بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 22 يناير 2010

الإمبراطورية الأميركية بداية النهاية (الفصل الرابع)

الباب الثاني
مشروع البعث المقاوم
فلسفة ووقائع


الفصل الرابع
المقاومة العراقية في المواجهة
قبل شهرين من الحرب ضد العراق، حسب المخططون لها أن الاحتلال سيتم بنجاح، وقدَّروا أنهم بغير حاجة، كما قال وولفوويتز، إلى إرسال قوّات لدعم الاستقرار في العراق لفترة ما بعد إسقاط الرئيس صدام حسين أكثر من تلك التي ستخوض المعركة فهي ستجبره وجيشه على الاستسلام.
وأسبوع واحد قبل الحرب، أي في 13 آذار/ مارس، رجَّح المخططون أن »الحرب الفعلية ستكون سريعة جداً«، ثم يسلّمون القيادة للعراقيين ويرحلون إلى خارج العراق في غضون سنة.
وفي 17 آذار/ مارس أعلنت الولايات المتّحدة وبريطانيا وإسبانيا تخليهم عن محاولة الحصول على قرار ثانٍ من مجلس الأمن لصالح الحرب، وأعطى الرّئيس بوش الرئيس صدام حسين إنذاراً نهائياً: إما ترك البلاد خلال ثمان وأربعين ساعة أو تحمّل العواقب.
وفي 19 آذار/ مارس سقطت أولى القنابل على بغداد، وفي 9 نيسان/ أبريل استولت القوات الأمريكية عليها. وفي 14 منه أعلنت وزارة الدفاع الأمريكية بأنّ أغلب العمليات العسكرية قد انتهت بنجاح. وفي الأول من أيار/ مايو أعلن الرّئيس بوش نهاية العمليات القتالية في العراق( ). وبذلك حسب المحتلون أن الأمر قد استقام لهم، وما عليهم إلاَّ أن يباشروا بالإعداد للمرحلة التالية.
وفي الجهة المقابلة كانت لدى قيادة الحزب والثورة في العراق، برعاية وتوجيه من الرئيس صدام حسين، خطة أخرى لمواجهة الاحتلال بعد أن تستنفد مرحلة المواجهة العسكرية النظامية أهدافها. وتأكَّد –بما لا لبس فيه- أن أسلوب المواجهة كان يقوم على مرحلتين: مرحلة المواجهة النظامية، ومرحلة المواجهة الشعبية المسلَّحة.
ما جاء من تحليلات حول مرحلة المواجهة الشعبية المسلَّحة، سواء في كتابنا الأول أوفي فقرات شتى من هذا الكتاب يفي بالغرض المطلوب. وما يمكننا التذكير به بإيجاز، أن قيادة الحزب أعدَّت منذ أن قرَّرت خوض المواجهة في صد العدوان الأميركي على العراق متطلبات المرحلة، بما تيَّسر لديها من إمكانيات، تنتقل من بعدها إلى المرحلة الأخرى، وهي مرحلة التحرير الشعبية، وهي معركة تُعرف بمرحلة النفس الطويل، ومتطلباتها تستند إلى أبسط أنواع الأسلحة بين أيدي مناضلين تم تأهيلهم فكرياً وسياسياً وعسكرياً ونفسياً لكي يكون انتقالهم من مرحلة إلى أخرى قد خضع بشكل علمي –فكري ونفسي- مدروس. وبهذا تكون القيادة ، لمواجهة العدوان، قد نظرت بعين الاهتمام لتأهيل المجتمع العراقي كله كي يتحمَّل مسؤولياته في مراحل ما بعد الاحتلال.

أولاً: مرحلة حرب التحرير الشعبية:
تكتَّلت جملة من العوامل على إضعاف مرحلة التصدي النظامي، وأسهمت بتسريع الاحتلال العسكري، ومنها:
-قصف وتدمير شديد قامت به 31 دولة في العام 1991م.
-حصار الـ 13 عاماً أنهك المواطن والمؤسسات خاصة في السنين السبع الأولى، بحيث كان الحصار شبه مطلق، فلم يسمح بتصدير النفط بما يكفي لسد حاجات الشعب العراقي، ولا بتجديد ما له علاقة بمتطلبات وموجبات الجيش العراقي.
-فرض أقصى وأقسى الغرامات والتعويضات لكل دولة خسرت من دخول الكويت.
-خضوع ثلث العراق الشمالي للحماية الأمريكية، فصعدت المافيا الكردية إلى حكم تلك المحمية، وباعت كل ما يمكن بيعه من موارد البلاد، بما فيها معدات السدود وخزانات المياه. وفي ثلث العراق الجنوبي كانت مافيا »المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق« تمد الأمريكان أو إسرائيل بكل المعلومات عن حالة الجيش والشعب وأنها كانت ترشد العدو لضرب مناطق بعينها تحت حجة إخفاء أسلحة دمار تحتها.
-قبل الغزو، تشكلت مجالس ما كان يُسمى بالمعارضة العراقية، بين ماركسيين ومتدينين ومعممين كان شغلهم التجسس على العراق.
-أما الأكثرية من بلدان الجوار، فمتعاونة ومتواطئة، أو هي أصلاً ضمن مشروع الغزو.
فقدت قيادة قوات الاحتلال أعصابها من شدة المقاومة التي قوبلت بها طلائع الغزو، فاستخدمت قنابل لا تقليدية في معارك مطار صدام الدولي؛ فوقع آلاف من الجنود العراقيين ضحاياها. وفقد فيها المحتلون مئات من جنودهم، فاستخدموا قنبلتين نيوترونيتين، كما استخدموا كثافة نارية عالية هددت بمسح بغداد. وعليه ما كان من حل أمام المدافعين سوى الانسحاب، حفاظاً على أرواح الناس، ولإعادة التنظيم، للقتال بوسائل أخرى( ).
كانت الإدارة الأميركية في عجلة من أمرها لأنها مرتبطة بروزنامة دقيقة لا تريد أن تؤخر حلقة من حلقاتها. وكانت قيادة حزب البعث في العراق حريصة على توفير المقاتلين الكفوئين للمرحلة الثانية، وكان من الخطأ خسارة الآلاف منهم بقذائف تقتلهم بلحظة واحدة.
فكانت ساعة البداية للانتقال إلى مرحلة حرب العصابات، في العاشر من نيسان 2003م. ولقد كشفت تقارير رسمية أميركية عن أن المقاومة العراقية بدأت نشاطاتها ضد قوات الاحتلال في اليوم التالي لسقوط بغداد أي يوم الخميس العاشر من أبريل 2003م( ). وتصاعدت وتيرتها (كما سيلحظ القارئ ذلك عند قراءة يومياتها في القسم الأخير من الكتاب الذي بين يديه).
ولأن الإدارة الأميركية صوَّرت للرأي العام الأميركي أن الحرب ستكون خاطفة، وأن العراقيين حضَّروا الورود لاستقبالهم. ولأنها لم تضع في حساباتها أن العراقيين سيقاتلون عن شرفهم الوطني؛ كان تصاعد نشاط المقاتلين العراقيين مفاجئاً لها. وكي تظهر أنها كانت صادقة في توقعَّاتها، راحت تنسب تلك الأعمال إلى مجموعات كان من أهمها أن المقاومة هي من أعمال المتطوعين العرب وحدهم، أو من المتسللين من الدول المجاورة. وكان أكثرها لفتاً للاهتمام هو زجُّ اسم تنظيم القاعدة بأنها وراء العمليات. أو أنها من إسلاميين مرتبطين بالقاعدة أو هي من فعل المتطوعين العرب( ).
كما روَّج الإعلام الأميركي وملحقاته، لإشاعات تنسب أعمال المقاومة العراقية لردود أفعال ذات علاقة بالأمن والرغيف؛ أو أنها أعمال يائسة من صنع فلول النظام السابق( ).
لم تكن موضوعة المتسللين إلا كذبة لا علاقة لها بالواقع. فالمقاومة العراقية لا ينقصها الجند ولا العدة ولا المبدأ ليقاتل عنها متسللون. فالوقائع لم تؤيد تسلل متسللين. ولكن أميركا تريد من وراء الترويج لتلك الأكذوبة لكي تحصل على قواعد عسكرية أميركية في سوريا( ).
إن ذلك لا ينفي أن مئات المقاتلين العرب حملتهم غيرتهم إلى مساندة الشعب العراقي، استناداً إلى واجب قومي وديني وأخلاقي، وهذا مصدر افتخار واعتزاز. فهم لم يتسللوا بل دفعهم الواجب إلى المشاركة في قتال العدو الواحد.
أغفلت كل تلك الأجهزة عامل التنظيم المسبق للمقاومة الشعبية المسلَّحة. لكن وقائع أعمالها على الأرض، أداءً عسكرياً ملفتاً بدقته وحرفيته وأدواته واتساعه جغرافياً، أثبتت أنها كانت المرحلة الأساسية التي أعدَّ لها نظام الحزب ووفَّر لها مستلزماتها( ).
ولقد أثبتت التجربة الميدانية، خلال عام من الاحتلال، أنها »تعكس مستوىً من الإعداد والتنظيم يرجح أن تكون قد وضعت أسس بناه التحتية قبل الاحتلال بزمن، ربما بسنوات. وهو ما يدل على أن القيادة العراقية… كانت تفكر بصورة استراتيجية في الفهم والتعاطي مع الهجمة التي يمكن أن تشنها الإمبريالية«( ).
وقد أكَّدت قيادة قطر العراق أن الإعداد للمقاومة الشعبية قد ابتدأ بعد العام 1991م، وهي تشمل الرجال والسلاح، وجاء في بيانها أن » المقاومة قامت ومنذ طي الصفحة العسكرية التقليدية في المنازلة الحالية على ما هيأت له قيادة الحزب والثورة وفقاً لما ارتأت ودبرت منذ مدة طويلة بتأمين السلاح والعتاد والتدريب على أوسع مدى شعبي وفقاً لمنظومات اقتضتها طبيعة المراحل المشخصة في المنازلة الكبرى منذ أم المعارك الخالدة«( ).
ولم تكن المقاومة تعبِّر عن مجرد ردود أفعال ضد تصرفات الاحتلال، »كما يحلو لبعض الكتبة المرتزقة وصفها وتسميتها , بل هي مقاومة منظمة تملك قاعدتها الجماهيرية, ورؤيتها السياسية لراهن العراق ومستقبله«( ). وقد جاء ما يؤكد هذه الحقيقة على لسان أميركيين: لقد كشف أميركي كان يشارك في أعمال التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل العراقية، في أواسط التسعينيات، عن وثيقة يُستَدلُّ منها أن نظام حزب البعث في العراق كان يعد لحرب العصابات في الحالة التي يتعرَّض فيه العراق لاحتلال( ). وهذا يدل على جملة من الأمور، منها: إن الإدارة الأميركية لم تول أي اهتمام لمثل ذلك الاحتمال، ويدل على أن تخبطها في معرفة طبيعة المقاومة وتكوينها ومن يقف وراءها وما هو مدى استمرارها ليست إلاَّ تجاهلاً لحقيقة تعرفها، وتصطنع التجاهل لغاية التخفيف من المخاوف فيما لو تبيَّن أنها كانت تعرف النتائج وأقدمت على مغامرتها( ).
وفي ردٍّ إجمالي حول تجهيل هوية المقاومة الوطنية العراقية، صوَّرت وسائل الإعلام التابعة لقوات الاحتلال أن الذين يقاومون هم من القاعدة أو من فلول النظام السابق، باعتبار أن المواطن العراقي العادي –كما تقول تلك الوسائل- لا يمكن أن يقاوم. وإن أفضل جواب عليها هو ما قاله صحافي بريطاني، ساخراً: »كان علينا أن نصدق هذا. لأنه إن كان العراقيون ينضمون للمقاومة، إذن كيف سنقول إنهم لم يحبوا محرريهم؟«( ).

1-الإدارة الأميركية وحرب المقاومة في العراق.
باعتراف قيادة الاحتلال أن عدد العمليات العسكرية يتجاوز الألف شهرياً، وعلى قاعدة أنها تقلل من كل الأرقام فلاشك أن العدد يصل إلى أكثر من ذلك. وحسب مصادر المقاومة يصل إلى خمسين عملية يومياً أي قرابة 1500 عملية في الشهر، مما يعنى أن هناك حرباً حقيقية متواصلة و ليست مجرد حرب عصابات متقطعة، وهذا هو التعبير الذي اضطر إلى استخدامه القادة العسكريون الأمريكان ، ثم بوش نفسه حينما أعلن (إننا نواجه حرباً حقيقية)( ).
لم يقتصر الأمر على اعتراف رئيس الإدارة الأميركية بقوة المقاومة العراقية وشدة فعالياتها، وإنما يكون قد استند إلى شهادات القيادات العسكرية العليا والميدانية لقوات الاحتلال، التي لم تخف اعترافها بذلك، وهو ما تناقلته أجهزة الإعلام الأميركية( ).
يستطيع المتابع أن يستدل على حجم الخسائر التي تلحقها المقاومة العراقية مما يتسرَّب من تقارير من بعض المستشفيات التي تهتم بشؤون الجرحى من الجنود الأميركيين. وتفضح بعض تلك التقارير عن أن عملها لم يتغير بين مرحلة الحرب النظامية ومرحلة المواجهة التي تخوضها ضد المقاومة العراقية( ). وإن المتتبع لعمليات المقاومة العراقية يدرك أن الذين يقفون وراءها وينفذونها هم أشخاص مدربون جيداً، ومرتبطون مع بعضهم البعض بنوع من العلاقات الخفية، الأمر الذي يؤكد أن المقاومة منظمة، ولها قيادة ميدانية مركزية، وأن رجالها هم من خيرة رجال القوات المسلحة، وأنها تحمل سقفاً سياسياً متطوراً مما يؤكد –من خلال بياناتها- أن قيادتها السياسية هي قيادة حزب البعث العربي الاشتراكي( ).

2-الخصوصية التكتيكية لعمليات المقاومة:
لا يمكن أن تنجح حرب العصابات، دون أن تتوافر لها بيئة اجتماعية وسياسية تحتضنها، وهنا نستطيع أن نشير إلي عمليتين متوازيتين تجريان على الساحة العراقية:
الأولي: إن عوامل المقاومة المسلحة وتطور أدواتها وأهدافها، على الرغم من غياب التكافؤ المادي مع قوات الاحتلال، »يتناول صميم المخططات البعيدة لمشروع الاحتلال. ويعمق من هاوية القطيعة مع المجتمع الذي بدوره يمارس أشكالاً مختلفة من المعارضة السلبية، ويصطف موضوعياً مع المقاومة المقاتلة«( ).
ولهذا أخذت تتصاعد عملية رفض ومقاومة سلمية لوجود الاحتلال الانجلو أميركي وسياساته، وتتمثل في عمليات الاحتجاج المتزايدة والمظاهرات الواسعة المتكررة التي شهدتها أكثر المدن العراقية من الشمال إلي الجنوب ضد الاحتلال وقراراته، خاصة حين تفاقمت حالات البطالة والعوز الاقتصادي وانعدام الأمن والافتقار إلى الخدمات الأساسية وغيرها:
وحول ذلك عبَّرت القيادة الأميركية عن خشيتها من تزايد عدد العراقيين الذين يعتقدون بأن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة يمكن أن يهزم، وهو ما يشجعهم على تقديم الدعم للعمليات العسكرية المسلحة ضده. وحذَّرت من أن الغالبية الشيعية يمكن أن تلتحق في مقاومة الاحتلال خصوصاً في ظل تزايد الاحتكاك اليومي بين قوات الاحتلال والمناطق الشيعية( ).
وإن الخطر الأهم الذي يقض الآن مضاجع الجنرالات الأميركيين، هو اتساع نطاق عمليات المقاومة العراقية وانتشارها نحو الشمال والجنوب، وهي المناطق التي اعتبرت آمنة نسبياً كما حدث في عملية تفجير مقر قيادة القوات الإيطالية في مدينة الناصرية( ).
الثانية: اتساع عمليات المقاومة المسلحة وتزايد أثرها السياسي والعملياتي يوما بعد يوم( ). وقد تكاثر أعداد الذين انتموا إلى صفوفها في شتى أنحاء العراق، ومنهم الاستشهاديون( ).
ومن خلال المقارنة بين التجربتين الفييتنامية والعراقية يرى المحللون أن نقاط القوة التي كانت تساند المقاومة الفييتنامية لا تمتلكها المقاومة العراقية من حيث إسنادها من معظم الدول الاشتراكية، وإمدادها بالمال والسلاح. أما المقاومة العراقية فتمتاز بحيازتها مميزات منها تخزين السلاح بكميات كبيرة، وتدريب الرجال، وأعداد من المدرَّبين يفوقون مئات الآلاف( ).

ثانياً: واقع المقاومة الوطنية العراقية:
1-تعريف المقاومة:إن ما يمثِّله الاحتلال من »مصادرة للخيار الوطني وسرقة لحياة الشعب المحتلِّ وتغيير سماته الحضاريَّة وهويَّته الوطنيَّة«، يؤدي إلى »حتميَّة انبثاق المقاومة، بما فيها المقاومة المسلَّحة«( ).

2-حق الشعوب المحتلة بمقاومة الاحتلال:
بادرت الإدارة الأمريكيَّة وحلفاؤها المحلِّيُّون إلى الطعن في شرعيَّة المقاومة والتشكيك في أهدافها ونتائجها. فوصفت عمليَّاتها بالإرهابيَّة والتخريبيَّة وبكونها مضرَّة بمصالح العراق الاقتصاديَّة والسياسيَّة، وبأنَّها تؤدِّي إلى إطالة أمد الاحتلال. لكن المقاومة الوطنيَّة المسلَّحة للوجود الأجنبي »لا تستمدُّ شرعيَّتها من تراخيص المحتلِّين أو من فتاوى المتعاونين معهم، بل من الحقِّ المشروع في الدفاع عن النفس والوطن، ومن أسس الانتماء الوطني ومبادئ الأديان السماويَّة وتعاليمها، ومن القوانين والمواثيق الدوليَّة التي لا تبيح شرعيَّة مقاومة الاحتلال الأجنبي فحسب، بل تطالب به«( ).
3-هوية المقاومة
عمدت حملة الخداع الشامل على »تزييف الهويَّة الوطنيَّة للمقاومة، ونفي الصفة العراقيَّة عنها«، باستثناء نسب بعض العمليَّات إلى من أطلقوا عليهم بقايا النظام السابق: »حزب البعث وتنظيمات الحرس الجمهوري وفدائيُّو صدَّام والأجهزة الأمنيَّة«. وتركزَّت حول إلغاء هويَّتها العراقيَّة بوصفها كنتاج للمخرِّبين العرب المتسلِّلين عبر الحدود، والمجموعات السلفيَّة الوهَّابيَّة وأعضاء منظَّمة القاعدة والمنظَّمات الإسلاميَّة الأصوليَّة الأخرى ( ).
تنفي قيادة المقاومة أن يكون العنصر غير العراقي في صفوف المقاومة فاعلاً ومؤثراً، وفي ما يتعلق بالإشاعات عن وجود عناصر من تنظيم القاعدة أو متطوعين عرب يساعدون رجال المقاومة، ينكر المقاتلون العراقيون ذلك قائلين إنهم ليسوا قلة ليحتاجوا مساعدة من الخارج( ).
أما سبب الترويج حول دور تنظيم القاعدة فيعود إلى سببين:
-يرتبط الأول مع حالة صراع تاريخي بين »أنصار الإسلام« والاتحاد الوطني الكردستاني. فاستغل جلال طالباني موقف الإدارة الأميركية، من الجماعات الإسلامية بعد أحداث 11 سبتمبر ، لتصفية حساباته مع تلك الجماعة، بترويجه لوجود صلة بين (أنصار الإسلام) وتنظيم القاعدة. لكن الجماعة نفت ذلك. وقد يكون هذا حقيقياً من الناحية العضوية والتنظيمية. لكن هناك تشابهاً في فكر الجماعتين من حيث أنهما حركتان سلفيتان جهاديتان سنيتان تستقيان أفكارهما من نفس المراجع السنية وإن اختلفتا من حيث طبيعة العمل وأولويته( ).
أما السبب الثاني، فيعود إلى تكتيكات إعلامية أميركية، لتحريض الرأي العام الدولي والأميركي ضد المقاومة العراقية، باعتبارها ليست حركة تحرر وطنية، بل لها علاقة، مع ما هو ثابت في أذهان الرأي العام، بالإرهاب الأصولي. كما أن الترويج لدور القاعدة في العراق يساعد على تسويق فكرة استمرار الحرب عند الأميركيين مما يقنعهم بالاستعداد لتحمل تكاليفها. وما ينطبق في هذا السبب على القاعدة، يرتبط مع ما يتم الترويج له حول أبي مصعب الزرقاوي( ).
برز اسم الزرقاوي في الإعلام اليومي بسبب محاولة المخابرات الأمريكية إيجاد علاقة بينه وبين النظام العراقي السابق لتسويق حربه على العراق وتبريرها.. ثم صار الشماعة الجاهزة التي يعلِّق عليها الاحتلال كل الجرائم التي ترتكبها مخابراته لإحداث شرخ طائفي بين العراقيين( ).
وبالإجمال، وحول هذا الجانب، ولأن العراق الآن دار حرب ومناخاً خصباً ومناسباً لأية حركة إسلامية ترى في الجهاد أولوية، فقد تستفيد شتى الجماعات الإسلامية، ومنها تنظيم القاعدة من هذا المناخ. ومن أهم العوامل التي قد تسهل دخولها إلى العراق، وجود المتعاطفين معها فكرياً وروحياً من أبناء الجزيرة العربية والخليج. كما أن الجهاد في العراق سيكون أسهل لهم من أفغانستان نظراً لعامل اللغة، والتشابه في العادات والتقاليد مع القبائل العراقية، والتداخل والتقارب والترابط العائلي، وهو ما تخشاه فعلاً قوات الاحتلال الأمريكي.
إن المقاومة القائمة الآن في العراق هي عراقية شكلاً ومضموناً وإن التحق بعض المجاهدين العرب وغيرهم من الذين يدخلون من الحدود السعودية والسورية والكويتية والتركية والإيرانية فليسوا بالأعداد الغفيرة لكن وجودهم حافز معنوي للمقاومين العراقيين( ).
يؤكد بعض قادة المقاومة بأنها تمثِّل الشعب العراقي وتعبر عن ضميره، وأن الأعداء وحدهم هم الذين يسعون إلى خلق مسميات قد يكون بعضها وهمياً. وربما يكون الهدف طمس هوية العاملين فيها والمخططين لها، لأغراض عدوانية، أو لخلفيات إيديولوجية تعصبية. »المقاومة عراقية 100% تضم تيارات مختلفة ومهناً متعددة، فحزب الحركة الإسلامية هنا، والبعث هنا، والناصريون هنا، والجيش والحرس والأمن والأطباء والمهندسون والمدرسون، وحتى الفنانون والرياضيون والطلاب والفلاحون معنا في المقاومة، ناهيك عن شريحة واسعة من أبناء الشعب العراقي سنة وشيعة أكراداً وعرباً«( ).
و على الرغم من كل شيء، تؤكد الوقائع أن البعثيين هم الذين أعدّوا لها وبدأوها، واستمرت وتصاعدت بجهود (مجاميع البعث، وعناصر الجيش والحرس الجمهوري وفدائيي صدام وجيش القدس وعناصر الأجهزة الأمنية)، وكل هذه المجموعات تملك رؤية مشتركة وموقفاً سياسياً واضحاً يعبر عنه حزب البعث. وإذا كانت تلك هي الحقيقة، فمن الإنصاف أن نقول إن البعثيين لم يذهبوا إلى الاستئثار بها، أو الادعاء بعدم وجود تيارات أخرى فيها. فهناك القوميون والوطنيون والإسلاميون والمتطوعون العرب الذين يشاركون بفعالية في صفوفها، وإن الذي يقودها ويديرها هو حزب البعث، ويعرف ذلك الأعداء( ) والأصدقاء( ).
انطلقت المقاومة، في الأساس، من تيارين سياسييّن: تيار حزب البعث وتيار الدولة. .. ومع أولى الإشارات، عن معارك وضربات ضد قوات الاحتلال، حدث تغيرّ …في تركيبة المقاومة، إذ التحقت بها جماعات قومية مستقلة ويساريون وناصريون والآلاف من الشباب المستقلين، الذين لم يُعرف عنهم أي نشاط سياسي من قبل( ).

4-أهداف المقاومة:
حدَّد المنهج السياسي الاستراتيجي للمقاومة هدفاً مركزياً يتمثل »بطرد قوات الاحتلال وتحرير العراق والحفاظ عليه موحداً ووطناً لكل العراقيين«. أما طرق ووسائل تحقيقه، فهي:
أ-استمرارية المقاومة طالما كان هناك احتلال وبأي صيغة وعلى أي جزء من أرض العراق وبغض النظر عن القرارات الأممية اللاحقة للاحتلال.
ب-شرعيتها، وحقها في العمل العسكري وغيره، وشرعية وواجب التعامل القتالي مع المتعاملين والعملاء.
ج-منع وعرقلة جهد الاحتلال من التصرف والتمكن والاستغلال، لثروات ومرافق وممتلكات العراق.
د-تعميم المقاومة المسلحة على أرض العراق كلها وبمشاركة العراقيين كلهم، والتأكيد على واجبهم وحقهم المتكافئين في المقاومة وتحرير العراق تحت أي عنوان أو مسمى.
هـ-العمل على تحقيق تشكيل جيش تحرير العراق.
ح-العمل من أجل مشاركة قومية شعبية في معركة تحرير العراق( ).
وبالإجمال تشمل وسائل المقاومة لتحقيق هدفها الاستراتيجي: حرمان المحتل من استغلال أي مصدر من مصادر ثروة العراق وبالأخص النفط. ومن الاستفادة من أية عقود أبرمها مع شركة هالبيرتون أو غيرها. وكل المعدات وكل الخبراء ممن يعملون مع الشركات الأجنبية وبلا استثناء هم أهداف مشروعة للمقاومة. وكل من يتعاون مع المحتل وفي المقدمة: مجلس الحكم ووزراؤه وكل المستشارين والخبراء والمترجمين… والمؤسسات الإعلامية التي تروج للاحتلال أو تتعاطف معه. وجيش الاحتلال، بغض النظر عن الجنسية، ومعداته، وكل ما يمكن أن يحسب عليه من خبراء أو عمال مدنيين أو غير مدنيين( ).

5-جغرافية عمل المقاومة:
سعت الحملة الإعلامية الأميركية إلى تسويق فكرة انحصار عمليَّات المقاومة في مناطق جغرافيَّة ذات أكثريَّة عربيَّة سنيَّة أو ما أطلقوا عليه: »المثلَّث السنِّي«، لأسباب تفتيتية مذهبية تارة، أو عرقية تارة أخرى؛ وإذا كانت سلطات الاحتلال قد نجحت ولأسباب مختلفة في التحييد الجزئي والمؤقَّت لقوى عراقيَّة أخرى، »فإنَّ السيطرة على الموقف الوطني لجماهير تلك القوَّة لوقت طويل مسألة مستحيلة«( ).
إن نشاطات المقاومة في جنوب العراق لم تشهد تصاعداً ممُاثلا للتصاعد في مناطق أخرى منه، لا بسبب امتناع الشيعة كما يُزعم، بل بسبب وجود الميليشيات المُسلحة التي تأتمر بأوامر الإيرانيين وتنسق مع الأمريكيين. فهي متواطئة معهما، وتشيع جوّا من الترويع والتقتيل. ومع هذا، تحصل هناك عمليات جريئة في الصويرة والكوت والعمارة والبصرة وسوق الشيوخ والديوانية وأطراف الحلة وكربلاء( )،والناصرية والكوت…
فعلى صعيد الواقع تحصل العمليات في كل مدن العراق، وعناصرها ينتمون إلى كل الطوائف والقوميات والأديان فيه، وهذه الحقيقة تستدعي الحذر من أفخاخ الإعلام المعادي التي تهدف إلى تفتيت الوحدة الوطنية في العراق( ).
قال مسؤول في حزب البعث من تنظيمات الجنوب العراقي، إن العملية الاستشهادية التي استهدفت القوات الإيطالية في مدينة الناصرية، ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، وان عمليات كثيرة غيرها استهدفت القوات البريطانية والبولندية والأوكرانية والرومانية في الجنوب، غير أن قوات الاحتلال تتكتم عليها لأسباب سياسية ونفسية وإعلامية، للإيحاء بان المقاومة محصورة بالسنة، لأنه ليس من مصلحتها أن تقول بان الشعب العراقي في معظمه يرفض الاحتلال ويملك الأسباب الموضوعية لمقاومته، وان مجموع العملاء المتعاونين مع هذه القوات هم قلة، ولا يستطيعون حماية أنفسهم ( ).
إن حصر المقاومة في مناطق دون أخرى يفسِّر خوف الاحتلال من انتشارها لأنه »سيحيل أرض العراق (كلها) ناراً ملتهبة تحت أقدامهم«، وتعجِّل في رحليهم من العراق( ).

6-الاحتضان الشعبي للمقاومة:
في الوقت الذي يجمع فيه المراقبون على تطور عمليات المقاومة العراقية وتنوع أساليبها، فهم يتفقون –أيضاً- على أنها باتت تمثل نبض الشارع العراقي الرافض للاحتلال الأمريكي( )، الذي يجري التعبير عنه من خلال التظاهرات المتواصلة، والاحتجاجات اليومية التي تشهدها معظم مدن العراق، وهي تطالب برحيل القوات الأمريكية الغازية.
ويوماً بعد آخر يترسخ في الشارع العراقي مفهوم المقاومة، ومعانيها الدينية والوطنية، وتتعمق قيمها الأخلاقية في وجدان المواطن العراقي الذي وجد نفسه فجأة مكبلاً بقيود الذل والمهانة، تحت حراب قوات الاحتلال الأمريكية البريطانية( ).
إن الإجماع الشعبي حول المقاومة، ليس نتاج ردود أفعال كما يُزعم، بل هو »تجسيد فعلي لمعنى الوطنية العراقية«. فأصبحت المقاومة ثقافة عامة، وشاعت تعبيرات تنتقص من الرجال الذين لا يتخذون مواقف شجاعة، وأن الشبّان الذين لم يكونوا يوماً إسلاميين أو بعثييّن، بل ولم يكونوا سياسييّن أصلاً، هم اليوم مع المقاومة ويلتحقون بها بأعداد كبيرة، من دون الاهتمام بهويتها البعثيّة أو الإسلامية. هذا الأمر لا يعنيهم. ما يعنيهم هو تحرير بلادهم«( ).
ومن دلائل التأييد الشعبي أن الجدران في المدن والبلدات العراقية تتحوَّل إلى وسيلة إعلام ذات فعالية متزايدة في مقاومة الاحتلال. وتتركز على جدران المؤسسات والمرافق العامة كالمدارس. إذ غالباً ما يفيق المواطنون العراقيون على شعارات تدعو إلى الجهاد، كتبت بخطوط بارزة على الجدران، ومنها المنشآت والأبنية العراقية. وما يبدو مثيراً للانتباه في الشعارات المناهضة للاحتلال، هو أنها توحي بوقوف جهود منظمة وراءها. فالشعارات الجديدة تختلف عما كان معهوداً، فهي أكثر أناقة، وتحمل مضامين أكثر دقة وعمقاً، مما يدل على هدوء أعصاب الذين يكتبونها، وهذا دليل على احتضان الشارع الشعبي وتشجيعه.
كانت الشعارات المناهضة للاحتلال تكتب بشكل يحمل طابعاً عفوياً، وقد تكون غير واضحة، بما يشير إلى عامل الاستعجال والخوف على كاتبيها. هذا بالإضافة إلى أن الشعارات أخذت تعم مختلف مناطق العراق. وهو ما يمنح الشعارات الجديدة فيها دلالات إضافية( ).
وأشدَّ ما يخيف قوات الاحتلال هو غموض التنسيق بين الفصائل المقاتلة، وما إذا كانت تلك الفصائل ستلقى احتضاناً شعبياً( ). وهي تتجاهل ما تنقله الصحافة الأجنبية عن أهمية الالتفاف الشعبي الواسع تأييداً للمقاومة من جهة، واعتبار القوات الأميركية قوات احتلال من جهة أخرى، لتكذِّب ادِّعاءات الإدارة الأميركية بأنها جاءت إلى العراق لتحرير العراقيين( ).
ثالثاً: تأثير المقاومة المسلَّحة على مخططات الاحتلال
لا يمكن للمشاريع المتناقضة، التي وصلت إلى نتيجة رأت فيها أنه لا يمكن حسم حدود التناقض بينها إلاَّ بالمواجهة العسكرية، إلاَّ أن تحسب للقوى المقاتلة لدى كل منها الحساب الأول. فالحرب هي أهم وسيلة سياسية لتحقيق الأهداف، والجندي في الحرب هو أهم وسيلة لكسب الحرب، ولا يمكنه كسبها إلاَّ إذا استطاع أن يستنزف خصمه ويمنع عنه القدرة على الحركة ومتابعة القتال.
لما قرَّرت الإدارة الأميركية أن تشن الحرب ضد العراق، وضعت دراسات لأدق التفاصيل التكنولوجية التي توفِّر لها النصر على القدرة العسكرية العراقية. ولكنها في المقابل أغفلت كل ما له علاقة بتكوين الجندي الأميركي كإنسان أكثر من إغرائه بالمميزات المادية التي يمكنه الحصول عليها من خلال مشاركته في الحرب. ولأن الإدارة كانت تتوهَّم أن الحرب لن تستمر أشهراً طويلة، لأنها في خلالها تكون قد أنهت الحرب وأعادت الجنود إلى بلادهم. وفي تلك الفترة المحدودة لا يمكن للجندي الأميركي المقاتل أن يأخذ فرصة كافية لكي يعاني من متاعب الحرب وما تجره من مآس إنسانية سواء على صعيد الشعب العراقي، أو سواء على ما سوف تعانيه عائلات الجنود المشاركين في الحرب، وهم الذين أعدوا أنفسهم لاستقبال أبنائهم أبطالاً أسوياء، شاركوا –كما يحسبون- في درء الخطر عن وطنهم أميركا قبل أن يصل إلى أبوابها.
ولما لم يحسب مخططو الحرب الأميركيين حساباً لجانب أن الحرب النظامية ليست هي الوجه الوحيد للصراع، وأهملوا النظر إلى زاوية ما يمكن أن يكون العراقي قد خطط لنفسه ووضع من وسائل مقاومة الاحتلال. وبمثل هذا الإهمال تناسوا أن الجندي الأميركي قد يقع في تجربة طويلة يعرف من خلالها معاناة خاصة سواء بالنسبة لمهمته من حيث قصر مدتها أو طولها، وتناسوا أن بقاء هذا الجندي لفترة طويلة قد يجعله يرى ما يضعه في موقع المأزوم والمتسائل حول حقيقة مهمته. وهذه هي المفاجأة التي لم تعطها أجهزة الكومبيوتر أهمية، هي التي أنتجت تحولات ومتغيرات لم تكن محسوبة، وهي حقيقة المأزق الأميركي الحالية في العراق.
لقد فاجأ العراقيون الأميركيين المحتلين بما لم يكونوا قد وضعوه في حساباتهم، وهي انطلاق المقاومة على قاعدة حرب العصابات بسرعة أذهلت العارفين بحقيقة الأمور بأكثر مما أذهلت غير العارفين. كانت الأهمية في سرعة تلك الانطلاقة قد قلبت في وجه الجندي الأميركي رؤيته وأوهامه رأساً على عقب. ومن المعروف أنه متى استطاعت المقاومة أن تثقل كاهل الجندي الأميركي بالمخاوف والمتاعب والهواجس وجعله يكتشف حقيقة التمويه الذي أضفاه المخططون لمشروع الحرب من أكاذيب، تعتبر الخطوة الأولى ولكنها الأساسية أيضاً في السير نحو النصر.
»لم يعد هناك مجال للمواربة بشأن فعالية هذه الهجمات وما تظهره من براعة ومنهجية وتخطيط عال«. وبعد مضي أشهر قليلة، لا يسع المراقب إلا أن يستدل على وجود استراتيجية تقف خلف الهجمات التي تستهدف قوات الاحتلال. وتلك التي تستهدف العناصر العميلة لقوات الاحتلال، فضلا عن الهجمات التي تستهدف المنظمات الدولية أو البعثات الديبلوماسية، وتلك التي تطال البنية التحتية الخدمية، ولاسيما أنابيب تصدير النفط.
ويمكن تصور أن الخيط الاستراتيجي الذي وضعه المقاومون هو الرغبة بخلق الفوضى التي لا تسمح لقوى الاحتلال بالحصول على قنوات الدعم الخارجية أو الداخلية، وبالتالي تقليص كل الإمدادات السياسية والمادية والبشرية التي -مع مضي الوقت- تجعل الاحتلال مرتكزاً فقط على الجانب العسكري. وذلك كله، يصب في استراتيجية هدفها يبرز من أنه إذا كانت القدرة غير متوافرة على هزيمة الاحتلال بالسرعة الممكنة، فليكن اعتماد استراتيجية تقوم على استنزافه باستمرار بما يؤدي إلى إعطاب قدرته على الاستمرار والتواصل. و»النموذج المتبع والواضح للعيان أن المهاجمين على اختلاف هجماتهم وبتنوع هوياتهم يتبعون مبدأ "إعياء الفيل"«( ).
إن خلق واقع اللا إستقرار في وجه القوات المحتلة تصيب العصب الأساسي في أهم مفاصله، والعصب الأساسي هو الجندي المقاتل والمساعد والمدافع عن الهيئات السياسية، فمتى ألحق به المقاتل العراقي شيئاً من التلف المادي، أو متى ما ألحق به المقاتل العراقي شيئاً من الشك في شرعية مهمته يكون قد بدأ يحفر بعمق في ضميره وسلوكه كأقصر طريق لإعاقته عن أداء مهمته في القتال عن قضية لا ناقة له فيها ولا جمل.
ومن أهم التأثيرات التي تحفر في خندق إعاقة الجندي الأميركي المحتل، هي أنه من دون أن تبرز أية ملامح لإنهاء عمليات المقاومة أو ظهور بوادر لإيقافها أو القضاء عليها، ما زالت قوات الاحتلال الأميركي ترسل نعوش قتلاها كل يوم، وأصبح الرحيل عن أرض العراق الحلم الجميل الذي يراود جنود الاحتلال، وفي نفس الوقت تتصاعد فيه دعوات العائلات الأمريكية التي تطالب بعودة أبنائها في أقرب وقت( ).
ما هي تأثيرات الصعوبات على إحداث العطب المؤلم الذي يجعل الجندي يصرخ من جهة، فيلقى صراخه صدى عند أهله وأقاربه وعائلته وأصدقائه من جهة أخرى؟
من ضمن حالات الإعاقة التي تلحقها ضربات المقاومة العراقية بالجندي الأميركي ما يلي:

-الإصابات النفسية بين جنود الاحتلال:
أ-التهيج المفرط والحاجة للتبول بشكل متكرر والإسهال، والشعور بالتنميل في الأطراف. وعدم القدرة على النوم وفقدان الشهية والوزن( ).
ب-الاضطرابات النفسية الكبيرة: عزل ما مجموعه 583 جندياً حتى بداية يناير 2004 في العراق أو أعيدوا إلى ديارهم لتلقي العلاج من جراء الاضطرابات النفسية الكبيرة التي يعانون منها، لكن آخرين لا ينتظرون العلاج وإنما يقررون الانتحار( ).
ج-الإصابة بحالة الاكتئاب: إن ما يقرب من خمس الجنود الأمريكيين الموجودين في العراق مصابون بمرض اكتئاب ما بعد الصدمة. وإن أكثر من 600 من العسكريين - رجالاً ونساءً - تم إخلاؤهم من العراق لأسباب نفسية منذ بدء الحرب في مارس الماضي ( ).
د-تزايد حالات الانتحار بحيث تجاوزت النسبة المعروفة في مثل تلك الظروف: إن نسبة الانتحار بين الجنود الأميركيين في العراق تصاعدت بصورة كبيرة، وان الأمراض النفسية الحادة تجتاح قوات الاحتلال. وإن ما لا يقل عن 22 جندياً قتلوا أنفسهم وهي نسبة عالية. وظهرت معظم الحالات منذ أعلن الرئيس جورج بوش انتهاء العمليات القتالية الرئيسية. وقد دفعت حوادث الانتحار هذه إلى بدء تحقيق على أعلى مستوى داخل وزارة الدفاع الأميركية( ).
وفي المعدل العام نسبة حالات الانتحار هي 10ـ11 حالة لكل 100 ألف جندي، وفي المعدل الحالي وصلت إلى 34. ويقول خبراء ومحللون نفسيون إن التسيب الأمني في العراق، وطول فترة خدمة الجنود،والظروف التقشفية في المعسكرات، تؤدي إلى تفاقم أعراض الضغط النفسي أو الكآبة. كما أن توفر السلاح لدى الجنود، تجعل من مجرد التفكير بالانتحار حقيقة واقعة.. ويقول محلل نفسي في جامعة الجيش النظامي الأمريكية إن وضع المسدس علي رأس من يفكر بالانتحار لا تحتاج إلا لثوان معدودة. ( ).
وقد اعترف كل من وزير الدفاع الأميركي، وقائد قوات الاحتلال بالواقع الصعب الذي يعاني منه الجنود( ). وبالفعل فقد أجْلت وزارة الدفاع الأميركية آلاف الجنود إلى بلادهم لإصابتهم بحالة انخفاض المعنويات، ووصلت نسبة المصابين الذين يحتاجون إلى معالجة إلى نسبة عالية تبلغ ال3% من نسبة الجنود المشاركين في الاحتلال( ).
وصلت زيادة حالة الانهيار المعنوي بين الجنود الأميركيين إلى الخط الأحمر. فقد أطنبت وسائل الإعلام مؤخراً في نشر مقابلات تشير إلى هبوط معنوياتهم ورغبتهم بالرحيل( ).
وقد دلَّت استطلاعات للرأي على أن ثلاثة أرباع الجنود أُصيبوا بحالة من انهيار المعنويات، ودفع بنسبة ال 50% منهم إلى التصريح بأنهم لن يجددوا عقودهم( ). لذلك طلبت القيادة العسكرية الأمريكية في العراق من جنودها تناول عقاقير منبهة، تجعلهم يقظين لنحو 40 ساعة. وأشار المصدر إلى أن هذه العقاقير ي تم استخدامها في علاج المصابين بمرض النوم، ولكن لها آثار سلبية على الجهاز العصبي. كما أن نقابة الأطباء الهولندية أكدت أيضا وجود آثار سلبية على صحة من يتناول العقاقير المنبهة على المدى البعيد، بجانب وجود آثار سيكولوجية سيئة( ).

رابعاً:المقاومة العراقية ذراع أممي في منع أمركة العالم
أفشلت المقاومة العراقية المشروع الكوني الأميركي الذي كان يستهدف روسيا وفرنسا وألمانيا وكوريا الشمالية وغيرها، وفرضت تأجيل المخطط الأميركي في المنطقة. ولهذا وفي حال نجاحها بطرد الاحتلال، ستسهم في إعادة رسم خارطة العالم من جديد، حيث ستمثل حافزاً ودافعاً لأطراف عديدة للثورة على السياسة الأميركية والتمرد عليها، في مختلف بقاع الكون( ).
وقد برز خلال الشهور الثلاثة الأولى بعد إعلان الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، انتهاء العمليات الحربية الرئيسية في العراق 'أول مايو 2003' مقدار التأثير الذي أحدثته المقاومة العراقية علي السياسة الأمريكية سواء بالنسبة للعراق أو المنطقة أو حتى تعاملاتها الدولية، وهو الأثر الذي تزايد وتصاعد فعله في الشهور الأربعة اللاحقة بعد ذلك أي حتى أواسط تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 2003م؛ ويمكن تتبع خطى هذا التأثير في التغييرات التالية:
بدأت بعزل (جاي جاردنر) الذي سبق وعينته الإدارة الجمهورية كحاكم للعراق بعد أقل من شهر من تعيينه، وكذا عزل الطاقم الصهيوني المصاحب له، واستبدلته بواجهة مدنية 'السفير بول بريمر' المتخصص في مكافحة الإرهاب وحركات التحرر الوطني.
في أعقاب سقوط بغداد، بدأت الإدارة الأمريكية وصقور البنتاجون، في إصدار تصريحات تتسم بالصلف والغرور، ومنهم (بول وولفويتز) مهندس الحرب، في الحادي عشر من نيسان/ أبريل: بأن الانتصار الأمريكي في العراق هو درس لكل الأنظمة العربية التي تهدد مصالح الولايات المتحدة ؟! وأعقبته تصريحات كل من وزير الخارجية كولين باول ونائب الرئيس ديك تشيني ووزير الحرب دونالد رامسفيلد، بأن على فرنسا أن تدفع ثمن معارضتها للحرب ضد العرب، والتوعد لكل من خالف الإرادة الأمريكية وقرارها بالحرب علي العراق.
وفي تلك الأجواء فرضت الإدارة الأميركية القرار 1483، في 22/ 5/ 2003م، على مجلس الأمن، معترفاً بواقع الاحتلال، ويضع وصاية كاملة على إدارة الموارد المالية والثروات الطبيعية العراقية تحت غطاء إنشاء صندوق أطلق عليه (صندوق تنمية العراق). ولم تُعط الأمم المتحدة إلاَّ المهام الإنسانية مع استخدام المبعوث الخاص للامين العام للمنظمة الدولية مظلة وغطاء سياسياً للاحتلال. ولم يأت القرار على ذكر أي عملية سياسية أو جداول زمنية لنقل السلطة أو السيادة للعراقيين.
لم يمض وقت طويل حتى تحوَّل المشهد وانقلبت الصورة بعد تصاعد أعمال المقاومة العراقية المسلحة. إذ ذاك اندفعت الإدارة الأميركية للاستنجاد¬ بحلفائها وأصدقائها وعملائها في كل مكان لإرسال قوات عسكرية لمساعدتها في توفير الأمن لقواتها.
وبعد أقل من ثلاثة شهور على صدور قرار مجلس الأمن الرقم 1483، قامت قوات الاحتلال بتشكيل ما سمي مجلس الحكم الانتقالي في 14 تموز/ يوليو باعتباره واجهة سياسية محلية للاحتلال. وطلب موافقة مجلس الأمن على استصدار القرار 1500 الذي تضمن خطة وهمية لعملية سياسية في العراق كمحاولة استرضاء كل من فرنسا وألمانيا وروسيا. وقد تضمن مطالبة الدول العربية وغير العربية بالاعتراف بمجلس الحكم الانتقالي.
ومرة أخري حصلت الإدارة الأمريكية على قرار جديد، في 16 تشرين الأول/ أوكتوبر، يحمل الرقم 1511. وضغطت الدول الممانعة على تحديد جدول زمني لصياغة دستور جديد. ولم يكن الجدول الزمني هو ما يهم الأميركيين، بل كان أهم ما فيه، هي المادة 13، التي تنص على تشكيل قوة متعددة الجنسيات تكون تحت قيادة الاحتلال الأمريكي، وكذلك المادة 14، التي تدعو إلى تقديم مساعدتها وتوفير القوات العسكرية للقوة المتعددة الجنسيات، كما ينص القرار علي الدعوة لعقد مؤتمر دولي للمانحين في العاصمة الأسبانية مدريد يومي 23 و24 أكتوبر 2003 لتقديم المساعدات وإعادة أعمار العراق. وعلى الرغم من موافقة الدول الكبرى الممانعة للحرب على القرار الأخير إلاَّ أنها امتنعت عن تقديم أي نوع من الدعم للأميركيين.
وبمثل هذا المشهد تكون المقاومة العراقية قد ساعدت الدول الكبرى على الخروج من كابوس كان يزعجها، وهو سيطرة الغرور والشبق الإمبراطوري الأميركي في السطوعلى مقدرات العالم، لو حققت النجاح في احتلال العراق. وتكون قد أثلجت صدور بعض الأنظمة العربية لأنها أخَّرت استحقاقات أميركية على بعض تلك الأنظمة بفعل تأثير المقاومة( ).
أما لجوء الإدارة الأميركية إلى استجداء الأمم المتحدة بعد أن كانت ترفض أي دور لها، فحوَّلته إلى حيلة من أجل إنقاذها وإعطائها شرعية. وما هي التصحيحات التي يجب أن تقوم بها الأمم المتحدة الآن؟ إن الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان يجد نفسه في وضع لا يحسد عليه( ). فأميركا تهدف إلى الحصول على غطاء دولي وهمي وليس إلى إعطاء دور فعلي أنكرته ووقفت ضده قبل العدوان على العراق.
خامساً: قراءات سياسية في واقع فصائل المقاومة الوطنية العراقية
يمكن توزيع التنظيمات المشاركة في المقاومة الوطنية العراقية، بين تيارين أساسيين، وهما:
التيار الأول: إسلامي أصولي، بعضها عراقي، والآخر قد يكون مشكلاً من تنظيمات المتطوعين العرب والمسلمين.
التيار الثاني: تيار قومي ووطني عراقي، بعضهم ذو صلة بجهاز الدولة العراقي السابق، وبعضهم تشكل كمقاومة وطنية مسلحة مستقلة ( ).
على صعيد التنظيمات العسكرية: لم تتوقف المقاومة العراقية المسلحة يوماً واحداً بعد احتلال بغداد. وهو يعني أن بعض القوى قد أعدت نفسها مسبقاً إعداداً كافيا لمواصلة القتال في ظل الاحتلال، وقد تبين أن تلك القوى تنتمي بأكثريتها إلى حزب البعث، وأن جزءًا آخر وأساسي أيضاً ينتمي إلى قوى وطنية وقومية وإسلامية متعددة ( ).
وهنا سنقوم بقراءات سياسية لكل التنظيمات المشاركة في المقاومة العراقية، سواء منها العاملة في الميدان العسكري، أو تلك الداعمة للمقاومة سياسياً وإعلامياً:

1-قراءة سياسية في وثائق حزب البعث العربي الاشتراكي:
أ-قراءة في وثائق شهريْ نيسان/ أبريل وأيار/ مايو من العام 2003م
في الوقت الذي انقسم فيه العالم، بعد التاسع من نيسان، بين مبتهج بسقوط النظام السياسي في العراق ونادب لهزيمة جديدة أُلحِقت بأحد الأنظمة العربية الرسمية.
وفي الوقت الذي انشغلت فيه دولة العدوان الأميركية بالاعداد إلى إعلان نصرها في العراق، وهي التي شنَّت الحرب ضمن ممانعة دولية، ومن دون غطاء شرعي دولي أو أخلاقي، وابتهجت بأنها وضعت المنظومة الدولية أمام واقع جديد،
وفي الوقت الذي أخذت فيه دول العالم الممانعة للحرب تعد فيه مطالعات لتقديم الاعتذار إلى الإدارة الأميركية، كوسيلة لإعادة حبال ما انقطع بينهما، خوفاً من حرمانها من الكعكة العراقية،
في مثل كل تلك الأجواء، وبعد أقل من أسبوعين، صدر بيان عن »قيادة المقاومة والتحرير العراقية«، يعلن أن الحرب لم تنته وأن مجموعات المقاومة تابعت، منذ العاشر من نيسان، عملياتها العسكرية بشروطها وووسائلها الخاصة، كما أعلنت حصيلة لبعض عملياتها العسكرية مما أوقعته من خسائر في صفوف قوات الاحتلال.
وفي بيانها الأول دعت »قيادة المقاومة والتحرير« أبناء العراق إلى قتال المحتل حتى خروجه من العراق. وكشفت اللثام عن تآمر بعض الأنظمة العربية بما قدمته من تسهيلات لقوات الاحتلال. وعرَّى الدور الخبيث الذي لعبته المعارضة العراقية في احتلال العراق( ). وفي بيانها الثاني، بتاريخ 25/ 4/ 2003م، حمل في الغالب المضمون العسكري مضيفاً بعض التحذيرات الأمنية للمتعاملين مع الاحتلال من تقديم أية معلومات أمنية حول نشاط المقاتلين، ومتوجهاً، من خلال موقف سياسي، إلى رجال الدين (السنة والشيعة) لإصدار فتوى لتكفير المتعاونين مع الاحتلال، وبالتالي الدعوة إلى حمل السلاح في وجه الاحتلال ومقاطعته( ).
وبعد أربعة أيام، صدر البيان الثالث بتاريخ 29/ 4/ 2003م، فأوضح بعض خفايا ما التبس على الأذهان والتحليلات من بعض الحقائق، وإذا لم تكن بالوضوح الكافي لتفسير ما حصل في التاسع من نيسان إلاَّ أنها أنارت بعض الطريق أمام فهم بعض ما التبس.
وأشار البيان إلى أربعة من العناوين العريضة، وهي: الاستمرار في المقاومة، والتعتيم الإعلامي الأميركي حول استمرار الحرب، والإشارة إلى بعض الاهتزازات في قناعات عدد من مسئولي الحكومة السابقين، وإعادة التذكير بمساعدة بعض الأنظمة المجاورة للعراق، كما وجَّه البيان تحذيراً إلى عملاء الاحتلال. وأهم ما جاء في نهايته أنه بشَّر بأن الرئيس صدام حسين لا يزال حياً، وبه انقطع الطريق على كل التفسيرات والإشاعات التي اتجهت اتجاهات شتى في الاتهامات. وأكد البيان أن الرئيس سيتوجَّه برسالة لأبناء العراق والأمة بعد 72 ساعة. فيكون البيان الثالث قد أكَّد حقيقة هوية الطلائع الأولى للمقاومة من دون أي لبس أو غموض( ).
وبالفعل فقد وجَّه الرئيس رسالته الأولى، وكان من أهم ما جاء فيها:
1-الإشارة إلى خيانة عدد من الأنظمة العربية ودول الجوار.
2-دعوة العراقيين إلى الانتفاض بوجه المحتل،لأنه »ليس هناك أولويات غير طرد المحتل«.
3-الإشادة بنضال حزب البعث لأنه »لم يمد يده للعدو الصهيوني، ولم يتنازل لمعتد جبان أميركي أو بريطاني«( ).
وبعد أقل من أسبوع من إعلان جورج بوش، الرئيس الأميركي، انتهاء الحرب، أذاع الرئيس صدام حسين رسالته الثانية، المؤرخة في 7/ 5/ 2003م، والتي بشَّر فيها العراقيين، أن مجموعات من العراقيين قد بدأت الجهاد، فما على الشعب العراقي إلاَّ أن يكون معهم. وفيها يلفت نظر العراقيين إلى حجم السرقات التي مارسها الاحتلال وعملاؤه.
وكان من أهم ما جاء فيها ما يلي:
1-الإشارة من جديد إلى تواطؤ بعض الأنظمة العربية والمعارضة العراقية.
2-وحدهم المقاومون هم الذين »يفكِّرون بعراق واحد«. محرِّضاً العراقيين في الداخل على أن يبقوا أخوة في الوطن. وشجَّع الذين في الخارج على مقاومة المحتل: بالمحافظة على الوطن بالمقاومة ومنع الاحتلال من الاستفادة من النفط والثروة.
3-أشار إلى بطولات المقاتلين في معركة المطار التي شارك فيها المتطوعون العرب( ).
وكرَّر في رسالته الرابعة، بتاريخ 9/ 5/ 2003م، الإشارة إلى مسألتين:
-الأولى عوامل الخيانة التي ارتكبتها عدة أنظمة مجاورة، ويشير إلى أنها هي التي أسهمت في تقصير أمد الصمود في بغداد.
-أما الثانية فهي دعوة العراقيين، كما جماهير الأمة العربية، إلى مقاومة الاحتلال بشتى السبل والوسائل، ومن أهمها: المقاطعة السياسية لدول الاحتلال والامتناع عن تقديم تسهيلات لأفرادهم ومؤسساتهم ومقاطعة بضائعهم، والتظاهر. ويُظهر دور الجماهير في الدعم. وحول دور الجماهير يخص بالتسمية رجل الشارع ووسائل الإعلام والمثقفين والأدباء والصحافيين والمصورين والرسامين والرياضين، ودعاهم إلى فضح جرائم الاحتلال( ).
تنقطع مع الرسالة الرابعة رسائل الرئيس ليطل من جديد برسالة جديدة، بتاريخ 14/ 6/ 2003م، لكن في فترة الانقطاع تلك، قامت كل من »قيادة المقاومة والتحرير«، و»قيادة قطر العراق«، بإصدار بيانات متلاحقة.
بالإضافة إلى تعداد حصيلة عمليات المقاومة، وهو ما سيتابعه القارئ في الجزء المخصص للوجه العسكري من المعركة، فقد دعا بيان قيادة المقاومة، في أواخر أيار / مايو، إلى تطبيق عدد من التعليمات التنظيمية والأهداف العسكرية، وهي:
1-حرمان العدو من الاستفادة من النفط العراقي.
2-تكوين مجموعات لشن حرب عصابات تجعل العدو يدفع خسائر بشرية ومادية. ودعا قائد المقاومة المجموعات إلى تسليم قيادتها للأعلى رتبة عسكرية( ).
ويصدر تباعاً عن »قيادة المقاومة والتحرير« بيانات عديدة تتعلَّق بالشأن العسكري، وفيها يتَّضح عدد من أسماء المجاميع المقاتلة في صفوفها، كما يتَّضح توسيع عمليات المقاومة، ومن أهمها: تدمير زوارق، وإسقاط طائرة، وتفجير أنابيب للنفط، وتوجيه تحذيرات للرعايا الأجانب بمغادرة العراق، وتوجيِه تحذيرات إلى جنود الدول التي شاركت الأميركيين في الاحتلال، مثل »القوات الدانمركية والبولندية«. ولم يستثن التحذير عدداً من رعايا بعض الدول العربية التي تتهمها قيادة المقاومة بالتواطؤ مع العدوان ومع الاحتلال أيضاً. ويلاحظ –من خلال البيانات، التي صدرت في شهر حزيران/ يونيو، أن رقعة العمليات –جغرافياً- امتدت من كركوك شمالاً إلى العمارة جنوباً.
أما عن أسماء عدد من المجاميع التي تقاتل تحت اسم »قيادة المقاومة والتحرير« من جهة، وبعض جوانب واقع الفصائل التي تشارك في المقاومة من جهة أخرى، فقد تكررت المسميات التالية: كتائب الفاروق الجناح العسكري ل(الحركة الإسلامية في العراق)؛ القوات المسلحة العراقية، الحرس الجمهوري، مجاميع الحسين، وكتائب حزب البعث، وفدائيو صدام.
-ورحب آخر بيان صادر عن »قيادة المقاومة والتحرير«، بتاريخ 18/ 6/ 2003م، بظهور منظمات مقاومة جديدة، كمثل »سرايا الخليل« و»سرايا المقاومة العراقية« وفي بيانها دعتهم القيادة إلى الحديث عن التحرير كأولوية من أولويات المعركة( ).
يظهر من خلال حركة البيانات، التي تصدر عن قيادة المقاومة والتحرير، أنها ذات علاقة وثيقة مع الأمين العام لحزب البعث تارة، ومع بيانات قيادة قطر العراق تارة أخرى.
وفي حزيران/ يونيو، صدر عن الأمين العام رسالتان في (12 و14/ 6/ 2003م)، كما صدرت عن قيادة قطر العراق أربعة بيانات في (10 و19 و26 و29/ 6/ 2003م)( ).
ولأنها الإطلالة الأولى لقيادة قطر العراق، بعد احتلال بغداد، سنعمل على قراءة مواقفها السياسية، وكذلك مضامين رسائل الأمين العام وما حدَّدته من مواقف سياسية أيضاً( ).

ب-قراءة في وثائق شهر حزيران/ يونيو من العام 2003م
إن قراءة سياسية لبيانات قيادة قطر العراق، مع رسائل الأمين العام للحزب، في خلال شهر حزيران/ يونيو، فتؤشِّر على المواقف السياسية التالية:
-تحديد طبيعة المؤامرة الأميركية بالتنسيق مع بعض دول الجوار وبعض الأنظمة العربية، وهي: إن العدوان يستهدف »العراق بوطنيته وعروبته وثروته وقراره المستقل، ويستهدف حزب البعث العربي الاشتراكي فكراً ومنطلقات وبرامج ... ويحاول اقتلاع القيادة السياسية بحيث أن اقتلاعها وضرب البعث إنما يشكلان الهدف الإستراتيجي الأول والأهم في تطبيق مخططاته«، ومن خلال ذلك تصفية القضية الفلسطينية( ).
-صدقية وعد القيادة العراقية بقتال العدو ورفضها »الاحتفاظ بالكراسي« لقاء السماح له باحتلال العراق من غير قتال لأن المذلَّة هي الثمن الذي كانت ستدفعه من حق الشعب العراقي بالعيش الحر الكريم.
-إن الرد على المؤامرة يأتي من المقاومة العراقية: فهي تمثِّل عمقاً فكرياً تاريخياً للحزب منذ تأسيسه. وقد شخَّصها منذ وضع حساباته في مقاومة المشروع المعادي.
-كشف القناع عن الدور العميل لأطراف المعارضة العراقية منذ بداية الإعداد لاحتلال العراق، وفصائلها –كما حددها البيان- هي: المؤتمر الوطني والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية، وجماعة الوفاق. وبعد الاحتلال شرع »البعثيون بضرب مقرات العملاء والخونة، وسوف يقتصون كذلك منهم ويجتثوهم من الجسم العراقي الحر«.
-منع التسلل الصهيوني إلى العراق، الذي هو أساس استراتيجي للمشروع الأميركي، وسوف تعمل المقاومة على مكافحة توجه بعض دول الجوار العراقي لمنح »إسرائيل« »دوراً في محاولة تشكيل الصيغ السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية للمشرق العربي وذلك من خلال الترويج والتسهيل للشركات والوكالات الصهيونية وما يصحبها من أجهزة استخبارية (إسرائيلية) للعمل داخل العراق«.
-التأكيد على منع الاحتلال من الاستفادة من النفط العراقي. والمقاومة »سوف لن تسمح بأن يكون نفط العراق أداة لتمويل عمل الاحتلال في داخل القطر العراقي ومخططاته الإقليمية المعروفة ببناء سياسي للشرق الأوسط«.
-منع تشكيل أية قوى أمنية أو عسكرية عراقية، لأن »القرار اللاحق لحل القوات العراقية المسلحة والمتمثل بتكوين جيش جديد … من الآن وحتى نهاية العام 2005 إنما يشكل تحدياً وطنياً وقومياً لكل العراقيين والعرب، وهذا التحدي سوف يقابله البعث بالرد المقاوم«، شاملاً القابلين بالانتساب إلى تلك الأجهزة، والشركات التي ستلتزم التدريب، بمن فيهم أية مشاركة عربية. لذا ناشدت قيادة قطر العراق الدول العربية إلى أن لا تتناسى الدور القومي ل»عناصر تشكيلات وصنوف القوات العراقية المسلحة البطلة صاحبة المآثر في فلسطين والجولان وسيناء … لتتطلع إلى إخوانها العسكريين العرب لأخذ المواقف الوطنية والقومية الشريفة تجاه محاولة المحتل الأمريكي-البريطاني لحل الجيش العراقي وإعادة تكوينه مسخاً على النقيض من شيمه وصولاته ومآثره منذ تأسيسه قبل خمسة وسبعين عاماً«.
-الإشارة إلى أن أعمال المقاومة أخذت تؤثر على موقف الإدارة الأميركية وتجبرها على اتخاذ تدابير جديدة، وقد انكشف مدى خداعها للرأي العام الأميركي، وظهر في عدد من تصريحات وزير خارجيتها التي يعترف بعضها بما يلي: »لطالما توقعنا هذا النوع من المشاكل من البعثيين والفدائيين«، مضيفاً... »آمل أن يبدي الأمريكيون الصبر والتفهم لهذا الوضع«.
إن في التأشير على تلك التصريحات ما يدل على المأزق الذي تعيشه الإدارة الأميركية ذات الأهداف الضيقة والمحصورة بالاستحقاقات الداخلية الأميركية التي هي المعيار الملحّ في استمرارية الإدارة الحالية أو عدم استمرارها، ففي الاستمرار إعطاء حياة جديدة للمشروع الخبيث. أما المقاومة، في نضالها، فصاحبة خيارات عديدة. ف»المقاومة والقتال هما الفعلين الوحيدين العاملين على سلم الوقت الأمريكي الذي أصبح محدوداً بفعل الاستحقاقات الانتخابية، بينما سلم وقت المقاومة غير محدود فيما يخص نضالها وجهادها لطرد الاحتلال وتحرير العراق
ومن ضمن تأثير المقاومة أنها أجبرت الإدارة الأميركية على طلب العون من الدول الأخرى، وغيابه كان يشكل مأزقاً لبعض الأنظمة العربية التي كانت تعد نفسها لكي تلعب أدواراً في أية ترتيبات أمنية داخل العراق متسللة تحت الغطاء الدولي. ولهذا السبب عدَّت المقاومة كل من يشارك قوات الاحتلال بمثابة احتلال يتم التعامل معه قتالياً كما لو كان محتلاً.
-أما الجانب القومي من أهداف المقاومة فهو أنه »لن يكون هناك احتلال مشروع ليشكل نموذجاً لاحتلالات أمريكية أخرى في الوطن العربي لتبرير سياسات التخاذل وتمرير المشروعات الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية.. فهناك ما يدبر ليكون مستقبلاً، على أمل نجاح الاحتلال في العراق (وهذا ما لن نسمح به) لكل من سوريا والسعودية والأردن ولبنان«( ).

ج-قراءة في وثائق شهر تموز/ يوليو من العام 2003م
صدر رسالتان عن الرئيس صدام حسين، في: 25 تموز و ال27 منه. أما قيادة قطر العراق، فقد أصدرت أربعة بيانات في: 3 و11 و16 و24 تموز. وركَّز بيان قيادة قطر العراق، بتاريخ 3/ 7/ 2003م، على أن المقاومة هي »الرد الثوري على التآمر والاحتلال«. شاملاً:
-قوات الاحتلال الأميركي – البريطاني، وعملاءهم على امتداد الساحة العراقية، وكل مساندة تأتي من الدول الأخرى »حتى وإن كانت قوات عربية أو إسلامية«.
كما أكَّد من جديد على أن ضربات المقاومة أخذت تؤثر على أعصاب الإدارة الأميركية وتجرَّها إلى القيام بردود فعل غير مسؤولة. ولفت نظرها إلى أن أية معونة دولية لن تعدِّل في موازين القوى لصالحها، وإن ثقة المقاومة بتحقيق الانتصار على الاحتلال تعود إلى أن »أن سلم وقت المقاومة غير محدود فيما يخص نضالها وجهادها لطرد الاحتلال وتحرير العراق، بينما سلمه هو محدود بفعل الاستحقاقات الانتخابية«.
أما حول التعرُّض لعملاء الاحتلال، فقد حدد البيان الثاني، بتاريخ 11/ 7/ 2003م، طبيعة المهام الموكولة من خلال ظهور حقيقة تعاونهم الخياني، فهم مستوردون من خارج الوطن، وهم »صنيعة للاحتلال والصهيونية« ليؤدوا خدمات للاحتلال وتطبيق مخططاته السياسية والأمنية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية. وكان من أهم الجرائم التي يرتكبونها هي موافقتهم على »تخصيص القطاع النفطي الوطني، وفتح الطريق لاستثمارات الشركات الأجنبية«. ولهذه الأسباب قرَّرت قيادة قطر العراق أنها »سوف (تعامله) بشخصيته الاعتبارية وأشخاصه الطبيعيين معاملتها لإدارات الاحتلال وجنوده«.
واستكمل بيان القيادة، بتاريخ 16/ 7/ 2003م، تعداد المآخذ على مجلس الحكم، لأنه يطل كل يوم على العراقيين بقرارات تأخذ جانب المصالح الأميركية والتي تتناقض –كلياً- مع مصالح الشعبي العراقي. وهدَّدهم بأنهم لن يستطيعوا »انتزاع معاني تموز ودلالاته الوطنية والقومية « من خلال إفراغها بواسطة »القرارات التنفيذية« التي (يبصم) عليها كما ينصُّها بول بريمر. وفي ذلك إشارة إلى قرار إلغاء أعياد ثورة تموز.
كما حدَّدت القيادة بعض أهدافها العسكرية بمنع الاحتلال من استخدام وسائل النقل الاستراتيجية لقطع شرايين طرق المواصلات الأساسية لمنع استفادة الاحتلال من تسهيل نقل البضائع أمام التجار المتواطئين مع الاحتلال. ولذا حذَّرت كل » شركات ومؤسسات الطيران التجاري المدنية من عربية وغيرها من استخدام المسالك الجوية لأجواء المطار ومن إرسال طائراتها وأطقمها للمطار«. واعتبرته هدفاً عسكرياً مشروعاً للمقاومة.
وأعلنت قيادة قطر العراق عن شروعها بتكوين وتفعيل »جيش تحرير العراق« من القوات المسلحة العراقية وتشكيلات الحرس الجمهوري والحرس الخاص وقوات الأمن القومي.
معلنة الإعداد المسبق للحرب الشعبية، كحلقة أساسية في الصراع مع الاستعمار، قالت القيادة إن المقاومة سوف تتابع عملها النضالي »على ما هيأت له قيادة الحزب والثورة وفقاً لما ارتأت ودبرت منذ مدة طويلة بتأمين السلاح والعتاد والتدريب على أوسع مدى شعبي وفقاً لمنظومات اقتضتها طبيعة المراحل المشخصة في المنازلة الكبرى منذ أم المعارك الخالدة«.
أما عندما يمتزج الخاص بالعام يقف المناضلون والمبدئيون عند العام فيروا أن لا قيمة للخاص إذا لم يكن بذات فائدة على العام. ومن هذا الأساس لا بُدَّ من أن نُحيِّد الموقف السياسي التقليدي الذي يتَّصف بالجفاف والرؤية المجرَّدة عن العاطفة والوجدانية، لنستلهم تجربة امتزج بها الجانب الذاتي واضمحَّل بالتجربة النضالية العامة، هو ما حصل في الرابع والعشرين من تموز / يوليو من العام 2003م، عندما استشهد ثلاثة، من فلذات كبد الرئيس صدام حسين، ورابع معهم، في معركة مشرِّفة استمرت لست ساعات مع المئات من قوات الاحتلال الأميركي مزوَّدين بكل أنواع الأسلحة والتكنولوجيا الحديثة.
من خلال تلك التجربة، ذات العلاقة بعاطفة الرئيس ووجدانه ونبضات قلبه وأحاسيسه الإنسانية التي لا يرقى إليها إلاَّ من كان أباً حقيقياً، نستشرف أهمية الموقع النضالي الكبير الذي يمثِّله البعثي عندما يتعرَّض العام عنده للخطر، وهل من خطورة أكبر من أن يتعرَّض العراق –تجربة الحزب الرائدة في تاريخ الأمة العربية- للعدوان والاحتلال؟
في المفاضلة بين أن ينتصر الذاتي الخاص على العام، كمثل تلك التجربة المرة التي وضعت صدام حسين أمام خيار صعب في الانحياز لاستشهاد ثلاثة من أولاه أم الانحياز إلى احتمال استشهاد وطنه، كان أن انتصر الانحياز عنده إلى جانب العام. فأصبح استشهاد ثلاثة من أولاده مساوياً لاستشهاد رفيقهم الرابع الذي كان معهم. وأصبح استشهادهم مساوياً لكل شباب الأمة وشباب العراق( ).
لم نكن لنقف أمام تلك الحالة لولا أن انبرى الكثيرون من المثقفين العرب، الذين يدافعون عن الواقعية -حتى إذا تعرَّض شرفهم الوطني للإهانة- بالاستسلام لإرادة القوي، إلى توجيه اتهامات للرئيس صدام حسين، كما إلى البعثيين، الذين اختاروا طريق المقاومة ضد العدوان مهما بلغت قوته،بالرومانسية.
إن الإعداد النفسي للمقاومة هو من أساسيات النجاح في الوصول بها إلى الانتصار، وكان من أهم ما اتَّخذته قيادة البعث في العراق برعاية أمينها العام واستعداد البعثيين والأكثرية الصادقة من العراقيين المخلصين، هو الانحياز إلى خيار المقاومة، وهو القرار الأصعب. وما جاء بعده من إعداد ترتيبات المقاومة المادية (رجال وعتاد) هو الجزء المتمم لموجبات القرار الأول.
وكجزء متمم لرسالة الرئيس التي خطَّ فيها الأنموذج النضالي –الميداني الواقعي- في اندماج الخاص بالعام، أو وضع الذاتي في خدمة الموضوعي، أتى مناشداً البعثيين خاصة والعراقيين عامة ممن اختلَّ توازنهم في أيام الحرب، في رسالته المؤرخة في 27/ 7/ 2003م، للعودة إلى خدمة المبادئ التي ترضي الأمة والشعب، قائلاً بأنه لن يوقف اختلال التوازن إلاَّ موقف »الذين عملوا وجاهدوا لمواجهة الاحتلال ولطرد الغزاة«. ويظهر من خلال مخاطبته تلك الفئة من العراقيين من الذين ساقهم »الشعور بالإحباط أو اليأس أو القول« أن البعض منهم أُصيبوا بالطمع في أملاك الدولة أو الحزب. فناشدهم بأن عليهم العمل من أجل »إنقاذ الأغلى والأثمن… ولأن الإنسان هو أغلى وأثمن ما ينبغي أن تتوجه إليه العناية لإنقاذه من عدوه ونفسه… هو إنقاذ بعض العراقيين من أنفسهم ومن غيرهم«( ).

د-قراءة في وثائق شهر آب/ أغسطس من العام 2003م
في بيانها الصادر في 10/ 8/ 2003م، كرَّرت قيادة قطر العراق تحذيرها من استخدام مطار صدام الدولي، وأكَّدت أن المقاومة استطاعت أن تمنع استخدامه للأغراض المدنية، وتستدل على ذلك أن قيادة قوات الاحتلال كلما كانت تحدد موعداً لافتتاحه كانت تضطر لتأجيل ذلك. كما أكَّد البيان على أن أجهزة الرصد التابعة للمقاومة كشفت عدداً »من الطائرات العسكرية الأمريكية وغيرها وهي تهبط في المطار لتفرغ معدات قتالية وفنية مختلفة في رحلات مباشرة من وإلى المطارات العسكرية والمدنية الصهيونية، مروراً بالأجواء الأردنية«، ولا يستبعد البيان أن تُستغَلَّ تلك الرحلات من أجل نقل »عناصر متخصصة من الجيش والاستخبارات الصهيونية لنجدة ومساعدة قوات الاحتلال الأمريكي- البريطاني«.
ويستكمل بيان القيادة، الصادر بتاريخ 28/ 8/ 2003م، مهمة تحذير كل شركات الطيران العالمية والعربية من استخدام كل مطارات العراق، ويخص قرار إغلاق المطارات كلاً من شركات الطيران: الأردنية والقطرية واليمنية والمصرية…
أما رسالة الرئيس صدام حسين، بتاريخ 14/ 8/ 2003م، فتحمل ترحيباً بتصريح للسيد السيستاني حول رفض أي »دستور يُوَقَّع في ظل الاحتلال الأميركي«، كما تحمل دعوة إليه وإلى الحوزة العلمية، لاستصدار فتوى بالجهاد ضد المحتل ليكون الشعب العراقي »كله موحداً في موقفه ضد الاحتلال، وعلى كل المستويات والتسميات والاتجاهات والقيادات«.
وفي رسالته، بتاريخ 1/ 9/ 2003م، ينفي قيام المقاومة باغتيال محمد باقر الحكيم (رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية)، ويوجِّه التهمة إلى عملاء الاحتلال تحديداً، ويطالبهم بالكشف عن أدوارهم. ويؤكد أن حزب البعث وصدام حسين يمثلان الأكثرية الساحقة من العراقيين من الذين تمسكوا »بحقوقهم الإنسانية والدينية والوطنية والقومية والدفاع عنها، ورفض ما يُملى عليهم من الخارج«، أما القلة فهم من الذين ناصروا »الصهاينة، ومن مثَّل السياستين الأميركية والبريطانية، ومن تبعهم بسوء«( ).

هـ-قراءة في المنهج السياسي والاستراتيجي للمقاومة( ):
في رسالة الرئيس صدام حسين، بتاريخ 17/ 9/ 2003م، دعا العرب إلى اختيار عدد من وسائل المساندة للمقاومة العراقية: أن يقدِّموا فعلاً، أو دعاءً، ومن لم يستطعهما »فليكفَّ شره عنا«. ويؤكد على أن الخسائر كبيرة في صفوف قوات الاحتلال. ويتوقَّع أن تكون نهايته، لذا يدعو الرئيس الأميركي أن لا يتأخر في اتخاذ قرار الانسحاب. وعندما يتخذ قراره يمكنه أن يتفاوض مع المسؤولين العراقيين المعتقلين، على أن يكون الانسحاب من دون قيد أو شرط.
وبالإضافة إلى ذلك يخاطب مجلس الأمن قائلاً بأنه من المرفوض لدى العراقيين أن يتم أي حل في ظل الاحتلال. وقد ناشد الأوروبيين إلى تطوير موقفهم –بعيداً عن الابتزاز الأميركي- ليكون »عادلاً وواضحاً بما فيه الكفاية«( ).
أصدرت قيادة قطر العراق، بتاريخ 9/ 9/ 2003م، منهجاً نظرياً –سياسياً واستراتيجياً- كدليل للمقاومة العراقية، نرى من الضروري أن نقوم بقراء مكثَّفة له، ولكي ندرس مدى نجاحات تطبيقاته على أرض الواقع():
تؤشر مقدمة المنهج إلى ظهور مأزق الاحتلال العسكري كبداية لهزيمته السياسية، ومن أهمها أنه لم يعثر على أية أسلحة دمار شامل، مما أسقط ذريعة العدوان الأساسية. وتؤشر المقدمة إلى النجاح الذي أحرزته القيادة في معركة الشد والجذب الديبلوماسية، حينما تجاوبت مع الطلب الدولي بنزع تلك الأسلحة، وبذلك منعت العدوان –المخطط له سابقاً- من الحصول على أي غطاء شرعي دولي.
ولما كان العدوان مقرَّراً منذ العام 1972م، وهو عام تأميم النفط، ولما كانت موازين القطبية المتعددة دولياً تلجم أية اعتداءات على العراق، فقد نفَّذته الإدارة الأميركية في ظل غياب تلك التعددية. ولأن كل شيء كان مرتبطاً بمصالح الولايات المتحدة، راحت تعد المسرحين: الإقليمي والدولي ليكونا تحت سيطرتها، مستغلة غياب الحرب الباردة والاتحاد السوفياتي. فراحت تبني استراتيجيتها على أساس السيطرة السياسية والعسكرية بإعادة تشكيل أوروبا السياسي والاقتصادي، وتعزيز موجبات تفردها بحكم العالم، من خلال إيصال حكم اليمين الأميركي المشبوه الذي وظَّف أحداث 11 أيلول لافتعال »الحرب على الإرهاب« لتغطية التباطؤ في النمو الاقتصادي الداخلي ومعالجة أزمة الطاقة، وتمهيد الساحة لدور »إسرائيلي« مساعد لسيطرة الولايات المتحدة في المنطقة العربية. وكل ذلك يساعد على تشخيص الأهداف الحقيقية للولايات المتحدة، والتي يحددها المنهاج الاستراتيجي للمقاومة بما يلي:
1-كانت خطة استهداف العراق مرسومة منذ العام 1972م، وما حال دون تنفيذها: الحرب الباردة، وتوزع اتجاهات دول الإقليم، وتداعيات حربيْ 1967 و1973م، واستناداً إليهما كانت بعض دول الإقليم تناور من أجل أن تلعب دوراً في المنطقة تحت رعاية أمريكية. على أن أهداف أميركا ظلَّت ثابتة عند هدفين استراتيجيين: أمن النفط وأمن »إسرائيل«.
2-في خارطة الأهداف الأميركية كان العراق هدفاً مميزاً لاعتبارات الموقع والاحتياطات النفطية والتركيبة السكانية وطبيعة النظام السياسي وتأثيراته المحتملة على المخططات الأميركية. ولذلك فُرضت على العراق حربين سابقتين. وفيهما كان لبعض دول الجوار أطماع في إضعاف العراق لأسباب مرتبطة إما بالتبعية التاريخية للغرب أو التطلع للعب أدوار إقليمية.
كان الاستعراض التاريخي مقدمة لتبيان أن إجبار العراق للقبول بقرارات الأمم المتحدة لم يكن هو السبب الحقيقي للحرب ضده. فهي »أهداف تنطلق وتتناغم مع ستراتيجية الولايات المتحدة تجاه الإقليم أولاً واستراتيجيتها الكونية ثانياً « :
تجاه الإقليم: هوية وسياسات وتطبيقات النظام السياسي في العراق تقف وتعمل بالضد من ضمان استمرار أمن وتفوق »إسرائيل«.
وكونيّا: رفض الهيمنة، الأهداف السياسية والتنموية للنفط العراقي، والسياسة الخارجية المستقلة للدولة العراقية، والتوجه الحثيث لبناء التوازن العلمي والدفاعي مع »إسرائيل«، والدعم الاقتصادي لدول عربية وغيرها، والتأسيس المصلحي المتوازن لعلاقات متكافئة مع دول أوروبية مؤثرة. ومن الدلائل على ذلك: تأميم النفط، والمشاركة في حرب تشرين الأول 1973م، الحل السلمي للمسألة الكردية، رفض اتفاقية كامب ديفيد، مبادرات العراق في تفعيل العمل العربي المشترك.
برز استهداف العراق مباشرة بعد أحداث 11 أيلول، ولم يكن ملف أسلحة الدمار الشامل سبباً حقيقياً لأن كوريا تشكل خطراً مباشراً على أمن أميركا فهي تملك تلك الأسلحة. فكانت هناك مفارقات واضحة في التعاطي مع الملفين الكوري والعراقي: أمن »إسرائيل« أهم من أمن كوريا الجنوبية – والعراق المحاصر أخطر على أمن أميركا من كوريا الشمالية – فُرض على دول الجوار العراقي المشاركة العسكرية وعلى جيران كوريا المشاركة الديبلوماسية.
يتأكد مما سبق أن المواجهة مع العراق هي »تاريخية.. وإن كانت حاضرة الآن أو في وقت أسبق أو في المستقبل.. فهي من حيث المدى الزمني مواجهة مستمرة «. فالاستراتيجية الأميركية كانت في قيادة حرب مواجهة مستمرة مع العراق الوطني والقومي من أجل إسقاط النظام فيه لأجل إسقاط اتجاهاته الوطنية والقومية. وظهرت من خلال ما يلي:
استمرار وتصعيد وتفعيل المواجهة السياسية، وإحباط كل محاولات القيادة السياسية العراقية برفع الحصار، وتقييد التحرك العراقي السياسي والاقتصادي تجاه دول الإقليم والعالم.، وإعادة ترتيب الاصطفاف الرسمي العربي ضمن مسار الفعل الأمريكي، والشروع بالعدوان بقيادة الولايات المتحدة، وضمان قيادتها له وتحديدها منفردة لمدياته العسكرية، والتحكم بنتائجه المحسومة، بحيث يمكنها ذلك من أن تفرض بالتالي طبيعة المحصلة السياسية للفعل العسكري بما يخدم هدفها الستراتيجي من احتلال العراق على صعيد تطبيق استراتيجيتها الإقليمية والكونية.
كانت القيادة في العراق على ثقة بأن قرار الحرب ضد العراق ليس مرهوناً بمدى تطبيق القرارات الدولية، واحتمالات المساومة كانت معدومة. وكانت القيادة واثقة من عجز النظام الرسمي العربي عن مواجهة أميركا، كما كانت تتلمَّس حقيقة الدور الإيراني الذي يبغي الحلول مكان الدور السعودي الذي أصبح مستهلكاً، وتلطَّت إيران تحت شعار »الإسلام الرافض والمقاوم« كبديل »للإسلام التبعي والمستسلم« والذي أصبح مُستهلَكاً. وأعطت الولايات المتحدة دوراً أكبر لصغار الأنظمة العربية (دول الخليج العربي) على حساب الأنظمة الكبرى، عندما رضي الصغار بتطبيع العلاقات مع العدو الصهيوني.
ولما بادرت القيادة في العراق إلى ربط نضاليْ الشعبين الفلسطيني والعراقي، لوَّحت الولايات المتحدة لبعض الأنظمة الرسمية العربية بأن ثمن حل القضية الفلسطينية يمر عبر المساعدة على إسقاط النظام السياسي في العراق.
لكل تلك الأسباب قامت الخطة الاستراتيجية السياسية للقيادة على ما يلي:
استمرارية المواجهة أولا وحتمية العدوان ثانياً وتواطؤ أنظمة عربية ثالثاً وتفوق العدو العسكري رابعاً وانتهازية بعض دول الإقليم الأجنبية خامساً، وإعطاء الكيان الصهيوني أدواراً أمنية وإدارية وسياسية سادساً، وتهديد واستنفاذ أدوار أنظمة عربية معينة سابعاً، وتحفيز عوامل التفتيت والتجزئة في العراق ثامناً، وارتهان القرار السياسي للمعارضة العراقية العميلة تاسعاً، والتهيئة وتبني خط المقاومة المسلحة وتطويرها لحرب تحرير وطنية تمتلك منهاجها السياسي والستراتيجي على الصعيد القطري والقومي عاشراً. وعليه يكون هدف المقاومة »طرد قوات الاحتلال وتحرير العراق والحفاظ عليه موحداً ووطناً لكل العراقيين«.
وعليه تكون الأسس التي تبني عليها المقاومة خياراتها: حسها الوطني، وانتماءها القومي العربي، ومعينها الحضاري الإسلامي، وممارساتها الجهادية والنضالية المتراكمة، وفهمها لطبيعة المواجهة المستمرة ومتطلباتها، وتطبيقاتها الثورية المستنبطة من واقع عملها النضالي، واسترشادها بفكر البعث ورسالته، وتحليلها ومراجعاتها لمراحل الإنجاز في مقاومة الاحتلال، ورصدها وتشخيصها لأدوار العملاء والمتعاونين مع الاحتلال في الداخل، ومتابعة أدوار الأنظمة العربية وتوصيفها، وكشف مداخلات دول الجوار الأجنبية، وكشف وتحديد انتهازية المصالح الاقتصادية للغير في ظل الاحتلال، وتأشير الدور المعطى »للكيان الصهيوني«.
أما الخطوط الاستراتيجية العريضة لأهداف المقاومة، فهي: مقاومة الاحتلال حتى طرده وإسقاط كل إفرازاته من مجالس تمثيلية ووزارات وقرارات قام بتأسيسها بعد التاسع من نيسان من العام 2003م، واعتبار »أن ما قام ويقوم به المحتل باطلاً وغير شرعي وهو جزء لا يتجزأ من منظومة الاحتلال وتعامله المقاومة معاملتها للاحتلال نفسه«.
وتعتبر المقاومة أهدافاً مشروعة: القوات العسكرية والإدارات والوكالات والمنظومات التابعة للولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا وغيرها…أو أية قوات أممية بفعل أية قرارات صادرة عن مجلس الأمن انطلاقاً من القرار 1483 الذي أعتبر العراق بلداً محتلاً.
أما المقاومة فتتشكل من: كوادر حزب البعث، ومقاتلي الجيش العراقي، وقوات الحرس الجمهوري، والحرس الخاصة، وقوات الأمن القومي، ومجاهدي منظمة فدائي صدام، والمقاومين العراقيين الوطنيين، والمتطوعين العرب، والذين يعملون تحت مسميات وعناوين أخرى، وهي »تغطي أرض العراق من أقصاها لأقصاها مجسدة وحدة التراب العراقي ومؤكدة الوحدة الوطنية العراقية ومدافعة عن عروبة العراق المستهدفة كإحدى غايات الاحتلال «.
أما خيارات المقاومة، كما حددها المنهاج السياسي الاستراتيجي، فهي:
-استمرارية المقاومة طالما كان هناك احتلال وبأي صيغة وعلى أي جزء من أرض العراق وبغض النظر عن القرارات الأممية اللاحقة للاحتلال( ).
-شرعيتها، وحقها في العمل العسكري وغيره.
-شرعية وواجب التعامل القتالي مع المتعاملين والعملاء( ).
-منع وعرقلة جهد الاحتلال من التصرف والتمكن والاستغلال، لثروات ومرافق وممتلكات العراق( ).
-تعميم المقاومة المسلحة على أرض العراق كلها وبفعل ومشاركة العراقيين كلهم، والتأكيد على واجبهم وحقهم المتكافئين في المقاومة وتحرير العراق تحت أي عنوان أو مسمى( ).
-العمل على تحقيق تشكيل جيش تحرير العراق( ).
-أما رؤيتها للمشاركة القومية في معركة تحرير العراق فترى المقاومة هذا الجانب من زاويتين:
الأولى: بانعدام احتمالات الدعم من قبل الأنظمة العربية كلها ولأسباب مرتبطة بطبيعة النظام الرسمي العربي بمجمله( ).
الثانية: بواجب وحق الجماهير العربية في الانخراط بالمقاومة العراقية المسلحة على قاعدة المسؤولية والحق القوميين.
على قاعدة هدفها الستراتيجي، ستعمل المقاومة من أجل الأهداف التكتيكية التالية:
-أن تدخل لاعباً مؤثراً في تعميق المأزق السياسي بفعل الاستحقاقات الانتخابية للرئاسة الأمريكية والانتخابات البريطانية: بمنع تطبيق برامج الاحتلال السياسية والاقتصادية والأمنية.
-تعطيل الأدوار المحتملة لأنظمة عربية، وحرق أصابعها في تعاملها المخطط والمحتمل مع الشأن العراقي، وعكس ذلك على أزماتها السياسية والاقتصادية والأمنية المعاشة.
-تأزيم الإقليم ومفرداته ومنع تحقيق مصالح الأخريين المجاورين على حساب العراق ووحدته الوطنية، وتعظيم تكلفة مساندتهم للعدوان وتعاملهم مع إفرازاته الداخلية في العراق.
واستكمالاً للمنهاج السياسي والاستراتيجي، أصدرت قيادة قطر العراق، في 8/ 10/ 2003م، بياناً( ) أكَّدت فيه على أن المقاومة أخذت »تعطل سياسات وبرامج الاحتلال وعملائه وصنائعه في الداخل«، وتفضح المتواطئين على المستوى الإقليمي. وقد حصلت تطورات على الساحتين العراقية والإقليمية:
أولاً: على الساحة العراقية: بعد أن أصبحت ذرائع الاحتلال و»ممارساته وبرامجه وسياساته … مرفوضة ومشكوكاً فيها على شتى الصُعُد انقسم العراقيون إلى قسمين: »وطني رافض ومقاوم (وهم الأغلبية)، أو خائن … ومتعاون وعميل (وهم الأقلية)«، وقد استهدفت المقاومة لهذا السبب: الاحتلال وإفرازاته.
أما قوات الاحتلال فلا تمييز بينهم بالجنسية أو توقيت دخولهم للعراق، سواء دخلوا قبل الاحتلال أو بعده، أو من الذين سيدخلون في المستقبل: تحت راية الولايات المتحدة أو حتى تحت راية الأمم المتحدة. وبغض النظر عن مهماتها( ).
ثانياً: الساحة الإقليمية: بعد تواطؤها مع دول العدوان على احتلال العراق، أخذت أطراف محيطة تعمل من أجل تشريع عمل إفرازاته، وبالتالي لا تعترف بشرعية المقاومة المسلَّحة، من خلال »تمريراتها في مجلس الجامعة العربية«، وبعضها ممثَّل بشخوص في مجلس الحكم.
فالأطراف العربية المتواطئة تعمل على بناء مواقفها على اعتراف إيران »بمجلس الحكم« من جهة وعلى شرعنة الاحتلال بناء على أية صيغة دولية من جهة أخرى. وهي عندما تعمل على التلطي بتلك الأدوار فهي تتجاوز الواقع الشرعي الوحيد »المقاومة العراقية« وستصل إلى القبول بأدوار أمنية، تحت سلطة الاحتلال، لمواجهة عسكرية مع المقاومة العراقية المسلَّحة. ولهذا تتحسَّب المقاومة للاحتمالات التالية:
سيكون التدخلان الإيراني والتركي سبباً في انقسام العراقيين إلى إثنيات عرقية وطائفية على خلاف ما أرساه الحكم الوطني لحزب البعث في المرحلة السابقة، ولهذا تؤكد المقاومة على عدد من الثوابت، منها: الاستمرار في تحصين العراقيين بالثوابت الوطنية على صعيد الدستور والقوانين. وبالإصرار على الدور القومي للعراق الموحَّد، وهذا ما يحول دون تطبيق مشروع الفيدرالية التي تعمل »شراذم المعارضة العميلة« من أجل تطبيقه. وحول هذا الجانب يُخشى من أن التراخي –سمة النظام العربي الرسمي- وإذا ما تبنَّت أنظمة عربية سياسة التعامل مع الأمر الواقع في العراق المحتل، سيؤدي إلى كارثة تقسيم العراق. وهذا بدوره سيرتد سلباً على »الاستقرار في المشرق العربي«. ولهذا تحذِّر قيادة قطر العراق من أن مخاطر التعامل مع الأمر الواقع هو تثبيت للاحتلال، وبالتالي تمهيد لصيغ »التقسيم للوطن العراقي«. وهذه الاحتمالات توجب على كل الحريصين -على منع التقسيم القومي- بأن يقوموا بدعم المقاومة العراقية على قاعدة »طرد قوات الاحتلال وتحرير العراق والحفاظ عليه موحداً ووطناً لكل العراقيين«.
وإن أخطر ما في تثبيت الاحتلال للعراق هو تثبيت المشروع الصهيوني. وهذا ما يبدو واضحاً في اختلال التوازن على الصعيد الإقليمي -بعد احتلال العراق- لصالح العدو الصهيوني. وهذا ما سوف يقود إلى أن الواقع الجديد »سيكون سيفاً مسلَّطاً على رقاب أنظمة عربية سواء لإسقاطها أو لفرض متطلبات أميركية – صهيونية عليها«( ).
تؤكِّد قيادة قطر العراق، في نهاية بيانها على أن »البعث والمقاومة الوطنية العراقية قد حسما خياراتهما… ولن يكون للآخرين (عراقيين وأنظمة عربية) الذين يتعاملون مع واقع الاحتلال وإفرازاته –مجبرين أو متآمرين- أي تأثير على ]تلك الخيارات«[.

و-قراءة في وثائق شهر تشرين الثاني، و كانون الأول من العام 2003م:
جدَّد الرئيس صدام حسين، في رسالته بتاريخ 3/ 11/ 2003م، على تنفيذ القرار بحرمان الاحتلال من الاستفادة من ثروات العراق النفطية، كما جدَّد تحذيره لكل الهيئات الأجنبية التي قدمت لمساعدة الاحتلال في تثبيت أقدامه وأنذرها بترك العراق. ومنهم »عرب الجنسية، وأدعياء الإسلام، والغرب الصامت«.
أكَّد بيانا قيادة قطر العراق، في 4 و5/ 11/ 2003م، ترابط الجانبين: النظري والتطبيقي، في فكر حزب البعث ونضالاته، وجاء فيهما أن الخط الاستراتيجي الذي رسمه »المنهج السياسي والاستراتيجي«، على الرغم من أن مناضلي الحزب قد بدأوا بتطبيقه منذ التاسع من نيسان، قد طُبِّق بشكل لافت للنظر؛ وهو ما تشهد عليه الوقائع التي عدَّدها البيانان كما تشهد على ذلك الوقائع الميدانية العسكرية لفعل المقاومة استناداً على ما تُظهره المتغيرات والإرباكات في حركة الإدارة الأميركية على الصُعُد العسكرية والسياسية.
أما في بيانها الصادر بتاريخ 17/ 11/ 2003م( )، فتُعمِّق القيادة رؤيتها للواقع السائد من خلال متابعتها لكل المتغيرات التي يفرضها العمل المقاوم في العراق. وحول هذا الجانب يركِّز البيان على توضيح مدى المأزق الأميركي الذي يتعمَّق يوماً عن يوم، بشكل يتناسب مع ازدياد تأثير المقاومة المسلَّحة، يعدِّد البيان جملة من المظاهر التي تدل على أن تأثير المقاومة لم يلحق بإفرازات الاحتلال الداخلية فحسب، وإنما أثَّر –أيضاً- على »تحالفاته وهيمنته وعملائه في الإقليم والخارج «. وأشار إلى ترابط بين أبعاد ثلاثة للاحتلال، وهي: (1) الاحتلال العسكري، (2) واقع الاحتلال وإفرازاته الداخلية، (3) تحالفاته وهيمنته (الإقليمية والخارجية)
على الرغم من جدلية العلاقة بين الأبعاد الثلاثة، إلاَّ أن العمود الفقري فيها هو بُعد الاحتلال العسكري، فبقوَّته أو ضعفه يقوى البعدان الآخران أو يضعفا. ولهذا أصبحت مهمة الصراع الأولى في المواجهة تدور حول »خوض حرب تحرير وطنية« بحيث تُفشل المقاومة العراقية »الحالة الإمبريالية ودحر منطلقاتها العقائدية وبرامجها العدوانية على مستوى الوطن العربي والعالم«. وعلى أساسها تضطلع المقاومة »بمسؤولية وطنية وقومية وإنسانية تشد إليها عيون وضمائر العالم وشعوبه التي لا تستثنيها شرور العقائدية الجديدة للإمبريالية الأمريكية وبرامجها العدوانية«.
ولكي يتحمل حزب البعث في العراق مسؤولياته، ترى القيادة أن تحقق مهماتها في: »إغناء وتطوير تجربته السياسية ونهجه النضالي «. و»التصدي لسياسات الاحتلال وعملائه ليس من منظور الحزبية وحدها، بل من منظور الوطنية العراقية والانتماء القومي «.
-»المراجعة النقدية والتقييم الموضوعي لمسيرته »المتواصلة و المستمرة« في القطر العراقي على ضوء ما كان وسيكون من واقع ووضع العراق السياسي والاقتصادي – الاجتماعي، والتحديات القطرية والقومية و الإقليمية والدولية«.
-»التأسيس على حالة القطع المؤقت في الإدارة الوطنية المستقلة… وتغيير خياراتها الاقتصادية – الاجتماعية والثقافية والتربوية وفرض الخيارات الإمبريالية والصهيونية المعادية للوطنية العراقية و الأمة العربية.
-ومن التأسيس على التنوع القومي والمذهبي في المجتمع العراقي بما يخلق الفتنة أو يهيئ للتقسيم... ومن التهيئة والتسهيل للتأثير والتواجد الصهيوني و»الإسرائيلي« المباشر وغير المباشر في العراق وتحت أية مسميات و عناوين «.
وبعد أن أصبح مشروع الاحتلال، حتى عند الإدارة الأميركية، من المشكوك بنجاحه، ترى القيادة أن استمرار المقاومة واجب وضروري من أجل تثبيت أهدافها التكتيكية التالية:
أ-أن تثقل باستمرار من خسائر الاحتلال وقواته …إلى الحد الذي يجرم أصحاب القرار أمام مواطنيهم، ويحدث الانهيار النفسي والمعنوي لقوات الاحتلال.
ب-ويحدث القطع الاتصالي في علاقة قوات الاحتلال بالمجتمع العراقي محدداً العلاقة بصيغ المقاومة الشعبية العريضة للاحتلال وعملائه.
يحدد بيان 21/ 11/ 2003م( )، موقف القيادة من تصرفات وتدخلات إيران بالشؤون الداخلية للعراق، بحيث إنها ترى مصلحتها في تقسيم العراق، طبقاً للأنموذج الذي بُنيَ عليه مجلس الحكم، فمن خلال التقسيم الطائفي يراود إيران الطمع في أن تحصل على حصة فيه.
أصدرت قيادة قطر العراق، في النصف الأول من شهر كانون الأول/ ديسمبر، خمسة بيانات( )، اتَّخذت فيها عدداً من المواقف التي تُترجم عملياً المضمون الاستراتيجي للمنهج السياسي، وفيها تتناول عدة من المسائل تدور حول التأشير على مأزق الاحتلال بما فيه زيارة دونالد رامسفيلد إلى العراق، وتشكيل »المحكمة الجنائية« المخصصة لمحاكمة البعثيين. ولأن في بيان 5/ 12/ 2003م، تحديدات سياسية واستراتيجية للعمل المقاوم، سنوليه اهتماماً أكثر في قراءتنا. أما البيانات الأخرى فلها علاقة تطبيقية في تلك التحديدات، بما فيها زيادة في توضيح المأزق الأميركي من جهة، وتوضيح دور عملاء أميركا في تنفيذ إرادة سيدهم من جهة أخرى.
في بيانها الصادر، بتاريخ 5/ 12/ 2003م، أشارت إلى عاملين مهمين:
الأول: نجاح المقاومة بفرض شروط المواجهة الميدانية على قوات الاحتلال: »بما أفقدها (الولايات المتحدة) وضوح الرؤية الستراتيجية وتخبطها العملياتي، والتغيير المتتالي في ترتيباتها السياسية والأمنية وتعاملها مع عملاء الاحتلال وإفرازاته، وتبدل خطابها السياسي الموجه للحلفاء والتابعين والمعارضين لحربها في العراق على مستوى الإقليم والعالم«.
الثاني: محدودية المدى الزمني المتاح للإدارة الأمريكية: »والذي فرض عليها وقت الحرب أولاً، والذي يفرض نفسه الآن في مواجهة الاستحقاقات الانتخابية الرئاسية ونصف التشريعية«. تلك المحدودية جعلت الإدارة الأميركية تستنفد »عاماً كاملاً من عمرها الرئاسي الحالي، تميز بالسكون وانعدام الحركة تجاه أهداف يفترض أنها على قائمة التحرك وفقاً للمنطلقات العقائدية والاستهدافات الستراتيجية لليمين الجديد الحاكم«.
إن العامل الأول محكوم ببعده عن التعقيد لأنه مرتبط بهدف التحرير مهما طال الزمن، أما العامل الثاني فمحكوم بتعقيداته لارتباطه بمدى زمني محدود، سقفه الأعلى موعد الانتخابات الأميركية. وهذا ما يؤدي إلى حالة اطمئنان أمام المقاومة وحالة إرباك أمام قوات الاحتلال.
مرَّ عام كامل من المدى الزمني المحدود، والمتاح للإدارة الأميركية لإنجاز الاحتلال وتثبيته، ولأن نجاح سياسة أميركا الكونية مرتبطة به، فإن فشلها في تحقيقه هو فشل على مجمل تلك السياسة. وقد أسهمت القيادة العراقية في استنزاف الوقت المتاح للإدارة الحالية على مرحلتين:
-الأولى: في إطالة مدة المرحلة الديبلوماسية قبل الاحتلال.
-الثانية: إطالة مدة مرحلة تثبيت الاحتلال من بعد حصوله.
ولهذا تتحسب قيادة المقاومة لكل التوقعات على المستويات الدولية والإقليمية والعراقية:
دولياً: خاطبت »المنظمات والدول والأحلاف العسكرية«، التي قد تلعب دوراً داعماً لقوات الاحتلال في مواجهة المقاومة، وتحت أية مسميات، كمثل »المحاربة الدولية للإرهاب« أو المساهمة في »إعمار العراق« أو »فرض الأمن فيه«، بأنها »سوف تعامل كل قوات تحط على أرض العراق ووفقاً لأي ترتيب وتحت أية عناوين ومسميات على أنها قوات احتلال«.
عربياً: حذِّرت من »استمرار الأدوار العربية (الأنظمة) العميلة والمتآمرة مع الاحتلال«، وخاطبت »الجماهير بأن تعي لما يدور وسيدور، ومن هو متورط في سياق مؤامرة الاحتلال«.
وإقليمياً: ترى في أن الدور الإيراني ذرائعي، ويرى مصلحته في التأسيس السياسي على قاعدة تشكيل »مجلس الحكم« والذي يعني تقسيم العراق على قاعدة الإثنيات الدينية والعرقية.
عراقياً: أفشلت المقاومة كل مشاريع الاحتلال ومن أهمها قوات الشرطة التي تبنيها قوات الاحتلال كبديل أمني يحل مكانها ويؤمن الحماية لها.
نتيجة فشل الاحتلال في تثبيت مشروعه في العراق وحمايته، وصل »إلى مرحلة المقاربة مع طرح مشروع التقسيم كمخرج من الأزمة«، وتتلاقى مصالح الداعمين للاحتلال أو المشاركين فيه، سواء في العراق أو الإقليم وفي مقدمتهم »الكيان الصهيوني«، فهم يتعاونون من أجل إنجاحه. فالمقاومة العراقية، نتيجة المخاطر التي تطول العراق من ذلك المشروع، سوف تضرب كل صانعيه أو القابلين به، أو الذين يعملون على حمايته، وخاصة منها الميليشيات المحلية.
ز-قراءة في مواقف قيادة المقاومة بعد أسر الرئيس صدام حسين( ):
-قبل اعتراف قوات الاحتلال بأن الرئيس صدام حسين أسير حرب أكَّدت قيادة المقاومة نبأ أسره، وأشارت إلى ثابتين هما:
الثابت الأول: استمرار المقاومة: وفقاً للاستهداف الستراتيجي المتمثل »بطرد قوات الاحتلال وتحرير العراق والحفاظ عليه موحداً ووطنا لكل العراقيين«.
الثابت الثاني: انتقال الأمين العام إلى حالة نضالية جديدة: حيث »سيضاف سفراً خالداً جديداً لصدام حسين العزيز على قلوب العراق والأمة وكل تقدميي العالم«( ).
ومن جراء ما لحق من تشويهات متعمَّدَة حول وقائع أسره، أوضحت القيادة، في بيانها الصادر بتاريخ 17/ 12/ 2003م، وقائع ما حصل:
1-أسر »في المواجهة وبفعل الاستخدام المتعمد والمدبر لمدخلات عناصر قتال تشل وقتياً القدرة الحركية وتحيد ردة فعل الجهاز العصبي الإنساني«.
2-وبصفته رئيس الجمهورية والقائد العام للقوات المسلحة العراقية، ولأنه أسر في »خضم الحرب العدوانية الاحتلالية، تتحمل قوات الاحتلال وفقاً للمعاهدات الدولية كل المسؤوليات المتعلقة بأسرى الحرب وحقوقهم وهذا ما يجب أن ينطبق على الرفيق صدام حسين«.
3-بطلان أسلوب الشخصنة التي يتعاطى الإعلام الأميركي مع واقعة أسره، بحيث اختزلت قضية العراق الوطنية والقومية بشخصه، وذلك لتضليل الرأي العام الأميركي والدولي والعربي.
4-تعدد الجهات التي تطالب بمحاكمته تصب في دائرة التحريض، ولكنها موحَّدة الأهداف حول إبراز حالة العداء لحركة التحرر العربية التي يمثلها الرئيس.
5-يحذِّر البيان من الوقوع في مطبات الأفخاخ الإعلامية الأميركية في واقعة الأسر( ).
وفي بيانها الصادر بتاريخ 20/ 12/ 2003م( )، جددت القيادة دعوتها إلى عدم الوقوع في الأفخاخ الإعلامية التي تنصبها قوات الاحتلال بالتعاون مع: »الصهيونية أو الشعوبية أو الرجعية المحلية أو القوى الانفصالية والمذهبية والطائفية أو التيارات والمراجع الدينية المهادنة أو المترددة والموظفة تاريخياً في التصدي لمسارات التحرر والتقدم الاجتماعي«.
وإن كشف الخبث عن مقاصد التركيز الإعلامي ضروري. حيث إن القيادة تعتبره، بالشكل الذي حصل فيه، »تشتيتاً أو تحويلاً مستهدفاً عن واقع المقاومة وتتبع أخبارها ومسارها القتالي«. وتركز على »شخصنة« القضية كلها بواقعة الأسر، أما الهدف الأساسي فهو »الانتقام أولاً من شخص الرفيق القائد… وكذلك من حزب البعث العربي الاشتراكي، والمقاومة العراقية المسلحة الباسلة الملتزمين والمستمرين في المقاومة المسلحة«.
أما المواقف التي تراها القيادة مناسبة لمواجهة المخطط المرسوم فهي التالية:
-إن واقعة أسره »لا تنفرد أو تجتزأ عن سياق المواجهة المستمرة وتكاليفها التي وعاها والتزم بها مختاراً وقادها«. ولم تنه دوره النضالي، ودور الحزب، ودور العراقيين الشرفاء.
-وبعد أسره أصبحت »معركة تحرير العراق واسترداد سيادته، تشتمل على معركة تحريره من الأسر، وصيانة وتأكيد شرعيته رئيساً لجمهورية العراق وقائداً عاماً لقواته المسلحة«.
عندما اتُّخذ قرار الحرب ضد العراق، وضع صدام حسين »في احتمالات المواجهة واستمرارها استشهاده أو أسره، وعندما وقع في ]الأسر[ يكون قد دخل مرحلة أخرى من المواجهة لها حساباتها ومتطلباتها التي يعيها ويعرف كيف سيتعامل معها«، و»يعرف كيف يجعل من أسره مأزقاً سياسياً وأمنياً وأخلاقياً لآسريه المحتلين«، ويعي أن المطلوب منه، بعد أسره، أن يقدِّم رأس المقاومة، »وهذا لن يكون لها طالما كان واستمر الاحتلال«.
تحاول الإدارة الأميركية أن تستفيد من واقعة الأسر في الانتخابات الأميركية، لكن المقاومة ستحوِّل »واقعة الأسر إنجازاً تكتيكياً آنيا«. إذ سيفرض المأزق العراقي عليها جملة من الخيارات، التي ستسهم في وقوعها تحت ابتزاز التيارات الخائنة التي لديها ميليشيات مسلَّحة: المجلس الأعلى والبشماركة. وستكون على حساب العملاء المشاركين من الذين يفتقدون ميليشيات عسكرية، وتكون النتيجة وقوعهم في منافسات حادة تدخلهم في صراعات داخلية ستشكل إرباكاً جديداً لقوات الاحتلال.
تستقرئ القيادة مواقع الضعف في جسم عملاء الاحتلال، وتقوم بتشيخصه، في بيانها الصادر بتاريخ 3/ 1/ 2004م( )، وتحدد أهم معالمه القائمة على التفتيت المذهبي والعرقي. وترى أن كل الذين غطسوا في بؤرة الخيانة هم ممن بنوا إيديولوجيتهم على »أسس دينية- طائفية أو قومية – اثنية، منطلقة من عوامل التفتيت والتقسيم للوطنية العراقية أولاً، ومستهدفة عروبة العراق ثانياً ومحاكية ثالثاً لخطاب شعوبي ذو إطار مذهبي، قدم الطائفية على الوطنية«.
أما الذين أسسوا على الإثنية الدينية – الطائفية، فقد تمسكوا بمواقفهم المعادية للمقاومة، وبرروا مواقفهم الخيانية بعدم وجود فتوى دينية. وهذا مخالف لأبسط قواعد النظر إلى الاحتلال، بحيث أن مقاومته »ليست بحاجة إلى فتوى دينية أو صك مرجعي، وبذلك فإن تأجيل أو ارتهان المقاومة بانتظار ]صدورهما[، إنما يعتبر تقاعساً وطنياً، واستمرار حالة التأجيل والارتهان تلك إنما تصبح تواطئاً مع الاحتلال وخيانة للوطن«.
يستثمر الاحتلال الأميركي –اليوم- النزعة المذهبية من أجل إحداث شرخ على صعيد الوطنية العراقية كتمهيد لتطبيقه على الصعيد القومي العربي. »وفي النهاية تكون عوامل تفتيت للوطنية العراقية، بحيث تضرب بها ومن خلالها المقاومة الوطنية المسلحة«. لكل ذلك تعيد قيادة المقاومة تأكيدها على عدد من الثوابت، فتعتبر أن »المقاومة المسلحة مقاومة وطنية جامعة«، وهي »ليست محصورة على أبناء مذهب بعينه أو ديانة بعينها…وهي بذلك يتشرف بالانضمام إليها والقتال ضمن تشكيلاتها الرفاق البعثيون والمناضلون الوطنيون سنة وشيعة… ولا تنحصر فعالياتها القتالية والأخرى في منطقة جغرافية دون غيرها«.

-وبعد الاعتراف بوضعية صدام حسين كأسير حرب:
في بيانها بتاريخ 12/ 1/ 2003م( )، أكَّدت قيادة البعث أن أسر الرئيس صدام حسين، بعد استمرار المقاومة وتصاعدها، مثَّل» إنجازاً تكتيكيا آنياً للولايات المتحدة«. الأمر الذي فرض على الاحتلال أن يعترف بوضعيته كأسير حرب »تحسباً وتحوطاً من التداعيات القانونية والسياسية التي تترتب على عكس هذا الإقرار. .. وهي قبل غيرها تعرف أسبابها ومصالحها الإمبريالية من العدوان والحرب«. ومن هنا تؤكد قيادة المقاومة »على أن معركة تحرير العراق أصبحت تشمل معركة تحرير الرفيق صدام حسين، مثلما كانت وتظل تشمل تحرير كل الأسرى لدى قوات الاحتلال«.
وبعد إقرارها بتلك الوضعية، تصبح قوات الاحتلال »ملزمة بالتصرف معه وفقاً لذلك وبحسب ما أقرته وضمنته الاتفاقيات الدولية ذات الصلة«، وهو ما يلزمها »بصفته الرئيس الشرعي لجمهورية العراق والقائد العام للقوات المسلحة العراقية«، وبغير ذلك »يجعل من عملية أسره حالة اختطاف سياسي«. وعندما تقتنع الإدارة الأميركية بالانسحاب »فإن الرفيق صدام حسين رئيس الجمهورية والقائد العام للقوات المسلحة، هو الطرف المؤتمن والمخول والمؤهل باسم الشعب العراقي والمقاومة المسلحة لبحث مسألة الانسحاب غير المشروط لقوات الاحتلال من العراق«.
بعد اعتراف الاحتلال بوضعية الرئيس صدام حسين كأسير حرب، وبعد أن فشلت مراهناته على إيقاف المقاومة، أصبح من الواضح أن المراهنات على »شخصنة« موضوع العراق وحصرها بشخصه قد باءت بالفشل. وبعد أن أثبتت المقاومة أنها مؤسسة متكاملة، تكون مرحلة جديدة قد بدأت وعنوانها أن المقاومة أصبحت عصية على الاحتواء والإجهاض.
جاءت البيانات اللاحقة، لما بعد تثبيت وضعية الرئيس كأسير حرب، تواكب التطورات السياسية ذات العلاقة بتعميق مأزق الاحتلال، واستكمال فضح دور بعض الأنظمة العربية المتواطئة معه، وتفنيد مزاعم عملاء الاحتلال من العراقيين، أفراداً وتنظيمات. والكشف عن الإجراءات والقوانين والقرارات التي تفرضها الإدارة المدنية للاحتلال فتلتزم المؤسسات الواجهية للعملاء بتنفيذها.
ومن أهم المسائل التي واكبتها قيادة المقاومة وسلَّطت الأضواء عليها في بيانها الصادر بتاريخ 13/ 1/ 2004م( )، ما يلي:
1-كشف تواطؤ النظام الأردني وتحذير الطائرات الأردنية من الاستمرار في وضع نفسها في خدمة الاحتلال. وقد كشفت أجهزة الرصد في المقاومة عن ضلوع النظام الأردني في مساعدة الاحتلال الأميركي من خلال نشاطين:
-الأول: كشف البيان الصادر بتاريخ 10 آب 2003م »أن الطيران العسكري لقوات الاحتلال الأمريكية يقوم بالطيران والتحليق من قاعدة الحبانية الجوية إلى مطارات صهيونية في فلسطين المحتلة وبالعكس، عبر الأجواء الأردنية«.
-الثاني: »تم تكليف مقاولين أردنيين وأبناء لمسؤولين في الحكم ومؤسساته، تنفيذ أعمال إنشائية في بناء المعسكرات الدائمة للقوات الأمريكية المحتلة، في مناطق غرب وشمال العراق«. ونتيجة لهذا التواطؤ اعتبرت قيادة المقاومة »إن تمادي الممارسات الرسمية الأردنية … إنما يشكل خدمة مقصودة للاحتلال وبالضد من مصلحة وسيادة العراق وشعبه«. وبعد أن قرَّرت الخطوط الجوية الملكية تسيير رحلات إلى مطارات العراق، تعتبر المقاومة العراقية أن قرارها »بعودة ومباشرة رحلاتها إلى ومن ذلك المطار يعرض طائراتها ومسافريها للخطر«.
2-الرد على قرار »اجتثاث البعث«، وتكليف عملاء الاحتلال بتنفيذ مضمونه، من خلال تأسيس محاكم خاصة، أو ملاحقة للبعثيين بالاغتيال والاعتقال ومصادرة الأملاك. ويأتي البيان، الصادر بتاريخ 16/ 1/ 2004م( )، ليضع مسألة الرد على ثلاث مراحل:
الأولى: لتحصين مصالحهم برؤية استراتيجية، يستند المحافظون الجدد إلى تطبيقات لها ضروراتها »المنطلقة من التفكير العقيدي، والمصلحة الاقتصادية، والغايات المشتركة مع الصهيوينة العالمية«. فهم في مرحلة الاستمرار بتطبيق مخططاتهم بعد خسارتهم أمام الحزب الديموقراطي، في العام 1992م، كان يتراكم لديهم »مخزون من التنظير العقيدي الإمبريالي المجدد، ويتشكل معه وبه ومنه فريق من المخططين السياسيين الملتزمين والمهيئين لوضع تلك السياسات موضع التطبيق«. ولما استعادوا سلطتهم، في العام 2000م، كان »التوجه نحو تصعيد المواجهة المستمرة مع العراق في سياقاتها السياسية والعسكرية أمراً محتماً«. وكان السبب الحقيقي هو ضرب الحالة الرافضة لمشاريعهم، ولن يكتمل المشروع إلاَّ ب»بضرب البعث وفقاً لمخطط اجتثاثي يستهدف التنظيم من خلال التعرض الحياتي والاقتصادي والنفسي على أعضاء الحزب وعائلاتهم«، وهذا ما تفضحه قرارات الاحتلال الأولى »التي اتخذها المحتل هي حل الجيش والحزب«. أما اجتثاث حزب البعث فيأتي في سياق حرب المحافظين الجدد ضد الأفكار المعادية لمشروعهم الكوني، وأما حلُّ الجيش فلأنه مشبع بأفكار الحزب واستراتيجيته القتالية.
واستكمالاً لاجتثاث فكر الحزب العقائدي والسياسي جرت حركة تدميرية تطال كل البنى الأساسية من اقتصادية (إلغاء تاميم النفط والقطاع العام وتخصيصهما) وعلمية (مطاردة العلماء) وعمرانية (تدمير كل البنى العمرانية من أجل إعادة تلزيمها للشركات الرأسمالية الكبرى). والبنى الاجتماعية في تعايش الإثنيات (بتشجيع الفكر المذهبي والأقليات القومية). والفكر التراثي الحضاري في مناهج التعليم (بتعميم فكر العولمة واستهدافاته بالقضاء على خصوصيات الشعوب)
الثاني: استراتيجية حرب المحافظين الجدد ضد الأفكار تستند إلى شخصنة الفرد كمدخل لطمس المعالم الحقيقية للقضية العراقية، كقضية وطنية أولاً، وكقضية قومية ثانياً. لذا كلَّفت عملاءها بتنفيذ القرار: فبصموا على كل المشاريع المتعلقة بخصخصة النفط والقطاع العام، وأسهموا بتدمير البنى التحتية، ولاحقوا البعثيين وأحالوهم إلى الاغتيال أو الاعتقال، وقسَّموا العراق إلى مجموعة من الطوائف المتنكرة لقوميتها العربية، وعملوا على تعديل مناهج التعليم بما يتناسب مع فلسفة المحافظين المتطرفين و»إلغاء المصطلحات والمسميات الجهادية والمقاومة سواء في المناهج التعليمية أو وسائل الإعلام«.
الثالث: أما رد المقاومة الاستراتيجي، في مواجهة القرار لإجهاضه، فيأتي انطلاقاً من مقاومة الاحتلال وفرازاته، بمشروع غير مؤطر »بالانتماءات السياسية والعرقية والدينية والمذهبية، وله مرجعيته الوطنية وشرعيته الجماهيرية، وبعده القومي العربي، وتقاطعاته الكونية … في رفض الهيمنة الإمبريالية على العالم وفقا لبرامج وأهداف السياسة الأمريكية الغاشمة«.
3-وفي بيانها بتاريخ 28/ 1/ 2004م( )، تعالج القيادة دور الأمم المتحدة المحابي للمشروع الأميركي، فتوجِّه تحذيراً لها من أن تدخل إلى العراق لتمهيد الطريق أمام المجتمع الدولي لمساعدة الاحتلال وتشريعه، خاصة وأن الإدارة الأميركية ستستغل المساندة الدولية لأغراض انتخابية، وأصبح مفروضاً على كل »متعاون معها أو مؤتمر بأوامرها في العراق والإقليم والعالم أن يضبط إيقاع تحركاته مع متطلبات تأمين النجاح للإدارة الأمريكية في الانتخابات الآزفة«.
فأي وجه من وجوه المساعدة التي قد تقوم بها الهيئة الأممية لن يكون إلاَّ تواطؤاً، ولم تتمتع »بعثات الأمم المتحدة بالمصداقية والحياد على الإطلاق طيلة تواجدها وعملها التفتيشي على أرض العراق بحثاً عن أسلحة التدمير الشامل«. وكان موظفوها»غير محصنين من التعامل أو الخدمة التجسسية لصالح الولايات المتحدة وغيرها«.
ولما طلبت الإدارة الأميركية من المنظمة الدولية التدخل في الشأن العراقي، ولما كان هذا الطلب يتضمن هدف حماية الاحتلال وشرعنته، يكون أي تدخل أممي غير مقبول، بل ومرفوض ويتم التعامل معه كمثل ما يتم التعامل مع أي من عملاء الاحتلال وإفرازاته.
4-ويكشف بيان القيادة، بتاريخ 6/ 2/ 2004م( )، عن طرق الكذب والخداع التي سلكتها الدولتان المحتلتان، حول ذرائع وجود أسلحة الدمار الشامل في العراق، وساعدها في ذلك تكتَّل على المستويين العربي والإقليمي يجمع بين تياراته العداء لنظام حزب البعث العربي الاشتراكي، وتضم: الرجعية الدينية، والأنظمة القطرية، والبورجوازية الهجينة واللا وطنية، واليسارية القطرية، والشرق أوسطية السياسية والاقتصادية المتأتية عن التسويات المجتزئة واللاوطنية واللاقومية للصراع العربي الصهيوني.
وإذا كان قد ظهر كذب ذرائع العدوان ومزاعمه، التي على أساسها أيَّدت بعض أطراف الحلف العدوان على العراق، فسوف يتواجه مع الأسئلة التالية: أين هي أسلحة الدمار الشامل العراقية؟ أين هي الحرية في العراق الآن؟ أين هي وحدة أرض العراق وشعبه؟
-بما أن بعض الأنظمة العربية شاركت وسهَّلت للعدوان والاحتلال في المقام الأول، وبما أن أدوارها مرسومة أمريكياً في المقام الثاني، وبأنها لن تؤثر على مسار الاحتلال وبرامجه في العراق في المقام الثالث، يصبح من حق جماهير الأمة أن تسقط دور النظام العربي الرسمي في معادلة المواجهة الجارية على أرض العراق، ومن حق البعث والمقاومة كطرف شرعي مقابل للاحتلال ألا يراعي إلاَّ ما يصب في خانة المقاومة المسلحة دعماً ومشاركة وتصليباً وتطويراً وتعميماً.
-ولأن شرعية خيار المقاومة المسلحة إنسانية ووطنية وقومية ودينية، فهو »غير مرهون بتفسيرات فقهية أو مذهبية أو حقوقية أو غيرها، وهو خيار تكليفي بكل المعايير السماوية والوضعية، وهو كذلك خيار نضالي بمعايير الفكر العقيدي والممارسة السياسية«.
-وحيث إن خيار المقاومة المسلحة خيار عراقي أولاً وأخيراً، فليس »لأية منظومة عربية أو إقليمية أو دولية من حق في التدخل بتطبيقه أو الانتقاص من شرعيته «.

ح-رؤية حزب البعث وقيادة المقاومة للواقع الجبهوي:
منذ أول بيان لقيادة المقاومة، كانت الوحدة الوطنية حاضرة في استراتيجيتها »تحت شعار مقاومة الغزاة القتلة ومقاطعتهم الطريق الأمثل لبناء عراق ديمقراطي حر مسلم وعربي« . ولهذا دعا »رجال الدين سنة وشيعة لإصدار فتوى مشتركة بتكفير كل من تعاون مع المحتل الغازي المجرم«( ). وتدليلاً على الرؤية الاستراتيجية للعمل الجبهوي على قاعدة وطنية شاملة، زفَّ بيان قيادة المقاومة والتحرير، بتاريخ 29/ 4/ 2003م، بشرى »انخراط العديد من أبناء الوطن من مختلف الاتجاهات في صفوف المقاومة«( ).
وأكَّد الرئيس صدام حسين على أن الوطن لجميع الإثنيات، العرقية والدينية،»عرباً وأكراداً وتركماناً … سنة وشيعة«. وبهذا فواجب الجميع أن يقاوموا المحتل لتحرير وطنهم.
والذين قرأوا المنهج السياسي والاستراتيجي الذي أصدرته القيادة، في 9/ 9/ 2003م, يعرفون جيداً أن البعث لم يستأثر بالمقاومة, ولم يتعامل بمنطق الإبعاد والتهميش والإقصاء للقوى الوطنية والقومية واليسارية والإسلامية التي تملك دوراً , بغض النظر عن حجمه , في ساحة المقاومة الباسلة وميدانها الجهادي .
والمتابعون المنصفون لما يجري في العراق, يعرفون جيداً أن البعث، ومنذ الأيام الأولى للاحتلال, دعا إلى تشكيل جبهة وطنية عريضة من الرافضين للاحتلال, من مختلف الانتماءات والشرائح, لأن مقاومة الاحتلال هي فرض عين على كل العراقيين( ).
وليس هناك خطر على وحدة الأوطان أكثر من خطورة الشرخ المذهبي. التي يستثمرها الاحتلال الأميركي –اليوم- من أجل تمزيق وحدة النسيج الوطني العراقي كتمهيد لتطبيقه على الصعيد القومي العربي. وبالقضاء على اللحمة الوطنية تستطيع قوات الاحتلال أن »تضرب بها ومن خلالها المقاومة الوطنية المسلحة«. لكل ذلك تعيد قيادة المقاومة تأكيدها على عدد من الثوابت، فتعتبر أن »المقاومة المسلحة مقاومة وطنية جامعة«، وهي »ليست محصورة على أبناء مذهب بعينه أو ديانة بعينها…وهي بذلك يتشرف بالانضمام إليها والقتال ضمن تشكيلاتها الرفاق البعثيون والمناضلون الوطنيون سنة وشيعة… ولا تنحصر فعالياتها القتالية والأخرى في منطقة جغرافية دون غيرها«( ).
وفي الأول من نيسان من العام 2004م، أماطت قيادة المقاومة والتحرير اللثام عن أنها شكَّلت –منذ عشرة شهور- »المجلس الوطني للمقاومة العراقية « وحدَّدت صلاحياته، وأطرافه المشاركة، »ليضم كتائب المجاهدين من المناضلين البعثيين ورجال القوات المسلحة وأبطال أجهزة الأمن القومي، ومعهم -وبكل تلاحم- عشرات الآلاف من الوطنيين العراقيين الرافضين لمنطق الاحتلال والخنوع للمستعمر. وانخرط في المجلس شيوخ العشائر النجباء ورجال الدين المجاهدين وعدد من القوى الإسلامية لكي يكون إطاراً تنظيمياً يقود عملية المقاومة الشجاعة، وينظم برامجها وعملياتها تبعاً لتطور الموقف العسكري والوضع السياسي«.
لم يستثن البيان أي عراقي من الانضمام إلى المجلس الوطني إلاَّ الذين يتعاونون مع الاحتلال ويقومون بمساعدته على ترسيخ احتلاله. وحتى هؤلاء، فقد دعاهم إلى »مراجعة سريعة للنفس، والتراجع فوراً عن هذا الموقف غير المشرف، والعودة إلى أحضان المقاومة بكل أشكالها، وعفا الله عما سلف«.
وأعلن بوضوح، وهذا منطقي وشرعي وديموقراطي، أن من يحرر هو من يحكم، حيث جاء في البيان »وليعلم الجميع أن من يتصدى لمهمة مقاومة المحتل، وطرده، وتحرير العراق، هو الأجدر على قيادة العراق وإعادة بنائه وليس في العراق مكان للخونة واللصوص والمرتزقة«( ).

2-قراءة في اتجاهات القوى الوطنية العراقية المساهمة في المقاومة أو المؤيدة لها
حزيران/ يونيو 2003م: شهر تعدد الفصائل المقاومة
باستثناء »جبهة تحرير العراق الوطنية«، و»جبهة تحرير العراق«، اللتان صدر عنهما البيان الأول متزامناً مع أول بيان ل»قيادة المقاومة والتحرير«، وقد يكون الأخير استناداً إلى أننا لم نعثر لهما على بيانات أخرى، فقد أعلنت منظمات أخرى –منذ أوائل حزيران/ يونيو، عن انخراطها في العمل المسلَّح وهي –طبعاً التي حصلنا على بيانات صادرة عنها- »اللجنة القيادية للتنظيم الناصري في العراق«، و»الحركة الإسلامية في العراق«، »سرايا المقاومة العراقية«، و»كتائب العودة«، و»جبهة الفدائيين الوطنية العراقية«، و»حركة الجهاد العراقية«( ).
باستثناء التنظيمات الناصرية، التي أصدرت ثلاثة بيانات، كان أول بيان من بيانات الفصائل الأخرى المذكورة أعلاه هو الأخير أيضاً.
وتتالى ظهور الفصائل المقاتلة في الأشهر اللاحقة لشهر حزيران/ يونيو، وهي التالية( ):
-في شهر تموز/ يوليو: »سرايا الجهاد(المقاومة الإسلامية الوطنية العراقية – كتائب ثورة 1920م)«، و»جبهة التوحيد لتحرير العراق«، و»الشباب المسلم«، و»كتائب صلاح الدين الأيوبي«، و»تنظيم سرايا الجهاد«، و»الجماعة الجهادية السلفية«.
-في شهر آب/ أغسطس: »مجاهدو صدام«، و»حركة المقاومة العراقية الإسلامية«، و»مجاهدو حديثة«.
-في شهر أيلول/ سبتمبر: »منظمة ذو الفقار في بعقوبة«.
-في شهر تشرين الأول/ أكتوبر: »الجبهة الوطنية لتحرير العراق«.
من بين تلك التنظيمات، وكما نرى ذلك في الجزء المتعلق بيوميات المقاومة الوطنية العراقية أن »سرايا الجهاد(المقاومة الإسلامية الوطنية العراقية – كتائب ثورة 1920م)«، قد استمرت في إصدار بيانات عن أعمالها العسكرية.
من خلال قراءة للبيانات التي صدرت عن شتى تلك التنظيمات، التي حصلنا على بياناتها، وباستثناء إجماعها حول العمل المسلَّح ودعوة العراقيين إلى سلوك طريق المقاومة كخيار أساسي لطرد المحتل، واتهام أحزاب المعارضة وبعض الشخصيات والقوى الأخرى بالخيانة لتعاونهم مع العدو، نسجِّل الملاحظات التالية:
1-التأكيد على العمل مع كل القوى الشريفة في العراق من أجل طرد المحتل. وذلك بدون النظر إلى انتماءاتها السياسية والحزبية والفكرية.
2-نفى بعضها أية علاقة له مع نظام حكم حزب البعث.
3-دعوة فصائل المقاومة، إلى تشكيل جبهة عريضة تضم كل التعدديات الدينية والعرقية لمقاومة الاحتلال. يكون من مهماتها صياغة برنامج سياسي لأهداف المقاومة قبل التحرير وبعده.
قبل عدة أشهر من بدء العدوان على العراق، وبعد أن أخذت اتجاهات المعارضة العراقية تأخذ طريقها للفرز بين تيارين رئيسين: وطني يؤجل معارضته للنظام وينخرط معه في مقاومة العدوان، وتيار عميل شارك في التخطيط لاحتلال وطنه مع المخطط الأميركي. اختار التيار الوطني أن يمارس طريقته في المعارضة من داخل العراق. وقد عاد قسم منهم في كانون الأول/ ديسمبر من العام 2002م، وأجروا مباحثات مع السلطات العراقية، توصلوا بعدها إلى عدد من القرارات، وكان من أهمها:
أ-أن »كل المعارضين العراقيين بمن فيهم الذين يدعون إلى قلب النظام, يمكنهم العودة إلى بغداد ومواصلة انتقاد النظام والدعوة إلى التغيير شرط ألا يكونوا على علاقة بأجهزة استخبارات أجنبية«.
ب-شكلت لجنة عليا برئاسة عزة إبراهيم لإعداد دستور وقانون للتعددية الحزبية وقانون للصحافة يعطي الأحزاب حق إصدار الصحف.
ج-إعداد مشاريع قوانين وإقرارها في المجلس التشريعي في مدد قصيرة.
د-يستطيع أطراف التحالف ممارسة هذه الحقوق فوراً تحت بند »تحت التأسيس«( ).

أ-التحالف الوطني العراقي():
تعود جذور التحالف إلى العام 1980 عندما شُكِّلت الجبهة الوطنية القومية الديموقراطية في دمشق من شتى أطراف أحزاب المعارضة العراقية.
تأسس في 1990 ويدعو إلى إحلال الديمقراطية والتعددية في العراق, بدون العمل لقلب نظام الحكم فيه. ويرفض الخط الذي اتبعته مجموعات المعارضة الأخرى المنضوية في إطار المؤتمر الوطني العراقي وتدعم السياسة الأميركية الهادفة إلى قلب النظام العراقي ولو بالقوة.
وأعطى قضية الدفاع عن العراق وتحريره الأولوية على ما عداها من المهمات الوطنية( ). ورفض التعاون مع الأميركيين، وأجرى حواراً مع السلطة العراقية –قبل الاحتلال- لوضع دستور يضمن الحريات الديموقراطية( ).
وكان الغرض من تأسيسه آنذاك إنشاء نظام حكم وطني ديموقراطي وحشد الصفوف للدفاع عن وحدة العراق واستقلاله والتصدي للإطماع الاستعمارية الأمريكية المحدقة به. ويضم عدداً من الأحزاب والتنظيمات، وهي: حزب التجمع الاشتراكي، وحزب العمال العربي، والحركة الاشتراكية العربية، والجناح اليساري لحزب البعث، والحزب الشيوعي في العراق (التيار الوطني)، والجيش الكردي الإسلامي، وحزب السلام الكردي، وكذلك أدباء وصحفيون ومحامون مستقلون .
يسعى لبناء نظام اجتماعي ديمقراطي تتمتع فيه جميع فئات الشعب الدينية والعرقية والثقافية بالمساواة والمشاركة السياسية والاجتماعية. ويدعو إلى احترام حرية الرأي والصحافة وبناء نقابات عمالية ونظام قضاء مستقل.
يعتبر التحالف إنهاء الاحتلال دون قيد أو شرط، شرطاً أساسياً لعراق ديمقراطي. ولتحقيق هذا الغرض يعمل على بناء جبهة تحرير وطنية متحدة تقود المقاومة. وكان من السبَّاقين من بين تيارات المعارضة العراقية السابقة للدعوة إلى بناء تلك الجبهة. وهذا ما أكَّد عليه في بيان صدر عن الهيئة المركزية للتحالف، ويدل على ذلك بعض ما جاء فيه: »إننا نهيب بجماهير شعبنا للتمسك بتقاليده الوطنية ، والتعبير بكل الأشكال عن رفضهم للاِحتلال ومقاومة المتعاونين معه، وتعزيز عوامل الوحدة والتعاضد والتكاتف، وإِشاعة روحية التسامح بين قوى المجموع الوطني ونبذ مظاهر الفرقة والتمييز، ونحن على يقين بأنَّ المقاومة ضد المحتلين ستنتظم وتتصاعد وتتوسع تمشياً مع حقائق تاريخنا وتراثنا الوطني في محاربة المحتلين وعملائهم«( ).
وقد جاء في بيان للتحالف ما يؤكد على تلك المبادئ العامة، فيرى أن العراق »في أمس الحاجة إلى عملية تغيير واسعة وشاملة تطال الفكر والسياسة والاِقتصاد والتشريعات القانونية وكافة مناحي الحياة… وخلق مناخات تعزز الوحدة الوطنية وتشيع أجواء التسامح بين شرائح المجتمع لتتراجع عوامل التفتيت والاِحتراب الداخلي«( ).
كانت الدعوة نابعة من وعي وإدراك تيارات التحالف لمهماتها وواجباتها الوطنية تجاه تعميم خطاب المصالحة الوطنية، منذ البداية، ليعبِّر عن حاجة مختلف القوى والتيارات والشخصيّات الوطنية العراقية داخل وخارج التحالف، ليس من أجل أن ينأى بها بعيداً عن السياسات المُدّمرة، التي انتهجتها المعارضة المرتبطة بالدوائر الاِستعمارية وحسب، وإنمّا ليوفر أمام القوى العراقية بكل تعبيراتها، بما فيها الحزب الحاكم (السابق) نفسه، أرضية جديدة لتلاقي الإِرادات الوطنية على قاعدة حماية البلاد والشعب من أخطار الغزو. وفي الآن ذاته، للتعبير عن الحاجة المُلحة والفورية للإصلاح الديمقراطي الشامل في نظام الحكم والاِنتقال بالبلاد، إلى مرحلة المواجهة الشعبية للغزو الإمبريالي( ).
و»كانت مسألة إدراك الجميع لأهمية إدارة الظهر للماضي والتطلع إلى المستقبل«، هو أن العراقيين جميعاً لا يرغبون في البقاء محتجزين داخل الماضيٍ، خاصة مع جسامة وخطورة الأوضاع التي تتطلب، على العكس من الدعوات لنبشه والتوقف عند تخومه، »أن يبادر الجميع إلى تأسيس توافقات جديدة من أجل المستقبل«( ).
لا تحدد الاعتبارات الذاتية المهام السياسية الراهنة أمام الوطنيين العراقيين، فعلى ضوء وجود الاِحتلال الأمريكي للعراق: الأرض والمجتمع والمؤسسات، على الجميع أن يرفضوا الوقوف على »أرضية الموقف السياسي الأمريكي، والغربي عموماً«، بل اعتبار المرحلة الراهنة مرحلة تحرر وطني من الغزو والاِحتلال العسكري الأجنبي، وهو الأمر الذي يجعل من »كل إنسان وطني وحدة وعي فكرية وسياسية مقاومة«( ).
من أساسيات العمل الوطني هو وعي العاملين فيه لأهداف المحتل أولاً؛ وما يرونه لبناء مستقبل العراق على أرضية وطنية، وليس على أرضية الأهداف السياسية الأجنبية ثانياً. إنَّ الصراع المسلح وغير المسلح مع المحتل هو ما يعزِّز الوحدة الوطنية ويُبعد الفعل السياسي عن الاحتراب الداخلي والتمزق الذي يُبدِّد القوى في مواجهة الاحتلال( ).
أما عن أسباب ضرورة بناء »الجبهة الوطنية العريضة ]فلأنه[ ليس بإمكان أي جماعة أو طائفة أو قومية، بمفردها، ومهما امتلكت من أسباب القوة، ومن دون التوافق مع القوى الأخرى، إنجاز أي شيء حقيقي على طريق تحرير البلاد من الاحتلال«. وما يثير الانتباه »هو الإجماع المثير عند السياسيين وعامة الناس، على أن الاحتلال هو من حيث الجوهر والمضمون احتلال إسرائيلي بأدوات أمريكية«( ).
ومن القوى: » (التحالف الوطني)، مع الكتلة القومية (لجنة التنسيق القومي)، ومجموعة العزوز، وحزب الإصلاح، وجماعة (العراق بيتنا) والتجمع الوطني المستقل، وهيئة العلماء المسلمين ورابطة عشائر العراق، والقيادة المركزية للحزب الشيوعي العراقي«( ).
أما حول الواقع السياسي للقوى والتيارات –في ظل الاحتلال- فهناك حالة فرز بين تيارين رئيسيين تتميز بهما الحياة السياسيّة العراقية، وهما:
-تيار القوى والجماعات المتحالفة مع الاحتلال أو المتواطئة معه: ويتألف من مجموعة من الأحزاب والقوى والشخصيّات الاجتماعية والسياسية ومن تيارات فكرية قديمة وجديدة، تشكل بمجموعها خليطاً عجيباً. يجمعها تلاقٍ مثير للمصالح الانتهازية والأنانية والشهوة للسلطة، والرغبات في اغتنام الفرصة للإثراء، بل ولأشكال غير مسبوقة من الارتباط بالقوى الأجنبية. هذا الخليط يجمع رجال دين وشيوعيين ولصوصاً وقوميين سابقين، ومَن يزعمون أنهم دُعاة لليبرالية والديمقراطية، ويمكن تصنيفه كتيار نما وترعرع في ظل المشروع الاستعماري الجديد( ). وكان دورهم »ليس التعاون مع المحتلين سياسياً فقط ، بل تشكيلهم فصيلة اِستخبارية في خدمة قوات الغزو والاِحتلال«( ).
-أما التيار الثاني فهو تيار القوى والأحزاب والجماعات المناوئة للاحتلال: وهو تيار عريض له جذور وامتدادات شعبية، ولكن ليس ثمة خطاب سياسي واحد يجمع ممثليه، بل ثمة بينهم رؤى وطنية عامة، ولكنها لم تتحول بعد »إلى مصدر من مصادر التوحيد والتجميع«.
إن بعض ممثليه لا يرى حلاً إلا بالمقاومة المسلَّحة وتعميمها والانخراط فيها، بينما ينظر البعض الآخر، وبشيء من التحفظ إلى المقاومة المسلَّحة من منظور مختلف، ويطرح في المقابل تصوراً يقول بأن السبيل الوحيد هو المقاومة السياسية، ولكن من دون أن يدعو إلى رفض المقاومة المسلَّحة كخيار كفاحي.
وفي داخل البعض من كل منهما، وعلى هامشهما، يمكن تلمس الكثير من التباينات والتعارضات والتجاذبات. بعضها جوهري وبعضها الآخر شكليّ… على أن هناك تجاوباً كبيراً مع مشروع (الجبهة الوطنية العريضة) من ممثلي القيادة المركزية للحزب الشيوعي العراقي( ).
بداية، يرى التحالف أن الإنسان العراقي الوطني المقاوم وحدة وعي سياسية وفكرية وطنية، ويرى في الطابع المذهبي للمقاومة العراقية وسائل دعائية تستهدف تشويهها( ).
-الكثير من بينها، أعادت تأسيس نفسها حديثاً، وإمّا أنها حديثة التكوين أصلاً.
-البعض من بينها يمتلك رؤى مختلفة تجاه أساليب وأشكال التعامل مع الجماعات التي من المحتمل أن تترك جبهة العدو، أو تقوم بتصحيح مواقفها… ولقد حلّ محل التباين، نوع من التفهم المشترك لأهمية تفكيك جبهة العدو، وإضعاف معسكره السياسي( ).
وحول أهمية بناء الجبهة الوطنية وأهدافها، يرى التحالف الوطني العراقي أن»تجميع ما تبقى من القوى السليمة للأمة واِستنفارها في عملية المواجهة ضد المحتلين هو في مقدمة ما يجب إنجازه لإدامة المقاومة والاِستمرار في عملية المواجهة الشاملة ضد المحتلين والحركة الصهيونية. .. وإنَّ مقاومة الاِحتلال الأجنبي والتصدي لمشاريعه العدوانية وإنجاز الاِستقلال الوطني الكامل لن يقدر طرف وطني بمفرده على تحقيقه مهما اِمتلك من القدرات والأدوات للمواجهة«. لذلك يعمل التحالف الوطني العراقي، و»يؤكد على أهمية وضرورة تشكيل جبهة وطنية قومية واسعة ومتحدة تستوعب كل قوى المجتمع العراقي المناهضة للاِحتلال«( ).
1-أهمية وجود إطار سياسي عريض يجسدّ إرادة المقاومة سياسيّا، ويعبرّ عن تطلعاتها وأهدافها ويتولى تعميق الفهم الشعبي لما تنشده.
2-الجبهة الوطنية العريضة هي التي تكفل لجميع القوى إمكانية الحدّ، بالفعل، من تأثير السياسات التقسيميّة والطائفية التي تنتهجها قوات الاحتلال و»مجلس الحكم«.
3-التأكيد علي أن الوظيفة التاريخية للجبهة هي: تنشيط وتطوير وقيادة العمل السياسي. وأن الجبهة ستكون الأداة السياسيّة للمقاومة والمعبرّ عن كل قواها.
4-مقاومة الاحتلال بكل الوسائل، وطرد كل القوات الأجنبية واستعادة استقلال البلاد.
5-اعتبار الاحتلال جزءًا لا يتجزأ من المشروع الاستعماري الجديد. وهو في جوهره، استكمال لاحتلال فلسطين. فالمعركة واحدة من فلسطين إلى العراق وفي كل ساحات الأمة.
6-ترحيب الجبهة الوطنية العريضة بأيّ مجموعة أو حركة تترك دائرة التعاون مع الاحتلال وتنأى بنفسها بعيداً عن مشاريعه الاستعمارية( ).

ب-الحزب الشيوعي العراقي – الكادر:
انفصل عن قيادته الرسمية منذ وقوفها إلى جانب إيران في حربها ضد العراق. ووقوع الحزب تحت هيمنة القيادات الكردية. وأعطى الأولوية للدفاع عن العراق، ودحر الاحتلال( ).
يربط بين احتلال العراق والأطماع الإمبريالية والصهيونية( ). ويشخِّص وجود حالة فرز بين العراقيين: حلفاء الاحتلال وأعوانه، والوطنيون المقاومون. وينحاز إلى الفريق المقاوم، استناداً إلى أنه متى تعرَّض الوطن للاحتلال، »فلا وجود لشيء اسمه تكتيك أو قبول بالأمر الواقع أو حساب مواطن القوة والضعف خارج الهدف الأساس، وهو الدفاع عن الوطن«. لذا اتَّخذت قيادته قرارات تحدد علاقات الشيوعيين بالاحتلال وعملائه كما يلي:
-إن أي شيوعي يتعاون مع المحتل وتحت أي ظرف هو متهم بالخيانة الوطنية العظمى.
-إن القيادة ، المشاركة في »مجلس الحكم«، لا تمثل الحزب الشيوعي العراقي.
أما موقفه من المقاومة المسلحة، فيؤمن تنظيم »الكادر« بأن»الحزب الشيوعي العراقي لا يتخلى عن أهدافه الوطنية والعالمية… وهو بناء المجتمع الحر الديمقراطي الاشتراكي. لكن الوضع الراهن هو وضع احتلال، والمقاومة الوطنية المسلحة هي الأداة الوحيدة القادرة على دحر المحتل وطرده عن العراق، وهي الشكل الأرقى للنضال ضده. وكل هدف خارج إطار المقاومة مؤجل إلى ما بعد التحرير… (لذا) نلتزم بالمقاومة الوطنية المسلحة ونناصرها أيا كانت مساربها الدينية والسياسية. فالهدف الأول والأساس الآن هو طرد المحتلين عن العراق«.
ويرى »الكادر«، أيضاً، أن للمقاومة عمقين وطني وعالمي: لذا فالشيوعيون معنيون بمحاربة الاحتلال »أيا كان منبعه، وبكل السبل وبالتحالف مع قوانا الوطنية العراقية والعالمية، أيا كانت مساربها الفكرية«. وعلى هذا الأساس يكون للمقاومة الوطنية العراقية وجهاً أممياً، يتمثَّل ب»إسقاط أمريكا عدوة الشعوب، الذي بدأ اليوم في العراق«( ). ولهذا لا يرى الشيوعيون العراقيون مهمة تسبق تحرير العراق، وليس عندهم أية تحفظات أو اعتراضات على جنس أو لون أو اتجاه المقاومين السياسية( ).
يرى الكادر، في موقفه من العمل الجبهوي، أن مرجعية المقاومة هي الشعب العراقي عامة، والكتائب المقاومة الفاعلة على الأرض خاصة. ومن يحمل السلاح ويقاتل هو المرجعية وليس غيره. وعلى كل الأحزاب والهيئات الوطنية الرافضة للاحتلال، والمقاوِمة له، أن تكون مجرد صدى للمقاومة الوطنية العراقية.
ويشير »الكادر« إلى أنه ليس مرجعية للمقاومة الوطنية العراقية وليس الناطق الرسمي باسمها، وإنما هو »مجرد صدى لها وتربطه بها وحدة فكر وقناعة ومصير«. واعتناقه للمقاومة المسلحة ضد الاحتلال، يدفع بأعضائه العمل إلى تأمين إمكانيات انخراطهم في العمل المسلح، ولا يضيرهم –مبدئياً- أن يكونوا »تحت القيادة الحالية للمقاومة«، لثقتهم بها أشد الثقة.
لذلك وجهت قيادة »الكادر« أنصارها على ساحة الوطن العراقي، أن ينفذوا عمليات ولو فردية ضد الاحتلال. ودعت جميع عناصرها أن يعتبروا أنفسهم جزءًا من المقاومة المسلحة، وأن ينفذوا ما تطلبه منهم، ويضعوا أنفسهم تحت قيادتها( ).

ج-المؤتمر الوطني العراقي لدعم المقاومة العراقية:
ومن أجل رفد المقاومة العراقية وتصليبها ودعمها دعت بعض الأحزاب والمؤسسات والشخصيات العراقية إلى عقد مؤتمر وطني خارج إطار سلطات الاحتلال، يقرر فيه العراقيون، دستوراً للبلاد بمعزل عن مجلس الحكم »العميل« ومن يدعمه. ومن أهم مقرراته:
1-إعادة بناء دولة العراق ونظامه الجديدين وفقاً لإرادة العراقيين الحرة، بعد أن قامت قوى الاحتلال بتدمير الدولة العراقية.
2-رفض تركيب الأطر المعينة والمدعومة بقوة دبابات المحتلين، ومن الخطأ الاعتقاد بأن يكون»مجلس الحكم المعين« حلاً يمكن أن يفضي لاستقرار الأوضاع في العراق( ).
د-التيار العراقي الوطني الديموقراطي:
يمثل التيار مختلف التوجهات، »ديمقراطيون، علمانيون، وماركسيون شيوعيون، وناصريون، وقوى إسلامية وممثلون لأديان وقوميات كالآشوريين والتركمان، و ممثلو عشائر ومثقفون وحركات مجتمع مدني «.
وعلى خلفية العمق العالمي للمقاومة العراقية يسعى التيار إلى تأسيس البنى العالمية لمقاومة الكولونيالية الجديدة، بحيث يكون »مسار عملية نضال له دلالة غير عادية في سياق تحولات عصرنا، فتضامن حركات مناهضة الحرب والعولمة في العالم مع شعبنا يرسي أسس المفهوم الجديد للحركة التحررية العالمية في زمن الكولونيالية الجديدة، ويجسد تضامن ولحمة قواها«.
ومن أجل وطنية المقاومة يعمل لقيام مؤتمر تأسيسي وطني عراقي مستقل، مدعوماً في الخارج من الأوساط المناهضة للحرب والعولمة، وفي داخل العراق لتجسيد الفكرة وتنفيذها( ).

3-قراءة في مواقف الفصائل الإسلامية
بعد سقوط الخلافة الإسلامية على يد مصطفى كمال أتاتورك، سنة 1924م، قام بعض العلماء في كردستان العراق بحض الناس على مقاومة العلمنة، والتمسك بالهوية الإسلامية. لكنها لم تظهر إلى الوجود في مناطق الأكراد بصورة علنية ومنظمة إلا في العام 1952م على يد جماعة الإخوان المسلمين. وفي نهاية الستينيات ظهر التيار السلفي مع انتشار وسائل الإعلام والاحتكاك المباشر في مواسم الحج والعمرة وقوافل الدعاة. وفي سنة 1978 ظهر في كردستان فكر سلفي على غرار (الأنموذج السعودي) يختلف عن الفكر الحركي لجماعة الإخوان المسلمين. وظهر أيضاً تيار جهادي للمرة الأولى في العام 1978م.
تنامى التيار الجهادي في العام 1979 بفعل متغيرين: نجاح الثورة الإيرانية في إيران. والاحتلال الشيوعي (الاتحاد السوفياتي السابق) لأفغانستان. فتشكَّل (الجيش الإسلامي الكردستاني) كأول جماعة إسلامية مسلحة، في العام 1980م، في جبال كردستان.
أ-جند الإسلام: وبعد العام 1985م تأسست (الرابطة الإسلامية الجهادية). وفي العام 1987م، تم تشكيل (تنظيم الحركة الإسلامية) في كردستان العراق على يد الشيخ عثمان بن عبدالعزيز. وتوالت الانشقاقات في التنظيم إلى درجة كبيرة. ولم تنفع كل محاولات التوحيد بينها، إلى أن تأسس في العام 2001م، تنظيم »جند الإسلام«. وانتشر على شريط القرى المتاخمة للحدود الإيرانية. وقامت الجماعة بدعوى الحسبة وكانت تأمر بغلق المتاجر أثناء الصلاة،و تمنع بيع الخمور وتدعو إلى الإعداد والتجهيز للجهاد ضد أعداء الأمة. وفي 10 ديسمبر 2001م اندمجت ثلاث جماعات إسلامية: (جند الإسلام) ، و(حماس الكردية)، و(حركة التوحيد) وكونوا جماعة واحدة أطلق عليها (أنصار الإسلام)، التي تتبنى الفكر السلفي السني الجهادي، متأثرة بالأنموذج السلفي السعودي من الناحية العلمية، وفكر سيد قطب، والمنهج الحركي لجماعة الجهاد المصرية وغيرها.
أما عن حقيقة العلاقة مع القاعدة فتعود إلى أنه بعد أن ضيقت إيران وقبضت على بعض المتعاطفين مع حكومة طالبان، والقاعدة، فرَّ كثير منهم إلى كردستان. ويعتقد أن بعضهم قتل في القصف الأمريكي على مناطق أنصار الإسلام والجماعة الإسلامية.
وتعود علاقة إيران بالحركات الإسلامية الكردية إلى الحرب العراقية الإيرانية، في حينها برز، في داخل الأكراد اللاجئين إلى إيران، اتجاه يحمل فكر الثورة الإيرانية الشيعي، وفي المقابل نشط الفكر السلفي السني في نفس تلك المخيمات( ).
ب-جيش أنصار السنة: جماعة إسلامية سلفية سنية وُلِدت بعد احتلال العراق بخمسة أشهر، وهي خليط من مجموعات إسلامية مقاومة للاحتلال الأمريكي، اندمجت في جماعة إسلامية واحدة تحت اسم »جيش أنصار السنة« تمايزاً لها عن (جيش المهدي) الشيعي.
وتميِّز الجماعة نفسها، بنصوص إسلامية أولاً وسياسية مذهبية ثانياً: أما النصوص، فتستند إلى أن »الجهاد في العراق أصبح فرض عين على كل مسلم… وإن الذين رفعوا لواء الجهاد المبارك هم أهل السنة والجماعة«. وتعمل الجماعة على الاستفادة من خبرات التحرر السابقة في العالم الإسلامي، ومن أهمها أن الإسلاميين برفعون راية الجهاد ويقطف ثمرة النصر العلمانيون.
وقد تحركوا ابتداءً بجماعات كلٌ من منطقته من تلقاء أنفسهم. وجمعت خليطاً من أهل الخبرة العسكرية والشرعية، لتكوين جيشٍ جرارٍ بإمارة واحدة تقوم بمهمة وضع برنامج عملي مستند إلى تعاليم الشرع الحنيف مراعيةً السياسة الشرعية لا السياسة العلمانية( ).
يختلف جيش الأنصار عن أنصار الإسلام بتاريخ التشكيل والهدف من التكوين؛ لكنهما يتشابهان في أنهما جماعتان محليتان بخلاف جماعة »القاعدة« الأممية. وفي المرجعية الشرعية من قرآن وسنة واعتماد آراء علماء السنة. وفي طريقة الخطاب السلفي السني الجهادي( ).
رفض الانضمام إلى أية جبهة قومية، إذا تضمَّنت أهدافها »أموراً بعيدة عن الشرع«. وهم ليسوا ممن يسلمون أنفسهم تحت راية تحمل الطابع القومي. لذا دعا الفصائل التي انضوت تحت لواء »الجبهة الوطنية لتحرير العراق« إلى التوبة لأنها »تحمل توجهاً قومياً… «( ).
ج-المقاومة الإسلامية الوطنية »كتائب ثورة العشرين«:
تعريفها: »حركة جهادية وطنية تسعى إلى تحرير أرض العراق من الاحتلال العسكري والسياسي الأجنبي«، وبناء دولة إسلامية، ومن أهم مبادئها »تطبيق العدالة وعدم التمييز على أساس اللون أو العرق أو الدين أو المذهب«. وقد رُوعيَ في اختيار اسم (المقاومة الإسلامية الوطنية) البعدين الإسلامي والوطني لعدم تعارضهما.
دوافعها دينية: (الاحتلال الأجنبي المباشر لأي أرض إسلامية يوجب الجهاد كفرض عين على كل مسلم). ودولية: أهداف الاحتلال (خدمة للمشروع الصهيوني في فلسطين، وتحقيق المصالح الأمريكية). ووطنية: لأسباب تُراثية (1920، و941م، و1948 و1967 و1973م).
ظهرت بصورة عفوية بعيدة عن الترتيب المسبق. تعتمد على فتاوى، صدرت قبل الحرب بوجوب قتال المحتل. وبدأ عملها منذ أول يوم للاحتلال عن طريق جمع الأسلحة وتجهيز المجاميع لتتكامل تحت راية (المقاومة الإسلامية الوطنية). تحاول تنظيم كل القوى المجاهدة في العراق تحت قيادة مركزية. وتعمل على الانتقال من العفوية إلى التنظيم.
تقوم على أسس شرعية، وهي تستمع إلى الآخر مهما كانت صفته ، بشرط أن لا يكون متعاوناً مع المحتل. ومَنْ كان مع المحتل فهو خائن مهما كانت صفته أو عقيدته. ولا تنكر على الآخرين العمل السياسي، بشرط أن لا يعارض أو يلغي الثوابت الإسلامية الوطنية: هوية العراق الإسلامية ثابت، ووحدة العراق الوطنية ورفض أي تجزئة طائفية أو عرقية هو ثابت آخر. وتؤمن باحترام المعتقد. وتحترم خصوصية كل قومية. وترى أن الحقوق القومية والشخصية تتحقق إذا وجد نظام عادل، وأن قيمة العدل تتحقق بوجود نظام إسلامي متكامل لكل نواحي الحياة، وبه تتأمَّن حقوق الجميع مسلمين وغير مسلمين.
-الهيكل التنظيمي للمقاومة الإسلامية: المكتب السياسي: يشرف على تنفيذ برنامجه السياسي بإخراج قوات الاحتلال. وقسم الدراسات ويضم الفتوى والتأصيل. وقسم الأمن الجهادي. والقسم الإعلامي. أما جناحه العسكري، فيضم: منطقة بغداد، والانبار، وديالى، والموصل، وصلاح الدين، وهناك قواطع تحت الإنشاء. وكتائبها العسكرية: كتيبة الخلفاء الراشدين وكتيبة الفاروق عمر وكتيبة الحسين وكتيبة القعقاع بن عمرو وكتيبة صلاح الدين الأيوبي وكتيبة عبد الله بن المبارك وكتيبة امجد الزهاوي وكتيبة محمد محمود الصواف وكتيبة عبد الله عزام وكتيبة محمود الحفيد البرزنجي وكتيبة عبد العزيز البدري( ).
د-تنظيم »المجاهدون«: يؤمن بأن المقاومة الوطنية العراقية تنطلق من مبدأ أساسي يتمثل في رفض الغزو والاحتلال رفضاً تاماً ونهائياً. وتأخذ المقاومة أشكالاً عديدة ومنها العمل العسكري. كما أن الصراع ليس قوة عسكرية مجردة بل صراع شامل متعدد الصفحات والأدوار. يرتكز في جوهره على تزايد وعي الشعب العراقي بأهداف الغزو، ورفضه لها. ومستوى تعبيره عن ذلك بالكلمة والمقالة والموقف والمظاهرة والإضراب والعمل العسكري.
فالتشتيت المدروس لتفكير العدو وسحبه إلى معارك متعددة، وجعل الأرض والمدن والثروة والطرقات والحقول والأنهار والفضاء كلها عوامل تنذر بالشك والريبة وتقيد حرية عمله بتقليل استخدامه لتلك العوامل. وانتزاع المبادأة منه، وخلق حالة من التوجس والترقب الدائم لقواته، واستهلاك مخزونها المعنوي، وامتصاص مستوى تدريبها، وتحطيم قناعاتها، وقتل الرغبة لديها بالاستمرار في ظل وضع صعب. إضافة إلى ما تلحقه الخسائر من إحباط نفسي.
لقد تحقق الفصم في العلاقة بين الشعب والاحتلال ورموزه، فبات غير مرغوب فيه، وانفضحت أكاذيبه. وهذا غاية في الأهمية لأنها تضع الصراع على بداية طريق الفعل الوطني الشامل والمتماسك. فالمعركة ضد الاحتلال هي معركة الشعب بكافة اتجاهاته وفئاته وأحزابه. وهذا يتطلب تعزيزاً دائماً ومستمراً لإدامة الوحدة الوطنية والوقوف الحازم ضد الذين يجنحون بالعراقيين إلى كهوف الظلام والطائفية. وهذا ما أثار خوف الاحتلال وأذهله.
أما علاقة التنظيم مع القوى الأخرى، فتتم على قاعدة من هو عميل للاحتلال ومن هو مقاوم ضده. فسلاح التنظيم يُستخدم»ضد الأمريكان والصهاينة وأعوانهم وليس لغيرهم«. كما يبارك العمل من أجل المصالحة الوطنية، على قاعدة »من يتصالح مع من؟«. وحول ذلك يرفض الحوار مع الواجهات السياسية، التي ترتبط مع القوى الخارجية والإقليمية، وتلك التي تحاول، بالتوافق مع المخطط الأميركي الصهيوني، تمزيق الشعب والوطن( ).

هـ-الإخوان المسلمون العراقيون، والحزب الإسلامي:
تاريخياً: جرت اتصالات، في نهاية الستينيات، بين الحركة الإسلامية في كردستان العراق –برئاسة الشيخ عثمان عبد العزيز مفتي حلبجة – (والقيادة الثانية للإخوان)، للتنسيق بين القيادتين على نقل المئات من الإخوان النشيطين والفعالين، إضافة إلى العسكريين، إلى شمال العراق لإقامة دولة إسلامية تحكم بكتاب الله. وتتولى -بعد ذلك- الزحف على بغداد بالاتفاق مع العناصر الوطنية والإسلامية الموجودين داخل بغداد وبقية المحافظات لإنهاء حكم البعث.
على الرغم من أن الحزب الإسلامي قد شارك في مجلس للحكم تحت وصاية الاحتلال الأميركي، يظهر أن تياراً منهم –وهو الذي أدرجناه بين القوى المقاومة للاحتلال- قد اتَّخذ موقفاً مختلفاً، يستند إلى اعتبار المتعاونين مع الاحتلال مرتدين عن الإسلام أولاً. أما ثانياً، فلن يتم تحرير العراق إلاَّ بالمقاومة:
أ-يرى هذا التيار أن أخطر عبارة وردت في دستور العراق المزيف هي »إن الإسلام مصدر من مصادر التشريع) وليس الإسلام هو مصدر التشريع في بلد 98% من سكانه مسلمون«. فهل التوقيع على دستور (الردّة) جائز؟ وهل يُعتبر هؤلاء الموقعون مسلمون أم مرتدون؟.
ب-إن إنقاذ العراق الآن ودحر الأعداء يتمثل في أمرين لا ثالث لهما أولهما المقاومة وثانيهما وحدة المسلمين سنّة وشيعة( ).

إستنتاجات
مع الاعتراف بحقوق البعثيين الذين أعدّوا للمقاومة العراقية، منذ سنوات عديدة. وباشروا العمل المقاوم فور انتهاء مرحلة الحرب النظامية. ومع حرص هؤلاء على أن تسلك المقاومة طريقاً وطنياً يضم كل أطياف العراقيين الدينية والسياسية.
ومع حرص التيارات الوطنية والإسلامية المنخرطة في المقاومة المسلَّحة، على الدعوة لبناء جبهة وطنية مقاومة والعمل من أجلها.
نرى أنه لا يمكن مواجهة الاحتلال الأميركي للعراق إلاَّ على قاعدة جبهوية تلتقي فيه شتى الأطراف المقاومة على تحديد أولويات، كخيمة سياسية، يقوم الجميع بالالتزام بتحقيق أهدافها. وقد أجمعت تلك الفصائل –تقريباً- على أنه لا أولوية تسبق تحرير العراق. أما تنوعات المشاريع السياسية لعراق ما بعد التحرير، فمنها ما هو متَّفق عليه، وفيها ما هو مختلف حوله. وهذا ما يمكن تأجيله إلى وقته، لكي تلغي تلك الفصائل عوامل الاختلال في مرحلة التحرير لتكون من بنود جدول الأعمال الأولى لما بعد التحرير.
تتأكَّد أهمية بناء تلك الجبهة من أنها تزيد بتعميق مأزق الاحتلال، حيث يبذل قصارى جهوده على إحداث شروخ كبيرة بين شتى أطياف المجتمع العراقي (وهو ما أفردنا له فصلاً خاصاً في كتابنا). وتعترف بعض الأوساط الغربية بالصعوبة الكبيرة التي يواجهها الاحتلال الأميركي، وهي »وجود صيغة سياسية تكون مقبولة، بشكل معقول، من قبل كافة الأطراف الدينية والإثنية داخل العراق«( ).
فالمهمة الراهنة أمام العراقيين إعادة كتابة عقد اجتماعي جديد يضمن بناء الوحدة الوطنية على أسس ديمقراطية وحديثة. هذه المهمة لن تكون ممكنة إلاّ إذا تعاضدت الثورتان المسلحة والسلمية في زحزحة وطرد الاحتلال وإنجاز دستور يتيح للعراقيين العيش من جديد كمواطنين أحرار في بلد يعيش كل فرد فيه كذات حرة، لا بوصفه فرداً منتسباً إلى عِرق أو طائفة( ).

ملاحق الفصل الرابع
سكوت ريتر المقاومة تعتمد أساليب النظام السابق
إسلام أون لاين.نت/ 10-11-2003
قال المفتش السابق في مقال نشرته صحيفة إندبندنت البريطانية الإثنين 10-11-2003: إن الأعمال التي تقع في العراق حاليا تحمل حقيقتين يجب أن تفهمهما السلطات الأمريكية، هما أن الأدوات والتقنيات التي تستخدم لقتل الأمريكيين خاصة بالنظام السابق، وكان قد استوردها من الخارج، وأن المقاومة ذات طبيعة عراقية وتعتمد بصفة عامة على طبيعة العراقيين أكثر من اعتمادها على العلم.
وأوضح أنه شارك في عمليات التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل في يونيو 1996 بمجمع عسكري أو مهبط طائرات مهجور في منطقة أبو غريب -غرب بغداد- كان يتبع المخابرات العسكرية، وأشار إلى أنه لم يجد أي دليل على وجود الأسلحة المحظورة، ولكنه عثر على منطقة مخصصة لتشغيل القنابل المتطورة، مشيرا إلى أن تلك القنابل تستخدم حاليا ضد الأمريكيين.
وأضاف قائلا: إنه عندما دخل إلى الموقع وجد 3 عراقيين يحاولون الهروب عبر الجدران حاملين وثائق، إلا أنه تم إلقاء القبض عليهم ومصادرة الأوراق، وقال إنه تم العثور أيضا على أوراق مشابهة في الموقع تتعلق بالقنابل.
إن بعض الأوراق كانت تشرح كيفية نصب كمين باستخدام تلك القنابل، وتصنيع القنابل باستخدام مواد تقليدية ذات قدرة تفجيرية عالية وذخيرة يستخدمها الجيش، وأشار إلى أن الأوراق كانت تحمل خططا متطورة ولكن برسومات ضعيفة وكانت توضح كيفية إخفاء قنبلة في طريق قافلة وتشير إلى زمان ومكان التفجير لإلحاق أكبر قدر من الخسارة بالقافلة.
وأضاف أنه والمفتشين لم يسمح لهم بأخذ تلك الوثائق حيث كانت مهمتهم البحث عن أسلحة الدمار الشامل، ولكنهم كتبوا كل ما رأوه عندما وصلوا إلى سيارتهم، ووصف تلك الأوراق بأنها »برنامج عمل لما اعتبره تمرد ما بعد الحرب الذي تواجهه الولايات المتحدة في العراق حاليا«.
ورأى الخبير أن مستخدمي ذلك الأسلوب من المتفجرات هم الموالون للرئيس صدام حسين، وأنه وجد أدلة على ذلك خلال عمليات التفتيش التي شارك بها في مناطق متفرقة. وأشار ريتر إلى أن تلك القنابل أصبحت ظاهرة ترعب الجنود الأمريكيين الذين يشاركون في دوريات بالعراق، وأوضح أن القنابل نقلت المعركة إلى فخاخ مجهولة أو مقامرة مرهقة للأعصاب على الطرق السريعة، يخوضها الجنود الأمريكيون عندما يدخلون إلى عرباتهم، ويسأل كل جندي نفسه ما إذا كانت هذه الرحلة هي الأخيرة في حياته.
***
»تقرير أمريكي : 120 ألف عراقي على قوائم الاغتيال التي أعدها البنتاجون«:
13‏/01‏/2004 نيوز أرشيف:
وضعت سلطات الاحتلال الأميركي في العراق قائمة تضم 120 ألف شخص على قوائم الاغتيال وذلك في التقرير الذي كتبه روبرت دريفوس في العدد الأخير لمجلة (أمريكان بروسبيكت) المهتمة بالسياسات غير المعلنة للإدارات الأمريكية في عددها الصادر في 1/ يناير 2004م. وأكد التقرير أن 3 مليار دولار اقتطعت من الاعتمادات المالية الجديدة التي اقرها الكونجرس -في نوفمبر 2003م، لتغطية نفقات الحرب في العراق وتبلغ 87 بليون دولار- لتشكيل وحدة شبه عسكرية تخضع لإدارة قوات الاحتلال تقوم بإحياء خطة فينكس للاغتيال وهو يعني القيام بتنفيذ عدد من هذه الاغتيالات التي يتم الإعداد لها الآن.
وأورد التقرير تصريحاً لفينسنت كانيسترارو الرئيس السابق لجهاز مكافحة الإرهاب في المخابرات المركزية الأمريكية قال فيه: من الواضح أنهم يعدون لتكوين فرق مشتركة لتقوم بأعمال تشبه فينيكس السابقة في فيتنام0 وهذه الخطة هي جزء من المحاولات اليائسة لإنقاذ الوضع المتدهور في العراق مشيراً إلى أن صقور الولايات المتحدة داخل أروقة البنتاجون وفى مكتب نائب الرئيس ديك تشيني يعكفون على إحيائها، ولا يخفون قلقهم من عجز الولايات المتحدة أمام هجمات المقاومة العراقية وهو ما قد يجعل فريق الأمن القومي يجبرون بوش على إنهاء (العملية) بأكملها العراق.
وأشار التقرير إلى أن خوف صقور البنتاجون من المقاومة العراقية جعلهم يخططون لتنفيذ عدد من الخطط الحربية المكثفة للاتحاد مع برنامج متطرف جديد مضاد للمقاومة سيمول بمبلغ 3 مليار دولار مثل برنامج مصنف للقوات الجوية . ردَّ أحد الاستراتيجيين من المحافظين الجدد عن كيفية التعامل مع العراق قائلا لم يعد هناك وقت للطف واللياقة في المعاملة0 فيجب أن نقتل هؤلاء الذين يصيحون السقوط لأمريكا ويرقصون في الشوارع عندما تهاجم أمريكا 0 فاحتلال الولايات المتحدة للعراق يشبه فيتنام في أكثر من موضع0 فالقوات الأمريكية إذا ما هوجمت عادة ما ترد الاعتداء بإطلاق نيران عشوائية لتحصد المقاتلين والأبرياء معا.
***
»النعوش العائدة من العراق تملأ مستودع الجثث الأمريكي بدوفر«:
12‏/01‏/2004 رويترز:
لا تسمح السلطات الأمريكية لوسائل الإعلام برؤية الصناديق التي تصل إلى مدرج قاعدة دوفر الجوية بسبب رقابة كان البنتاجون فرضها لأول مرة عام 1991 وأعادها مرة ثانية في مارس الماضي. ويقول مسئولو البنتاجون ان السياسة تستهدف حماية خصوصية عائلات الجنود القتلى. لكن خبراء السياسة يقولون ان المسئولين العسكريين يخشون أيضا من ان صور النعوش ستقوض التأييد الشعبي للسياسة الأمريكية. وقال الكولونيل المتقاعد بالقوات الجوية سام جاردنر وهو من اشد منتقدي إدارة بوش بأن الافتراض العام هو انه إذا شاهد الناس الخسائر رأي العين فسينتهي تأييدهم للحرب، مؤكدا ان الخوف من الصور هو من تداعيات مسألة فيتنام.
***
ثلاثة أرباع الجنود الأميركيين الذين يخدمون في العراق لا يعتزمون تجديد عقودهم
17‏/10‏/2003 ميدل ايست اونلاين – واشنطن:
أفاد تحقيق أجرته نشرة (ستارز اند سترايبس) للجيش الأميركي أن معنويات الجنود الأميركيين الـ130 ألفاً في العراق هبطت نسبياً بالنسبة إلى ثلاثة أرباع الجنود الذين لا يعتزم نصفهم تجديد العقود. وجاء في التحقيق الذي نشر الأربعاء وأجري في شهر آب/أغسطس وشمل 1935 جنديا في خمسين معسكراً في شمال العراق وجنوبه ووسطه، أن معنويات نحو 34% من الجنود الذين شملهم التحقيق هابطة أو هابطة جداً في حين يرى العسكريون الآخرون أنها متوسطة. ويرى اكثر من ثلث الجنود ومعظمهم من الاحتياط أن مهمتهم »غير واضحة« أو »غير محددة إطلاقاً«.
وقالت صحيفة واشنطن بوست إن نتائج الاستطلاع تقف على خط النقيض مع تصريحات المسؤولين الأمريكيين والبيت الابيض، والتي تتحدث عن معنويات عالية للجنود المنتشرين في داخل العراق.
ومع أن النتائج لم يتم تحليلها في سياق علمي واضح إلا أن تردي المعنويات له علاقة بالمصاعب والهجمات اليومية التي يتعرض لها الجنود، والظروف الجوية، إضافة إلى مدد الخدمة الطويلة للجنود، وقالت الصحيفة إن هذه الظروف تهدد بحدوث رحيل جماعي عن الجيش الأمريكي.
وكانت إدارة الرئيس جورج بوش قد شنت حملة إعلامية في الأسابيع القليلة الماضية، لامت فيها الإعلام على نقل الجوانب السلبية للحرب على العراق. ووصف بوش معنـــويات الجنود الأسبوع الماضــي قائلاً إنها عالية، مؤكـداً أن الحياة في العراق أحسن مما كانت عليه وأكثر مما تعتقدون، فقط اسألوا الذين كانوا هناك .
فيما قال آخرون إن قادة الجيش طلبوا منهم عدم الحديث مع الشخصيات الرسمية، وذلك خشية أن يقولوا شيئاً غير الذي قاله القادة لهم. وأشارت الصحيفة الرسمية للجيش أن بعض الجنود الذين اشتكوا من تراجع معنوياتهم للقادة، واجهوا عقوبات. ولاحظت الصحيفة حالة تدن للمعنويات واسعة إلا أنها أشارت إلى أن معنويات جنود المشاة أقل من معنويات القوات الجوية.
ومع أن البنتاغون أكد أنه لا يوجد أي مظهر من مظاهر تراجع الانضمام للجيش إلا أن الصحيفة تتوقع نزوحاً جماعياً قريباً. وأشار معلقون إلى أن الاستطلاع أجري في الوقت الذي علم فيه الجنود بتمديد مهامهم بالعراق.
***
»مفاجأة يطلقها كاتب أمريكي: مقتل وإصابة 22 ألف جندي أمريكي في العراق«
(ترجمة: دعاء محمود):
أعدت شبكة 'سي. إن. إن' الإخبارية تقريرا مهما حول ارتفاع معدلات انتحار الجنود الأمريكيين في العراق علي وقع ضربات المقاومة العراقية وبشاعة الجرائم التي يرتكبها جنود الاحتلال ضد الشعب العراقي الأعزل.
وفي هذا الإطار كشف دكتور ويليام وينكيفويرد مساعد وزير الدفاع الأمريكي لشئون الصحة عن وجود حوالي 1200 جندي في القواعد الأمريكية يعانون من أمراض نفسية نتيجة الحرب، مشيرا إلى معاناة أكثر من 400 جندي آخر من اضطرابات عقلية من بين 10 آلاف جندي تم إجلاؤهم من الأراضي العراقية بسبب الإصابات. وأشار المسئول الأمريكي إلى وقوع 21 حالة انتحار بين الجنود الذين شاركوا في حرب العراق عام 2003 فقط.
وبدأ جيش الاحتلال الأمريكي مؤخرا تقديم عون طبي مكثف للجنود العائدين من الخدمة في أفغانستان بعد ارتفاع ظاهرة قيام العديد منهم بقتل زوجاتهم والانتحار.
وكان موقع 'جنود من أجل الحقيقة' الذي أنشأه أهالي المقاتلين الأمريكيين في العراق قد نشر تحقيقا مهما عن عدد الضحايا الأمريكيين في الحرب سواء القتلى أو المصابون جاء فيه:
نسمع كل يوم أن جنديا أمريكيا لقي حتفه أو فقد أحد أعضائه في العمليات العسكرية فإذا لم ير البعض منا العلم الأمريكي بنجومه الزرقاء يظن أن تقارير الإصابات الحادثة في العراق وكأنها نشرة تليفزيونية عن الطقس في بغداد.
شعرت بالصدمة عندما أعطاني أحد مصادر البنتاجون نسخة من تقرير 30 نوفمبر جاء فيه: إنه منذ إعلان جورج دبليو بوش الحرب أصيب نحو 14 ألف جندي من قواتنا المسلحة في العراق وهو ما يعادل عدد الجنود الذين يخدمون في سلاح المدرعات وبلغ عدد الجنود المنتشرين على مسرح العمليات 135 ألف جندي أي ما يعادل خمس فرق للقتال بالإضافة إلي قوات أخرى تدعمها.
وهذا يعني أننا فقدنا ما يساوي فرقة قتال منذ مارس الماضي حيث غادر 10 % من إجمالي العدد المخصص لقيادة القتال أو دعم قوات التحالف في العراق عائدين إلى الولايات المتحدة وهم مصابون.
وأكد لي سكوت دي روس قائد النقل العسكري الأمريكي أن أجهزة النقل قامت بترحيل 3255 مصابا في المعركة و18 ألفا و717 آخرين يخدمون خارج ساحات القتال إلي الولايات المتحدة الأمريكية. وحتى 23 ديسمبر الماضي لقي 473 جنديا مصرعه متأثرين بجروحهم وأصيب 3255 آخرون بنيران معادية ومن الفئات الأساسية التي عادت إلي الولايات المتحدة ويخدمون خارج ساحات القتال وثلاثة آلاف و907 أطباء متخصصين في جراحة تقويم العظام وألف و995 متخصصا في الجراحة العامة وإجلاء ألف و197 من المرضى النفسيين وألف واثنين متخصص في جراحة الجهاز العصبي. وبلغ عدد المجندات اللاتي غادرن العراق لأسباب طبية نسائية مرتبطة بالحمل نحو 491 مجندة حيث إن هذا العدد غير مؤكد.
ويؤكد مدير النقل العسكري الأمريكي أن إجمالي عدد الجنود الذين تم ترحيلهم من العراق حوالي 21 ألفا و972 جنديا فربما يكون هذا الرقم أعلى من الأرقام المسجلة في تقارير أخرى لأنه في بعض الحالات 'ربما يصاب الجندي أكثر من مرة في المعركة فتسجل كل مرة يصاب فيها'.
إذن لم يحصل البنتاجون مرة واحدة على جائزة الدقة بشأن إعداد تقاريره المتضاربة حيث يمكن القول بثقة إن هناك ما بين 14 ألفا و22 ألف جندي غادروا العراق لأسباب طبية!!
وفي نهاية عام 2003 العسير لابد أن نسأل أنفسنا: هل تستحق نتائج هذه الحرب دماء جنودنا المحاربين؟ وهل أصبحنا أكثر أمنا بعد غزونا للأراضي العراقية؟ فبالرغم من أسر صدام وسحق رابع أكبر جيوش العالم ألم نقض كريسماس عام 2003 في حالة من أقصى درجات الاستعداد وصل إلي حد تعميم اللون الأصفر أي قبل رفع حالة الاستعداد القصوى بدرجة ويبدو أيضا أن عام 2004 يشبه العام الماضي وربما يكون أسوأ منه بكثير.
يجب أن يكون أول قرار لنا هذا العام أن نكتشف إذا ما كانت الأسباب المعلنة للحرب وهي أن العراق يطور أسلحة دمار شامل وأن صدام له علاقة بالقاعدة يمثلان تهديدا لأمننا القومي حقا فالدلائل جميعها تشير إلى العكس وهو ما أدركه الرأي العام فحتى الآن لم تقدم الإدارة الأمريكية الحالية دليلا على علاقة صدام بالقاعدة وتمويله لهجمات 11 سبتمبر!! ونريد أن نعرف أيضا لماذا يخصص للمخابرات الأمريكية مبلغ 30 بليون دولار سنويا وعلى الرغم من ذلك لم تستطع أن تقرأ الفنجان جيدا لابد أن يطوي البنتاجون صفحة من صفحات الجيش الأمريكي ويتعلم من أخطاء العملية العسكرية التي قام بها. فعندما دخل الجيش في قتال حقيقي كان جميع محركي خيوط اللعبة رموزا للشرف والنجاح ولم يكن هناك نقد للفشل أو لأي شيء قبيح أو سيئ قمنا به في تلك الحرب.
فلابد أن يطالب الكونجرس كلا من دونالد رامسفيلد وباول وولفويتز والجنرال المتقاعد تومي فرانكس بتقرير للجنة تقصي حقائق تقوم ببحث عملية غزو العراق وهل تم التخطيط لها جيدا ويجب أن تعمل هذه اللجنة بعيدا عن الأكاذيب السياسية التي حدثت أثناء التحقيق في كارثة بيرل هاربر عندما قام البعض بإجراءات خطيرة فقد على إثرها الآلاف حياتهم ووضعت الأمن القومي الأمريكي في ورطة شديدة أسدل عليها الستار لأكثر من خمسين عاما.
إن جنودنا في العراق يستحقون الحقيقة غير المزيفة وفي هذه الحالة لن تكون تضحياتهم هباء وبعد هذا فقط نستطيع أن نتحرك جميعا نحو هدف واضح هو حماية مستقبل بلدنا الفخور.
***
»تقرير سري أمريكي: المقاومة العراقية تستخدم تقنيات متقدمة في إسقاط الطائرات«
19‏/01‏/2004 مفكرة الإسلام:
‏صرح مسئولون عسكريون أمريكيون على مستوى رفيع في كل من الخليج والعراق لجريدة النيويورك تايمز الأمريكية أن القوات الأمريكية قد أجرت دراسة سرية على حالات إسقاط الطائرات المروحية الأمريكية في العراق، وأفادت بأن رجال المقاومة العراقية يستخدمون أسلحة وتقنيات متقدمة لإسقاط الطائرات، بما في ذلك صواريخ ذاتية التوجيه.
وأضافوا أن رجال المقاومة قد أظهروا مهاراتهم في استخدام أسلحة الأر بي جيه والتي تعد أسلحة توجيه يدوي بالإضافة إلى الصواريخ ذاتية التوجيه الباحثة عن الحرارة التي تنبعث من الطائرات، وهي صواريخ أرض جو وتتطلب مهارة وصيانة بصفة دورية.
وقد أظهرت الدراسة أن جميع الطائرات المروحية الأمريكية المستخدمة في ميدان القتال لا تستطيع أن تفعل شيئًا حيال ذلك، وقد نصح فريق الخبراء الذي أعد الدراسة أنه بإجراء تغييرات معينة يمكن للطيارين أن يتحاشوا النيران الأرضية بدون أن يفصحوا عن ماهية تلك التغييرات، وقد لوحظ أن الطيارين الأمريكيين قد تدربوا مؤخرًا على إجراء طلعات جوية ليلية بدون استخدام أية أضواء لتجنب رصدها من رجال المقاومة العراقية.
وكانت تلك الدراسة قد أجريت قبل الحوادث الثلاثة الأخيرة التي وقعت للطائرات الأمريكية في خلال شهر واحد، وقد أثبتت تلك الحوادث التي وقعت في الفلوجة وجهات نظر الفريق وضاعفت المخاوف من أن المهاجمين يدرسون بجد نوعية الطائرات المروحية والطائرات الأمريكية الأخرى.
وصرح أحد الطيارين بمنطقة الخليج لجريدة النيويورك تايمز قائلاً: 'أن المهاجمين قد استفادوا من حالات إسقاط الطائرات السابقة، إضافة إلى نجاحهم استراتيجيًا في كل مرة ينجحون في إسقاط طائرة أمريكية، لأن ذلك قد أصبح محور حديث وسائل الإعلام، وتصاعدت التساؤلات حول من الذي انتصر حتى الآن، مما يرفع من معنويات المقاومة العراقية'.
وصرح مسئولون أن عمليات إسقاط الطائرات قد دفعت الجنرال ريكاردو شانسيز كبير القادة العسكريين الأمريكيين في العراق إلى إجراء دراسة على جميع حالات إسقاط الطائرات بهدف رصد التقنيات والأسلحة التي تستخدمها المقاومة العراقية ونقاط الضعف في وسائل الدفاع والتقنيات المضادة والتكتيكات العسكرية الأمريكية.
وأكثر ما يقلق القادة العسكريين الأمريكيين هو استخدام المقاومة العراقية في أكثر من مرة لصواريخ SA-16 المحمولة على الكتف، والمزودة بأنظمة توجيه ذاتي يصعب إبعادها أو انحرافها أكثر من أية صواريخ أخرى مثل التي من طراز SA-17 والأر بي جيه التي يستخدمها المهاجمون أيضًا.
ومنذ 25 أكتوبر الماضي تم إسقاط 9 طائرات عسكرية أمريكية، مما أدى إلى مصرع 49 جنديًا في تلك الحوادث. وقد صرحت السلطات العسكرية الأمريكية في 2 يناير الجاري أن قاذفات الآر بي جيه أو الصواريخ أرض جو قد أسقطت طائرة من طراز OH-58 المروحية التي تستخدم في الاستطلاع مما أدى إلى مصرع قائدها، ومن المعروف أن تلك الطائرات الاستطلاعية متقدمة للغاية ويصعب رصدها.
وبعد ذلك بستة أيام ضرب صاروخ من طراز SA-7 أو SA-16 طائرة من طراز UH-60 بلاك هوك التي تستخدم في عمليات إخلاء الجرحى، مما أدى إلى مقتل طاقمها المكون من 10 جنود أمريكيين، وفي الثلاثاء الماضي أدت نيران أرضية إلى إسقاط طائرة من طراز أباتشي AH-64 وقد نجا الطياران اللذان كانا على متنها. وقد صرح أحد كبار المسئولين الأمريكيين في العراق أنه 'لم يتبين بعد إذا ما كان ما تمر به القوات الأمريكية هو فترة من الحظ العاثر أم أن الأمر أكبر من ذلك، ولكن المؤكد أن ما يحدث يقلقنا'. وقد رأس الكولونيل ستيفان ديوار فريق العمل في تلك الدراسة، وهو لواء بمركز الطيران العسكري بولاية فلوريدا، إضافة إلى 12 خبيرًا في الطب الشرعي والأسلحة والمقذوفات ومحللي التصادم ومتخصصين في الطائرات المروحية، وقد قضى الفريق ما يقرب من أربعة أسابيع في العراق وقد زاروا كافة مواقع تحطم الطائرات وأخذوا عينات من التربة للتحليل كما أجروا حوارات مع الطيارين الأمريكيين الذين تعرضوا إلى إطلاق نار ونجوا من تلك الحوادث.
***
»فرقة صهيونية لاغتيال الشخصيات العراقية المؤيدة لصدام«:
19‏/01‏/2004 مفكرة الإسلام :
‏كشفت مصادر تركمانية مطلعة في شمال العراق النقاب عن أن جهاز الموساد الصهيوني قام بتشكيل فرقة اغتيالات لتنفيذ مهام اغتيالات لكوادر وشخصيات عراقية تشمل شخصيات سياسية وعسكرية وإعلامية وعلمية وقضائية موالية للرئيس العراقي الأسير صدام حسين.
وأوضحت المصادر لمراسل وكالة أنباء الشرق الأوسط بشمال العراق أن قسما من هذه الفرقة التي تقدر بحوالي 900 عنصر منتشرون في الأراضي العراقية قد انتقل مؤخرا من العاصمة بغداد إلى مدينة كركوك بعد أن حقق نجاحا في تنفيذ مهام الاغتيالات المطلوبة منه في بغداد وضواحيها.
وأكدت المصادر أن مركز إدارة عمليات فرقة الاغتيالات في مدينة كركوك يقع في الوقت الراهن في منزل قريب من مبنى محافظة كركوك يقع بشارع العدنانية خلف مبنى المحافظ. وأشارت المصادر إلى أن هذه الفرقة تمتلك صلاحيات واسعة للغاية وتضم ضمن عناصرها عددا من الأكراد الذين كانت المخابرات المركزية الأمريكية قد نقلتهم من شمال العراق عام 1996 إلى جزيرة جوام.
وأوضحت أن فرقة الاغتيالات الصهيونية التي يتحدث معظم أفرادها اللغة العربية باللهجة العراقية بطلاقة، إضافة للغة الإنجليزية تقوم أيضا بعمليات تحقيق مكثف مع بعض العناصر المستهدفة قبل تصفيتها، لديها أيضاً إمكانات مادية وتقنية عالية ويرتدى أفرادها أجهزة للرؤية الليلية أثناء تنفيذ مهام الاغتيالات تجاه الشخصيات العراقية المطلوبة في أوقات الليل.
وأشارت هذه المصادر إلى أن أعضاء هذه الفرقة كانوا وراء اغتيال الدكتور عادل جابر عميد كلية العلوم السياسية إضافة لمسئوليتهم عن قتل قاض عراقي كبير في الموصل أيضا وقتل 4 عسكريين برتب عالية في مدينة كركوك قبل نهاية العام الماضي،.،
***
البنتاجون لا زال يتعمد إخفاء الخسائر الحقيقية بالعراق
‏19‏/01‏/2004 مفكرة الإسلام :
أظهر تقرير أعدته وكالة 'الأسوشيتيد بريس' أن عدد الجنود الأمريكيين الذين ماتوا في العراق منذ أن بدأت الحرب بمارس الماضي قد وصل إلى500 في أعقاب القنبلة التي انفجرت شمالي بغداد، وأسفرت عن مقتل ثلاثة جنود أمريكيين.
ونقلت الوكالة عن محلّلين بارزين أن الخسائر الأمريكية في العراق بدأت تدخل مرحلة قد تتسبّب في حدوث ردّ فعل شعبي ضدّ التدخّل الأمريكي في العراق.
وأشار 'لورانس جي. كورب' نائب رئيس مجلس العلاقات الخارجية الأمريكية إلى أن موت 500 جندي أمريكي يعطي دلالات خطيرة، وذلك على الرغم من أن القيادات العسكرية الأمريكية في العراق تنكر أنّ يكون حجم الخسائر المتصاعدة سواء في عدد القتلى أو المصابين عاملاً سيستنزف الروح المعنوية ضمن صفوف قوات الاحتلال الأمريكية.
وفي محاولة للتغطية على حالة الإحباط والخوف التي تسود بالفعل صفوف جنود الاحتلال الأمريكي بالعراق قال الجنرال 'مارك كيميت' في مؤتمر صحفي [أنا لا أعتقد أن الجنود ينظرون إلى حجم الإصابات التي تلحق بصفوفنا بصورة تؤثر على روحهم المعنوية، هم يعرفون أنّ عندهم أمة تقف خلفهم، ويعرفون أنّ عندهم جيش يقف خلفهم].
ويتزامن هذا مع تأكيد مرشحي الحزب الديمقراطي الثمانية الذين يتنافسون على مقعد الرئاسة الأمريكية أن حجم الخسائر المتزايدة هو الذي جعل إدارة 'جورج بوش' تلجأ إلى التفاوض مع الأمم المتحدة لضمان تعاونها وكذلك هو الذي يجعل الإدارة الأمريكية ترغب في التعجيل بتحويل السلطة السياسية إلى العراقيين تمهيداً للانسحاب بشكل يوحي بأن المهمة قد تم تنفيذها والحقيقة أنه الفرار الكبير. ويقول بعض المحلّلين إن الإدارة الأمريكية تسعى بكل جهدها لتقليل التأثير السياسي للخسائر الأمريكية المتزايدة بإخفاء حقيقة المعلومات التي تكشف حجم الخسائر البشرية في صفوف الجيش الأمريكي. ويشير المحلل 'دونفان جري' في هذا الصدد إلى أن وزارة الدفاع الأمريكية لازالت تواصل دورها في كتمان حقيقة الإصابات، وقال [نعرف أن عدد الجنود الذين ماتوا أو أصيبوا في العراق أكبر بكثير مما يعلن عنه، لكن وزارة الدفاع الأمريكية تتعمد الإخفاء، ونحن ليس عندنا إحصاء دقيق حول عدد القتلى او الجرحى].
ووفقاً لما يعلنه 'البنتاجون' فقد لقي حتى الآن 500 من جنود الاحتلال الأمريكي مصرعهم في العراق، منهم 347 قتلوا جراء تعرضهم لهجمات، بينما مات 153 آخرين لأسباب أخرى من بينها المرض والانتحار. وأشارت وكالة 'الأسوشيتيد بريس' إلى أن الجيش البريطاني أبلغ عن 55 حالة وفاة في صفوف جنوده، وأبلغت القوات الإيطالية عن 17 حالة، والأسبانية عن 8 حالات، والبلغارية 5، والتايلاندية حالتين، وأما كل من القوات الدانمركية والأوكرانية والبولندية فقد أبلغت عن حالة واحدة فقط.
ويرى المحللون العسكريون ان هذه الأرقام تقل بمراحل ضخمة عن الأعداد الحقيقية لخسائر قوات الاحتلال الدولية في العراق. ونقلت 'الأسوشيتيد بريس' عن البنتاجون أن حوالي 2493 جندي أمريكي قد أصيبوا بجراح منذ بدأت العمليات العسكرية ضد العراق من بينهم 395 أصيبوا في غير المواجهات أو التعرض لهجمات...
***
صنداي تايمز : فيلق بدر متورط في أعمال تعذيب واختطاف بالبصرة
27/ 1/ 2004م: (الكادر):
لندن: كشفت صحيفة بريطانية ان جهازاً مخابراتياً عراقياً جديداً مؤلفاً في الغالب من اعضاء في فيلق بدر التابع للمجلس الأعلى للثورة الاسلامية بزعامة عبد العزيز الحكيم يقوم بأعمال خطف واعتقالات وتعذيب لمشتبه بهم، وذلك بترخيص واشراف من القوات البريطانية في البصرة. وذكرت صحيفة صنداي تايمز ان العديد من المعتقلين اختفوا ولا يعلم ذووهم ما اذا كانوا على قيد الحياة او انهم قتلوا تحت التعذيب. واوضحت الصحيفة ان قوة شرطة سرية تعمل في مدينة البصرة بترخيص من القوات البريطانية التي تتولى ادارة المدينة، قامت بخطف العديد من المشتبه فيهم على حواجز تفتيش تقيمها في الطرق، او باقتحام منازلهم ليلا، وعاملتهم بوحشية وقامت باحتجازهم في ظروف اعتقال سيئة وفي بعض الحالات فانهم اختفوا مما يوحي بأنهم ربما كانوا ضحايا اعمال تعذيب مورست ضدهم حتى الموت. وقالت صحيفة الشرق الأوسط نقلاً عن الصحيفة البريطانية أن العديد من العوائل تقول ان رجالها استهدفوا من قبل جهاز مخابرات الشرطة الذي يضم اعضاء من فيلق بدر "، الجهاز المسلح التابع للمجلس الأعلى، واختطفوا بقوة السلاح ولم يعرف مصير العديد منهم. وتوجه هذه العوائل اللوم الى القوات البريطانية لانها سمحت بانشاء هذا الجهاز، لكي لا تتورط مباشرة في اعمال كالتي يمكن ان ينفذها رجال الشرطة المحليون. واعترف احد قادة الجهاز بانه استقطب اعدادا من اعضاء فيلق بدر التي اتهمت بأنها تدير فرق موت قامت بقتل العشرات من انصار النظام السابق. وقالت الصحيفة التي قام مراسلها بزيارة احد سجون المجموعة ان عناصر الفيلق ممنوعون من حمل السلاح في شوارع مدينة البصرة، الا ان مسئولا في مخابرات الشرطة اقر بان اعضاء مسلحين من فيلق بدر قدموا مساهمات في (عمليات خطرة) . واضافت الصحيفة ان صورة آية الله الخميني قائد الثورة الايرانية الراحل كانت تتصدر مقر مخابرات الشرطة، وان السجناء فيه كانوا مقيدين ومعصوبي الأعين ويجبرون على الوقوف على الحائط او يصطفون على ارضية كونكريتية ويعاملون بقسوة. وكان بعض المعتقلين يندب قدره، فيما كان الآخرون يرتعشون من الخوف. وقالت الصحيفة إن وائل عبد اللطيف محافظ البصرة يتولى قيادة هذه القوة وهو نفسه يخضع لاشراف القوات البريطانية التي تتولى المسئولية عن ادارة المحافظة. ويرتدي افراد القوة ملابس شرطة او زياً عسكرياً أو حتى بدلات وسراويل جينز وهم يقومون بأعمالهم باستخدام سيارت بيك آب من طراز تويوتا من دون لوحات تسجيل، وشوهد احد افرادها يدور حول موقف السيارات في المقر وهو يحمل سكينة صيد ضخمة. واكد عباس عبد علي نائب مدير الشرطة على الطبيعة السرية لعمل القوة. وقال: عندما نتحدث الى الناس العاديين فنحن نقول اننا رجال شرطة، ولكننا في الحقيقة نعمل لحساب الحكومة. ثلث عملنا فقط هو عمل شرطة. الباقي هو مخابرات مدنية ومخابرات لحساب الضباط المسئولين. وأضاف: لدينا عيون وآذان في كل مكان. وقد تجد رجلا يبيع سجائر في مكان ما ولكنه في الحقيقة احد رجال الشرطة السرية الذين يعملون لحسابنا. ويقول افراد عائلات أن ابناءهم اختطفوا من الشوارع بسيارات يقودها رجال مسلحون بملابس مدنية، ولم يتح معرفة مصائرهم فيما بعد. ويقول محمد ان اخاه فيصل اوقظ في الساعة الثالثة صباحا ليلة رأس السنة ليجد نفسه محاطا بعشرين عنصرا من رجال شرطة يرتدون ملابس عسكرية ومدنية مختلفة بعد ان عصفوا بباب المنزل ووضعوا مسدسا على رأسه واقتادوه الى سيارة بيك آب، وعندما سألتهم لماذا تعتقلونه قالوا انها مسألة بضعة اسئلة. ولكنهم اخذوه ولم نعرف شيئا عن مصيره منذ ذلك الوقت . وتقول بعض العائلات ان اعضاء فيلق بدر التحقوا بقوة الشرطة من اجل ان يواصلوا حمل السلاح ويفرضوا نفوذهم في المدينة. واكد متحدث باسم القوات البريطانية للصحيفة ان قوة مخابرات الشرطة معترف بها رسميا من جانب القوات البريطانية التي ساعدت في انشائها، وقال انها معروفة بأنها مكتب العمليات الخاصة . ولكنه قال نحن نعرف ان هناك طرقا محددة (في اعمال الاعتقال) من الماضي لم يتم تعلم دروسها بعد، الا انه ليس من المقبول ان يتم عصب اعين المعتقلين او ابقاؤهم قيد الاعتقال لفترات غير محددة.
***
مقارنة بين التجربتين العراقية والفيتنامية
حمزة الحسن، روائي عراقي
وليس الوحل العراقي يقترب من الوحل الفيتنامي أو يقل عنه أو حسب آخرين لا علاقة له به، بل أن الوحل العراقي هو أشد خطورة ولزوجة وقسوة من الوحل الفيتنامي. والذين ينفون هذه العلاقة هم من صنف المكتبيين الذين لم يغطهم دخان معركة إلا معارك السرير والصحف والمقاهي مع أن ضرب الرصاص، بتعبير المرحوم أبو كاطع، ليس هو نفسه رفع الأفخاذ!
ـ بداية المقاومة الفيتنامية لم تجد حتى بندقية واحدة للقتال ضد الاحتلال الفرنسي، ومع الوقت، بدأت عملية التعبئة والحشد من خلال السيطرة على بنادق العدو، ثم جاء الدعم الدولي المعروف.
-بداية العمل المسلح في العراق بدأ بأكثر من 50 مليون قطعة سلاح وقوى مدربة وجاهزة ومعبئة ومنظمة: كان الجيش الأمريكي يجد في حرب فيتنام ميزة لا يجدها في العراق وهي ميزة مهمة جدا: كان الجيش الأمريكي يقاتل معظم الأحيان قتالا جبهويا على جبهات ويواجه جيشا منظما ويمتلك مدافع وهذه المدافع والثكنات كانت عرضة للغارات والمدافع الامريكية الساحلية التي دمرت السدود والمزارع حتى بالأسلحة المحرمة.
-في العراق يواجه الجيش الأمريكي حرب عصابات مدن، تشبه من الناحية التقنية تجارب التوبامورس، والجيش الأيرلندي السري، بل أكثر قوة وقسوة من ناحية التجهيزات العسكرية.
ـ في حرب فيتنام كانت هناك قاعدة خلفية حليفة هي فيتنام الجنوبية وتمتلك جيشا وسلاحا وتقاتل مع الجيش الأمريكي.
-في العراق لا وجود لهذه القاعدة باستثناء أقلية مستعدة في كل الأزمنة للحرب مقابل ثمن. إنهم بنادق للإيجار!
-في فيتنام يمتلك الجيش الأمريكي أغلب الوقت قدرة المناورة بالقوات والحركة السريعة إلى ساحة المعركة وخوض معارك قوية بسحب العدو أو استدراجه إلى منطقة قتل.
-في العراق لا توجد ساحة معركة محددة وواضحة، وكل الساحات معارك، والعدو هو العراقي ـ ونحن هنا ندرس ظاهرة عسكرية بحيادية قدر الامكان ـ يمتلك ميزة العدو الشبح الذي يظهر ويختفي دون أي أثر. والجيش الأمريكي في فيتنام كان يمتلك صيغة فرض معركة بالضغط العسكري: هجوم جوي أو مدفعي أو قوات خاصة الخ واخراج العدو من الوكر.
-في العراق إن العدو العراقي هو من يملك ميزة جر العدو إلى معركة بشروطه هو وليس شروط العدو الأمريكي. وفي فيتنام كان لدى الأمريكان شبكة استخباراتية واسعة.
-وفي العراق شبه معدومة خاصة وانهم اكتشفوا في الفترة الأخيرة ان النماذج التي استعانوا بها كانت تعمل مع الطرفين لأن الامريكان يصرحون كل يوم أنهم لن يبقوا في العراق أكثر من سنة أو سنتين والجغرافية هي الحقيقة الوحيدة الثابتة على الأرض وكل شيء زائل!
-في فيتنام واجه الجيش الأمريكي معارك غابات وأدغال ومستنقعات وكان يجد رغم المصاعب فرصة لقتل العدو أو تدمير أعشاشه.
-في العراق لا غابات ولا أدغال (فشلت خطة تدمير أشجار شارع المطار!) بل حرب عصابات يومية مدمرة من كل الثقوب والأماكن. وكل شيء مرشح للانفجار. وفي فيتنام قاتل الأمريكيون خارج المدن معظم المعارك والأوقات.
-في العراق معارك مدن وشوارع. وفي فيتنام كانت ثكنات الجيش الأمريكي محصنة وخارج المدن.
-في العراق الثكنات في قلب المدن وهي تتعرض لقصف يومي من ضواحي بغداد مثلا دون قدرة الجيش الأمريكي على الخروج لقتالها في هذه الشوارع آخر الليل حيث السيطرة على المدن مفقودة.
ـ الذين يقارنون عدد قتلى الحرب الفيتنامية ينسون أنهم يقارنون الأرقام في أعوام الحرب الأخيرة وليس في الشهور الأولى. في السنوات الاولى من حرب فيتنام خسر الاميركيون اعدادا قليلة جدا من جنودهم (53 جنديا عام 1962، و118 عام 1963 و206 عام 1964) على الرغم من ارسالهم لمئات الالوف من الجنود.
-في العراق تبدو ارقام خسائر الاميركيين اعلاه وكأنها معدلات شهرية وليست سنوية، على الرغم من قلة عدد القوات المتواجدة في العراق وتحصنها بالمعدات الثقيلة والدروع الشخصية.
ونجيب الآن على السؤال: لماذا استيقظ فريدمان هذه الأيام وطرق الباب على رئيسه النائم وأخبره بالخطأ القاتل في اهانة مشاعر العرب؟!
الجواب: إنه الجحيم العراقي على هذا الكلب الأرقط النابح حول العالم!
***
حصيلة موثقة تؤكد مقتل ألف من جنود الاحتلال والعملاء بالعراق خلال فبراير
‏08‏/03‏/2004 نيوز أرشيف: كشفت حصيلة موثقة لعمليات المقاومة العراقية خلال شهر فبراير الماضي عن ارتفاع كبير في عدد القتلى والمصابين في صفوف قوات الاحتلال بشكل كبير، حيث قتل نحو 1006 من جنود الاحتلال والعملاء التابعين لهم فيما أصيب 1250 آخرون في مئات الهجمات التي شنها رجال المقاومة.
ونجحت المقاومة في تدمير 264 مدرعة والية عسكرية أمريكية و57 دبابة ومروحية واحدة، كما فجر رجال المقاومة ثلاثة من خطوط أنابيب النفط وقطارا عسكريا محملا بالعتاد والذخيرة لقوات الاحتلال.
ولفت التقرير إلى انه، وكنتيجة طبيعية لتلك الحصيلة الكبيرة، قررت وزارة الدفاع الأمريكية إقالة مسئول محطة وكالة المخابرات المركزية الأمريكية في العراق، خاصة بعدما طالت هجمات المقاومة الجنرال جون أبي زيد قائد القيادة المركزية الأمريكية، والذي نجا بأعجوبة من قصف بالهاون استهدف موكبه في مدينة الفلوجة وسط العراق. كما تقدم ريتشارد بيرل ابرز مهندسي ومخططي حرب احتلال العراق باستقالته من منصبه كمستشار لوزارة الدفاع الأمريكية، وهو ما اعتبره البعض محاولة من جانب الإدارة الأمريكية لإبعاد بيرل، الذي ينظر إليه كرمز للورطة الأمريكية في العراق، عن الأضواء قبيل خوض الرئيس بوش السباق من أجل الفوز بفترة رئاسية ثانية .
واعتمدت الحصيلة على ما نشرته وكالات الأنباء والصحف والفضائيات العربية والعالمية (أ ف ب، رويترز، بي بي سي، الحياة، القدس العربي، الشرق الأوسط) وما ينشر على مواقع الإنترنت (إيلاف، عراق الغد، أراب تايمز، الطريق، البصرة، العراق للجميع) إضافة إلى تقارير من الداخل ومتابعات قام بها أعضاء في الحزب الشيوعي العراقي (الكادر) في مختلف محافظات العراق .
وكانت شبكة سي ان ان الأمريكية قد أشارت في تقرير لها اليوم إلى أن أنابيب النفط العراقية تتعرض لهجمات من جانب رجال المقاومة بمعدل 49 هجوما يومياً، وأدت تلك الهجمات إلى إجهاض كافة محاولات سلطات الاحتلال لتشغيل خط أنابيب النفط الرئيسي الممتد إلى ميناء جيهان التركي، رغم مرور ما يقرب من عام على سقوط العراق تحت الاحتلال .
وفي سياق متصل، أشارت وكالة رويترز في تقرير لها في 11 يناير الماضي إلى ان قتلى الحرب الأمريكيين يعودون للوطن بمعدل منتظم وسط أجواء من الكآبة في قاعدة سلاح الجو بولاية ديلاوير التي يوجد بها أكبر مستودع جثث في العالم، لافتة إلى المستودع خلا من الجثث مرتين فقط منذ ان احتلت القوات الأمريكية العراق في مارس. وأظهر تحليل أجرته رويترز على إحصائيات البنتاجون ان عدد قتلى الولايات المتحدة في نوفمبر الماضي تجاوز عدد الأمريكيين الذين قتلوا خلال الأعوام الثلاثة الأولى من حرب فيتنام.
ويتهم المراقبون سلطات الاحتلال الأمريكية بإخفاء خسائرها الحقيقية في العراق خوفا من رد فعل الرأي العام الأمريكي، الذي كان متشككا أصلا في دوافع ومبررات الحرب في العراق. وقد كشفت صحيفة الاندبندنت البريطانية في سبتمبر الماضي أن سلطات الاحتلال الأمريكية بدأت تتمترس خلف نزعة متنامية من السرية بعد ارتفاع وتيرة قتلاها وجرحاها في العراق. وأشار مراسل الصحيفة إلى أن سلطات الاحتلال الأمريكية بدأت في الامتناع عن التصريح بحقيقة أعداد ضحاياها، رغم وجود حوادث موثقة عن سقوط قتلى من أمريكيين وغيره.
وجدير بالذكر ان المقاومة العراقية نجحت اكثر من مرة في استهداف شخصيات أمريكية بارزة رغم توجههم للعراق خفية. ونجا كل من وزير الدفاع رامسفيلد ونائبه بول وولفويتز والجنرال جون أبي زيد من هجمات محكمة من جانب رجال المقاومة. ولم يسلم الحاكم العسكري الأمريكي للعراق بول بريمر من تلك الهجمات، حيث تعرض لمحاولتي اغتيال في ديسمبر ويناير الماضيين. وكشفت مجلة نيوزويك في السادس من فبراير الماضي أن أربعة جنود شرسي المظهر ومسلحين ببنادق متطورة يرافقون بريمر عندما يحتاج إلى استعمال حجرة المراحيض الواقعة علي بعد 20 قدماً من مكتبه.
***

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق