بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 22 يناير 2010

تدمير تراث العراق وتصفية علمائه (الباب الأول)

الباب الأول

تدمير تراث العراق منهج إجرامي منظِّم

الفصل الأول
عن التراث والثقافة والحضارة

أولاً: تعريفات نظرية
1-تعريف التراث
«تعني، كلمة التراث، عند علماء الاجتماع، النظم الثقافية والعادات والتقاليد التي انتقلت من جيل إلى جيل، واستقرت في المجتمع»، وكانت (heredity) تعني إلى وقت قريب جداً «الانتقال من جيل إلى جيل بالطريق البيولوجي»، أما (heritage) فكانت تدل على «الانتقال بالطريق الاجتماعي»، وفي أواسط القرن العشرين أصبح كثير «من العلماء الأجانب يطلقون كلمة (heritage)، أو الوراثة، على كلا النوعين، ويتحدثون عن الوراثة الحيوية (biological heredity)، والوراثة الاجتماعية أو الثقافية، ويقصدون التراث الثقافي».
فـ«التراث الثقافي هو مجموعة النماذج الثقافية التي يتلقاها جيل من الأجيال عن الأجيال السابقة، وهو من أهم العوامل في تطور المجتمعات البشرية، لأنه هو الذي يدفع المجتمع إلى السير خطوة جديدة في سبيل التطور، فعن طريق دراسة ذلك الإرث يصل العلماء إلى التجديد والابتكار». «وتختلف الجماعات البشرية من حيث ضخامة إرثها الثقافي، فبعضها ذات إرث ثقافي ضخم يرجع إلى ماضٍ سحيق، وبعضها الآخر ذات إرث خفيف غير عميق، لا يكاد يرجع إلى عدة قرون»( ).
فالتراث، إذاً، هو القيمة المرجعية الأساسية للأمة، لذلك تعمل الأمم المستحدثة بصورة هجينه على اصطناع، ومحاولة خلق تقاليد، تشكل لها ماضياً تمكن مقارنته بالتراث. وعلى سبيل المثال فإن زوار المتحف القومي الأميركي ينقلون دهشتهم لعدم احتواء هذا المتحف على ما يمكن تسميته بالآثار أو بالتراث. حتى إن مدخل المتحف يحتوي على مكتب بريد من طراز مجمعات رعاة البقر لما يمض عليه سوى بضعة عقود.
والمسألة التراثية هي هاجس إنساني لا يهم فقط الأمة صاحبة التراث، بل يهم الإنسان الذي يعيش ثمار تراكمية المعارف في التراث الإنساني بحضاراته المتعاقبة المختلفة. وتراثنا العربي هو جزء من أهم أجزاء هذا التراث الإنساني( )؟...
2-تعريف الثقافة:
الثقافة هي استجابة الإنسان لإشباع حاجاته الضرورية... مثل المأكل والمشرب والملبس... والمعيشة في طمأنينة، واتقاء الأمراض وإشباع الدوافع الجنسية... والرغبة في التعلم والمعرفة، والحيوان يلجأ إلى غريزته، والإنسان إلى عقله ليبدع له وسائل وطرقاً ينظم بها تلك الحاجات، والإنسان ينشئ تلك الوسائل، ويغيِّر فيها، ويتعلمها عن أجيال سابقة... فالثقافة تتميز بثلاث خصائص رئيسية:
-أنها إنسانية.
-أنها تنتقل من جيل إلى جيل، أو من وسط اجتماعي إلى وسط آخر، ويضيف إليها نماذج جديدة.
-أنها قابلة للتعديل والتغيير، وفق ما يحيط بالإنسان من ظروف خاصة جديدة.
فالثقافة تشمل نماذج الحياة الاجتماعية بأسرها: كالنماذج العائلية والاقتصادية والدينية والأخلاقية والتربوية والجمالية والسياسية واللغوية والعلمية( ).

3-تعريف الحضارة:
ثمة معان كثيرة لكلمة حضارة، ولم يُتَّفق على معنى واحد لها، بل اكتسبت مفهومين عامين:
-الأول: هي «شكل من أشكال الثقافة» نجد منها ثلاثة: استخدامها بمعنى واحد مع الثقافة، أو هي الثقافة حين تتميز بخصائص معينة، أو عندما تبلغ درجة واضحة من الرقي.
-الثاني: مقاربة الحضارة مع الثقافة، فالثقافة تنكمش حتى تصير معبِّرة عن الأفكار، بينما الحضارة تدل على المبتدعات الإنشائية.
يفرِّق علماء القرن العشرين بين الثقافة والحضارة دون إصدار أحكام قيمية على شعوب متحضرة أو غير متحضرة، إذ لكل شعب حضارته بدائياً كان أم متطوراً. وثمة علماء يفرقون بينهما على أساس الكم لا الكيف، فيعتبرون الحضارة شكلاً معقداً من أشكال الثقافة.
ويبدو أن جميع من فصلوا الحضارة عن الثقافة قد تأثروا بعلماء الألمان الذين فرَّقوا تفرقة دقيقة بين المجالين من مجالات المبتدعات الإنسانية. وأنشأ (ألفرد فيبر) علماً خاصاً لدراسة مجاليهما سماه «علم الاجتماع الثقافي (culture sociologie)» يذهب فيه إلى أن الحضارة تقوم على العقل ولا وطن لها، أما الثقافة فأساسها العاطفة والقيم الروحية وهي متحررة من العقل، وتعبر عن روح الجماعة التي تنشأ بها( ).
وبالإجمال فإن من يفرق بين الحضارة والثقافة، يعتبرون أن الثقافة تتعلق بالنواحي الروحية والقيم الجمالية والفنون، بينما تتعلق الحضارة بنماذج الحياة المادية، والنماذج العلمية، أي بنماذج العلوم التي تعالج المادة الطبيعية والكيمياء، أي أن الحضارة جزء من الثقافة. بينما لا يميز العلماء الأميركيون بينهما. أما العلماء الفرنسيون فيطلقون لفظ حضارة (civilization) على الثقافة والحضارة معاً( ).

4-أسس العلاقة بين التراث والثقافة والحضارة:
من خلال استعراض التعريفات الثلاث: التراث، الثقافة، والحضارة، نجد أن تحت مصطلح التراث تقع كل من الثقافة والحضارة. فالكلام عن التراث هو بذاته كلام عن الثقافة والحضارة. وعندما نعمل على حماية التراث، أو الاستفادة منه، فيعني ذلك أننا نقوم بحماية الثقافة والحضارة، وتطويرهما والتجديد فيهما.
وإذا كانت الحضارة جزءاً من الثقافة، وهي مجال من مجالاتها، فيعني أن إغناء الحضارة وتطويرها، والتجديد فيها، هو إغناء للثقافة والتجديد فيها وتطويرها، وهذا بحد ذاته إحداث تراكم جديد في التراث.

5-حماية التراث مهمة قومية وإنسانية:
وتأتي مسألة حماية التراث من أهم ما على أمة من الأمم أن تقوم به. فتدمير التراث، أي تدمير معالمه، هو تدمير حلقات التواصل المعرفي في داخل الأمة الواحدة.
ولما كانت المعارف الإنسانية يتم إغناؤها عن طريق التواصل المعرفي بين الأمم، فتكون مسألة حماية تراث الأمم الأخرى مهمة إنسانية. وهذا ما لحظته الاتفاقيات الدولية، وكانت من أهمها اتفاقية العام 1954، المعروفة باسم « اتفاقية لاهاي 1954: الاتفاقية الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية في حالة وقوع نزاع مسلح» والبروتوكول الملحق بها « البروتوكول الثاني اتفاقية لاهاي لعام 1954 ‏الخاصة بحماية الممتلكات الثقافية في حالة نزاع مسلح لاهاي، 26 مارس / آذار 1999».
وعلى أساس تلك المبادئ، أين يقع التراث العراقي في مكاييل الاحتلال الأميركي للعراق؟

ثانياً: الثقافة والحضارة في مفاهيم اليمينيين الجدد
1-للحضارة في مفاهيم اليمينيين الأميركيين الجدد سقف نهائي:
اختلف العلماء عبر التاريخ حول تعريف مصطلحيْ الثقافة والحضارة، ولكنهم اتفقوا على أنهما يخضعان لعملية نمو وتجديد جدلي، على أساس التفاعل بين الأجيال الجديدة وتُراث مجتمعاتهم من جهة، وتفاعلهم مع الثقافات والحضارات الأخرى من جهة أخرى، ولم يشيروا إلى أن للتطور والتجديد سقفاً زمنياً محدداً تحديداً دقيقاً.
إن هذه الحقيقة تدل على أن حوار الثقافات في داخل المجتمع الواحد أمر ضروري، وتمنع هذه المسلمة من يزعم أن ثقافته تعبر عن الحقيقة المطلقة من الاستمرار في زعمه وتدفعه إلى فتح أبواب الحوار بين التعدديات الثقافية في المجتمع الواحد.
كما أن تلك الحقيقة تدل على أن الحوار بين ثقافات المجتمعات أمر مطلوب من أجل تنمية روحية التلاقح بين شتى ثقافات الأمم، التي من دونها لا يمكن، في عصر العولمة، تقريب التعدديات الثقافية إلى دائرة التلاقي والاتفاق على ثقافة تحول دون حالة الاحتراب والصدام، أو تخفف من حدتها مرحلة تلو مرحلة.
تلك حقيقة أكدتها وقائع المراحل التاريخية منذ التكوين الأول للجماعة البشرية على الأرض، ولا نستثني من ذلك ما جاءت به الأديان السماوية، أو تلك التي سبقتها بمراحل تاريخية مما كانت تُسمى مراحل عبادة الظواهر الطبيعية أو عبادة الإله – الإنسان.
وباستثناء ما تعتقد به الأديان السماوية، أن ما جاءت به من تشريعات اعتبرتها إلهية تعبِّر عن الحقيقة المطلقة، والتي برهنت متغيرات الثقافة في العالم أنه ليست هناك حقيقة مطلقة، وليست هناك مقدسات ثابتة، فإن سائر الفلسفات العالمية اعتبرت أن مجالات التغيير الثقافي مفتوحة أمام البشرية. وليس هذا فحسب، بل إن التطوير الثقافي والتجديد في الثقافة أيضاً إنما هما معياران أساسيان في النظر إلى حقائق الكون.
خلافاً لكل تلك الحقائق - الثوابت، برزت على سطح الفكر الإنساني دعوة، مصدرها الولايات المتحدة الأميركية، تنفي وتتنكر لحقائق الفكر التي أثبتتها كل مراحل التاريخ، وهي الدعوة العقائدية التي تبنتها جماعة اليمنيين الأميركيين الجدد، التي تدعو إلى إغلاق بوابات التطور والتجديد أمام الفكر الإنساني إذ اعتبرت أن بوابات الديمقراطية الرأسمالية هي البوابات الوحيدة المفتوحة للدخول إليها، وبها تنتهي عملية التطور المعرفي عند الشعوب كافة، وحسبتها أنها المقدَّس الوحيد الذي على البشرية كلها أن تعتنقه.
وكأن وضع النهج الفلسفي الاعتقادي الأميركي لليمينيين الجدد مقدسات أخرى تعمل على فرضها بديلاً عن مقدسات الأديان السماوية، وبالضد من الفلسفات التي رفضت وجود حقيقة مطلقة. تستند خطورة هذه الدعوة إلى العوامل التالية:
-إنها مدعومة من قبل أكبر أنظمة العالم قوة مادية، وأكثرها تطوراً حضارياً في شتى مناحي الحياة المادية للبشرية.
-وازدادت خطورة عندما وضع النظام الأميركي إستراتيجيته موضع التطبيق من خلال تصديرها وفرضها بقوة السلاح على شعوب الكرة الأرضية.
لم تكن تلك النزعة منفصلة عن التكوين الإيديولوجي للنظام السياسي الذي يحكم الولايات المتحدة الأميركية منذ نشأته الأولى قبل خمسة قرون تقريباً. وكي لا نضع كل الوزر على عاتق اليمينيين الأميركيين الجدد، نرى أن أيديولوجيتهم هي استمرار أكثر تطرفاً لإيديولوجية النظام الأميركي، فعلى رقاب تلك الإيديولوجيا نعلِّق الوزر أيضاً، ونحسب أن عقيدة اليمينيين هي نتاج التطرف الإيديولوجي الأميركي بشكل عام، وبشكل خاص تمثل أيضاَ أعلى درجات التطرف في نظام أميركي هو متطرف بدوره.
إن إثبات ذلك يقتضي من الباحث أن يستقصي تطور المنظومة الثقافية، والحضارية، للنظام الأميركي، تلك المنظومة التي تفسر لنا أسباب وأهداف ما قامت به الإدارات الأميركية المتعاقبة على الساحة العربية منذ وطأت أول قدم أميركية تلك الأرض، والتي كانت أولى خطواتها العملية قد تمت بعد الحرب العالمية الثانية في أواخر النصف الثاني من القرن العشرين، وإن كانت طلائعها الخجولة تعود إلى أواسط القرن التاسع عشر.
إن تاريخية تكوين الإيديولوجيا الأميركية تثبت جملة من الحقائق، وهي:

2-تأسيس النظام الأميركي على قاعدة تفوق العرق الأبيض:
قام النظام الأميركي، منذ تأسيسه، على قاعدة تفوُّق العرق الأبيض، وهو امتداد لمفهوم نظرية التميز والتفوق العرقي. وقد انبثق عن ثنائية (العرق الأبيض في مواجهة الأعراق الأخرى)، وثنائية (السيد والعبد)، فالسيد هو الأميركي الأبيض أما العبد فهو كل شعوب العالم الأخرى. ولأن نظرية السيد تعني «الإنسان المتحضر»، ونظرية العبد تعني «الإنسان المتوحش»، إذ يحق لـ«لسيد» أن يُخضِع «العبد» بأية وسيلة. ولهذا انغرست في الإيديولوجيا الأميركية مفهوم «إبادة الوحوش» لتخليص البشرية من شرورها، ودافعهم وضع ثروات العالم في خدمة «الرجل الأبيض المتحضر». فكانت الولايات المتحدة الأميركية، ومازالت، الدولة «الأشد دموية وعدوانية عبر التاريخ الإنساني كله ،منذ أن بدأت تتشكل وحتى الآن، أي منذ إبادة الهنود الحمر إلى العدوان على العراق».
تواصلت الإيديولوجيا الأميركية ، منذ ما يُعرَف بالاستقلال الأميركي، استناداً إلى ثنائيات (العرق الأبيض والأعراق الأخرى، و(السيد والعبد)، و(الإنسان المتحضر والإنسان المتوحش). واستمرت آليات الصراع على قاعدة تشريع مبادئ: «إبادة الأعراق الأخرى، أي أن ثنائية العبيد والمتوحشين، هي رسالة إنسانية وإلهية».
وارتقى مفهوم الإبادة إلى مفهوم «الاستعباد»، ويعني أنه لأجل توفير اليد العاملة التي تخدم «الإنسان المتحضر» تسمح الإيديولوجيا الأميركية باسترقاق الأعراق الأخرى لوضعهم في خدمة الأسياد البيض. وتستند تلك المفاهيم إلى عمق تاريخي سادت فيه «نظرية ترويض العبيد» التي تعود أصولها إلى بداية (النهضة الأمريكية) التي قامت «على جثث ودماء وجهود الأفارقة الذين تم اصطيادهم مثل الحيوانات من الغابات والمنازل، أو تمَّ شراؤهم من الأسواق». وهي بالإجمال «قضية وجود مفهوم نظري، يرى فيه الأمريكي أن من حقه إبادة الشعوب الأخرى، واسترقاقها وتخويفها وإرهابها ،باعتباره (رجل ابيض) متفوق حضارياً على الآخرين»( ).
لقد جنى «أبوات الرأسمالية الأميركية» ثرواتهم على جماجم الشعوب، وعلى أنهار من الدماء( )، وارتكاب أعتى الجرائم، وأشدها دموية في تاريخ البشرية، وتسويغ ارتكابها تحت أغلفة إنسانية، وفَّر لها وسائل إعلامية تظهرها بأنها شرعية وأخلاقية، بل واجباً إنسانياً، وإلهياً أحياناً. وهناك مبادئ إعلامية عشر يطبقها الإعلام الأميركي( ).
لم تقتصر الإيديولوجيا الأميركية، فيما له علاقة بثنائية (السيد والعبد)، على تُراث تاريخي طويل فحسب، وإنما عقد النظام الأميركي أيضاً تحالفات مع ما يسميه (فرانك براوننغ) في كتابه (الجريمة على الطريقة الأمريكية) بـ«السلطة السادسة»، أي تلك التي يمارسها عالم محترفي إجرام يعملون في خدمة الصناعيين والسياسيين. ووظيفتها ليست إفساد القوى الاجتماعية الأخرى وحسب، بل إنها تؤلف سلطة مستقلة تقاوم السلطات الأخرى أيضاً. وليست تلك السلطة إلاَّ سلطة عصابات المافيا في نيويورك( ).

3-تأسيس النظام الأميركي على قاعدة تفوق الطبقة الصناعية وحق الشركات الكبرى في حكم أميركا:
من الثابت أن غزوات الاستيطان الأوروبي للقارة الجديدة، أميركا، في العام 1492، كانت البداية في تأسيس دولة الولايات المتحدة الأميركية، ومن المستوطنين وانتمائهم الطبقي تشكل النظام السياسي للدولة الأميركية الجديدة منذ إعلان الاستقلال الأميركي، في 13 أيلول/ سبتمبر من العام 1783، ثم إلى قيام اتحاد فيدرالي في العام 1787، ضم إليه جميع الولايات الموجودة الآن.
وإذا عرفنا أن التدفق الأوروبي إلى أميركا قد طهَّر تلك البلاد من الهنود الحمر، سكانها الأصليين، نستطيع أن نخمِّن ماهية الطبقة التي سيطرت على النظام السياسي الأميركي، وأن نحدد علاقة إيديولوجيتها بالشعوب الأخرى.
وعن هذه المسألة نستخلص من بحوثنا السابقة النتائج التالية(*):
منذ الربع الأخير من القرن التاسع عشر، اهتم الشماليون في أميركا بالانتعاش الاقتصادي والتطور الصناعي، الأمر الذي جعل من الولايات المتحدة الأميركية أكبر قوة اقتصادية في العالم. ولعدم وجود قوانين لتنظيم الإنتاج والمتاجرة، فقد حوَّلت الشركات الكبرى نفسها إلى اتحادات (تروستات) كبرى سيطرت على مجمل الحياة الاقتصادية الأميركية؛ وطبَّقت مبدأ داروين القائل: »إن الأقوى والأكفأ في الصراع مع الحياة هو المنتصر«.
ولكي يضمن أصحاب الشركات الكبرى الاستمرار في سيادة رأس المال، اندفعوا للهيمنة على القرار السياسي، من خلال السيطرة على صانعيه، وفي المقدمة منهم رؤساء الجمهورية، ولهذا قلَّما وُجد رئيس أميركي يهتم بشؤون العمال( ).
وتصاعدت وتيرة مشروع السيطرة على القارة الأميركية برئاسة الجنرال غرانت (1869 –1877) عندما وضعت الولايات المتحدة مشروع السيطرة على القارة بأكملها، تحت شعار »الدفاع عن الديموقراطية«، ووضعت سياستها هذه موضع التنفيذ بواسطة العصا الغليظة. ولم يجد الرئيس الأمريكي (تافت) حرجاً في أن يعلن في العام 1912م: »سنمتلك القارة بأكملها كما نحن نمتلكها الآن معنوياً بفضل تفوقنا العرقي«( ).

4-إيديولوجيا الشركات الصناعية الحاكمة تحفر في ثقافة الشعب الأميركي:
إن قروناً من الحفر في ثقافة الشعب الأميركي، من خلال سيادة المؤثرات العملية، في العلاقة بين صاحب العمل كصانع للثقافة والعامل كخاضع للابتزاز بلقمة عيشه، سادت إيديولوجيا أصحاب الشركات، إلى حد كبير، على الثقافة الشعبية الأميركية.
لذا تستند الثقافة الشعبية الأميركية إلى موروث تاريخي، وهو: »أن الناس حول الأمريكان البيض هم الذين يموتون دائماً، فالأمريكان البيض لهم حق العيش برفاهية، أما الآخرون فليس لهم هذا الحق. وبهذا »نمت في وجدان الأمريكي الأبيض وصارت أسلوباً أساسياً في التفكير«.ففرضت النخبة الاقتصادية نفسها سيداً على أبناء لونها من الطبقات الوسطى والفقيرة، وراحت تصنع منها أداة لتنفيذ مخططاتها الطبقية؛ فصنعت طبقة أصحاب الشركات العملاقة من الطبقات الأميركية الأخرى عبيداً تخضع لنزوات شبقها الاقتصادي، وبذلك تكون النخبة الاقتصادية الأميركية قد فرضت إيديولوجيتها الخاصة القائمة على قاعدة »البقاء للأقوى« داخل مجتمعاتها، وراحت تعمل على تصديرها إلى خارج الولايات المتحدة الأميركية على قاعدة »أمركة العالم( )«، بقوة التفوق الاقتصادي أولاً، وبقوة السلاح المتطور ثانياً.
5-آليات حماية إيديولوجيا الشركات الحاكمة ووسائل تطبيقها:
منذ العام 1919م، رعت عائلة روكفلر »مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك«، وتحوَّل –فيما بعد- إلى مؤسسات عديدة من أجل وضع الدراسات السياسية والإستراتيجية التي ترشد الشركات الكبرى لتحصين مصالحها وتوفير الحماية لها. ولذلك استقبلت آلاف المؤهلين لصناعة التفكير وقامت بإغرائهم وتوظيفهم. وأنشأت مئات المؤسسات، كمثل: روكفلر، وراند، وكارنيجي… وكان من أهم وظائفها: اكتشاف ورصد الفضاءات التي تخدم مصالح الشركات الكبرى. وإقامة علاقات تقارب مع دوائر القرار السياسي( ).
بالإضافة إلى مؤسسات الأبحاث، حفرت النخب الاقتصادية الأميركية علاقة متينة مع عدد من المبشرين الدينيين (هذا إذا لم تكن هي التي أنتجتهم)، وهي حالة أنموذجية للتواصل المباشر مع الناخب الأميركي بما للتبشير الديني من تأثير بالغ الأهمية.
6-من آليات الحماية وضع خطة لاستئصال الأفكار المعادية:
وقبل أن تستفحل ظاهرة اليسار الأميركي، الذي نشأ على وقع حرب فيتنام، خاصة وكان له التأثير البالغ –بمساعدة من الشارع العالمي- في إخراج مشروع الهيمنة الأميركية مهزوماً من تلك الحرب، راح كارتل الشركات الكبرى، مستعيناً بمراكز الدراسات التابعة له، يرسم مخططاً جديداً يتَّسم بالنفس الطويل كي تأتي خطواته مضمونة التحقق. وهذا ما حذَّر منه لويس باول؛ ودعا إلى مكافحة خطر الشيوعيين واليساريين وغيرهم من الثوريين الذين يسعون إلى تدمير النظام الأميركي الاقتصادي والسياسي. ودعا ليس إلى استعادة السلطة التي اهتزَّت بعد حرب فييتنام فقط، بل إلى تعزيز سيطرة مستديمة على »السياسة والمجتمع الأميركي« أيضاً، من خلال إنشاء »منظمات يتم التخطيط لأهدافها«( ). على أن توظِّف الباحثين والصحف والكتب والمقالات والرسائل النقدية لتصويب الخلل الناتج من حرم الجامعات. وبها تشن الحرب ضد الثقافة المضادة.
وضع لويس باول الأساس الفكري لما سُمِّي بـ»حرب الأفكار«. وتأثَّر، بنصه، المتمول ريتشارد سكايف ميلون(*). وفي العام 1973م، أقام مؤسسة »تراث« (Heritage) لكي تشكل السلاح الذي يسمح بالفوز في »معركة الأفكار«. وضمَّت إليها نخبة من المفكرين الذين شكَّلوا »فرق الخط الأول في ثورة المحافظين«، وتحركهم نظرة إيديولوجية ترى في أي إجراء مؤمن بالإصلاح السياسي والاجتماعي هجوماً يستهدف المبادئ المؤسِّسة لأميركا، والمرسومة في القرن 18م(**). وراحت المؤسسة تعمل على تسويق الأفكار من خلال المقالات والدراسات السياسية، وتوزيعها، على الشعب، وأعضاء مجلسيْ الشيوخ والنواب. وقلَّما كان مكتب أي منهم يخلو –عشية مناقشة أي قانون مهم- من تقرير كانت (Heritage) قد أعدت تحليلاً حوله، مع اقتراحات للحلول.

7-من آليات الحماية الاستعانة بمؤسسات دينية:
كان وليام كورز(***) من ممولي (Heritage)، أيضاً، وهو من المناهضين للنقابات والأقليات. وكانت لمؤسسته علاقات حميمة مع منظمات محافظة متطرفة، لا سيما قادة اليمين المسيحي، ومنهم القس (جيريل فالويل) الذي كان ينعم بهبات كورز، كما كانت حال القس (بات روبرتسون)، وكلاهما من أقرب المقربين من جورج بوش الابن.
تُعتبر تلك المؤسسات أهم سلاح اتصالات بين أيدي اليمين المتطرف، فهي تروِّج لإيديولوجية مسيحية متطرفة. وكانت حرب الأفكار تعتمد على الحملات الدعائية التي تتردد، باستمرار، حتى ينغرس في ذهن المواطن أن ما يقال »حقيقة جلية«( ).
تتَّضح تلك الأهداف مما أجملهُ الرئيس بوش في احتفال البحرية الأمريكية في فلوريدا يوم 13-2-2003، حينما خاطب الجنود، قائلاً: (نرغب أن نكون بلداً فوق الجميع). وهذه النظرة تستند إلى إيديولوجيتين:
الأولى: إيديولوجيا التفوق العرقي للون الأبيض الأميركي.
الثانية: الأيدلوجية الدينية لليمين المسيحي المتصهين الحاكم في الولايات المتحدة.
وترى تلك الأيدلوجية في غزو العراق تعجيلاً للانفراج الذي تنتظره متمثلاً بعودة المسيح، والذي لن يتحقق وفق معتقداتهم إلا بالتمكين للكيان الصهيوني في المنطقة... يقول مايكل إيفانز في كتابه (ما بعد العراق النقلة الجديدة): «إن قيام إسرائيل افتتح حياة الجيل الأخير قبل هرماجدون، ثم جاء احتلال كامل أرض فلسطين في 1967م ليؤكد هذه النبوءة، وتسارع التاريخ في الحرب الأخيرة على العراق ليؤكد الصلة الأبدية المتجددة بين بابل وأورشليم، الأولى هي الظلام، والثانية هي النور، دمار الأولى شرط انبعاث الثانية، هكذا ورد في العهد القديم حيث ذُكرت بابل (العراق) ليس أقل من 300 مرة بصفتها أرض الخطيئة الأولى، والتجسّد الشيطاني الأول في (نبوخذ نصّر) سابي اليهود، والوعد الأول هرماجدون».. لم تفعل الولايات المتحدة في عرف اليمين المتصهين وعرف اليهود إذاً سوى تنفيذ المشيئة الإلهية، لقد كانت الحرب مكتوبة في العهد القديم، ومصير صدام حسين مكتوب، والدمار مكتوب!!!. ( ).

8-من آليات الحماية الاستيلاء على النظام السياسي مباشرة:
تضافرت جهود المؤسستين: تكتل الشركات الكبرى مع عدد من قساوسة اليمين المسيحي المتطرف، لكي تصنِّع رئيساً للولايات المتحدة، وانصبَّ الاهتمام على جورج بوش الابن. واستمرت عملية تصنيعه منذ الثمانينيات حتى أوصلته إلى الرئاسة في العام 2000م. فمنذ العام 1985م، بعد أن كان بوش الإبن مع أحد أقرب أصدقائه إليه (بوب إيفانز) يعانيان من أزمة شخصية ومهنية، التحقا بـ»مجموعة دراسة الكتاب المقدسCommunity Bible Study «، وغاصا فيها لمدة سنتين، فمثَّل ذلك البرنامج نقطة تحول في حياة بوش. ومن بعدها ودَّع سلوكه السابق. وبدأ الدين يطبع أفكاره وأعماله، ويسم نظرته إلى العالم بسمة خاصة. وهذا ما يُطلَق عليه بتجربة »الولادة الجديدة «Born again.
ولعلَّ الأخطر من كل ذلك أن إيمان بوش صار يتضمَّن عنصراً »حتمياً« »قريباً من الاعتقاد المسيحي والرؤيوي الذي يمتاز به الناشطون المسيحيون الإنجيليون، ويبدو منسجماً مع رؤيتهم للعالم التي بموجبها تتصارع قوى الخير والشر في معارك ضارية ستبلغ أوجها في مواجهة أخيرة. وغالباً ما يجازف من يلتزم بهذا النوع من الإيمان بمخاطر جنونية لأنهم يرون أن كل ذلك منوط بإرادة الرب«( ).
وهذا ما قاله جورج بوش بنفسه: »إنها حرب باسم الله و قد اختار الله الشعب الأمريكي للقيام بها«( ). وهذا ما يؤكده أحد أركان البنتاغون، مستشار وزير الدفاع، وأحد أصدقائه الأكثر حميمية( ). ويلتقي (ديك تشيني) مع معتقدات رئيسه، فهو يترأس مجموعة من اليمينيين المتطرفين، يُعرَفون بـ(الشتراوسيين)، الذين يعملون لـ»تحويل الولايات المتحدة من جمهورية ديمقراطية إلى نظام استبدادي. وتقوم فلسفة (شتراوس) على القيام بحروب موجَّهة ضد الحضارة الإنسانية لبناء حكومة عالمية تتَّصف بالقسوة( ).
9-تأسست عقيدة اليمينيين الجدد على قاعدة حق الشركات الكبرى في حكم العالم:
على مثال الفرز الطبقي داخل المجتمع الأميركي، فصَّل الأميركيون ثوب العالم الخارجي. وانعكست سيطرة إيديولوجيا الطبقة الأميركية المسيطرة على الاقتصاد والسياسة على أهدافها تجاه العالم الخارجي، وبسبب بعض الظروف الناتجة عن الحرب العالمية الثانية، تقدمت الولايات المتحدة الأميركية إلى وسط المسرح العالمي بكل هذه الأفكار المسبقة معززة بأسلحة نووية واقتصاد … وما إن حلت الخمسينيات من القرن الماضي حتى أعلن رئيس العالم بأن القرن العشرين هو القرن الأمريكي«( ). ولأن النمط الأميركي في التفكير والسلوك هو على مثل تلك المقاييس: »لا يرى شيئاً خارج ذاته«، أصبح استيلاؤه على المجتمعات الأخرى يشكل الخطورة الأولى على البشرية.
10-آليات الحماية تضع رحالها في حرم الفلسفة:
يدعو اليمينيون الأميركيون الجدد، إلى تبني الإيديولوجيا التي عبَّر عنها فوكوياما، فيلسوف تلك المجموعة، باعتبار الديمقراطية الليبرالية أعلى مراتب التطور في التاريخ.
لأن النهاية الحقيقية للتاريخ ستقف على قدمين: أولهما الاقتصاد وثانيهما الاعتراف الذي ستقدمه التكنولوجيا الإحيائية هدية للبشرية(*)، فتخلق، كما يرى فوكوياما، «نوعاً جديداً من البشر» لا يحتاج للاعتراف لأنه متشابه! وفي هذا ما فيه من غرابة وقصور إذ أنه مهما بلغت حدود التقدم فإن أحداً لا يمكنه أن يتوقع تنازل الثقافات عن خصوصياته وقبولها بالتحول إلى قطيع بشري متجانس( ).
يتعرض النظام الرأسمالي العالمي لرفض ذي دوافع ثقافية واقتصادية في أنحاء كثيرة من العالم. ولهذا اعتبر اليمينيون الجدد أن من أهم ما يواجهه العالم الرأسمالي اليوم هو الإرهاب، فلذا طُرحت إستراتيجية «حرب الأفكار» كمقولة أمريكية جديدة، جاءت في سياق مواجهة تلك الدعوات.
وبعد أن أدرك الأمريكيون ضرورة تجديد النظر في سياساتهم في تلك المواجهة مع الإرهاب، إذ يعني الإرهاب في منظورهم كل الأفكار التي تتناقض مع أفكارهم، وتدعو إلى تهديد مصالحهم. وبعد أن ظهرت لديهم بعض الشكوك في إمكانية الفوز السريع والحاسم في هذه المعركة، عملوا على رسم سياسة جديدة، يحسبون أنهم بواسطتها يُسرِّعون حسمها. وقد ارتبطت هذه المقولة بثلاثة اتجاهات، تعددت فيما بينها منظورات الرؤية، وطرائق الفهم والتحليل، ومحددات الأفق والمكان والزمان.
الاتجاه الأول، عبَّر عنه وزير الدفاع الأمريكي دونالد رامسفيلد حينما دعا في أكتوبر 2003م، إلى تشكيل وكالة جديدة تساعد على مواجهة ما أسماه حرب الأفكار الخاصة بالإرهاب الدولي. وذلك في سياق حاجة الإدارة الأمريكية ووزارة الدفاع إلى إعادة تنظيم للتعامل بشكل أكثر فاعلية مع تهديدات القرن الحادي والعشرين. واعتبر أنه من أجل الفوز بالحرب ضد الإرهاب علينا حسب قوله أن ننتصر في حرب الأفكار. ويقصد بهذه الحرب معركة الفكر مع أولئك الذين تجندهم الشبكات الإرهابية في كافة أنحاء العالم. ويعلل ذلك بأنه في مقابل كل إرهابي يعتقله التحالف، حسب قوله، أو يقتله أو يردعه أو يثنيه، هناك آخرون يتدربون. لذلك لا بد من خوض حرب الأفكار لمنع الجيل الجديد من الإرهابيين في تنظيم صفوفه( ).
يرى صموئيل هنتنتغون، رائد نظرية (صراع الحضارات) أن عالم ما بعد الحرب الباردة متعدد الأقطاب، ويقصد بها الحضارات التي يتكون منها العالم، وهي «الصينية، اليابانية، الهندية، الإسلامية، الغربية، الأفريقية وأمريكا اللاتينية» وأن ما يحكم العلاقة بين تلك الحضارات هو «الصدام»، هذا الصدام أساسه الثقافة أو الهوية التي تحكم كل حضارة . ومن ذلك يوضح هنتنجتون: «إن الثقافة أو الهويات الثقافية، التي هي على المستوى العام، هويات حضارية، هي التي تشكل أنماط التماسك والتفسخ والصراع في عالم ما بعد الحرب الباردة .. » مع العلم أن العوامل الثقافية المشتركة والاختلافات هي التي تشكل المصالح والخصومات بين الدول، ويلاحظ هنتنغتون أن أهم دول العالم جاءت من حضارات مختلفة، والصراعات الأكثر ترجيحاً، هي الصراعات القائمة بين جماعات ودول من حضارات مختلفة، وأشكال التطور السياسي والاقتصادي السائدة تختلف من حضارة إلى أخرى.
الثاني وهو فرنسيس فوكوياما ، تناول الأمر من جهة الصراع الذي دام أكثر من خمسة وسبعين عاماً بين الاتحاد السوفيتي وايديولوجيا الصمت الشيوعي والولايات المتحدة وفكرة الرأسمالية المتحررة من أي قيد والذي انتهي بفوز الرأسمالية قال: إن على العالم أن يتقبل النظام الجديد بكل ما فيه من حرية، وإن الولايات المتحدة هي التي بدت تسطر نهاية التاريخ بعد تبنيها للفكر المتحرر والديمقراطية والرأسمالية للعالم ، وإن من رفض وأبى ظلَّ وسيكون في نظر العالم هو الأكثر تخلفاً عن الدول التي تقبلت الوضع، وهو بهذا الرأى تعارض كثيراً مع هنتنجتون ، فالأول قسم الصراع الحضاري لخمسة منافسين «الصين، اليابان، الهند ، الإسلام، أفريقيا ، أمريكا اللاتينية» بينما قسَّم الأخر الحضارات حسب كل نظام «شيوعي، رأسمالي ، ....الخ» ( ).

11-مظاهر تطبيق «حرب الأفكار»، ووسائلها، في العراق:
وعلى أسس تلك المقاييس، كانت خطة الاحتلال الأميركي للعراق، تظهر في أكثر من جانب وزاوية، ومن أهمها:
أ-إعادة النظر في استراتيجية العراق التربوية:
تطمح الولايات المتحدة في مرحلة ما بعد الحرب في العراق إلى إحلال نظام تعليمي في هذا البلد خال من أي اثر للخطاب العراقي العسكري وفق ما أفاد مسؤولون أميركيون. وأصدرت الوكالة الأميركية للتنمية الدولية قبل اندلاع الحرب استدراج عروض من اجل تجديد النظام التعليمي العراقي. وأشارت الوكالة في العرض إلى ان النظام التعليمي لمرحلة ما بعد الحرب في العراق ينبغي ان «يضع الأسس لممارسات ومواقف ديموقراطية سواء لدى الأطفال أو لدى الأساتذة». كما ان المؤسسات المتخصصة مدعوة إلى «الأخذ بعين الاعتبار في برامجها التوازن الإثني». ويرى بعض المسؤولين ان التحدي هائل. فالكتب المدرسية العراقية الحالية تزخر بالمديح للرئيس العراقي وبالدعوات إلى استخدام القوة للدفاع عن العراق في وجه الأعداء. واعتبر الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان الذي يتخذ من باريس مقرا له انه «يتم تكييف الأطفال في العراق عبر التأثير مباشرة على أذهانهم منذ الصغر». بيد أن مراقبين يشككون في نية الولايات المتحدة تحسين النظام التعليمي العراقي، ويؤكدون أنها ترغب في إزالة كل ما يتعلق بالصراع العربي الإسرائيلي التي يزخر بها المنهاج العراقي. ويرى المراقبون ان الاحتلال الأميركي للعراق قد يتيح لها وضع المناهج التعليمية بالطريقة التي ترتئيها وهو ما قد يكون مثالا على دول المنطقة ان تحذى حذوه( ).
وقد يكون التسيُّب والفلتان في النظام التعليمي، بدءاً من تدمير المؤسسات التعليمية، وحرمان مئات الآلاف من الطلاب من متابعة دراستهم نتيجة فلتان الوضع الأمني، وسيطرة الميليشيات المنفلتة على كل شيء، ومن أخطرها التدخل في تفاصيل الحياة التربوية، من الجرائم المنظمة لإعادة تجهيل المواطن العراقي.
يتردد أن جيلاً كاملاً من العراقيين أصبح محروماً من حقه في التعليم، ومن استطاع أن يلتحق بمدرسة، فهو لا ينال قسطه من العملية التربوية السليمة. وقد ذكر تقرير للأمم المتحدة أنه «من الضروري جداً الحفاظ على تقدم مستوى تعليم الأطفال العراقيين رغم ضعفه من أجل مساعدة الأطفال في تخطّي هذه الأزمة»( ).
ولقد عقد بعض الصحافيين الأجانب مقارنة بين ما كانت عليه العملية التربوية في ظل النظام الوطني، وبين ما أصبحت عليه في أثناء الاحتلال، وجاء فيه:لقد «شهدت السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي خطوات عملاقة في التعليم وضعت العراق في مستويات متقدمة جداً بالنسبة لدول المنطقة، وينص الدستور العراقي على إلزامية التعليم العام والابتدائي. وكانت حملة التعليم الإلزامي ومحو الأمية في السبعينات فعالة جداً واستندت على العقود الثلاثة التي سبقتها وخصوصاً في تعليم البنات»( ).
أما في مرحلة الاحتلال، فينقل الصورة على الشكل التالي:
«هناك إرهاب حقيقي يحدث في الامتحانات، إنها نتيجة طبيعية للانحطاط الاجتماعي الكبير في العراق حيث نشهد الانهيار الكامل لنظام التعليم في البلاد»( ). ولا يتمكن الطلاب من الحضور لمدارسهم إلاّ لفترة لا تزيد على ثلاثة أشهر من السنة الدراسية التي تستمر لمدة سبعة أشهر( ). أما الغش في الامتحانات فحدِّث ولا حرج( ). وللميليشيات دور كبير في التدخل والترويج للغش، وفرضه على إدارات المدارس( ).
ب-اجتثاث كل أثر للأفكار التي تقوم عليها استراتيجية حزب البعث:
لما كانت أفكار حزب البعث مُشبَعَة بالفكر التحرري القائم على معاداة الاستعمار وطرده من كل بقاع الوطن العربي، كانت فلسفته موضوعة في سُلَّم أولويات الاحتلال الأميركي للعراق. ولهذا لم يكن من المستغرب أن يكون القرار الأول الذي أصدره بول بريمر، الحاكم المدني للعراق، هو المذكرة رقم (1 ) الصـادرة عـن السـلطـة الائـتـلافيـة المـؤقـتـة، تنفيذ الأمر رقم 1 (CPA/ORD/16)، المؤرخ 1 أيار/ مايو 2003، والمعنون »تطهير المجتمع العراقي من حزب البعث«.
ج-التدمير المادي لبنية التراث الثقافي العراقي، ابتداءً من سبي اليهود إلى بابل:
بعد احتلال بغداد ودخول قوات الغزو الأميركي انفلت الشارع العراقي وعاث نهباً وحرقاً بكل مؤسسات الدولة، ولم تستثن منها تلك التي لها علاقة بالتراث التاريخي، ومن أهمها متحف بغداد، وكذلك المكتبات الكبرى التي تُعنى بجمع الوثائق التاريخية والكتب النادرة، ولم تعف عن سرقة مكتبات الجامعات وتجهيزات مختبراتها العلمية، والبنى الصناعية الكبرى. كانت أقل الأوصاف التي أُطلقت عما حصل، بتشبيهه بالاجتياح المغولي الذي دمَّر بغداد واستباح بنيتها الثقافية ( ).
وما يرد في وسائل الإعلام يومياً يبيّن ان الآثار والتداعيات السلبية التي ترتبت على الاحتلال الاميركي للعراق لم تقتصر على المجالات العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية فحسب، بل شملت الحياة العلمية والفكرية في هذا البلد( ).
إن البحث عن أسباب استهداف الأساتذة والعلماء والمفكرين يقودنا إلى البحث عن أسباب استهداف العراق أصلاً، ليس من قبل أمريكا وحدها، وإنما من قبل الدول التي دعمت غزو العراق أيضاً( ).
نحن نتعرض إلى حرب دينية تلمودية رهيبة، قتل العلماء العراقيين جزء من الحريق والدمار يعني الخراب الشامل لهذا البلد يعني حتى الطرق السريعة خربت بالكامل حتى إشارات المرور اقتلعت لم يبق مسجد واحد لم يخرب وتحرق المكتبات لا يمر يوم واحد منذ تسعة أربعة المشؤوم إلى هذه الساعة دون أن يقتل العشرات من العراقيين وتحرق العشرات من المنازل والسيارات وتخرب الطرق والجسور كل الجسور على نهر الفرات بين الرمادي والقائم خربت ودمرت بتعمد( )..
وتعمل قوات الاحتلال الأميركي علنا على تقويض البنية العلمية العراقية. فقد حولت هذه القوات جامعة الأنبار إلى ثكنة لها، وقتل القناصة الأميركيون أربعة من أساتذتها. وفي ذلك يقول مدير كلية الإعلام، عبد الستار حميد، «لم تسلم كليات الجامعة من عمليات الدهم كما حصل لكليتي الطب وطب الأسنان، إذ حطمت القوات الأميركية الأبواب والأجهزة المخبرية وأجهزة الحاسوب، واستولت القوات الأميركية على الكليات وطردت كوادرها وحولتها إلى ثكنة عسكرية، كما حصل لكلية الزراعة»( جريدة الحياة في 11/3/2005). كما توفي عالم الكيمياء منعم الإزمرلي في السجن الأميركي في العراق، بعد سجنه بتسعة أشهر، نتيجة إصابته برضوض عنيفة في الرأس حسب تقرير منظمة العفو الدولية( ).
كما دمر الاحتلال الأميركي قاعدة الإنتاج الزراعي عن طريق تلويث البيئة ومنع استيراد الآلات والمعدات في السابق، وتراجع منسوب المياه، وقلة الأسمدة والبذور، وحرق المحاصيل وتجريف البساتين، مما تسبب في هجرات كثيفة من الريف إلى المدن. فحتى التمور أصبحت لا تكفي الاستهلاك المحلي، وكان العراق المنتج الأول للتمور في العالم. وبذلك انخفضت نسبة العمالة في قطاع الزراعة إلى 13% سنة 1995 وإلى 10% سنة 2000(جريدة الحياة في 23/7/2004). حتى الآثار العراقية، والتي تمثل أحد أعرق الحضارات العالمية، وتشكل قاعدة علمية وسياحية مهمة جداً، تعرضت للتدمير المنهجي والمتعمد. لم يكن ترك المتاحف العراقية مشرعة الأبواب أمام اللصوص والعصابات عملا غير مقصود. وليس تدمير المواقع الأثرية العراقية عملا عفويا أيضا. فقد عمدت القوات الأميركية والبولندية في مدينة بابل الأثرية إلى العبث بمواقع الآثار. يقول جان كرتس، المسؤول عن دائرة الشرق الأوسط القديم في المتحف البريطاني:«إن المركبات العسكرية الأميركية والبولندية سحقت أرصفة عمرها 2600 عام في المدينة التي تعد مهدا للحضارة. إن الجنود حفروا الخنادق في الموقع واستخدموا شظايا أثرية لملء أكياس الرمل. وتم انتزاع أحجار من تسعة من الرؤوس التي تمثل تنينا محفورا على بوابة عشتار، بينما انهار جزء من سقف معبد نيتما». ويقول كرتس: «بابل هي واحدة من المواقع الأثرية الأكثر أهمية في العالم، والأضرار الجسيمة التي ألحقتها بها الثكنة العسكرية، تشكل ضربة إضافية للتراث الثقافي العراقي» ( جريدة السفير في 17/1/2005) ( ).
وإذا أضفنا إلى ما سبق بحثه من تحطيم الدولة وأجهزتها الإدارية، وحل الجيش العراقي، تصبح الصورة واضحة عن تحطيم البنية التحتية العراقية التي لا يمكن إعادة بناء العراق اقتصاديا واجتماعيا دونها في المدى المنظور، أما على صعيد إعادة بناء ما هدمته الحروب المتكررة والاحتلال، فإن إعادة الاعمار متعثرة، بل متوقفة عمليا( ).

د-تدمير البُنى الحضارية المعاصرة، المادية والعلمية للمشروع النهضوي العراقي:
وهو موضوع الباب الثاني من هذا البحث.

الفصل الثاني
التدمير المنظَّم لمعالم الثقافة في العراق

أولاً: خريطة الآثار على الأراضي العراقية
قبل الاحتلال كان في العراق ثلاثة وثلاثون متحفاً تُجمَع فيها أهم الآثار العراقية النفيسة مادياً وتاريخياً، ومن جهة أخرى لا يوجد مسح عام للتراث العراقي.

1-الآثار العراقية مخزون كبير:
ترجع بدايات الحضارة في العراق إلى الألفية الرابعة قبل الميلاد وتأسيس حضارة ما بين النهرين التي شهدت سلسلة متعاقبة من الحضارات على أراضيها بينها الحضارة السومرية والبابلية والعربية. ويؤكد خبراء أنه قد يكون هناك ما يصل إلى 25 ألف موقع أثري شديد الأهمية في مختلف المناطق( ).
إن العراق يضم تراثاً أثرياً فريداً ومتميزاً في متحف بغداد القومي للآثار الذي يضم آلاف القطع الأثرية القديمة المهمة من الحضارة السومرية التي بدأت آلاف الأعوام قبل الميلاد عبوراً بالكلدانيين والبابليين والآشوريين وغيرهم مثل الفرس واليونان والعرب. وهناك أيضا ألواح من مكتبة الملك البابلي بانيبال الذي امتلك أكبر وأهم مكتبة في التاريخ من الألواح المكتوبة في شتى أنواع المعرفة وضمنها الألواح الخاصة بقصة الطوفان التي تتشابه مع طوفان نوح( ).
يضم متحف بغداد الأثرى مجموعة تنافس في حجمها وقيمتها مجموعة المتحف البريطاني في لندن، وقد نجا من التدمير والنهب في العام 1991, إلا أنه عانى من نقص الصيانة بسبب الحصار الذي فرض على العراق, ولم يتم فتحه من جديد إلا في العام 2001. ويقول علماء الآثار إن هناك 500 ألف موقع أثري في العراق غير معروفة حتى الآن, إلى جانب عشرة آلاف موقع مسجل، وبين المواقع غير المعروفة هناك 25 ألف موقع شديد الأهمية. وقد جرت عمليات تنقيب في 15% فقط من الأراضي العراقية يقع معظمها بين الفرات ودجلة, وتعتبر مهد الإنسانية وحضنت ستة آلاف عام من الحضارات السومرية إلى الآكادية إلى البابلية إلى الآشورية والفارسية والعباسية( ).
القطع الأثرية تعود لأربعة آلاف سنة، منها آثار سومرية وآثار آكادية ونسخ نادرة للقرآن الكريم، ومخطوطات فريدة ووثائق، وأطروحات جامعية غير منشورة، ولوحات فنية نفيسة، من بين القطع الشهيرة والكنوز والآثار والأعمال التاريخية التي اختفت( ).

2-التدابير العراقية والدولية التي سبقت العدوان على العراق:
قبل العدوان على العراق، في 20 آذار من العام 2003، اتَّخذ النظام الوطني في العراق تدابير احترازية لحماية الآثار، ووجَّهت منظمات أميركية ودولية وعربية تحذيرات لوزارة الحرب الأميركية من المساس بآثار العراق، وكان من أهمها:

أ-التدابير العراقية:
-قبل العدوان اتخذت السلطات العراقية المختصة إجراءات لحماية المجموعات الأثرية من النهب والقصف في المتحف الذي شهد سرقة أربعة آلاف قطعة أثرية عام 1991. وحسبوا أنه إذا وقعت حرب أخرى فسوف يتم تخزين بعض المقتنيات وسينقل إلى مواقع سرية. كما أن معظم التماثيل والرسوم الجدارية من العهدين البابلي والآشوري يجب أن تبقى في مكانها بسبب كبر حجمها وأن تغطى بمواد خاصة( ).
-قبل العدوان اتخذت السلطات العراقية المختصة تدابير لحماية المتاحف العراقية الثلاثة والثلاثين، وقد اتخذت إجراءات وقائية قبل الحرب, بحيث وضعت قطعا ثمينة في مستودعات تحت الأرض(*)، وتم تثبيت عدد من التماثيل بالجدران, كما كتب المسؤولون عن المواقع الأثرية بخط كبير على سطوح الأبنية التي تتضمن ثروات ثقافية وفنية كلمتي (متحف) و(يونسكو) ( ).

ب-التدابير الدولية قبل بداية العدوان وبعدها:
-على الرغم من أن منظمة اليونسكو تحركت بعد فوات الأوان ببرود لا يشبه حماسها الذي هزّ العالم عندما فجّرت طالبان تمثال بوذا في باميان( )، فقد حثت الولايات المتحدة على حماية التراث الثقافي للعراق، مشيرة إلى تقارير عن إصابة مواقع تاريخية بأضرار في الحرب التي بدأت في العراق قبل تسعة أيام( ).
ومن أجل حماية ما يمكن جمعت ثلاثين خبيراً، في مقرها بباريس، لإجراء تقييم أولي لحالة التراث الثقافي في العراق، وإعداد خطة عمل طارئة لحمايته( ).
دعا ماتسورا مدير عام اليونسكو إلى اتخاذ إجراءات فورية لحماية ومراقبة المؤسسات الثقافية العراقية التي تندرج المكتبات ودوائر المحفوظات والسجلات من ضمنها. وقد أكد في رسالتين وجههما للسلطات الأمريكية والبريطانية في 11/ 4/2003، الحاجة للحفاظ على المجموعات الأثرية العراقية التي تعد إحدى أهم المجموعات من نوعها في العالم. ومنع التصدير غير القانوني للقطع التراثية العراقية.
وأجرى ماتسورا اتصالات مع كل من حكومات البلدان المجاورة للعراق والشرطة الدولية ومسئولي الجمارك الدوليين طالباً منهم العمل على ضمان احترام اتفاقية اليونسكو لحظر ومنع الاستيراد والتصدير والنقل غير القانوني للأملاك التراثية لسنة 1970، لكن بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية ليستا من الدول التي وقعت على تلك الاتفاقية، ولذلك فإن الدولتين غير ملزمتين بتطبيق ما تنصّ عليه الاتفاقية المذكورة.
وطلب ماتسورا آنذاك من سائر الأطراف المعنية بالآثار، ومنها المنظمة الدولية للشرطة الجنائية «الإنتربول» ومنظمة الجمارك العالمية والاتحاد الكونفدرالي لجمعيات المتعاملين بالفنون والآثار ومجلس المتاحف الدولي والمجلس الدولي للمعالم والمواقع الأثرية، أن تضم جهودها إلى جهود اليونسكو كي تمنع بيع الآثار العراقية( ).
-طالب علماء الآثار المصريون المنظمات الدولية بحماية التراث والآثار العراقية بكل الأشكال لأهميتها في تاريخ الإنسانية بعصورها وأزمنتها المختلفة( ).
وحملت اللجنة الدائمة للآثار المصرية والإسلامية برئاسة زاهي حواس الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار الولايات المتحدة وبريطانيا مسؤولية الحفاظ على الممتلكات الثقافية العراقية تنفيذا لاتفاقية لاهاي الصادرة عام 1954 واتفاقية التراث العالمي الصادرة في باريس عام 1972 بشأن حماية الممتلكات الثقافية أثناء النزاعات المسلحة. وأهابت اللجنة بالمنظمات الدولية كالأمم المتحدة واليونسكو والمنظمات غير الحكومية للتدخل الفوري لوقف عمليات القصف واتخاذ الخطوات العاجلة للحفاظ على الممتلكات العراقية من التدمير أو السرقات( ).
-وجهت جمعية مدراء المتاحف الفنية في أميركا نداء إلى المتاحف وهواة جمع التحف في العالم طالبة منهم عدم شراء تحف سرقت من متحف بغداد، وإعلام السلطات المعنية بأي معلومات يمكن أن تؤدي إلى استرجاع هذه القطع( ).
-اتهم علماء آثار بريطانيون القوات الأميركية والبريطانية بإهمال حماية المتاحف والمواقع الأثرية مقابل حرصها على تأمين حقول النفط وأبدوا أسفهم الشديد لضياع آثار عراقية لا تقدر بثمن( ).
-اتهمت نضال أمين، مديرة المتحف الوطني العراقي السابقة، الجنود الأمريكيين بالتقاعس عن حماية المتحف العراقي، قائلة: هذا أكبر دليل على فقدانهم للوعي الحضاري وجهلهم وتجاهلهم للتاريخ( ).
-عُقد اجتماع في لندن لشرح حقيقة ما جرى للآثار العراقية، بتاريخ 29/ 4/ 2003، وسبقه اجتماع لليونسكو في باريس، واجتماع للإنتربول في ليون في فرنسا، ومؤتمر في بون في ألمانيا. ومن بعده عُقد مؤتمر في فيينا، وهدفه حشد الدعم الكامل لدائرة الآثار العراقية، وصولاً إلى تكوين لجنة دولية لجمع المساعدات وترتيب كل الأمور لعودة الحياة إلى هيئة الآثار في العراق والمتحف العراقي( ).

3-تدابير سلطات الاحتلال، ومسئوليتها:
-أبلغ خبــراء الآثار الأميركيين وزارة الحرب الأميركية ؛ عن مواقع الآثار العراقية( ).
وبعد أن أكملت المافيات المحمية من قوات الاحتلال الأميركي سرقاتها، أكدت وزارة الخارجية الأميركية، أنها ستلاحق المسؤولين عن عمليات نهب وتخريب وسرقة الأماكن التي كانت تحتوي التراث التاريخي في العراق( ). إلاَّ أن حقيقة ما حصل، في 13/ 4/ 2003، هي أن الضابط المسئول عن الشئون المدنية بالكتيبة الأولى من مشاة البحرية، كان قد أكد للقائم بأعمال مدير هيئة الآثار العراقية أنه سيصدر للقوات الاميركية الموجودة هناك أمراً بحماية المتحف، لكنه تبين أن الوقت قد فات. إذ كانت الجريمة قد وقعت أيام الخميس والجمعة والسبت، حيث كانت أعداد من الذين يقومون بالنهب تصل في مجموعات أو عصابات، ثم تحمل معها الى خارج المتحف كل ما يمكنها سرقته، وتهشم ما لا يمكنها حمله، ولم يبال الجنود الموجودون بالنداءات التي أطلقها العاملون في المتحف إذ لم يكونوا قد تلقوا أوامر للقيام بذلك. ورغم مجيء الدبابات المكلفة بحراسة المتحف، الا أنها لم تصل الا بعد ثلاثة أيام.
وإذا كان الغوغاء قد سطوا ونهبوا بشكل عشوائي، إلاَّ أنه كان هناك نوع آخر من اللصوص. أولئك الذين كانوا يعرفون تماماً ماذا يريدون: تجاهلوا التماثيل المزيفة وهرعوا للبحث في المستودعات والمخازن المقفلة. لقد عُثر على قاطعات زجاج وأطقم مفاتيح. كانوا قد وصلوا الى هناك بواسطة طريق خلفية، مخترقين بوابتين من الفولاذ وجداراً من الآجر المضغوط. من الواضح أنه كانت تتوفر لديهم خارطة مفصلة للمبنى( ).
بينما الحقيقة، أيضاً، التي يؤكدها شهود عيان، لقد تمت عملية نهب المتحف الوطني العراقي على أيدي القوات الأمريكية، وإن العديد من الدبابات خرجت محملة بالعديد من الكنوز التراثية الثمينة، ثم أطلقت يد الغوغاء لاحقًا، لتأتي على ما تبقى من كنوز العراق وآثاره، التي ترجع لآلاف السنين. وكانت القوات الأمريكية تعمد إلى فتح أبواب المؤسسات والمراكز والجامعات والوزارات العراقية، أمام الغوغاء وجماعات النهب والسلب، ثم تراقب ما يحدث، لضمان أكبر تخريب ممكن لتلك المؤسسات( ).
وكانت القوات الأمريكية، وراء حرق مكتبة الأوقاف في العاصمة العراقية بغداد، التي أتلفت فيها آلاف المخطوطات التي لا تقدر بثمن. كما هاجمت قوات أمريكية أغلب مرافق الدولة، من بنوك ووزارات، وتم تدمير أرشيف الدولة ومكتباتها الوطنية( ).
لقد دافع وزير الحرب الأميركي دونالد رامسفيلد رداً على هذه الجريمة بأن «حالات النهب والسلب التي جرت في بغداد هي جزء من ثمن الحرية»( ).

ثانياً: سرقة آثار العراق لصوصية قديمة جديدة
تدل التقارير على أن سرقة آثار العراق مسألة قديمة كانت ترعاها الدول، ومن بينها ما يعود إلى مرحلة الانتدابين البريطاني والفرنسي للمنطقة العربية، ومعظم تلك الآثار موجودة في أشهر متاحف أوروبا. وأن «هناك أجنحة كاملة في متحف اللوفر بباريس (فرنسا) ومتحف برلين بالمانيا والمتحف البريطاني تحوي بالكامل آثاراً عراقية». وأنه «في حالة استرجاع الآثار العراقية الموجودة فيها فإن أجنحة هذه المتاحف ستغلق بالتأكيد كونها قائمة على ما سرق من آثارنا خلال المراحل الزمنية الماضية»( ). إذ يوجد في الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا أكثر من مليون قطعة أثرية قبل هذه الحرب الفظيعة( ). وكشفت الوثائق التاريخية عن سرقات حصلت منذ أكثر من قرن من الزمن تحت ذريعة بعثات التنقيب عن الآثار. ولقد كشفت أعمال التنقيب التي قامت بها بعثات أميركية، عن وجود مكتبة، في موقع مدينة نُفَر سنة 1889 م، تضم عشرات الآلاف من الألواح الطينية المكتوبة(*).وغنمت منها جامعة بنسلفانيا الأميركية ما يزيد على خمسين ألف لوح من ألواح العراق، وعدداً كبيراً من قطع الآثار المتنوعة التي تلقي الأضواء على تاريخ بلاد ما بين النهرين، وتفند الكثير من الدعوات التوراتية التي يروج لها الصهاينة( ).
ونتيجة لسرقات تمت في مراحل مختلفة بذلت هيئة الآثار العراقية، قبل مرحلة الاحتلال، بالتعاون مع وزارة الخارجية جهودا حثيثة ومتابعة دائمة لاستعادة آثار عراقية مسروقة في مختلف دول العالم( ).
وقد سهَّل العدوان الثلاثيني على العراق، في العام 1991، عمليات سرقة آلاف القطع الأثرية التي لا تقدر بثمن. وإن القطع التي نقلت قبل العدوان إلى متاحف نائية تعرضت للسرقة من قبل عراقيين أثناء الفوضى بعد ما يُسمى بـ«الانتفاضة الشعبية» في الجنوب، ومازالت السرقات مستمرة منذ ذلك الحين( ).
ومن بعد تلك المراحل كانت تقف وراء عمليات السرقة مافيات منظمة، الأمر الذي دفع بالسلطات العراقية إلى استصدار قوانين تصل إلى حد عقوبة الإعدام من أجل ردع تلك المافيات عن متابعة سرقاتها( ).
واتضح لاحقاً أن الأعمال الإجرامية منظمة، للقيام بسلب الآثار العراقية، وبأن أغلب القطع المسروقة وجدت طريقها إلى أميركا وبريطانيا و«إسرائيل». وأكدت ذلك بعض وسائل الإعلام الصهيونية وأشارت إلى مشاركة بعض الجماعات الناطقة باللغة العربية والمتقدمة كدروع لحماية أرواح الجنود من القوات الغازية( ).
وألمح مدير الدراسات والبحوث في المتحف الوطني العراقي أن أشخاصاً من خارج العراق متورطون في عملية سرقة المتحف، رافضاً الكشف عن أسماء المشتبه بهم( ).
كما اتهم مستشار وزير الثقافة العراقي، القوات الأميركية بالسماح للصوص بنهب متحف بغداد, وقال، على الرغم من طلب المساعدة، فإن «الدبابات الأميركية كانت تقف أمام باب المتحف الرئيسي عندما دخل اللصوص إليه». وأيده رئيس قسم الآثار( ).
وفي وقت لاحق، أعلنت الإدارة المدنية الأميركية في العراق أن القطع الأثرية التي كان يخشى سرقتها من متحف بغداد تم العثور عليها كلها تقريباً في قبو سري( )، ومن أهمها كنز الملك الآشوري نمرود(*).
وباختصار، في ظل حماية الدبابات الأميركية، التي كانت متمركزة أمام المدخل الرئيسي للمتحف العراقي، تمت عمليات نهب محتوياته، وتخريبه باحتراف ومهنية واضحة، وكذلك الأرشيف الوطني الذي أحرق، والمكتبة الوطنية، ومكتبة الأوقاف، والجامعات، ومراكز الفنون التي أصيبت بأضرار كبيرة. وكذلك في متاحف الموصل وتكريت وبابل؛ وفي مؤسسات تعليمية وثقافية معروفة، تعرضت لكل صنوف النهب والتدمير أو الحرق( ).

4-لصوص الميليشيات أدوات للصوص الاحتلال والمافيات
بمشاركتهم في السلطة، على صعيد المؤسسات التي بناها الاحتلال، وبسطوة من ميليشياتهم، كقوة مسيطرة على الشارع، سيطرت العصابات الطائفية على مديرية الهيئة العامة للآثار والتراث في العراق(**)، وأرغمت كل الكفاءات العراقية على الاستقالة أو الهرب خارج العراق، أو مشاركة الذين باعوا ضمائرهم في سرقة الآثار(*)، أو إجبارها على الصمت، أو القتل(**). تلك الكفاءات حرصت على بناء مؤسسة الآثار العراقية على قواعد من الأمانة، وهم ليسوا أناساً عاديين، بل علماء أجلاء خبرتهم لا تقدر بثمن، وهذا باعتراف علماء الآثار الأجانب أنفسهم، بحيث وصف عالم اثأر أمريكي أحدهم بأنه موسوعة متنقلة( ). هذا بالإضافة إلى أن النظام الوطني كان في غاية من الحرص على أن منع التدخل في موضوع الآثار، لأنه كان حريصاً على أن يُكتَب التاريخ بموضوعية وتجرد. وكان صدام حسين الرئيس الشهيد يعطي الأنموذج على هذا الحرص( ).

5-مسؤولية العدو الصهيوني:
يبقى السؤال: لماذا اهتمت قوات الاحتلال بحماية المواقع الأثرية التي تهتم بها إسرائيل مثل: آثار أور والكفل والعزير دون غيرها من المواقع الأثرية الأخرى( )؟
تلك الحركة تدلُّ على أن سببَ ذلك هو سرقة مخطوطة التلمود القديمة التي كانت في مكتبة الكفل، ولا يستبعد وجود لصوص آثار صهاينة مع القوات الغازية، وهم أصحاب خبرة في محتويات مكتبات العراق القديمة والحديثة( ).
مع بدء الحرب على العراق , قدّمت المذيعة «الإسرائيلية» ميكي حايموفيتش برنامجاً على التلفزيون «الإسرائيلي». وكانت الغبطة والانتشاء هو ما رافقها طيلة فترة البرنامج. و انضم إلى برنامجها مصمم «إسرائيلي» أخذ يفاخر بأنه تبرع بتقديم خرائط مفصلة عن الأماكن الأثرية العراقية للقوات الأميركية ( دون مقابل).
ثم تتابع المذيعة قائلة: «ينبغي أن يبادر طيارو التحالف الى قصف الأماكن الأثرية من البر والبحر والجو لأنها أخطر من أسلحة الدمار الشامل»، و«لا يمكن التخلص من الإرهاب الشرقي إلا بتدمير شامل للتاريخ », «أحرموا سكان هذا الجزء من العالم تاريخهم الحضاري المتراكم , وحرروهم من تراثهم واتركوهم بلا ثياب داخلية».
في مقابل هذا أصدر عدد من حاخامات اليهود في «إسرائيل» فتوى «دينية » مع بدء الحرب تنص على أن العراق هو جزء من أرض «إسرائيل الكبرى»، وطلبت هذه الفتوى من الجنود اليهود في الجيشين الأميركي والبريطاني، الذين يربو عددهم على الأربعة آلاف عنصر يشاركون في الحرب على العراق أن يؤدوا الصلاة الخاصة عندما يقيمون كل خيمة، أو بناء، في أرض غرب نهر الفرات، وأن يتلو كل جندي يهودي حين يشاهد بابل «صلاة» تقول: «مبارك أنت ربنا ملك العالم لأنك دمرت بابل المجرمة» ( ) !
وبعد الاحتلال أشارت صحيفة نيويورك تايمز الى أن جنوداً« أميركيين وليسوا إسرائيليين!! فتشوا مقر الاستخبارات العراقية في بغداد بحثاً عن نسخة قديمة من كتاب التلمود تعود الى القرن السابع». في حين كان الرئيس الأميركي يهدي شارون «خريطة للأراضي المقدسة»! تعود إلى عام 1678حيث تشمل هذه الخريطة دول المشرق العربي «بلاد الرافدين وبلاد الشام» بما فيها مدينة بابل، ثم إن العراق بعد احتلاله شهد نشاطاً واسعاً لممثلي الوكالة اليهودية والموساد، بحيث يعملون تحت إشراف الوزير المتطرف «ايهود أولمرت» وبالتنسيق المباشر مع مركز العمليات المشترك للموساد ووكالة الاستخبارات الأميركية.
وإن نشاطات هذه الوكالة , أدت الى وضع اليد على المكتبة اليهودية القديمة الموضوعة في مبنى المخابرات العراقية والتي تضم تحفاً «نادرة من كتب التوراة والتلمود والكابالا والزوهار المكتوبة على لفائف البردى وجلد الغزلان, ويعود تاريخها الى فترة السبي البابلي لليهود في الألف الأول قبل الميلاد. وتشير المعطيات الى أنه تمّ نقل كل هذه الى (إسرائيل)» ( ).
رافق القوات الأمريكية لحظة دخولها الأراضي العراقية المئات من عناصر استخباراتها، ومن «المخابرات الإسرائيلية» المتخصصة في الساحة العراقية؛ وكانت مهمتهم تتركز على نقل القطع الأثرية من داخل المتاحف العراقية، وبعض الوثائق والخرائط المهمة ذات السرية العالية المحفوظة داخل قبو المخابرات العراقية، وبعض الوثائق الدقيقة عن يهود العراق وممتلكاتهم ونسخة تاريخية مهمة من (التوراة) ( ).
وقد أشارت بعض التقارير، بشأن تهريب الآثار العراقية إلى الخارج، إلى مشاركة تجار «إسرائيليين» في تنظيم عمليات لتهريب الآثار إلى العواصم الأوروبية و«إسرائيل»، وإن من بين الآثار العراقية التي تم تهريبها إلى «إسرائيل» ست مخطوطات جلدية كتبت عليها بعض أسفار التوراة يعود تاريخها الى القرن 14م، ومسكوكات ذهبية تعود لحقب تاريخية مختلفة( ).

6-رصد الخسائر في المتاحف، وفي المواقع الأثرية:
أ-متحف بغداد: إن المخاطر المحيطة بمتحف بغداد الأثري، كونه يضم حوالي 100 ألف قطعة أثرية من كنوز الحضارات العراقية المتعاقبة منذ ما قبل التاريخ وحتى الألف الأول الميلادي. كل المحتويات فيه نفيسة، ولكن أنفسها ما يكشف عن الطريقة التي استطاع فيها الإنسان أن يخترع الكتابة لأول مرة في الكون، ويقدم للبشرية كيف يُكتب الفكر وكيف تُنقل الفكرة على الطين وعلى الرُقم الطينية. كما يضم المتحف أول قيثارة صنعها الإنسان في التاريخ برأس العجل الذهبي المثبت عليها، وملحمة (جلجامش) وهي مسطرة ومكتوبة ومحفورة على لوحات من الرخام.
ملحمة جلجامش تعني فكراً كاملاً يناقش، لحد اليوم، فكرة الموت والحياة، فكرة الخلود والفناء، فكرة صراع الإنسان مع الطبيعة الذي يؤدي إلى التطور الحضاري.
كما تجد الرُّقم الطينية التي تسجِّل شرائع (أورنمو) التي هي أقدم من شرائع (حمورابي) بحوالي 2000 سنة.
كما تجد أول مولِّد عرفه الإنسان، بقوة 25 وات كهربائي، وقد اكتشفته الحضارة العراقية قبل آلاف السنين. وتجد المعادلات الرياضية في الزمن البابلي، ومكتبة (آشور بانيبال) الملكية التي تحتوي على آلاف مؤلفة من اللوحات المرمرية والمنحوتة. هذا ناهيك عن التماثيل. وتم الاقتصار في الكلام عما يحتويه التراث العراقي من فكر وابتكارات حضارية أسهمت في تطور الحضارة الإنسانية، إذ لم يكن في تطور الكون بأكمله( ).
وكان حجم الخسائر التي أصيب بها متحف بغداد، أنه فقد ذراعيه وساقيه بعد تدمير وثائقه وسجلاته. فمكاتبه تعرضت لسحق منظم إذ جرى كسر الأبواب وإزالة جميع الأوراق والأفلام وأقراص الكمبيوتر والملفات من على الأرفف وتمزيقها. وإن متحفاً بلا وثائق وسجلات مثل متحف بدون ذراعيه وساقيه... إن إداريوه يعتمدون على تلك المعلومات ( ).
إن مسروقات المتحف العراقي تقدر بـ(15000) قطعة أثرية تم استعادة (4000) قطعة تقريباً، ولدى العراق آثار محفوظة لدى الدول المجاورة (الكويت والسعودية والأردن وسوريا) وبعض الدول الأوربية (ايطاليا وهولندا واسبانيا) وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية وهي موثقه لدى العراق ولدى الانتربول واليونسكو( ).
ب-متحف الموصل: حدثت به سرقات أقل مما حدث في متحف بغداد، ومنها بعض القطع المهمة من تحليات لأبواب آشورية وهي منحوتات بارزة بالبرونز( ).
ج-وفي مناطق أخرى من العراق: نهب اللصوص عشرات المواقع في جنوب العراق، تعود إلى العهد السومري والبابلي، التي كانت تجري فيها عمليات التنقيب وعرضوها في الأسواق، من دون أن يلتفت إليها أحد. وهناك صعوبة باستعادتها لأنها لم تصنف بعد، وليس هناك أي سجل بها( ).
كما أن الحفر العشوائي والسرقات التي حدثت بالمواقع الأثرية الجنوبية كان من ورائها عصابات دولية منظمة تهدف إلى تحقيق عمليات غسيل أموال تديرها مافيا دولية. والتحقيقات الأولية تشير إلى أن دولاً مثل إيران وتركيا جنَّدتا اختصاصيين للتنقيب في مواقع معينة. وهذا يعني أن عمليات تنقيب غير مشروعة تحدث في العراق.
وإن خطورة عمليات الهدم والتدمير تكمن في أن تجار الآثار لا يكتفون بتحطيم الآثار التي لا يرغبون فيها وإنما يحطمون الموقع الأثري بالكامل مما يتسبب في فقدان إحدى الحلقات الأثرية المهمة التي ربما تساهم في العثور على اكتشافات أخرى( ).
بالإضافة إلى ذلك فقد كشفت جمعية الحفاظ على الآثار والتراث عن أن هناك أكثر من 1500 قطعة أثرية في محافظة الناصرية حصل عليها مهربون من المواقع الأثرية في المحافظة معدة للتهريب( ) .
وسائل السرقة:
في شهادة لمدير منظمة اليونسكو، يقول فيها: إن «هناك عشرات اللصوص»، الذين عاثوا تخريباً في الآثار العراقية، وقد عرفت منظمة اليونسكو ذلك، من خلال اكتشاف محققيها لموقعين تجري فيهما «عمليات حفر غير شرعية واسعة». وقال انه في موقع «ايسن» (بحريات) على بعد 200 كلم جنوب شرق بغداد في المنطقة السومرية «هناك مئات الحفر، ويتجه الموقع نحو التدمير الكامل». وأنه في موقع «نيبور» على بعد بضعة كيلومترات الى الشمال «هناك أيضاً عمليات حفر غير قانونية والموقع غير محمي»( ).

ومن نتائج الإهمال والعمليات الحربية ما يُسهم في تدمير الآثار العراقية:
-مدينة آشور مهددة بالانقراض: تتعرض مدينة (آشور) الأثرية في الموصل للهدم والتآكل بسبب ارتفاع منسوب مياه نهر دجلة، خلال مروره بمدينة (آشور) الأثرية، بحيث أخذت مياه النهر تهدم الجرف المحاذي للمدينة. والمعالم التاريخية السكنية القديمة المكونة للمدينة تبدأ من الطبقات السفلي والمعرضة حاليا للهدم والتآكل ( ).
-قصفت طائرات الاحتلال إحدى المناطق الأثرية التي تعود للعصر العباسي الأول في مدينة (عنه) غرب بغداد. وهو أحد القصور العباسية القديمة في المدينة. كما استهدف خمسة مواقع أثرية إسلامية في الأنبار منها موقع في الخالدية غرب الفلوجة، والذي جرت فيها معركة تاريخية بين الجيش الإسلامي بقيادة خالد بن الوليد والجيش الفارسي( ).
-دفعت بابل، التي يعود تاريخ بعض مبانيها إلى أكثر من 2500 سنة، ثمن الحرب، إذ تعرضت للنهب والتخريب. وقال علماء آثار إن الجنود الأميركيين استخدموا التراب المليء بآثار لا تقدر بثمن من أجل إعداد أكياس الرمل( ).
كما لحقت بها أضرار جسيمة جراء دخول القوات الأمريكية بآلياتها العسكرية الضخمة داخل أسوارها حيث حولتها، إلى معسكر للدبابات والمدرعات، وإلى مطار لطائرات الهليكوبتر( ).

لائحة تقريبية للمؤسسات والمعالم الأثرية التي تعرَّضت للتدمير والسرقة
المتحف العراقي في بغداد: افتُتح المتحف بمجموعته النادرة من العصور السومرية والآكدية والبابلية والآشورية والإسلامية، منذ العام 2001، بعد أن أغلق وقت حرب الخليج بسبب الأضرار التي لحقت به أثناء قصف مبنى قريب للاتصالات الهاتفية( ).
وبعد الاحتلال، والدموع تسيل من عينيْ نضال أمين، مديرة المتحف الوطني العراقي السابقة، قالت: «أنقذوا المتحف العراقي، أنقذوه من أجل الإنسانية، أنقذوا خمسة آلاف سنة من الحضارة والتاريخ». «إن المتحف العراقي يضم في قاعاته كنوزًا أثرية من أقدم الحضارات، السومرية مرورًا بالبابلية فالآشورية فالإسلامية» ( ).
أن حوالي عشرة آلاف قطعة بينها 47 تحفة نادرة اختفت خلال أعمال النهب التي تعرض لها المتحف الوطني في بغداد، ولم يسلم منها سوى كنوز أثرية من الذهب كانت مودعة في أقبية المصرف المركزي في بغداد وفي أماكن أخرى سرية. وإن من بين التحف الـ47 رأس امرأة من أرك وأقدم تمثال كبير من النحاس في العالم صنع بحدود العام 2250 قبل الميلاد في آكاد( ).
بعد مرور شهرين من الاحتلال كان مشهد المتحف العراقي كما صوَّره تقرير لفضائية الجزيرة، كما يلي: آثار التخريب لا تزال بادية في بعض الأروقة والقاعات، حيث هُشِّم العديد من الغرف الزجاجية، وسُرق ما بداخلها من قطع أثرية تعود إلى عصور مختلفة، بعض القطع انتُزعت من مكانها بعناية تدل على أن سارقيها يدركون قيمتها، كما هو الحال في هذه الواجهة الزجاجية التي سُرقت منها تسعة أحجار مختومة بأسماء الملوك أو المعابد من العصور السومرية إلى العصور الرومانية المختلفة وفي المكان ذاته توجد مسلة حمورابي، لم تمتد إليها يد النهب، فهي نسخة جبسية منقولة عن النسخة الأصلية الموجودة في متحف اللوفر الفرنسي، ومن حسن الحظ أن معظم القطع التي كانت معروضة في المتحف وُضعت في مكان آمن قبل نشوب الحرب، غير أن ذلك لم يحل دون وصول اللصوص إلى بعض المخازن:
- هناك 33 قطعة مفقودة من القطع الأثرية المهمة جداً، واحدة منها أُعيدت هي إناء الوركاء النذري من القطع الفريدة في العالم(*)، الآن أصبحت المفقودات 32 قطعة من قاعات المتحف فقط، لكن اللصوص اقتحموا وكسروا أبواب بعض المخازن الموجودة في المجمع المتحف، وأخذوا منها بضعة آلاف من القطع( ).
-قطعة تدعى (اللبوة التي تفترس نوبي) وهي قطعة محفورة ومطعمة بالأحجار الكريمة اكتشفت في مدينة النمرود من قبل فريق عمل عراقي وتعود إلى 750 سنة قبل الميلاد والنوبي يرجع إلى جنوب مصر( ).
-أما القطع التي تحتاج إلى ترميم فهي كثيرة، من بينها الأسد الذي هُشم رأسه، ويعود تاريخه إلى العصر البابلي القديم، وإناء الوركاء النذري، الذي يعود تاريخه إلى نحو خمسة آلاف سنة قبل الميلاد، أما القاعة الآشورية الكبرى فظلت سليمة في معظمها، وتضم منحوتات ضخمة من قصر الملك الآشوري (سيرجون الثاني) وثوران مجنحان برأسيين بشريين، وهما من أكبر التماثيل المعروفة للثيران المجنحة، ويزن الواحد منها 38 طنا ( ).
-شملت أعمال النهب، في 9 و10/ 4، متحف بغداد الأثري, وهو المتحف الأهم في العراق, حيث قام حوالي عشرة لصوص بسرقة الموجودات من قاعات المتحف العراقي الذي أصبحت مكاتبه الإدارية فارغة تماماً. وكانت هناك على الأرض تحف من الفخار وتماثيل محطمة, كما تبعثرت على الأرض صناديق خشبية فارغة, في حين خرج رجلان من المتحف وهما يحملان باباً أثرياً من إحدى القاعات الواقعة في الطابق الأرضي( ).
كانت بعض القطع المسروقة من الضخامة ما يستحيل سرقته من قبل أفراد عاديين مما يؤكد أن السرقة منظمة. والحقيقة أن المأساة طالت أكثر من نصف مليون قطعة أثرية منقوشة أو منحوتة أو مخطوطة، ويوجد في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا وألمانيا أكثر من مليون قطعة أثرية قبل هذه الحرب الفظيعة( ).
وقد رجَّح خبراء آثار اليونسكو أن تكون عمليات سرقة الآثار العراقية المهمة قد جرت على أيدى عصابات كانت تعلم، على ما يبدو، بسيناريوهات الحرب، وتبين أن مفاتيح خاصة بالأقبية وقاطعات زجاج قد استخدمت لانتزاع القطع الأثرية، وهذا ما يشير الى مشاركة لصوص محترفين فى السرقات، وليست العملية عفوية كما يحلو لبعض وسائل الإعلام تقديمها على أنها من عمل الناقمين العراقيين( ).
وأفادت المعلومات الصحفية أن قطع الآثار العراقية المنهوبة وصلت إلى مطار هيثرو في لندن، وتم تداول صور بالبريد الإليكتروني تبرز صور اللصوص من الجيش الأميركي وهم يخلعون صفائح الذهب والفضة من جدران القصور والمتاحف العراقية المحتلة. وهذا يرتبط مع المعلومات التي تشير إلى تورط ريتشارد بيرل(*) بسرقة آثار العراق، وكانت أنباء ترددت في اجتماع حماية التراث العراقي في اليونسكو بباريس عن احتمالات تورط عصابات الجريمة المنظمة الدولية التي توجه لها الاتهامات بتنظيم سرقة الآثار العراقية تحت غطاء الغوغاء( ).

3-سرقة المكتبات:
ونظراً لما تعرضت له مكتبات العراق من مآسٍ فإننا سنلقي الضوءَ عليها، وغايتنا من ذلك التنبيه إلى هذا الخطر العالمي الذي مسَّ الحضارة الإنسانية، وألحق بها الأذى جراء العبث بمكتبات العراق، التي لم تكن الأولى من حيث التدمير، وربما لن تكون الأخيرة في ظل جشع تجار المخطوطات المرتبطين بعصابات عالمية، خاصة العصابات الصهيونية، التي تطمح إلى طمس حضارات المنطقة العربية، والإبقاء على ما يخص اليهود فقط لا غير، وذلك من أجل تكريس دعوى أرض الميعاد، والنبوءات التوراتية التي تدعمها كنيسة «المسيحيين المتصهينين» في الولايات المتحدة الأميركية وغيرها من دول التحالف الذي يدعم التوجهات الصهيونية، وقيام «إسرائيل الكبرى» ( ).
إن الحديث المفصل عن مكتبات العراق يتطلب مجلدات. وإنّ عيون الصهيونية كانت شاخصة نحو محتويات الخزائن العراقية، وغيرها من خزائن بلاد العرب والمسلمين، وتضاف إلى الخزائن القديمة خزائن الكتب الإسلامية المخطوطة التي تطورت في العراق من مكتبات الخلفاء العباسيين، وأشهرها: مكتبة المنصور، ودار الحكمة التي رعاها الخليفة هارون الرشيد وابنه الأمين ثم المأمون، وخزانة المعتضد، وخزائن: المكتفي، والراضي بالله، والقائم بأمر الله، والمقتدي بالله، والناصر لدين الله، والمستنصر بالله المعروفة بالمستنصرية، والمستعصم بالله، ودار المسناة البغدادية، وتضاف إلى خزائن الخلفاء مكتبات الملوك والسلاطين والوزراء والعلماء، وخزائن المكتبات العامة والخاصة، وأوقاف المساجد والتكايا والزوايا والرباطات، والمدارس وخاصة المدارس النظامية الشافعية التي انتشرت في رحاب العالم الإسلامي. لقد تعرضت الكتب لوسائل تخريب عديدة، منها: الإحراق بالنار، والإغراق بالماء، والوأد بالتراب، والغسيل والمسح.
وقد شهدت على إغراق الكتب مأساة سقوط بغداد سنة 656هـ/ 1258م ، وما فعله جيش هولاكو، وتجلت مأساة حرق كتب مكتبات الأندلس في ساحة غرناطة سنة 1492م على أيدي أنصار فرديناندو وإيزابيلا. والجديد في مآسي مكتبات التراث ما تعرضت له مكتبات العراق في ظل الاحتلال الأنجلوـ أمريكي من نهْبٍ وسلب وإتلاف، وقد لفتَ انتباهَ الْمُهتمين بالتراث تحويلُ حركَة سير القوات الأمريكية نحو مدينة الكفل العراقية بشكل خاص، وكان بإمكانها الوصول إلى بغداد بطريق أقرب من طريق الكفل، وتلك الحركة تدلُّ على أن سببَ ذلك التوجه هو سرقة مخطوطة التلمود القديمة التي كانت في مكتبة الكفل، ولا يستبعد وجود لصوص آثار صهاينة مع القوات الغازية، وهم أصحاب خبرة في محتويات مكتبات العراق القديمة والحديثة( ).
عاثت جموع من الناهبين نهبًا وتخريبًا في المكتبة العراقية في بغداد وأضرموا النار فيها، مخلفين وراءهم أكواماً من الكتب والمخطوطات أحالتها النيران رمادًا. كما نهبت مكتبة الأوقاف، وهي المكتبة الإسلامية الرئيسة في العراق القريبة من المكتبة الوطنية وأضرمت النار فيها. وهذه المكتبة تحتوي على نسخ من المصاحف والمخطوطات الدينية التي لا تقدر بثمن.
أخبار المكتبات القديمة في العراق متنوعة: منها ما هو خاص، وما هو عام، وبعضها ديني خُصّص للمعابد والأديرة والمساجد والمدارس، والآخر دنيوي تناول العلوم والمعارف، وبعضها حكومي له علاقة بالسجلات الرسمية والدواوين، والآخر شعبي. هذا بالإضافة الى دار صدام للمخطوطات التي جمعت فيها آلاف المخطوطات من كافة نواحي العراق خلال السنوات الماضية( ).
إنّ مكتبات بلاد الشام وبلاد الرافدين عريقة جداً، فهي موطن الأبجديات المسمارية، وما تلاها من أبجديات متنوعة انتشرت في بقية مناطق العالم. ونقصد بها كل ما كتبه السلف سواءٌ أكانت على الورق أم الجلود (الرقوق) أو الحجارة أو المعدن أو الأخشاب أو الفخار، أو جدران الكهوف. ومازال باطن الأرض يختزن الكثير من المكتبات وأسرارها التي تُميط اللثام عن حضارات إنسانية مجهولة، سادت ثم بادت ثم اندثرت وغرقت في خضم التاريخ المجهول( ).
وهناك أمل يحدو روّاد الحضارة بالكشف عنها من خلال حماية المواقع الأثرية، أو الأراضي التي يُحتمل وجود آثار فيها، من أجل متابعة التنقيب. فكلما تم اكتشاف المزيد منها يساعد على الحصول على الحلقات التاريخية المفقودة، وذلك لا يمكن الحصول عليها إلاَّ بالمزيد من الكشف عنها في بواطن الأرض وأعماقها.
ولما كانت بلادنا تمتلك، وخاصة بلاد الرافدين، أقدم حضارة في التاريخ. وعلى الرغم من أن الحفريات قد كشفت عن الكثير منها(*)، فإن آلاف المكتبات القديمة لا تزال تحت أنقاض التلول في العراق ومصر والشام.
ولما كانت الحفريات تكشف عن الحقائق التاريخية الثابتة التي تكذِّب مزاعم الصهيونية العالمية وتعاليمها، فسوف تظل ثروات العراق التراثية، وغيره من الأقطار العربية، تحت مرمى نيران الصهيونية، للعمل على إتلافها وتدميرها بشتى الوسائل والأساليب.
ولما كان التراث العربي، منبعاً حضارياً يُنتج من الأفكار ما يتناقض مع إيديولوجيا الرأسمالية العالمية بشكل عام، وإيديولوجيا اليمين الأميركي بشكل خاص. فإن تشويه التراث العربي، سيبقى هدفاً للتدمير في معادلة «حرب الأفكار»، كطرف نقيض للأفكار التي يعمل أولئك على تعميمها كآخر حلقات تطور الفكر الإنساني، بحيث ينتهي التاريخ عندها.
ما هي أهم المكتبات؟ ما هي أهم دور الوثائق التي نُهبت وحُرقت؟
سُرقت المكتبة الوطنية، وحُرقت. وسُرقت مكتبة الوثائق والمخطوطات في شارع حيفا وحُرقت. وسُرقت مكتبة الأوقاف، وهذه من المكتبات النفيسة، وحُرقت أيضاً. حُرق مركز صدام للفنون، وسُرقت كل الأعمال الفنية، أعمال فايق وجواد والفنانين الآخرين، والأعمال التي يعجزون عن سرقتها.. تُهشَّم وتُحرق. إن عملية حرق بغداد منظمة ووراءها ناس من خارج البلد...
دخلت مجموعة من المخربين جامعة الموصل وسرقوا كل ما فيها من سيارات، كخطوة أولى. ثم بدأوا بسرقة مباني الجامعة فسرقوا المختبرات والمكتبات، والأثاث، وقاموا بتشجيع الغوغاء على النهب. ولم يبقَ في الجامعة شيء .. هاجموا مكتبة الجامعة وحطموا أجزاء كبيرة منها وسرقوا منها الكتب وكذلك دخلوا إلى مكتبات الكليات وفعلوا مثل ذلك( )..

8-متابعة خطى المسروقات:
-إناء الوركاء النذري، الذي يعود تاريخه إلى نحو خمسة آلاف سنة قبل الميلاد، قد أُعيد إلى المتحف قبل أقل من أسبوع من تاريخ الاحتلال، ضمن مجموعة من القطع الأثرية بلغت 1500 قطعة.
-بعضها أُعيد من قبل مواطنين(*). وبعضها الآخر عن طريق أئمة مساجد، وبعضها عن طريق مصادرتها وهي في طريقها إلى التهريب نحو تركيا وإيران( ).
-دعت (اليونسكو) الدول المجاورة للعراق والإنتربول إلى التنبه لأي قطعة مصدرها العراق يمكن أن تكون مسروقة من متاحفه( ).
- أصدرت دائرة الجمارك الأردنية منذ احتلال بغداد في التاسع من أبريل/ نيسان تعليمات رسمية لجميع مراكزها الحدودية بضرورة التدقيق بكل ما يرد برفقة المسافرين ضمن أمتعتهم الشخصية وأي قطع أثرية أو كتب أو مخطوطات تعود ملكيتها للجهات الرسمية في العراق أو لأي كان لضبطها ومنع ضياعها. كما صادرت أجهزة الجمارك الأردنية، بعد الاحتلال مباشرة، عدداً كبيراً من مقتنيات مصدرها مساكن أو مبان رسمية نهبت في العراق وبينها قطع من المتحف الوطني وألبوم صور لعائلة الرئيس صدام حسين( ).وقد بدأت الشرطة الدولية (الإنتربول) حملة في كافة أنحاء العالم بحثا عن الآثار المسروقة من متحف بغداد( ).
-حتى 23/ 7/ 2003، تمت إعادة ما يقارب 2000 قطعة أثرية مسروقة من المتحف الوطني العراقي، حيث كان للمساجد دور كبير في إعادتها( ).
-أكدت نتائج تحقيق أميركي أن أكثر من 13500 قطعة سرقت من المتحف الوطني في بغداد لا تزال عشرة آلاف منها مفقودة. أن لائحة كاملة لمجموعة المتحف لم ينته إعدادها بعد خمسة أشهر من انتهاء الحرب، وتوجد من بين أهم القطع المفقودة 30 قطعة ثمينة منها تمثال يعود إلى عهد السومريين منذ 5000 سنة وعثر عليه علماء آثار ألمان في العام 1940 قرب مدينة السماوة( ).
-بعد عملية بحث في أميركا استغرقت ثلاثة أعوام، أعيد في 25 تموز/يوليو / 2006، أثر فني صُنع قبل 4400 سنة وسرق من المتحف الوطني العراقي في العام 2003، الذي كان قد أدرج بين أهم 10 جرائم فنية في لائحة مكتب المباحث الفدرالي ( ).
إن حكاية تمثال الملك السومري الذي قبضت عليه السلطات الكمركية في مدينة نيويورك وكيف وصل إلى هناك؟ انه تمثال بحجم الإنسان البالغ ويدعى (انتمينا) وهو ثقيل الوزن مما يدعم نظرية أن من يقوم بعمليات المتاجرة في الآثار العراقية هم شبكات مافيا دولية متخصصة( ).
-هناك آثار مسروقة من المتحف العراقي في كل من تركيا وإيران لم تبلغ عنها رسمياً، بل وتنفي السلطات الأثرية في البلدين وجودها على الرغم من وجود معلومات دقيقه تؤكد وجودها وبعلم حكومتيْ البلدين. لماذا تنفي إيران وتركيا وجود الآثار العراقية؟ أنها آثار ثمينة لا تقدر بثمن وترسم معالم أقدم الحضارات التي عرفتها البشرية لذا ربما يحتفظون بها لأسباب مادية أو سياسية( ).
-هناك مافيا تجارة الآثار أسهمت بخروج حاوية مليئة بالآثار والنقوش المسمارية النادرة لتجمع في دول مجاورة وتصدر إلى «إسرائيل»( ).
-هناك من يشير إلى أن تسليم القوات البولونية مدينة بابل يرجع إلى كون عدد كبير من جنودها يدينون بالديانة اليهودية، ويربطون وجود جنود يهود بقضايا تاريخية. لقد أرسلت القوات البولونية بطلب بعثة أثرية بولونية من جامعة وارشو للتنقيب إلاَّ أن رفض الهيئة العامة للآثار والتراث العراقية حال دون ذلك. لكنه يتردد أن التنقيب يتم في الخفاء عن نقوش مسمارية لم تكتشف بعد فيها تفاصيل تاريخية عن الغزو البابلي الأول والثاني. وأكد عدد من الباحثين ذلك لكنهم تحفظوا عن ذكر أسمائهم لدواعٍ أمنية( ).
-السرقات المنظمة لا تزال تحدث وكان آخرها سرقة موجودات متحف أربيل في شمال العراق منذ أواخر العام 2006. يتم ذلك على الرغم من أن المحافظات الثلاثة في شمال العراق أو ما يعرف بإقليم كردستان تتمتع بالأمان والاستقرار. وحتى أن عدداً من الآثار المسروقة تمت مصادرتها من قبل السلطات الأمنية هناك إلاَّ أنها لم تبلغ الهيئة العامة للآثار والتراث العراقية ليتم أدراجها في متاحف الشمال( ).


ملاحق الباب الأول
في التراث والثقافة
الملحق الرقم (1)
إنجازات العراق القديمة( )
السواقي وعودة للتاريخ
إذا انتقلنا إلى نشوء أولى الحضارات في العراق القديم يمكن القول إنها كانت بجهود العراقيين الأوائل في تفاعلهم مع البيئة الطبيعية في وسط وجنوبي العراق. فمن المعروف أن الزراعة تعتمد في هذا الإقليم دوما على الإرواء الصناعي الذي كان لا يتم إلا بالسيطرة على الأنهار وإقامة السدود وتجفيف الأهوار. إن الري -كما هو معروف- كان الدعامة الأساس في الحياة الاقتصادية لهذا الإقليم وعلى ذلك فقد تجلّت عبقرية الإنسان هنا بأجلى مظاهرها في الإرواء الصناعي وإن نشوء أول حضارة في بلاد الرافدين قد تحقق بلا أدنى ريب بعد أن سيطر سكان هذا الإقليم على الأنهار فيها وذلك عن طريق إقامة السدود وحفر الأنهار والجداول وتجفيف الأهوار, فذللوا البيئة الطبيعية واستغلوا إمكاناتها العظمى. ليس هذا فقط بل استغل العراقيون الأقدمون ارتفاع مناسيب نهر الفرات قياسا إلى دجلة فشقوا أنهارا عظيمة من الفرات إلى دجلة لتروي أراضي واسعة كانت بأحوج ما تكون إلى الماء. لقد طغت أخبار شق الأنهار والجداول على غيرها من أخبار الملوك وأعمالهم. إن حفر أو شق نهر جديد كان يعد بحد ذاته حدثا هاما يؤرخ به الكتبة الرسميون للدولة الأحداث الجسام.
نتيجة لكل هذا نلاحظ أن أول شيء يلفت النظر في العراق شهرة البلاد الزراعية إلى الأزمان المتأخرة, حتى أن الكتاب اليونان -مثل هيرودوتس- قد تحدثوا عن وفرة المحاصيل الزراعية في هذا الإقليم, وهو ما يذكرنا بتسمية المؤرخين والبلدانيين العرب لأرض العراق بـ (السواد) لكثرة زرعها وخضرتها. ومن الأمور المتفق عليها إن فن زراعة البساتين نشأ في العراق مما ساعد الإنسان كثيرا على الاستقرار ومن ثمّ نشوء الحضارات المتقدمة وتطوّرها.
والنخلة -على ما يرجح- كانت أقدم وأهم شجرة في تاريخ العراق الزراعي القديم حيث اختص العراق بزراعة النخيل منذ فجر التاريخ. وكانت العادة أن تزرع الفراغات بين النخليل بالأشجار المثمرة الأخرى مثل التين والرمان والتفاح والكروم وغير ذلك. وما يزال يعد أعظم وأوسع مركز لزراعة النخيل في العالم لاسيما المنطقتين الوسطى والجنوبية منه.
وفي سبيل تحقيق الاستقرار والأمن في البلاد, وللحفاظ على هذه المنجزات والمكاسب العظيمة كان من الضروري وجود حكومات قوية مستقرة. وكان الملك في العراق القديم على رأس السلطة حيث عدت سلطته التنفيذية والتشريعية مستمدة بشكل مباشر من الآلهة لحكم البلاد, فهو الذي كان يتولى قيادة الجيش وقت الحرب حيث أن من أولى واجباته المحافظة على حدود الوطن, وكذلك توفير الوسائل الكفيلة التي تساعد البلاد على الرخاء الاقتصادي عن طريق تنفيذ المشاريع الحيوية العامة مثل حفر القنوات والأنهار وبناء المعابد تقرّبا إلى الآلهة. لقد خلّف الكثير من الملوك العراقيين القدماء مآثر كتابية أكدوا فيها ما ذكرناه حتى أن بعضهم قد صوّر نفسه وهو يحمل سلال التراب والآجر رمز قيامه بتنفيذ المشاريع العمرانية الكبرى وبخاصة بناء المعابد تقربا للآلهة. والكثير منهم قنّنوا الشرائع والقوانين في سبيل تنظيم الحياة العامة ونشر العدل بين الرعية.
تعتبر الشرائع المدونة في العراق هي الأقدم في تاريخ العالم ويلاحظ أنها دونت بأسلوب علمي وبلغة قانونية دقيقة.
ومن الأمور المعروفة للجميع أن أولى الشرائع المدّونة في العالم قد ظهرت في العراق القديم, وهناك من الإشارات ما يدل بشكل قاطع على ظهور القوانين المدونة في عصور فجر السلالات. إن الشرائع في العراق القديم لم تكن أولى الجهود البشرية في تنظيم الحياة الاجتماعية فحسب بل إنها دوّنت بأسلوب علمي وبلغة قانونية دقيقة. إنها قوانين بهيئة مواد متسلسلة مقتصرة على الشؤون المدنية لا تتعرض للعبادات في شيء.
وكان من تمسّك سكان العراق الأقدمين باحترام القانون والنظام أن تصوروا الكون كله على هيئة مملكة تحكمها الآلهة يتجلى فيها مبدأ الطاعة وبخاصة طاعة القوانين والسير بموجب أنظمة المجتمع وأعرافه الشفهية والمدونة. وبلغ من تقديرهم لفضيلة الطاعة أنهم تخيّلوا ظهور عهد ذهبي بين البشر في يوم ما تسود فيه الطاعة والنظام وسيادة القانون.
ومن ثمرات الحضارة الناضجة نشوء الصناعات الأولى وكذلك التجارة وبخاصة التجارة الخارجية لجلب المواد الخام التي اعتمدت عليها تلك الصناعات. ومن البديهي أن يصاحب كل ذلك تقدم العلوم والآداب والفلسفة.
وفي العراق القديم بدأت أولى المحاولات الفلسفية الجريئة الخاصة بأصل الكون والوجود والأساس في مكونات المادة. ومن المؤكد أن السومريين قد سبقوا الفلاسفة الإغريق بقولهم بمبدأ العناصر الأربعة الأولية التي عدت أصل جميع الأشياء.
ومن البديهي أن يولي العراقيون القدماء أيضا الأدب الكثير من اهتمامهم. لقد كان شأنه شأن الآداب العالمية القديمة الأخرى يشرك الآلهة في الملاحم والقصص أو الأساطير. أما الشعر السومري والبابلي فقد كان يخضع لفن خاص من النظم والتأليف فهو موزون ولكنه غير مقفى. إنه من النوع المعروف في الوقت الحاضر بالشعر المرسل. وما خلفه لنا العراقيون القدماء من الروائع الأدبية أكثر من أن تحصى, ربما أهمها (ملحمة جلجامش) و (قصة الخليقة) و (قصة الطوفان) وعدد كبير جدا من الأساطير.
وفي باب العلوم الصرفة كالرياضيات مثلا عرف البابليون أسسا مهمة في خواص الأعداد وكذلك في العمليات والطرق والمعادلات الجبرية الأساسية. من ذلك مثلا معادلات الدرجة الأولى بأنواعها المختلفة فضلا عن معادلات الدرجة الثانية والثالثة. لقد اتبعوا في طرق حلها عمليات مدهشة لا تكاد تصدق لتطابقها مع الطرق العلمية الحديثة. ومما يقال اليوم بوجه عام إن الفضل في تقدم الجبر الحديث يعود إلى البابليين والعرب أكثر مما يعود إلى اليونان.
ومن الأمور المتفق عليها أيضا في تاريخ المعارف البشرية أن البابليين هم الذين أسسوا علم الفلك الرياضي، وبدؤوا يدونون ملاحظاتهم وإرصاداتهم أو حساباتهم الفلكية منذ العهد الأكدي، وتقدم هذا العلم إلى درجة كبيرة مذهلة في العهد البابلي القديم. أما معرفتهم بالعلوم الطبيعية مثل علم الكيمياء, على سبيل المثال وبخاصة ما يتعلق منها بخواص المواد وتأثير الحرارة فيها أو العوامل الطبيعية الأخرى فقد بدأت عندهم في وقت مبكر جدا والتي لا سبيل في هذا الملخص من الدخول في تفاصيلها الدقيقة.

الملحق الرقم (2):
هولاكو القديم يُدمِّر حضارة بلاد ما بين النهرين
حينما دخل (هولاكو) بغداد في شهر صفر عام 655 للهجرة، 1258 للميلاد قام جنوده باستباحة المدينة، فمارسوا القتل والسلب وارتكاب المنكرات، فقتلوا حوالي مليون مسلم من النساء والأطفال والشيوخ والبالغين، حتى كانت الميازيب تجري بدماء الناس -كما يقول ابن كثير في تاريخه- ثم ركزوا على تخريب القصور وإتلاف الكتب التي كانت تعبر عن حضارة الأمة وثقافتها، حيث كانت بغداد آنذاك عاصمة الخلافة ومهد الحضارة ومدينة النور، وقد وصل حقد التتار إلى حد أنهم ملأوا نهر دجلة بالمخطوطات، ليجعلوا منها جسراً لعبور خيلهم إلى الضفة الأخرى من النهر، حتى أن مياه النهر تحولت إلى اللون الأسود بعد ما صبغها المداد الذي صيغت به المخطوطات.
واستمروا على هذا الحال أربعين يوماً وهذا ما جعل المؤرخ العريق ابن الأثير صاحب كتاب "الكامل في التاريخ" يقول: لقد بقيت عدة سنين معرضاً عن ذكر هذه الحادثة استعظاماً لها، كارهاً لذكرها، فكنت أقدم رِجْلاً وأؤخر أخرى، فمن الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلام والمسلمين؟ ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك؟ فيا ليت أمي لم تلدني، ويا ليتني متُّ قبل هذا وكنت نسياً منسياً، وما حدث على يد هولاكو قبل حوالي 745 عاماً في بغداد يتكرر اليوم ولكن تحت رعاية (بوش) وجنوده، فقد استُبيحت ونُهبت ودُمرت متاحف بغداد والموصل وكركوك والبصرة وجامعاتها ومكتباتها وحضارة خمسة آلاف عام، وإذا كان الطبري وابن الأثير وابن كثير وعشرات آخرون من مؤرخي المسلمين قد أرخوا بألم وأسى لهجمة هولاكو، فلا ندري ما الذي سيسطره مؤرخو اليوم للأجيال القادمة عن حملة بوش، حيث تُستباح حضارة العراق وثقافته وتاريخه تحت سمع العالم وبصره( )؟

الملحق الرقم (3)
هولاكو الجديد يهدد تراث البشرية
حضارة بلاد الرافدين تتحدى الترسانة النووية للبرابرة الجدد في واشنطن
شبكة المعلومات العربية/ محيط - إسلام جمال: "لا نريد أن نكون مثل طالبان " هكذا عبر البروفسور "تشارلز باتروورث" الأستاذ بجامعة ميريلاند الأمريكية عن التناقض الصارخ الذي يشوب نظرة الإدارة الحالية في الولايات المتحدة التي تمضي قدما في مساعيها لشن هجوم بربري على الشعب العراقي ، فيما تسعى في الوقت نفسه لإيهام العالم بأنها مهتمة بألا يؤدي هذا الهجوم إلى الإضرار بالثروة الأثرية الهائلة التي يمتلكها العراق ، خشية أن يقارن المجتمع الدولي بين هذا الأمر وبين ما قامت به حركة طالبان الافغانية في مارس من عام 2001 حين دمرت تمثالي بوذا العملاقين في منطقة باميان ، واللذين كانا مدرجين ضمن قائمة التراث العالمي.
ويبدو أن المتحسبين لهذا الأمر يتناسون بشكل متعمد أن واشنطن التي تتجاهل نداءات الملايين الذين يطوفون طرقات العالم رفضا للحرب ، لن تعبأ بأصوات علماء ومفكرين ينتابهم القلق على معالم وآثار تؤرخ لحضارة البشرية منذ الأزل .
كما أن هؤلاء يتجاهلون أن الولايات المتحدة في ذروة غطرستها الإمبراطورية تختلف كثيرا عن حركة طالبان الأفغانية التي سقطت قبل عامين تحت سنابك قوات الغزو الامريكي ، فالعالم الذي ثار قبل عامين من أجل تمثالي بوذا سيكتفى بإدانات باهتة في حال ما إذا أسفر الهجوم الأمريكي الوحشي على بغداد عن تدمير المواقع الأثرية في الأراضي العراقية .
فلا يتوقع أحد أن تتكرر تلك الضجة العارمة التي شهدتها كافة أنحاء العالم عندما اعلن مسئولو طالبان اعتزامهم تدمير تمثالي بوذا والتي وصلت إلى حد خروج مظاهرات عارمة شارك فيها عشرات آلاف من الأشخاص في عدد كبير من الدول الآسيوية وعلى رأسها اليابان وسريلانكا والهند التي أعربت عن استعدادها لنقل وصيانة هذين التمثالين اللذين يعود تاريخهما إلى القرن الخامس الميلادي ، بل وناشدت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" الدول الإسلامية دعوة طالبان إلى وقف عمليات تحطيم هذين التمثالين .
وربما يتعين علينا في البداية أن نلقي نظرة أكثر عمقا على التاريخ العريق الذي يتمتع به العراق ، والذي سيصبح في غضون الفترة القليلة المقبلة هدفا لآلة الحرب الأمريكية الشرسة.

سبعة آلاف عام من الحضارة في بلاد ما بين النهرين
أكد المؤرخون أن تلك الحضارة التي نشأت في بلاد الرافدين قبل آلاف السنين تعد إحدى أقدم الحضارات التي عرفها الإنسان على مدار تاريخه الطويل ، كما يعتبر العراق واحدا من أهم المواقع بالنسبة لعلماء الآثار في العالم نظرا لأنه يضم عشرات الآلاف من المواقع الأثرية التي تعود إلى سبعة آلاف عام منذ بزوغ فجر الحضارة .
ويشير هؤلاء المؤرخون إلى أن بلاد ما بين النهرين "دجلة والفرات" شهدت بين عامي 3700 إلى 2350 ق.م "الحضارة السومرية ،ويرجع أصل سكان العراق للقبائل العربية التي نزحت من الجزيرة العربية إلى وادي الرافدين في الألف السادسة قبل الميلاد ، وقد شارك السومريون في بناء تلك الحضارة بالكتابة المسمارية، في حين شارك العرب بخبرتهم في ميدان هندسة الري والزراعة وصناعة الأدوات المختلفة والتجارة الداخلية والخارجية، وأسسوا العديد من المدن مثل مدينة أوروك في نهاية الألف الرابعة. وقد امتد تأثير الحضارة السومرية العربية إلى العيلاميين في إيران، وبلاد الأناضول، ومصر ، وذلك إلى أن احتل الأكاديون العرب بلاد سومر سنة 2350 قبل الميلاد.
وفي عام 2350 أسس القائد الأكادي سرجون الأول الدولة الأكادية على أنقاض مملكة سومر، وتقبل الأشوريون الحضارة الأكادية لقربها منهم من ناحية الأصول العربية. وقد اشتهر الأكاديون بصناعة البرونز، وفي سنة 2200 قبل الميلاد سقطت الدولة الأكادية إثر غارات الجوتيين والقبائل الجبلية الأخرى.
وشهدت الفترة فيما بين عامي "2133 إلى 2003 ق.م" ما سمي بـ"الانبعاث السومري ومملكة سومر وأكاد المشتركة" وفيها عاد السومريون والأكاديون إلى الاتحاد من جديد وإقامة مملكتهم المشتركة حتى أسقطها العيلاميون سكان إيران سنة 2003 قبل الميلاد.
وتواصل توافد العرب العموريين إلى بلاد ما بين النهرين بعد سقوط الدولة الأكدية السومرية المشتركة وأنشأوا العديد من الدويلات مثل دولة آشور وإيسن ولارسا، وبابل التي استقلوا بها. وتمكن العموريون في بابل من السيطرة على كامل منطقة ما بين النهرين، واشتهر منهم الملك حمورابي صاحب شريعة حمورابي الشهيرة. وسقطت الدولة البابلية الأولى على أيدي الكاشيين سنة 1594 قبل الميلاد.
وبعد أن وحد ملوك الكاشيين جنوب بلاد ما بين النهرين أسسوا دولتهم متأثرين بشريعة حمواربي إلى أن انتهت دولتهم على أيدي الأشوريين سنة 1153 قبل الميلاد، وترجع أصول الآشوريين إلى القبائل العربية التي استقرت في منطقة نهر دجلة في الألف الرابعة (ق. م.)، وأسست تلك القبائل مدينة آشور ، وارتبطت بالتجارة الخارجية مع المناطق المجاورة، إضافة إلى تمرسها في الزراعة والري ، وتعرضت الدولة الآشورية لغزو الحثيين والأكاديين، ووقعت تحت سيطرة ملوك أور، ثم حكمها البابليون، وبعد سقوط الدولة البابلية الأولى تعرضت آشور إلى غزوات الكاشيين ، ثم تعرضت الدولة الآشورية إلى اضطرابات داخلية وغزو خارجي وسقطت على يد البابليين بقيادة نبوبولاسر الميديني سنة 612 قبل الميلاد.
وخلف نبوبولاسر على حكم الدولة البابلية الثانية ابنه نبوخذ نصر الثاني "بختنصر" الذي دام حكمه من 605 إلى 562 قبل الميلاد، إلى أن قضى كورش الإخميني الفارسي على الدولة البابلية الثانية سنة 539 ق.م ،واستمر الفرس يسيطرون على العراق حتى هزمهم الإسكندر المقدوني الكبير سنة 321 ق.م، ليبدأ حكم الأسرة السلوقية الاولى والتي سقطت فيما بعد على يد البارثينيين عام 141 ق.م ، والتي أسقطها الساسانيون سنة 224م .
وقد عين الساسانيون ملكا عربيا لينوب عنهم في إدارة العراق، وفي سنة 602 عين الساسانيون حاكما فارسيا استمر في حكم العراق حتى انهزم الفرس على أيدي المسلمين في معركة القادسية بقيادة سعد بن أبي وقاص سنة 637م/ 14هـ، وسقطت المدائن بعد شهرين من معركة القادسية.
وقد شيد الخليفة الراشد عمر بن الخطاب بعد الفتح مدينتي البصرة والكوفة، ،ثم خضع العراق بعد انتهاء حكم الخلفاء الراشدين إلى حكم الأمويين وشهد العراق إبان الحكم الأموي العديد من الحروب بين مؤيدي أبناء الإمام علي بن أبي طالب وبين الدولة الأموية، وذلك إلى أن قامت الدولة العباسية عام 750م/132هـ، فانتقلت إدارة الدولة الإسلامية للعراق بعد أن كانت في دمشق، وتألقت بغداد التي بناها العباسيون لتصبح عاصمة العلم والترجمة عن مختلف الحضارات السابقة التي كانت تتم في بيت الحكمة الذي أسسه المأمون عام 830م.
وتعرضت العراق في عهد العباسيين إلى العديد من الثورات والحروب الداخلية إلى أن سقطت على يد القائد المغولي هولاكو عام 1258م/656هـ ، وبعد أن دخل المغول بغداد في فبراير من عام 1258 تعرضت المدينة وما كان بها من كتب ومقتنيات أثرية وملامح للحضارات المتعددة التي توالت على المدينة حتى ذلك الوقت للنهب والسلب والدمار .

حرب الخليج الثانية والنهب الأول لآثار العراق
وقد سار على درب هولاكو القوات الأمريكية التي توغلت في الأراضي العراقية في أعقاب انتهاء حرب الخليج الثانية "17 يناير- 26 فبراير 1991" على مقربة من مدن العراق الجنوبية ومن بينها مدينة الناصرية التي تضم آثار السومريين والتي تعد متحفا مهما للآثار هناك .
وأدت حالة الفوضى التي سادت العراق فيما بعد الحرب إلى تمكين لصوص الآثار هناك من نهب آلاف القطع الأثرية النادرة التي بلغ عددها حسبما كشفت الهيئة العامة للآثار العراقية النقاب نحو 4000 قطعة ، ولمواجهة هذا الأمر أنشات الهيئة شعبة خاصة باسترداد الآثار التي سرقت من العراق خلال حرب الخليج الثانية وما بعدها والتي تتنوع ما بين لوحات جدارية وأختام وحلي وتماثيل وأدوات منزلية ومسكوكات . وقد اتهم العراق بشكل رسمي كلا من الولايات المتحدة وبريطانيا بسرقة هذه الآثار ، وأشار وزير الثقافة العراقي حامد يوسف حمادي إلى أن بعثات أثرية من جنسيات مختلفة تسللت إلى المنطقة الشمالية من العراق بإشراف ومساعدة الحكومتين الأمريكية والبريطانية وأجرت عمليات مسح وتنقيب عن الآثار العراقية تمهيدا لاستخراج تلك الآثار وتهريبها إلى خارج البلاد مستغلة خروج تلك المنطقة عن سيطرة السلطات العراقية منذ عام 1991 .
وتعرضت سبع متاحف عراقية في هذه الفترة إلى سرقات كبيرة خلال هذه الفترة وهي "دهوك"،" كركوك"،"الكوفة"،"البصرة"،"السليمانية"،" القادسية"،" ميسان" فضلاً عن متاحف "بغداد، "آشور"، "سنجار" ، "بابل" و"أسط "، كما بيعت آثار عراقية في مزادات عالمية منها مزاد "كريستي" حيث بيعت فيه قطعة أثرية تمثل وجه فتاة في مدينة الحضر وفي مزاد "درو" عرضت أختام أسطوانية عددها 108 وهي أختام آشورية وبابلية.
وبالرغم من كل هذه السرقات فلا تزال السلطات العراقية تحبط محاولات متعددة لتهريب الآثار ، واتخذت بغداد عددا من الإجراءات للحد من عمليات التهريب من بينها إعداد جداول للآثار المسروقة ونشرها باللغات العربية والإنجليزية والفرنسية والألمانية وبثها عن طريق شبكة الانترنت وتقديم قوائم وكشوف للآثار المسروقة إلى كل من الشرطة الدولية "الانتربول" ومنظمة "اليونسكو" .

الملحق الرقم (4)
بلغ عدد القطع الأثرية التي تمت سرقتها في هذه الفترة نحو 4000 قطعة
لم تسلم المتاحف العراقية من أعمال النهب في أعقاب حرب الخليج الثانية
ولعل من أكثر القضايا المثيرة للجدل بشأن تهريب الآثار العراقية إلى الخارج ما تردد حول تورط تجار إسرائيليين في تنظيم عمليات منظمة لتهريب هذه الآثار إلى العواصم الأوروبية وإسرائيل، وأشار تقرير أوردته صحيفة الوحدة الأسبوعية الأردنية إلى أن من بين الآثار العراقية التي تم تهريبها إلى إسرائيل ست مخطوطات جلدية كتبت عليها بعض أسفار التوراة يعود تاريخها الى القرن الرابع عشر الميلادي ومسكوكات ذهبية صدرت في حقب تاريخية مختلفة.
وبالإضافة إلى الأضرار الجسيمة التي لحقت بثروة العراق من الآثار جراء عمليات النهب المتوالية التي تتعرض لها في ظل عجز الحكومة العراقية عن توفير حماية أمنية لها بسبب حالة عدم الاستقرار السياسي السائدة في البلاد منذ اكثر من اثني عشر عاما ، فإن العقوبات الاقتصادية المفروضة على العراق طوال الفترة الماضية قد أدت إلى الحد من قدرة بغداد على صيانة وترميم مواقعها الأثرية المهددة بالانهيار والاندثار ومن أبرزها وأهمها على الإطلاق مدينة آشور الواقعة في قلعة الشرقاط التي اختارها الآشوريون العاصمة الأولى لملكهم في الألف الثالث قبل الميلاد .
وأجبرت هذه الظروف الصعبة السلطات العراقية على إرجاء عمليات ترميم جسر "دلال الآثري " على نهر الخابور في منطقة "زاخو" شمال البلاد ، وقد تأجلت عمليات الترميم بسبب الامكانات الفنية عالية التقنية التي تتطلبها والحاجة إلى خبرات خاصة نظرا لضخامة الجسر الذي يبلغ طوله نحو 114 متر ويتجاوز ارتفاعه خمسة عشر متراً ، وجاء قرار الإرجاء على الرغم من تحذيرات علماء الآثار في العراق من أن تأخر البدء في الترميم قد يؤدي إلى انهيار الجسر والذي يعد أحد المعالم الاثرية البارزة في العراق.
كما أدى عجز الحكومة العراقية عن تدبير الموارد المالية اللازمة في ظل ظروف الحصار إلى توقف الجهود الرامية إلى ترميم مجموعة من المواقع الأثرية الإسلامية في البلاد ومنها منارة وقبة جامع الخلفاء وملوية جامع سامراء العباسيين وبعض الآثار الإسلامية في بغداد والبصرة والموصل .
ونظرا لهذه الظروف تم إدراج مدينة نينوى العاصمة الآشورية القديمة شمالي العراق في قائمة الحفاظ على الآثار العالمية التي تضم 100 موقع توصف بأنها الأكثر عرضة للخطر في العالم ، وهذا دفع منظمة "اليونسكو" إلى إرسال بعثة أثرية لتفقد المواقع الأثرية المهددة في العراق ، والإعراب عن استعداد المنظمة للمشاركة في حملات لإنقاذ المناطق التى تغمرها المياه فى البلاد لنقلها إلى مواقع أخرى .

الملحق الرقم (5):
ملاحق تواكب الحالة التاريخية لمأساة الآثار العراقية
(5 أ): اكتشاف مدينة سومرية بنيت قبل 2700 عام في العراق
موقع الأخبار/ الفرنسية: 17/ 3/ 2001: اكتشف علماء آثار عراقيون مدينة سومرية يعود تاريخها إلى 2700 عام قبل الميلاد تضم أقدم مقبرة في التاريخ في منطقة أم العقارب جنوب العراق. وقال رئيس بعثة التنقيب حيدر عبد الواحد إن المدينة التي تبلغ مساحتها أكثر من ستة كيلومترات مربعة تقع في منطقة "أم العقارب" التي يطلق عليها هذا الاسم لانتشار العقارب فيها، وتبعد حوالي 300 كيلومتر جنوب بغداد.
وأضاف أن المدينة تضم وحدات سكنية، وقصرا، ومعبدا، ومقبرة كبيرة جدا فيها آلاف القبور، تعود إلى بدايات السلالتين السومريتين الثانية والثالثة (2300 -2060 قبل الميلاد), مما يجعلها أقدم مقبرة أثرية في العالم.
وتابع أن القصر يتألف من سور عرضه 2.5 متر، ومدخل وجزء من الممر, موضحا أنه يتألف من عدد من الغرف الصغيرة والكبيرة التي عثر في إحداها على تمثال على شكل كبش من حجر الكلس طوله 50 سم وعرضه 15 سم يبدو أنه كان يعود لأحد الأمراء.
وعثر الفريق العراقي في المقبرة على هياكل عظمية لبعض الرجال والنساء والأطفال من عامة الناس دفنوا في وضع القرفصاء.
وأضاف أن الفريق عثر أيضا على أوان فخارية وأدوات وصحون وكؤوس وجرار، وقلائد من الحجر الأزرق وبعض الأصداف البحرية التي كانت تستخدم زينة للنساء، بالإضافة إلى فؤوس وسكاكين.
وحول تحديد الحقبة التي تعود إليها هذه المدينة, أوضح عبد الواحد أن ختم بعض الأرضيات بأختام تعود إلى عصر السلالة السومرية الثانية ساعدنا في تحديد الفترة الزمنية لهذه المدينة التي تبعد حوالي 120 كيلومترا شمال المدينة الأثرية أور التي أنشئت في عهد السلالة السومرية الأولى حوالي العام 2500 قبل الميلاد.
ورأى مدير دائرة الآثار والتراث العراقية دوني جورج أن اكتشاف هذه المدينة حدث بالغ الأهمية يضيف بعدا جديدا إلى حضارة بلاد الرافدين. وأضاف أن المدينة المكتشفة واسعة، ويبدو أنها كانت مدينة إدارية ودينية مركزية, مشيرا إلى وجود معبد وزقورة (وهو هيكل هرمي الشكل يتكون من عدة طوابق، عرفته الحضارات العراقية القديمة) وقصر ومقبرة كبيرة. وذكر أن المعبد كان يلعب دورا أساسيا في حياة المدينة السومرية.
وقال المسؤول العراقي إن مساحة القصر تبلغ 2500 متر مربع، وارتفاع المعبد يبلغ سبعة أمتار، وهو مبني من اللبن المستوي المحدب، وكانت له أهمية فلسفية خاصة بالعالم السفلي للسومريين لأنه يشكل معبرا بين الحياة والموت.
وأشار جورج إلى أن العثور على زقورة ملاصقة للمعبد يعد أمرا غير مألوف في الاكتشافات السابقة في جنوب العراق. وكانت الزقورات التي يعود أقدم ما اكتشف منها إلى نهاية الألفية الثالثة قبل الميلاد, مقرا للسلطات الدينية والدنيوية.
يذكر أن الحضارة السومرية نشأت في بلاد الرافدين بين 3500 و1600 قبل الميلاد. وكانت سومر تتألف من مدن دويلات تتمتع كل منها باستقلال ذاتي ولها حاكمها وآلهتها.

(5 ب): العراق يسعى لاستعادة آثاره المسروقة من متاحف أوروبا
موقع الأخبار/ الفرنسية: 26/ 8/ 2001: أفادت تقارير صحفية أن العراق يسعى حاليا لاستعادة قطع أثرية مسروقة من متاحف في أوروبا. ونقلت الصحف عن رئيس هيئة الآثار والتراث العراقية جابر خليل إبراهيم قوله «إن هناك محاولات مستمرة عن طريق القنوات الدبلوماسية لإعادة ما تبقى من آثارنا المسروقة في الخارج». ونقلت صحيفة (الإعلام) عن إبراهيم إشارته إلى أن «هناك أجنحة كاملة في متحف اللوفر بباريس (فرنسا) ومتحف برلين بالمانيا والمتحف البريطاني تحوي بالكامل آثارا عراقية».
وأضاف إبراهيم أنه «في حالة استرجاع الآثار العراقية الموجودة فيها فإن أجنحة هذه المتاحف ستغلق بالتأكيد كونها قائمة على ما سرق من آثارنا خلال المراحل الزمنية الماضية».
وأوضح أن العراق «نجح في إعادة بعض الآثار التي سرقت خلال المراحل الماضية وكانت موجودة في بعض المتاحف الأجنبية بعد أن بذلت مساعي وجهودا في هذا الشأن».
كما نقلت صحيفة (تكريت) عن مصدر مسؤول في الهيئة العامة للآثار العراقية أن العراق أبرم اتفاقا مع كل من فرنسا وإيطاليا وروسيا لإقامة معرض للآثار العراقية في مدن هذه البلدان الثلاثة قريبا للتعريف بعمق بالحضارة العراقية. وأوضح أن المعرض سيقام في مدينة ليون الفرنسية والعاصمة الإيطالية روما ومدن روسية.
يشار إلى أن السلطات العراقية تمنع تصدير القطع الأثرية أو القديمة أو لوحات الرسامين المتوفين. وأعدم العراق في بداية عام 1998عشرة أشخاص في الموصل شمالي العراق لأنهم قطعوا رأس ثور مجنح من العهد السومري يزن طنا واحدا اكتشف في 1998.

(5 ج): يونسكو تحث أميركا على حماية آثار العراق من القنابل
موقع الأخبار/ رويترز: 29/ 3/ 2003: حثت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) الولايات المتحدة على حماية الميراث الثقافي الفريد للعراق، مشيرة إلى تقارير عن إصابة مواقع تاريخية بأضرار في الحرب التي بدأت في العراق قبل تسعة أيام.
وقال الأمين العام لليونسكو ماتسورا في بيان إن "مهد الحضارات (العراق) الذي يرجع إلى آلاف السنين يوجد به الكثير من الكنوز والمواقع التي تشكل جزءا ثمينا من ميراث البشرية جمعاء".
وحث ماتسورا الولايات المتحدة على اتخاذ كافة الخطوات الممكنة لحماية ميراث العراق الشديد الثراء والحفاظ عليه لمصلحة أجيال المستقبل.
وقال منير بوشناقي نائب مدير الثقافة باليونسكو إنه تلقى تقارير عن أضرار لحقت بمتاحف تكريت والموصل، وإنه شاهد لقطات على شاشات التلفاز لموقع قال إنه قصر الزهور في بغداد الذي أصابته القنابل. وأشار إلى إنه يوجد بهذا القصر متحف يحتوي على مجموعة مهمة من التحف. وأعرب بوشناقي أيضا عن القلق من أن متحف بغداد الوطني ربما أصيب أثناء هجوم على مبنى وزارة حكومية قريب. وأضاف "إنه يبعد 500 متر فقط, إنه أحد أروع المتاحف في الشرق الأوسط, وكنا قد انتهينا للتو من المساعدة في عملية ترميم له".
وأوضح بوشناقي أن اليونسكو أمدت واشنطن بخريطة للمواقع الأثرية والمتاحف في العراق، وأن وزارة الدفاع الأميركية تلقت تقارير من خبراء بارزين عن المواقع المعرضة للخطر آملين أن تحافظ تكنولوجيا القصف الأكثر دقة على أكبر عدد ممكن من المواقع الأثرية.
وبعد تسعة أيام من بدء الحرب التي تقودها الولايات المتحدة، قالت اليونسكو إن لديها تقارير من مصادر عراقية ومصادر أخرى عن أضرار لحقت بمبان ثقافية في بغداد ومدينة الموصل الشمالية ومدينة تكريت.

(5 د): الثروات الثقافية والأثرية في العراق مهددة بالحرب
موقع الأخبار/ الفرنسية: 4/ 4/ 2003: أعربت منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو) عن قلقها على ثروات وآثار العراق القديمة المهددة بسبب الحرب الدائرة حاليا على الأراضي العراقية, وأبدت خوفها من أن يكون بعض هذه الآثار تعرض لأضرار بسبب عمليات القصف. وقال عالم الآثار الجزائري منير بوشناقي المدير المساعد في قسم الثقافة في اليونسكو في باريس "تلقينا معلومات تفيد أن متحف تكريت -مسقط رأس الرئيس العراقي صدام حسين في شمال البلاد- أصيب بالقصف وكذلك متحف الموصل وقصر في بغداد يضم قطعا أثرية تعود إلى عهد الملكية".
وأعرب بوشناقي عن قلقه من الوضع في البصرة والنجف التي تضم قبر علي بن أبي طالب وكربلاء التي تضم ضريحي الحسين بن علي (حفيد الرسول محمد صلى الله عليه وسلم) الذي قتل في القرن السابع الميلادي, وشقيقه العباس. أما البصرة فهي مدينة تاريخية ازدهرت في ظل العباسيين وذاعت شهرتها في الآفاق بفضل ثرواتها.
وكانت اليونسكو نبهت الولايات المتحدة قبل بدء الحرب إلى أهمية التراث العراقي حيث طالب عدد من علماء الآثار والمعاهد الجانبين ببذل كل ما يلزم من أجل تفادي تدمير الآثار التي سبق لها أن تعرضت لأضرار كبيرة في حرب الخليج الأولى.
وتم تسليم وزارة الدفاع الأميركية لائحة بأربعة آلاف موقع وبناء أثري هي الأكثر أهمية في العراق, على أمل أن يتم تجنبها في القصف, لكن العراق اتهم قوات التحالف الأميركي البريطاني بتدمير هذه المواقع, بينما يزعم التحالف أن العراقيين يحتمون بهذه الآثار وبالأماكن الدينية ويخبؤون أسلحة داخلها.
وقال رئيس المكتب الوطني للآثار العراقية جابر خليل إبراهيم في مارس/ آذار الماضي إن المتاحف العراقية الثلاثة والثلاثين اتخذت إجراءات وقائية قبل الحرب, فقد وضعت قطعا ثمينة في مستودعات تحت الأرض وتم تثبيت عدد من التماثيل بالجدران, كما كتب المسؤولون عن المواقع الأثرية بخط كبير على سطوح الأبنية التي تتضمن ثروات ثقافية وفنية كلمتي (متحف) و(يونسكو). وقال إبراهيم إنه سيتم نشر عناصر من الأمن في المواقع التي سيدافع عنها مسلحون من السكان ولم يذكر تفاصيل عن الإجراءات المتخذة من أجل عدم تكرار عمليات النهب والسرقة التي جرت بعد حرب الخليج.
وإذا كان متحف بغداد الأثرى الذي يضم مجموعة تنافس في حجمها وقيمتها مجموعة المتحف البريطاني في لندن قد نجا من التدمير والنهب, إلا أنه عانى من نقص الصيانة بسبب الحصار الذي فرض على العراق, ولم يتم فتحه من جديد إلا في العام 2001.
ويقول علماء الآثار إن هناك 500 ألف موقع أثري في العراق غير معروفة حتى الآن, إلى جانب عشرة آلاف موقع مسجل، وبين المواقع غير المعروفة هناك 25 ألف موقع شديدة الأهمية يخشى عليها من القصف.
وقد جرت عمليات تنقيب في 15% فقط من الأراضي العراقية يقع معظمها وسط البلاد بين الفرات ودجلة, أي في بلاد ما بين النهرين التي تعتبر مهد الإنسانية وحضنت ستة آلاف عام من الحضارات العريقة من السومرية إلى الآكادية إلى البابلية إلى الآشورية والفارسية والعباسية.

(5 هـ): علماء الآثار المصريون يطالبون اليونسكو بحماية تراث العراق
موقع الأخبار/ الفرنسية: 6/ 4/ 2003: طالب علماء الآثار المصريون المنظمات الدولية المعنية بحماية التراث والآثار العراقية بكل الأشكال لأهميتها في تاريخ الإنسانية بعصورها وأزمنتها المختلفة, وأعربوا في بيان لهم عن قلقهم على التراث الأثرى العراقي. وناشد البيان المجتمع الدولي وخصوصا منظمة اليونسكو ولجنة حماية التراث العالمي التابعة لها التدخل السريع لحماية تراث العراق من الدمار والضياع بوصفه تراثا إنسانيا لا يعني العراق وحده.
وقال الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار زاهي حواس إن "الاعتداءات الأميركية والبريطانية وقصفها كل الأماكن دون تمييز يعرض التراث والآثار العراقية في البصرة وبغداد والنجف وكربلاء ونينوى لأكبر كارثة تتعرض لها البشرية منذ الحرب العالمية الثانية". واعتبر أن هذا التدمير يخالف جميع الاتفاقيات الدولية المعنية بحماية الآثار كـ"اتفاقية برن" لحماية الملكية الثقافية و"اتفاقية لاهاي" عام 1954 المعنية بحماية الممتلكات الأثرية أثناء النزاعات المسلحة.
وأكد مدير آثار شمال الدلتا محمد عبد المقصود أن العراق يضم تراثا أثريا فريدا ومتميزا كمتحف بغداد القومي للآثار الذي يضم آلاف القطع الأثرية القديمة المهمة من الحضارة السومرية التي بدأت آلاف الأعوام قبل الميلاد عبورا بالكلدانيين والبابليين والآشوريين وغيرهم مثل الفرس واليونان والعرب. و"هناك أيضا ألواح من مكتبة الملك البابلي بانيبال الذي امتلك أكبر وأهم مكتبة في التاريخ من الألواح المكتوبة في شتى أنواع المعرفة وضمنها الألواح الخاصة بقصة الطوفان التي تتشابه مع طوفان نوح".

(5و): تحذير مصري من تعرض الآثار العراقية للتدمير أو السرقة
موقع الأخبار/ رويترز: 8/ 4/ 2003: شدد المجلس الأعلى للآثار بمصر على أهمية الحفاظ على التراث الحضاري العراقي في خضم الحرب الدائرة هناك باعتباره تراثا عالميا.
وحملت اللجنة الدائمة للآثار المصرية والإسلامية برئاسة زاهي حواس الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار الولايات المتحدة وبريطانيا مسؤولية الحفاظ على الممتلكات الثقافية العراقية تنفيذا لاتفاقية لاهاي الصادرة عام 1954 واتفاقية التراث العالمي الصادرة في باريس عام 1972 بشأن حماية الممتلكات الثقافية أثناء النزاعات المسلحة.
وطالبت اللجنة في بيان أصدرته اليوم الثلاثاء الولايات المتحدة وبريطانيا بالامتناع عن قصف الأهداف العراقية المدنية خاصة المنشآت والمواقع والمتاحف الأثرية والتاريخية, حيث نبه البيان إلى أن استخدام القنابل ذات القدرات التدميرية الهائلة التي تخترق باطن الأرض من شأنه تدمير الآثار المدفونة تحت سطح الأرض التي لم تكتشف بعد.
وأشار البيان إلى المخاطر التي تهدد متحف بغداد الأثري الذي يضم حوالي 100 ألف قطعة أثرية من كنوز الحضارات العراقية المتعاقبة منذ ما قبل التاريخ وحتى الألف الأول الميلادي.
وأهابت اللجنة بالمنظمات الدولية كالأمم المتحدة واليونسكو والمنظمات غير الحكومية للتدخل لوقف عمليات القصف واتخاذ الخطوات العاجلة للحفاظ على الممتلكات العراقية من التدمير أو السرقات.

(5 ز): أعمال النهب تطال متحف بغداد الأثري
الأخبار/ وكالات: 11/ 4/ 2003: شملت أعمال النهب في بغداد اليوم الجمعة متحف بغداد الأثري, وهو المتحف الأهم في العراق, حيث قام حوالي عشرة لصوص بسرقة الموجودات من قاعات المتحف العراقي الذي أصبحت مكاتبه الإدارية فارغة تماما.
وكانت هناك على الأرض تحف من الفخار وتماثيل محطمة, كما تبعثرت على الأرض صناديق خشبية فارغة, في حين خرج رجلان من المتحف وهما يحملان بابا أثريا من إحدى القاعات الواقعة في الطابق الأرضي.

(5 ح): الأميركيون شجعوا على انتشار عمليات السلب والنهب.. والبغداديون بدأوا يتحسرون على عهد صدام حسين
انعدام الأمن، وانتشار السلب والنهب، وغض الطرف الأميركي المتعمد عنها يدفع العراقيين للتساؤل عن «التحرير الأميركي».
ميدل ايست اونلاين الجمعة 11 إبريل 2003 - 9 صفر 1424هج بغداد - سامي كيتز ، وعز الدين سعيد يشعر سكان بغداد بالغضب ازاء التسيب الامني الحاصل في العاصمة العراقية وعمليات النهب والفوضى، وقد بدأ كثيرون منهم يتحسرون على صدام حسين. فقد لجأ التجار في وسط بغداد الجمعة الى السلاح لمواجهة السارقين الذين لا يكتفون بنهب المحلات التجارية بل يعملون ايضا على احراقها، من دون ان تتدخل القوات الاميركية لوقف هذه الممارسات. ويقول محمد الصفا (53 عاما) الذي يملك محلا للوجبات السريعة "انهم سارقون وهمجيون. كلهم يأتون من مدينة صدام"، الحي الشيعي الفقير جدا في الضواحي الشمالية للعاصمة. ويقول كاظم الفرتيسي (52 عاما) وهو يشير الى سوق العربي الذي تم احراقه كله من الداخل "لقد جاؤوا الخميس وسرقوا كل شيء ثم اضرموا النار"، وهو يملك محلات عدة في هذا السوق الذي كان يقصده سكان بغداد لشراء معدات كهربائية ومنزلية وملابس. ويضيف "بالتأكيد اننا نتحسر اليوم على صدام حسين. في ايامه لم يحصل هذا بتاتا. لم يكن هناك لصوص. والشرطة كانت تمنع الناس من ارتكاب مثل هذه الجرائم. الاميركيون موجودون هنا لاحتلالنا وافلاسنا". في الشوارع المجاورة، ينجح بعض التجار المحظوظون في تحميل بضاعتهم التي نجت من السرقة في شاحنات، فيما يقوم آخرون بالحراسة. في الشارع، يطلق محمد الشماعي النار من مسدسه لدى رؤية مجموعة من المخربين الشبان يتجهون نحوه. ويقول بانفعال "نريد القانون، نريد النظام، نريد ان يحمي الاميركيون محلاتنا"، مشيرا الى انه خسر بضاعة بقيمة 50 الف دولار. ويقول مشعل شاهي (37 عاما) "انهم يحمون وزارة النفط ووزارة الخارجية، لكنني رايتهم بعيني يشجعون اللصوص على القيام بسرقاتهم". ويؤكد ان التجار سيشكلون ميليشيا للدفاع عن ممتلكاتهم. ويتساءل حازم شامي "لماذا لا يجبر الاميركيون عناصر الشرطة على العودة الى العمل؟ لم يكن واردا ان تحصل مثل هذ الفوضى في عهد صدام حسين"، مشيرا الى ان زعماء العشائر تولوا زمام الامور في القرى مع غياب مؤسسات الدولة. ولا يقتصر الغضب على التجار. ففي مسجد 14 رمضان في وسط بغداد يبدي عدد من المصلين غضبهم من اعمال النهب والحواجز الاميركية في الطرق. ولم يتمكن سوى عشرين مصليا تقريبا من تجنب حواجز الجيش الاميركي للوصول الى المسجد في ساحة الفردوس. اذ ان الدبابات الاميركية تقفل الطرق الاربع التي تؤدي الى الساحة حيث تم تدمير تمثال ضخم لصدام حسين بعد ساعات من دخول القوات الاميركية الى العاصمة العراقية. ويقول المؤذن لؤي داوود "عادة هناك ما بين 15 الفا و20 الف شخص يأتون للصلاة في هذا المسجد الجمعة، لكن كل الطرق مقفلة اليوم". ويضيف غاضبا "هل التحرير يعني اقفال المساجد؟". ويتهم الجنود الاميركيين بتسهيل عمليات النهب في المدينة. ويقول "بدلا من حماية املاك الشعب، يقتحمون ابواب (الادارات) بدباباتهم ويفتحون المجال امام المخربين لفعل ما يشاؤون". ويعبر المصلون الواصلون الى المسجد تباعا بصوت عال عن استيائهم مما شاهدوه من اعمال تخريب ونهب على الطريق. ويقول احدهم "لا نريد هذا التحرير اذا كنا لا ننعم بالامن". ويقول محمد زكي العبيدي نجل امام المسجد من جهته "كان لدينا الامن على الاقل خلال حكم صدام حسين". ويتهم "الاميركيين بانهم يريدون تدمير كل شيء لكي تقوم شركاتهم باعادة البناء فتربح المال الوفير". ويحل صمت تام بعد دعوة المؤذن المصلين للصلاة، ذلك ان خطيب الجمعة لم يتمكن من الوصول هو ايضا. ويرى فايز خليل ان "الاميركيين لم يأتوا من اجل صدام حسين. يقولون انهم يحاربون الارهاب، بينما هم انفسهم يمارسون الارهاب". ويضيف بعد تأكيده انه ليس من مناصري حزب البعث "بعدما رأيت كل اعمال النهب هذه بدأت احب صدام حسين". اما الاردني محمد صدام الحمايدة الطالب في كلية الطب في جامعة بغداد، فيرفض الاقرار بسقوط بغداد. "ما دام الرئيس صدام على قيد الحياة، فالعراق سيبقى حرا". وقد اختار والد محمد صدام الحمايدة اسم ولده نتيجة الاعجاب الشديد الذي يكنه للرئيس العراقي الذي لم يظهر للعيان منذ الاثنين الماضي. ويقول صدام الاردني "لقد تدربت مع مجموعة من المتطوعين العرب للقتال ضد القوات الاميركية، ولكن للاسف لم يتم اختياري للمشاركة في القتال".

(5 ط): ما لم يسرق، تم تحطيمه.. المتحف الوطني العراقي في ذمة التاريخ
مجموعة المقتنيات الاهم والاقدم في العالم تنهب وتخرب على ايدي الغوغاء امام اعين الجنود الاميركيين.
ميدل ايست اونلاين الاثنين 14 إبريل 2003 - 12 صفر 1424هج بغداد – زياد حارس: "أنقذوا المتحف العراقي أنقذوه من أجل الانسانية أنقذوا خمسة آلاف سنة من الحضارة والتاريخ"، هذا ما رددته صارخة والدموع تسيل من عينيها نضال أمين مديرة المتحف الوطني العراقي السابقة. وقالت نضال "يمكن للمرء أن يسرق الطعام من أحد ليأكله ويمكن له أن يسرق أي شيء ومن أي كان ليبيعه من أجل الحصول على مبلغ من المال ليؤمن حاجاته لكنه من غير الممكن أن يسرق الانسانية كلها ويدمرها". وتعمل نضال منذ أكثر من 30 عاما في هيئة الآثار والتراث العراقية، وهي تشرف حاليا على صرح المدرسة المستنصرية الاثري في المدينة القديمة ببغداد. وقالت السيدة إن المتحف العراقي يضم في قاعاته كنوزا أثرية لا تقدر بثمن ابتداء من أقدم الحضارات، السومرية مرورا بالبابلية فالاشورية فالاسلامية. واتهمت نضال الجنود الامريكيين بالتقاعس عن حماية المتحف العراقي، قائلة "هذا أكبر دليل على فقدانهم للوعي الحضاري وجهلهم وتجاهلهم للتاريخ". وكان المتحف الوطني العراقي قد تعرض لاعمال نهب وسلب وتخريب كبيرة لايام متتالية عقب سقوط نظام حكم الرئيس صدام حسين على أيدي القوات الامريكية الاسبوع الماضي وسقوط بغداد أيضا. وأصبحت خزانات العرض في المتحف الضخم الذي يقع على ساحة تسمى ساحة المتحف العراقي ينتصب في مواجهتها نصب يمثل بوابة عشتار البابلية والثور المجنح الاشوري، فارغة من محتوياتها من الاثار ومحطمة الزجاج على أيدي اللصوص والمخربين. ولم يكترث المخربون لوجود الصحفيين في المتحف حيث واصلوا عمليات النهب وهم يبتسمون ولم تنفع توسلات حارس المتحف أبو حسن لهم أن يتركوا المتحف حيث لم يبق فيه شيء يذكر مما يمكن حمله. وقال أبو حسن " لقد ذهبت بنفسي إلى بعض الجنود الامريكان الذين كانوا يتواجدون قرب دبابتهم وتوسلت إليهم أن يمنعوا هؤلاء السراق ولو بإيقاف دبابتهم أمام بوابة المتحف أو بإرسال مجموعة من الجنود لحمايته ولكن دون جدوى". وكانت منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) قد دعت السبت قوات التحالف في العراق إلى حماية ثروات البلاد الثقافية باعتبارها أمرا ملحا بعد عمليات السلب والنهب التي تعرض لها المتحف. وقال مدير عام اليونسكو كويتشي ماتسورا في رسالة للحكومة الامريكية إن مجموعة المقتنيات في المتحف الوطني تعتبر جزءا من ثروات العالم القيمة التي يجب حمايتها بأي ثمن.

(5 ي): اللصوص نهبوا كل شيء حتى المقاعد الدراسية.. غضب في جامعة البصرة بعد تعرضها للنهب
عميد الجامعة يتساءل عما إذا كان الأمر يتعلق بـ«تحرير العراق» ام تحرير اللصوص، وآخرون يدعون لمحاكمة اللصوص كمجرمي حرب.
ميدل ايست اونلاين الاثنين 14 إبريل 2003 - 12 صفر 1424هج البصرة (العراق) - كريس اوتان يشاهد عميد جامعة البصرة بعجز تام عمليات النهب الذي تتعرض لها جامعته ويتساءل وقد استبد به الغضب "اجيبوني، هل الامر هو تحرير العراق او تحرير اللصوص؟". فهذه الجامعة لم تسلم من دوامة العنف التي اعقبت دخول القوات البريطانية الثلاثاء مدينة البصرة، اكبر مدن جنوب العراق، وكانت الاحد نهبا للصوص الذين عاثوا فيها نهبا وتخريبا. فقد خرج هؤلاء اللصوص من الجامعة بعربات محملة باجهزة كمبيوتر ومكيفات هواء وتجهيزات مختلفة فيما قام آخرون باشعال النار في اماكن متعددة داخل الحرم الجامعي. وطالت اعمال التخريب كل اقسام الجامعة تقريبا. فقد نزعت مقاعد قاعة المطالعة التي كانت تتسع لنحو 200 طالب. والقيت اشرطة الافلام التعليمية على الأرض التي غطاها الزجاج المحطم. وقال عميد الجامعة عبد الجبار الخليفة غاضبا "القوات البريطانية هي المسؤولة تركت اللصوص يدخلون الجامعة ولم تمنعهم من القيام بأعمال السرقة" ويضيف "سرقوا كل شيء قبل ان يصبوا البنزين ويشعلوا النار". ويبدو ان موعد فتح ابواب الجامعة، التي اغلقت في 20 اذار/مارس ما زال رهنا بالتطورات. مشاهد اعمال النهب والسلب في البصرة ليست غريبة على سكانها. فهي تشبه الاحداث التي شهدتها المدينة قبل 12 عاما عندما انتفض سكانها ضد الحكومة العراقية في غمار حرب الخليج 1991 قبل ان تنجح بغداد في قمع هذه الانتفاضة. وقال استاذ الاقتصاد محمود الحبيب "عرفنا شيئا مشابها في التسعينات لكن ما يحدث اليوم هو اعصار". واضاف الحبيب (81 عاما) الذي يمارس التعليم في الجامعة منذ ان فتحت ابوابها عام 1964 "انها كارثة. شاهدت افتتاح هذه الجامعة. ما جرى يعني بالنسبة لي نهاية العالم، فهذا يحطم قلبي". درس الحبيب سابقا في تكساس وانتقد، على غرار عميد جامعته، تصرف الجنود البريطانيين الذين "لم يبذلوا اي جهد في الايام الاولى (...) ولم يتدخلوا الا في وقت متأخر جدا". من ناحيته اوضح ناطق عسكري بريطاني المصاعب التي حالت دون منع اعمال النهب والسلب في الايام الاولى لدخول المدينة وعزاها الى استمرار الاشتباكات. ولاحقا تمركزت دبابات القوات البريطانية امام المباني الحكومية الرئيسية مثل مستشفى المدينة ومصارفها الا انه لم يشاهد اي جندي بريطاني الاحد في محيط الجامعة. واعتبر براق جواد مدرس القانون المدني ان الذين اعتدوا على الجامعة يجب ان يعاملوا كمجرمي حرب لا معارضين لنظام صدام حسين يعبرون عن غضبهم المكتوم. وقال مشيرا بيده الى صورة لصدام حسين ما زالت تتدلى من عمود للاضاءة داخل الحرم الجامعي "هنا ما زالت صورة صدام حسين معلقة" و"هناك تمثال لصدام ما زال قائما خارج الحرم لم يمسه احد. اعتبر بوش (جورج) ان ردود فعل الشعب العراقي هي ردود فعل طبيعية بعد عقود من القمع لكن ما جرى ليس طبيعيا". واضاف غاضبا "لا علاقة لما جرى بالسياسة.انهم لصوص" لافتا الى ان منع القوات البريطانية اللصوص من سرقة المكتبة خفف من حجم الاضرار التي لحقت بالجامعة والتي كانت "ستكون افدح بكثير". من ناحية اخرى اكد جواد ان عمليات التخريب التي طالت الجامعة لن تمنع الاساتذة من استئناف عملهم رغم انهم لم يقبضوا رواتبهم منذ عدة اشهر وقال "انا جندي اقاتل بالقلم لا بالسلاح".

(5 ك): المتحف الوطني العراقي ترك عمدا دون حراسة لتسهيل سرقته ونهبه.. لماذا تغاضت القوات الغازية عن سرقة الآثار العراقية؟
علماء اثار يتهمون لندن وواشنطن بالإمبريالية الثقافية بعد غضهم الطرف عن عمليات النهب والسلب لواحدة من اغنى حضارات الارض.
ميدل ايست اونلاين الثلاثاء 15 إبريل 2003 - 13 صفر 1424هج لندن - الكسندر بيريل اتهم علماء اثار بريطانيون قوات التحالف الاميركي البريطاني باهمال حماية المتاحف والمواقع الاثرية مقابل حرصها على تامين حقول النفط مبديين اسفهم الشديد على ضياع اثار عراقية لا تقدر بثمن. ويصف هؤلاء الخبراء ما حدث بأنه "مأساة"، ويعربون عن الاسى لانتهاء مثل هذه الثروات التي تعتبر ملكا للبشرية عبر مسالك تهريب الآثار في منازل اثرياء من جامعي التحف او متاحف مشكوك في نزاهتها. ويقول الكس هنت، الباحث والامين على الآثار في مجلس الآثار البريطانية في يورك، شمال بريطانيا، "ان حماية وزارة النفط واهمال حماية متحف الآثار في بغداد، يعكس موقف التحالف من التراث الثقافي". ويضيف جيريمي بلاك، المتخصص في الآثار العراقية في جامعة اوكسفورد (وسط) "لقد تم تنبيههم الى ذلك. وكان من الممكن تفادي ما حدث"، مشيرا الى استقبال مسؤولين في وزارة الدفاع الاميركية علماء اثار اميركيين جاءوا لتنبيه المسؤولين العسكريين من احتمال تعرض المواقع الاثرية للنهب وحددوا نحو خمسة الاف موقع اثري تحتاج الى الحماية. ويتابع الكس هنت "اعتقد ان العالم لم يشهد منذ الحرب العالمية الثانية اعمال نهب بهذا الحجم". ويشير علماء الاثار الى اتفاقية لاهاي لعام 1953 والتي تلزم الاطراف المتحاربة بحماية الارث الثقافي في موقع النزاع، وينددون بكون الولايات المتحدة وبريطانيا بين قلة من الدول التي لم توقع تلك الاتفاقية. ونشر عدد من علماء الآثار المعروفين مقالا في صحيفة "الغارديان" البريطانية شجبوا فيه موقف المتفرج الذي وقفته القوات الاميركية والبريطانية من اعمال النهب التي استهدفت الآثار والاعمال الفنية لا سيما في مدينة الموصل، شمال العراق، وفي البصرة، في الجنوب، وفي بغداد. وعبر علماء الآثار عن استيائهم ازاء الضغوط التي مورست في الولايات المتحدة بهدف "تخفيف القوانين الهادفة الى حماية الارث الثقافي العراقي"، والتي تحظر بيع اعمال فنية في الخارج بحجة ان هذه القطع ستكون في مأمن في الولايات المتحدة. ويقول الكس هنت "هذه الامبريالية الثقافية بعينها". وبدأ فعلا تهريب هذه القطع الاثرية النادرة ويعتقد ان قطعا منها عرضت على جامعي اثار في باريس، وفق شائعات سرت في لندن ويصعب تاكيدها. وفي ظل رفض دور مزادات عريقة مثل كريستيز وسوذبيز بيع قطع تشك في مصدرها، تنشط شبكات التهريب في السوق السوداء. ويقول جيريمي بلاك ان هناك "مجموعات جيدة التنظيم متخصصة في التهريب وعلى اتصال بمراجع داخل العراق ومع المتاحف. هؤلاء يستهدفون قطعا محددة" لانهم يعملون على تلبية "طلبات" مهربين يعملون لحساب جامعي اثار. ويضيف بلاك الذي امضى ست سنوات في العراق في الثمانينات ان "طرق التهريب تمر عبر الاردن واسرائيل وسويسرا وباريس ولندن ونيويورك. واللصوص يعرفون اين يمكنهم بيع معروضاتهم". ويؤكد ان مثل هذه الشبكات السرية تأسست منذ حرب تحرير الكويت في العام 1991. ويقول لوك هنت ان هذه الشبكات اقامت "علاقات مع شبكات تهريب الاسلحة والمخدرات". وكان متحف بغداد يضم اكثر من 200 الف قطعة اثرية من منطقة ما بين النهرين، مهد الحضارات السومرية والاكادية والبابلية والاشورية، والتي قدمت للانسانية الكتابة والحساب ومدنها الاولى. واعلنت واشنطن ولندن اخيرا التزامهما بالعمل على حماية التراث التاريخي العراقي، لكن علماء الآثار يؤكدون ان ذلك جاء متأخرا. ويقول بلاك "ما ان يتم اخراج القطع من العراق يصبح من المستحيل العثور عليها".
وبدوره وصف المتحف البريطاني الثلاثاء نهب الاثار العراقية بانه "كارثي" معلنا عزمه على ارسال علماء اثار وامناء لمساعدة المسؤولين العراقيين على حماية الآثار وتسجيلها وحفظها. وقال مدير المتحف البريطاني نيل ماكغريغور "نامل ان تتحرك الحكومة البريطانية والاسرة الدولية بسرعة لاتخاذ التدابير اللازمة لمنع حدوث مزيد من الاضرار والعثور على القطع المسروقة والحفاظ على ما يمكن ترميمه". ومن المقرر عقد اجتماع الخميس لمسؤولي اليونيسكو والمتحف البريطاني لبحث خطط الترميم والاصلاح. ويتوقع ان ينتظر خبراء المتحف البريطاني تحسن الوضع الامني قبل التوجه الى العراق. ويؤكد المتحف البريطاني انه يضم اكبر مجموعة لاثار ما بين النهرين خارج العراق.
(5 ل): مدراء المتاحف بأميركا يدعون لاسترجاع تحف العراق المسروقة
الأخبار/ الفرنسية: 15/ 4/ 2003: وجهت جمعية مدراء المتاحف الفنية في أميركا نداء إلى المتاحف وهواة جمع التحف في العالم طالبة منهم عدم شراء تحف سرقت مؤخرا من متحف بغداد، وإعلام السلطات المعنية بأي معلومات يمكن أن تؤدي إلى استرجاع هذه القطع.
ومن جهة أخرى قرر نحو 30 خبيرا دوليا عقد اجتماع بعد غد الخميس في مقر منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم "اليونسكو" بباريس لاستعراض وضع حالة التراث الوطني العراقي وإقرار إستراتيجية للتدخل على وجه السرعة.
وأوضح نائب مدير اليونسكو للشؤون الثقافية العالم الأثري منير بوشناقي أن هدف هذا الاجتماع المغلق هو إرسال خبراء إلى العراق بأسرع وقت ممكن في غضون أسبوع أو أسبوعين إذا ما سمح الوضع بذلك، معربا عن قلقه الشديد من الوضع الخاص بالتراث العراقي لاسيما بعدما تم نهب متاحف بغداد والموصل وإحراق المكتبة الوطنية في بغداد وتعرض مركز المخطوطات أيضا للنهب.
وأكدت الولايات المتحدة أنها ستلاحق المسؤولين عن عمليات نهب وتخريب وسرقة الأماكن التي كانت تحتوي التراث التاريخي في العراق حتى خارج البلاد، بحسب ما أعلنت وزارة الخارجية الأميركية.
وقال وزير الخارجية كولن باول إنه أجرى اتصالات بهذا الشأن مع اليونسكو وبحث المسألة مع وزير الخارجية اليوناني جورج باباندريو الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي.

الملحق الرقم (6)
تدمير حضارة العراق( )
مظاهر ونماذج تدمير الثقافة العراقية
تفاصيل الحوار:
نداء كاظم: بدأ النهب والسلب وحرق كل مظاهر الحضارة والثقافة، وذلك بأيدٍ خفية ومنظمة ومدفوعة، الفوضويون يسرقون المواد والحلي وما شاكل ذلك، أما الذين يسرقون الفكر ويحرقوه ويدمروه فهذه مسألة أخرى.
أحمد منصور: خلاف المتحف الوطني العراقي والمكتبة الوطنية، ما هي أهم المكتبات؟ ما هي أهم دور الوثائق التي نُهبت وحُرقت؟
نداء كاظم: سُرق المتحف الوطني والأعمال اللي ما استطاعوا أن يسرقوه بدءوا يهشموها، وبعدين سُرقت المكتبة الوطنية، وفي الليل حُرقت، دخلها ناس متسترين وحرقوها، وسُرقت مكتبة الوثائق.. الوثائق والمخطوطات في شارع حيفا وحُرقت، وسُرقت مكتبة الأوقاف، وهذه من أهم المكتبات النفيسة، وحُرقت أيضاً. إن عملية حرق بغداد منظمة، ووراءهم ناس من خارج البلد... حُرق مركز صدام للفنون، وسُرقت كل الأعمال الفنية، أعمال فايق وجواد والفنانين الآخرين، والأعمال التي لا تستطيع أن.. سرقها تُهشَّم.. تُهشَّم وتُحرق.. وتحرق.
د. هاشم يحيى الملاح: نعم.. في الحقيقة في الليل حوالي الساعة الثالثة من ليلة الجمعة هجمت مجموعة على متحف الحضاري في الموصل، وكانت الآثار مخزونة في أماكن حصينة، فقام هؤلاء المخربون بتحطيم جدران هذه الغرف الحصينة، وقاموا بسرقة الآثار الموجودة فيها وقد اتصلت بمدير المتحف لأسأله عن تفاصيل ما جرى، فأكد لي هذه الوقائع وقال بأنهم لم يقوموا بعملية جرد كامل للتعرف على مقدار المسروقات من المتحف، لكن المسألة الكبيرة هو أن معظم آثار متحف الموصل ومتحف دهوك قد نُقلت إلى متحف بغداد، وهي أيضاً في مخازن حصينة، لكن المخربين قاموا بتحطيم تلك المخازن وسرقة تلك الآثار..
في الحقيقة أنا أحد أساتذة جامعة الموصل التي أعمل فيها منذ حوالي 37 سنة لقد أُخبرت منذ الصباح أن مجموعة من المخربين دخلوا جامعة الموصل وسرقوا كل ما فيها من سيارات، كخطوة أولى ثم بدءوا بسرقة مباني الجامعة فسرقوا المختبرات والمكتبات، ثم أخذوا يسرقون الأثاث، وقاموا بتشجيع الغوغاء على النهب.
لم يبقَ في الجامعة شيء .. الحقيقة هاجموا مكتبة الجامعة وحطموا أجزاء كبيرة منها وسرقوا منها الكتب وكذلك دخلوا إلى مكتبات الكليات وفعلوا مثل ذلك..
د. طالب البغدادي: أنا في تماس مباشر مع كل هذه المؤسسات، مع كل المحتويات في هذه المؤسسات، وأعرف تقريباً بالتفصيل ماذا تحوي هذه المؤسسات، حينما قالت 170 ألف، العدد لا يهمني، بقدر ما يهمني ما تحتويه هذه المؤسسات، ما يحتويه المتحف العراقي.
كل المحتويات فيها نفيسة، ولكن أنفس المحتويات في قناعتي أنه تجد في هذا المتحف كيف استطاع الإنسان أن يخترع الكتابة ولأول مرة في الكون، ويقدم للبشرية كيف يُكتب الفكر وكيف تُنقل الفكرة على الطين وعلى الرُقم الطينية.
تجد في هذا المتحف أول قيثارة صنعها الإنسان في التاريخ برأس العجل الذهبي المثبت عليها، تجد في هذا المتحف ملحمة (جلجامش) وهي مسطرة ومكتوبة ومحفورة على لوحات من الرخام، ملحمة جلجامش ماذا تعني؟ تعني فكر كامل يناقش لحد اليوم - فكرة الموت والحياة، فكرة الخلود والفناء، فكرة صراع الإنسان مع الطبيعة الذي يؤدي إلى التطور الحضاري، في الرُّقم الطينية في المتحف العراقي تجد شرائع (أورنمو) التي هي أقدم من شرائع (حمورابي) بحوالي 2000 سنة، وتجد ما تجد، هذه هي القيمة الإنسانية الموجودة في هذا المتحف، تجد في هذا المتحف أول مولِّد عرفه الإنسان على ما أتذكر 25 وات كهربائي تكتشفه الحضارة العراقية قبل آلاف السنين، تجد المعادلات الرياضية في الزمن البابلي تجد مكتبة (آشور بانيبال) الملكية التي تحوي على آلاف مؤلفة من اللوحات المرمرية والمنحوتة، أنا لا أتكلم عن التماثيل، أتكلم عن ما تحتويه من فكر ومن أشياء ساهمت في تطور الإنسانية وفي قناعتي في تطور الكون بأكمله.
أحمد منصور: لكن (بول وولفويتس) نائب وزير الدفاع الأميركي كان له وصف مميز لما حدث من عمليات سلب ونهب في بغداد، حيث قال: إن عمليات النهب والسطو في بغداد وكركوك والموصل هي تعبير عن الحرية؟
د. طالب البغدادي: الأخ نداء شاهد عيان، وحينما يكون شاهد عيان يكون رأيه وهو المثقف العراقي الأصيل في رأيي أنا أعتمد هذا الرأي ولا أعتمد الرأي الآخر.

مدى مسؤولية الأميركان في تدمير حضارة العراق
أحمد منصور: أستاذ نداء في بغداد، هل تعتقد حرق المكتبة الوطنية التي تحوي أهم الوثائق الرسمية في تاريخ العراق، نهب وحرق المتحف الوطني العراقي الذي يحوي حضارة الإنسانية لأكثر من 5 آلاف عام، المكتبات التي ذكرتها، مكتبة الأوقاف بمخطوطاتها وبما تحتويه من آثار وغيرها من عشرات المكتبات والمراكز الثقافية الأخرى؟
نداء كاظم: ودار الوثائق أيضاً أستاذ.. دار الوثائق المهمة في شارع حيفا.
أحمد منصور: نعم، نهب هذه الأشياء وحرقها، يعني هل تم من أناس فوضويين عاديين أم أن هذا الشيء كان منظماً ومرتباً ومن يقف وراءه؟
نداء كاظم: منظم أستاذ. هذا منظم تنظيم جيد، وهذا التنظيم مُسبق، أحكي لك مثل، رحت إلى مركز صدام، شفت الفوضويين يسرقون، فظليت أتصارع معهم، وساعدني بعض الناس جمعنا اللوحات الباقية المتبقية، دخلناها جوة، وحاولنا نحافظ عليها واترجيت اثنين من الإخوان أن يحرسوها قالوا لي: إحنا ما نقدر نحرسها بدون سلاح، أنا منين أجيب السلاح؟ قلت لهم بس أمهلوني إلى غد، حتى أؤمن لكم حماية، أو سلاح، اليوم الثاني رحت لقيت مركز صدام محروق، فسألت الموجودين قالوا: بالليل إجوا سيارتين، نزلوا من عندهم مسلحين، أطلقوا النار علينا، إحنا هربنا وهم قاموا بعملية الحرق، حرقوا وتسللوا وطلعوا..
نداء كاظم[مستأنفاً]: هم كانوا ما غايتهم السرقة..
أحمد منصور: إحنا شاهدنا اليوم حتى من زميلنا مراد هاشم كان يقف وراء مؤسسة تحترق، والمؤسسات تحترق في بغداد، وكأن يعني عدم ترك أي آثار تاريخية لما حدث.
نداء كاظم: مضبوط.
أحمد منصور: وأنت أستاذ تاريخ أيضاً وشاهد على ما حدث، أرجو أن تتكلم بشكل متواصل، لا تتوقف في الكلام، أنت شاهد على ما حدث. السيدة نبيهة الأمين (نائبة مدير المتحف الوطني العراقي) حمَّلت القوات الأميركية مسؤولية نهب 170 ألف قطعة أثرية من المتحف هناك مظاهرات اندلعت أمس واليوم أمام فندق الشيراتون في بغداد، أيضاً لتحمِّل الأميركيين مسؤولية الفوضى والأشياء التي حدثت، هل تعتبرون أنتم كعراقيين وأصحاب ووارثين لهذا التراث وأوصياء عليه أن الأميركيين مسؤولين عما حدث؟
د. هاشم يحيى الملاح: نعم، هم المسؤولين بلا شك، كانوا يستطيعون أن يحموا كل المراكز، مثل ما حموا وزارة النفط؟ ليش المركز الثقافي ما يقدرون يحموه؟! المكتبة الوطنية ما يقدرون يحموها؟! هي من قبيل الدفاع.. وزارة الدفاع.
أحمد منصور: حارس المتحف محسن كاظم قال إنه طلب من القوات الأميركية قبل نهب المتحف بيوم -ولم يكن قد اقترب شخص واحد من المتحف- طلب منهم أن يحموا المتحف ولو بجنديين فقط، ولكنهم رفضوا، وفي اليوم التالي تدفق اللصوص والفوضويون إلى المتحف وقاموا ونهبوا محتوياته دون أن يفلح حارس واحد طبعاً غير مسلح في أن يمنع الناس منه، دكتور هاشم الملاح في الموصل.
أحمد منصور: حول المسؤولية عما حدث؟
د. هاشم يحيى الملاح: لاشك أن المسؤولية تتحملها الجهات التي يُفترض فيها أن تحمي الأمن والنظام في الموصل مدينة الموصل لم يحصل فيها مثل هذا منذ زمن بعيد، فهل هذا حصل فجأة؟ أليس وراءه أحد؟ هناك مثل يقول: "الغوغاء في الشارع، والمتآمرون وراء الجدران"، فإذن هنالك من يخطط وهنالك من يوجه، أما هؤلاء الغوغاء فهم مجرد أدوات تنفذ ما يقال لها .. من حسن حظ الموصل أن هناك وعي عالي وشعور بالمسؤولية من قبل المواطنين، بعد أن اندلعت الفوضى بخمس ساعات نزل أبناء المدينة وأخذوا يتصدون في كل مكان للفوضويين والسُرَّاق، وتحولت المساجد إلى مراكز لتجميع المسروقات ووضع.. حد لهذه الفوضى..
أحمد منصور: هناك اتهامات يا دكتور لأيدي خارجية في الموضوع، وهناك دكتور طالب بعض التقارير ألمحت إلى وجود أيدٍ إسرائيلية من وراء هذا الأمر، على اعتبار وجود ثروة من التاريخ كما تسعى إسرائيل إلى تغيير هوية وتاريخ فلسطين، يُقال أيضاً أن هناك أيدٍ صهيونية تحاول أن تلعب في تغيير تاريخ وهوية العراق والدليل على ذلك أنه ليس هناك نهب وسرقة فقط، وإنما حرق وتدمير وإزالة، وبعض الأشياء تقول أن هذا يعود إلى تصورات تلمودية وتوراتية قديمة، يعني أما يعتبر ذلك مبالغة إلى حد ما؟
د. طالب البغدادي: لا أعتقد أن هناك مبالغة، لاسيما إذا أخذنا التاريخ اليهودي.. تاريخ الديانة اليهودية، تاريخ إنشاء دولة إسرائيل، لماذا قامت دولة إسرائيل؟ يعني قيام دولة إسرائيل له علاقة كاملة وعلاقة تامة مع التعليمات التوراتية والتعليمات التلمودية، فـ (دانيال أوصى بقيام مملكة إسرائيل، أوصى كل اليهود بإقامة دولة إسرائيل متى تسنى لهم ذلك، وأوصى أيضاً بصب اللعنة على شعب بابل، نحن لا ننسى أن التوراة كتبت في العراق كتبت في مدينة (الدعة) على نهر الفرات في شمال وسط العراق أن التوراة جُمعت وكتبت هناك..
هذه الفرصة التاريخية اللي ما سنحت إلهم، بالرغم من أن العراق شهد أحداث عنيفة كثيرة وشهد حروب كثيرة.. .. أنا أؤيد الأخ نداء كاظم تأييد كامل بأن هناك حملة منظمة لتدمير الهوية الثقافية للشعب العراقي، وتدمير الهوية الثقافية يعني وضع الوجود القومي للشعب العراقي موضع الشك، لأنه أنا في اعتقادي يعني لو أسرد لك بعض الشيء عن مركز المخطوطات.. في شارع حيفا يعني ماذا أحرقوا فيه؟ يعني يقشعر بدني أو تقشعر حواسي إذا أقول لك أن هناك نسخ من القرآن الكريم قد حُرقت، أي نسخ؟ ابن البواب وابن مقلة، وياقوت المستعصمي وحمد الله الأماسي، و.. علي التبريزي هؤلاء الذين وضعوا أسس الخط العربي والحرف العربي، ناهيك عن.. عن القرآن الذي خطته أيادي الإمام علي بن أبي طالب بالخط الكوفي الجميل، ناهيك عن النسخ الأخرى من القرآن، موجودة ومحفوظة في مكتبة المخطوطات.
أحمد منصور: باعتبارك خبير تحف وتراث، هل معنى ذلك أن لصوص الآثار في العالم الآن بدءوا يتحركوا أو يمكن أن يلعبوا دور في عملية إن من الصعب أن يتم جمع أو احتواء هذه الأشياء النفيسة التي نهبت؟
د. طالب البغدادي: هناك شقين أستاذ أحمد، الشق اللي ذكره الأخ نداء، شق اللصوص المدفوعين والشق الآخر شق التدمير، يعني حينما لم يستطع سرقة شيء، يدمر الشيء الآخر.. فإذن.. هي عملية ممنهجة، حتى بالنسبة لعمليات السرقة هناك استغلال لعصابات اللصوص، لأن عصابات اللصوص دائماً إذا إحنا أخذنا في علم الاجتماع أو في علم الإجرام أن اللص يسرق ما غلى ثمنه وخف حمله وسهلت سيولته، ليس هناك لص عالم بالآثار، وليس هناك لص مفكر، هذا اللص يتجه إلى صياغ الذهب، يتجه إلى المتاجر لا يتجه إلى المتاحف وإلى المكتبات؟
دور اليونسكو في حماية ثروات العراق الثقافية والتاريخية
أحمد منصور: سمعت جانباً مما حدث أستاذ منير باعتبار اليونسكو منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن حضارة وثقافة الأمم، أما تخليتم عن دوركم في حماية ثورات [ثروات] العراق الثقافية والتاريخية ولم تتحركوا لحمايتها؟
منير بوشناق: في الحقيقة نحن تحركنا من البداية قبل اندلاع الحرب و -كما تعلمون- بعث مدير عام اليونسكو إلى السيد (كوفي عنان) رسالة في شهر نوفمبر 2002 أبلغه بأهمية التراث الثقافي العراقي وإذا هناك احتمال حرب، يعني ثروة كبيرة من التراث من الأماكن التاريخية والأثرية والمتاحف، ثم لما شاهدنا أن الحرب هتبدأ في مارس بعتنا رسالة إلى السلطات الأميركية وبينَّا في خارطة المواقع الأثرية والتاريخية وكذلك قدمنا لهم قائمة من المتاحف العراقية المعروفة لدى المنظمة الدولية للمتاحف.
أحمد منصور:.هل لديكم معلومات تفصيلية عما تم سرقته ونهبه من آثار ومن محتويات ومن تاريخ ومن حضارة في العراق؟
منير بوشناق: الحقيقة كل المعلومات تأتينا عن طريق وكالات الأنباء ومثلاً عن طريق (الجزيرة) وبعض أجهزة التلفزة، مثلاً أنا شاهدت شخصياً يوم السبت الماضي على التلفزة الإيطالية كيف دخلوا ونهبوا المتحف العراقي وهذا كان يوم الجمعة بعد الظهر، فكتب مدير عام اليونسكو في نفس اليوم رسالة إلى السيد (كولن باول) يعبر فيه عن أسفه ويقول إنه هناك مسؤولية كبيرة من طرف السلطات التي الآن موجودة في العراق سواء السلطات الأميركية في بغداد والشمال أو السلطات الإنجليزية وطلبنا منهم أخذ الإجراءات السريعة للحماية، حماية المتاحف، حماية المواقع...
أحمد منصور: هذه الرسالة التي وجهها السيد (كوتشي ماتسورا) المدير اليونسكو نشرت قبل يومين فقط، ولكن الحرب -يا سيدي- مضى عليها ما يقرب من 25 يوماً وكان يمكن أن تتدخلوا بشكل ما، لأن هذا التراث الإنساني لا يكون أيضاً تراثاً خاصاً بالعراق فقط، ولكنه -كما هو معلوم- تراث خاص بالإنسانية كلها، الآن مُحيَ ولم يعد له أثر ولم يعد له وجود، هل لديكم إحصاء بأهم المحتويات والأشياء الموجودة في تلك المتاحف؟
منير بوشناق: نعم، نحن طلبنا اجتماع من كل الخبراء الذين اشتركوا في الحفريات والتنقيبات الأثرية في الماضي من كل البعثات الأجنبية التي كانت تشتغل وسننظم يوم الخميس المقبل اجتماع من خبراء عراقيين وكذلك خبراء أجانب لكي نوضح ما هو الوضع، وثانياً: ما هي الإجراءات السريعة التي لابد أن تؤخذ لكي هذه الكارثة الثقافية لم.. لم تتم، وأنا أود أن أجيب عن سؤالكم وأقول: أنه منذ بداية اندلاع الحرب واليونسكو تنبه عن أهمية التراث الثقافي العراقي وكتبنا إلى كل المؤسسات التي تشتغل مع اليونسكو مثل (الإيكوموس) (المنظمة الدولية للمتاحف.. للمواقع والمباني التاريخية) لمنظمة (الإيكوم) كتبنا إلى إنتربول (المنظمة الدولية للبوليس)، ولما سمعنا بالنهب والسلب الذي يجري حالياً منذ وجود السلطات الأميركية في بغداد وفي الموصل كتبنا إلى كل وزراء الثقافة للبلدان المجاورة للعراق وطلبنا منهم أن يبدو يعني مجهود لدى البوليس والجمرك في الحدود لوقف هذا النهب والتسرب للتراث الثقافي، كذلك كل هذا العمل كنا قمنا به قبل الحرب وكنا علمنا الإنتربول والمنظمة الدولية للمتاحف وجاءنا خبر كذلك من بعض المسؤولين أنه يعني هيخدوا كل الإجراءات اللازمة، ولكن في.. في أرض الواقع..
أحمد منصور [مقاطعاً]: وطبعاً أخذت الإجراءات اللازمة، كما رأى الناس كلهم على شاشات التلفزة الجنود الأميركيين يقفون والناس تنهب وتسرق كل شيء، يعني أنتم الآن وزير الدفاع الأميركي قال إن ما حدث في العراق يتحمل مسؤوليته النظام الديكتاتوري التسلطي الذي كان قائماً هناك، أنتم الآن كمنظمة مسؤولة عن هذا التراث الإنساني، من الذي يتحمل مسؤولية ما حدث؟
منير بوشناق: الحقيقة نحن.. هذا هو الدور بتاعنا الآن هو أن نجمع بالتعاون مع المؤسسة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم ومع مؤسسة الأليكسو (المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم)، وأنا في اتصال مع الدكتور عبد العزيز التويجري في الرباط والدكتور المنجي بوسنينه في.. في تونس لكي نقف سوا في مواجهة هذا الكارثة، طبعاً نحن..
أحمد منصور: ما الذي يمكن فعله الآن؟ هل ستلاحقون اللصوص و.. وتذهبوا لحمل الأشياء معهم؟ الآن هناك نكبة إنسانية..
منير بوشناق: هذا هو الكلام اللي أنا قلته نحن في كارثة ومصيبة يعني بغض النظر عن الكارثة الإنسانية وماذا حصل للشعب العراقي والأطفال والنساء، لكن من الناحية الثقافية نحن ندين كل هذا العملية ونطلب الآن من السلطات الأميركية والسلطات الإنجليزية على الأقل أن يأخذوا كل الإجراءات ليوقفوا هذه العملية.
وثانياً: نطالب كل أجهزة الأمن للبلدان المجاورة لتاخد كل الإجراءات لوقف يعني ما يخلوش التراث والقطع الأثرية والتاريخية التي سرقت من المتاحف من متحف الموصل ومتحف بغداد أن لا تصل إلى بلدان أخرى، وهذا لازم نقف مع كل المنظمات ومع كل الدول المجاورة..
أحمد منصور [مقاطعاً]: هل تملكون الحق في مقاضاة الحكومة الأميركية أو الجيش الأميركي عن مسؤوليته عما سبق، أم أن دوركم مثل الحكومات العربية الشجب والإدانة والمطالبة والنداءات فقط؟
منير بوشناق: عندنا تجربة في اليونسكو في هذا الظروف المؤلمة مثل ما حدث مثلاً في كمبوديا بعد الحرب ومثل ما حدث في أفغانستان بعد انتهاء طالبان وكذلك في مواقع أخرى. اليونسكو عادة تبعث في أقرب وقت ممكن بعثات علمية تقوم بوضع خطة وتبادر في إعادة وترميم المواقع والمتاحف مثل ما فعلنا مثلاً في أفغانستان، والآن جاءنا خبر أنه اليوم رئيس الوزراء الإنجليزي هيتكلم أمام البرلمان الإنجليزي على عملية السرقة التي صارت في بعض المدن العراقية، وكذلك نطلب من كل الدول المساعدة في وقف السرقة وهذا ممكن بالرغم إنه نعرف إن هناك أوساط تريد أن تشتري هذا.. هذه التحف، لأن شاهدنا بعد الحرب الأولى.. حرب الخليج الأولى في.. بعد 91 إنه 4 آلاف قطع أثرية سرقت من المتاحف الجهوية العراقية ووصل إلينا كتالوجات على هذه التحف المسروقة من المتاحف الجهوية، وقمنا ببحث عن القطع وشيئاً فشيئاً كنا بدينا نرجعوا بعض القطع التي كانت توجد في إنجلترا أو في أميركا أو في..
أحمد منصور: الأستاذ الدكتور هاشم يحيى الملاح)، سمعت ما قاله المدير العام المساعد لليونسكو في ظل هذه الصورة ماذا يعني الآن؟
د. هاشم يحيى الملاح: أستاذ أحمد في الحقيقة إن ما حصل هو تعريض لجهود هيئات علمية، هيئات علمية كبيرة بدأت نشاطها منذ أواخر القرن التاسع عشر، هذه البعثات الأثرية التي قامت بالتنقيب في كل جزء من أجزاء العراق ساهم فيها آثاريون فرنسيون وإنجليز وأميركان وعراقيين وآخرون، لقد بُذلت جهود جبارة في جمع هذه الآثار وساهمت هذه الآثار في التعرف على نقاط غامضة من تاريخ الإنسانية، وتاريخ العراق وتاريخ المنطقة العربية، إن ما حصل هو نكبة ليس للعراق وحده وإنما هي نكبة للإنسانية كلها ولكل الجهود الحضارية التي بذلت من أجل زيادة معرفتنا بتاريخ الإنسان على هذه الأرض.
أصحاب المصالح من وراء تدمير حضارة العراق
أحمد منصور: ما هي مصلحة أميركا في أن تدمر حضارة العراق وثقافتها وتاريخها؟
د. طالب البغدادي: والله لمصلحة الطرفين مثل ما قلنا، لمصلحة أميركا في أهداف معينة، ولمصلحة إسرائيل في أهداف أخرى.
لمصلحة أميركا أنها حطمت ودمرت بغداد التي يعتبرها كل العرب العاصمة الثقافية تاريخياً للأمة العربية وكذلك للأمة الإسلامية بشكل عام، وهذا معروف وما أريد الإسهاب به.
أحمد منصور: وكالة الأنباء الألمانية (دبا) نشرت تقريراً أمس قالت فيه: إن عمليات السلب والنهب والتدمير التي تتعرض لها العراق سوف تزيد فاتورة الإعمار التي ستصب في النهاية في جيوب الشركات الأميركية من واردات النفط العراقي. ما مدى دقة هذه المقولة؟
د. طالب البغدادي: نعم هذه من ناحية بعيدة عن الموضوع اللي نتناوله ونناقشه الآن، يعني لأنه هي لا تستطيع تعويض ما سرق من المتاحف لا تستطيع تعويض ما حرق من المكتبات، لا تستطيع تعويض ما حرق من لوحات الفنانين التشكيليين.
إعادة الإعمار هو في المؤسسات التي حرقت، في الجسور التي خربت، التي ضربت، بالتأكيد إذا نرجع إلى أيام ما قبل الحرب وإلى الأيام الأولى للحرب نرى حتى ما قبل الحرب تتحدث الولايات المتحدة والدول الأخرى بما فيها الدول الأوروبية عن إعادة الإعمار ومن.. ومن الذي سيعيد الإعمار وكأن الحرب قامت، وكأن الخراب تم، وكأن التدمير تم، حتى ما قبل الحرب كانوا يتحدثون عن إعمار ما بعد الحرب ومن الذي سيعمر ومن الذي سيشارك و.. وهكذا، فعملية التدمير في هذا المجال يعني جزء من عندها هي استنزاف الموارد النفطية للعراق بالتأكيد.

الملحق الرقم (7)
حملة مقصودة للتقليل من الاضرار في التراث العراقي
27/ 5/ 2003: عمان - من فاطمة العيساوي: قال مدير هيئة الآثار والمتاحف العراقية جابر خليل، الذي يشارك في مؤتمر اقليمي للبحث في انقاذ الثروات العراقية التراثية ينعقد على مدى ثلاثة ايام في عمان، (ويجمع المؤتمر الذي تنظمه المنظمة الاسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الايسيسكو) ودائرة الآثار العامة الاردنية، خبراء اثار من مصر والعراق وسوريا ولبنان اضافة الى الاردن.) ان هناك "حملة مقصودة " للتقليل من حجم اعمال النهب التي طاولت المواقع الاثرية العراقية. وقال "هناك 38 قطعة نفيسة سرقت من قاعات متحف بغداد غير ان السرقات التي طاولت مخازن المتحف اكبر بكثير وتعد بالآلاف" من القطع. وشرح ان القطع النفيسة المسروقة تضم "تماثيل وقطعا برونزية واخرى مختلفة من حيث المادة والاحجام والشكل". وروى ان جهة اعلامية قامت بتبليغ ادارة المتحف عن هذه القطع المسروقة مؤكدة انها تملك صور فيديو لها "فاتصلنا بالجهة المعنية واعادت هذه القطع من دون عوائق كبيرة" رافضا الكشف عن هوية هذه الجهة.
ويروي خليل الذي كان اخر من بقي في المتحف حتى صباح 9 نيسان/ابريل، تاريخ دخول قوات الاحتلال الى بغداد "خلال الحرب، اتخذنا اجراءات لتحصين مبنى المتحف ودعمنا الابواب برفع جدران غير ان القطع الكبيرة النفيسة التي سرقت لم يكن بالامكان نقلها". و"بعد دخول القوات الاميركية والبريطانية الى العاصمة، قصدت مسؤول المارينز في بغداد وطلبت منه المساعدة فوعدني انه سيرسل اقرب قوة عسكرية اليه غير ان القوة لم تصل الا بعد اربعة ايام".
كما يؤكد مسؤول المتاحف العراقية: القوائم والسجلات بالموجودات في متحف بغداد لا تزال موجودة وقد امكن انقاذها وحفظها "في مكان امين". و"ليس بمقدور اي فريق دولي ان يعطي حاليا تقديرا دقيقا لحجم السرقات في المواقع الاثرية العراقية اذ ان الاحصاء عملية صعبة ويتطلب فريق عمل ضخما". و"العملية تتطلب شهورا نظرا الى ضخامة العمل".
ويضيف "نعمل من دون الحد الادنى من التجهيزات، لا يوجد حتى طاولة نعمل عليها والموظفون لم يتقاضوا رواتبهم حتى الان". ويشرح ان الاتصالات الشخصية هي الوسيلة الوحيدة المتوافرة حاليا لاعادة بعض القطع المسروقة في المتحف. وقد "اجريت اتصالات مع علماء دين في المناطق تحدثوا بمكبرات الصوت الى المواطنين ودعوهم الى ارجاع القطع التي سرقوها وتم بالفعل اعادة عدد قليل من القطع.
واذا كانت عملية احصاء المسروقات من متحف بغداد تتقدم ببطء شديد، فان عملية الاحصاء في متحف الموصل، ثاني اكبر المواقع العراقية الاثرية تضررا، لا تزال في مراحلها الاولية. ويقول مدير المتاحف العراقية "لم يتم حتى الان اي عمليات احصاء في مخازن متحف الموصل فابواب المتحف محصنة بجدران واعادة فتح الثقوب في الجدران التي كان اقامها اللصوص، لدخول الموظفين يتطلب ضمان رقابة شديدة".

الملحق الرقم (8):
وزراء الاعلام والثقافة العرب يطلقون حملة «لدعم عمليات ترميم الآثار والقطع التراثية العراقية».
28/ 6/ 2003: القاهرة - في بيان نشر في ختام اجتماعهم في مقر جامعة الدول العربية، اجمع الوزراء المشاركون فى الاجتماع "على اهمية تفعيل دور المؤسسات الثقافية والاعلامية العربية لتحقيق التنمية الشاملة ومواكبة التغيرات الاقليمية والدولية ومواجهة التيارات الفكرية التي لا تتفق مع القيم والمبادئ العربية والاسلامية".
ودعا البيان الى "ضرورة دعم عمليات ترميم الآثار والقطع التراثية العراقية التي دمرت أو سرقت من خلال انشاء صندوق لدعم التراث الثقافي للعراق تتكون موارده من مساهمات الدول العربية على ان تستخدم هذه الموارد في اعادة المنشآت الاثرية وترميمها لمزاولة نشاطها". وشدد على "ضرورة التوصل الى آلية مشتركة لتحقيق التعاون الثقافي والاعلامي واثراء الخطاب الاعلامي الموجه للخارج حتى يمكن التصدي للدوائر الاعلامية والفكرية المعادية".
وستتوجه بعثة من خبراء اليونيسكو الى العراق للمرة الثانية منذ نهاية الحرب بهدف وضع بيان بحالة التراث العراقي بعد عمليات النهب والسرقة التي تلت سقوط نظام صدام حسين.

الملحق الرقم (9):
اليونسكو: التراث العراقي في وضع كارثي
5/ 7/ 2003: بغداد - من برتراند روزنتال: اكدت بعثة تابعة لمنظمة الامم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم (يونسكو) زارت العراق في الآونة الاخيرة ان وضع المواقع الاثرية والمتاحف والمكتبات التي نهب بعضها ودمر بعضها الاخر في هذه البلاد، "كارثي".
ودعا الاستاذ منير بوشناقي المدير العام المساعد للثقافة في اليونسكو في مؤتمر صحافي الى "تحرك عاجل جدا" لان "التراث بمجمله في خطر".
وبحسب بعثة اليونسكو المؤلفة من تسعة اشخاص، بينهم ممثل للشرطة الدولية (انتربول)، التي زارت البصرة (جنوب) واربيل (شمال) لانجاز مهمة بعثة اولى لليونسكو كانت زارت بغداد بين 16 و20 ايار/مايو فان "اغلب المواقع الاثرية غير محمية". وقال الاستاذ بوشناقي "هناك عشرات اللصوص واكتشفنا بانفسنا في موقعين عمليات حفر غير شرعية واسعة".
واضاف "لقد هالنا حجم التخريب على نطاق واسع" في العراق باستثناء اربيل، مشيرا الى ان "انتربول انضمت الى هذه المهمة لان لدينا اتفاقا لمكافحة الاتجار غير المشروع" بالاثار.
وقال انه في موقع "ايسن" (بحريات) على بعد 200 كلم جنوب شرق بغداد في المنطقة السومرية "هناك مئات الحفر ويتجه الموقع نحو التدمير الكامل" مضيفا انه في موقع "نيبور" على بعد بضعة كيلومترات الى الشمال "هناك ايضا عمليات حفر غير قانونية والموقع غير محمي". والاستثناء في هذا المجال هو موقع "ارك" في المنطقة نفسها حيث تولى المسؤولون المحليون الموقع "القابل" للادراج ضمن لائحة التراث العالمي و "حضرة" شمال غرب بغداد اول موقع عراقي يدرج في لائحة التراث العالمي. اما "اشور" في الشمال والذي ادرج حديثا على هذه اللائحة فانه لا يزال يتهدده الخطر بسبب مشروع سد.
ويرى الاستاذ انغولف تيوسان الخبير الدنماركي "ان من مسؤولية التحالف حماية هذه المواقع". وتحمي القوات الاميركية موقعي كيش (تل الاحيمر) واور جنوب بغداد بحسب مسؤولين في اليونسكو. وذكر مراسلو وكالة فرانس برس انها تحمي ايضا موقع نمرود قرب الموصل (شمال) وبابل جنوب بغداد.
وستكون هذه المسألة موضوع اجتماعات في الايام المقبلة مع قوات التحالف على ما افاد بيترو كوردوني المستشار الخاص المكلف بالثقافة في ادارة التحالف في العراق.
وقال منير بوشناقي "لقد فوجئنا وحزنا لمستوى تدهور المباني التاريخية والمواقع الاثرية في وسط البصرة وفي الموصل واربيل".
وفي البصرة تقيم احدى العائلات في المتحف في حين تم نهب المكتبات وحرقها. في المقابل استعادت مكتبة الموصل كل كتبها تقريبا ولا ينقص منها الا حوالي 10 بالمئة.
من جهة اخرى لا يوجد مسح عام للتراث العراقي. ويشير المسؤول في اليونسكو على سبيل المثال الى ارسال خمسة الاف قطعة من بغداد الى الموصل لحمايتها من الحرب. وقال "نحن لا نعرف شيئا عن مصيرها ولا نعرف حتى ما تحويه".
وقررت اليونسكو تنظيم اجتماعين احدهما في باريس في 16 تموز/يوليو والثاني في طوكيو في الاول والثاني من آب/اغسطس لاعداد خطة عمل من اجل حماية تراث العراق.

الملحق الرقم (10)
لصوص الآثار يلبسون الليل لنهب نيبور العراقية
الأخبار/ الفرنسية: 9/ 7/ 2003: تعاني منطقة نيبور الأثرية العراقية التي شهدت على مدى 5000 عام أعرق حضارات بلاد ما بين النهرين من استمرار أعمال النهب حيث تخلو هذه المنطقة الواقعة على بعد 200 كم جنوب شرق بغداد من أي حياة. ويقول بعض سكان المدينة التي عثر فيها على لوحات أثرية عديدة تروي حياة السومريين والأكاديين والبابليين إن منطقتهم تموت أثناء النهار وتحيا ليلا بسبب أفراد العصابات المسلحة الذين يأتون لنهب التحف والقطع الأثرية.
الملحق الرقم (11)
تعاون بين اليونسكو والإنتربول لحماية الآثار العراقية
13/ 7/ 2003: باريس:عززت منظمة الأمم المتحده للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" والمنظمة الدولية للشرطة الجنائية "الانتربول" تعاونهما فى مجال مكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية العراقية من خلال التوقيع على تعديل لاتفاقية التعاون القائمة بين المنظمتين منذ عام 1999.
وأشاد مدير عام اليونسكو كويشيرو ماتسوراو بتوقيع الاتفاق قائلا ان هذا الاتفاق فضلا عن التقدم الذى يحققه لصالح حماية التراث الثقافى العراقى فانه يشهد على عزم المجتمع الدولى بادراج مكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية ضمن اولوياته مع الاعتراف بانه لا يمكن اعتبار تلك الممتلكات بمثابة سلعة عادية وانما عنصر من العناصر الجوهرية لهوية الشعوب0

الملحق الرقم (12)
السلطات الفرنسية تطلق حملة في أثر التحف العراقية المسروقة
الجزيرة/ نت: أطلقت السلطات الفرنسية بعد نهب متحف بغداد -الذي كان يضم أهم التحف الأثرية الخاصة بحضارة بلاد ما بين النهرين- عملية مطاردة طويلة الأمد للأعمال المسروقة تشارك فيها أجهزة الشرطة والجمارك والهيئات الثقافية.
وقال برنار دارتي رئيس المكتب المركزي لمكافحة تهريب الأملاك الثقافية التابع للقيادة المركزية للشرطة القضائية الفرنسية إن المهربين سيسعون لعبور دول "تتميز تشريعاتها بالليونة مثل سويسرا وبريطانيا وهولندا"، مشيرا إلى أن فرنسا لديها ترسانة لردع هؤلاء المهربين.
وأوضح أنه في حال إبلاغ أجهزته عن قطعة مشبوهة يتم الشروع في عملية قضائية ويمكن مصادرة القطعة حتى في حال وجودها في الخارج بموجب إنابة قضائية. وقال دارتي إنه "لم يتم في الوقت الحاضر تحديد موقع أي قطعة أو رصدها أو العثور عليها، ولا نملك أي قائمة إذ دمرت جميعها في العراق, وهذا هو عنصر الإعاقة الرئيسي".
وأوضح برنار دارتي أن "القطع قد تظهر مجددا بعد خمس إلى سبع سنوات في السوق الشرعية, ولا سيما مع سقوط تهمة السرقة أو إخفاء المسروقات بسبب التقادم. غير أن المتاحف الفرنسية لن تقبل لأسباب تتعلق بالأخلاق المهنية بهذه القطع", مثل متحف اللوفر الذي يعرض مجموعة مهمة من التحف من حضارة بلاد ما بين النهرين.
وينتظر المكتب المركزي لمكافحة تهريب الأملاك الثقافية تقارير محققي شرطة الإنتربول الذين توجهوا إلى الدول المجاورة للعراق من أجل وضع إجراءات للمراقبة والبحث عن التحف المسروقة.
الملحق الرقم (13)
المدير الأعلى للآثار المصرية الدكتور زاهي حواس:
*تدمير الآثار العراقية جريمة علنية أكبر من قتل الإنسان نفسه..
*مسؤولية سرقة الآثار وتدميرها تقع على الولايات المتحدة وبريطانيا..
القاهرة: كريمة الجبوري: تساؤلات كثيرة تدور حول سرقة وتدمير المواقع الأثرية العراقية بعد دخول الاحتلال إلى بغداد، الكثير من الدول العربية أبدت استعدادها وتعاونها لاسترجاع الآثار المسروقة والمهربة إلى الخارج، ومن بين هذه الدول التي ساهمت بالمبادرة، جمهورية مصر العربية ولكي نعرف التفاصيل الأكثر عن هذه المبادرة حملت (الاتجاه الآخر) أوراقها وذهبت إلى المدير الأعلى للآثار المصرية الدكتور زاهي حواس لتضع أمامه هذه التساؤلات
• ما هي أوجه التعاون بين مصر والعراق حول الآثار العراقية المسروقة والمهربة إلى الخارج؟
قبل دخول القوات الأميركية إلى العراق بعثنا تحذيراً للحكومتين الأميركية والبريطانية حول مسؤولية الحفاظ على الممتلكات الثقافية العراقية للالتزام باتفاقية لاهاي الصادرة عام 1954 بشأن حماية الممتلكات الثقافية أثناء الحروب، وطلبنا من الحكومتين عدم قصف المواقع الأثرية والتاريخية والمنشآت الدينية كالمساجد ودور العبادة، لكن لا حياة لمن تنادي، مسؤولية سرقة الآثار العراقية وتدمير المواقع الأثرية تقع على الولايات المتحدة وبريطانيا وتعتبر هذه جريمة علنية أكثر من قتل الإنسان نفسه.
كما بادر المجلس الأعلى للآثار بالاتصال بمدير الآثار في دمشق لأجل التعاون وكذلك بعثنا للجامعة العربية بهذا الصدد، لكن للأسف لم نتسلم أية إجابة من كلا الجهتين، ثم بعثنا إلى متاحف العالم بأن يمتنعوا عن شراء القطع الأثرية المسروقة وحذرناهم إذا حصل واشترت هذه المتاحف القطع المسروقة بأننا سوف نقطع معهم العلاقات العلمية تماماً، وقام المجلس الأعلى للآثار بإرسال وفد إلى العراق متخصص بترميم وصيانة الآثار وجردها و هو ذو خبرة كبيرة في هذا المجال، ونحن لن نتوانى عن المساعدة وقمنا بأكثر من مبادرة لكن وقتها كنا ننتظر رد الحكومة العراقية بشان التعاون المشترك بترميم المواقع الأثرية والمتاحف التي تضررت جراء الاحتلال الأميركي.
• بادرت مصر في إحدى مؤتمراتها لصدور مجلد يضم صور للمسروقات الأثرية وترجمته إلى كل لغات العالم، هل نفذت هذه المبادرة على أرض الواقع أم بقيت حبراً على ورق..؟
اتضح بعد مقابلتي لمدير الآثار العراقية في مصر أننا لا نستطيع تنفيذ الفكرة إلا إذا عرفنا عدد القطع الأثرية التي استرجعت من داخل العراق بعدها نستطيع أن نعرض القطع الأثرية المسروقة والمهربة خارج القطر في هذا المجلد.. ونحن متعاونون مع الجانب العراقي حتى دون الرجوع إلى الجامعة العربية.
• هل يوجد تعاون مصري عراقي لتدريب الكوادر العراقية؟
نحن بالفعل قمنا بأكثر من أربع أو خمس دورات تدريبية لملاكات عراقية في الصيانة والترميم والتسجيل الخاصة بالآثار واعتبرناه بداية مشروع بين البلدين ونأمل أن يكون مشروعاً متكاملاً من جميع الجوانب.
• خطوات التأمين التي اتخذتها مصر لحماية الآثار المصرية.. هل ممكن أن تتخذ هذه الخطوة لحماية الآثار العراقية..؟
التأمين الذي نعمل به الآن الخطوة الأولى هو بناء مخازن متحفية على مستوى عالٍ من التطور تختلف عن السابق، أما الخطوة الثانية، فهي تغيير قانون الآثار وتسجيلها حفاظا عليها من السرقة ومن المحتمل أن هذه الخطوة التي نعمل بها الآن في مصر تنفذ في العراق.

الملحق الرقم (14)
استقالة مسؤول ثقافي أميركي استنكارا لنهب متحف بغداد
الجزيرة/ نت: قدم رئيس اللجنة الاستشارية في الولايات المتحدة مارتن سوليفان استقالته استنكارا لنهب متحف بغداد. وقال مصدر مقرب من اللجنة، إن عضوا آخر هو غاري فيكان قد استقال, إضافة إلى احتمال تخلي أعضاء آخرين عن مناصبهم.
وأكد مارتن سوليفان في رسالة استقالته أن نهب متحف بغداد يشكل "مأساة كان يمكن توقعها ومنعها". وقال إنه وفي حين أن خسارة المجموعات التي لا يمكن تعويضها تشكل مأساة فإنه لا يمكن مقارنتها مع المعاناة البشرية والخسائر الاقتصادية التي تشكل النتيجة المباشرة لحرب وقائية أطلقتها الولايات المتحدة.
واتهم سوليفان القوات الأميركية الغازية بأنها حمت مصالحها في العراق وأهملت الجوانب الأخرى وقال إنه في الوقت الذي أظهرت فيه "قواتنا دقة وضبطا استثنائيا للنفس في استخدام أسلحتها وفعلت ذلك على ما يبدو لحماية وزارة الطاقة وحقول النفط, فإنها بدت غير قادرة على تأمين حماية الملكية الثقافية والحفاظ على الصحة العامة وتقديم المساعدة الإنسانية".
ويذكر أن مهمة اللجنة الاستشارية الرئاسية للشؤون الثقافية تقديم النصح للرئيس الأميركي في مجال السياسة والمبادرات الثقافية. وهي تتألف من 11 عضوا, وهم خبراء ومحترفون من الأوساط الفنية, يعينون لولاية مدتها ثلاث سنوات.
ويشار إلى أن مارتن سوليفان هو رئيس "رابطة سانت ماري التاريخية" في ميريلاند وهو متحف مخصص لإحدى أولى المستوطنات البريطانية في الولايات المتحدة. وهو يرأس اللجنة الاستشارية الرئاسية منذ 1995. ويدير غاري فيكان متحف "غاليري والتر للفنون" في بلتيمور في ميريلاند.

الملحق الرقم (15)
الرجل الذي حذر العالم من نهب متحف بغداد يروي القصة
24/ 1/ 2004: موقع كتابات: * نيل أتشيرسون: فيما كان اللصوص يقومون بنهب متحف بغداد في أعقاب سقوط صدام حسين، كان على دوني جورج ـ الرجل المسئول عن سلامة محتوياته التي لا تقدر بثمن ـ أن يراقب الوضع بهلع وأن يطلق عيارات من الرصاص في محاولة لاثنائهم عن ذلك. وعلى الرغم من نجاته الا أن غالبية القطع الأثرية لم تسلم من النهب أو التهشيم. وبالتالي ألا يكون من حقه أن يحلم باعادة بناء ما يحتوي عليه المتحف العراقي من ثروة وطنية؟
يدمدم دوني جورج وهو يضع يده في جيبه ثم يستل قصاصة من الورق المسطر، منزوعة من اضمامة «لست أدري لماذا أستمر في حملها أينما ذهبت؟ الخربشة على تلك الورقة بقلم الحبر الجاف بالنسبة لجورج القائم بأعمال المدير والدكتور جابر خليل عضو هيئة الآثار العراقية هي بمثابة الطلب الذي يتم تقديمه من أجل الحصول على اذن بالدخول المجاني الى متحف بغداد، فهي تحمل توقيع لفتنانت كولونيل ب. اي. زاركون، الضابط المسئول عن الشئون المدنية بالكتيبة الأولى من مشاة البحرية.
كان ذلك في 13 ابريل الماضي. حين وصلت الى الرجلين اللذين كانا يحتميان من المعارك في المنازل القريبة، أخبار تفيد بأن المتحف كان قد تعرض للنهب لينجحا في الوصول الى فندق فلسطين حيث يوجد مركز القيادة التابع للقوات البحرية. وعلى الرغم من ان لفتنانت كولونيل زاركون كان قد أكد في حينه أنه سيصدر للقوات الاميركية الموجودة هناك أمراً بحماية المتحف، الا أنهما ما أن وصلا الى الموقع حتى تبين لهما للتو أن الوقت قد فات. كانت «جريمة القرن» كما يصفها جورج قد انتهت.
كانت الجريمة قد وقعت أيام الخميس والجمعة والسبت، حيث كانت أعداد من الذين يقومون بالنهب تصل في مجموعات أو عصابات، ثم تحمل معها الى خارج المتحف كل ما يمكنها سرقته، وتهشم ما لا يمكنها حمله، الدبابات الاميركية القريبة لم تفعل شيئاً لايقافهم. ولم يبال الجنود الموجودون على ظهرها بالنداءات المحمومة التي أطلقها العاملون في المتحف من أجل التحرك لمسافات قصيرة واغلاق المدخل. لم يكن ذلك مجدياً. اذ لم يكونوا قد تلقوا أوامر للقيام بذلك.
عاد جورج الى فندق فلسطين مرة أخرى، واستعار من فريق القناة الرابعة بالتلفزيون البريطاني هاتفاً يعمل بواسطة الأقمار الصناعية واتصل بصديقه جون كورتس في المتحف البريطاني.
قلت له: اننا موجودون هنا بلا حماية، لقد نهب المتحف، ونحن خائفون من عودة اللصوص مرة أخرى، وربما من اشعال النيران في المبنى. وأعتقد أن نيل مكجريجور مدير المتحف البريطاني وجون كورتس بأنهما ربما تحدثوا الى بلير الذي تحدث بدوره الى كولن باول. ورغم مجيء الدبابات المكلفة بحراسة المتحف، الا أنها لم تصل الا بعد ثلاثة أيام.
كان جورج شاهداً رئيسياً في المؤتمر الطارئ حول الآثار العراقية الذي عقد في المتحف البريطاني بلندن لمدة يوم واحد. وعلى الرغم من أن ما آلت اليه أوضاع المتحف العراقية وما تبقى من آثار أقدم المدن والكتابات التي عرفتها الانسانية كان قد روع العالم، إلاَّ أن جورج لم يقم بتوزيع الاتهامات. فهو شخص هادئ رزين، يميزه حاجبان اشيبان، وعلى الرغم من أنه يسرد الأحداث المؤلمة كما هي الا أنه يقولها دون ان تظهر على وجهه علامات الاستياء. والواقع أن العراق بلد محترم، وبالتالي فهو لن يضطر الى قول الكثير. قلت له عند نقطة معينة: كما تعرف، الكثيرون هنا كانوا يعتقدون بأن قرار الحرب خاطئ تماماً. «ورغم أن عينيه التمعتا قليلاً الا أنه لم يعلق على ذلك. كان سكونه ملفتاً على نحو استثنائي، لأنه كان قد مرّ بذلك كله من قبل. في سنة 1991، وفي أعقاب حرب الكويت، أقدمت مجموعة من الغوغاء على نهب تسعة من المتاحف العراقية في المحافظات. يقول» لقد فقدنا ما يربو على 4000 قطعة من المنتوجات الابداعية «في هذه المرة كان عددها يصل الى أكثر من 14000». وحتى المباني كانت بحاجة لترميم. كان ذلك شبيهاً بما يحدث الآن، المجموعة نفسها من الناس. وقد قتل أيضاً ابن مدير متحف العمارة فيما كان يقف أمام المبنى، وكاد مدير متحف كركوك أن يلقى حتفه هو الآخر. كان جورج قد تعرض لاطلاق النار في مرات عدة لدى محاولته ايقاف أعمال النهب. وباختصار، فقد كان يدرك جيداً ما يتوقع حدوثه في أعقاب اندلاع الحرب الأخيرة، وقد حذر منه العالم مراراً وتكراراً.
لم يسرق الناس بهذا الشكل؟ لقد هز الغرب لدى مشاهدة ما تم تصويره على أنه» الأمة التي كانت تحطم موروثها الحضاري. أما هو فيرى أن الأمر مختلف» لقد شاهد الناس الأميركيين وهم يطلقون النار على بوابات القصور التي يمتلكها صدام وبعد ذلك يفتحون الأبواب للناس قائلين لهم «هيا تعالوا وخذوا هذه الأشياء، لقد أصبحت ملككم الآن. وهكذا فقد بدأوا، وتحول الأمر الى شكل من أشكال الثورة العارمة التي كانت تجتاح الناس كلما قام هؤلاء بمهاجمة مبنيً من المباني الحكومية. غالبيتهم لم يكونوا من المتعلمين، وبالنسبة لهم لم يكن المتحف ليعني أكثر من مبنى حكومي يضاف الى بقية المباني الحكومية الأخرى. لم يستول هؤلاء على الآثار القديمة فقط، وانما على 95% من أثاث المكاتب وأجهزة الكمبيوتر، وغالبية آلات التصوير. لقد أغرق مكتبي بالأوراق؛ وكسرت طاولتي الى ثلاثة أجزاء وعثرت على الكرسي الذي كنت أجلس فوقه في مكان يقع على بعد 100 ياردة.الا أنه كان هناك نوع آخر من اللصوص. أولئك الذين كانوا يعرفون تماماً ما يريدون، ليتجاهلوا التماثيل المزيفة والأشياء التافهة ويهرعوا الى البحث في المستودعات والمخازن المقفلة. لقد عثرنا على قاطعات زجاج وأطقم مفاتيح. كانوا قد وصلوا الى هناك بواسطة طريق خلفية، مخترقين بوابتين من الفولاذ وجداراً من الآجر المضغوط. من الواضح أنه كانت تتوفر لديهم خارطة مفصلة للمبنى».
وعلى الرغم من عدم توفر معلومات كافية عما أخذوه الى الآن، الا أن هؤلاء كانوا لصوصاً محترفين لهم فريق من العملاء الذين يقفون على قائمة الانتظار، وما هي الا فترة وجيزة حتى تحتكم أسواق بيع الآثار العالمية على كنوز أور والنمرود وبابل. الا أن جورج ما زال يشعر بالتفاؤل على الرغم من ذلك «أعتقد أن الجهود المبذولة لمنع هذه المواد من الوصول الى السوق أصبحت الآن أكثر فاعلية بالمقارنة بما كانت عليه بعد سنة 1991. كما أن المتاحف العالمية ستمتنع عن شرائها. وحدهم هواة جمع التحف الشخصية يشكلون خطراً.ان علاقات جورج بريطانيا والمتاحف الغربية الكبرى تعود الى زمن بعيد. فقد ولد قبل 52 عاماً في قاعدة «سلاح الجو البريطاني» بالحبانية، حيث كان يعمل والده محاسباً، وهو لا يرى أي خطأ في وجود علماء الآثار الأجانب في بلاد الرافدين.
ويضع ربطة عنق ألمانية أنيقة تحمل صورة التنين موشوشو، الحيوان المدلل الذي كان يفضله الاله مردوخ، الذي تجسد صورته المرسومة على بوابات بابل القرميدية فخر المجموعات الألمانية. ولكن هل يعتقد أن افريز الصيد الآشوري الكبير الموجود في المتحف البريطاني يجب أن يعاد الى العراق ؟ «رغم أن هناك من يطالب باعادته، إلاَّ أنني أعتقد بأنه علينا أن ننظر اليه على أنه قرض طويل الأمد تم تقديمه لبريطانيا حيث يتسنى للكثيرين أن يشاهدوا عظمة بلاد الرافدين. تساءلت عن المشاعر التي يحملها بعض علماء الآثار البريطانيين لدى سماعهم بأن بريطانيا وأمريكا قد فقدتا الحقوق الأخلاقية التي تسمح لهما باستئناف التنقيب في العراق فأصابته الصدمة لذلك «ان لدينا موروثاً يعود للانسانية كلها، كما أن البعثات البريطانية والأميركية كانت تتقاسم ذلك باستمرار.البريطانيون في نينوى، والأميركيون في الأنبار ـ هؤلاء هم أصدقاؤنا.
خلال الأيام الأولى التي أعقبت أعمال النهب، توجه هو وفريقه الى المساجد القريبة وطلب من الأئمة أن يطلبوا من الناس أن يعيدوا المسروقات «كان ذلك مجدياً! لقد أعيدت طابعة جهاز الكمبيوتر الذي يخصني، وعدد لابأس به من تماثيل نمرود المصنوعة من العاج، المطلي بعضها بالذهب». وذات يوم، حضر رجلان امتنعا عن ذكر اسميهما وأرادا التحدث الى جورج بمفرده وأخبراه بأنهما كانا موجودين في المتحف ساعة تعرضه للنهب فقررا أن يأخذا الأشياء لحفظها في منزليهما. كما أخبراه بأنهما سيعيدانها، حالما تستقر الأوضاع. وقد حضرا بعد يومين، بعد وصول الدبابات الاميركية المكلفة بحراسة المتحف الى هناك أخيراً. كان بحوزتهما، تمثال شلمانصر الثالث المهشمة أجزاؤه الى قسمين، مخطوط حجري باللغة المسمارية، لوحان يحتويان على نقوش سومرية يصل عمرها الى 6000 عام والكثير من الأشياء التي يمكن حملها.
يقول «رغم أننا لم نسأل على الاطلاق عن هويتيهما أو مكاني اقامتيهما، الا أنني أريد أن أقول هذا الشيء:ان هؤلاء هم العراقيون الحقيقيون. ترجمة: مريم جمعة فرج عن «جارديان»

الملحق الرقم (16)
سرقة آثار العراق: بصمات إسرائيلية، وتواطؤ أمريكي لنهب آثار الرافدين
14/ 1/ 2006: بقلم د. بشار خليف/ دمشق: موقع شباب لك
مع بدء الحرب على العراق , قدّمت المذيعة" الإسرائيلية" ميكي حايموفيتش برنامجا" على التلفزيون " الإسرائيلي" والذي تبدّى هو الغبطة والانتشاء الذي رافق هذه المذيعة طيلة فترة البرنامج , ولم لا؟ فإذا كان ضرب العراق هو مهمة نفطية أميركية فان " لإسرائيل" مهمات أخرى تستطيع منها جني ثمار لم تكن لتحلم بها.
قالت المذيعة : لكم انتظرنا هذا اليوم , كم نحن سعداء , ثم أرادت أن تقدم المفاجأة حيث انضم إلى برنامجها مصمم "إسرائيلي " في المدن حيث أخذ يفاخر بأنه تبرع بتقديم خرائط مفصلة عن الأماكن الأثرية العراقية للقوات الأميركية ( دون مقابل!!).
ثم تتابع المذيعة قولها:" ينبغي أن يبادر طيارو التحالف الى قصف هذه الأماكن الأثرية من البر والبحر والجو لأنها أخطر من أسلحة الدمار الشامل " وتضيف: " لا يمكن التخلص من الإرهاب الشرقي إلا بتدمير شامل للتاريخ ", احرموا سكان هذا الجزء من العالم تاريخهم الحضاري المتراكم , وحرروهم من تراثهم واتركوهم بلا ثياب داخلية".
في مقابل هذا أصدر عدد من حاخامات اليهود في "إسرائيل" فتوى "دينية !" مع بدء الحرب تنص على أن العراق هو جزء من أرض "إسرائيل " الكبرى
وطلبت هذه الفتوى من الجنود اليهود في الجيشين الأميركي والبريطاني والذين يربو عددهم على الأربعة آلاف عنصر ويشاركون في الحرب على العراق أن يؤدوا الصلاة الخاصة عندما يقيمون كل خيمة أو بناء في أرض غرب نهر الفرات وأن يتلو كل جندي يهودي حين يشاهد بابل "صلاة " تقول: " مبارك أنت ربنا ملك العالم لأنك دمرت بابل المجرمة !
وفي خطٍ مواز , فقبل بدء الهجمات الأميركية على العراق , ردد الجنرال الأميركي وليام دالاس قائد القوات الأميركية في الكويت كلمات في جنوده لتحفيزهم على القتال حيث قال : " مثل صوت الرعد الذي يهزّ الجبال , ومثل صوت النار التي تأكل الهشيم ..هانحن المستعدون للحرب .. سنتحرك يا رجال " .
وببساطة فان ما قاله هذا القائد الأميركي لا يعدو كونه تردادا" لما ورد بشكل حرفي في التوراة في سفر يوئيل .وعلى نفس المستوى من الجهوزية, أشارت صحيفة نيويورك تايمز الى أن جنودا" أميركيين وليسوا إسرائيليين!! فتشوا مقر الاستخبارات العراقية في بغداد بحثا" عن نسخة قديمة من كتاب التلمود تعود الى القرن السابع .
في حين كان الرئيس الأميركي يهدي شارون " خريطة للأراضي المقدسة"! تعود إلى عام 1678حيث تشمل هذه الخريطة دول المشرق العربي "بلاد الرافدين وبلاد الشام" بما فيها طبعا" مدينة بابل , ثم أن العراق بعد احتلاله شهد نشاطا"واسعا" لممثلي الوكالة اليهودية والموساد , بحيث يعملون تحت إشراف الوزير المتطرف " ايهود أولمرت " وبالتنسيق المباشر مع مركز العمليات المشترك للموساد ووكالة الاستخبارات الأميركية CIA .
وتذكر المصادر أن نشاطات هذه الوكالة , أدت الى وضع اليد على المكتبة اليهودية القديمة الموضوعة في مبنى المخابرات العراقية والتي تضم تحفا" نادرة من كتب التوراة والتلمود والكابالا والزوهار المكتوبة على لفائف البردى وجلد الغزلان, ويعود تاريخها الى فترة السبي البابلي لليهود في الألف الأول قبل الميلاد. وتشير المعطيات الى أنه تمّ نقل كل هذه الى "إسرائيل", وكل هذا جاء متواقتا" مع ما ذكرته صحيفة معاريف "الإسرائيلية" من إمكان قيام خبراء في الآثار من "إسرائيل" بالتحرك نحو العراق في إطار عمل مهني بحت !!.
تجاه كل هذه المعطيات والوقائع , حريٌّ بنا أن نتابع فصول هذه المجزرة وعلى حد تعبير صحيفة ألمانية "هذه الضربة القاسية التي تعرضت لها الحضارة الإنسانية , أو ما قالته خبيرة الآثار البريطانية "اليانور روبنسون ": من أن ما حصل لمتحف بغداد يشبه تماما"ما حصل حين هجوم المغول على بغداد عام 1258.
وعود على بدء :
فان ما حصل في مجزرة الآثار العراقية (مواقعا"ومتاحفا"ولقى ومخطوطات نادرة) تجعلنا أمام مسؤولية تاريخية وحضارية وقومية , وأن الاهتمام بهذا الأمر لا يأتي فقط من كون أن هذه الآثار ليست مجردة عن الحاضر والبعد التواصلي الاجتماعي والتاريخي لكامل منطقة المشرق العربي في جناحيه الرافدي والشامي وان هذه الوحدة الحضارية بين الجناحين أعطت توأما" آثاريا" يتمم بعضه البعض , فالدراسات الأثرية والتاريخية تؤكد على تلك الوحدة الحضارية لهذا المشرق العربي ومبلغ التداخل التاريخي والاجتماعي في دورة حياة واحدة , فكما أن بوادر, ثم اختراع الكتابة تمّ بالتزامن بين المواقع الرافدية والمواقع الشامية في نهاية الألف الرابع قبل الميلاد, فان مجمل المنجز الحضاري المشرقي العربي تحقق عبر التفاعل والتزامن بين مواقع كلا الجناحين , وعلى هذا نفهم مثلا" أن شمشي حدد الآشوري كان له عاصمة ثانية في بلاد الشام هي شيخنا في موقع شباط أنليل بالإضافة الى عاصمته آشور في الرافدين , أيضا" نستطيع القول أن هذا القائد الآشوري كان من منبت شامي ( عموري ), ثم إن التفاعل الأكادي_ العموري شكّل الرافعة الحضارية التاريخية لعالم المشرق العربي والذي نجد آثاره الى عصرنا الحاضر.
ولعل ما كان سائدا"في الألف الثالث قبل الميلاد من تفاعل وتمازج بين مواقع رافدية وشامية (إبلا_ ماري_ كيش ) يؤكد على مسار حضاري واحد أصيل ومتجانس في كامل منطقة المشرق العربي .
وعلى هذا فان ما أصاب الآثار العراقية يعني تماما"الآثار السورية (وفق لغة الجغرافيا السياسية السائدة ) . يقول الباحث محمود السيد الدغيم : تشكّل سورية الكبرى والعراقيين (عراق العرب وعراق العجم ) منطقة حضارية متكاملة ومتقاربة العهود وقد سادت فيها لهجات من أصول واحدة وجذور استيطان هذه المنطقة عميقة جدا".. وساهم سكان العراق والشام وجيرانهم في أوسع خطوة خطاها الإنسان في انتقاله الى المدنية بواسطة الكتابة .
وليس منجز الكتابة سوى خطوة في دروب إبداعية حضارية أساسها الفعل الإنساني الأخلاقي , فقوة بلا أخلاق هي فعل بربري همجي لابد أن يسهم في تدمير الذاكرة الإنسانية للبشرية جمعاء والتي كان مهدها المشرق العربي .
فان كانت هذه الحرب هي حرب نفطية- اقتصادية بالبعد الأول ومن ثم سياسية في البعد الثاني , فان البعد الثالث فيها هو هذا الجحيم التوراتي الذي يصلح بحسب أتباعه لكل زمان ومكان بكل ما يضمه من استعلاء وعنصرية وعدوانية واحتلال .

آثار العراق: نهب لذاكرة التاريخ - الوقائع :
يقول صالح لمعي وهو منسق المجلس الدولي للآثار والمواقع ( ايكوموس) :لا يسعنا إلا أن نسأل هل كان الهدف من هدم ونهب وسلب حضارة العراق الانتقام من نبوخذ نصر وحملاته في فلسطين وأسر شيوخ اليهود بما عرف بالسبي اليهودي ؟, ويضيف: سيظل هذا الحدث الخطير محفورا" في ذاكرة التاريخ ولن ينساه سكان الأرض .
وان كانت الوقائع الحالية قاسية ودامية فان ما حصل إبان حرب الخليج عام 1991يشير الى سرقة حوالي أربعة آلاف قطعة أثرية لم يعد منها الى الآن سوى أربعين قطعة, أما مدى النهب الذي حصل في الاحتلال الأميركي البريطاني للعراق فان المصادر الأثرية العراقية تذكر أن ما تم نهبه يزيد على ثلاثة عشرة ألف قطعة, وقد تعرض متحف بغداد الوطني ومتحف الموصل الى عمليات نهب كما تم تمزيق الوثائق في مركز الأرشيف الوطني وتم إحراق المكتبة الوطنية في بغداد وكل هذا تحت سمع ونظر قوات الاحتلال الأميركية في وقت كانت وزارة النفط ومبانيها ومؤسساتها في حرص حريص !!.
كل هذا حصل برغم أن منظمات أثرية أميركية وكذلك اليونسكو كانت زودت المسؤولين الأميركيين قبل الحرب بأشهر بمعلومات عن تراث العراق الحضاري والمواقع والمتاحف الآثارية العراقية .حتى أن العالم الأميركي المعروف " ماغواير جيبسون " الأستاذ بجامعة شيكاغو والذي اكتشف منذ سنوات مدينة حموقار في سورية قال أنه التقى ومجموعة باحثين أميركيين بمسؤولي البنتاغون الأميركي عدة مرات حيث قدموا لهم قائمة بالمواقع والأماكن الأثرية التي ينبغي حمايتها ومنها طبعا" المتحف الوطني في بغداد, ويروي د. جابر خليل مدير هيئة الآثار والمتاحف العراقية أنه مع دخول قوات الاحتلال الأميركي لبغداد قصد مسؤول هذه القوات وطلب منه المساعدة في حماية المتحف, ويشير الى أنه لم يحصل على المساعدة إلا بعد مرور أربعة أيام!! , فهل كان هناك أمرا"مبيتا" لتصل هذه المساعدة بعد تلك المدة الطويلة ؟ .
في إشارة واضحة تقول إحدى المراسلات العربيات في بغداد أثناء الحرب وبعدها: أن من يزور متحف بغداد يكتشف بسرعة أن محترفي سرقة هم من دخلوه وليسوا لصوصا"خارجين من مناطق معدمة وتضيف نجوى قاسم الى أن أبرز المسروقات التي يشير اختفاؤها الى أن السارق ليس لصا"جاهلا"هي المخطوطات واللوحات الطينية والكتابات والنقوش الطينية أيضا" وأختام الملوك والأهم المخطوطات اليهودية التي تعود الى زمن نبوخذ نصر .
وقد لاحظت مصادر عديدة على أن سرقة خزائن المتحف تمت بطريقة مدروسة وكأن من يقوم بها عصابات محترفة ومنظمة ذات غايات, فالأقفال فُتحت بطريقة هادئة دون تهشيم وجرى نقل معظم الآثار بحضور الجنود الأميركيين في المرحلة الأولى ثم دُعي الغوغاء الى الهجوم وسلب المتحف كنوع من التغطية على النهب ذو الغايات الواضحة .
ويشير الدكتور "دوني جورج " مدير البحوث العراقية الى أن المتحف العراقي لديه سلسلة كاملة من التاريخ البشري تبدأ من نصف مليون عام الى بداية القرن الماضي وأن القطع المسروقة تُشكل حلقات مهمة للغاية في هذه السلسلة، وعبرها يمكننا تتبع تطور الفنون والعلوم والفلسفة والفكر.
فان كان احتلال بغداد تمّ في التاسع من نيسان, ففي العاشر منه وعند الصباح بدأت أعمال النهب وسرقة المتحف, ويبدو أن أعمال النهب تمت على مرحلتين, المرحلة الأولى قام بها خبراء آثار ومحترفون تحت حماية القوات الأميركية وهذا ما يؤكده عالم الآثار العراقي رائد عبد الرضى حيث قال: " دامت أعمال النهب يومين ( الخميس والجمعة في العاشر والحادي عشر من نيسان). وبالإضافة الى الغوغاء كان هناك لصوص محترفون وخبراء وقد رأيت بعضهم يعتني بالتحف بمهارة المحترفين خوفا"من أن تصاب بعطب ما حيث وضعوها في صناديق مجهزة أحضروها معهم وأوصلوها الى سيارات النقل المتوقفة خارج المتحف والتي كانت بانتظارهم .
وقد أشارت إحدى الصحف الألمانية الى أن هناك خطة مدروسة حول نهب متحف بغداد حيث يوجد في الولايات المتحدة الأميركية هواة وتجار تحف أثرية من أصحاب النفوذ الذين طالبوا بكل وقاحة بالحصول على هذه التحف العراقية وهؤلاء يشكلون عصابة تطالب بإباحة تصدير هذه التحف إلى أميركا.
والغريب في كل هذا أن يصرح وزير الحرب الأميركي من أن عمليات النهب والسرقة التي تعرض لها متحف بغداد هي جزء من التعبير عن الحرية !!.
ويؤكد الباحث " ماغواير جيبسون " الأميركي من أن عمليات نهب متحف بغداد تمت على دفعتين, الأولى عبر عصابات منظمة ومحترفة استفادت من التسهيلات للوصول الى المحفوظات والثانية أكثر عفوية وهي من الغوغاء .
ولعل الفضيحة الكبرى والتي تسم معالم التواطؤ الأميركي في نهب متحف بغداد تتجلى في ما ذكره القاضي العراقي " نبيل عبد الرحمن حياوي "والذي كان شاهد عيان على ما حدث في متحف بغداد حيث ذكر في يومياته والتي نشرها في صحيفة لبنانية على حلقات أنه خلال تجواله في بغداد يوم الخميس العاشر من نيسان شاهد شابا"متعلما" يخرج من المتحف وهو يحمل كرسيا" فسأله إن كانت الآثار لا تزال سليمة فأجابه الشاب أن الآثار سُرقت منذ الصباح وكنتُ من الذين سرقوا تمثالين, يقول القاضي : ونتيجة سؤالي عن كونه يبدو متعلما"ومثقفا" فكيف يسرق آثار بلاده أجاب الشاب مستغربا": أن مدير المتحف ومعه خبراء أجانب قالوا بأنفسهم أن علينا أخذ ما نستطيع حمله لأن البناء سوف ينسف اليوم ! وحين سأله القاضي إن كان يعرف مدير المتحف أجاب بالنفي وقال: أنه هو الذي كسر أبواب المتحف بنفسه ( المدير المزعوم ) وأن من معه خبراء آثار دوليون وأحد الخبراء كان يتحدث بلهجة فلسطينية مكسّرة, ويعتقد القاضي أن هذا ربما كان إسرائيليا" يتحدث العربية باللهجة الفلسطينية .
ويضيف الشاب في حديثه للقاضي أنه بعد دخول المدير المزعوم ومن معه من الخبراء الى المتحف أخذوا ما يريدون من الآثار التي تهمهم ثم عادوا إلينا وطلبوا منا أن ندخل لنأخذ ما نشاء حيث صرخ أحد الجنود الأميركيين الذين كانوا يحمون المدير المزعوم والخبراء بالعراقيين :"COM ..COM ..ALI BABA" تعال .. تعال .. علي بابا .
وروى أحد الباعة أيضا" لهذا القاضي أنه في صباح الخميس شاهد جنودا" أميركيين ومعهم ثلاثة مدنيين عند باب المتحف الأمامي وشاهد المدنيين يكسرون باب المتحف ثم دخلوا في وقت كان الجنود الأميركيين يطلقون النار في الهواء لئلا يقترب أحد من الناس من المتحف .إذن فالذي حصل باعتقادنا أنه كان هناك نهبا"منظما" له غايات واضحة لا يمكن إقصاء البعد الإسرائيلي عنها ومن ثم استخدم النهب الغوغائي من قبل الجاهلين والرعاع من أجل التغطية على النهب الأول وهو الأخطر وبعد …
فان كانت الآثار هي ملك للمجتمع والأمة ومن ثم هي ملك معنوي للإنسانية فان التاريخ والواقع يقدم العبر والدروس كي نحفظ ذاكرتنا وحضارتنا من المغول وأشباههم وعلى هذا فان كانت السلطة للمجتمع وليس المجتمع للسلطة فان الملكية الأثرية المجتمعية محفوظة وفي حرص حريص , أما أن تكون بعض رموز السلطة ممن لا تعرف أهمية وخطورة الآثار فهنا الكارثة, فقد ذكرت بعض المصادر العديدة على أن الرئيس العراقي السابق قام بأسوأ تلفيق وتشويه للآثار حين تم في جدران مدينة بابل الأثرية نقش صورته الى جانب صورة الملك نبوخذ نصر الأثرية .
أيضا" تذكر المصادر أن آثار العراق ولوحاته الفنية الثمينة ومخطوطاته النادرة كانت تُهرّب باستمرار وبشكل منتظم وبإشراف مباشر من مرافقي الرئيس السابق والمقربين منه وأولاده, ويذكر أن زوجة الرئيس العراقي السابق شوهدت ذات مرة في مناسبة رسمية وهي تضع قلائد وحلي تعود للملكة "شبعاد "ملكة أور، والتي تعود لحوالي ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد .
وفي الختام تنبغي الإشارة الى أنه عقب النهب الذي حصل لمتحف بغداد قدّم رئيس المكتب الاستشاري للشؤون الثقافية في البيت الأبيض استقالته احتاجا" على نهب المتاحف العراقية وقال في كتاب استقالته : " إن الكنوز العراقية التي نهبت هي ذاكرة الإنسانية وذاكرة جورج بوش " .
أما الشاعر الأميركي " جيم هيرسون " فقد قال : " أنا رجل مثقف ولا أحيا خارج التاريخ.. أما اللغة الحالية التي تستخدمها حكومتي فلا صلة سببية لها بأي واقع تاريخي , بانتظار ذلك عندما تودون الحديث عن هذه الحرب حاولوا أن تدسوا بين عباراتكم نباحا" ".
حتى أن" توماس فريدمان " المعروف بميوله الإسرائيلية يقول :" إن ما اقتادنا الى ضواحي بغداد ليس المحافظون الجدد فقط , بل هو مزيج أميركي خالص من الخوف والتهوّد " . ثلاثة عشر ألف قطعة أثرية منهوبة .. نضعها في عنق تمثال الحرية.. وأي حرية..11.
المصادر :صحيفة الحياة، وصحيفة المستقبل، وصحيفة السفير، و صحيفة تشرين السورية، وصحيفة الثورة السورية، ومجلة الوسط، وملحق نوافذ .وصحيفة المستقبل اللبنانية، وWWW.BBCARABICNEWS.COM ، وWWW.ALJAZIRA.NET

الملحق الرقم (17)
انتقام تاريخي؟ بابل وبعلبك تنعيان لاهاي
بقلم: حسن عبيد عيسى (كاتب عراقي/ ميدل ايست اونلاين 30/8/2006)
منذ القرن التسع عشر، ولمتنفذي اليهود اهتمام خاص جدا باثار منطقتنا، وخاصة آثار بلاد الرافدين، وآثار بلاد الشام عموما وآثار فلسطين خصوصا. ولم يغرب عن ذلك كله الاهتمام بآثار وادي النيل ، ولكنه يحظى باهمية متأخرة، لاسباب قد يلمح اليها حديثنا التالي ضمنا.
فلذلك الاهتمام دواعيه الكثيرة، ومنها السياسية والدينية والنفعية المصلحية ذات الطابع الشخصي وسواها كثير، فهي مصدر للاثراء الفاحش على حساب المصالح الوطنية للشعوب صاحبة تلك الاثار من خلال سرقة ثرواتها وتهريبها والاستئثار بما تعود به من أرباح طائلة وثروات ضخمة، ثم هناك الرغبة الجامحة في تزوير وتزييف اللقى الاثارية وخاصة النصب التذكارية للانتصارات العظيمة والانجازات الحضارية الباهرة، اما لإخفاء حقائق أو لتبديلها بحسب خطط متقنة، ذات مرام سياسية وعنصرية.
ولعل الدواعي الدينية ليست اقل أهمية، فهي الاساس الذي دفع كبار المنقبين للتقاطر على بلداننا لاستكشاف كنوزها اثباتا لصحة اسفار العهد القديم (التوراة) بعد ظهور نظريات في اوربا تنقد تلك الاسفار وصدور تحريم كنسي بنقدها.
وكان اليهود تحديدا يشجعون ويمولون تلك الاستكشافات لاثبات ان لهم علاقة مع كل الارض المحصورة بين الفرات ونهر مصر مما ينطبق عليها الزعم الاسطوري الذي وضعوه على لسان ربهم (لنسلك أعطي هذه الارض).
ومن بين اهم الدوافع، دوافع الثأر والانتقام للسبب السالف، السبب الديني، فالذي كتب اسفار العهد القديم كان يكره آشور وبابل كرها ما بعده كره، وتلك الاسفار حافلة بعبارات الكراهية والرغبة في الانتقام منها (طوبى لمن ضرب رؤوس اطفال بابل بالحجارة) وغيرها يصعب حصره.
لقد جسد يهود العراق في القرن التاسع عشر تلك الرغبة وعملوا على تحقيقها من خلال تسللهم الى الموقع الاثرى آثاريا في عموم العالم ، واعني به بابل، ليدمروا صروحه الحضارية الهائلة، كونها من بقايا عمارة نبوخذ نصر، وكانوا ينقلون آجر تلك الصروح الى المدن القريبة لبيعه في مواقع البناء وذلك في غياب اهتمام السلطة كونها سلطة تركية اجنبية محتلة، بينما لم يكن ثمة وعي شعبي يدرك خطورة العمل اليهودي ذاك. ودفعوا المهندس الفرنسي شوندر فير المكلف بانشاء سدة الهندية للاستفادة من آجر قصور بابل الخربة، فنقل بمعونتهم السخية لهذا الغرض، ستة عشر ألف مترا مكعبا من آجر الصروح العمرانية البابلية الرائعة (ياللهول).
وعندما انهارت تلك السدة وتقرر تكليف المهندي الانكليزي وليام ويلكوكس باعادة انشائها، فانهم أفادوه بمصدر رخيص للآجر يقلل سعر كلفة انشاء السد ويوفر له ولدولته الكثير من المال، فأجهز على قصور وصروح أخرى يدمرها ليحمل آجرها لبناء السد الذي قال عنه "لولا آجر بابل لما استطعنا انشاء السد" ولم يكن يهتم بما يخرب لأن من كتب التوراة كان يتمنى خراب بابل (ناقشنا ذلك مفصلا في كتابنا: التآمر اليهودي على بلاد الرافدين حتى سقوط بابل 539 ق. م ـ بيت الحكمة 2002 فليراجعه من رام مزيدا). وحاول رولنسن تفجير البرج الشهير المعروف ببرس نمرود وهو من مخلفات العصور البابلية الزاهرة، وحاول غيره غير ذلك والحديث يطول والشجون تزداد. فلنختصر:
ومع بداية العدوان الاميركي على العراق سنة 1991 كانت آثار بابل هدفا للطائرات المغيرة ذات الحمولات الثقيلة من القنابل، بحجة ان تلال بابل التي هي مكامن لشواهد اروع الحضارات، تضم مخابئ للصواريخ البالستية التي تدك المدن الاسرائيلية. واستمر ذاك الزعم طيلة ثلاث عشرة سنة هي سني الحصار بدعوى ان وسائل الكشف الراداري للطائرات الاميركية التي تراقب مناطق الحظر الجوي معبأة بين صروح بابل الاثارية ما يهدد سلامة الطيارين الاميركان.
وكانت مأساة بابل لا تقاس بحجم معين بعد ان تم الغزو الاميركي للعراق بدعوى تحريره. فصارت معسكرا لقوات عسكرية ضخمة تحوي دبابات ومدفعية ثقيلة وجرافات وآليات ضخمة ولصوص آثار محترفين كثر. وكما كان شأن المدينة المنكوبة في زمن العثمانيين، فان السلطات العراقية الجديدة التي نصبها الاحتلال كانت تجامل المحتلين ولم يكن يهمها أمر التخريب المبرمج والممنهج الذي ننعرض له حاضنة آثار حضارة وادي الرافدين، أما الوعي الجماهيري، فكان ضعيفا بفعل المشاكل الحياتية الضاغطة التي خلفها الاحتلال.
لقد ذهل فريق مفتشي الاثار البريطانيين الذي زار بابل، وهو يرى طريق الموكب الذي كان نبوخذ نصر يستعرض على بلاطاته قطعات جيشه الظافر وآلات الحصار والعبور الضخمة في أعياد رأس السنة البابلية، وهو يتفتت تحت سرف الدبابات الامريكية. . اضافة الى ما فعلته الجرافات الاميركية بالتلال التي هي مطامير ضخمة لصروح عمرانية لم تستشكف لحد الان، بهدف تعبئة ترابها في أكياس الرمل لعمل متاريس تحمي جنود الاحتلال. ونشر التقرير المأساوي، ومازالت خسائر بابل جراء العدوان الامريكية مجهولة بسبب التعتيم الرسمي عليها مجاملة للاميركان.
لقد تعالت صرخات اساتذة ودارسي تاريخ الحضارات القديمة والمهتمين بالاثار ازاء الفعل الامريكي المدمر لهذا المهد الحضاري الفريد، حتى ان فريقا من خبراء المتحف البريطاني الذي زار الموقع بين بعضا من حجم الكارثة التي الحقها الغزاة بذلك الموقع الفخم. . بينما اقتصر دور وزير الثقافة العراقي في حينه على التمني والرجاء وهي أمور لن تنتج شيئا ازاء العنجهية الاميركية.
أسْتَحْضِرُ ذلك كله هذا اليوم تحديدا وهو اليوم الاول لوقف العدوان الاسرائيلي على لبنان، حيث خرج اللبنانيون ليتفقدوا مدنهم وقراهم التي مسح الطيران المعتدي بعضها وحولها الى أكوام من الركام ، والضاحية التي تعامل معه الطيران المعتدي وكأنها معسكر وليست حيا سكنيا لعشرات الاف من العائلات. وأمامي تقرير قد لا يهتم به اللبنانيون كثيرا وهم يفكرون فيما ينبغي فعله ازاء هذا التخريب الاجرامي الواسع. . انه تقرير يصف الاضرار الفادحة التي لحقت آثار بعلبك ما تسبب في تصدع الاعمدة التي يحج اليها ملايين السواح سنويا ليستنطقوا التاريخ ويتيهوا نشاوى في رحابه الحالمة.
فكما كان اليهود والمسيحيون المتصهينون وفي مقدمتهم المحافظون الجدد، يكرهون بابل، وفعلوا بها ما فعلوا تعبيرا عن ذلك الكره. . فان اليهود يكرهون بعلبك والهها الذي لم يسلم منهم، فسرقوه وعبدوه تحت اسم طيهوه" وهاهم يجهزون على معبده الذي هزأ من معبدهم المزعوم والذي لم يفلحوا في العثور على حجرة واحدة تدل عليه، أو على وجود هكذا معبد أصلا.
ونحن امام هذه الكارثة العدوانية تجاه آثارنا نتساءل، هل من وسيلة لحمايتها؟ ان القانون الدولي لم ينس المواقع الاثارية وهو يضع اسسا وقواعد للقتال بين مجاميع البشر ضمن قانون الحرب الذي هو احد مراجع القانون الدولي. . لذا فان ذوي الاحساس المرهف باهمية الاثار من مسؤولي منظمة الامم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) تداعوا لعقد مؤتمر دولي في لاهاي بين 21 نيسان/أبريل و14 أيار/مايو من سنة 1954 برعاية الحكومة الهولندية لوضع اتفاقية تراعي حرمة الاماكن الاثارية وتحميها من آثار النزاعات المسلحة.
أصدر المؤتمر المذكور "اتفاقية لاهاي لسنة 1954 لحماية الممتلكات الثقافية في حالة النزاع المسلح" ووثيقة نهائية للمؤتمر تدعو الى حماية تلك الممتلكات الثقافية اثناء النزاعات المسلحة. واضيف الى ذلك الجهد الدولي المثمر بروتوكول اضافي يهدف الى تحقيق ذات الغرض المشار اليه.
لقد عد الاعتداء على المواقع الاثارية على وفق تلك المرجعيات القانونية الدولية جريمة حرب، ولكي لا يتحجج قادة الدول المعتدية وجنرالاتها في انهم لايدركون اهمية ذلك، او ان تلك المواقع كانت تشكل تهديدا (رأينا في المثالين البابلي والبعلبكي انهما استهدفتا من دون مبرر خصوصا بابل التي حولت الى معسكر للغزاة). لذا قام ف. دي مولينان باعدا كتاب سماه "دليل القوات المسلحة عن قانون الحرب" وتبنت اللجنة الدولية للصليب الاحمر تلخيص القواعد الاساسية لقانون الحرب بالاستناد على ذلك الكتاب ووزعته على كل اعضاء الأسرة الدولية طالبة الالتزام بتدريب كافة الجنود على مراعات تلك القواعد بدقة شديدة لكي لايتحجج احد بجهله مضمونها.
ان أهم تلك القواعد تتمثل في تطبيق الالتزامات بشأن بنود اتفاقية لاهاي وملحقاتها. ولكن هاهو العدوان الاسرائيلي توقف، وهاهي آثار الفينيقيين تصدعت. فمن ذا سيسائل القادة الاسرائيليين الذين كانوا يمارسون الدفاع عن النفس ضد الاله بعل وغيره ممن لم تبق منهم غير أحجار وأعمدة. وقبل ذلك معابد مردوخ في بابل وما حل بالمتحف العراقي من كارثة متعمدة؟
ان بابل وبعلبك اعلنتا بحزن وكآبة شديدة، موت اتفاقية لاهاي كما ماتت قبلها عشرات الاتفاقات والمواثيق التي تشكل اسس ومرجعيات القانون الدولي، فهؤلاء العدوانيون يقودون العالم نحو زمن الحروب العدوانية المنفلتة التي يحرق فيها الاقوى الاخضر واليابس، ولا يرعى لذي حرمة ولا ذمة.

الملحق الرقم (18)
محنة آثار العراق: حاميها حراميها !
تقرير من موقع كتابات: تاريخ 20/ 9/ 2006: من يسرق الآثار العراقية ألان ومن يهجر علمائها؟ تطهير أقدم مؤسسة في العراق من علمائها الآثار بين وبيع أثارها علنا من قبل مسؤولين فيها يعتبرون الآثار اصناما يجب التخلص منها بسرعة..
ماذا يحل الآن بالآثار العراقية ومن هم المسئولون عن السرقة ومن هو المسؤول عن تطهير هذه المؤسسة العريقة، التي بقي منتسبوها أوفياء لمهنتهم وتاريخ بلدهم، ولقد شاهد الجميع كيف كانوا ينتحبون وعلى شاشات التلفزيون على ما سرق من آثارهم التي عملوا على استخراجها من باطن الأرض والحفاظ عليها لقرون عديدة، وهم اليوم يهجرون ويذوقون أقسي عذابات العصابات الطائفية، فقسم منهم اجبر على الاستقالة وقسم منهم هرب خارج البلد وعلى القسم الأخر الصمت أو القتل. هؤلاء الناس ليسوا أناسا عاديين بل علماء أجلاء خبرتهم لا تقدر بثمن، وهذا باعتراف علماء الآثار الأجانب أنفسهم، ووصف عالم اثأر أمريكي احدهم بأنه موسوعة متنقلة.
إن ما يقلق علماء الآثار العراقيين هو وجود أناس الآن في مواقع المسئولية لا يمتون للآثار بصلة، وان وجد احدهم فقد خانوا المهنة والقسم الذي يؤديه منقب الآثار بأنه سيسلم المقتنيات الأثرية التي يكتشفها سالمة إلى المتحف أو دائرة التنقيبات الأثرية، وهذه خيانة عظمى للوطن وللتاريخ والمهنة.
لم يكن يتوقع رئيس المؤسسة الذي اجبر على الاستقالة أن يقوم احد أفراد دائرته بهذا العمل الشنيع، من سرقة الآثار وتزويرها وبيع الأصلية في الخفاء إلى عصابات الجريمة المنظمة التي انتشرت في العراق بعد الاحتلال.
وفي تحقيق شخصي اجري بطريقة سرية تامة من داخل وزارة السياحة والآثار ومن داخل المؤسسة المعنية وهي المؤسسة العامة للآثار لمعرفة خفايا ما يجري هناك ومن هي الجهات المسئولة وراء هذا التخريب المنظم، والذي يتخذ شكلا طائفيا بحتا بعد إن كان تشارك فيه عصابات الجريمة العالمية ,ونحن إذ نتحفظ على الأسماء سواء أسماء الذين أمدونا بهذه المعلومات الخطيرة جدا أو أسماء القائمين بعمليات التخريب المنظم من سرقة الآثار وبيعها وتسليم نسخ مزورة للمتحف ومن قام بإجبار علماء الآثار على الاستقالة أو إجبارهم بالصمت، من أجل فعل ما يريدون.
بعد تفشي المحاصة الطائفية كان من سوء حظ دائرة الآثار أن تقع تحت وصاية جماعة الصدر، وحين تسلم الوزير سميسم حتى بدأت معركة تهجير وإقصاء الكفاءات الأثرية داخل المؤسسة العامة للآثار والتراث. فقد تم إقصاء أفضل الآثار يين الذين تمتد خبرتهم إلى أكثر من 40 عاما، وهؤلاء على علم بكافة ما يخص الآثار سواء كانت المخرومة في المتحف أو التي في المخازن أو المواقع الأثرية المنتشرة في عموم القطر.وشاهدنا كيف صانوا أمانة قسمهم في حفظ كنز النمرود الأثري في قاصات تحت بناية البنك المركزي العراقي.
من تسلم رئاسة المؤسسة الآن متهم باتهامات خطيرة تسيء إلى شرف المهنة والى تاريخ العراق والى أهله وتراثه. فهذا الشخص مسؤول مسؤولية مباشرة عما يجري ألان و بمعية طرف أخر يساعده فقد كان هذا الشخص المدعو(د) والذي كان ينقب عان الآثار في موقع (تل ......) يقوم بأخطر عملية تمس سمعة كافة العاملين في حقل الآثار العراقي، فقد كان هذا المسؤول الآن يقوم وبعد إجراء التنقيبات بعمل نسخ مزورة من اللقى الأثرية وخاصة الرقم الطينية( ألواح طينية كتبت بالمسمارية) وتسليمها إلى المتحف العراقي، ومن ثم ببيع النسخ الأصلية إلى تجار الآثار والعصابات وتهريبها إلى الخارج وبذلك جني ثروة كبيرة ، هذا إذا ما عرفنا ما هي القيمة المادية لتلك الآثار، ولم يكتف هذا الشخص بذلك، بل بدأ يهدد العاملين في المؤسسة ومنهم المدير السابق بالقتل إذا لم يستقل من الدائرة بعد أن كشفوا كل ألاعيبه وخيانته للوطن والمهنة. واستطاع ومن خلال دعم رجال الدين المعميين الذين يعتبرون الآثار أصناما وبدعم من مليشياتهم الطائفية من السيطرة على المؤسسة. إن هذا الرجل استطاع أن يقصي كافة العقول الآثارية في العراق، ولم يعر اهتماما لما يجري للآثار بل من اجل المناصب الكبرى.
إن من ساعد ودبر وجيش لهذه العملية هو شخص معروف واسمه (.....) والطامة الكبرى إن هذا الذي يسمي نفسه دكتورا مرشح للوزارة، فيا ترى كيف سيصبح حال الوزارة الجديدة إذا كان وضع الآثار بهذا الشكل ألان.
إن طاقم الآثار والبحوث التاريخية في العراق هم من أكفأ العلماء ، فقد كانوا حريصين كل الحرص على هذه الأمانة العراقية المهمة وصانوها وتعبوا من اجلها، وفنوا عمرهم فيها، ومن شدة حبهم لها يمكن أن يتغيب الباحث الاثاري شهورا عن عائلته يقضيها في الصحراء من اجل الكشف عن كنوز هذا البلد ، ولقد عانوا شتى أنواع الحرمان خصوصا في فترة الحصار الاقتصادي على العراق، لكنهم حاشا لله لم تخنهم ضمائرهم من سرقة ولو حرف واحد من حروف الكتابة المسمارية التي خطت تاريخ العراق وقدمت خدمات جليلة للإنسانية, لكن للأسف الآن هم طردوا قسرا من مواقعهم التي افنوا فيها زهرات شبابهم، وبيد من بيد أناس دخلاء على الوظيفة وعلى الآثار وربما على الوطن نفسه.
وبعد انتشار خبر استقالة المدير العام للمؤسسة العامة للآثار والتراث نشرناها من وفراره من العراق، استطاع مراسلنا في بغداد من تقصي الخبر من مصادر موثوقة داخل الدائرة.
إضافة إلى ما ذكره الدكتور دوني جورج من مضايقات إدارية بخصوص عمله من قبل شلة من أصحاب العمائم الذين يسيطرون على مفاصل مهمة من الدولة. تبين إن هناك عصابة كبيرة مدعومة من قبل رجال الدين والمليشيات الطائفية تحاول تصفية كافة العلماء المختصين بالآثار وسرقة ما يمكن سرقته وبطريقة رسمية وعندما حاول الدكتور منعهم، هددوه بفرق الموت وإنهم سيخفونه خلف الشمس وفي مكبات النفايات كما ذكرت المصدر، مما اضطر هذا العالم المعروف عالميا والذي قاد حملة دولية من اجل إنقاذ الآثار العراقية التي نهبت أول أيام الغزو الأمريكي إلى الاستقالة الجبرية ومغادرة البلد.

تعكف "اليونسكو" على وضع خطط لحماية التراث الثقافي العراقي
وإذا نظرنا إلى هذه الأيام التي يستعد فيها هولاكو القرن الحادي والعشرين إلى اجتياح العراق ، نجد أن مذبحة الحضارة الإنسانية التي اقترفها المغول بدم بارد في القرن الثالث عشر توشك أن تتكرر من جديد على مرأى ومسمع من عالم متواطئ على الاغلب صامت على أحسن التقديرات ، وإزاء هذه المذبحة حذر عدد كبير من علماء الآثار في العالم من أن قيام الولايات المتحدة بشن هجوم عسكري على بغداد قد يسفر عن تدمير الجانب الأكبر من الآثار العراقية ، وأشار هؤلاء العلماء إلى أن هذا الهجوم قد يؤدي إلى تدمير مدينة "أور" القديمة مهد الحضارات ، أو دفن مدينة" نينوي "الاشورية بالإضافة إلى نحو عشرة الآف موقع أثري معظمها لم يشهد عمليات تنقيب واسعة بعد.وقد يؤدي قصف هذه المواقع التي تؤرخ لحضارات وديانات يعود أقدمها إلى الألف الخامس قبل الميلاد، إلى محو آثار تعود إلى عصر السومريين الذي شهد اختراع الكتابة والعجلة .
ويشعر علماء الاثار بقلق بالغ إزاء تعرض هذه المواقع التي قدمت للعالم أول نماذج للكتابة وتخطيط المدن لاضرار جسيمة من جراء القصف الجوي أو عمليات سلب ضخمة من قبل البعض مما دفعهم إلى تقديم قائمة بمئات المواقع الاثرية العراقية المهمة إلى وزارتي الدفاع والخارجية الأمريكيتين ، مؤكدين أن الحرب الوشيكة تشكل خطرا على مجموعة من آثار حضارات الرافدين الفريدة بمتحف العراق ببغداد ، وقال هؤلاء إن المتحف الواقع شمالي العاصمة العراقية يمكن ان يتعرض إلى قصف أمريكي، لكن الأمر الاكثر ترجيحا هو إمكانية سقوط المتحف ضحية للصوص محترفين في حالة انهيار النظام الحاكم في البلاد.
وأوضح عدد كبير من العلماء أن ضياع المجموعة الأثرية التي يحتوي عليها المتحف ستكون خسارة هائلة ، مشيرين في الوقت نفسه إلى أن كافة عمليات التنقيب الاوروبية في العراق قد توقفت قبل عدة شهور عندما سحبت هذه البعثات أفرادها من أراضيه قبل عدة شهور، في حين كانت ثمانية فرق أمريكية قد غادرت العراق بعد انتهاء حرب الخليج الثانية دون أن تستكمل عمليات تنقيبها في مواقع أوروك ونمرود ونينوى وأشور.
ولم يكن هؤلاء العلماء وحدهم في الميدان بل ترافقت تحذيراتهم بالتصريحات التي أدلى بها مسئولو منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "اليونسكو" معلنين أن عددا من خبراء المنظمة يعكفون حاليا على وضع خطط لحماية التراث الثقافي العراقي في حال قيام الولايات المتحدة بتوجيه ضربة عسكرية على بغداد ، وأوضح لوران شتراوس نائب مدير التراث الحضاري باليونسكو في هذا الشأن أن هناك عشرات من المواقع الأثرية صارت عرضة لخطر داهم في ظل تزايد التهديدات بشن هجوم على العراق خلال الفترة القليلة المقبلة ، وشدد ليفي على ضرورة أن تحترم أية دولة ستكون ضالعة في حرب ضد العراق معاهدة لاهاي بشأن حماية التراث الحضاري حال نشوب نزاعات مسلحة والتي تحظر استهداف مواقع أثرية ما لم تكن هناك ضرورة عسكرية ، مضيفا أنه "إذا نشب نزاع سنعطي الأطراف المتحاربة تعليمات أكثر دقة في هذا الشأن".
وكان الرد من قبل الولايات المتحدة مثيرا للسخرية المريرة حيث أكدت واشنطن أن مسئولي وزارة الدفاع الأمريكية يعكفون حاليا على تكوين فريق متخصص لرسم خرائط للآثار العراقية حتى يمكن تجنبها في أية ضربة محتملة لبغداد ، وزعمت مصادر الإدارة الأمريكية - التي تبدو غير عابئة بأرواح العراقيين انفسهم بالقدر نفسه - أن مهمة هذا الفريق تتمثل في حماية هذه المواقع التي لا تقدر قيمتها التاريخية بثمن والتي تضم مدنا من عصور البابليين والكلدانيين والسومريين وحتي الساميين، من بينها اور وبابل وكيش واكاد وارك ونينوي ونيبور وكش.

الملحق الرقم (19)
مديرة آثار بابل تكشف حجم الأضرار التي ألحقتها قوات الاحتلال بالمدينة
شبكة البصرة الحلة - علي السباك: أكدت الدكتورة مريم عمران مديرة مدينة بابل الأثرية ان قوات الاحتلال ألحقت أضراراً كبيرة بالمدينة الأثرية أثناء اتخاذها موقعا عسكريا لها فيما سلمت مديرية حماية المدينة الأثرية قرابة الـ(184) قطعة أثرية مفقودة إلى المتحف الوطني العراقي في العاصمة بغداد. وأشارت الدكتورة عمران خلال ندوة أقيمت في مجلس محافظة بابل إلى قيام قوات الاحتلال بعمل سواتر ترابية في مداخل المدينة الشمالية والجنوبية والشرقية وداخل المدينة مؤكدة ان اغلب تراب هذه السواتر يحتوي على قطع فخار وقطع آجر منقوش على بعضها مخطوطات بالكتابة المسمارية وقطع أخرى تعود إلى عصر الملك البابلي الأول نبوخذ نصر مما يدلل بان التراب المستعمل في هذه السواتر اخذ من داخل المدينة الأثرية ولم يجلب من خارجها.
وقالت ان القوات المذكورة قامت بالكساء مناطق واسعة في المدينة بمادة الحصى استخدمت فيها معدات ثقيلة لقلب التربة مما تسبب في إتلاف عدد من الآثار كما جرت عمليات توسيع في شمال وشرق المدينة وأعمال تسوية وفرش بمادة الحصى في مركز المدينة وبالقرب من معبد ننماخ وشارع الموكب وبوابة عشتار فضلا عن شق طريق بعرض8-10 م قرب منطقة البيت البابلي ومتحف حمورابي.
وعن الأضرار غير المباشرة أفادت مديرة آثار بابل ان اغلب الأبنية الأثرية تعرضت إلى أضرار متعددة وان تواجد القوات متعددة الجنسيات داخل المدينة تسبب في تشقق وتصدع الأبنية الأثرية إذ أصبحت المدينة في معزل عن أعمال الصيانة. ونوهت الدكتورة عمران إلى تعرض معبد ننماخ والسور الداخلي ومعبد نابو ومعبد عشتار إلى الكثير من الأضرار خلال الحرب الأخيرة لكن دائرة الآثار لم تستطع حصر هذه الأضرار بسبب دخول القوات الأمريكية إلى المدينة مباشرة بعد الحرب. تجدر الإشارة إلى انه وبعد إخلاء المدينة عقد مؤتمر في محافظة بابل قدمت فيه قوات الاحتلال تقريرا مطولا عن واقع وحال المدينة الأثرية وبعد مناقشته جرى الاتفاق على إعداد تقرير من دائرة آثار بابل حول الأضرار التي لحقت بالآثار ورفع هذا التقرير عن طريق الهيئة العامة للآثار إلى منظمة اليونسكو وخلال مؤتمر اليونسكو الذي عقد منتصف العام الماضي نوقشت الأضرار التي لحقت بالمدينة الأثرية قبل عام 2003 بسبب الصيانة غير العلمية وإنشاء البحيرات والأبنية والطرق والقصور التي نفذها النظام السابق وكذلك الأضرار التي لحقت بالمدينة بسبب تواجد هذه القوات فيها الأمر الذي أدى إلى شطب مدينة بابل الأثرية من قائمة التراث العالمي.
وأعربت الدكتورة عمران ان يعاد تسجيل المدينة الأثرية مجددا على قائمة التراث العالمي مشيرة إلى ان ذلك مرهون بالمقترحات التي سترفعها اللجنة العالمية التي شكلتها اليونسكو لتقييم الأضرار في المدينة بمشاركة عدد من الأثريين العراقيين.على صعيد قريب تواصل مديرية حراسات آثار بابل تسليم القطع الأثرية المفقودة إلى المتحف الوطني العراقي في بغداد اذ سلمت المديرية مؤخرا قرابة الـ(184) قطعة اثرية وعلى وجبات. وقال مصدر في المديرية ان اللقى الأثرية المشار إليها تضم أختاما مختلفة الأشكال ومسكوكات معدنية وتماثيل بابلية تعود إلى مختلف العصور موضحاً انه تم العثور عليها من خلال تعاون المواطنين في تسليمها إلى مفارز المديرية المنتشرة في جميع أقضية ونواحي المحافظة مضيفاً ان عدد التلول الأثرية المؤشرة والتي تقع ضمن مسؤولية المديرية تقدر بـ(231) تلا اثرياً بالإضافة إلى تلول أخرى غير مؤشرة. (جريدة الصباح/ شبكة البصرة / الخميس 13 ربيع الثاني 1427 / 11 أيار 2006).

الملحق الرقم (20)
احموا آثار العراق
البارحة تحدثت وسائل الاعلام عن أمر أعطته حيزا كبيرا من الأهمية ، و شكل حدثا مفصليا في سياق الحرب الكونية على العراق التي مارستها الولايات المتحدة و بريطانيا و بعض الدول الصغيرة التي تمشي متعلقة بذيل هذه الدول .. الحدث كان (( تحويل مدينة بابل الأثرية الى ثكنة عسكرية )) !!!!
من يتذكر وقت اجتياح العراق ، يعرف تماما كيف ساهمت هذه الدول و على رأسها أميركا بنهب الآثار العراقية جملة و تفصيلا و يعرف كيف كان يتم النهب المنظم بحماية الأباتشي والأسلحة الأميركية المختلفة وصورت وقتها وسائل الاعلام هذا الحدث الهام ونقلوا الكاميرا الى مقر وزارة النفط العراقية حيث احتشدت الدبابات تمنع حتى الموظفين العراقيين من الاقتراب الى هذه الوزارة ، و يومها و بكل صفاقة طالعتنا كونداليزا رايس بتصريح استغربت فيه الحديث عن حماية وزارة النفط و السماح بنهب الآثار ..
و من ذلك اليوم حتى يومنا هذا شهدت العاصمة العراقية و المناطق الأثرية نهبا متزايدا للآثار ومن الجدير ذكره أن بعض القطع الأثرية ظهر في فرنسا و دول أوروبا و بعضها الأخر تم ضبطه مع الجنود الأميركيين الذي حاولوا تهريب هذه القطع الى الولايات المتحدة الأميركية .
وخلال هذه الفترة تم توجيه الاتهام الى يهودي عراقي بأنه هرب قسما كبيرا من الآثار العراقية الى الخارج مستفيدا من التغطية الأميركية الواضحة بعد سقوط بغداد .. ووصل الأمر الى تشكيل عصابات خاصة مهمتها الأساسية تفريغ العراق من محتواه الأثري و بالتالي محو ذاكرته الحضارية بشكل كامل ، مرورا بنهب المتحف العراقي كله دونما المحافظة على اية قطعة أثرية ..
اليوم شهدنا حدثا مختلفا يتمثل بالقاعدة العسكرية التي أقيمت في مدينة بابل الأثرية و تحدثت الأنباء عن دبابات قامت بهرس و تحطيم أرصفة قرميدية عمرها يزيد عن 3500 سنة إضافة الى تصدع كامل بالجدارن الأثرية التي قال عنها أحد الخبراء أنها غير قابلة للإصلاح بعد اليوم و هيي في طريقها الى الدمار الكامل ، و لنقل في سياق هذا الكلام تحطيم جدران و قطع أثرية أخرى كي تتحول الى أكياس للمتاريس التي تقيمها القوات المحتلة الأميركية خوفا من الهجمات التي تشنها المقاومة أو خوفا من نبوخذ نصر القادم من اعماق الأرض و الحضارة ..
هذا الأمر تقاطع مع تصريحات لوزير الدفاع العراقي (( الشعلان باشا )) الذي يمهد الطريق كل يوم للقوات الغازية كي تحاصر سورية عبر اتهامات عديدة بأن عراقية حاولت اغتياله وتدربت في سورية و تفجيرات أخرى قام بها عراقيون جندتهم سورية .. في حين لم يخطر ببال هذا المعاق أبدا أن ينوه ولو بكلمة الى الدمار الذي لحق بالحضارة البابلية كلها ، فما عجز عنه اليهود منذ آلاف السنين تحققه لهم أميركا اليوم بصمت رسمي عراقي معتوه عما يجري
أما كان بالأجدر على السلطة السياسية في العراق بدل أن تكيل الاتهامات للدول المجاورة أن تحاسب ولو بكلمة القوات الأميركية على ما تقوم به ، وأما كان يجدر بهم توجيه النقد اللاذع للأميركيين ، فصدام حسين ومرات عدة قام بترميم جدران مدينة بابل واسس المتحف الأثري في بغداد و حصن بابل من هجمات اللصوص لكن الديمقراطية الأميركية اليوم صار مشكوك بأمرها جدا هي وعملاؤها فبي الداخل العراقي فلا اسلحة الدمار الشامل سبب الهجوم ولا نظام صدام حسين ، في رأيي المتواضع هما أمران أساسيان :
الأول : نهب النفط العراقي ومنه الحصول على ثروات كبيرة .
الثاني : تدمير الذاكرة العراقية بشكل كامل الى درجة يستحيل فيها قيام قائمة لها و هذا الأمر يتقاطع مع الرغبة اليهودية التي تسعى الى الانتقام من نبوخذ نصر و السبي الشهير و بالتالي رد الصاع صاعين عبر دولة أخرى متهودة جدا ، و بالتالي فالحديث عن ديمقراطية أميركية جديدة هو حديث البلهان و المعتوهين حتى و الخونة في منطقتنا و منهم من يطقن في كذا دولة أخرى غير العراق ...
و من هنا فنحن أمام كارثة حقيقة لن نشعر بهولها الا يوم يختفي تاريخنا و بشكل كامل عبر محو هذه الحضارات عن طريق رموزها الأثرية و بالتالي تشكيل الشرق الأوسط الكبير بزعامة يهودية واضحة و هذا ما تسعى لتحقيقه كل من اسرائيل و أميركا و الحلفاء الأخرون ..
اذا واجبنا اليوم السعي لحماية الآثار العراقية كلها ومحاسبة كل مسؤول عن هذا الأمر بدءا من الأميركان وصولا الى السلطة العراقية الحالية التي تساهم مساهمة أساسية في ذلك ..

الملحق الرقم (21)
احموا ُاثار العراق تحمون تاريخنا ..
قوات الاحتلال الأميركي دمرت حدائق بابل المعلقة
الجزيرة: ذكر تقرير صادر عن المتحف البريطاني أن العربات العسكرية الأميركية والبولندية سحقت أرصفة تعود إلى ماقبل الميلاد وتعد مهدا للحضارة ومقر حدائق بابل المعلقة أحد عجائب الدنيا السبع في مدينة بابل القديمة ولوثت التربة فيه ودمرت المعالم الأثرية.
وقال جون كورتيس المسؤول عن دائرة الشرق الأوسط القديم في المتحف البريطاني في تقرير نشر بصحيفة جارديان إن الموقع استخدم كمخزن عسكري من قبل هذه القوات خلال العامين الماضيين معربا عن أسفه من إنشاء قاعدة في منطقة تعتبر واحدة من أهم المواقع الأثرية مما يعد -بحسب قوله- ضربة جديدة للميراث الثقافي للعراق.
وأضاف كيرتس الذي دعاه خبراء آثار عراقيون لزيارة بابل أنه وجد تصدعات وفراغات تسبب فيها من حاولوا على ما يبدو انتزاع الطوب الذي يزين ويشكل حيوانات التنين الشهيرة ببوابة عشتار بالمدينة.
إلا أن متحدثا باسم القوات التي تقودها بولندا في العراق قال بأنه تم نقل العمليات العسكرية من معسكر بابل مضيفا "أعدنا ذلك الموقع للشعب العراقي وللعلماء العراقيين بسبب أهميته ليس فقط للعراق وإنما كإرث ثقافي للعالم كله".
من جانبه أشار كيرتس أنه لا بد من حث الحكومة العراقية على طلب إدراج بابل ضمن قائمة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة "يونيسكو" للمواقع الأثرية في أسرع وقت.
وأكد اللورد ريديسدال رئيس الجماعة الأثرية البرلمانية الحزبية البريطانية للصحيفة أنه أصيب بالفزع قائلا "هذه مواقع عالمية.. ما تفعله القوات الأميركية لا يضر بآثار العراق فحسب وإنما يضر بالتراث الثقافي للعالم كله بالفعل".
يذكر أن التقرير يأتي بعد مهمة تقييمية نفذت في العراق في ديسمبر/ كانون الأول بطلب من مجموعة من علماء الآثار العراقيين.

بابل ، التاريخ ، ما هي ؟
- عاصمة المملكة البابلية لإمبراطوريتين بابليتين.
- كان السومريون أقدم سكان بلاد بابل.
- بابل مدينة قديمة بأرض الرافدين،أي نهر دجلة والفرات.
- قد ورد ذكرها في القرآن الكريم " وما أنزل على الملكين ببابل هاروت وماروت"
- كانت المدينة مركزًا دينيًّا وتجاريا لبلاد بابل.
- كلمة "بابل" في اللغة الأكادية تعني "باب الإله".
- قد سماها الأقدمون بعدة أسماء منها "بابلونيا"، أرض بابل ما بين النهرين وبلاد الرافدين.
- صارت بابل بعد سقوط سومر قاعدة إمبراطورية بابل ، وقد أنشأها حمورابي حوالي 2100ق.م ، امتدت من الخليج العربي جنوبًا إلي نهر دجلة شمالا.
- وقد دام حكم حمورابي 43 عامًا ازدهرت فيها الحضارات البابلية حيث يعد عصره العصر الذهبي للبلاد العراقية.
كانت تقع على ضفتي نهر الفرات بالقرب من مدينة الحلة الحالية في العراق.
- حدائق بابل المعلقة التي تعد من عجائب الدنيا السبع.
- كان يوجد بها ثماني بوابات وكان أفخم هذه البوابات بوابة عشتار الضخمة.
- معبد مردوك يوجد داخل الأسوار بساحة المهرجان الديني الكبير،الواقعة خارج المدينة.
-اعتمد الاقتصاد البابلي بصورة رئيسية على الزراعة فقد زرعوا الأرض بالقمح والخضراوات والفواكه.
- وحفروا القنوات وربوا المواشي.
- وصنعوا أشياء من الطين والأحجار والعظام والأخشاب والمعادن.
- تعلموا تجفيف المستنقعات وصناعة الآجر من الطين.
- انقسم المجتمع في بلاد بابل ،خلال عصورها المختلفة إلى طبقات متعددة وهي طبقة الأرستقراطية التي كانت تضم عادة موظفي الحكومة والكهنة وملاك الأراضي الأثرياء وبعض التجار.
- الطبقة العامة ؛وكانت تتألف من الحرفيين والكتبة والمزارعين.
- طبقة الرقيق التي شكلت أدنى طبقات المجتمع البابلي.
- كانوا يصنعون أكواخا من القصب والطين.
- كانوا يستخدمون الطين المشوي أو المجفف بالشمس لبناء بيوتهم ومعابدهم، لعدم وجود الحجارة والأشجار في البلاد.

الملحق الرقم (22)
اغلاق موقع بابل الاثري الى اشعار اخر
بغداد 17 يناير كانون الثاني /رويترز/ قال وزير الثقافة العراقي ان موقع بابل الاثري اغلق وسيظل مغلقا حتي يحدد خبراء دوليون مدي ما لحق به من دمار علي أيدي القوات الاجنبية.
وكان تقرير للمتحف البريطاني قد ذكر ان القوات الامريكية والبولندية احدثت تلفيات كبيرة بالمدينة القديمة التي تضم حدائق بابل المعلقة باقامة قاعدة عسكرية بين الانقاض بعد غزو العراق في ابريل نيسان .2003.
وقال مفيد الجزائري وزير الثقافة العراقي في مؤتمر صحفي ان اول شيء اتخذته بعد خروج القوات / الاجنبية من موقع بابل الاثري/ هو اغلاق الموقع تماما وحتي اشعار اخر. واضاف الوزير ان الهدف من هذا الاجراء هو اننا نريد ان نعرف الحقيقة كاملة بشان موقع بابل في حاله الحاضر وما انتهي اليه الحال بعد اكثر من سنة من وجود القوات متعددة الجنسية هناك.
وقال ان الموقع سيبقي مغلقا الي حين تشكيل فريق آثارى عالمي يضم علماء اثار من مختلف المعاهد المشهورة عالميا لتبحث هذا الموقع بحثا كاملا ومن جميع النواحي ولتحدد الاضرار التي لحقت بالموقع وتوثقها وتحدد طبيعتها وتحدد ماينبغي ان يتخذ من خطوات لمعالجة الحال التي هي عليه الان وكيف نعود بالمدينة الي ما كانت عليه في السابق.
وفي وقت سابق اليوم قال وزير الدفاع البولندي جيرزي سمادزينسكي ان وجود قوات أجنبية في بابل أنقذ الموقع الاثري الشهير من السرقة علي عكس ما أشار اليه تقرير للمتحف البريطاني.
وقال لولا الامريكيين لكانت بابل نهبت مثل كل المتاحف الاخري في العراق... وكنا سنستعيد القطع الفنية من بابل من البازارات والاسواق.
وقال سمادزينسكي لاذاعة جيدينكا المحلية انه تمت استشارة السلطات المحلية وعلماء الاثار بالنسبة لكل القرارات المتعلقة بالمواقع القديمة في القاعدة المقامة ببابل.
وأضاف أن من المؤكد أن أخطاء وقعت في البداية لكن أحدا لا يعرف ما كانت عليه بابل قبل تولي الامريكيين الامر. ومنذ وصولنا فقد قمنا بعملية توثيق كاملة للموقع.
ومضي يقول ان وزارة الثقافة البولندية ستصدر قريبا تقريرا من 500 صفحة حول بابل.
وأوضح تقرير المتحف البريطاني أن سيارات الجيش الامريكي والبولندي سحقت أرصفة في المدينة تعود الي 2600 عام. وذكر أن بقايا أثرية استخدمت في حشو أجولة رمال.
وقال جون كيرتس أمين قسم الاثار القديمة والشرق الادني الذي اعد التقرير بابل واحدة من أهم المواقع الاثرية في العالم والتلفيات التي أحدثها معسكر الجيش هي ضربة أخري للتراث الثقافي في العراق. وأضاف كيرتس الذي دعاه خبراء الاثار العراقيون لزيارة بابل انه وجد شقوقا وفجوات أحدثها أشخاص حاولوا فيما يبدو خلع الاحجار المزركشة التي تشكل تنانين بوابة عشتار بالمدينة.
وكانت بابل التي شيد فيها الملك نبوخذ نصر الثاني الحدائق المعلقة عاصمة مملكة بابل التي استمرت من نحو 1800 الي 600 قبل الميلاد.
وأجريت أعمال أثرية كبري في بابل خلال القرنين التاسع عشر والعشرين وأعاد صدام حسين بناء أجزاء من الموقع

الملحق الرقم (23)
الدبابات الأميركية تسحق كنوز مدينة "بابل" العراقية
اذاعة هولندية: كشف تقرير للمتحف البريطاني أن قوات التحالف بالعراق ألحقت أضراراً كبيرة بواحد من أقدم الكنوز الأثرية في العالم ، بتحويلها باستخدام مدينة "بابل" التاريخية إلى قاعدة عسكرية .ونقلت صحيفة " الجارديان " البريطانية أن العربات الأميركية والبولندية سحقت أرصفة عمرها 2600 سنة في المدينة التي تعد مهدا للحضارة ومقراً للحدائق المعلقة ، أحد عجائب الدنيا السبع القديمة والتي يرجع وجودها إلى العام 1800 ق . م .
وقال مدير إدارة الشرق القديم والأدنى بالمتحف " جون كيرتس " ـ الذي دعاه خبراء آثار عراقيون لزيارة بابل ـ إنه وجد تصدعات وفراغات ناتجة عن محاولة انتزاع الطوب الذي ـ يشكّل حيوانات التنين الشهيرة على بوابة " عشتار" بالمدينة .

الملحق الرقم (24)
" عشتار" ..بوابة تاريخية أم بوابة عسكرية ؟!
ووصف "كيرتس" في تقريرة إنشاء القادة الأميركيين قاعدة عسكرية في بابل في أبريل من العام 2003 ، تم تسليمها للقوات البولندية بعد خمسة أشهر ، بأن " هذا يعادل إقامة مخيم عسكري حول الهرم الأكبر في مصر أو حول ستونهينج في بريطانيا" ، واصفاً قرار إنشاء قاعدة في المنطقة بأنه " أمر مؤسف " . وتطرق التقرير إلى مناطق شاسعة من الموقع تم تغطيتها بالجص المركز والمعالج كيماوياً ليصبح مهبطا للمروحيات ومواقف للسيارات .
وقال اللورد " ريد يسدال " رئيس الجماعة الأثرية البرلمانية البريطانية للجارديان إنه أصيب بالهلع ، لأن ما تفعله القوات الأميركية لا يضر بآثار العراق فحسب ، وإنما يضر بالتراث الثقافي للعالم كله .
وعرضت قناة " الجزيرة " الفضائية صورةً لجندي أميركي يحمل بيده جزءاً من آثار المدينة التاريخية ، وصورة ثانية تظهرعبث بعض جنود التحالف بمعالم المدينة ، وصورا أخرى توضح إصابة بعض الأبنية الأثرية ـ التي رممها الرئيس السابق صدام حسين ـ بتشققات عميقة نتيجة دخول الدبابات إلى المدينة .
وكانت منظمة التربية والعلوم والثقافة " اليونسكو " التابعة للأمم المتحدة ، والمنظمة الدولية للشرطة الجنائية " الانتربول " عززتا تعاونهما في العام 2003 ـ عقب انتهاء الحرب على العراق ـ في مجال مكافحة العبث بالممتلكات الثقافية العراقية ، من خلال التوقيع على تعديل لاتفاقية التعاون القائمة بين المنظمتين منذ العام 1999 ، وأشاد مدير عام اليونسكو " كويشيرو ماتسوارو" بتوقيع الاتفاق قائلاً : " إن هذا الاتفاق يشهد على عزم المجتمع الدولي بإدراج مكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية ضمن أولوياته ، مع الاعتراف بأنه لا يمكن اعتبار تلك الممتلكات بمثابة سلعة عادية ، بل هى أحد العناصر الجوهرية لهوية الشعوب ".
ووصفت بعثة تابعة لليونسكو بعد زيارتهاللعراق وضع المواقع الأثرية والمتاحف والمكتبات النهوبة والمدمرة في بغداد بأنه "كارثي" ، ودعا "منير بوشناقي" ـ المدير العام المساعد للثقافة في للمنظمة الدولية ـ إلى التحرك من أجل حماية التراث العراقي .


الملحق الرقم (25)
مُنقِذ الآثار العراقية يهرب إلى سوريا
المصدر: وكالة الاخبار العراقية: ميشيل هاوارد
أجبر العنف المتواصل في العراق، وميليشيات الصدر، والخوف من نهب الآثار، ونفاد الأموال اللازمة لدفع تكاليف قوة حماية الآثار العراقية، أبرز مسؤول في مؤسسة الآثار العراقية إلى الاستقالة من منصِبه والهرب من البلاد قائلاً: إن الوضع الأمني المُنذِر بالكارثة، والنقص الحاد في الموارد، وتدخّل أنصار الزعيم الدينيّ الشيعيّ المُتطرِّف، مقتدى الصدر، جعلت بقاءه في العراق أمراً فوق طاقة التحمّل.
لكنه كشف عن استقالته واختبائه مع عائلته في دمشق. وفي مقابلة مع صحيفة (الفن) قال الدكتور جورج إن بغداد أصبحت على درجة من الخطورة بحيث إن المتحف الوطني الذي يضمّ مجموعة نفيسة من الآثار والقطع الفنيّة السومرية والبابلية قد أحيط بجدرانٍ خرسانية عالية لحمايته من هجمات الميليشيات ومن التعرض لمزيدٍ من النهب.
لقد فقد المتحف، الذي أنشأه البريطانيون في عشرينات القرن الماضي، حوالي 15000 قطعة خلال النهب الذي أعقب سقوط العراق في 9 أبريل 2003. لكن ما يَقرب من نصف هذه المفقودات تقريبا قد تم استرداده. يقول مسؤولون في المتحف إن مبنى المتحف قد أحيط أربع مرّات بحيطان من الخرسانة المُسلّحة منذ الغزو، كان آخرها بعد حدوث عملية خطف جماعية بالقرب منه. يقول الدكتور جورج "إن الجدران الخرسانية هي الطريقة الوحيدة لضمان سلامة المتحف." و إن خطورة الأوضاع الأمنية في العراق دفعت وزارة الثقافة إلى إرجاء إعادة فتح المتحف لفترة غير محدّدة.
قدَّمَ الدكتور جورج، الذي اتخذ قرار استقالته على الرغم من عدم موافقة وزارة الثقافة، صورة قاتمة عن مستقبل كنوز العراق الأثرية. وقال إن مشاريع التنقيب والحفظ في العراق قد توقفت، وإن جميع علماء الآثار الأجانب غادروا البلاد بسبب اضطراب الأوضاع الأمنية.
وقال إن 1400 فرد من القوة الخاصة لحماية الآثار قد لا يتمكنون من استلام أجورهم بسبب نفاد الأموال... "ابتداءً من سبتمبر المقبل لن يبقى هناك المَزيد من الأموال لدفع رواتب قوة الحماية هذه ...مما يعني أن القليل من العمل الجاد سيُبذَل لوقف المزيد من عمليات نهب 11000 موقع أثري في العراق... على قوات الائتلاف أن تفعل شيئاً."
بعد عمليات النهب عام 2003 تعرَّضَ عدد كبير من المسؤولين الأمريكيين لانتقادات من قِبَل علماء الآثار لعدم تأمينهم حماية للمتحف. كما اتهِمَ العسكريون الأمريكان بإلحاق أضرار بعددٍ من المواقع الأثرية. يقول الدكتور جورج إن مؤسسة الآثار قد تأثرت هي الأخرى بالانقسام الطائفي في العراق حيث إن المناصب الرئيسية في وزارة الثقافة قد مُلِئَت بالموالين لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر، بمن فيهم لواء سميسم وزير الدولة لشؤون الآثار.
يضيف: "المجلس التنفيذي لمؤسسة الآثار وقع هو الآخر تحت النفوذ المُتزايد للصدر... لقد سعيت لمنع التيار الصدري الذي يملك ميليشيات ضخمة من الاستيلاء على مؤسسة الآثار، لكن دون جدوى... لم يعد بمقدوري العمل مع هؤلاء الناس الذين جاءوا مع الوزارة الجديدة... ليس لديهم أدنى معرفة بالآثار، ولا علم الآثار... إنهم يمنعونني من إجراء اتصالات مع مؤسسات الآثار الأجنبية حول المخاطر التي تواجهها الآثار العراقية."
منذ انتهاء الحرب سافر الدكتور جورج إلى مختلف أنحاء العالم ليكشف حجم الكارثة الحقيقية التي حلّت بالتراث القديم لبلاده. لقد أقام علاقات وثيقة مع المؤسسات الأجنبية، بما فيها المتحف البريطاني. وقالت حنّا بولتون، الناطقة باسم المتحف البريطاني: لقد تعهّد المتحف بمواصلة التعاون مع السلطات العراقية، ويأمل أيضاً في أن يواصل العلاقة مع الدكتور جورج.
مسؤول صدري كبير قال لي، بشرط عدم ذكر اسمه، إن الدكتور جورج خدم في ظل النظام السابق "ولم يفعل شيئاً لمنع صدام من نقش اسمه على كل لبنة في الجدران التي أقيمت لإعادة بناء قصر قديم في بابل.
يُقدِّم جورج بحسرة صورة سريعة عن مآل آثار فُقِدَت ووُجِدَت، من بينها: زهرية الوركاء: زهرية سومرية تعود لمدينة أوروك، يبلغ عمرها 5000 عام، مصنوعة من الحجر الجيري وقد حُفِرَ عليها مشاهد للكهنة والحيوانات. حسب المعلومات المُتاحة حتى الآن فهي أقدم زهرية للطقوس الدينية تحمل نقوشاً. يقول جورج لقد أعيدت وهي مُكسَّرة إلى عدة قطع في يونيو 2003.
تمثال أنتيمينا: وهو بلا رأس لملك وادي الرافدين أنتيمينا مصنوع من صخر ديوريت البركاني الأسود ويعود إلى عام 2430 قبل الميلاد. تمَّ تهريب التمثال إلى سوريا وتم استعادته في مايو وقد لحقته أضرار عندما كان تاجر الآثار اللبنانيّ، هُشام أبو طعم، يعرضه للبيع في نيويورك.
تمثال كاهن سومري: مصنوع من الحجر ومنقوش بتعليمات صادرة عن الآلهة نين ـ شو ـ بور، ويعود إلى 2500 عام قبل الميلاد، وقد لحقت أضرار بالنقوش.
قناع الوركاء: يعود إلى 3100 قبل الميلاد، وهو أقدم تمثال معروف لوجه إنسان طبيعي، وتم تسميته بـ "مونا ليزا" السومرية. لقد عُثِرَ عليه مدفوناً في حقل ريفيّ بمنطقة ربيعة عام 2003.
تمثال باسيتكي: مصنوع من النُحاس يتضمن الجذع الأسفل لرجل جالس. يحمل مواصفات أكدية ويعود إلى عام 2300 قبل الميلاد. عُثِرَ عليه في بالوعة عام 2003.
* كاتب أمريكي

الملحق الرقم (26)
التغلغل الصهيوني في العراق : حقائق جديدة
محمد صادق أمين
فما الدافع الحقيقي لهذه الحرب التي دفع الأمريكان فيها فلذات أكبادهم للموت؟
السبب في هذه الحرب أجملهُ الرئيس بوش في احتفال البحرية الأمريكية في فلوريدا يوم 13-2-2003 بقوله: (نرغب أن نكون بلداً فوق الجميع) وهذه النظرة تستند إلى الأيدلوجية الدينية لليمين المسيحي المتصهين الحاكم في الولايات المتحدة.
وترى تلك الأيدلوجية في غزو العراق تعجيلاً للانفراج الذي تنتظره متمثلاً بعودة المسيح، والذي لن يتحقق وفق معتقداتهم إلا بالتمكين للكيان الصهيوني في المنطقة... يقول مايكل إيفانز في كتابه (ما بعد العراق النقلة الجديدة): "إن قيام إسرائيل افتتح حياة الجيل الأخير قبل هرماجدون، ثم جاء احتلال كامل أرض فلسطين في 1967م ليؤكد هذه النبوءة، وتسارع التاريخ في الحرب الأخيرة على العراق ليؤكد الصلة الأبدية المتجددة بين بابل وأورشليم، الأولى هي الظلام، والثانية هي النور، دمار الأولى شرط انبعاث الثانية، هكذا ورد في العهد القديم حيث ذُكرت بابل (العراق) ليس أقل من 300 مرة بصفتها أرض الخطيئة الأولى، والتجسّد الشيطاني الأول في (نبوخذ نصّر) سابي اليهود، والوعد الأول هرماجدون".. لم تفعل الولايات المتحدة في عرف اليمين المتصهين وعرف اليهود إذاً سوى تنفيذ المشيئة الإلهية، لقد كانت الحرب مكتوبة في العهد القديم، ومصير صدام حسين مكتوب، والدمار مكتوب!!!.
بناء على هذه الحقيقة يمكن أن نصل إلى سبب الوجود الصهيوني في العراق.
وقد بدأ هذا التواجد وانطلق في العراق من المنطقة الآمنة في كردستان العراق وتمثل في رجال أعمال ومقاولات، ومتعهدين لشركات صناعية وتجارية، ومراكز بحوث وشركات استشارية لدراسة المشروعات، وقوات أمن ضمن عشرات من شركات الأمن الخاصة من مختلف الدول التي تقوم بعمليات معاونة للجهد العسكري للبنتاجون، وكثير منها شركات صهيونية، مسجلة بترخيص من عواصم خارجية، حتى إن الشركات الصهيونية في العراق قدر عددها بمائة وخمسين شركة، يتستر الموساد وراء لافتتها الخارجية.

أهداف الوجود الصهيوني في العراق
أولاً أهداف سياسية وعسكرية
إيران وسورية هما العدوان اللدودان للكيان الصهيوني في المنطقة حالياً،والمخابرات تدير عمليات تجسس قرب حدود إيران وسورية، وتتستر عناصر من الموساد تحت صفة رجال أعمال، وهذه المعلومة ذكرها الصحافي الأمريكي سيمور هيرش في مقاله المنشور في مجلة (نيويوركر) الأمريكية الصادرة في 21 يونيو- حزيران 2004، تحت عنوان (تحليل للأمن القومي الخطة بي):الأمر الآخر هو تدريب فرق اغتيالات محترفة مهمتها القيام باغتيالات تهدف إلى تصفية العلماء العراقيين من ذوي الاختصاصات النادرة، ولدى الشرطة العراقية المئات من دعاوى القتل من هذا النوع مقيدة ضد مجهول.
ثالثاً أهداف تخريبية
وتشير مصادر مطلعة إلى أنه تم تأسيس شركة عراقية أردنية صهيونية تعمل في تهريب الآثار العراقية والمعدات الثقيلة التي كانت تابعة للتصنيع العسكري، وإن الآثار المهربة هي التي تتعلق تحديداً بالتاريخ اليهودي في العراق كجلود عليها أجزاء من التوراة باللغة العبرية، كما يتعاملون بمادة الزئبق الأحمر، التي خرجت من العراق بكميات كبيرة إلى الكيان.
رابعاً أهداف ثقافية وفكرية
النشاط الصهيوني في العراق امتد إلى كافة مجالات الحياة ومنها الفكرية والثقافية، ففي المكتبات العراقية تجد كتباً من طباعة مطبعة هرتزل اليهودية، وهذه المطبعة تتبع للمعهد الصهيوني في نيويورك كما تتوافر مجلدات كتب عليها "مؤسسة الشباب الأمريكي الصهيوني"، والأغرب من ذلك أنها تباع بأسعار بخسة جداً لا تعادل ثمن الورق المكتوبة عليه، وهو الأمر الذي لا يحتاج إلى تفسير إطلاقا،ً فالمثقفون المتأمركون والمتصهينون دخلوا العراق مع قوات الاحتلال ولهم الدور الأبرز في صناعة الثقافة والفكر في العراق بسبب الأموال الطائلة التي دخلت معهم، وفي هذا المجال كشف مصدر في جامعة الموصل فضل عدم ذكر اسمه عن أن عناصر من الاِستخبارات الصهيونية تقوم بالإشراف على التلفزيون العراقي الذي أسسته سلطة الاحتلال.

أخيراً
فكرة تقسيم المنطقة العربية إلى طوائف دينية وعرقية طرحها عدد من المفكرين السياسيين الأمريكيين، وكان من بين هؤلاء وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كيسنجر، ونفس الأفكار مازالت تتدفق على اليمين الحاكم في أمريكا ومصدرها معهد بحوث الشرق الأوسط (ميمري)، ومعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، والمعهد اليهودي للأمن القومي، وكلها تدين بالولاء للحركة الصهيونية وتخدم أهدافها في المنطقة.
والصراع الطائفي والقومي يستعر تحت الرماد في العراق، والعدو يتربص وفي لحظة يمكن لحرب أهلية ان تندلع لتحرق الأخضر واليابس.
العراق هو أول الغيث "وأول الغيث قطرة ثم ينهمر" كما يقول في المثل العربي.
المصدر: www.almujtamaa-mag.com
تـــمّـــوز الـبابـلـي, 6/06/2005

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق