأييد لا بُدَّ من أن يكون صانعها، أو المساهم فيها، يستأهل الاعتزاز والتأييد أيضاً. وإذا حصل العكس فلن تكون تلك الأحكام إلاَّ محط استهجان واستغراب، وتدعو إلى الشك في الحالة النفسية والمعرفية لمطلقيها، ولا بُدَّ من أن تكون مجالاً للتشكيك في السوية النفسية والمعرفية لهم، فهم يمارسون –تحت مظلة الادِّعاء بحب الديموقراطية- منتهى الديكتاتورية الفكرية. وهنا نسجِّل أن الديكتاتورية ليست قمعاً بوليسياً ومخابراتياً فحسب، بل هي قمع فكري وسياسي أيضاً. وهي فصل منطقي تعسفي بين القضايا الكبرى وصانعيها. وهذه المسألة لا تنعكس سلباً على واقع تقييم التجربة العراقية فحسب، بل تؤسس لقواعد معرفية عربية خاطئة تسهم في تضليل الثقافة الشعبية العربية أيضاً.
فإذا كانت الأسس المعرفية العامة عند الكثير من النخب السياسية والمثقفة العربية تسير في المسالك الخاطئة، فإن ذلك –بلا شك- سينعكس على الأحكام حينما يبدأ دور تحديد أسس للديموقراطية بين شتى الفصائل المشاركة في المقاومة العراقية.
ليست موازين القوى بين الفصائل المشاركة متساوية، وإن لم تكن كذلك فهي متكاملة، ومن أهم خصائص تكاملها هو أنها تمثل الوحدة الوطنية. لكن لا بُدَّ لأي عمل، كمثل المقاومة العراقية، من أن يكون لها قائد، وعلى القاعدة الديموقراطية يكون »الأجر على قدر المشقَّة«. فلا يعني، في مثل هذه الحالة، أن تغمط الديموقراطية حق الذي يقدِّم أكثر من غيره، بل الأجدر أن تعترف له بهذا الحق( ).
فإذا كان حزب البعث يحسب أنه قائد للمقاومة فإنه لا يفتعل ذلك. لكن الحزب، وفي الوقت الذي يعلن فيه تلك الحقيقة، فإنما جاء إعلانه مترافقاً مع نصح لبعض الفصائل التي تقاتل بأن لا ينجرّوا إلى افتعال معارك فئوية يعرف الحزب تأثيراتها السلبية على مسار المقاومة المسلَّحة. ولهذا دعا تلك الفصائل إلى الابتعاد عن كل ما يلحق الأذى بالعمل المقاوم، وعن كل ما يلهيه عن أهدافه الأساسية. كما دعاهم إلى العمل بجدية في سبيل ترسيخ عمل جبهوي وطني يكون فاعلاً للتسريع في طرد الاحتلال( ).
تنسب قيادة »المقاومة والتحرير« العراقية لنفسها القيام ب 95% من الأعمال العسكرية( )، إلاَّ أن التعليمات السياسية –كما يقول أحد قادتها- تقضي بمساعدة كل شخص أو مجموعة أو فئة، إلى أية جهة سياسية تنتمي، وتزويده بالإمكانيات المتوفرة، والتنسيق –بشكل كامل وفاعل- معها( ). فقيادة المقاومة العراقية السياسية الوحيدة المعروفة هي قيادة البعث، لكن الجماعات المقاومة الأخرى ما يزال بعضها محدود الانتشار، وقد دخلت إلى ساحة المقاومة على أساس دوافعها الوطنية أو الدينية، وكانت محدودة التجربة والإمكانيات. وقد تلقى المقاومون البعثيون تعليمات واضحة من قيادة الحزب البعث أن يسعوا إلى التنسيق ميدانياً مع كل الجماعات التي تقاتل، وأن يوفروا لها السلاح والحماية والمعلومات وكل وسائل الدعم التي تحتاجها، وكان من نتائج هذا التنسيق القيام بعمليات مشتركة في أكثر من مكان.
ولا بد من القول إن تشكيل جبهة وطنية تضم كل المناوئين للاحتلال والمنتمين للمقاومة، هي مطلب بعثي ومصلحة وطنية في الوقت نفسه، وإن الاتصالات في الجانب السياسي لا تزال مستمرة لتحقيق هذا المطلب الذي من شأنه أن يقوي من عزيمة المقاومة وأدائها ( ).
وعلى أية حال لم تخرج تجارب حركات المقاومة على الصعيد العربي والعالمي عن واقع الحال الذي تعيشه المقاومة العراقية، فهناك فصائل واتجاهات، بعضها أقرَّ اشتراكه بالعمل المسلَّح وبعضها الآخر يساند المقاومة المسلَّحة وأية أشكال أخرى، وأجمعوا على أن مقاومة المحتل لها الأولوية على كل التناقضات السياسية والفكرية التي تحكم علاقاتها السابقة، ولهذا لا يجوز تبرير مواقف المنكفئين عنها أو المعارضين لها أو المحاربين لها أو المتعاونين مع الاحتلال تحت حجة أنها ترتبط –بشكل أو بآخر- مع رأس النظام السابق أو الحزب الحاكم( ).
د-تقاعدت بعض الأوساط السياسية أو الحزبية العربية عن القيام بواجب دعم المقاومة العراقية من جراء التباسات وقعت فيها عندما ساوت بين المهمات النضالية الداخلية للمعارضة مع المهمات ذات العلاقة بالتحرر الوطني()، وتصاعد موقفها السلبي من المقاومة العراقية بعد أن تأكَّد لديها أن للمقاومة هوية وارتباط وثيق مع حزب البعث بقيادة صدام حسين، فتناست أهمية المقاومة وقدسيتها أمام مواقفها الإيديولوجية السابقة منهما. إن تلك المساواة في الأولويات النضالية هو »نتاج خطأ فهم وتحديد العلاقة بين قضية الحريات والديمقراطية« والعدوان الخارجي، بما فيه احتلال الأرض الوطنية. ويتبيَّن خطأ مواقف تلك التيارات في الربط بين المسألتين إذا عرفنا أن »الحرية والديمقراطية (ليستا) هدفاً مستقلاً فحسب بل هما أيضاً ـ وأساساً في هذه المرحلة ـ وظيفة للنضال التحرري الوطني ضد الاستعمار والصهيونية«. ولا معنى لهما في ظل خضوع الجميع لإرادة الاحتلال، فمن يكن صادقاً بشعاراته في الحرية والديموقراطية عليه أن يحرر الأرض أولاً ، ويعيد السيادة على الأرض والقرار للإرادة الوطنية. لذلك فيما لو كان الاحتلال الأمريكي للعراق قد نجح في إخماد المقاومة العراقية تماماً، سيجعل مطلب جلاء »إحدى المهمات الأساسية المباشرة« لكل قوة وطنية عراقية أو عربية حقيقية ، لأنها مقاومة للاستراتيجية الأمريكية والصهيونية ( ).
وعلى هذا الأساس، وعلى الرغم من تباين أيديولوجيات فصائل المقاومة، تعمل جميعها من أجل هدف واحد، وهو إيقاع أقسى الضربات والخسائر البشرية والمادية بقوات الاحتلال والمتعاونين معها( ). وهذا ما يُفرغ الدعوات التي تربط بين مقاومة الاحتلال الأميركي والنضال من أجل الديموقراطية من البراهين العملية، ويبقيها مجرد شعارات خالية من المضمون.
ج-إذا كانت وحدة الهدف الاستراتيجي: إخراج الاحتلال أولاً، متَّفقاً حول أسسه. فإنه يُخشى من الاختلاف حول مستقبل النظام السياسي بعد التحرير.
فإذا كان من واجبنا القومي أن نسهم في العمل من أجل تمتين حبال الود الجبهوية بين شتى الفصائل التي تقاوم الاحتلال، وعلى الرغم من أن معظمها لا يرى أي مبرر لإبراز أية عوامل قد تزرع الخلاف بين المقاومين، لن يكون ما نعمل على توضيحه إلاَّ الدعوة إلى السبيل الديموقراطي السليم الذي يقضي بالاعتراف لمن يعطي أكثر بحقه في الحصول على قدر عمله، ونضاله وتضحياته. وحول ذلك الأمر أشار البرنامج السياسي ل»المجلس الوطني للمقاومة العراقية« إلى أن »من يتصدى لمهمة مقاومة المحتل، وطرده، وتحرير العراق، هو الأجدر على قيادة العراق وإعادة بنائه وليس في العراق مكان للخونة واللصوص والمرتزقة«( ).

ثانياً: على صعيد استشراف نتائج الصراع بين المقاومة العراقية والاحتلال الأميركي:
لمن فاتته رؤية ما يجري على أرض العراق بعين فاحصة موضوعية، ندعوه إلى أن ينظر إلى نتائج وانعكاسات وتداعيات ما تتركه المقاومة العراقية على الداخل الأميركي وعلى علاقات الإدارة الأميركية الحالية مع الدول الأخرى والمجتمع الدولي، تلك التي لم تكن لتحصل لولا نضالات المقاومين العراقيين وتضحياتهم، وهي ليست إلاَّ تلك التي قام بالتخطيط لها حزب البعث العربي الاشتراكي. ولا يمكننا إلاَّ أن ننظر بعين الاحترام والتقدير إلى كل الفصائل المقاومة الأخرى، مقاتلةً ومعترضةً ومسانِدة.
لم تكن المقاومة الوطنية العراقية، كما تأكَّد لدينا، ردَّة فعل مرحلية أو مؤقتة، بل كانت بناء لاستراتيجية فكرية وسياسية، تقوم دعائمها على أسس وطنية وقومية عربية وعالمية إنسانية. وإن مقاومة لها تلك الدعائم لا يمكن أن تكون بناء لردة فعل من هنا أو هناك، أو تكون استراتيجية تمت صياغتها بين ليلة أو ضحاها.
إن النظر إلى أساسيات استهداف العراق، وتحديد أهمية موقعه، ينبعان من أن المشروع الأميركي يستند في أولوياته في احتلال العراق، إلى استهداف الفكر الاستراتيجي الذي يهتدي به حزب البعث، والقائم على نظرة مبدأية للسيادة الوطنية أولاً، ويزيدها خطورة أهدافه في الوحدة القومية العربية ثانياً، ومكافحة تحالف الاستعمار والصهيونية ثالثاً.
إن مقاومة مسلَّحة تهتدي بمنارات ثلاث: وطنية وقومية وعالمية لا يمكن إلاَّ أن تكون نتائجها ذات أبعاد وطنية وقومية وعالمية. أما حول الشق العالمي، فهنا ما يمكننا أن نتوقَّف عنده، للخروج باستنتاجات عملية وواقعية وموضوعية.
لا تنحصر أهداف المشروع الأميركي الذي ينفِّذه الأميركيون المتطرفون تحت فلسفة »القرن الأميركي الجديد«، في السيطرة على العراق لوحده، بل هو مدخل رئيسي للسيطرة على الإقليم الشرق أوسطي أولاً، كبوابة جيواستراتيجية لدول شرق آسيا ثانياً، شاملة أجزاء الاتحاد السوفياتي سابقاً. ومن معرفة تلك الأهداف يتحدد موقع أصدقاء أميركا من ذلك المشروع ثالثاً.
إن العلاقات التي تربط أعضاء نادي الدول الرأسمالية، هي علاقات التكافؤ في نهب خيرات الشعوب، والسيطرة المتكافئة على منظمة الأمم المتحدة. أما أن يخرق أحدها هذا العرف فهو ما يعجِّل بتوتر العلاقات بينها. ولقد أخذ المشروع الأميركي للمتطرفين الجدد يزرع بذور التناقض بين أصدقاء الأمس. ولأن المقاومة العراقية تشكل الحائل دون إتمام الحلم الأميركي، احتلَّت أهم موقع بين العوامل التي تستهدف إفشال مشروع الهيمنة الأميركية ، وبهذا أصبحت لاعباً دولياً أساسياً، لن تتخلَّى عنه منظومة الدول المتضررة من المشروع الأميركي. وفي الوقت ذاته، لما كانت قوى حركة التحرر العالمية تعمل من أجل منع »أمركة العالم« تحوَّلت المقاومة العراقية إلى أقوى أذرع تلك الحركة. ومن هذا المنطلق سنضع استنتاجاتنا ورؤيتنا لعالم جديد سوف تسهم المقاومة العراقية في صياغته، وفي توفير أجيال وأجيال من النضال العالمي من أجل بلوغ تلك الغاية، واستناداً إلى ذلك نرى تأثير المقاومة العراقية في انتعاش حركتين، وهما: أولاً، إضفاء مزيد من الحيوية على حركة تحالف الدول المتضررة من مشروع القطب الأميركي الواحد. وثانياً، إضفاء المزيد من الحيوية على شارع حركات التحرر العالمية.
وعليه نرى أن هناك حركة علاقة جدلية تربط بين ضغوط المقاومة العراقية العسكرية المباشرة على قوات الاحتلال الأميركي من جهة، والضغوط السياسية التي تقوم بممارستها دول العالم الممانع للهيمنة الأميركية وحركات التحرر العالمية من جهة أخرى. وبمثل هذا الربط يصبح فكر حزب البعث العربي الاشتراكي أحد أهم ركائز صياغة تاريخ جديد لعالم جديد خالٍ من الأحلام الإمبراطورية القائمة على القوة العسكرية، خاصة وأنه ارتبط بحركة نضالية عسكرية شعبية تقف في مواجهة المشروع الأميركي في العراق لتشع بتأثيراتها على العالم بأسره.
إن استفادة القوى الرأسمالية العالمية من جهد المقاومة العراقية، لا تعني على الإطلاق أن نقاط التلاقي بينهما تصل إلى حدود الأهداف الاستراتيجية، لأن ذلك يتعارض مع الأهداف الاستراتيجية للمقاومة التي لا تقل عن هدف التحرر من الهيمنة الرأسمالية الاستعمارية على العالم مهما كانت هوياتها. كما أن استفادة تلك الدول من جهد المقاومة لا يرتفع فوق سقف الأهداف المرحلية الرأسمالية في منع الاستفراد الأميركي بالقرار العالمي.
أما أهداف المقاومة فتلتقي، حتماً، مع أهداف حركة التحرر العالمية، بسقفها الأعلى المناهض والرافض والمقاوم لكل أشكال الاستغلال الرأسمالي لثروات الشعوب.
فإذا كانت الأهداف المرحلية تجمع حول مقاومة أهداف مشروع الأميركيين الجدد، فلا ضير من أن تستفيد المقاومة العراقية من شتى الجهود الرامية إلى إلحاق الهزيمة بالمشروع الأميركي الأم.

تداعيات دور المقاومة العراقية على الصراع الداخلي الأميركي:
لقد أعادت المقاومة العراقية الحيوية إلى الجدل الدائر في داخل أميركا على صعيدين: الصراع بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي، والصراع بين إيديولوجيتين، أميركا الإمبراطورية أو أميركا الأمة.
يقوم الصراع بين الحزبين على أغراض انتخابية، وتستند آليات تحليلنا التقليدية إلى عدم التمييز بين انتقال السلطة إلى أحدهما بفروق نوعية، فمن ينجح منهما في الانتخابات الرئاسية –كما هو متعارف عليه- سيتابع تطبيق استراتيجية المؤسسة الأم. إلاَّ أننا نرى أن هناك من الفروق –التي من غير الجائز أن نهملها- والتي يمكننا النظر إليها بعناية دقيقة، ومنها أن هناك رؤية أميركية ثالثة تتكون، ولا تزال في طور الولادة، ولا يقتصر تشكيلها على أعضاء حزب دون آخر، بل تجمع أنصاراً من داخلهما معاً،بالإضافة إلى حركة الفكر الأميركي المناهض للأهداف الإمبراطورية الأميركية في تسجيل انتصارات لمصلحة المذهب الرأسمالي.
إن ملخص أيديولوجية، ما نسميه بالاتجاه الثالث في أميركا، يرى أن إدارة جورج بوش تمثل تيار المغامرة والغرور في غزو العالم من دون تغطية أخلاقية أو شرعية دولية. كما أنها تغلِّف نفسها بغطاء ديني إيديولوجي مسيحي متطرف. ويرى الاتجاه الثالث أنه لما تشاركت، في مشروع »القرن الأميركي الجديد«، عوامل الأممية الاقتصادية المتطرفة مع عوامل الأممية الدينية المتطرفة اندفع إلى بناء إمبراطورية أميركية جديدة، ذات رسالة إلهية، تقف في الاتجاه المعاكس لمصلحة الأمة الأميركية. وهي بهذا تؤجج عوامل العداء المسبق والسافر من الرأسماليين في العالم من جهة، وعوامل العداء من كل ثقافات العالم العلمانية والدينية معاً من جهة أخرى.
إن الفروقات بين الحزبين، الجمهوري والديموقراطي، تبرز ليس حول بقاء الولايات المتحدة القوة الأعظم في العالم، وإنما هو أسلوب واتجاهات إيديولوجيتها. فإذا كان أصحاب القرن الأميركي الجديد يريدون ابتلاع دور أصدقاء أميركا، ويتجاوزون كل شرعيات الصداقة والشرعية الدولية والأخلاقية بغزو العالم عسكرياً وحكمه بشكل مباشر. يستند أصحاب التيار التقليدي إلى وجوب التقيد بمصالح الأصدقاء وبغزو العالم من دون تصدير نفسها بالحروب وارتكاب مجازر أخلاقية تنفِّر الجميع وتدفعها للانقلاب عليها.
لا بُدَّ من الإشارة، هنا، إلى أن مطالبة الأميركيين –من أصحاب الاتجاه الثالث- بنهاية الحلم الأميركي ليس إنهاءً للجمهورية الأميركية –كما يشير إلى ذلك يوهان غالتونج- وإنما إنهاء الجنوح الإمبراطوري الأميركي هو المقصود، فالإيديولوجيا الإمبراطورية »الآن في طور الشيخوخة وتنوء بمهام الحفاظ على الهيمنة مما تعجز عن المزيد من التوسع«، أي عندما يصبح »التخلص من عبء إقامة وإدامة الإمبراطورية… أكثر من المكاسب المتحصلة«.
أما الذي يعمل على إسقاط الجنوح الإمبراطوري، يجيب غالتونج نفسه، فهم: »المستغَلُّون (بفتح الغين) والمحرومون والمقهورون والمطرودون ، والمتضامنون معهم، وأولئك الذين يقفون بوجه الإمبراطورية الأمريكية من أجل أن يقيموا إمبراطوريتهم«( ).
لقد أثارت الأطماع الإمبراطورية الأميركية، مخاوف أصدقاء أميركا قبل أعدائها، ومخاوف شرائح واسعة من الأميركيين قبل غيرهم. فلم يعد المتطرفون الأميركيون الجدد يخفون أن تكون وسائلهم ميكيافيلية، لأن الوسيلة عندهم، وهي القتل، سوف تغفرها لهم انتصاراتهم العسكرية السريعة، وفرض سيطرتهم على اقتصاد العالم وثقافته. وتناسى هؤلاء أن وسيلتهم الوحيدة للسيطرة على العالم تستند بشكل وحيد إلى الجندي الأميركي، ولأن الجندي الأميركي –بعد أن خاض أمرَّ تجربتين في فييتنام، والآن في العراق- كان يشعر بأن السيطرة على العالم لا تعني له أكثر من أن يملأ معدته ويشتري الكماليات التي يحلم بها مما تجود به عائدات الغزو الأميركي للعالم، ولكن عندما يصبح ملء معدته ثمناً لحياته، أو كما يعبِّر عنه الأميركيون أن يصبح مهر النفط دماً أميركياً يأخذ مسار التضحية في الحرب اتجاهات أخرى، فالنفط ليس أغلى من الدم.
لم تردع نتائج حرب فييتنام، الطبقة الرأسمالية الأكثر تطرفاً في أميركا، عن إنتاج مغامرات عسكرية أخرى، وإنما ازدادت تطرفاً بعد نتائج تلك الحرب الفاشلة خوفاً من أن تستضعفها أفكار اليساريين في أميركا وخارجها، ولذلك لجأت إلى صياغة إيديولوجيا »حرب الأفكار« بما فيها تبشيرها بانتصار الفكر الرٍأسمالي وإعلانها عن مرحلة »نهاية التاريخ« استناداً إلى ذلك الانتصار لكي توحي بأنه لا فكر أو إيديولوجيا أخرى يمكن أن تحكم العالم، أقفلت بوابات التغيير وجمَّدتها عند حدود أفكارها.
ومن أجل إعلان انتصار الأميركيين المتطرفين الجدد في حرب الأفكار، كانوا قد خططوا لاحتلال العراق، واحتوائه، من أجل إعلان »نهاية التاريخ«. وكان من الممكن للجندي الأميركي، الذي بدونه تصبح الآلة العسكرية الأميركية عمياء بكماء من دون فعالية، أن يستمر في أداء دوره الوظيفي في حماية تلك الإيديولوجيا راضياً بما تدره الغزوات الأميركية العسكرية من غنائم يستفيد من خيراتها، لولا أن بدأت المقاومة العراقية في وضع تلك العوائق في طريقه، وأخذت تدمي أصابع ذلك الجندي وتحرقها، وتحوِّل دمه وحياته إلى مهر عليه أن يدفعه من أجل إبقاء مشاريع الطبقة الرأسمالية الأميركية على قيد الحياة، تلك الطبقة التي تجاوزت عتبات الرأسمالية وانتقلت إلى مرحلة ما بعد الرأسمالية في تكديس الثروات الخيالية.
إننا نرى في الأفق الأميركي ملامح صراع طبقي، ليس على قاعدة تناقض العمال وأرباب العمل، وإنما على قاعدة تناقض مصالح أسياد الاقتصاد القائمة على الحرب في أميركا والجندي الأميركي أداة فتح الأسواق الجديدة والتوسع فيها على صعيد العالم كله.
تستند فلسفة المحافظين الأميركيين الجدد –أساساً- إلى قواعد لا أخلاقية، ولا يخجل أقطابهم من الإعلان عنها، وهذا ما يشرحه أحد مخططي البنتاغون، قائلاً: »إن دور القوات المسلحة للولايات المتحدة هو المحافظة على استقرار العالم من أجل اقتصادنا والانفتاح على غزونا الثقافي. ومن أجل هذين الهدفين سنقوم بمقدار لا بأس به من القتل«( ).
إن هذا إلاَّ تعبير عن فجوة ثقافية أخذت تذرُّ بقرنها في وسط المجتمع الأميركي، وبرزت في تيارات فكرية أخذت تميِّز نفسها في أطروحات تدور حول صراع بين نهجين داخل طبقة واحدة:
-يمثِّل النهج الأول الطبقة الجديدة الحاكمة في أميركا، وتُسمَّى ب«white class»، »التي لا تُعرَف فقط بمداخيلها، ولكن أيضاً بعاداتها الثقافية والذهنية… وتأييدها لما يُسمى العمل التأكيدي (Affirmative action)، الذي يعني التمييز الإيجابي لصالح الأقليات في مجال الأجناس«( ). ويحدو هذه الطبقة حلم بناء إمبرطورية أميركية في العالم. والإمبراطورية –بمفهوم هذه الطبقة- ما هي إلاَّ تعبير عن العلاقة مع العالم »الذي يجب أن يكون تحت السيطرة، وأن يتحوَّل إلى فضاء داخلي بالنسبة إلى سلطة الدولة«، لكن بناء إمبراطورية مماثلة لا بُدَّ من أن يرتكز إلى خاصيَّتين: الضغط العسكري الذي يهدف للحصول على (الجزية)، والتعامل مع الشعوب المغلوبة »مثل معاملته للمواطنين العاديين، ويعامل المواطنين العاديين مثل معاملته للشعوب المغلوبة… ]أي[ ليس الحرية للجميع بل الاضطهاد للجميع«( ).
-أما النهج المقابل فينحو باتجاه بناء أمة أميركية ديموقراطية ومكتفية ذاتياً( ).
من الواقعي أن نقف أمام موازين القوى بين النهجين، ومن الواقعي أن نؤكد بأن الموازين تميل إلى جانب أصحاب الحلم الإمبراطوري، ففي يدهم سلطة المال، وبها يقدرون على إخضاع الرأي العام الأميركي لمشيئتهم. وليس هذا فحسب، بل إن صراع الحزبين الكبيرين في الولايات المتحدة الأميركية: الديموقراطي والجمهوري، ليس على سيادة إيديولوجيا رأس المال، وإنما على وسائل تحقيقها وطرق تطبيقها. وإنه حتى الخلاف حول تلك الوسائل هو بحد ذاته بذرة لا يمكن الاستهانة بها. أما السبب فيكمن في أن النقطة الخلافية تلك لها امتدادات على مساحتين: مساحة الرأي العام الأميركي، بما يعني الشريحة الواسعة من العمال والفقراء، ومساحة المصالح الدولية حتى التي تنتسب إلى نادي الدول الرأسمالية.
أما حول المساحة الأولى، فمنها يتم إنتاج صغار الجنود الذين بدونهم لا يمكن لأحدث وسائل التكنولوجيا أن تسيطر على العالم. يمكنها أن تدمِّره ولكنها لا يمكن أن تحتله بدون جندي يقف وراء متراسه، أو يقود آليته… هذا الجندي يمكن أن يبيع حريته لشبق الطبقة المالية المسيطرة، ويمكن أن يخوض الحروب بالنيابة عنها، لكن على شرط أن تكون (الجزية) من وراء تلك الحروب كافية لكي تؤمن له لقمة الخبز. أما أن يبذل دمه، وحياته في أحيان كثيرة، فسوف تغيَّر معادلة الموازنة الدقيقة بين الجهد المبذول مقابل لقمة العيش.
استناداً إليه نرى أن الصراع الداخلي الأميركي بين مفهوم بناء الإمبراطورية أو بناء الأمة الأميركية القوية؛ والصراع بين أقطاب الرأسمالية بسبب السيطرة القومية الأحادية القطبية، سيكون، في المستقبل المنظور وليس البعيد، مسماراً يُدقُّ في نعش الحلم الإمبراطوري الأميركي.
فعندما يبدأ الحالمون الأميركيون الجدد بدفع أثمان من دم وأرواح جنودهم، ومن أموال المكلَّف الأميركي. ومن الواقعي –استناداً إلى تجربتهم في العراق- أنهم سيقفون عاجزين عن تأمين الإمكانيات البشرية والمالية الكافية لتمويل تصدير حلمهم، سيبدأ المأزق الفعلي، وهو قد بدأ بدون شك. حينئذٍ سيكون للعامليْن: الداخلي الأميركي، والمساندة الدولية، أكبر التأثير على بداية التراجع في خطى أصحاب »القرن الأميركي الجديد«.
أما حول المساحة الدولية، فقد يخشى أصحاب الأطماع الإمبراطورية الأخرى من غير الأميركيين من أن يدفعوا أثماناً باهظة من أرواح مواطنيهم إذا ما عملوا على إسقاط الحلم الأميركي، والسبب هو أنهم بنوا حضارات متقدمة أمَّنت لهم ولمواطنيهم العيش الرغيد، فلماذا يغامرون –خاصة في عصر التكنولوجيا النووية- للصدام مع الحلم الأميركي، إذا وجدوا من الشعوب المتضررة أو التي هي عرضة للاحتلال الأميركي قناعة في دفع الدم والروح في مقاومة الحلم الأميركي. وهم قد وجدوا في المقاومة العراقية ما يعفيهم من المغامرة في التصدي للمشروع الأميركي، وهم يدعون –الآن- لها بالنجاح في تقليم أظافر النمر الأميركي وإضعاف مناعته في الانتصار، فيلتقون معها بالضغوط السياسية في لعبة ديبلوماسية تعفيهم من إراقة دم الجنود الأميركيين بشكل مباشر.
فمن بوابة المقاومة العراقية يراهن المجتمع الدولي على إضعاف الحلم الإمبراطوري الأميركي. فالدول الرأسمالية، مهما بلغت أمانتها لإيديولوجيتها الرأسمالية، ومهما بلغت درجة التضامن بين أعضاء النادي الرأسمالي، فهي تحمل تناقضاتها الذاتية. فهي لن ترضى أن تكون خاضعة لقوة تتجانس معها إيديولوجياً، مهما بلغت مقدراتها العسكرية، وتكون خادمة لها.
عند تلك البداية، فإن من سيموت على أيديهم الحلم الإمبراطوري الأميركي، أن يعملوا جاهدين من أجل أن يدفع الجندي الأميركي، كأداة وحيدة للاحتلال، حياته أو إعاقته جسدياً ونفسياً، مما يدفع غيره من الجنود الآخرين إلى الخشية من أن يدفعوا، لامتلاء جيوب الأباطرة الأميركيين، دماً وروحاً، أو إعاقة جسدية أو نفسية. ومن تلك الوسائل، التي يراهن عليها كل الكاشفين لخطورة المشروع الأميركي، كانت المقاومة الوطنية العراقية من أهمها وأكثرها قوة، ومن أهمها ممن يمكن الرهان عليه.
لكن، وإذا كانت البداية الكبرى للمقاومة في العراق قد ثبَّتت أقدامها، فليس من الطبيعي أن تُترك المهمة لها وحدها بل لا بُدَّ من أن تشاركها المهمة كل حركات التحرر القومية والعالمية، ففي تلك المشاركة ما يُسرِّع في خلاص العالم من أقذر مشروع يقوده الأميركيون المتطرفون الجدد. وفي اللحظة التي ينتصر فيها العالم على ذلك المشروع تنتقل التناقضات إلى داخل كل مجتمع قومي بعيداً عن عوامل »إرهاب الأميركيين المتطرفين«، وبها تسلك نضالات حركات التغيير طريقها الطبيعي في داخل مجتمعاتها الوطنية المدنية.
إلاَّ أنه من البديهي القول: بوركت اليد التي جعلت الحلم الأميركي المتطرف يدفع الثمن، لأنها هي التي أثارت الألم من آثار الموت والحاجة عند الجندي الأميركي ومعه كل من يتألم: آباؤهم وأمهاتهم، زوجاتهم وأولادهم، أقاربهم وجيرانهم، وكل من هو موضوع للحلول محل من يُقتلون أو يُجرحون أو يدخلون مستشفيات الأمراض العقلية.
وبوركت اليد التي استنهضت همم الدول المتضررة من شبق الحلم الإمبراطوري الأميركي، لأنها وجدت من يكسِّر قرون الثور الأميركي الهائج، وإن كانت تصفِّق لتلك اليد بالسر، إلاَّ أنها يجب أن تكون مَدينة له مهما طال الزمن أو قصُر.
كما بوركت اليد التي ستصنع للعراق موقعاً مشرِّفاً آخر في تاريخ العراق، وستعيد للأمة العربية مجدها، وتدفعها إلى تجاوز مراحل التخلف في مسيرتها لتحتل كرسيها في تاريخ الإنسانية الحضاري. وستكون تلك اليد هي التي خلَّصت العالم من تحالف الشر لليمينيين الأميركيين الجدد ومعهم أوهام التلموديين الصهاينة.
وأخيراً، بوركت يد البعث التي صنعت تجربة عراقية وعربية وعالمية. فمن معتقلات الاحتلال تظهر بسمات كل العراقيين، مقاومين، وقادة الدولة والحزب، كلما نالت يد مقاوم عراقي جندياً محتلاً، أو دولاباً من عربة يحتمي بها المحتل.
***

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق