بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 22 يناير 2010

المقاومة الوطنية اللبنانية (الملاحق 1)

ملاحق الكتاب الوثائقية

الملحق الرقم ( 1 )
بيان صادر عن «جبهـة المقاومـة الوطنيـة اللبنانيـة: قوات التحرير». تاريخ 28/7/1984
جريـدة الأنـوار: جبهة المقاومة الوطنية تُعلِن عن نفسها، وتنتقد الإعلان الفئوي عن العمليات.
جريـدة اللـواء: «قوات التحرير» أعلنت عن نفسها وتبنَّت عملية صـور.
جريـدة النهـار: بسبب «بعض الممارسات الخاطئة»، قوات التحرير تكشف نفسها.

وهذا النص الكامل للبيان:
تقترب حركات التحرُّر الوطني إلى قمة النصر كلما ابتعدت عن الكسب الفئوى؛ هذا شعارنا الذي آمنُّا به ومارسناه بالفعل منذ دنَّست قوات الغزو الصهيونية أرض لبنان في حزيران من العام 1982. ومنذ أن قمنا بتشكيل «قوات التحرير» لمواجهة قوات الغزو حتى هذه اللحظة التي يحتفل بها أبطالنا، مناضلو قوات التحرير، بآخر عملية لهم، وتحمل الرقم مائتان، والتي نُفِّذت على أرض الجنوب، وذلك صباح السبت الواقع في 21 تموز 1984، حيث قام أبطالنا بزرع عُبُوَّةٍ ناسفة موقوتة في مقر القيادة العامة للعدو في مدينة صور، وانفجرت العبوة مُوقِعَةً عدداً من الخسائر في صفوفه.
وكذلك حتى هذا الوقت، الذي نُحيي فيه ذكرى ثلاثة شهداء سقطوا في صفوف «قوات التحرير» في أثناء قيامهم بعمليات ضد العدو الصهيوني.
إن السبب الذي أقتنعنا به، ودفعنا إلى رفض الإعلان عن أنفسنا، كفصيل، طوال تلك المدة، هو ضرورة المحافظة على وحدة العمل النضالي عسكرياً وسياسياً وشعبياً، بعيداً عن الفئوية الضيِّقة.
وإن السبب الذي دفَعَنا إلى الإعلان عن أنفسنا هو ضرورة إلقاء الضوء على بدايات نهج خاطئ أخذ يبرز على ساحة العمل الجبهوي للمقاومة الوطنية اللبنانية. وإن أبرز الأخطاء يتمثَّل بالإعلان الفئوي غير المشروع عن العمليات العسكرية والشعبية، والذي أخذ يستفحل إلى حدود ادِّعاء فصيل عن قيامه بعمليات قام بها فصيل آخر، وادِّعاء تبنِّي شهداء سقطوا في صفوف فصيل آخر. هذا من جهة ومن جهة أخرى أخذت تبرز بعض الممارسات الخاطئة، التي نُحجِم عن تفصيلها حرصاً على سلامة العمل، وكذلك غياب العمل الجبهوي المتكامل، إضافة إلى غياب التكامل بين عمل المقاومة وضرورة تأمين مقوِّمات الصمود لحركة الجماهير الشعبية.
وقد حصل أكثر من افتئات على جهد قواتنا العاملة خلف خطوط العدو في الجنوب والبقاع الغربي وراشيا، فيما يختص بادعاء مسؤولية عمليات قامت بها هذه القوات، وإما بادِّعاء تبنِّي شهدائنا، وسوف نحجم عن التسمية حرصاً منا على طهارة الثورة الرائعة لمناضلينا ولجماهير شعبنا في الأراضي المحتلة.
إن العمل البطولي الذي تمارسه جماهير شعبنا، والمناضلين الأبطال في الجنوب والبقاع الغربي وراشيا، لا تُنقِص من روعته بعض الثغرات. ولكن عمق تجارب الشعوب، التي قاومت الاحتلال، ومن صدق تجربتنا الذاتية، نرى أن اتِّساع هذه الثغرات سوف يشكِّل عائقاً أساسياً في نمو حركة المقاومة وتصاعدها.
إن المقاومة الوطنية ضد العدو الصهيوني تطورت، منذ بدايات الاجتياح، بشكل نوعي ومتصاعد على الصعيدين العسكري و الشعبي، وذلك نتيجة وعي شعبنا لمخاطر الاحتلال الصهيوني و أطماعه التاريخية. وقد حصلت هذه المقاومة على احتضان وطني شبه كامل؛ و لكن، للأسف، بقي هذا الاحتضان عند حدود البيانات.
وفي هذا الظرف الذي وصلت فيه مقاومة الاحتلال إلى وضع متقدِّم، وفي الوقت الذي أخذ فيه العدو يُشدِّد حصاره على أهلنا في المناطق المحتلة بكل الوسائل القمعية والوحشية لإحباط مسيرة المقاومة، تبدو أهمية الاحتضان الوطني الفعلي، كما الاحتضان القومي، كما تبدو مسؤولية كل حركات التحرر في العالم، ضرورة ماسَّة لاستمرارية هذه المقاومة.
في الوقت الذي لم تستطع فيه وسائل العدو من إحباط الحالة النضالية في الأراضي المحتلة، نرى أن من واجب كل القوى العاملة في سبيل تحرير الأراضي المحتلة، أن تبذل جهداً نوعياً في ما يلي:
أولاً: إن الحالة الصحية، التي نشأت في الجنوب تستدعي توحيد جهود القوى المناهضة للاحتلال، وتمتين علاقاتها تحت شعار مقاومته لتحرير الأرض.
ثانياً: إلغاء نهج الكسب الفئوي، واعتبار كل أساليب المقاومة ضد العدو نتيجة لجهد نضال شعبنا في الجنوب والبقاع الغربي وراشيا.
ثالثاً: الارتفاع فوق الحساسيات الفئوية وتجاوزها؛ وبذل الجهود لبناء حركة شعبية متراصَّة حول أولوية شعار التحرير، ومنع كل ما يسيء إلى هذه الحركة، إذ أنه أشد ما يُشكِّل خطراً عليها ما قد يُمارَس على أرض الجنوب من تصفية حسابات فئوية على طريقة الحصار السياسي والمادي لفصيل ضد آخر، ولحركة ضد أخرى، أو لاتجاه سياسي ضد آخر، بل المطلوب أن نرفع شعاراً يؤكِّد على حاجة معركة التحرير لجهود الجميع على الصعيدين الوطني والديني، العسكري والشعبي.
رابعاً: العمل على أن يصب جهد المقاومة الشعبية والعسكرية في إطار التحرير الكامل اللامشروط، وبشكل يؤمِّن انسحاب العدو على قاعدة السيادة الكاملة للشعب، والتحرير الكامل للأرض.
خامساً: أن تصب كل الجهود للحصول على احتضان كامل وفعلي للمقاومة الوطنية على الصعيدين الوطني والقومي والدولي من جهة، ورفع مستوى أساليب العمل العسكري والشعبي وتطويرهما.
سادساً: العمل بشكل سريع وجدي على تأمين التوازن الدقيق بين تصاعد عمل المقاومة عسكرياً وشعبياً وبين ضرورة تأمين مقومات الصمود لجماهير شعبنا في الأراضي المحتلة من خلال تشكيل هيئة وطنية يكون عمودها الفقري الفعاليات السياسية والشعبية في الجنوب والبقاع الغربي وراشيا، وعلى هذه الهيئة، بالإضافة إلى عملها السياسي، أن تتولى إنشاء صندوق وطني يؤمِّن ما يلي:
1-رعاية أسر الشهداء الذين يسقطون في ساحة الشرف.
2-رعاية عائلات الأسرى والموقوفين لدى العدو الصهيوني.
3-تأمين الاحتياجات الاجتماعية لأوسع جماهيرنا من طبابة، وتعليم مجاني، وحاجات تموينية.
4-التعويض عن الأضرار المادية التي يُلحِقها العدو بممتلكات الأهالي في الأراضي المحتلة.
5-ملاحقة أجهزة الدولة كي تقوم بواجباتها الوطنية، وبشكل يتجاوز الروتين، على كل الصُعُد الإدارية والصحية والتربوية.
لذلك نتوجه إلى كل العاملين في سبيل تحرير الأراضي المحتلة، وإلى كل جماهير شعبنا بكل انتماءاتهم السياسية والدينية، بتحية إكبار واعتزاز، لأنهم يضعون كل إمكانياتهم وجهدهم في سبيل طرد الغزاة المحتلين عن أرضنا.
المقاومة الوطنية اللبنانية - قوات التحرير.
في 27/7/1984.
***
الملحق الرقم ( 2 )
المقاومة الوطنية اللبنانية ومعاني انطلاقتها
افتتاحية طليعة لبنان الواحد العدد الأول أيلول 1984
المقاومة الوطنية اللبنانية أصبحت شيئاً ملموساً في حياة اللبنانيين والنافذة الوحيدة التي تطل بها على العالم، أنها الحضور المتجدد للشخصية الوطنية والانبعاث الحضاري لمكامن القوة في أمتنا.
المقاومة الوطنية اللبنانية أصبحت التعبير الصادق عن إرادة الصمود الوطني والفعل القومي الأصيل المتوجه نحو التحرير. إنها الأداة التي أعادت الاعتبار للكفاح الشعبي بأشكاله المختلفة، وأسقطت كل أوهام المراهنة على اتفاقات مع العدو أو ترتيبات معه لاستعادة السيادة الوطنية.
المقاومة الوطنية اللبنانية التي يسطر مناضلوها يومياً ملاحم البطولة على أرض الجنوب والبقاع الغربي هي واحدة من الشعلات المضيئة في وطننا العربي وهي الحالة الصحية الوحيدة في الجسم اللبناني الذي ينخره سوس الطائفية والمذهبية.
المقاومة الوطنية اللبنانية التي هي البداية الصحيحة التي تأسس عليها فعل نضالي كبير، اكتسبت حضورها المعنوي، وأصبحت مركزاً للاستقطاب السياسي، لأنها لم تغرق في فئوية ولم تنزلق إلى مطبات الطائفية، بل بقيت وطنية في مضمونها وقومية في أبعادها وصيغة عمل لكل المناهضين للاحتلال.
والحديث عن المقاومة الوطنية للاحتلال لا يكتسب أهمية فقط من خلال الضربات الموجعة التي توجهها لقوات الاحتلال الصهيوني وحالة التعبئة الشعبية المرافقة لها، وإنما من خلال المعاني النضالية التي جسدتها انطلاقتها واستمراريتها وبالقياس إلى الظروف التي كانت ولا تزال تعاني منها الجماهير اللبنانية وجماهير المخيمات الفلسطينية.
فانطلاقة المقاومة الوطنية بقدر ما كانت رداً طبيعياً على اجتياح أرضنا من قبل العدو الصهيوني، فانها كانت في الوقت نفسه رفضاً للترويض وللتطبيع، ورفضاً للاستسلام وكل صيغ الأمر الواقع، وتأسيساً على ذلك، فإن هذه الانطلاقة هي إنجاز – تاريخي لشعبنا صنعته سواعد الأبطال وروته دماء الشهداء وصلبت بنيانه، جذرية الأهداف الوطنية للمقاومة عبر التأكيد على تحرير الأرض وتوحيد الشعب على الأسس – الوطنية والديمقراطية. وهذه التجربة الفريدة التي نحرص على تطوير فاعليتها وحماية إنجازاتها وصيانتها من المتاجرة الرخيصة والكسب الإعلامي والسياسي على حساب دم الشهداء والجرحى والأسرى، هي جديرة بالاحتضان الوطني والقومي، وهي جديرة بالرفد والدعم السياسي والمادي والمعنوي، لأنها أثبتت مصداقيتها في خنادق المواجهة وشق طريقها في ظروف غير متكافئة. وقدمت الدليل الحسي بأن طريق الكفاح هو السبيل الأفعل للشعوب كي تنال حريتها واستقلالها. وهنا تكتسب مشروعية كبيرة قيام الجبهة العربية المشاركة في المقاومة الوطنية اللبنانية، ويكتسب أهمية كبيرة وضع مشروع إنشاء الصندوق الوطني لدعم الجنوب وانتفاضة المقاومة موضع التنفيذ، ويبقى الأمر أكثر إلحاحاً توحيد الجبهة الداخلية وتوظيف كل الجهود الممكنة والمتاحة في معركة التحرير التي تشكل المقاومة طليعتها نحو تحقيق الأهداف التي ناضل واستشهد من أجلها أبناء شعبنا الصامد الصابر في الأراضي المحتلة.
***
الملحق الرقم ( 3 )
15/ 9/ 1984: النهار العربي والدولي يقابل 3 من أركان «جبهة المقاومة الوطنيـة اللبنانيـة»: (أبو طارق)، (حازم)، (رعد).
من هي جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية؟
هي إرادة شعب لتحرير الأرض واستعادة الكرامة. فهي تجسِّد الوحدة الوطنية الحقيقية لأنها تضمُّ كل فئات الشعب اللبناني. فهي ليست حزباً مُعَيَّناً، ولا منظمة معينة، و لا تنظيماً معيناً. إنها لحظة ومكان من لبنان، بل هي حركة وُلِدَت من أحزاب وفئات سياسية ذات توجهات عقائدية متباينة في النظرة والتنظيم، لكنها مُتَّفِقَة حول نقطة محددة: هي الدفاع عن الأرض اللبنانية المحتلة لرد أخطار الاحتلال وإنهائه.
إن القوى التي تتشكَّل منها جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية هي بعض الأحزاب ذات التوجه القومي، والحركات الدينية، وبعض الأحزاب الماركسية. لذا نجد ثلاثة تيارات سياسية تحكم البُعْدَ العقائدي والتنظيمي لجبهة المقاومة:
-التيار الديني ومن ضمنه تنظيمات ذات طبيعة طائفية.
-التيار القومي ويتمثَّل بمجموعة من الأحزاب و الأشخاص الذين يتبنُّون و يأخذون بالفكر القومي.
-التيار الماركسي.
-إضافة إلى أفراد ومجموعات من الشبان يقومون بشكل عفوي وإفرادي بعمليات عسكرية من دون أي تخطيط أو تنسيق مع الجبهة المذكورة.
شكَّلت هذه الجبهة، من خلال حربها ضد إسرائيل، حولها مناخاً وطنياً إيجابياً في الجنوب والبقاع الغربي و راشيا، وأصبحت ظاهرة وطنية تتَّسِم بالشمول.
عاملان أساسيان يُحرِّكان الجبهة: الأول اسمها، والثاني الالتفاف الشعبي حولها وتبنِّيه لها، ومن دون أن يعرف المتعاطفون والمؤيدون لها من هي، أو أي خطٍ سياسي يُسيِّرها. وبالتالي فهي تقوم بعمليات ضد العدو بدافع وطني، وكرَدَّة فعل على أعمال القمع والإرهاب التي يتعرَّض لها إنسان الأرض اللبنانية المحتلة على يد الإسرائيليين، ومن ثم يعلن قيامه بهذه العملية باسم ( جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية)، التي أصبحت على كل لسان في لبنان والعالم العربي، وتكوَّنت حولها لجان صديقة تتولى دعمها إعلامياً ومادياً.
من هنا كثُرَت الأسئلة حول واقعها، وظروف عملها. هل لها قيادة؟ من يتراَّسها؟ أين موقعها؟ أين تتحرَّك وكيف؟ من أين تتلقى الدعم؟ هل تساندها بعض الدول؟ كيف ستكون علاقتها بالدولة اللبنانية مستقبلاً؟ من يؤيدها ومن يرفضها؟ أسئلة تجول في خاطر اللبناني والعربي و الإسرائيلى والأوروبي والأميركي، كون هذه الظاهرة أخذت تشكل منعطفاً مهماً في تطور الأزمة اللبنانية والاحتلال الإسرائيلي. وهي بالتالي تسير في خط متوازٍ مع سلسلة الحلول المطروحة للحل في لبنان عامة والجنوب خاصة. فهناك من يطالب الدولة بتبنِّي هذه الجبهة ودعمها، وهناك من يطالب برفضها ومحاربتها لأنها تشكل خطراً على إمكان قيام مفاوضات بين لبنان وإسرائيل؛ ويعتبرها البعض الوحيدة القادرة على إخراج إسرائيل من لبنان.
غير أن المقاومة الوطنية تعلن عن استمرارها من خلال قيامها بعمليات ضد الإسرائيلي يومياً، وتُكبِّده المزيد من الخسائر. وفي المقابل فإن إسرائيل تقوم بالرد على هذه العمليات بالضغط أحياناً على الأهالي، وبالاعتقالات الجماعية أحياناً أخرى، وبعمليات الاغتيال والقتل وإحراق المحاصيل، وإتلاف المزروعات، ومن ثمَّ تهجير كل من لا ترغب إسرائيل بوجوده في داخل المناطق المحتلة؛ حتى أصبحت نسبة 70 في المئة من الشباب الجنوبي خارج الجنوب، فيما القسم المُتَبَقِّي هناك عليه أن يخضع للقوانين التي تفرضها قوات الاحتلال، أو أن ينخرط في العمل السري.
ماذا عن المقاومة الوطنية؟ من هي؟ ماذا تريد؟ السؤال مطروح على صعيد محلَّي ودولي، والإجابات عنه غير موجودة لأن أحد أهم أسباب نجاح هذه الجبهة العمل السري والتنظيم الدقيق، إضافة إلى هيكليتها التنظيمية المُعَقَّدَة. إلا أن أهمية طرح الموضوع كانت سبباً لملاحقة هذه القضية، والوصول إلى بعض الرموز داخل جبهة المقاومة على رغم السرية التي يتمتَّعون بها، وتنظيمهم العالي، وإصرارهم على عدم إقحام هذا الموضوع في مشاكل الإعلام ومتطلباته وعواقبه، بل الحفاظ عليه بشكله الحالي.
استطعنا الاتصال بـ«أبو طارق»، المسؤول السياسي لـ«جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية: قوات التحرير». وكان الحوار الآتي:
 كيف توصلتم إلى وضع تسمية:« جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية»؟
-إن طبيعة انطلاقتها، وظروف هذه الانطلاقة، والعناصر المكوِّنة للجبهة وأهدافها الأساسية، هي التي أملت التسمية. وإنه لمن الطبيعي أن يكون العمل الموجه ضد العدو المحتل عملاً ذا طبيعة مقاومة، وذا مضمون وطني لأنه يهدف إلى تحرير الأرض من الاحتلال، وإعادة السيادة الوطنية. وباعتبار عمل المقاومة يندرج في إطار جبهوي فإن هذا العنوان مطروح لتندرج تحته كل الإمكانات المُوَظَّفَة في سياق مواجهة الاحتلال. وانطلاقاً من تعدد الأطراف المناهضة للاحتلال الإسرائيلي، على مختلف اتجاهاتها وتوجهاتها الفكرية، لا تلغي إمكان التقائها على القواسم الوطنية المُشْتَرَكَة. ونعتقد أن عوامل العداء للعدو الصهيوني كافٍ ليكون الركيزة الأساسية لقيام التحالف الجبهوي. لذلك فإن الإسم المُرَكَّب للجبهة هو المُنسجم مع طبيعة الفعل المواجه للاحتلال، وهو الذي يُلخِّص، فعلاً، أهداف هذا العمل الوطني التحرري. وقد تمَّ اختياره من بين عدة عناوين وتسميات، واستقرَّ الرأي على اسم «جبهة المقاومة الوطنية-قوات التحرير»، لأنه الأكثر تطابقاً مع الحالة النضالية التي انخرطت فيها الجماهير اللبنانية.
 ما تفسير هذه الظاهرة، وما العوامل التي ساعدت في ظهورها؟
-إن التفسير البديهي لهذه الظاهرة هي أنها ردُّ فعل طبيعي على العدوان الإسرائيلي لبنان واحتلال العدو لقسم من الأراضي اللبنانية. وهذه تجربة خاضت غمارها كل الشعوب التي تعرَّضت أرضها للاحتلال، ولا يمكن أن نكون نحن اللبنانيين استثناءً لهذه القاعدة. أما لجهة العوامل، التي ساعدت في ظهورها، فهي تعود إلى جملة أسباب:
الأول: هو الاحتلال الصهيوني لأرضنا الذي ساعد في ولادة نقيضه. فلو لم يكن هناك احتلال، لما كانت هناك مقاومة بطبيعة الحال.
الثاني: القدرة والسرعة اللتان تميَّزت بهما حركة الجماهير الشعبية وقواها السياسية الوطنية في تجاوز الصدمة التي نتجت عن من الاجتياح، والانطلاق إلى العمل المقاوم.
الثالث: التراث النضالي المُختَزَن لدى الجماهير اللبنانية عامة والجنوبية خاصة، ووعيها لأبعاد الخطر الصهيوني انطلاقاً من إدراكها لطبيعة الصراع الوطني والقومي مع العدو الصهيوني. وقد كان هذا الإرث النضالي خميرة جاهزة لعبت دوراً أساسياً في إنضاج الوعي الشعبي.
الرابع: الوعي الشعبي الوطني لما يجسِّده الخطر الصهيوني، واحتضان هذا الوعي للمقاومة. وقد أدَّى ذلك إلى دعم انطلاقة الكفاح الشعبي المسلَّح ضد العدو المُحتَل. وهذا ما جعل المقاومة طليعة متقدَّمة لعبت دور الحزام الواقي للمقاومة المتصدية للاحتلال.
الخامس: إنخراط العديد من القوى ذات المُنطَلَقات الفكرية المختلفة في معركة المواجهة، وأيضاً العديد من الفعاليات والشخصيات الوطنية والشعبية. وهذه القوى، وإن اختلفت في مواقعها السياسية، التقت في معركة الثأر للكرامة والشعور الوطنيين. وقد استطاعت هذه الجداول أن تلتقي في مصبٍ واحد مُشَكِّلَةً تياراً عاماً.
السادس: غياب الفعل القومي والوطني على المستوى الرسمي القادر على الوقوف في وجه العدو الإسرائيلي الذي اعتمد في احتلاله للأرض العربية على الحرب السريعة والخاطفة. وهكذا جاءت المقاومة لسد ثغرة في هذا الواقع العربي المؤسف، ولفرض حرب استنزاف حقيقية على قوات الاحتلال، والتي لا يستطيع تحمُّلها لفترة طويلة.
 من هي«جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية»؟
-إن جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية هي محصلة المخاض الذي اختلج في رحم الجنوب وبقية الأراضي المحتلة، وهي التعبير الحي عن الإرادة الوطنية في حياة الشعب اللبناني في هذه المرحلة المصيرية التي يمر بها لبنان.
إن جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية هي الحالة الصحية الوحيدة في هذا الجسم المريض، والذي ينخره سوس الطائفية و التشرنق المذهبي. وعلى هذا الأساس، فإن الخط السياسي لجبهة المقاومة إنما هو خط انصهاري لكل القوى المناهضة للاحتلال؛ وبرنامجها السياسي يرتكز على مُسلَّمتين: الأولى هي السعي لتحرير الأرض من الاحتلال، والأخرى هي اعتبار عامل التوحيد الشعبي و السياسي الداخلي عاملاً أساسياً يدفع بإرادة التحرير إلى أمدائها القصوى. و لهذا فإن الخط السياسي للجبهة إنما هو خط تحريري وتوحيدي في الوقت نفسه. و هي في هذا السياق معنية بتأطير كل الجهود المتاحة، وتوظيف كل الإمكانات المتوافرة على الصعد المحلية والعربية لجعل المعركة التي تُخاض في مواجهة العدو الصهيوني معركة متكافئة.
إضافة إلى ذلك، فإن الخط السياسي للمقاومة-وكما نفهمه-هو خط جذري في رفضه للاحتلال. وهذه الجذرية تفرض على عمل المقاومة أن عملاً حازماً في رفضه لكل أشكال التسويات مع العدو الصهيوني. ولهذا فإن النضال الواجب خوضه إنما هو نضال يجب أن يتناول كل جوانب الحياة في لبنان، وأن يتَّخذ كل الأشكال اللازمة.
ونقول إن الخط السياسي للمقاومة هو الذي يوجِّه كل أشكال المقاومة ومن ضمنها المقاومة العسكرية. وإذا كانت المقاومة العسكرية هي التعبير الشعبي الأكثر فعالية فإن أشكال المقاومة الأخرى ل تقل أهمية عن المقاومة العسكرية؛ لأن المقاومة، بعناصرها المختلفة، ما هي إلا تنفيذاً لقرار سياسي. فأساليب التحريض الجماهيري هي شكل من أشكال المقاومة، وكذلك مقاطعة العدو وعدم التعامل معه. ورفض التطبيع والتصدِّي لعملائه، وهذه تُكمِّل بعضها البعض. و بتكامل عناصرها نحقق النتيجة الوطنية المرجُوَّة. وتحول دون أن يحقق العدو أهدافه.
 كيف تفسِّرون مطالبة بعض الأطراف في الحكومة وخارجها للدولة بتبنِّي جبهة المقاومة ودعمها؟
-إن مطالبة الحكومة بذلك يجب أن لا تقتصر على بعض الأطراف؛ لأن مواجهة الاحتلال مسؤولية كل اللبنانيين بكل طوائفهم وانتماءاتهم السياسية. لهذا فإن هذه المطالبة هي أضعف الإيمان، والاستغراب ليس في مطالبة الدولة بتبنَّي المقاومة إنما حالة الجدل القائمة حول دور المقاومة في تحرير الأرض.
 كيف تتصورون دعم الدولة وتبنِّيها؟
-لابد هنا من طرح التساؤل التالي: كيف تنظر الدولة لاحتلال إسرائيل مساحات واسعة من الأرض اللبنانية؟ فإذا كانت تنظر إليه باعتباره انتهاكاً للسيادة وتطاولاً عليها، لأن شرعيتها الوطنية مرهونة بمدى قدرتها على قيادة مشروع وطني لتخليص الأرض من براثن الاحتلال، وإعادة السيادة الوطنية إلى المناطق المحتلَّة. أما إذا لم تكن قادرة على قيادة ذلك المشروع، فهل تعتبر الدولة أن العمل الذي يواجه الاحتلال هو عمل مشروع؟
إذا كانت تعتبره عملاً مشروعاً فعليها أن توفِّر له الاحتضان المطلوب. أما إذا كانت تعتبره عملاً غير مشروع فإنها بذلك تكون قد تخلَّت عن مبدأ السيادة الوطنية على أرضها.
من وجهة نظرنا نرى أن الدولة اللبنانية، كي تكون مُكتَسِبَةً المواصفات الوطنية، يتوجَّب عليها اعتبار عمل المقاومة الوطنية اللبنانية ضد المحتل عملاً مشروعاً. و إذا كانت في ظل وجود تعقيدات داخلية تمتنع الدولة اللبنانية من اتخاذ موقف صريح وواضح من دعم المقاومة وتبنِّيها، فغن هذا لن يعفيها من مسؤوليتها على الإطلاق.
وفي رأينا، فإن دعم الدولة إنما يندرج تحت بنود عدة، وهي أن تعطي المقاومة بُعدَاً جديداً يجعل منها قضية اللبنانيين، سواء كانوا في موقع الحكم أو خارجه. وعل ضوء هذا الموقف الرسمي لا بد من تأسيس جملة نتائج:
الأولى: هو أن تحرير الأرض مهمة ليست منوطة بسكان المناطق المحتلة. لأن الاحتلال لا يستهدف هذه المناطق لذاتها فقط، غنما يستهدف المصير الوطني برمَّته.
الثانيـة: إن اعتبار الدولة لفعل المقاومة فعلاً مشروعاً يفرضه عليها، عندئذٍ، أن تطلق حملة دولية لدعم هذه المقاومة، وتضع مؤسساتها وأجهزتها في خدمة هذا الهدف.
الثالثـة: إن دعم الدولة واعتبارها فعل المقاومة فعلاً مشروعاً يجب أن يدفعها لتلقي نتائج الاحتلال وردَّ فعل العدو على تصاعد المقاومة هذه. ومسؤولية الدولة في هذا المجال إنما هي مسؤولية مُضاعَفَة باعتبارها مسؤولة في الأساس عن أمن مواطنيها، و باعتبارها مسؤولة وطنياً عن تحرير الأرض. وهنا نقول إن الدولة ليست مقصِّرَة فقط في مجال اتخاذ القرار السياسي في اعتبار المقاومة فعلاً وطنياً إنما تقصيرها يبدو واضحاً في عدم مساهمتها الجدية في تلقِّي النتائج التي أفرزها الاحتلال بعد ازدياد إجراءات القمع. فالذين أُتلِفَت مواسمهم بحاجة إلى مساعدة وتعويضات أولية، والذين نُسِفَت بيوتهم بحاجة إلى إعادة إعمارها، والذين يستشهدون بحاجة إلى إعالة عائلاتهم، والذين يُهجَّرون ويُطرَدون بحاجة إلى تأمين الحدود الدنيا من مستلزمات عيشهم.
كما أن على الدولة أن تكون مهتمَّة بتسهيل المعاملات الإدارية لسكان المناطق المحتلَّة صحياً واجتماعياً. نحن نطالبها باتخاذ قرار سياسي رسمي في اعتبار المقاومة فعلاً وطنياً مشروعاً، وتوظيف ذلك كعنصر من عناصر القوة المتوافرة لديها لفرض انسحاب غير مشروط للعدو الإسرائيلي.
 لا شك بأن جبهة المقاومة الوطنية تتعرَّض لمؤامرات من الداخل والخارج، كيف يمكن صيانتها والمحافظة عليها والمساعدة في دعمها وانتشارها؟
-إن صيانة جبهة المقاومة يكون بتوفير كل مُستَلزَمات استمرارها وتطوير فعاليتها حتى تحقيق أهدافها. و يأتي في طليعة ذلك عدم وقوع أطرافها في فخ الفئوية والطائفية، وسعي كل طرف لنفسه و كأنه الوحيد وراء ما تقوم به هذه الجبهة. و في هذا مغالطة للحقيقة والواقع وانزلاق نحو الهاوية. ومن جهة ثانية فإن صيانة المقاومة والمحافظة عليها تفترض احتضاناً وطنياً شاملاً لها، ودعماً قومياً على كل الأصعدة والمستويات. و في هذا السياق فإن إنشاء الصندوق الوطني لدعم المقاومة وصمود أهالينا في المناطق المحتلة؛ وإن التمويل القومي له، هو من أولى الواجبات القومية.
 ماذا عن الدعم المادي؟ من هي الجهات التي تشارك في مساندة الجبهة مادياً ومعنوياً؟
-لا نذيع سراً إن قلنا إن الدعم المادي لا يزال مقتصراً على المبادرات الشعبية، وهي بحكم محدوديتها غير كافية لتلبية المستلزمات الضرورية. أما الجهات التي تشارك في مساندة الجبهة مادياً ومعنوياً، فهي تلك التي لها علاقة بعمل المقاومة. أما الدعم المعنوي فهو لا يزال في إطار الإشادة السياسية للعديد من القوى والدول، والتي لم تقدِّم شيئاً ملموساً حتى الآن.
 إلى من تُوَجَّه عملياتكم في الأساس؟ هل يمكن أن نخرج عن إطار مناطق الوجود الإسرائيلي، وكيف؟
-إن العمليات هي تنفيذ لقرار سياسي. وهي تُوَجَّه بالأساس إلى العدو المحتل والمتعاملين معه؛ لأن من يتعامل مع العدو إنما هو خائن. وبحكم أنه ربط مصيره بمصير العدو فإنه يخضع في التعامل للمقاييس التي يُعامَل بها العدو. وبالنسبة إلينا كجبهة للمقاومة الوطنية اللبنانية فإن نطاق عملياتنا يقتصر على المناطق التي يحتلها العدو الصهيوني. لكن هذا لا يُسْقِط من تفكيرنا توجيه ضربات للعدو أينما استطعنا ذلك، والمستقبل سوف يجيب على ذلك.
 ماذا عن العمليات العسكرية ميدانياً؟
-إن قوات التحرير، كفصيل من فصائل جبهة المقاومة الوطنية، قد مارست العمل العسكري ضد قوات الاحتلال منذ دنَّست أقدام الاحتلال أرضنا. وقام فصيلنا بتوجيه ضرباته للعدو على كل الأراضي المحتلة، وبكل الوسائل العسكرية التي توافرت، وهذه العمليات نعمل على تطويرها نوعاً وكماً. وإننا لا نعلن عن هذه العمليات إلا ضمن الإطار الإعلامي العام وضماناً لوحدة الجهد الوطني، ورفضاً للفئوية من جهة، و لضرورات أمنية من جهة أخرى. و لكن ما نستطيع إعلانه في هذا المجال هو أن آخر عملية قام بها مناضلو قوات التحرير تحمل الرقم (214)، ومن بينها مهاجمة موكب وزير دفاع العدو السابق شارون في أثناء مروره في صيدا في آذار من العام الجاري. كذلك العبوة الناسفة التي وُضِعَت في مكتب المخابرات الإسرائيلية في مدينة صور في شهر تموز من العام الجاري.
 ماذا عن الجندي الإسرائيلي من خلال خبرتكم في قتاله، وتوجيه العمليات العسكرية ضد تجمعات الاحتلال. إلى متى يستطيع البقاء في لبنان. و هل تعتبرون أن هذه العمليات في النتيجة ستًحَرِّر الجنوب؟
-إن مواجهتنا للعدو في الأراضي المحتلة لا تخضع للمقاييس العسكرية التقليدية التي تنطبق على المواجهات التي تحصل بين الجيوش النظامية.
ونحن لا نُنْكِر أن العدو يمتلك مكامن قوة في وضعه العسكري بالنظر إلى التقنيات العالية الموضوعة في تصرف قواته. ولكننا في المقابل نركِّز على إحداث الاضطراب النفسي في صفوفه، وإرباك حركته ومنعه من الاستقرار في تمركز قواته، وهذا ما يجعله في حالة استنفار دائم. و العمليات التي تفاجئ العدو في تجمعاته وتنقلات قواته بدأت تعطي نتائجها الأولية من خلال الخسائر الكبيرة التي وقعت في صفوفه، وانعكاساتها على الوضع الداخلي في الكيان الصهيوني، هذا فضلاً عن شبح الخوف الدائم الذي يلاحق جنود العدو أينما حلُّوا. ونستطيع القول أن مقاومتنا أسقطت الهالة الأسطورية التي يحيط العدو نفسه بها. إن الرعب الذي ولَّدته عمليات المقاومة الوطنية ضد العدو الإسرائيلي جعلته ينظر إلى اللبناني المقاوم بأنه إنسان من طراز جديد، وإن آلته العسكرية عاجزة عن كسر شوكة الصمود الوطني والشعبي.
أما إلى متى يستطيع البقاء في احتلاله، فالكل يعرف أن للعدو مطامع في أرضنا ومياهنا، وهو بالتالي لم يغز بلادنا لينسحب منها طوعاً. بل لا بد من مقاومة مستمرة، تجعل من استمرار احتلاله أكثر فداحة بالنسبة إليه من انسحابه. و لذلك فإننا نقول إننا سائرون على الطريق الذي ينهي الاحتلال لأرضنا. ونحن نعمل من خلال قناعتنا مع الإشارة إلى أن موازين القوى الحالية لا تستطيع تحرير الجنوب في هذا الظرف، لكن المقاومة المتصاعدة و المستمرة ستُبْقي قضية احتلال الجنوب والبقاع الغربي وراشيا، قضية حية؛ و ستكون الفعل الذي سوف يتأسس عليه فعل وطني وقومي أشمل وأفعل. عندها فإن ميزان القوى الجديد سيأخذ وضعاً جديداً، وسيتحرر الجنوب مثل بقية الأراضي العربية المحتلة. وهنا نلفت النظر إلى أن العدو الصهيوني، وكذلك عملاؤه، يبثُّون الإشاعات التي تقول إن العمليات العسكرية، التي تضرب قوات العدو وعملاءه، ليست إلا تخريباً على مصلحة الجنوبيين. وهذه العمليات هي التي تؤخِّر الانسحاب من الأراضي المحتلة، و هي بالتالي لن تؤدِّي إلى تحرير الأرض. ونحن نؤكِّد من جهتنا أن هذه الإشاعات هي لذرِّ الرماد في العيون، ومحاولة خبيثة للتأثير على قناعات اللبنانيين، وهي في تقديرنا لن تجد الأرض الخصبة لاستغلالها.
 يقال إن معظم المعتقلين في (أنصار) وغيره من السجون الإسرائيلية تمَّ اعتقالهم انتقاماً من العمليات الجريئة التي تُوَجَّه ضد الجيش الإسرائيلي. وبالتالي فهم يقومون ببمارسة القمع والإرهاب والتهجير ضد الأهالي و القرى بهدف إثارة النقمة الشعبية على المقاومة الوطنية. فهل نجحت إسرائيل في ذلك؟ و هل تأثَّرت جبهة المقاومة بهذه الإجراءات شعبياً في داخل المناطق المحتلة؟
-القول بأن إسرائيل صعَّدت عملياتها القمعية والوحشية ضد أهالينا في المناطق المحتلة لقمع انتفاضة شعبنا يحتما جانباً من الصحة. أما الجانب الآخر، فهو كون إسرائيل صاحبة خطة واضحة ضد السكان، وهي تعمل على إحداث تغيير ديموغرافي وجغرافي، ولذلك فإنها تحت ذريعة الرد على عمليات المقاومة، تقوم بتفريغ الجنوب من سكانه كي يسهل عليها في المستقبل احتواؤه وهضمه. ولا نذيع سراً إن قلنا إن الإجراءات التي يتعرَّض لها أهلنا في الجنوب من الحصار الاقتصادي إلى الاعتقالات والتصفيات والإبعاد تؤثِّر، نسبياً، على صمود أهلنا؛ لكن هذا الصمود لم يهتز حتى الآن. والدليل على ذلك أن العمليات تصاعدت في الوقت الذي صعَّدت قوات الاحتلال من إجراءاتها القمعية، وخوفاً من أن تزداد آثاره السلبية في المستقبل فإن الرد يجب أن يكون بتوفُّر المناخات اللازمة في الداخل اللبناني لتأمين العمق الوطني للمقاومة، وحتى يشعر سكان المناطق المحتلة بأنهم ليسوا وحدهم في هذه المعركة الوطنية المشرِّفة التي يخوضونها ضد عدو استيطاني توسعي.
 كيف يتم التنسيق بين أطراف جبهة المقاومة الوطنية؟
-لنُبْقِ ذلك سراً، لأن وحدة الهدف هي المنسِّق بين الأطراف، والخط المناهضة للاحتلال يُتَرجَم تنفيذاُ عملانياً كلما اقتضت الضرورة ذلك.
***

الملحق الرقم (4)
مذكــرة مقدمة من مـحـامي حزب البعث العربي الاشتراكي في لبـنان
إلى المؤتمر الخامس عشر لاتحاد المحامين العرب حــول الأوضاع على الساحة اللبنانية
تونس في 2 تشرين الثاني / 1984
ملاحظة: ننقل منها ما له علاقة بالجزء المحتل
2) في واقع الساحة الجنوبية:
إن ما ينطبق على الساحة اللبنانية ينطبق على جنوبه المحتل بالإضافة لبقاعه الغربي وراشيا ويسحب نفسه عليه بشكل تلقائي لأن القسم المحتل جزء لا يتجزأ من هذا البلد.
ومع ذلك تبقى لساح أرضنا المحتلة خصوصيات ومزايا ناجمة عن مجاورة الكيان الصهيوني من جهة ومعاناة هذا القسم العزيز من أرضنا من تخلف وإهمال مزمنين رافقاً مختلف العهود والحقب تاريخياً حتى أنه نصيبه من ذلك أيضاً في العهد الاستقلالي من جهة أخرى.
إن المرحلة الأولى من مراحل الصراع مع العدو عبر أرض الجنوب قد أضافت إلى الإهمال التاريخي أزمات حادة نجمت عن حجم التدمير الهائل الذي لحق بهذه الأرض بسبب كثافة نيران العدو وغزواته البرية والبحرية والجوية المتكررة وشبه اليومية على امتداد السنين السابقة بالإضافة لعمليات الاجتياح التي تكررن مرات عدة كان آخرها الاجتياح الذي حصل عام 1978 في الفترة السابقة حيث استبقت فيه دولة الكيان الصهيوني على احتلالها للشريط الحدودي الممتد من الناقورة إلى العرقوب متسترة ببعض عملائها.
وقد استزاد ثقل هذا التدمير في المرحلة التالية التي ما زالت متواصلة منذ اجتياح عام 1982 والإبقاء على احتلال العدو للقسم المعروف من الأرض اللبنانية رغم تواجد القوات الدولية وقرارات مجلس الأمن الدولي المتعاقبة.
إن الكيان الصهيوني في ظل حالة التغير للمزاج الشعبي الحاضن في الجنوب للمقاومة الفلسطينية نتيجة جملة من العوامل من بينها حالة الإنهاك الذاتي بشرياً واقتصادياً ووسط حالة التخلي اللبناني، والتخلي القومي، أقدم على تنفيذ المرحلة الجديدة من الصراع معه بغزوة المعروف لتفتيت شعبنا وضرب المقاومة الفلسطينية مقدمة لاقتلاعها من ساح لبنان.
لقد كان بتقدير العدو الصهيوني والقوى الضالعة بالتآمر معه أن الجنوب اللبناني سيتحول نتيجة ظروفه التاريخية الصعبة من موقع الحاضن للثورة الفلسطينية إلى موقع الحامي لا من مستعمرات العدو في الجليل بتشكيله حاجزاً بشرياً يحول دون توجيه الضربات لهذا العدو وعلى رأسه والذي أرفق غزوة بمجازر بشرية واقتصادية، وبنى معتقلات جماعية في أنصار زج بها عشرات الآلاف من المعتقلين على غرار معتقلات "اوشفتز" في بولندة ومعتقلات الهنود الحمر في أمريكا.
غير أن أصالة شعبنا وعمق التصاقه بأرضه والتزامه بالثوابت الفكرية والقومية التي لم يزعزعها الإهمال السابق والغزو اللاحق أو التخلي من أي طرف كان بل زاد قناعاته رسوخاً، هذه الأصالة في الانتماء جعلته يلملم شأنه بسرعة ويتعاطى مع الصهيونية بمبادلتها العداء بالعداء ومقابلة غزوها وإرهابها بانتفاضات مدنية ومسلحة توسعت في أقصر مدى زمني وعمت كافة مناطق الاحتلال وإذا بالبوابات التي فتحها على الحدود في جداره "الخبيث" لا "الطيب" تتحول إلى بوابات حقد عليه وإذا برموزه وأدواته العميلة التي استوردها من خارج المنطقة في بداية مراحل تكوينه للشريط الحدودي تتحول إلى أدوات مغلقة ومعزولة ومستهدفة من جماهيرنا الجنوبية المناضلة وإذا بالجنوب اللبناني الذي يحاول العدو أن يلبسه الثوب المذهبي عملاً بمقاسات الحرب الأهلية اللبنانية نظراً لكون غالبية سكانه من لون مذهبي معين إذ بهذا الجنوب يتعامل مع العدو مواجها ورافضاً ومرتدياً ثوب الأصالة والانتماء القومي الذي لم يخلعه في لحظة من لحظاته التاريخية بأبهى وانصع مظاهره مزيناً إياه بالعباءة المزخرفة بشتلة التبغ معتمراً كفية المقاومة الوطنية اللبنانية الممثلة لظاهرة من ظواهر نضالنا الصافية والمعبرة عن العنفوان القومي بأبهى أوصافه وأنقاها في تاريخ صراعنا مع العدو الصهيوني.
إن تضييق الخناق من قبل العدو على القسم المحتل عبر تعميم تجربة أنصار الاعتقالية حول الجنوب كله إلى معتقل واحد بأحكام قبضته على ممرات العبور منه واليه عبر بوابتي باتر وغزة فضلاً عما يلاقيه المواطن من عذاب يفوق الوصف لدى مروره متمثلاً بالإذلال المقصود والمتعمد المقرون بالإرهاب والمزاجية الحادة لجنود العدو.

أيها الزملاء المحترمون
على ضوء ما تقدم،وانطلاقاً من كون مسؤولية الدفاع عن الجنوب وسائر الأراضي اللبنانية المحتلة هي مسؤولية عربية بقدر ما هي مسؤولية لبنانية، بالنظر إلى طبيعة المخاطر التي تهدد لبنان وعبره المصير القومي، وانطلاقاً من كون هذا الاتحاد يشكل إحدى أهم الفعاليات النقابية على الساحة العربية، فاننا نرى وجوب ان يولي هذا المؤتمر قضية لبنان بما هي قضية تحرير وتوحيد وحقوق إنسان الأهمية التي يستحقها. ويأتي في طليعة ذلك سعي المؤتمر لإطلاق أوسع تحرك على الصعيدين العربي والدولي من اجل حشد الجهود الممكنة والمتاحة وتوظيفها في خدمة المعركة التي نخوض دفاعاً عن حرية الأرض والإنسان ووحدة الأرض والشعب.
وإذا كانت الأولوية توجب رفد معركة التحرير فإن الجانب المكمل لها يوجب المساعدة في عملية التوحيد. هذان الهدفان إنما هما هدفان متلازمان، فدعم وحدة لبنان وعروبته هي الطريق الصحيح لحماية المقومات الوطنية الأساسية، كما ان حماية الحقوق السياسية وصيانة الحريات الديمقراطية هي المناخ الصحي الذي يأخذ الصراع فيه منحاه الديمقراطي كبديل عن العنف المسلح، وهو السبيل لتحقيق حكم المشاركة الديمقراطية في مواجهة المحاولات الرامية لتجديد الشخصية الطائفية للنظام اللبناني.
اننا إذ نشدد على ذلك، فلان ذلك يساعد على تأمين المناخات الملائمة لرفع وتيرة المقاومة الوطنية في مواجهة الاحتلال عبر تأمين العمقين الوطني والقومي لها.
وإذا كنا نعتبر هذه من صلب مهمات مؤتمرنا واتحادنا، فإن مهمة الدفاع عن حقوق الإنسان في الأراضي المحتلة هي مهمة مركزية في أنشطة عمل الاتحادات الحقوقية ونقابات المحامين، ولذلك فاننا ندعو المؤتمر إلى تشكيل لجنة دائمة تكون مهمتها الأساسية الدفاع عن حقوق المعتقلين في معتقلات وسجون العدو وطرح هذه القضية في كافة المنتديات الحقوقية الدولية وفضح ممارسات العدو والإجراءات التعسفية التي يقوم بها والتي بلغت حد المجازر الجماعية. واننا إذ نطرح ذلك فضلاً عن مطالبتنا بوضع مشروع إنشاء الصندوق القومي لدعم الجنوب موضع التنفيذ، فلان ذلك يشكل المداخل الطبيعية لتأمين أوسع مشاركة قومية في معركتنا ضد العدو المحتل والتي تأخذ أبعاداً شمولية بالقياس إلى الهجمة الشمولية التي تشنها الحركة الصهيونية ضدنا والتي تستهدف انتزاع عروبة الأرض بقدر ما تستهدف ضرب حقوق الإنسان. واننا لعلى ثقة كبيرة بأن هذا المؤتمر سيكون عند حسن ظن أولئك الصامدين الصابرين في الجنوب والبقاع الغربي كما في فلسطين المحتلة، وان التوصيات التي ستخرج عنه ستتحول فوراً إلى صيغ تنفيذية وتعطى نتائجها بأسرع وقت ممكن.
***
الملحق الرقم (5)
مفاوضات الناقورة إسقاط للبنان المقاوم، وجدية القرارات رهن بالتنفيذ
طليعة لبنان الواحد العدد الرابع أواسط تشرين الثاني 1984
حدثان سياسيان تصدرا واجهة الاهتمام السياسي خلال الأيام الأخيرة، الأول استئناف المفاوضات اللبنانية – الصهيونية في الناقورة، والثاني قرارات مجلس الوزراء التي اعتبرت الأهم من الناحية النظرية منذ تشكيل الحكومة الحالية.
الحدث الأول:
فإلى الناقورة حمل الوفد العسكري اللبناني تصور لبنان للترتيبات الأمنية وشدد على نقطتين أساسيتين، الأولى اعتبار المفاوضات قائمة بناء على دعوة الأمين العام للأمم المتحدة من أجل البحث في الانسحاب "الإسرائيلي" من الأراضي اللبنانية وفي الترتيبات الأمنية للجنوب والبقاع وراشيا، والثانية، حق لبنان الطبيعي في استعانة سيادته وسلطته على كل أراضيه المعترف بها دولياً، هذا الحق المكرس في ميثاق الأمم المتحدة وقارات مجلس الأمن الدولي ولا سيما منها القرار 425 المؤكد بالقرار 426 و508 و 509.
أما الوفد الإسرائيلي فيركز على دور ما يسمى بجيش لبنان الجنوبي عبر دمجه بالجيش اللبناني وتحويله إلى لواء إقليمي يتولى المساهمة في ترتيبات أمنية، كما شكك بقدرة الجيش اللبناني على حفظ الأمن في الجنوب. كما اعتبر أن المفاوضات الجارية تتم خارج نطاق اتفاق الهدنة الذي ينظر إليها بحكم الساقطة.
ورغم وصف المراقبين لجولة مفاوضات الخميس بأنها حملت بوادر إيجابية وأن الموقف "الإسرائيلي" كان أكثر ليونة من الجولات السابقة، إلا أن التدقيق في ما طرحه الوفد اللبناني والوفد "الإسرائيلي" يدلل على أن وجهات النظر ما تزال مفترقة حول القضيتين الأساسيتين، الأول الشكل الذي تدور في نطاقه المفوضات، والثاني، موضوع الترتيبات الأمنية.
ففيما الجانب اللبناني ينظر إليها على انها تتم بإشراف الأمم المتحدة فإن الجانب "الإسرائيلي" يعتبرها مفاوضة مباشرة. وفيما الجانب اللبناني يركز على دور الجيش والقوات الدولية في حصر الأمن بهما وبهما فقط، فإن الجانب "الإسرائيلي" يشكك بذلك، ويصر على إعطاء دور للقوات المرتبطة به وحصر نطاق تواجد الجيش والقوات الدولية في المنطقة الواقعة شمال الليطاني.
لذلك فإن هاتين المسألتين ستكونان مجال الأخذ والرد طيلة فترة المفاوضات وقد حددتها "إسرائيل" بثلاثة أشهر للوصول إلى نتائج محددة، وإلا أقدمت على انسحاب من طرف واحد. وعلى ضوء ما طرحته "إسرائيل" من شروط فإنها ستلجأ إلى المناورة والتمييع والتمسك بشروطها لتضع الوفد اللبناني أمام الخيارات الصعبة، سواء لجهة القبول بشروطها، أو لجهة تنفيذ الانسحاب د ون تمكين الجيش اللبناني والقوات الدولية من استلام مهام الأمن في المناطق التي ستنسحب منها، فإذا حصل القبول بالشروط "الإسرائيلية"، فإن العدو يكون قد حقق ما يريده وإذا حصل الانسحاب من بعض المناطق وفي ظل عدم قدرة السلطة اللبناني على ملء الفراغ الأمني، فإن تفجيراً جديداً قد يحصل، وهذا ما سيزيد من ضعف الموقف اللبناني وبالتالي المزيد من التعقيد في الوضع الداخلي.
من هنا، فإن الأمور يجل أن تكون واضحة ومنذ البداية، وأن هذا الوضوح لا يكفي أن يكون من الجانب اللبناني، وإنما من الجانب الآخر، وخاصة لجهة الإطار الذي تتم في نطاقه المفاوضات، وعدم إقرار "إسرائيل" بذلك إنما هي ورقة بيدها إضافة إلى أوراق أخرى ما تزال تمسك بها.
لذلك كان على الجانب اللبناني أن يرفض المفاوضات إلا إذا تمت على أساس اتفاق الهدنة، وباعتراف الطرفين بأنها تجري تحت رعاية الأمم المتحدة. وان عدم التوقف عند هذه النقطة الجوهرية سيدفع لمفاوضات إلى منزلقات تكون "إسرائيل" هي إلا قدر على التحكم بمسارها.
وإضافة إلى الغموض حول هذه المسألة فإن الجانب اللبناني استعمل في سياق السجال الكلامي بين رئيس الوفد اللبناني " والإسرائيلي" عندما قال بأنهم دخلوا لبنان لإزالة "ما سمه بالإرهاب" فرد عليه الحاج "ولكن هل تمكنتم من ذلك"، وهل معتم الاعتداء عليكم برغم ما تقومون به من ممارسات وتنكيل".
إن هذا التشخيص من قبل الوفد اللبناني لما يتعرض له الجنود الصهاينة لا يستقيم والموقف الوطني المسؤول في حدوده الدنيا، حيث أن الدفاع عن الأرض ومقاومة الاحتلال هي حق مشروع وطبيعي، وان المقاومة الوطنية اللبنانية، هي حلقة القوة في الوضع اللبناني بكامله.
لذلك، فإن المفاوضات وفي سياقها العام تهدف إلى إسقاط دور لبنان المقاومة، وفي وقت كان يفترض فيه أن تكون المقاومة هي الحاضر الأكبر في عملية الضغط على العدو الصهيوني كونها الوسيلة الوحيدة التي تنهك العدو وتربك حركته. وان عدم استحضار المقاومة الوطنية يعكس النظرة الرسمية حيالها، ويدلل على التشكيك الرسمي بها وعدم اعتبارها الوسيلة الأفعل لطرد المحتل وتحرير الأرض.
وان الاستمرار في هذا النهج وعدم النظر إلى المقاومة النظرة الوطنية المطلوبة، فإن الموقف الرسمي اللبناني سيزداد وهنه وضعفه لأنه لم يقدم على توظيف الحلقة الأقوى في وضعه الداخلي. وان "إسرائيل" ستعمد إلى استغلال ذلك إلى أبعد الاستغلال عبر رفع وتيرة إجراءاتها القمعية والتعسفية ضد المواطنين وتصوير المقاومة وكأنها هي التي تطول أمد الاحتلال فيما العكس هو الصحيح.
لذلك فإن الرفض للمفاوضات في ظل هذا السياق العام الذي يجري، إنما هو تأكيد على إعطاء لبنان المقاوم المكانة التي يستحقها، وذلك بالحرص على المقاومة ودعمها واحتضانها وتوفير كل مستلزمات صمودها واستمرارها وزيادة فاعليتها.
وهذا يتطلب موقفاً لبنانياً موحداً من هذه الظاهرة النضالية سواء كان على المستوى الرسمي أو الشعبي وترجمة ذلك على الصعد السياسية والاقتصادية والاجتماعية وعندها لا يهم كثيراً أن أقدمت "إسرائيل" على سحب قواتها من بعض المناطق ولا يعود الإرباك يسيطر على حركة أمام كل تصريح يصدر عل لسان المسؤولين الصهاينة حول الانسحاب "الإسرائيلي".
الحدث الثاني:
إذا كان الحدث السياسي الأول قد تمثل باستئناف المفاوضات بين لبنان والعدو الصهيوني، فإن الحدث الثاني إنما تمثل بالقرارات التي صدرت عن مجلس الوزراء في جلسة الأربعاء 14/11/1984 حيث اعتبرت الأهم من الناحية النظرية منذ تشكيل الحكومة الحالية. فقد قررت الحكومة نشر الجيش على الطريق الساحلي من المدفون إلى الأولي، وتسليم الأمن في بيروت الكبرى لقوات الشرعية بشكل جذي وفعلي وإدخال الجيش إلى عمق إقليم الخروب وتسلميه للأمن في طرابلس. والأوساط السياسية التي قابلت بارتياح هذه المقررات، تبدي حذراً كبيراً حول إمكانية تنفيذها وخشية من أن تبقى حبراً على ورق على غرار سابقاتها من المقررات. وذلك فهي تنتظر التنفيذ لتحكم على جدية الحكم وقدرته في ترجمة مقرراته إلى خطط ميدانية عملانية. خاصة وان التجارب السابقة لم تكن مشجعة.
وترى هذه الأوساط أن تنفيذ هذه المقررات ونجاحها، ويفترض إعادة النظر بتركيبة ألوية الجيش التي تحولت مؤخراً إلى مجموعة ألوية إقليمية وطائفية وميليشيات رديفة، وإعادة تماسكها في إطار مركزة شديدة، لأن وحدة الأداة الأمنية شرط لوحدة الأرض – والشعب.
كما يفترض إزالة كل المظاهر المسلحة من الداخل وإناطة الأمن بقوى الشرعية وبها فقط ورفع كابوس الإرهاب المادي والسياسي المسلط على رقاب المواطنين وعلى المرافق العامة.
وعودة الشرعية الواحدة الموحدة أصبحت مطلباً شعبياً وسياسياً وطنياً لكن الطريقة التي تتم بها هذه العودة مصابة بالهزال والضعف والهوات، وأن الطريقة التي يتم بها تشكيل الأدوات الأمنية ليست الطريقة المطلوبة، لأن الجيش ليس قوة مشتركة وإنما يجب أن يكون أداة أمنية واحدة ومتماسكة مهمته حماية اللبنانيين كل اللبنانيين وحماية الأرض من كل تهديدات العدو المتربص بنا وبوجودنا. وإذا كان نزول الجيش على الطريق الساحلي وإقليم الخروب وطرابلس شبيه بنزوله إلى بيروت، وإذا كان تشكيل القوة المخصصة للطريق الساحلي على غرار التي شكلت للمنطقة الوسطى من بيروت، فإن النجاح لن يكون من نصيب المقررات، لأن الشرعية تكون قد نزلت لا لتفرض أمناً وتتهيأ لملء فراغ أمني، وإنما لتتعايش مع قوى الأمن الواقع التي أصبح عددها بعدد المناطق التي تحولت إلى غيتوات مغلقة وتخضع لهيمنة القوى الطائفية.
إن إزالة المظاهر غير الشرعية هو مطلب وطني اجتماعي وشعبي، وان تسليم الشرعية لمهام الأمن وفتح المناطق على بعضها البعض هو مطلب أساسي لدى الجماهير لأنه الوسيلة التي تمكن اللبنانيين من مواجهة الاستحقاقات القادمة، ويجعلها تعيش أيضاً في مناخ متوفر فيه الحدود الدنيا من الأمن السياسي والاجتماعي، فهل يحصل ذلك، اننا نتمنى ذلك.
***


الملحق الرقم (6)
مفاوضات الناقورة تراوح مكانها والمقاومة تصعد من عملياتها البطولية
الرافعي: النضال والكفاح هي السبيل لطرد المحتل وتحرير الأرض
تشرين الثاني 1984 (طليعة لبنان الواحد العدد الخامس أول كانون الأول 1984)
كما الجلسة الأولى من المفاوضات الجارية في الناقورة بين لبنان عبره وفده العسكري والكيان الصهيوني، فإن الجلسات اللاحقة استمرت تدر حول النقاط التي طرحت في الجلسة الأولى.
فالجانب الصهيوني لا يزال يصر على أن تنتشر القوات الدولية شمالي الليطاني وحتى الأولي وصعوداً إلى الباروك والبقاع الغربي وراشيا. كما أنه يصر على دور ما يسمى "بجيش لبنان الجنوبي" وعلى أن تكون مهمات هذا من جنوب الليطاني وحتى الحدود الدولية مع فلسطين المحتلة. كما أن العدو أعلن صراحة أنه لن يسمح للجيش اللبناني بالتواجد في شبعا وحاصبيا وراشيا لأن هذه المناطق بنظره تدخل ضمن ما يعتبره أمنه الحيوي. وأنه لا يثق بقدرة الجيش اللبناني على فرض أمن جدي في المناطق الجنوبية تحول دون قيام عمليات عسكرية ضده.
أما الجانب اللبناني، فأكد على وجوب أن تنتشر قوات الطوارئ الدولية على طول المنطقة الحدودية، على أن يناط الأمن شمال تواجد القوات الدولية بالجيش اللبناني وبه فقط.
كما رفض الوفد اللبناني ما طرحه الوفد الصهيوني حول نشر قوات الطوارئ شمال الليطاني وحتى الأولي ومروراً بالباروك وحتى القطاع الشرقي، لأن ذلك يعني فصلاً للقوات فيما المطلوب حصول انسحاب إسرائيلي وليس فصلاً للقوات.
وهذا فقد أكد الوفد اللبناني أن الجيش اللبناني باستطاعته أن يفرض أمناً فعلياً خاصة وأنه يحظى بثقة الأهالي، وأن لبنان يرفض أي دور أمني لما يسمى "بجيش لبنان الجنوبي".
وهكذا بعد جلسات خمس للمفاوضات بقيت المواقف على حالها ولم يحصل أي تقدم على صعيد المفاوضات العسكرية.
وهي في سياقها الحالي لن تصل إلى أية نتائج قريبة، ولكن هل يعني أنه ستتوقف؟ مصادر سياسية مطلعة تقول أن المفاوضات الجارية في الناقورة هي مفاوضات شكلية لأن المفاوضات الحقيقية تدور خارج هذا الإطار وهي التي يقودها المبعوث الأميركي ريتشارد مورفي، وحالما توصل الأخيرة إلى اتفاقات محدودة مع المعنيين فإن جلسة أو اثنتين ستكونان كافيتين للاتفاق. لذلك فإن الكاميرات الصحفية أن كانت مسلطة على مفاوضات الناقورة إلا أن أنظار المراقبين منشدة إلى اتصالات مورفي وهي التي تدور دون ضجيج إعلامي كي لا تعرف النتائج قبل الإنضاج الكلي لها.
في ظل هذه الأجواء السائدة على صعيد المفاوضات تستمر عمليات المقاومة الوطنية ضد قوات الاحتلال والمتعاملين معها. وقد سجلت بورصة العمليات ارتفاعاً ملحوظاً خلال الأسابيع الأخيرة، وغطت غالبية مناطق الجنوب والبقاع الغربي مما حدا بالعدو لأن يصعد من إجراءاته القمعية والتعسفية من الاغتيال إلى الأبعاد ومحاصرة القرى وقطع التموين عنها ومداهمة منازلها اعتقال أبنائها وسوقهم إلى معسكرات الاعتقال الجماعية في أنصار وغيرها. وكان الحصار والمداهمة والاعتقالات التي تعرضت لها قرى كامد اللوز والخرايب وأرزاى والشرقية نماذج صارخة على العنصرية الصهيونية والتي صبت جام حقدها على الأهالي وبشكل روع الأطفال ودنس كل القيم.
وقد ترافقت هذه الأعمال الإجرامية مع تشديد الحصار على المعابر التي تصل الجنوب والبقاع الغربي بسائر المناطق اللبنانية، وتعريض من يسمح له بالمرور لكل أشكال الإهانة والإذلال.
لكن الشيء الثابت أن إجراءات العدو لم تزد الجنوبيين وقواهم الوطنية إلا تصميماً على مواجهة الاحتلال، فاغتيال السيد عبد الطيف الأمين وأبعاد العديد من المناهضين للاحتلال وقبلهم اعتقال المناضل سليمان البوظ مع عشرات من الوطنيين لم يثن من عزيمة الجماهير الصامدة الصابرة والتي تتصدى لقوات الاحتلال بظروف غير متكافئة.
والحالة السائدة في المناطق المحتلة كانت موضع اهتمام من القيادات الوطنية والفعاليات السياسية محببة الصمود البطولي وشاجبة إجراءات العدو ودعاية إلى تصعيد المواجهة وتدعيم الصمود الوطني على أرض المواجهة في الجنوب والبقاع الغربي وحيث يتواجد العدو المحتل.
وقد أعلن الرفيق أمين سر القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان، النائب الدكتور عبد المجيد الرافعي: ان العدو لا يفهم إلا لغة العنف، وأن الرد الطبيعي على احتلاله وتصرفاته أنه يكمن بأسلوب المواجهة الشاملة بأشكالها المختلفة جاء ذلك في تصريح للدكتور الرافعي يوم 20/11/1984 حول الوضع في الجنوب قال فيه:
إن الجريمة البشعة التي ارتكبها العدو الصهيوني باغتياله السيد عبد اللطيف الأمين إنما هي حلقة من حلقات مشروع التصفية الذي ينفذه ضد شعبنا وأمتنا، وهو يثبت يوماً بعد يوم ومن خلال مواقفه وتصرفاته بأنه لا يستهدف الأرض فقط وإنما إبادة جماهيرنا وضرب مقومات حياتها.
فهو في الوقت الذي أقدم فيه على اغتيال السيد الأمين، عمد إلى تطويق العديد من القرى والمدن في الجنوب والبقاع الغربي ومحاصرتها ومداهمتها والتنكيل بأهلها كما حصل في بلدة كامد اللوز والشرقية وغيرهما من القرى الصامدة.
كما أن عمليات الأبعاد التي تنفذ بحق المناهضين للاحتلال، الاعتقالات التي طالت رموزاً دينية واجتماعية وسياسية كان من بينها السيد محمد علي إبراهيم والمناضل سليمان البوظ الذي مضى على اعتقاله أكثر من شهرين هي دلائل تشير إلى أن العدو ماض قدماً في سياسته الهادفة إلى تفريغ الجنوب والبقاع الغربي من سكانهما كي يستطيع من خلال ذلك التأثير على المقاومة الوطنية اللبنانية وعملياتها البطولية والحد من فاعليتها ضد قوات الاحتلال.
وإذا كانت أهداف العدو قد أصبحت واضحة وليست خافية على أحد، فإن الأسلوب الوحيد الذي يفهمه ويشكل رداً موضوعياُ على احتلاله للأرض وعلى إجراءاته القمعية والتعسفية إنما يكون بتصعيد المواجهة بكل أشكالها وسبلها العسكرية والسياسية والثقافية والشعبية، فهو لن يفهم إلا لغة القوة، وهي الوسيلة الوحيدة التي نستطيع من خلالها أن نصل إلى حقوقنا ونضع حداً لانتهاك سيادتنا الوطنية. وهذا ما أثبتته الأحداث من خلال تصعيد الكفاح ضد العدو وتحويل الجنوب والبقاع الغربي إلى أرض تموج من تحت أقدامه وتحول ترابه إلى مقبرة للغزاة.
وأضاف "اننا إذ نحيي هؤلاء الصامدين في الأراضي المحتلة وتضحياتهم الكبيرة في مواجهة الاحتلال الصهيوني، نؤكد مجدداً بأن وضع حد لإجراءات العدو التعسفية لم يكون إلا بوضع حد لاحتلاله، لأن هذه الإجراءات تبقى قائمة طالما بقي الاحتلال قائماً، وهذا ما يوجب علينا جميعاً، جميع الحريصين على لبنان عربي ديمقراطي حر وموحد، أن يوجهوا كل إمكاناتهم نحو مواجهة العدو الذي يهدد أرضنا ومصيرنا ووجودنا، عبر توحيد الجبهة الداخلية توحيداً فعلياً يضع حداً للانشاطارات القائمة وبفتح المناطق على بعضها البعض، ويفسح المجال أمام الشرعية لأن تعود وتبسط سيادتها وتحقق الأمن السياسي والاجتماعي والاقتصادي للمواطنين والذي نعتبره مقدمة ضرورية لتحقيق الأمن الوطني والمرهون بتحرير الأرض وإزالة كل تأثيرات العامل الصهيوني في الوضع الداخلي اللبناني.
ولذلك فإن التأكيد على دور لبنان المقاوم ضد الاحتلال الصهيوني هو تأكيد على الخط الذي يؤدي السير عليه إلى استعادة السيادة كاملة غير منقوصة، كما أن وضع المقررات الأخيرة التي اتخذها مجلس الوزراء موضع التنفيذ وعلى أساس إمساك شرعي جدي بالأمن في العاصمة وعلى المعابر والطريق الساحلي وطرابلس من شأنه أن يساعد أكثر على دفع مسيرة الإنفاذ خطوات للأمام.
فإراحة الساحة الداخلية من الاختراقات الأمنية سيضعها في وضع تكون فيه قادرة على المساهمة أكثر في معركة التحرير الوطني التي تشكل المقاومة الوطنية طليعتها الأساسية.
وشدد قائلاً "أنه بالتأكيد على دور لبنان المقاوم، وبالسير على طريق توحيد الجبهة الداخلية يكمن الرد على مشروع العدو الهادف إلى احتلال أرضنا وطرد جماهيرنا وضرب مقومات بنياننا الوطني، ولا يظئن أحد أنه يمكنه تحرير أرضه بغير طريق النضال والكفاح، وأن العدو لن ينسحب طوعاً وإنما قسراً وهو سيقدم عليه عاجلاً أم آجلاً، لأن طريق المقاومة الذي سارت عليه جماهيرنا هو الطريق الذي سيجعله يدفع غالباً ثمن احتلاله ومهما قدمنا من تضحيات.
وختم الدكتور الرافعي تصريحه موجهاً التحية للشهداء الذين سقطوا وهم يدافعون عن عروبة الأرض والإنسان في مواجهة العدو الصهيوني والى المناضلين المعتقلين في سجون ومعتقلات العدو والى الجماهير الصابرة المتمسكة بأرضها والتي تبذل الدم سخياً وتتحمل كل شظف العيش لتفويت الفرصة على العدو لتأمين العمق الشعبي للمقاومة المتصاعدة ضد قوات الاحتلال.
***
الملحق الرقم (7)
الافتتاحية: مقياس الوطنية التوجه جنوباً
طليعة لبنان الواحد العدد السادس منتصف كانون الأول 1984
سنة مرت وأخرى حلت، ولحظات بسيطة فصلت الماضي عن الحاضر، وأضافت رقماً جديداً إلى عمر الزمن. وما بين لحظة الأمس ولحظة اليوم شريط من الأحداث تراءت صورة على شاشات العالم، ودوّت وقائعه على هذه الرقعة الضيقة ليسمع صداها الداني والقاصي ولتنشد الأنظار إليها مجدداً.
من تصور رحلة نزهة تحولت إلى أشغال شاقة، ومن غشه هدوء البحر فاجأه هبوب العاصفة، فاختلفت الحسابات واختلت المقاييس وكانت المفاجأة.
المفاجأة حولت الجنوب إلى بركان هائج في وجه العدو يقذف بحممه الصهاينة، فيحرق من يصيب ويزرع الهلع بمكن ينجو، وتكبر الحالة النضالية لتشكل الشيب والشباب الأطفال والنساء، المدرسين والأدباء، رجال الدين والعلماء، الصحفيين الشعراء، العمال والفلاحين، الطلاب وصيادي الأسماك. تكبر الحالة النضالية وتتسع لتشمل كل مدينة وقرية ودسكره، لتشمل كل زاروب وحي ومخيم. وتكبر الحالة النضالية لتشمل "جمهورية أنصار العربية"، وفي كل مكان يتواجد فيه مناضلون مناهضون للاحتلال.
من كامد اللوز شرقاً إلى صور ومعركة وصيدا غرباً، صوت واحد، لا للاحتلال، وهدف واحد: تحرير الأرض والدفاع عن عروبتها. وفي غمرة المواجهة لم تجد اللحظات مكان لها لتفصل الماضي عن الحاضر، فتسقط التقويمات السنوية وتحل محلها تقويمات المراحل. والتأريخ عندما يؤرخ يمر مرور الكرام على السنين ويتوقف عند المراحل لأن عمر الشعوب لا يقاس بالسنوات وإنما بالأجيال والمراحل.
واللحظات التي نعيشها اليوم والتي عشناها بالأمس القريب هي لحظات من مرحلة هامة في حياة شعبنا وأمتنا، انها المرحلة التي نخوض فيها نضالاً مشرفاً ضد الاحتلال – الصهيوني نضالاً وطنياً وقومياً تحررياً ضد من يردي أن يدنس أرضنا وينتزع عنها عروبتها. إنها المرحلة التي أعيد فيها الاعتبار للكفاح الشعبي بأشكاله المختلفة وأثبتت قدرته على التأثير والفعل وتحقيق النتائج غير الخاضعة للحسابات التقليدية.
ونحن عندما نودع عاماً ونستقبل عاماً آخر بمفهوم التواصل الزمني، فإن هذه المحطات الزمانية لا تستوقف إلا بقدر ما تؤرخ على إنجازات نضالية حققتها جماهيرنا في مرحلة معينة من مراحل ميزتها التحررية. وهذه الإنجازات ستصبح وأثناء كتابة التاريخ محطات نضالية ينظر المرء إليها ليحدد ملامح مرحلة بكاملها.
والكلام الذي نقول عن الجنوب المقاوم، الجنوب بمعناه السياسي وليس الجغرافي ليس كثيراً عليه، لأنه بقعة التوهج الوطني الوحيدة في هذا الظلام اللبناني الدامس، لأنه التصميم على البقاء والتشبث بالأرض، لأنه التضحية والفداء وتحمل كل شظف العيش نصرة للقضية الوطنية. أنه صيدا البطالة التي حولت شوارعها مقبرة للغزاة، لأنه صور القلعة الصامدة في وجه جبروت العدو، لأنه النبطية المكافحة، وكامد اللوز المحاصرة وسحمر المناضلة، وجبشيت البطلة، ومعركة المتحدية، والغازية الرافضة للغزو بكل أشكاله.
هذا الجنوب الذي أنبت موسى شعيب وأبو علي حلاوي وحاتم المقلد وعشرات بل مئات المناضلين الذين نذروا حياتهم دفاعاً عن قضايا شعبهم وحقه في الحرية والعدالة والعيش الكريم، هو أرض طيبة، هو أرض معطاءة، هو أرض خصبة، هو أرض عصبية.
هذا الجنوب بجماهيره الصامدة الصابرة هو مفخرة لأمتنا، وعلامة مشرقة في تاريخنا المعاصر ونموذج حي لحقيقة المكامن النضالية لشعبنا التي تفجرت طاقات خلاقة وبأحلى تجلياتها.
ونحن نودع عاماً لنستقبل عاماً جديداً نوجه التحية لهذا الجنوب، التحية للمقاومة الوطنية اللبنانية التي أبقت جذوة النضال متأججة في النفوس والقلوب، التحية للشهداء الذين سقطوا وهم يتصدون للاحتلال، التحية للمناضلين في معسكرات العدو، التحية للمبعدين وكل المناهضين للاحتلال، التحية لكل من يملك إمكانية وعلى محدوديتها ويوظفها في سياق المعركة المفتوحة مع قوات الاحتلال. ومقياس الوطنية معاييره واضحة: أنه التوجه جنوباً لمقارعة العدو الصهيوني وما عدا ذلك تدجيل وتزييف وتفريغ النضال الوطني من مضامينه الحقيقة. ففي التوجه جنوباً توجه نحو التحرير، والتوجه نحو التحرير هو توجه نحو التوحيد، والتوحيد والتحرير هدفان متلازمان لا يمكن الفصل بينهما.
***
الملحق الرقم (8)
مفاوضات الناقورة: عودة إلى نقطة البداية وقطعها يخدم معركة المواجهة
طليعة لبنان الواحد العدد السادس أواسط كانون الأول 1984
كما الجلسة الأولى، كانت الثانية والثالثة والتاسعة، وربما العشرين، حيث لم يحصل أي تقدم في المفاوضات الجارية في الناقورة مع العدو الصهيوني. إذ لا يزال الوفد اللبناني يتمسك بقرارات الأمم المتحدة ويدعو لتنفيذها وخاصة القرار 425 الذي نص على نشر قوات الطوارئ الدولية على طول الشريط الحدودي مع فلسطين المحتلة. وفي جلسة الاثنين 3 كانون الأول طرح الوفد اللبناني مبادرة من جانبه تتمثل بشمول صور بعمل قوات الطوارئ الدولية، فاعتبر ذلك بنظر المراقبين تقدماً عندما أبدى الجانب الصهيوني استعداداً للبحث في المقترح اللبناني الحديد وعلى أن يعطي جواباً في جلسة الخميس 6 كانون الأول.
ماذا حصل في جلسة الخميس؟ الذي حصل أن الأمور عادت إلى بدايتها، حيث لا يزال الوفد الصهيوني يصر على إعطاء دور أمني لما يسمى بجيش لبنان الجنوبي في المنطقة الحدودية وعلى أن يكون الانتشار للقوات الدولية من شمال الليطاني وصعوداً إلى جزين والقطاع الشرقي ورفض أي دور أمني للجيش اللبناني بحجة عدم قدرته على تأمين أمن في المناطق التي يدور النقاش حول الترتيبات الأمنية فيها وهي الجنوب والبقاع الغربي وراشيا والباروك.
هذه الأجواء التي تخيم على اجتماعات الناقورة لم تكن مستبعدة وليست مستغربة عن طبيعة الكيان الصهيوني الذي يعتمد أسلوب المراوغة والتمييع وصولاً لتحقيق أهدافه. فهو أصلاً يريد المفاوضات، لكن لا تفضي إلى انسحاب شامل وكامل من كل الأراضي اللبنانية، وإنما لتمرير شروطه في الترتيبات الأمنية منها والالتفاف على حركة المقاومة المتنامية في وجهه من جهة ولامتصاص ردود فعل داخلية عن الخسائر التي تقع في صفوف قواته من جهة ثانية.
وهو في الأساس قد حدد بأنه يريد مفاوضات سياسية مع سورية ومفاوضات عسكرية مع لبنان، أي بمعنى آخر، فإنه يريد مفاوضات الناقورة أن تكون نتائجها انعكاساً لنتائج الاتفاق السياسي مع سورية. لذلك فإنه لن يدفع بالمفاوضات الجارية إلى المستوى الذي يمكن التوصل معها إلى اتفاق حول الانسحاب، وأن كان يريدها أن تستمر للسببين الآنفي الذكر.
إزاء هذا الوضع كيف سيتصرف الجانب اللبناني؟ هل سيقطع المفاوضات، أم أنه سيستمر بها رغم المراوغة الصهيونية؟
الأوساط الرسمية لا تملك جواباً على هذا التساؤل، لكم يبدو أن الحكم ليس في وارد قطع المفاوضات وموقفه الحالي التأكيد على النقاط التي طرحها الوفد اللبناني إلى المفاوضات. هذا الموقف الرسمي لا تجارية مواقف الأطراف التي اعترضت على مفاوضات الناقورة، بل هي تدعو إلى وقفها فوراً لأن سياقها ونتائجها معروفتان يلفاً، ولأن البديل هو تصعيد لمقاومة الوطنية ضد قوات الاحتلال، انطلاقاً من كون العدو إذا كان يريد من المفاوضات أن تساهم في إجهاض المقاومة المتصاعدة فإن الرد يجب ان يكون بالتأكيد على هذا الدور المقاوم وعدم إفساح المجال أمام هذه المحاولات الرامية لإسقاطه.
وقد أثبت تطور الأحداث، ان المقاومة الوطنية اللبنانية قد ضاعفت عملياتها كما ونوعاً منذ بدأت جلسات الناقورة، لتنبت بأن اللغة التي يفهمهما العدو هي لغة أخرى غير اللغة المتداولة على بساط البحث بين المتفاوضين. وان السبيل الوحيد الذي يفرض على الكيان الصهيوني انسحاباً شاملاً ودون قيد أو شرط من الأراضي اللبنانية، وهو سبيل المواجهة بكافة أشكالها السياسية والعسكرية والثقافية والشعبية. وفي هذا السياق فإن المراسلين الصحفيين الذين كانوا يغطون اجتماعات الناقورة، كانوا يلاحظون الإرباك والارتباك على ضابط العدو كلما وصل إليهم خبر عملية ضد قواتهم. وان تلك الأخبار يكون وقعها قوياً عليهم لأنها تشدهم إلى ساحة أخرى من ساحات التعامل والتخاطب.
إزاء ذلك، فإن الموقف الوطني المطلوب، هو ذاك الذي يؤكد على رفض المفاوضات الدائرة حالياً لأنها تحمل في طياتها إسقاطاً لدور لبنان المقاوم، لأن طريق التحرير واستعادت السيادة يمر في غير هذا الطريق وفي غير هذا الأسلوب، أنه الطريق الذي يعبره المناضلون في صيدا وصور والنبطية ومعركة وحبشيت وسحمر وكامد اللوز والقرعون ليقارعوا العدو ويرموه بحممهم النارية وينتفضون بوجهه ويتصدون لآلياته ودباباته بالحجارة والزيت المغلي. وان المراهنة على أسلوب المفاوضات لاسترجاع الحقوق إنما هو أسلوب عقيم، وهو فضلاً عن كونه يشكل نوعاً من الاعتراف بالعدو فإنه في الوقت نفسه، لا يستقيم وحركة النضال الوطني التحررية التي ترى في الكفاح الشعبي المسلح السبيل الأفعل لتحرير الأرض وإعادة توحيدها وأن قطع المفاوضات اليوم هو أفضل من غد وغد أفضل من بعد غد وهي أن لم تحصل فإن نتائجها ستكون حد سلبية لأن العدو لا يريدها سوى يافطة لتغطية ما يريد تنفيذه. وقطع المفاوضات إذا ما تم ويجب أن يتم فإنما يفترض به أن لا يكون غاية بحد ذاته وإنما خطوة نحو الالتحام بالحالة الوطنية الأصيلة، الحالة التي يجب أن تنصهر فيها كل الإمكانات الوطنية المتوفرة والمتاحة وأن ينخرط فيها جميع اللبنانيين لمواجهة عدوهم الأساسي الوجودي والمهدد لمصيرهم الوطني ولوحدتهم السياسية والاجتماعية والوطنية، ولتبدأ عندها مرحلة التحرير الشامل المستندة على قاعدة التوحيد الفعلي في مواجهة الخطر الصهيوني.
***
الملحق الرقم (9)
رغم إجراءات العدو: المقاومة الوطنية تصعد من عملياتها
البعث - مقاومة الاحتلال واجب على كل اللبنانيين والعرب
أول كانون الثاني 1985 (طليعة لبنان الواحد العدد السابع)
ويبقى الجنوب بؤرة نضالية متوهجة، وانتفاضة متواصلة ضد قوات الاحتلال. هذا الجنوب الذي حاول العد أن يجعل منه معبراً للنفاذ إلى العمق الوطني، زلزل الأرض تحت إقدام الصهاينة، ولم تستطع كل إجراءات الاحتلال القمعية والتعسفية أن تنال من صمود أو أن تؤثر على قرار أبنائه وقواهم الوطنية في التصدي لوجود العدو بكل أشكاله المباشرة وغير المباشرة.
والمقاومة التي أراد العدو الالتفاف عليها عبر المفاوضات زادت من عملياتها كما ولوعاً وطاردت بنادق المناضلين جنود العدو وعملاءه أينما استقروا وأينما رحلوا.
ومع فشل إجراءات العدو في ضرب الانتفاضة بدأ الكيان الصهيوني يدرس جدياً إعادة انتشار قواته لتفادي الضربات الموجعة التي تصيبه وللتخفيف من نسبة الخسائر التي تلحق بقواته. وهو أن حاول أن يرد على كل عملية، بمداهمته للقرى ومحاصرتها واعتقال أبنائها، إلا أن ذلك كان باعثاً لرفع وتيرة العمليات حيث يسجل يومياً ثلاث عمليات كمعدل وسط ضد قوات الاحتلال. كما جاء الإضراب الشامل الذي نفذ في نهاية الشهر الماضي ليعكس اتساع الالتفاف الشعبي حول المقاومة وليعبر عن عمق الأصالة الوطنية والقومية للجماهير الجنوبية.
وقد أصدرت القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان بياناً حول الانتهاكات الصهيونية في الأراضي المحتلة وطالبت بتحرك على كل الصعد والمستويات لفضح حقيقة الممارسات الصهيونية بحق الأطفال والشيوخ والنساء والقرى الآمنة ومما جاء في البيت:
مرة جديدة يكشف العدو الصهيوني عن وجهه الحقيقي النازي ويرتكب المجازر ضد الأبرياء في الجنوب الصامد في محاولة مكشوفة وساقطة لنزع روح المقاومة الوطنية الرائعة المتنامية ضد الاحتلال.
مرة أخرى يشمخ الجنوب بصموده محتضناً البطولة والآباء وكل الكرامة العربية ومقدماً الصورة الحقيقية لمعنى الأصالة والانتماء مثبتاً للعالم، كل العالم أن إرادة الشعوب تقوى على كل ظلم وجور وتقدر على قهر العدوان دون حساب للتضحيات.
لقد وقع في ظن المحتل الغاشم أن امتلاك أسلحة التدمير والإجرام يجعله أكثر قدرة على امتلاك إرادة الجنوبيين وترويضهم. فقام أخيراً وبما يشبه جنون الاحتضار بمحاصرة ومهاجمة بعض القرى الآمنة مستخدماً الدبابات والآليات والأسلحة المتقدمة، ولكن فات المحتل ان إرادة التحدي قادرة على تغيير كل المعادلات. فجاءت المواجهة البطولية لأبناء القرى على نسج هذه الإرادة وتحولت أيادي الأطفال والشيوخ والنساء إلى نار لاهبة وأضحت الأجساد بمنزلة المتاريس الحصينة التي لا تحمي القرى الآمنة فحسب بل تحمي حدود الأمة العربية بأكملها وتعطي التعبير الأمثل لطبيعة المواجهة مع العدو الصهيوني.
وإذا كان من الثابت أن إقدام الاحتلال على هذه الممارسات الجبانة والمشينة ليس سوى أحد أوجه الاحتضار لوجود الاحتلال على أرض الجنوب بفعل الضربات اليومية والقاسية لأبناء المقاومة الوطنية الصامدة، فإن هذه التطورات تستعجل الدعوة وتزيدها إلحاحاً باتجاه تأمين الاحتضان الرسمي والشعبي المطلوب للمقاومة الوطنية لأن مواجهة الاحتلال ليست واجباً على الجنوبيين بل هي واجب وشرف لكل اللبنانيين والعرب الشرفاء، كما أن هذه التطورات تضع الرأي العام العالمي مجدداً أمام مسؤولياته للعمل على ردع الاحتلال ووقف كل تعامل من أي نوع كان مع العدو الصهيوني.
إن القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي إذ تتوقف بكل إجلال واحترام أمام شهداء المواجهة الأخيرة في القرى السبع مع العدو الصهيوني وتحيي بالإجلال والاحترام كل طفل وامرأة وشيخ ورجل من الجنوبيين الأبطال الصامدين، وترى في تنفيذ الإضراب الشامل اليوم التعبير الحقيقي لوقوف أبناء الجنوب بكل طوائفهم وانتماءاتهم ضد الاحتلال، ويهمها التأكيد مجدداً على المواقف المبدئية والثابتة حيال الاحتلال ووجوده في الجنوب وراشيا والبقاع الغربي وذلك عبر الدعوة إلى:
- تأمين كل أشكال الدعم للجنوبيين والمقاومة الوطنية ضد الاحتلال.
- مطالبة الحكومة اللبنانية بتبني المقاومة الوطنية رسمياً كأساس استراتيجي في مواجهة الاحتلال.
- دعوة هيئة الأمم المتحدة والرأي العام العالمي إلى إدانة ممارسات قوات الاحتلال ووقف كل تعامل من أي نوع كان مع العدو الإسرائيلي والى السعي لتطبيق القرارات الصادرة عن هيئة الأمم لا سيما القرارين 425 و426.
- دعوة المنظمات الإنسانية الدولية إلى تقديم كل المساهمات الممكنة لأبناء الجنوب اللبناني والتي يفرضها الواجب الإنساني وشرعة حقوق الإنسان.
***
الملحق الرقم (10)
القيادة القطرية بمناسبة حلول العام الجديد
الحزب سيبقى طليعة القوى المناهضة للاحتلال والمقاومة الوطنية وحدت الجماهير حول أهدافها الأساسية
أوائل العام 1985 (طليعة لبنان الواحد العدد السابع)
أكدت القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان على أن خيار المقاومة هو الخيار الأفعل لتحرير الأرض واستعادة السيادة وطالبت بالانتقال في التعامل مع موضوع الجنوب من الأسلوب الشعاراتي إلى أسلوب الالتحام والاحتضان والدعم الكامل لصمود الجنوبيين. وأشارت إلى أن استمرار الأوضاع على وتيرتها الحالية سيؤدي إلى مزيد من التآكل في كل جوانب الحياة اللبنانية، وأن الأزمة الاقتصادية هي العنوان الأخطر لمضاعفات استمرارية الأزمة، وشددت على وجوب تحقيق الاحتضان السياسي بين الأطراف الداخلية والى إسقاط كل أشكال التطييف والتمذهب عن الحياة السياسية اللبنانية، كما حيت القيادة القطرية النضال البطولي الذي تؤديه جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ونوهت بجهود كافة القوى المناهضة للاحتلال وحيث المعتقلين في سجون ومعسكرات العدو وكل المناضلين الذين يواجهون الاحتلال وفي ظروف غير متكافئة.
جاء ذلك في بيان أصدرته القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان بمناسبة حلول العام الجديد وهذا نصه:
يودع اللبنانيون عاماً، ويستقبلون عاماً آخر، والأزمة لا تزال تطحن عظامهم وترخي بظلالها الثقيلة على كل جوانب حياتهم. فمسيرة الحل لم تحقق تقدماً على أي من الصعد، حيث الأمن غير مستتب، والاختراقات الأمنية والتفجيرات التي تطيح بأرواح الأبرياء والأطفال والشيوخ والنساء جعلت المواطنين يعيشون أجواء غير مستقرة فضلاً عن تهديد أمنهم الحياتي ومصالحهم ومرافقهم الحيوية والحياتية، والإصلاح السياسي لا يزال الحديث عنه يدور في الحلقات المفرغة دون أن تكون في الأفق القريب بوادر الوصول إلى توافق على القضايا الأساسية.
وفي موازاة هذا التردي في الأوضاع السياسية والأمنية، فان الوضع الاقتصادي ينذر بكارثة حقيقية على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي نظراً لانعكاس ذلك على الوضع المعيشي بعدما ارتفعت أسعار السلع الضرورية بشكل جنوني مما سيزيد أعباء إضافية على الأعباء المتراكمة من خلال تواصل مراحل الأزمة.
وإذا كانت هذه العناوين الثلاثة للأزمة تشكل دليلاً حسياً على حجم المعانات التي يعيشها اللبنانيون، إلا أن ثمة قضايا أخرى ما تزال عالقة وهي اليوم الأشكال الصارخة للمأساة التي يعاني منها عشرات الآلاف من أبناء هذا الشعب الصامد الصابر، من قضية المخطوفين والمفقودين إلى قضية المهجرين من ديارهم والمغربين في بلدهم، والذين ينأون تحت ظروف الحياة القاسية والتشريد الجوال والمتنقل.
هذه الأجواء الضاغطة تلخصها معاناة أهلنا وجماهيرنا في الأراضي المحتلة الذين يعانون من إرهاب الاحتلال والمحاصرة والاعتقال والأبعاد والتي لولا المقاومة الوطنية اللبنانية والاحتضان الشعبي لها لكانت الصورة جد قاتمة، ولكانت كافة منافذ النور قد أغلقت في وجه اللبنانيين التواقين للخلاص الوطني عبر تحرير أرضهم من الاحتلال الصهيوني وإعادة توحيدها على الأسس الوطنية والديمقراطية بعيداً عن التطيف السائد حالياً والتمذهب الذي سيؤدي استمراره على وتيرته الحالية إلى جعل التفسخ هو السمة الغالبة في نسج العلاقات السياسية والاجتماعية والتي يشكل نفاذها تنفيذاً لأهداف العدو ضد لبنان والأمة العربية.
إن القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان وهي تؤشر على هذه المخاطر التي تهدد وحدة البلاد وحريتها وصيغ التعايش بين اللبنانيين في بوتقة المصير الوطني الواحد، ترى بأن الوسائل التي تعتمد أساساً لمعالجة الأزمة من كل جوانبها لا تزال عاجزة عن الولوج طريق الحل المنشود. فلا الترتيبات الأمنية هيأت المناخات اللازمة لا راحة الساحة الداخلية، ولا هي استطاعت أصلاً أن تحقق حلاً مقبولاً على الصعيدين السياسي والاجتماعي، ولا الإجراءات التي اتخذت لحماية الليرة اللبنانية استطاعت أن تحميها من المضاربات وارتفاع سعر الصرف بالنسبة للدولار، ولا لجان الإصلاح استطاعت أن تنجز عملها خلال الأشهر الأربعة الماضية، وكل ذلك والحكم ما يزال غير حاسم في اعتبار خيار المقاومة هو الخيار الأفعل لتحرير الأرض واستعادة السيادة والرد على ما يطرحه العدو من مواقف تكشف حقيقة نواياه ضد لبنان والتي بدأت أدلتها الحسية تبرز للعيان من خلال التهيئة لعملية استيطان استعماري في الجنوب المحتل.
إن القيادة القطرية وهي تدرك كم هي شديدة معاناة اللبنانيين، وكم هي شديدة أيضاً إرادة الصمود لديهم، ترى أن استمرار الأزمة سيؤدي إلى مزيد من التآكل في الأوضاع الداخلية، ومزيداً من الانعكاسات السلبية على نضال المقاومة ضد قوات الاحتلال الصهيوني وانه آن الأوان ولو متأخراً لوضع حد للنشاطات الداخلية والارتقاء بالوضع الداخلي إلى مستوى المهام الوطنية المفروض أن تكون ملقاة على عاتق شعب تعرضت أرضه للاحتلال، وتتعرض سيادته للانتقاص. وان الأطراف الداخلية وأن كانت لا تملك وحدها قدرة فرض الحل، إلا أنه باستطاعتها أن تعمل على إراحة الساحة الداخلية عبر تقديم التنازلات المقابلة وإسقاط نظرية المناطق المغلقة وإفساح المجال أمام المهجرين، كل المهجرين، إلى أن يعودوا إلى منازلهم وقراهم ومدنهم دون استثناء أو تمييز، وحل قضية المخطوفين والمفقودين، وإفساح المجال أمام الشرعية لأن تأخذ دورها الأمين كطرف يحصر بها الأمن وبها فقط، وإزالة كل أشكال التطييف عن ألوية الجيش.
وعلى هذا الأساس، فإن القيادة القطرية، وفي مناسبة توديع عام وحلول عام جديد، إنما نؤكد على المبادئ الأساسية الآتية:
أولاً: ان تحرير الأرض من الاحتلال الصهيوني يحتل الأولوية على كل قضية أخرى، وان خيار المقاومة الوطنية، إنما هو الخيار الأفعل، لأنه الخيار الوطني الذي يعيد للأرض حريتها وللشعب استقلاله، وان المقاومة الوطنية التي وحدت الجماهير حولها، مطلوب دعمها وتوفير كل عوامل الصمود لها وعبر العمقين الوطني والقومي.
ثانياً: أنه بالقدر الذي يفترض فيه أن تحتضن فيه المقاومة الوطنية، فإن دعم صمود أهلنا في الأراضي المحتلة، في الجنوب والبقاع الغربي وراشيا، يكتسب من الأهمية ما يجعله أن يحتل موقعاً أساسياً في دائرة الاهتمام اللبناني والعربي. فكما مقاومة الاحتلال هي واجب على الرازحين تحت الاحتلال والقوى الطليعية، فإنها واجب على اللبنانيين وسائر العرب، لأن الصراع الذي نخوضه على أرض الجنوب إنما هو صراع وطني وقومي وفي مواجهة عدو لا يستهدف الجنوب لذاته وإنما من خلاله لبنان ولا يستهدف لبنان لذاته وإنما عبره الوطن وطنية وقومية من نطاق التعامل الإعلامي والشعاراتي إلى نطاق الالتحام والمعايشة بكل هموم جماهيرنا وأهلنا ومع المناضلين المعتقلين والمبعدين والذين يتحملون كل إجراءات العدو القمعية والتعسفية.
ثالثاً: أن تخفيف الاحتقان السياسي والداخلي ونزع فتيل التوتر من الداخل يشكل مدخلاً للتفاهم السياسي وبالتالي ولوج طريق الوفاق الفعلي وتحقيق الوحدة السياسية الوطنية والتي بدونها لا يمكن لمعركة التحرير أن تأخذ كامل مداياتها، فالتحرير والتوحيد إنما هما هدفان متلازمان والواحد منهما مصدر قوة للآخر، وبتحقيقيها تتوفر للبناني شروط المواطنية الصادقة.
رابعاً: ان جماهيرنا الصامدة، ونضال جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية التي لعبت دوراً أساسياً في إسقاط اتفاق 17 أيار لهي قادرة على إسقاط كل اتفاق من شأنه أن يمس السيادة الوطنية أو أن يمنح العدو ترتيبات أمنية تحت أية صيغة أو شكل كان، وأن المفاوضات الجارية لا يمكن أن تشكل الاستجابة الوطنية المطلوبة لأن الجماهير اختارت طريقها وهي تتعامل مع العدو بالطريقة التي يفهمها.
خامساً: ان تنفيذ الخطة المنية للطريق الساحلي، بقدر ما هي مطلب وطني فهي مطلب شعبي أيضاً، وأن نجاحها إنما يرتبط بشمولها كافة المناطق وفتح كافة المعابر ووضع حد للاختراقات المنية التي تحصل هنا هناك، والحؤول دون أن يكون الأمن الشرعي مطلقة لممارسات غير شرعية عانت ولا تزال تعاني منها جماهيرنا الأمرين. وإذا كان العدو الصهيوني وهو الرافض أصلاً لأي دور أمني للجيش اللبناني يعمل على تفشيل الخطط الأمنية المطروحة وعلى هشاشيتها، فإن هذا الموقف يجب أن يكون عاملاً لتوحيد كلمة اللبنانيين وجهودهم في مواجهة العدو الطامع بأرضنا ومقدراتنا والهادف إلى تقويض البنيان الوطني.
سادساً: ان تعزيز دور قوات الطوارئ الدولية يجب أن لا يكون على حساب دور الجيش اللبناني وإنما على حساب القوى التي أفرزها العدو من قوات سعد حداد إلى ما يسمى اليوم بقوات جيش لبنان الجنوبي، وان على لبنان الرسمي أن يتحرك باتجاه الأمم المتحدة لفرض هذا الموقف وبالاستناد إلى القرار 425 والقرارين 508 و509.
سابعاً: ان الإسراع في الاتفاق على مشاريع الإصلاح السياسي هي من العوامل المساعدة على تدعيم الجبهة الداخلية واستعادة الثقة المفقودة بين اللبنانيين وحتى تتغير الصورة الراسخة في ذهن الجميع والتي تقول بأن اللجان هي مقابر للمشاريع.
ثامناً: ان معالجة الجوانب السياسية من الأزمة لا تكفي وحدها لتأمين ركائز الاستقرار السياسي والاجتماعي الداخليين، لأن الأزمة الاقتصادية المستفحلة قد أصبحت العنوان الأبرز لهذه الأزمة، واستمرارها على وتيرتها الحالية والتصاعدية سيضع البلاد قريباً على حافة الكارثة الحقيقية والتي ستترك آثارها الخطيرة على المدنيين القريب والبعيد. وان هذا الانهيار الاقتصادي الذي طال المؤسسات الإنتاجية والقطاع الخدماتي والرأسمالية الوطنية ستكون له انعكاسات شعبية سلبية نظراً للارتفاع الخيالي الحاصل على كلفة المعيشة.
تاسعاً: ان القيادة القطرية، وهي تؤكد على المبادئ الآنفة الذكر، تؤكد بأن هذا البلد أما أن يبقى للجميع وأما فإنه لن يبقى لأحد، لأن الأخطبوط الصهيوني يتربص به، وأن الوحدة الداخلية هي السبيل الذي يحول دون نفاذ عامل التأثير الصهيوني.
عاشراً: على الجميع أن يدرك أن لبنان العربي الموحد الحر والديمقراطي هو الذي يشكل إجابة على كل المشاكل المطروحة، وان كل محاولة لتحييد لبنان أو سلخه عن محيطه القومي العربي هي إسفين يدك في البنيان الوطني ويضرب كل المقومات الوطنية الأساسية التي قام عليها.
حادي عشر: ان القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان وفي مناسبة حلول العام الجديد، تتقدم من اللبنانيين بالتحيات الحارة ونعاهد الجماهير الصامدة والمؤمنة بوحدة هذا البلد وحريته وعروبته، بأن الحزب سيبقى في طليعة القوى المناهضة للاحتلال، وسيبقى ينظر للمقاومة الوطنية في مواجهة الاحتلال بأنها القضية الوطنية التي وجدت الشعب على أهدافه الأساسية وأسقطت تناقضاته الثانوية وأسقطت كل أشكال الصراع المذهبي والطائفي لمصلحة النضال الوطني التحرري ضد العدو والمتعاملين معه.. وتحية للشهداء الذين سقطوا وهم يتصدون للاحتلال الصهيوني، وتحية للمناضلين المعتقلين في معسكرات العدو وسجونه وتحية للأطفال والشيوخ والنساء وكل الصامدين في الجنوب البطل والبقاع الغربي وراشيا، وتحية لكل القوى التي تنخرط في مواجهة الاحتلال وعبر الأشكال المختلفة، وليكن العام الجديد عام تصعيد النضال حتى تعود للبنان حريته واستقلاله ويسود السلام الاجتماعي كل ربوعه.
***
الملحق الرقم (11)
القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي
تحيي المقاومة الوطنية وتستنكر التفجيرات وتطالب بتوحيد الجبهة الداخلية لمواجهة الاستحقاقات
طليعة لبنان الواحد العدد الثامن كانون الثاني 1985
حيث القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان المقاومة الوطنية التي تكبل الضربات الموجعة لعدو الصهيوني والتي فرضت عليه انسحابات من بعض مواقع الجنوب، كما دانت التفجيرات التي تحصل في الداخل وحادث الاعتداء على جريدة "السفير" جاء ذلك في بيان للقيادة القطرية أصدرته في 16/1/85 وهذا نصه:
إن ما أعلنه العدو الصهيوني من خطة لإعادة انتشار قواته، لم يكن قراراً طوعياً أقدم عليه، وإنما فرضه واقع تصاعد المقاومة الوطنية ضده وضد عملائه. وإن العمليات البطولية الأخيرة والتي أوقعت عشرات الإصابات في صفوف قوات الاحتلال هي دليل على أن المقاومة قادرة على تطوير عملياتها وتصعيد مواجهتها رغم كل إجراءات العدو القمعية والتعسفية. وإن قرار الكيان الصهيوني لن يؤثر على تصميم المقاومة الحازم بالاستمرار في التصدي لقوات الاحتلال حتى تحرير كامل الأراضي اللبنانية وإعادة السيادة الوطنية إليها. فالمعركة ستبقى مفتوحة على كل الصعد والمستويات وبكل الإمكانات المتاحة والمتوفرة حتى ولو بقي شبر واحد محتل من الأراضي اللبنانية.
وإذا كان العدو الصهيوني يظن بأن قراره بإعادة انتشار قواته سيعيد خلط الأوراق مجدداً على الساحة الداخلية ويضع المناطق التي سينسحب منها على أبواب صراعات جديدة، فإن الوعي الشعبي والوطني وخاصة في الجنوب والبقاع الغربي وراشيا، لما يخطط العدو كفيل بقطع الطريق على ما يرمي تنفيذه.
ولولا هذا الوعي الشعبي والالتزام الوطني والتراث النضالي الذي تتخذ منه جماهيرنا لما تأمنت الأرضية الصلبة لنضال المقاومة ولما تحولت هذه المقاومة إلى انتفاضة شعبية متواصلة جعلت من سكان الجنوب وسائر الأراضي المحتلة كتلة شعبية متراص ومتماسكة ومحصنة من ل محاولات الاختراق المعادية.
إن القيادة القطرية إذ تحيي هذا الصمود البطولي لجماهيرنا في الجنوب البطل تكبر روح التضحية والفداء لدى أبناء الجنوب الميامين وهي لعلى ثقة أكيدة بأن شعبنا سيفوت الفرصة على محاولات "إسرائيل" في أحداث فتن جديدة لفرض تعقيدات إضافية على الوضع الداخلي، وللرد على هذا التماسك الشعبي الذي واجهها في الأراضي المحتلة.
وحتى تأخذ معركة المقاومة الوطنية كامل أبعادها فإن التصدي البطولي الذي يطارد قوات الاحتلال أينما وجدت وأينما تموضعت يتطلب تأمين العمق الوطني المتفاعل مع هذه المقاومة تفاعلاً إيجابياً لتوحيد كافة الجهود في مواجهة العدو الذي يجسد الخطر الفعلي والأساسي على مصير لبنان ووحده شعبه وأرضه.
ومن هنا أن القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي، ترى بأن التفجيرات التي تحصل في الداخل، في بيروت وطرابلس والجبل ليست سوى محاولة مكشوفة لإبقاء المقاومة دون ظهير وطني قوي، ولإنهاك الجماهير العشبية وتعطيل دورها في رفد معركة التحرير الوطني ضد قوات الاحتلال.
وإن عودة شريط العنف الجوال والمتنقل ليحصد أرواح الأبرياء وليدمر المرافق الحيوية والحياتية، إنما تندرج في سياق المؤامرة المتصاعدة على لبنان والذي تشكل الأزمة الاقتصادية وجهاً من أوجهها الخانقة.
والقيادة القطرية إذ تعلن شجبها وأدانتها لحملة التفجيرات الأخيرة فإنها تستنكر الاعتداء الذي تعرضت له جريدة "السفير" وترى فيه اعتداء على حرية الكلمة والقيم الوطنية ومحاولة مكشوفة لكبت المنابر الإعلامية الوطنية والنيل من دورها في معركة تحرير البلاد من الاحتلال الصهيوني.
وإن هذه الأجواء السائدة التي جعلت من الوضع الداخلي، وضعاً غير مواكب لمعطيات ومتطلبات النضال التحرري الذي تخوضه جماهيرنا في الأراضي المحتلة وقواها الوطنية والشعبية المنخرطة في جبهة المقاومة الوطنية سيؤثر سلباً على المواجهة مع العدو المحتل.
لذلك فإن القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان، إذ تؤكد على وجوب تحصين الساحة الداخلية من الاختراقات التي ـصبح المواطن ينوء تحت أعبائها ترى بأن المعالجات الكسيحة التي أقدم عليها الحكم لا تزال دون المستوى المطلوب. فالإجراءات التي اتخذت لمعالجة الأزمة الاقتصادية لم تعط نتائج إيجابية، بل تستمر الأزمة متفاقمة عبر مضاعفاتها الاجتماعية، والخطط الأمنية التي طبقت في بيروت وطرابلس لم تؤمن أمناً واستقراراً للمواطنين، وخطة الساحل والإقليم التي اعتبر تنفيذها خطوة إيجابية لا تزال معرضة للإجهاض في أية لحظة.
إن القيادة القطرية وهي تؤكد على وجوب أن تشكل الخطة الأمنية كامل قرى الإقليم، ترى بأن إبقاء طريق طرابلس بيروت تحت إشراف القوى غير الشرعية لا يستقيم والخطوات المطلوبة لتعميم مفاعيل الترتيبات الأمنية لتشمل كافة المناطق وكافة المعابر التي تربط العاصمة بسائر المناطق.
وإن هذه الخطوة أن لم تحصل في القريب العاجل وكذلك فتح طريق بيروت البقاع بن يعطي للخطوات التي طبقت مصداقيتها ولا توازنها المطلوب. وأن الوضع يبقى عندها معرضاً للانتكاسة في أية لحظة وأن العدو الصهيوني يترقب ذلك.
من هنا فإن القيادة القطرية وهي تعتبر أن الصمود الوطني في مواجهة الاحتلال يتطلب تحقيق الصمود الاجتماعي والسياسي وكذلك الاقتصادي تدعو الحكم لتحرك أكثر حزماً لمواجهة الأزمة الاقتصادية وهو غير معفى من تحمل مسؤولية ما آلت إليه هذه الأوضاع، كما ترى بأن تحقيق الانتصار السياسي الداخلي وتوحيد القوى الداخلية على قاعدة مواجهة الأخطار المصيرية المحدقة بلبنان،يجعل من لبنان قادراً على مواجهة استحقاقات قادمة. وإنه بدون توحيد هذه الجبهة الداخلية ستكون المقاومة الوطنية هي المتضرر الأكبر وهذا يعني بأن الخطر على قضية لبنان بما هي قضية تحرير للأرض وتوحيد للشعب قد دخل مرحلة متقدمة وستكون التضحيات الجسام التي قدمتها جماهيرنا قد ذهبت سدى، وهذا ما يجب تفاديه وهذا ما يجب أن يكون واضحاً لدى الجميع الذين يجب أن يرتفعوا في مسؤوليتهم إلى المستوى الوطني المطلوب، وأن يكونوا أوفياء لدم الشهداء الذي يبذل على أرض الجنوب الصامد ولمعاناة المناضلين المعتقلين في معسكرات العدو وللجماهير الشعبية المتشبثة بأرضها رغم كل الظروف الصعبة المحيطة بها.
***
الملحق الرقم (12)
الشريط الحدودي، موقع رهان العدو ومقتل مخططاته
طليعة لبنان الواحد العدد الثامن كانون الثاني 1985
بعد إلغاء اتفاق السابع عشر من أيار وتوقف مفاوضات الناقورة، التي بدا أنها تدور في الحلقة المفرغة نتيجة لإصرار العدو على تحقيق مكاسب سياسية وعسكرية ناجمة عن غزوة للأراضي اللبنانية عام 1982. ورغم الدفع الذي أعطي لهذه المفاوضات من قوى مختلفة بما فيها الأمم المتحدة وأميركا عبر زيارة هذا المبعوث أو ذاك، بعد كل ذلك عمدت دولة العدو الصهيوني على أخذ قرار بالانسحاب الجزئي وعلى مراحل في اجتماع مجلس وزرائها الأخير.
بنتيجة هذه المرحلة التي انتهت. وعلى عتبة المرحلة القادمة تتساءل كافة الأطراف المعنية بالشـأن اللبناني عموماً والجنوبي خصوصاً أن مباشرة أو بشكل غير مباشر ما الخطوة التالية لكل طرف منها خاصة بشأن متابعة المفاوضات وعشية بدء الانسحاب من جانب واحد عن منطقة صيدا.
الشرعية اللبنانية بعد أن تيسر لها نسبياً فتح طريق الساحل ونشر قوات الجيش عليها ما زالت حتى الآن تراهن على استمرارية هذه المفاوضات وهي حتى الآن لم تحدد موقفاً واضحاً وصريخاً من المقاومة الشعبية في القسم المحتل من أرضنا، جنوبه وبقاعه الغربي وراشيا. هذا الموقف وأن لامس حدود التعاطف بشكل أو بآخر مع المقاومة فإنه لم يتعد الإطار الخجول ومن باب رفع العتب ولأن القوى المشاركة في الحكم والمعنية مباشرة بوضع المقاومة لم تتمكن حتى الآن من فرض واقع التبني لهذه الظاهرة على الأطراف الأخرى.
ولعل أخطر ما يتهدد هذه المقاومة، من جانب آخر، استمرارية الإصرار من قبل بعض الأطراف المعنية على طبع حركة جماهيرنا في الأرض المحتلة بطابع معين، وصبغة معينة ذات منحى طائفي في الشكل والمضمون، متناسية اللون والجذر القومي للجنوب على تعدد طوائفه وأديانه وتنوعها، وبون أن تؤخذ في الحسبان أهمية دور الأديان والطوائف الأخرى، إذا تكلمنا بلغه وعبارات السياسة اللبنانية السائدة، في معركة مع محتل أبسط تصنيف لها في كل تجارب الشعوب وفي مختلف مراحل التاريخ، إنها معركة وطنية.
إن استمرارية النظرة الضيقة لدى الأطراف المذكورة وإصرارها على التصنيف الطائفي والفئوي للمعركة الوطنية، من شأنه حرمانها من طاقات وإمكانيات كثيرة، ومنعها من الاستفادة من زخم قوى كثيرة أيضاً...، وإبقاء مجال الحذر والشك قائماً أمام فئات وقوى ما تزال تراهن على معادلات جديدة داخلية وخارجية لإبقاء طريق التعاون مع العدو مفتوحة وسالكة، دون أن يعني ذلك أن عملاء العدو محصورون بطائفة معينة أو فئة معينة دون الأخرى. إن سمة التعامل تنال كل المتساقطين من مختلف الطوائف مسلمة ومسيحية، وقد بات من الضروري بمكان إخراج الجنوب من لعبة الطوائف خاصة على أرضه، وإخراج طوائف معينة من دائرة ارتهان العدو ولعبته الخبيثة وبالتالي تصبح سمة المتعامل مرادفة للمتساقط مهما كان انتماؤه بقدر ما تصبح سمة الوطني مرادفة لكل مقاوم، من أي موقع تصدي ومن أية فئة كان.
إن بلورة أمر من هذا النوع، ونضوجه، من شأنه خلق مزيد من الاحراجات للشرعية اللبنانية وللفئات المراهنة على معادلات جديدة لصالحها، سواء تمثلت هذه الفئات في الشرعية أو خارجها، كل ذلك يفرض دفع الأخيرة نحو مواقف أكثر تبن للمقاومة الوطنية الشعبية في الجزء المحتل من بلدنا.
وإذا ترادف شأن من هذا النوع مع انسحابات جزئية سيجريها أو يقوم بها العدو الصهيوني في المدى الزمني القريب بدافع إغراق الوضع اللبناني من جديد في وحل لعبة الطوائف والمذاهب، وتقاتلها خاصة في المناطق التي سيجلو عنها، بهدف جعل اللبنانيين بمختلف فئاتهم بمنأى عن القسم المتبقي من أرضنا محتلاً ولا مد طويل، وأحكام قبضته جاهداً في إجهاض المقاومة وتصفيتها في مناطق تواجده، معيداً ترتيب أوضاعه السياسية والعسكرية على ضوء الأحداث المستجدة، والتي وضع نفسه فيها بموقع الفعل، مثلما قدر له وضعنا جميعاً في موقع رد الفعل.
في هذا الاتجاه، وبقدر ما هو مهم تأكيد الطابع الوطني والعربي لمعركة مع العدو، ولمقاومتنا الشعبية، فمن الأهمية أيضاً، إعادة النظر بالخطط العسكرية والسياسية لا ذكاء روح المقاومة في الشريط الحدودي بمختلف الأشكال والسبل.
وإذا كان العدو يراهن في إعادة نشر قواته على مزيد من التدجين لهذا الشريط، الذي وسع امتداداته فيه شمالاً ليصل إلى الليطاني وشرقاً ليصل إلى الباروك مروراً بحاصبيا، فإن علينا بدورنا أن نراهن على تحريك هذا الشريط باتجاه إعادة تثويره على قاعدة وطنية سيما وأن لمسيحيته المتضررين من الاحتلال، وما يزالون يتطلعون لبنان الواحد، دوراً لا يمكن نكرانه، مثلما لدور الطوائف الأخرى من دروز في حاصبيا وسنة في العرقوب وجنوب قضاء صور.
إن ما يعزز هذا الاتجاه كون الذين اسهموا في فتح بوابات العار مع العدو، والتي تسلل منها، لم يكونوا من الجنوبيين أنفسهم، بعكس الغلط الشائع، بل كانوا من القادمين إلى الجنوب، أو المتسللين بدورهم إليه، بناء لتوجيهات معروفة منا جميعاً بقدر معرفتنا بظروف ذهاب سعد حداد إلى القليعة، ومسلحي "القوات اللبنانية" الذين دخلوا عين إبل رغماً عن إرادة أهاليها، بدلالة الوفد العينبلي الذي قابل البطرك خريش في حينها بصفته ابن البلد، ولنستنتج من موقع المعايشة والمعرفة أن الفتنة الطائفية صدرت إلى الجنوب تصديراً برعاية وتنفيذ العدو الصهيوني، الذي شاء أن يصطنع اصطناعاً حزاماً أمنياً لحماية مستعمراته الشمالية.
وتتعزز من ذلك أيضاً القناعة الكلية، أن الفتنة مفتعلة مثلما الحزام نفسه مفتعلاًن وأن ضرب هذا الحزام أو الشريط المستحدث من شأنه ضرب مخططات العدو وإسقاط رهاناته من قلب التركيبة البشرية والجغرافية التي طالما حرص على إظهار تمايزها وإبرازها منذ سنوات. إن ضربة موجعة من هذا النوع، عدا عن كونها تدفع المقاومة الشعبية خطوات في الأعماق لتحقيق الأهداف فإنها تسبب للعدو ضربة مؤلمة على رأسه لا تقل أهمية عن ضرب مستعمراته التي يريد حمايتها بهذا الجدار الوهمي الواهي المركب تركيباً، والذي اسمه الشريط الحدودي.
***
الملحق الرقم (13)
المقاومة الوطنية وضرورة الميثاق السياسي
طليعة لبنان الواحد العدد الثامن منتصف كانون الثاني 1985
بعد عامين ونصف على الغزو الصهيوني للبنان، لا يزال الاحتلال جاثماً على الجنوب والبقاع الغربي وراشيا، وان العدو يهيئ نفسه لإعادة نشر قواته في بعض مناطق الجنوب اللبناني تحت شعار تحقيق انسحابات جزئية. وان المفاوضات التي جرت في الناقورة لم تحدث تعديلاً على الخطط الإسرائيلية حيال لبنان. إذ أن الانسحاب الذي يطرحه العدو إنما يطرحه على شروط ووفق تصورات تخدم أهدافه القريبة والبعيدة. فهو يعارض نشر قوات الطوارئ الدولية على طول المنطقة الحدودية، كما يعارض نشر الجيش اللبناني في منطقة شمال الليطاني، داعياً إلى إناطة الأمن في المنطقة الحدودية بالقوات التي تدور في فلكه، وجعل القوات الدولية تشكل فاصلاً بين مناطق يفترض أن تكون جميعها تحت السيادة الوطنية اللبنانية الكاملة وعملاً بقرارات الأمم المتحدة وخاصة القرار 425.
تلك المفاوضات التي دارت على مدى اثنتي عشرة جولة لم تؤد الغاية المرجوة من وجهة نظر "إسرائيل" التي أرادت لها أن تشكل إسقاطاً للبنان المقاوم وعملية التفاف على الانتفاضة الشعبية المتصاعدة ضد قوات الاحتلال.
فعلى العكس من ذلك، حيث المقاومة زادت من عملياتها والتصميم الشعبي على التصدي للاحتلال بلغ مستوى متقدماً ولم تؤثر عليه كل إجراءات القمع الصهيوني من المحاصرة إلى الأبعاد والاعتقال.
وبفضل هذه المقاومة التي اتخذت إشكالاً مختلفة، بقيت القضية اللبنانية بما هي قضية تحرير للأرض، قضية حية ومتوهجة، قضية يطل بها لبنان على العالم من على منبرها، واستطاعت في ظروف غير متكافئة أن نؤكد حضوراً وتأثيراً فعالين، بحيث أصبحت بحق وحقيقة إحدى حالات الاستقطاب السياسي الأساسية والمحور الذي يتمحور حوله كل جهد مبذول في مواجهة الاحتلال الصهيوني.
هذه المقاومة التي أعادت الاعتبار لقيم النضال الوطني، شكلت الحالة الصحية الوحيدة في الجسم اللبناني المنخور بسوس التطيف والتشرنق المذهبي واستمرت على مدى السنوات الماضية جزيرة محاصرة بتعقيدات الوضع الداخلي وتقطيع أوصاله وانعدام حالة التوافق السياسي على المقومات الوطنية الأساسية.
لذلك واجهت المقاومة ظروفاً صعبة، بعضها ناتج عن حجم الضغط المادي والنفسي الذي مارسه العدو، والبعض الآخر ناتج عن عدم توفر العمق الوطني المطلوب لنضال المقاومة فضلاً عن الأوضاع القومية السائدة على الساحة العربية، ومع ذلك لم ينتظر المقاومون تهيئة الصيغ الجاهزة، بل انطلقوا في عمليات بطولية بدأت فردية وتحولت إلى ظاهرة وتيار شعبي عارم أصبحت المقاومة تعيش في جوارح كل إنسان وطني وفي قلب كل إنسان استلهم تراثه الوطني وتشبث بأرضه وانخرط الانتفاضة بما تسمح له إمكاناته المتاحة والمتوفرة.
وهكذا وفي زمن يمكن اعتباره قياسياً استطاعت الحركة الشعبية اللبنانية أن تلتقط أنفاسها وتلتف بسرعة على نتائج الصدمة التي خلفها الاجتياح الصهيوني وتحول الجنوب وسائر الأراضي المحتلة إلى مقبرة للغزاة ومصيدة للجنود الصهاينة وعامل استنزاف مستمر "لإسرائيل" مما أفقدها مفاعيل خطتها الأصيلة التي كانت تريد خلالها تركيز الأوضاع الأمنية في الجنوب والبقاع الغربي وراشيا كخطوة أولية نحو فرض التطبيع الشامل.
لقد استطاعت المقاومة المتصاعدة أن تلعب الدور الأساسي في إسقاط اتفاق 17 أيار كما أنها كانت بالمرصاد لأية محاولة جديدة لتمرير اتفاق جيد على غرار اتفاق أيار وهي في الظروف التي انطلقت بها تشبه الحالة الشعبية التي رافقت بروز ظاهرة الكفاح المسلح الفلسطيني بعد هزيمة 1967. كما أنها في ظل الهداف المعلنة شكلت قاسماً مشتركاً التقت على تأييده وتبنيه كل التيارات السياسية التي ترفض التعامل مع العدو وانخرطت في المواجهة ضده.
وإذا كانت المقاومة الوطنية قد استطاعت أن تحقق هذا الفعل المؤثر خلال المرحلة الماضية، فلان ثمة عوامل أساسية لعبت دوراً هاماً في هذا المجال، بحيث يأتي في طليعة ذلك، إسقاط الجنوبيين لتناقضاتهم الثانوية، وتقديم أنفسهم كوحدة شعبية واحدة، وكان التقاؤهم على خط التناقض الأساس ضد عدو يشكل خطراً على الجميع، نقطة الثقل في نضال المقاومة ونقطة الارتكاز التي استند إليها الفعل الداعم والرديف.
سياق الهجمة الصهيونية:
إن العدوان الذي حصل في صيف عام 1982 لم يكن صاعقة في سماء صافية، ولا أملته اعتبارات ظرفية، ولم تكن مبرراته كما حاولت أن توحي به أجهزة الإعلام الصهيونية، بل جاء في التطور الحاصل على مشروع الحركة الصهيونية التوسعي الاستيطاني والذي لم يكن الاستيلاء على فلسطين إلا واحدة من محطات هذا المشروع. وإن الزعم الصهيوني بأن العملية الواسعة التي استهدفت الأراضي اللبنانية لم يكن لينطلي على أحد لأن العدو أراد تحقيق جملة أهداف دفعة واحدة:
الهدف الأول: ضرب البنية العسكرية للمقاومة الفلسطينية والتي كانت الساحة اللبنانية ساحة الثقل الأساسي لها أن لم تكن الوحيدة.
الهدف الثاني: ضرب البنيان الوطني اللبناني عبر تقطيع أوصال لبنان وتدمير اقتصاده وتسعير النزعات بين فئاته وأبنائه.
الهدف الثالث: إدخال لبنان دائرة الحلول التي تكرس اعترافاً بشرعية الاغتصاب وجعله مدخلاً للتسلل الصهيوني وبإشكاله المختلفة إلى إرجاء الوطن العربي.
الهدف الرابع: إنجاز حلقة من حلقات التوسع الصهيوني على طريق إقامة دولة "إسرائيل" الكبرى.
وبالاستناد إلى ذلك، فإن العدوان الصهيوني على لبنان كان سيقع سواء كانت هناك مقاومة فلسطينية أو لم تكن، لأن "لإسرائيل" أهدافاً توسعية ضد لبنان وهذا مبين في وثائق ومقررات المؤتمرات الصهيونية. كما أن رسائل موشي شاريت وموشي دايان إلى دافيد بن غوريون عام 1953 لا تترك أدنى لبس في أبعاد المطامع الصهيونية. والمسؤولون الصهاينة أعلنوا مراراً وتكراراً بأنهم يريدون السيطرة على المياه اللبنانية وأن أمن "إسرائيل" الشمالي لا يتحقق حسب وجهة نظرهم إلا بالسيطرة على قمم جبال لبنان. ومروراً بعشرات التصاريح والمواقف من مختلف الاتجاهات السياسية في الكيان الصهيوني، فإن أود يدينون يؤكد في تقرير له حول استراتيجية "إسرائيل" في الثمانينات بأن على "إسرائيل" أن تقطع أوصال الكيانات العربية القائمة بشكلها الحالي وأن تعيد توزيعها على الأسس الدينية والاثنية، وحتى لا تصبح هذه الكيانات في حال تطور أوضاعها مصدر خطر على "إسرائيل" وفي تقريره أن لبنان قطع شوطاً في هذا المضمار بالنظر إلى كيانات الأمر الواقع القائمة على أرضه.
وبالإضافة إلى وجود هذه الخطة الأصيلة لدى الكيان الصهيوني فإن العدو واستفاد من جملة مناخات وظروف مؤاتية للقيام بغزوة.
فعلى الصعيد الدولي منحته الولايات المتحدة الأميركية تأييداً كاملاً، وأن الإدارة الأميركية كانت تواكب خطوات الاجتياح لحطة بلحظة كما أن القرار اتخذ بمعرفة ومباركة وزير الخارجية أل أميركي آنذاك الكسندر هيغ.
والتنسيق الأميركي – الصهيوني كان واضحاً، بحيث أن أميركا أرادت توظيف نتائج الغزو في سياق مشروعها الأشمل نحو المنطقة العربية والتي عبرت عنه بما يسمى حينذاك بمبادرة ريغان لتسوية ما يسمى بأزمة الشرق الأوسط.
وعلى الصعيد العربي، استفادت "إسرائيل" من أجواء الانقسام العربي وخروج مصر من دائرة الصراع العربي – الصهيوني بعد توقيعها لاتفاقيات كمب ديفيد وانشغال العراق في الحرب المفروضة عليه والدائرة على المداخل الشرقية للوطن العربي.
كما على الصعيد الداخلي، فإن الاختراقات الأمنية أنهكت الوضع السياسي والشعبي، وتعثر كل مبادرات الوفاق السياسي دفعت الأزمة إلى الطريق المسدود، فضلاً عن وجود أطراف داخلية راهنت على دور "إسرائيل" في لبنان لضرب المقاومة من جهة ولتحسين مواقعها السياسية من جهة ثانية وصولاً إلى احتواء الحكم والسلطة من طرف واحد. وقد أتضح ومن خلال الكتب التي تصدر في الكيان الصهيوني عن ظروف وملابسات الغزو بأن "القوات اللبنانية" لم تكن بعيدة عن أجواء التحضير للغزو، بل أن الاتصالات بين الطرفين تعود لسنوات سابقة للغزو. وقد ظنت "إسرائيل" أن الأجواء الشعبية التي أبدت تذمراً من الضغوطات الأمنية والسياسية التي تعرضت لها، يمكن أن تكون عاملاً إيجابياً في استقبال نتائج الاجتياح، لكن الذي حصل كان عكس ما تصورته "إسرائيل" وأن الجماهير الشعبية لم تتأخر كثيراً في تجاوز صدمة الاجتياح وعادت لتنخرط في مقاومة شاملة ضد الاحتلال ومن يتعامل معه. لكن هل كانت المقاومة عبارة عن رد فعل على واقع الاحتلال؟
من الطبيعي القول، بأنه لو لم يحصل احتلال للأرض، لما كانت هناك مقاومة نظراً لانتفاء الموضوع، لكن من البساطة القول بأن المقاومة جاءت في سياق رد الفعل فقط.
فكما أن الاجتياح الصهيوني للبنان جاء في سياق التطور الحاصل على مشروع الحركة الصهيونية وأطماعها في لبنان، وكما أن العدوان لم يكن وليد الظروف الطارئة، فإن المقاومة أيضاً، لم تكن وليدة الظروف الطارئة وإنما جاءت لتفصح عن تراث نضالي لدى شعبنا وعي في وقت مبكر لإبعاد الخطر الصهيوني الذي يهدده ومصيره الوطني. وإن وجوده على خط التماس المباشر جعل من وعيه الوطني المتقدم عنصراً مساهماً في بلورة قرار مقاومة الاحتلال.
من هنا، فإن قرار المقاومة ولد من رحم الحالة الشعبية التي خاضت على مدى العقود الماضية النضال دفاعاً عن المقاومة الفلسطينية وأمنت لها كل عوامل الاحتضان والدعم السياسي والشعبي، كما لم تتوان لحظة عن التصدي للعدوانية الصهيونية ضد الجنوب والبقاع الغربي.
وهكذا، شكلت المقاومة الوطنية وعبر انطلاقتها إحدى المحصلات الإيجابية لنضال – شعبنا، وأفصحت عن المكامن النضالية التي أختزنها هذا الشعب على تعاقب مراحله التاريخية.
لكن هذه الإيجابية لم تكن مكتملة إذ ثمة ثغرات ومشاكل واجهت ولا تزال تواجه المقاومة، وبعضها ناتج عن عوامل ذاتية، والبعض الآخر ناتج عن عوامل موضوعية مرتبطة بالظروف المحيطة بنضال لمقاومة.
فالمقاومة الوطنية التي شقت طريقها، واعتبرت الوسيلة الافعل لا بل الأكثر شمولية لطرد المحتل وتحرير الأرض لن تتوحد النظرة السياسية الداخلية حيالها، كما أن المقاومة لم تطرح برنامجاً سياسياً متكاملاً ولا استطاعت أطرافها أن تبلور صيغة تنظيمية في ما بينها، بل بقيت عنواناً سياسياً عاماً يندرج تحته كل فعل موجه ضد الاحتلال إضافة إلى أنه لم يحصل التبني الرسمي لها.
لذلك فإن المصلحة الوطنية، ومصلحة الشعب في تحرير أرضه وإعادة السيادة الوطنية إليها توجب توفر جملة مستلزمات وصيغ للعمل النضالي على الصعد العسكرية والسياسية والاجتماعية تكون قادرة على الاستجابة لمتطلبات المهمات الملقاة على عاتق القوى المقاومة للاحتلال. ويأتي في طليعة هذه المهمات وضع ميثاق لجبهة المقاومة الوطنية، تتحدد بموجبه الأهداف السياسية القريبة والبعيدة والعلاقة بين أطرافها وطبيعة التعامل مع الوضع الجماهيري والمستلزمات اللازمة لتطوير نضال المقاومة وتجذير الصمود الشعبي.
ووضع الميثاق ضرورة لا بد منها لتحويل المقاومة إلى فعل وطني شمولي، ولحمايتها من كل أشكال المتاجرة بنضالاتها وأبعادها عن الوقوع في فخ الصراع الفئوي، وأن طبيعة المهمات المطروحة أمام جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية هي التي تحدد برنامجها السياسي، خاصة وإنها أصبحت ترتبط ارتباط جذرياً بحياة الشعب وتوقه نحو تحقيق أهدافه في التحرر والتقدم والوحدة.
***
الملحق الرقم ( 14 )
أبو طارق: إنسحاب «إسرائيل» يأتي نتيجة ضرباتنا التي سنواصلها حتى تحرير آخر شبر.
جريـدة السياسة- الكويت: الأحد في 3/2/1985.
أجرت جريدة السياسة الكويتية مقابلة مع (أبو طارق)، أحد قادة المقاومة الوطنية اللبنانية، حدَّد فيها استراتيجية المقاومة، كما تحدَّث عن الأطر التي تجمع رجال المقاومة وتُحرِّكُهم، معلناً بأن العدو فَقَدَ /700/ قتيلاً و /3500/ جريحاً. وإن المقاومة نفَّذت حتى منتصف كانون الثاني 1985 /1126/عملية.
إستهلَّ أبو طارق الحوار بالتعريف عن الأطر التي تجمع رجال المقاومة وتحركهم، فقال: المقاومة الوطنية اللبنانية هي الإطار العام للجماهير التي تقاتل العدو المحتل بمختلف تياراتها. وتمارس المقاومة، في جانب آخر، نضالها ضد العدو على صعيدين: إنها ثورة شعبية بكل معنى الكلمة؛ وما يُقال عن مقاومة وطنية وأخرى إسلامية، لا يصح إلا في الإطار النظري. أما الواقع فإن جماهير شعبنا في الأرض المحتلة، وهم يمثِّلون كل الأديان والمذاهب، هم الوقود الأساسي لهذه المقاومة.
وعلى صعيد آخر، فهي حرب عصابات يشنُّها مقاتل، أو مجموعة من المقاتلين، على مواقع تواجد العدو الثابتة أو المتنقلة، ويستعمل فيها مختلف أنواع الأسلحة، ابتداءً من المسدس حتى الأسلحة الصاروخية. وتتمثَّل عمليات المقاومة في الجنوب اللبناني بخمسة أنواع:
1) العمليات الموجهة ضد مراكز أو تجمعات العدو، بشرية أو آلية.
2) العمليات الموجهة ضد أهداف متحركة للعدو كالدوريات والقوافل العسكرية أو ضد أفراده.
3) الاشتباكات التي تأخذ أكثر فأكثر شكل حرب العصابات، حيث لا يكتفي المهاجمون بتفجير عبوة ناسفة، أو إلقاء القنبلة الأولى، بل يشتبكون في مواجهة مباشرة مع العدو.
4) عمليات تستهدف العدو في الأرض الفلسطينية المحتلة، لنقل المعركة إلى أرض العدو.
5) عمليات الموجهة ضد مخابرات الاحتلال والمتعاملين معه، والذين يمثِّلون عيونه التي يتحرَّك من خلالها.
والمقاومة الوطنية اللبنانية هي حصيلة مراحل نضالية مرَّت بها جماهيرنا في الجنوب عبر محطات من النضال القومي والوطني الاجتماعي، بحيث شكَّلت هذه الحصيلة، وعِبر هذه المراحل أصلب ظاهرة في الصراع الشعبي المسلح والمنظم ضد العدو الصهيوني المحتل لأرضنا في الجنوب والبقاع الغربي وراشيا.
أما بالنسبة إلى قوى المقاومة، فتنطلق من جملة مبادئ هي:
أولاً: إن كل القوى القومية والوطنية والإسلامية، التي يحتضنها شعبنا في الأراضي المحتلة، تقوم بدورها، وكلٌ في إطار إمكانياته التي يوظفها في مواجهة العدو. ولا مجال هنا لوضع خرائط تفصيلية لحجم هذه القوى، إذ لا يجوز توزيع الأدوار والأحجام عِبْرَ المنابر ووسائل الإعلام.
ثانياً: هناك تنسيق موضعي بين الأطراف العاملة ميدانياً؛ ونتطلَّع إلى أن يصبح مستوى التنسيق بينها إطاراً جبهوياً يمكِّننا جميعاً من زيادة الفعالية على الأرض، ويوفِّر إمكانيات أفضل لعملية الصمود في مواجهة العدو.
ثالثاً: نتطلع لأن ينصبَّ جهد جميع الفرقاء اللبنانيين في عملية التحرير، والمساهمة الميدانية الفعلية في تحرير الأرض، ومنع العدو من تحقيق أهدافه.
 ما هي أهداف المقاومة وتأثيرها على قوات الاحتلال في الجنوب؟
-أبو طارق: إن هدفنا الأول هو وحدة الوطن، ولا يمكن للوحدة أن تتحقق إلا إذا انطلقنا من تحرير أرضنا من الاحتلال، وذلك بدون تقديم أي تنازل أو أي مكسب للعدو، ولو أدَّى ذلك لأن نبقى نقاتل إلى الأبد. وقد كانت النتائج-حتى الآن-على الشكل التالي: سقط الوهم الذي يقول بأن الجندي الصهيوني لا يُقْهَر. وهذا ليس ادِّعاءً، لأن ما يحصل في الجنوب من مواجهة مع جنود العدو وآلياته المتطورة، ومن خسائر في صفوف قواته، يؤكِّد صحة هذا الاعتقاد. ومن أراد التأكُّد، فليراقب حركة العدو الهستيرية على الأرض، وكيف تتحرك دورياته وتشكيلاته ومخابراته وعملاؤه.
إن المواجهة العسكرية والشعبية ضد العدو في الجنوب جعلت عدداً كبيراً من الجنود الصهاينة يطالبون قياداتهم العسكرية والسياسية بالخروج من لبنان.
إن المواجهة في الأراضي المحتلة، وخسائر العدو عبر كمائن المقاتلين هناك، فرضت على الكيان الصهيوني عبئاً اقتصادياً نازفاً، لأن أعباء الكر والفر والتحركات المتواصلة لتشكيلات ودوريات ومخابرات العدو تتطلَّب إمكانيات كبيرة ليوظفها في حرب استنزاف طويلة؛ وهذا ما لا يستطيعه كيانٌ مُصطَنَع ومريض اقتصادياً.
إن ما يحصل في الجنوب خلق نوعاً من المخاوف الفعلية على الصعيد الشعبي في داخل الكيان الصهيوني، وكانت تعبيرات تلك المخاوف تبرز في مظاهر المطالبة الواسعة بالخروج من لبنان، و سقوط الادِّعاء بأن غزو لبنان كان هدفه سلامة الجليل كما ادَّعت قيادة العدو. و قد فشل حيث لم يستطع تأمين الحماية لجنوده.
وقد حصل نزاع سياسي حاد بين القوى الصهيونية، والتي تلتقي من حيث الأهداف الرئيسة والأساسية؛ ومردُّ هذا النزاع يعود إلى فعل المقاومة في الأراضي اللبنانية المحتلة، وبفعل صمود أهلنا هناك. وتقديرنا أن العدو قد يتقوقع في داخل الإطار النظري لأهدافه الاستراتيجية في بناء دولته من الفرات إلى النيل، لأن المقاومة قد أبطلت أطماعه في التوسِّع والاحتلال بعد أن أصبح أسيراً في الأراضي التي احتلها.
 السياسـة: ما هي الأهداف السياسية للمقاومة؟
-أبو طــارق: هناك هدفان متلازمان: التحرير والتوحيد.
إن لبنان يتعرَّض منذ سنوات لمؤامرة صهيونية أمريكية بغية تفتيته إلى دويلات طائفية ومذهبية تُسَهِّل، من خلالها، تحقيق أهدافه من احتلال الأرض اللبنانية، ولضرب القضية القومية عبر اختراق الساحة اللبنانية في ضم الأرض والتطبيع والتفتيت، ومنع عوامل التطور في الوطن العربي. وقد انطلقت هذه المؤامرة من ثلاثة عوامل، وهي:
1) أطماع العدو التاريخية في التوسع لبناء دولته الموهومة، وأطماع الإمبريالية الأمريكية في السيطرة على المنطقة العربية.
2) ضعف البُنيَة اللبنانية التي سمحت للمؤامرة في العبور.
3) الوضع العربي المريض والمُجزَّأ القوى والإمكانيات.
وكما تعلمون كانت النتيجة احتلال العدو لقسم كبير من الأراضي اللبنانية حيث ظنَّ أنه أصبح أكثر قدرة على تحقيق أهدافه من خلال الضياع القومي والوطني في المراحل الأولى للاحتلال، وبسبب مراهنة بعض القوى اللبنانية على العدو. وإذا تحقق، بعد فترة وجيزة من الاحتلال، نهوضاً وإفشالاً لمخططاته وأهدافه، فإنهما حصلا بفعل المقاومة المسلحة، وصمود شعبنا في الجنوب بعيداً عن الصراع الطائفي والمذهبي الخطير، الذي حصل على الساحة اللبنانية.
وما حصل من مواجهات شعبية وطنية ضد الاحتلال في الجنوب يؤكد بأن خلاص لبنان من الاحتلال والتمزق هو تلازم التحرير والتوحيد، كطريق وحيد للخلاص؛ ومفتاحه هو وحدة النضال الوطني ضد العدو الصهيوني قولاً وفعلاً.
 السياسة: لوُحِظ أن المقاومة هي أول ظاهرة شعبية يشهدها الصراع العربي مع العدو، فكيف استطعتم تحقيق ذلك؟
-أبو طــارق: هناك أسباب تجعل المقاومة ظاهرة مميَّزة في عملية الصراع العربي مع العدو الصهيوني، ومن هذه الأسباب وأهمها:
أولاً: يحتضن الجنوب شعباً أصيلاً في انتمائه القومي، وقد خَبِرَتْه وصقلته مراحل الصراع التاريخي الوطني والقومي. فالجنوب أول من احتضن وتفاعل مع ظاهرة الكفاح الشعبي المسلح ضد العدو الصهيوني؛ وتعامل مع القضية الفلسطينية كأنها قضيته. وكلنا يعرف كم دفع أهلنا في الجنوب نتيجة لهذا الاحتضان. ففي بداية السبعينات تشكَّلت المجموعات المسلحة من أهالي القرى الحدودية لكي تدافع عن الأرض والقضية. ونتذكر، هنا، كفركلا والطيبة بشكل خاص حيث سقط للحزب شهداء فيهما في المواجهة البطولية مع العدو الصهيوني. ونتذكر، كذلك، عدداً كبيراً من قرى الجنوب، التي دفعت الثمن القومي والوطني من أرواح أبنائها وممتلكاتها، وكان آخرها بعد الاحتلال في حزيران 1982، والذي كانت حصيلته، في مراحله الأولى، كما يلي:
-إستشهاد /19085/شخصاً، منهم /7571/ شهيداً في الجنوب، و/6775/ شهيداً في بيروت، و/4729/ شهيداً في مناطق أخرى، إضافة إلى/30302/ جريحاً. ولن ندخل في تفاصيل الخسائر الأخرى، والتي يمكن معرفتها بسهولة من الإحصائيات الموجودة في مصادر مختلفة.
ثانياً: إن أهداف العدو وأطماعه في الجنوب، وممارساته الفاشية ضد الأهالي أدَّت إلى تنامي حوافز المواجهة المسلحة عند أهلنا في الجنوب، التي تمظهرت باحتضان المقاومة الوطنية، هذا الاحتضان الذي أسَّس لمقومات النهوض في عملية الكفاح الشعبي المسلح في الأراضي اللبنانية المحتلة.
إن مواجهة العدو في الجنوب تشكل حرب استنزاف فعلية لقواه، وهذا النوع من الاستنزاف لم يحصل في مراحل الصراع العربي مع الصهاينة.
من هنا فإن أصالة الشعور القومي والوطني وصدق الوعي الشعبي، والمعاناة الطويلة لشعب الجنوب من اعتداءات الصهاينة منذ العام 1948، والتجربة الميدانية التي خاضها من خلال الكفاح الشعبي المسلح، ومن توفُّر السلاح والتدريب، والشعور بالقهر والإذلال من جراء لؤم العدو وعنجهيته وادِّعائه أنه شعب الله المختار، والخوف من أطماعه التاريخية في الأرض، كل هذه الأسباب شكَّلت الجواب الحقيقي والمنطقي في ظهور المقاومة الوطنية اللبنانية، التي هي الآن ثورة شعبية تلتفُّ حولها سواعد الأطفال مع سواعد النساء والكهول والشباب، وتلتقي فيها صيحة الغاضب وقبضة الناقم مع السواعد التي تحمل البندقية والقنبلة والمسدس في وجه العدو.
 السياسة: ما هو حجم الخسائر في صفوف العدو، وما هي توقعاتكم المقبلة، عسكرياً وسياسيا؟
-أبو طــارق: لقد بلغت خسائر العدو، منذ بداية الاحتلال: من العام 1982 حتى أواخر كانون الأول 1984، /700/ قتيلاً اعترف العدو ب/605/ قتلى، و/3500/ جريحاً حسب اعترافه، ومنهم عدداً من المعاقين، وأُصيب عدد آخر بصدمة عصبية دائمة.
وهناك خسائر كبيرة في الآليات والمعدات، بحيث أصبحت المواجهة المتصاعدة ضد العدو تشكل نزفاً يومياً، بشرياً و اقتصادياً ومعدات عسكرية. و قد بلغ مجموع العمليات ضد العدو وعملائه، و التي نفَّذها مقاتلو كل القوى المتواجدة ميدانياً في الأراضي اللبنانية المحتلة، حتى أواخر كانون الأول من العام 1984، /1126/ عملية، منها /279/ عملية نفَّذها مناضلو (جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية-قوات التحرير). أما توقعاتنا، فتؤكد أن المواجهة الشعبية المسلحة ضد العدو وعملائه ستشتدُّ، وسوف نعمل، مع كل القوى التي تواجه العدو، على تطوير عملنا العسكري، كماً ونوعاً. ونتوقَّع بأن يقوم العدو بمزيد من ممارساته الفاشية، من اعتقالات واغتيالات وتهجير وتعذيب لمقاتلينا ولأهلنا ومدننا وقرانا في الأراضي المحتلة.
واستناداً لما هو حاصل، فإن كل هذه الأساليب لن تنفع العدو. و إنه بقدر ما يبقى في أرضنا ويمارس فاشيته بقدر ما ترتفع استعداداتنا لمواجهته.
3/2/1985
***
الملحق الرقم (15)
مشيداً بتصاعد المواجهة ومن أجل وضع حد لحالة التطييف ولملء الفراغ السياسي
الرافعي يدعو إلى صياغة مشروع وطني متكامل والى ميثاق سياسي لجبهة المقاومة الوطنية
طليعة لبنان الواحد العدد التاسع أوائل شهر شباط 1985
قال أمين سر القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان، النائب الدكتور عبد المجيد الرافعي، أن ما قامت به المقاومة الوطنية خلال الأيام الأخيرة هو الرد الطبيعي على محاولات العدو، وتطل المعركة إلى الداخل عبر التفجيرات والحرب الاقتصادية. وأكد على أن إجراءات العدو القمعية وتعرضه للمؤسسات الإنسانية لن يزيد جماهيرنا إلا إصراراً على مواجهته حتى تحرير كامل التراب الوطني. كما دعا إلى صياغة مشروع وطني متكامل لوضع حد لحالة التطيف السائدة والى بلورة ميثاق سياسي لجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، جاء ذلك في تصريح للدكتور الرافعي هذا نصه:
مرة أخرى يطل لبنان على أمته العربية وعلى العالم من بوابته الجنوبية، بوابة المواجهة المفتوحة مع العدو الصهيوني. ومرة أخرى يسطر المناضلون من أبناء شعبنا واحدة من الملاحم البطولية التي أفقدت العدو صوابه وأوقعت في صفوفه عشرات القتلى والجرحى. وان إقدامه على محاصرة القرى الصامدة وقصف مؤسسة تربوية وإنسانية واقتحام حرمها وإطلاق النار على تلامذتها واعتقال المئات من الجماهير الصامدة الصابرة ليست سوى أدلة واضحة على حجم الصفعة التي تلقاها من المقاومين الأبطال. وأن هذه الجريمة البربرية التي ارتكبها بحق مؤسسة جبل عامل بقدر ما هي دليل مضاف على طبيعته العدوانية والعنصرية، فإنها وصمة عار على جبين الرأي العام العالمي الذي لا يحرك ساكناً أمام ما ترتكبه "إسرائيل" من مجازر وما تقوم به من أعمال تعسفية قمعية.
إن العدو الصهيوني الذي ظن أن التفجيرات الداخلية والجوالة والتي شملت الجنوب وبيروت والجبل وطرابلس، وكذلك تبشيره المستمر بمجازر ستقع لحظة انكفاء قواتها ستجهض عمل المقاومة الوطنية، جاء الرد عليه من المواقع التي ظن أنها أكثر أماناً له بعد إعادة انتشار قواته. وهذا الرد البطولي، هو السياق الطبيعي لرفع وتيرة المواجهة وهو الإصرار الوطني على حصر المعركة الأساسية مع العدو المحتل والمتعاملين معه. وهو دليل على أن الوعي الشعبي يدرك جيداً ما يخطط له العدو، وان هذا الوعي المقترن بالممارسة الوطنية هو الذي حول الجنوب إلى كتلة شعبية متماسكة لم يستطع العدو اختراقها، كما أنه سيكون العامل الذي بفضله ستنسج أفضل العلاقات النضالية بين الجماهير اللبنانية والفلسطينية في مواجهة عدو قومي ومصيري للبنان وفلسطين وكل أقطار الوطني العربي. وإن هذا التحالف المستند إلى عمقه القومي سيبقى البوصلة التي ترشد مسيرة المناضلين لتحرير لبنان وفلسطين وكل الأراضي العربية المحتلة.
إننا إذ نقف بإجلال وإكبار أمام أرواح الشهداء الذين سقطوا وهم يدافعون عن كرامة شعبهم وأرضهم، ونكبر روح الصمود البطولي في جماهيرنا في الأراضي المحتلة، نؤكد على وجوب أن يرتقي الموقف الوطني اللبناني إلى مستوى التضحيات التي يقدمها أبناء شعبنا في مقاومة الاحتلال، وأن يرتقي الموقف العربي إلى مستوى الإدراك الحقيقي لحجم الفعل النضالي الذي تؤديه مقاومتنا الوطنية ضد عدو قومي للأمة العربية.
فمعركة التحرير الوطني التي نخوضها، باتت تفرض صياغة مشروع وطني متكامل، يقوم على أساس حشد القوى المناهضة للاحتلال، ووضع ميثاق سياسي لجبهة المقاومة الوطنية، بهدف تطوير إمكاناتها وجعلها محور الاستقطاب السياسي للنضال الوطني المتوجه نحو التحرير وإعادة توحيد لبنان وفق الأسس الوطنية والديمقراطية.
إن هكذا مشروع هو الذي يضع حداً لحالة التطيف السائدة، وهو القادر على ملء الفراغ السياسي الحاصل في ساحة العمل الوطني، وهو الذي يفرض على لبنان الرسمي سلوكاً أكثر مصداقية تجاه المقاومة الوطنية وصولاً إلى اعتبارها الشرعية الوطنية اللبنانية بالمفهوم الوطني الشامل.
فالمعركة مع العدو لازالت في بدايتها وانكفاء العدو إلى مواقع جيدة لا يعني مشروعه قد هزم كلياً، بل هو سيعمد إلى وسائل أخرى وأساليب جديدة عله يستطيع تحقيق ما عجز عن تحقيقه حتى الآن. وان المعركة الشاملة التي يشنها شعبنا تفرض أن يكون ردنا شمولياً، بالاستناد إلى ثلاثة مرتكزات: أولاً، تصعيد في العمليات العسكرية. ثانياً: تماسك سياسي وشعبي في الجنوب وفي عمق الداخل اللبناني. ثالثاً: توظيف هذا الرصيد السياسي الوطني الناتج عن فعل المقاومة لتعديل موقع لبنان في خارطة التأثير السياسي عربياً وعالمياً.
إن هذه مهمة ملحة، لاننا بذلك نضع العدو أمام الاستحقاقات التي يفرضها عليه تصاعد المقاومة، بدلاً من وضعنا أمام استحقاقات يحاول من خلالها الإطاحة بكل إنجازاتنا الوطنية.
بيروت في 8/2/1985
***
الملحق الرقم (16)
بيان صادر عن «جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية-قوات التحرير» بمناسبة الانسحاب الصهيوني من صيدا وجوارها، بتاريخ 16/2/1985
جريـدة اللواء: المقاومة الوطنية:18 شباط، مرحلة أولى في مسيرة النضال الطويلة.
الثامن عشر من شباط فجر جديد في تاريخ نضالنا الوطني والقومي. عصر اندحار العدو أمام ضربات أبطال المقاومة الوطنية اللبنانية، وأمام قبضات أمهاتنا وأطفالنا وشيوخنا.
الثامن عشر من شباط، مناسبة البسمة التي أشرقت على ثغور أهلنا، وعلامة النصر والإنجاز التاريخي، الذي سطَّرته سواعد الأبطال المجهولين المزروعين في كل قرية وكل وادٍ، ووراء كل شجرة في أرضنا المحتلة.
في هذا الظرف بالذات، تواجه المقاومة الوطنية اللبنانية مسؤوليات جسام، أقلُّها فرض الاندحار الصهيوني عن جزءٍ من أرضنا. أما أهم المسؤوليات فهي فرض اندحاره عن كل ترابنا الوطني.
إن جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية-قوات التحرير، وهي تتوجَّه إلى الأهل والمقاتلين الأبطال بتحية إكبار وإجلال لصمودهم ونضالهم، بد من أن تضع أمام كل الحريصين على تحرير الأرض الحقائق التالية:
1) إن الثامن عشر من شباط هو مرحلة أولى في مسيرة النضال الطويلة، ولا بُدَّ من متابعة المسيرة حتى تحرير كامل الأرض بأداء عالٍ من التضحية ونكران الذات الفئوية، التي لا تُقاس بأهمية كسب الذات الوطنية، التي أهم وأسمى.
2) إن تحرير مدينة صيدا وجوارها، هي محك أساسي للمصداقية الوطنية والثورية، التي تعتمد على المدى الذي نستطيع فيه إحباط مكر العدو، وذلك بالمحافظة على وحدة الشعب، بكل انتماءاته السياسية والدينية.
3) أن يترافق النضال لتحرير الأرض مع النضال للمحافظة عليها، و الذي يستدعي النضال في سبيل مصلحة الشعب، الذي صمد وقاتل بالأظافر، وبمواجهة أدوات القمع الصهيونية، إذ أن تحرير الأرض لن يستقيم بدون الحرية للشعب الذي قاتل وصمد. فحرية أهلنل حق لهم على كل الحريصين على المصلحة الوطنية، وهي أمانة لن يغفر التاريخ لمن يتلاعب فيها.
4) إن المقاومة الوطنية اللبنانية، التي استنزفت العدو مادياً وسياسياً ونفسياً، بمواجهة مباشرة، هي مدعوَّة اليوم، أكثر من أي وقت آخر، لممارسة الكفاح الشعبي المسلح بأسلوب المواجهة المباشرة في أماكن احتلاله، وكذلك تعطيل أساليب حرب المواقع.
5) إن أسلوب السرية في عمل المقاومة الوطنية اللبنانية، قد استطاع تأمين أداء عالٍ في كفاحها ضد العدو على الرغم من الوسائل المتقدمة لمخابراته. لذلك فعلى عاتق المقاومة تقع محاربة العلنية والاستعراضية، خشية من أن نعطي العدو ما فُشِلَت أجهزة مخابراته من تحقيقه.
6) إن العدو أعمى، لا يستطيع أن يتلمَّس طريقه للا تلك العيون، التي استطاع أن يكسبها نتيجة ضعفها وخيانتها للقضية الوطنية. لذا تستدعي مهمة المقاومة أن تفقأ هذه العيون العميلة. وإن تحذير العملاء من أنهم سوف يلاقون المصير نفسه الذي لقيه العدو، فهم مدعوون-في الوقت ذاته، إلى مراجعة الذات قبل فوات الأوان.
7) إن دعم صمود أهلنا في الأراضي تحت الاحتلال، واجب على كل قوى التحرر في العالم، كما هو واجب قومي ووطني. ومن هنا تُعتَبَر الدولة اللبنانية مدعُوَّةً للقيام بهذا الواجب بكل الوسائل والسُبُل.
إن جبهة المقاومة اللبنانية-قوات التحرير، وهي تُعلِن عن إحدى عملياتها الرقم /298/ مايتان وتسعون، التي نفذَّها مقاتلوها في العاشر من شباط من العام 1985 قرب بلدة القليلة في قضاء صور، والتي اعترف العدو بمقتل أحد جنوده وهو برتبة رقيب، نعاهد أهلنا في الجنوب وراشيا والبقاع الغربي على متابعة الكفاح الشعبي المسلح ضد العدو الصهيوني حتى تحرير آخر شبر من أرضنا المحتلة.
16/2/1985
***
الملحق الرقم (17)
الافتتاحية: معركة تحرير الجنوب: المحاذير ... وسائل الانتصار
طليعة لبنان الواحد منتصف شباط 1985
رغم بعض المظاهر السلبية التي رافقت المرحلة الأولى من الانسحاب الصهيوني، والتي شملت مدينة صيدا وجوارها، إلا أنه لا بد من الوقوف عند الكثير من المظاهر الإيجابية التي رافقت وتلت هذا الانسحاب، وأبرزها وحدة الموقف الجنوبي، وبالتالي اللبناني من قضية الاحتلال الصهيوني، ومن ثم بروز موقف شعبي داعم للمقاومة الوطنية اللبنانية، وبالتالي موقف رسمي – ولو كلامي – عبر عنه أركان الدولة في أثناء زيارتهم للمدينة في اليوم التالي لتحريرها. وكذلك ملاحظة تلهف جماهيري عفوي لقوى الشعرية، وتوق في أن تكون هذه القوى ظهير داعم للمقاومة الوطنية، ومشارك فعال في استكمال معركة التحرير.
وإذا كانت هذه المظاهر، تشكل في التحليل النهائي مداخل لا بد منها، لاستكمال معركة التحرير بنجاح، إلا أنها لا تشكل كل العوامل الكفيلة بالإمساك بكل عناصر القوة اللازمة لمعارك المواجهة اللازمة والناجحة التي تضمن انسحاباً كاملاً، وتحريراً ناجزاً لا ينتقص من السيادة والأرض، أو تفادي مخاطر مؤامرات ومخططات صهيونية لا بد أن تبرز في سياق المعركة للتأثير على زخمها وفاعليتها ونتائجها، خاصة اننا لم نستكمل بعد كل أسباب المنعة والحصانة والعدو من جهته لا يزال قادراً على النفاذ عبر أكثر من باب جنوبي أو غير جنوبي لتحقيق تهديداته التي طالما لوح بها من أجل إجهاض الثورة الشعبية المسلحة في الجنوب من جهة ومن أجل إطالة أمد احتلالها بشكل أو بآخر من جهة أخرى.
اننا نلاحظ بوادر الخطة الصهيونية بعد المرحلة الأولى من الانسحاب جلية وواضحة من خلال بعض التدابير التي بدأت قوات الاحتلال باتخاذها ضد أهلنا في الجنوب، في إطار اصطلح قادة تل أبيب على تسميته "بالقبضة الحديدية" التي تستهدف كسر شوكة المقاومة المسلحة، وتفريغ الجنوب من أهله، وذلك من خلال:
أولاً: هجمات عسكرية ضد القرى التي تشكل عصب المقاومة، ومواقع إرهاق واستنزاف لقوات الاحتلال.
ثانياً: تكثيف عمليات الدهم والاعتقال والتنكيل "لتنظيف" القرى الجنوبية من كل القادرين على حمل السلاح ولمقاومة.
ثالثاً: اللجوء إلى عمليات التهجير والأبعاد القسري لأعداد كبيرة من العائلات من مختلف المناطق الجنوبية المحتلة، وإسكان عائلات أخرى مكانها، عميلة لقوات الاحتلال سبق أن فرت من المناطق التي تم تحريرها.
رابعاً: تدمير ونسف منال من يشتبه بانتمائه أو تأييده للمقاومة، من أجل خلق حالة عامة من الذعر والخوف لدى الجنوبيين، وبالتالي تطويعهم للمشيئة الإسرائيلية.
خامساً: استمرار الرهان الصهيوني على قوى محلية، يمكن أن تستخدمها قوات الاحتلال، أما كستار لوجودها العسكري، وأما كأدوات قمع وإرهاب ضد القرى الجنوبية، وفي الحالين فإن هذه القوى تبقى أحد عناصر التفجير الطائفية التي تلوح بها "إسرائيل".
في مواجهة كل ذلك، ومن أجل قطع الطريق على ما تقوم به "إسرائيل"، ولاستكمال مسيرة التحرير حتى نهايتها، وفق المنظور الوطني الصحيح، فإن حتمية المواجهة الصحيحة والناجحة تقتضي:
أولاً: اعتبار معركة تحرير الجنوب وراشيا والبقاع الغربي، معركة وطنية شاملة، تشارك فيها كل القوى والفئات والطوائف اللبنانية.
ثانياً: خروج بعض الأطراف اللبنانية دائرة وهم وحدانية تمثيلها للمقاومة الوطنية وأحقيتها في قطف انتصارات التحرير.
ثالثاً: خروج بعض الأطراف من دائرة وهم صياغة المقاومة على أسس طائفية أو مذهبية.
رابعاً: انخراط بعض الأطراف في المقاومة الوطنية بشكل فاعل، والتخلي عن أوهام الاعتماد على "إسرائيل" للحفاظ على الوجود والامتيازات تبريراً لمخاوفه ومحاذيره. وهي في كل حال أوهام سقطت في سياق ما شهدناه على يد قوات الاحتلال نفسها. ولم يبق بالتالي من سبيل أمام هذه الأطراف من أجل تأكيد وطنيتها وتطهير نفسها إلا الانصهار في أتون الصراع الوطني ضد قوات الاحتلال، وهذا الانصهار وحده كفيل ويب كل عوامل الخوف التي يتحدثون عنها.
خامساً: خروج الدولة رسمياً من دائرة التأييد الكلامي والشفهي للمقاومة الوطنية، وانخراطها العملي في معركة التحرير، بل قيادتها لهذه المعكرة، لأنها تؤكد بذلك حقاً لها على المستوى الوطني والقومي والدولي، وتكرس وجودها الشرعي بلا منازع ليس في الجنوب فقط، بل في كل لبنان.
سادساً: مواجهة الإجراءات الصهيونية، بالتعبئة العامة على كل المستويات، وبمزيد من التنظيم للمقاومة الوطنية، وتوفير كل أسباب ومقومات الصمود المادية والعسكرية والمعنوية لمختلف مدن وقرى الجنوب.
سابعاً: الضغط لتوفير تأييد ودعم عربي ودولي لمعركة تحرير الجنوب، مادياً ومعنوياً، باعتبار أن المعركة، هي جزء من معركة قومية تعني كل الدول العربية، وبالتالي فلا يمكن أن تتهرب من مسؤولياتها في هذا الصدد، تحت أي عدو أو مبرر. كما أن هذه المعركة هي في وجه آخر، تعني المجتمع الدولي كله باعتبار أن "إسرائيل" دولة محتلة، والاحتلال مخالف لكل القوانين الدولية، وخاصة قرارات مجلس الأمن المتتالية التي تدعوها للانسحاب إلى حدود لبنان الدولية. وبالتالي فإن المجتمع الدولي يتحمل مسؤولية أساسية إزاء بقاء الاحتلال الصهيوني وإزاء ما تمارسه إسرائيل من أعمال إرهاب وعنف.
تبقى الإشارة إلى أهمية تماسك الموقف الداخلي على المستويات الشعبية والرسمية في هذه المرحلة بالتحديد. لأنه لا يمكن خوض معركة ناجحة في الجنوب ضد قوات الاحتلال بموقف داخلي منقسم ومشرذم قد يؤدي في حال استفحاله وعدم إيجاد ضوابط له، أو قواسم مشتركة تزيله أو تحد منه إلى ضياع فرصة تاريخية وحقيقية، لإعادة توحيد الوطن بشكل فعلي، وفق ما أشرنا إليه سابقاً.
***
الملحق الرقم (18)
القيادة القطرية تؤكد على خيار التوحد السياسي والشعبي في مواجهة الاحتلال
طليعة لبنان الواحد العدد العاشر منتصف شباط 1985
وجهت القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكية في لبنان نداء إلى جماهير شعبنا في الأراضي المحتلة، على عتبة الانسحاب الصهيوني من صيدا ومحيطها، وقد أكدت على وجوب انتصار خيار التوحد السياسي والشعبي في مواجهة الاحتلال، واعتبار ما حصل لا يعدو كونه سوى خطوة على طريق التحرير الشامل. وفيما يلي نص النداء:
يا أبناء شعبنا في الجنوب، يا من سطرتم ملاحم البطولة واعدتم الاعتبار للكفاح الشعبي، وحصنتم القضية الوطنية من التشويهات، أن ساعات قليلة تفصلكم عن لحظة القطاف، لحظة تنشق نسيم الحرية.
ساعات قليلة تفصلكم عن اللحظة التي من أجلها سقط الشهداء وسال دم الأطفال والشيوخ والنساء التي من أجلها أبعد المناضلون عن الجنوب ومن أجلها لا يزال مئات المناضلين في معسكرات العدو.
ساعات قليلة تفصلكم عن اللحظة التي من أجلها صبرتم على المعاناة وتحملتم شظف العيش، وصابرتم على الحصار وكل إجراءات العدو القمعية والتعسفية.
ساعات قليلة وتمتزج زغاريد أمهات الشهداء بأناشيد الوطنية.
ساعات قليلة وتتداخل القبضات المرفوعة بشارات النصر في مسيرة التعبير الشعبي عن حلاوة الانتصار.
ساعات قليلة ويرفرف العلم الوطني فوق المؤسسات وعلى المفارق في كل زاروب وحي أنها لحظة تاريخية في مسيرة النضال الوطني، مسيرة تحرير البلاد وإعادة توحيدها.
والعدو الذي حطمتم غطرسته وفرضتم الانكفاء عليه لا يزال يبشر بحدوث فتن وحصول مجازر سواء بين اللبنانيين، أو بين اللبنانيين والفلسطينيين، وهذا مخطط قديم – جديد لديه. وان وعيكم المتقدم والتضامن الشعبي الرائع قد فوت الفرصة حتى الآن على العدو من تحقيق غاياته ومراميه. ولهذا فإن لحظة الانتصار على العدو بفرض الانسحاب عليه تبقى معرضة للإجهاض والجهوز عليها أن لم تستكمل بإبراز الوحدة الشعبية بأرقي تجلياتها. فعلى صخرة هذه الوحدة تتكسر كل خطط العدو ولأحداث أزمات أو تعميقها بين اللبنانيين أو بين اللبنانيين والفلسطينيين أو بين الفلسطينيين أنفسهم. فالمعركة لم تنته بعد مع العدو الصهيوني، وما تحقق حتى الآن لا يعدو كونه سوى خطوة نحو تحرير كامل التراب الوطني والإجهاز على كل إفرازات العدو الصهيوني وتأثيراته السياسية والأمنية والمهم أن يصبح هذا الإنجاز الوطني نقطة ارتكاز متقدمة لدفع الفعل الوطني المقاومة خطوات إلى الأمام، ومده بشحنات قوية على الصعد العسكرية والسياسية والشعبية وكي تتوفر لقاعدة الارتكاز هذه عناصر الثبات والثبوت، مطلوب من كافة القوى السياسية أن ترتقي في تعاملها مع الإنجاز الوطني الذي تحقق إلى مستوى الحالة النضالية التي ترجمت على أرض الجنوب فعلاً وطنياً غير فئوي في مواجهة الاحتلال والتي كانت المقاومة الوطنية اللبنانية التعبير السياسي عنه.
فالتهافت على تجيير المكاسب الفئوية لا يستقيم وطبيعة المعركة التي ما زالت في بداياتها. والاستكانة إلى تصوير ما حصل بأنه المطاف هو انزلاق نحو عملية تآكل ذاتية ستجهض كل النتائج الإيجابية والنضالية التي تأسست على الفعل الوطني المقاوم.
إنه بقدر ما هو مهم انتصار خيار التوحد الشعبي في مواجهة الاحتلال، فإنه مهم أيضاً انتصار خيار التوحد السياسي، لأن الذي تحقق لم يكن بفضل فعل فئوي وإنما هو نتيجة فعل وطني شامل شاركت فيه كل القوى المناهضة للاحتلال وكل القوى الحريصة على وحدة لبنان وحريته وعروبته وعلى قاعدة هذا الموقف السياسي يكون للجميع الفضل في تحقيق هذا الإنجاز الوطني الهام، دون إدعاء أو متاجرة أو مصادرة. ويكون للجميع موقعاً ودوراً في إعادة بناء لبنان الواحد الموحد الحر والمستقل. فما حصل حتى الآن ليست تركة يصار إلى اقتسامها بين الورثة، وإنما هو مولود ما يزال في بداية تفتح براعمه على الحياة وهو يحتاج إلى الاحتضان والرعاية والمساعدة.
فليرتفع الجميع إلى مستوى المسؤولية الوطنية، إلى مستوى التضحيات الجسام، مستوى الصبر والمعاناة التي عاشتها جماهيرنا وهي تقارع الاحتلال، ولنكن أوفياء لأرواح الشهداء الذين سقطوا وخضبوا أرض الجنوب بدمائهم الطاهرة، وليكن ذلك عضداً للمناضلين المعتقلين في سجون العدو ومعسكراته وحتى تستمر مسيرة التحرير، مسيرة صاعدة ومتوهجة حتى تحرير كل شبر من أرضنا.
بيروت في 16/2/1985.
***
الملحق الرقم (19)
الرافعي: ندعو إلى وقفة قومية لدعم المقاومة
طليعة لبنان الواحد العدد العاشر منتصف شباط 1985
طالب أمين سر القيادة القطرية لحزب البعث الاشتراكي في لبنان النائب الدكتور عبد المجيد الرافعي بوقفة قومية دعماً لجماهير الجنوب والمقاومة الوطنية، وقال أن الحرب الشاملة التي يشنها العدو تتطلب مواجهة قومية شاملة. وأكد أن ما يقوم به العدو الصهيوني في الجنوب لم يزد شيئاً جديداً على الطبيعة العنصرية والفاشية للصهيونية جاء ذلك في تصريح للدكتور الرافعي هذا نصه:
كل التحية لجماهير الجنوب الصامد، كل التحية لجماهير البقاع الغربي وراشيا، كل التحية لصيدا قلعة الصمود الوطني، كل التحية للمقاومين الأبطال، كل التحية للمناضلين في معسكرات العدو الصهيوني، كل التحية للذين أعادوا الاعتبار للكفاح الشعبي المسلح، وفرضوا الانكفاء على العدو الصهيوني، كل التحية للذين يصنعون ملاحم البطولة ويكتبون تاريخ أمتهم بأحرف من نور.
التحية لهم جميعها، لأنهم قدموا التضحيات الجسام، وصبروا وصابروا على المعاناة والألم، وتحملوا كل إجراءات العدو القمعية والإجرامية، وتشبثوا بأرضهم ورفضوا التخلي عنها، فكان أن انتصرت إرادة الصمود الوطني وتحررت صيدا وبعض آخر من الأراضي المحتلة، وتستمر المسيرة التحررية لطرد العدو المحتل وإعادة السيادة الوطنية إلى الربوع اللبنانية التي دنسها الاحتلال الصهيونية.
إن العدو الصهيوني الذي تلقى ويتلقى الضربة تلو الضربة من المقاومة الوطنية وفي ظل تماسك شعبي رائع، صعد من عدوانه ضد القرى والمدن في الجنوب والبقاع الغربي، في محولة يائسة منه للرد على تصاعد المقاومة ضده. وأن إقدام قوات الاحتلال على محاصرة قرى طير دبا والزرارية وعربصاليم والبازورية وكامد اللوز والقرعون، ومن ثم اقتحام هذه القرى بالدبابات وتدمير بيوتها وقتل أبنائها واعتقال المئات من أبناء الجنوب والبقاع الغربي الصامدين، هي جريمة جديدة تضاف إلى ملف الجرائم المتراكمة التي ارتكبتها الصهيونية ضد جماهير شعبنا في لبنان كما في فلسطين. وان هذه المجزرة التي تنفذها قوات الاحتلال اليوم هي الدليل القاطع على الطبيعة العنصرية الفاشية للكيان الصهيوني.
والعدو الذي وصف مجازره الأخيرة بأنها الحرب الشاملة، قد أعطى الوصف الحقيقي لطبيعة الصراع العربي الصهيوني والذي يتخذ حالياً من الساحة اللبنانية ساحة مواجهة مباشرة معه، فالحرب الشاملة في نظر العدو هي حرب إبادة تشن ضد المدنيين استكمالاً لمجازر دير ياسين وكفر قام ومعركة، والبرج الشمالي ومؤسسة جبل عامل وسحمر، وهو يستمر بها دون أن تلوح في الأفق بوادر تحرك عربي، لمواجهة هذه الحرب التي يعتمد بها العدو سياسة الأرض المحروقة. ولهذا فاننا أمام هذه الهجمة الجديدة على جماهيرنا في الجنوب والبقاع الغربي وراشيا، إنما نطالب العرب بوقفة قومية تكون بمستوى الحدث التاريخي الذي صنعته المقاومة الوطنية على أرض لبنان العربي. وأن هذه المقاومة التي لم تتأخر بالرد على عمليات العدو الانتقامية لها الحق بأن تطالب بموقف قومي يكون على مستوي التحدي التاريخي الذي يواجه أمتنا العربية عبر بوابة الجنوب اللبنانية وهذا ما يستوجب أولاً وقبل كل شيء الإقلاع عن الركوب ركب التسويات الاستسلامية ورفض كل القرارات التي تكرس الاعتراف بالعدو الصهيوني وخاصة القرار 242، والاستفادة من تجربة لبنان المقاوم كتجربة غنية وذات دلالات وأبعاد في مجرى الصراع العربي – الصهيوني والانطلاق في حرب شعبية على طول جبهة المواجهة مع الكيان الصهيوني.
اننا بقدر ما نؤكد على هذا الموقف القومي العربي الذي يستجيب وطموحات الجماهير العربية، فإن سكوت الرأي العام العالمي على جرائم العدو الصهيوني هي وصمة عار بحق البشرية جمعاء وأن أحداً لا يمكن أن يعفي نفسه من تحمل مسؤوليته في مواجهة هذه العنصرية الجديدة التي يمارسها الكيان الصهيوني ضد الجماهير العربية في لبنان كما في فلسطين وسائر الأراضي العربية المحتلة.
وإذا كان من دلالات لهذا الذي يحصل على أرض الجنوب من تصاعد لأعمال المقاومة وما تقوم به قوات الاحتلال من أعمال انتقامية فدلالاته الأساسية أن العدو الذي كان دائماً في موقع الفعل والعرب في موقع ردة الفعل، قد فرض عليه تبدلاً في المواقع. بحيث تحول في سياسته إلى موقع ردة الفعل وهذا ما يعتبر بداية لمرحلة جديدة في مسيرة النضال الوطني والقومي التحرري ضد العدو الصهيوني.
فلتتضافر الجهود الوطنية لحماية هذا التحول الإيجابي في معركة المواجهة المفتوحة مع العدو، ويبقى الحرص شديداً على وحدة القوى المناهضة للاحتلال، وليكن الحريصون على استمرار مسيرة التحرير بعيدين عن الفعل الاستعراضي ولتستمر المقاومة سرية في عملياتها واضحة في أهدافها السياسية، بعيدة عن حرب المواقع. وليكن الحرص على تحصين المناطق المحررة من الاختراقات المعادية للنضال الوطني هدفاً أساسياً للقوى المنخرطة في مواجهة الاحتلال ولتتوجه البنادق كل البنادق عبر مواقع المواجهة الجديدة حتى تستمر مسيرة التحرير مسيرة صاعدة ومتوهجة لتحقيق التحرير الناجز والكامل لكل الأراضي المحتلة.
***
الملحق الرقم (20)
صيدا رئة العافية الوطنية في معركة التحرير
طليعة لبنان الواحد العدد العاشر منتصف شباط 1985
تحت ضربات المقاومة الوطنية اللبنانية الباسلة والتفاف جماهيرنا حولها، اضطر أخيراً العدو الصهيوني لأن يسحب قواته ويجلو عن مدينة صيدا المناضلة ومحيطها، يجر أذيال الهزيمة التي لحقت به، ويعد ببدء المرحلة القادمة من الانسحابات في مدى زمني قريب، للتخفيف من حجم العمليات العسكرية التي تستهدف قواته أينما وأنى كانت، غير قادرة كثافة نيرانه وعسف أنظمته على حمايتها، ولتحكم هذه العمليات مزيداً من قبضة الحصار المضروب حول القوات الغازية، مع خلق المزيد من التصلب والالتفاف حول معركة التحرير.
هذه المعركة بالفقها الوطني وبمنحاها العربي، لكونها معادية للصهيونية الغازية، تتعدى إطارها المطروح كمعركة قطرية لها أهداف محددة، نحو الاتجاهات القومية لأن كل ما يلامس مرتبة العداء للصهيونية يجب أن ينظر إليه بهذا المنظر، فكيف الحال مع صراع مرير وحاد مع هذا العدو، صراع بلغ أرقى درجات العنف العسكري بالمقاومة والتصدي.
اننا إذ نتوقف عند هذه البديهية، ليس بشأن عودة الساحة اللبنانية إلى وضع يشبه الوضع الذي كان سائداً عشية الاجتياح الصهيوني، بقدر ما هي غايتنا التأكيد على حق كافة القوى المعادية للصهيونية الإسهام في معركة تحرير الوطن المتفجرة على الساحة اللبنانية وإلهابها، إسهاماً بدافع الواجب القومي على هذه القوى.
عشية تحرير مدنية صيدا، مدينة معروف سعد وحفيدته ناتاشا، من حقنا أن نتوقف عند هذا الكلام، خاصة وأن لمدينة الصيادين، صيادي البطولات، دور جديد في المعركة يختلف عن طبيعة الدور السابق.
حقيقة، لم ننساق مع اقلم في ذكر الماضي المشرق البعيد للمدينة، لن نتحدث عن صيدا معروف وصيدا الصيادين بالعناوين، دون أن يضيرها رشقها بقذائف العميل سعد حداد. ولن نتطرق في ماضيها الأقرب إلينا سوى بالعناوين تدليلاً على الصمود القومي، صيدا كعنوان بارز هو قيادتها للمقاومة الوطنية اللبنانية، وصيدا كعنوان بارز هي جراح المناضل مصطفى سعد وابنته ناتاشا، صيدا كعنوان بارز هي القبرصلي، وكل الشهداء الذين زرعوا الرعب في نفس العدو، وجعلوه يلملم نيرانه ويهرع بها بعيداً، باحثاً عن ملجأ آمن، ومن أين له الملجأ إلا من في أرض حيثما وطأت قدماه انزلق في وحلها وغرق، يشهد بدايات نهاياته بعدما وقع في الشرك الذي لا لم يكن يتوقعه.
صيدا المحررة، بتجربتها المقاومة تحت الاحتلال، خرجت طاهرة مطهرة من كل أوراق وعفن الحرب الأهلية اللبنانية، خرجت من دائرة صراع المذهبيات والطائفيات والقطريات بمفاهيم قومية ثابتة وأصيلة، لتسقط كل التوقعات والرهانات على دخولها حلبة الصراعات المتداولة في سوق القطع السياسي اللبناني والعربي فتسلط الضوء وتؤشر بالبنان على صراع واحد أحد لا سواه صراع هو الصراع مع العدو الصهيوني وعملائه في معركة التحرير.
حقيقة أن صيدا، خرجت من دائرة الاحتلال واضحة الأفق والمعالم، بمفاهيم وطنية وقومية ناضجة واضحة، أعطت لكل من الساحتين اللبنانية والعربية دروساً مهمة في معركة المواجهة الدائمة مع العدو الصهيوني. فعلى صعيد الساحة اللبنانية تبرز أهمية صيدا ضمن حلقات أو دوائر ثلاث:
أولاً: الدائرة الأولى تتمثل بمواصلة المدينة لقيادة مسيرة التحرير، بزخم أكبر واشمل وبفعالية وطنية راقية على مستوى العلاقات بين الأطراف الوطنية المعنية في مسألة الصراع، تجعلها تعم وتشمل الجميع بدون حساسيات فئوية أو مذهبية أو طائفية أو إقليمية، وباستقطابها لكافة هذه القوى، التي تجد في المدينة المناخ والظرف الملائم، بحكم تركيبة المدينة نفسها، ونضج معركتها وتفهمها للدور المطلوب، مما يسهم في النهاية بشكل جدلي في إعادة العلاقات الوطنية على قاعدة النضج ومستوى المسؤولية من المعركة وتحدياتها.
ثانياً: دائرة الأراضي المحتلة، إذ أن دور صيدا الأول بما أنجزته وما سينجز تالياً، سيجعل معركة التحرير وتزايد شراسة العمل العسكري المقاوم بفعل قوى وطنية جديدة أتيحت لها فرص الدخول في المعركة بشكل أكثر فاعلية وتأثيراً وبفعل إخراج قوى أخرى من دائرة ارتهان العدو.
ثالثاً: الدائرة اللبنانية: ذلك أن وهج تحرير صيدا، وطبيعة العلاقات السائدة بين القوى التي أسهمت في معركتها، من شأنه أن يشع باتجاه الشمال بدليل جذب الأنظار نحو المدينة من الجميع، وتسابقهم على قطف ثمرة التحرير ومشاركة المدينة في عرسها الوطني الزاهي.
إن هذه الدائرة من الخطورة بمكان، لأن عامل الفعل والتفاعل، مثلما سينقل لنا إيجابيات معركة المدينة من شأنه نقل سلبيات واقعنا المتردي بأوبئته وحثالاته لجرها إلى منحى التصارع اللبناني بعنفه على حساب التصارع الوطني القومي.
أما على صعيد الساحة العربية فتأثيرات الوضع المستجد، من شأنه إظهار مدى المقدرة الشعبية الكامنة في معركة التحرير، وقدرة حركة التحرر العربي على توظيفها وتثميرها في صراعنا مع العدو الصهيوني، هذا الصراع الذي لن ينتهي بتحرير القسم المحتل من أرضنا اللبنانية بل سيدوم ما دام العدو يحتل ارضاً عربية ويثبت وجوده السياسي والعسكري على أرض فلسطين على قاعدة الغزو والعدوان المستند لفكرة الصهيوني.
إن الحروب العربية الصهيونية، طوال الحقب التاريخية الماضية، كانت تستند على قاعدة الحرب بمفهومها التقليدي بعيداً عن دور شعبنا وقدراته النضالية، هذا الدور الذي تفجر غضباً وجحيماً بوجه العدو على ساحتنا اللبنانية، وجعل جنوده يفرحون بخروجهم سالمين من أرض الموت وخلاصهم من لبنان، بمستوى فحرنا بالتحرير، مثلما جعل العدو لأول مرة في تاريخ الصراع العربي الصهيوني، يجلو عن أرض وينسحب منها بفعل الثورة الملتهبة وقدرات شعبنا الكامنة ولتكون هذا الانسحاب الهزيمة بدايات نهايات العدو المحتومة.
الخطر المهدد لصيدا، الحاضرة الجنوبية والعربية ومعركتها التي ستقودها، هو الوباء الطائفي والمذهبي والقطري الزاحف نحوها، ليدنس طهرها ويعطل دورها وليمنع صيدا من أن تشكل الرئة السلمية التي نتنشق منها جميعاً هواء العافية الوطني.
***
الملحق الرقم (21)
في الذكرى الثامنة والثلاثين لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي
القيادة القطرية تدعو إلى مؤتمر وطني وتطرح ميثاقاً لجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية
في الذكرى الثامنة والثلاثين لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي، أصدرت القيادة القطرية بياناً نددت فيه بالتفجير الأخير في صيدا ومحيطها ودعت إلى عقد مؤتمر وطني للإنقاذ وطرحت ميثاقاً سياسياً وتنظيمياً لجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية وفي ما يلي نص البيان:
تحل الذكرى الثامنة والثلاثون لتأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي، والأمة العربية تمر بلحظات حاسمة في تاريخها المعاصر، لحظات تزداد فيها المخاطر المحدقة بالمصير القومي، بقدر ما تبرز فيها تجليات نضالية وفي أكثر من موقع عربي. بما يؤشر على انبعاث جديد لهذه الأمة وتجديد لشخصيتها وكشف عن مكامن القوة فيها، واستحضار الومضات المشرقة في تاريخها لتتواصل مع الإنجازات القومية التي تتحقق اليوم ميدانياً على أرض الواقع العربي.
تحل هذه الذكرى المجيدة، وملامح المستقبل ترسمها سواعد الأبطال في الجنوب المقاوم وعلى البوابة الشرقية للوطن العربي، ترسمها اتساع دائرة الرفض الشعبي في مصر لاتفاقيات كمب ديفيد وتنامي الانتفاضة الشعبية في السودان ضد نظام النميري.
تحل هذه الذكرى وثورة الحزب في العراق تصنع ملاحم التاريخ العربي الحديث، وتقف شامخة وهي تتصدى للعدوان الإيراني المستمر منذ خمس سنوات. وهي استطاعت أن تئد المشروع الإيراني التوسعي وتحصن المداخل الشرقية للوطن العربي من الاختراقات المعادية، وتجعل من بلاد الرافدين قلعة صلبة يستحيل اختراقها، وكتلة شعبية متماسكة وراء قيادتها التاريخية وعلى رأسها الرفيق القائد صدام حسين، وهي اليوم بإنجازاتها القومية تبشر ببزوغ فجر جديد للأمة العربية، وتجعل من العراق إحدى حلقات القوة في الوضع العربي ورغم كل أشكال التزوير والتزييف والتشويه.
تحل هذه الذكرى، والعدو الصهيوني على أبواب انسحاب صهيوني آخر من بعض الأراضي اللبنانية، بعدما استطاعت المقاومة الوطنية المستندة إلى احتضان شعبي رائع أن توقع بالعدو خسائر فادحة وتدفعه إلى موقع ردة الفعل وتزيد من عمق أزمته الاقتصادية والسياسية.
وإن "إسرائيل" التي فشلت في الحؤول دون تصاعد المقاومة ضدها عمدت إلى تطبيق سياسة الأرض المحروقة وهي تسعى جاهدة إلى تنفيذ ما بشرت به قبل انسحابها من صيدا ومحيطها، وفي محاولة مكشوفة لإثارة صراع دام في الجنوب للرد على المقاومة ولإحداث فرز سكاني وصولاً إلى تحقيق غايتها في دفع عملية التفتيت إلى مداياتها القصوى.
وإن إقدام القوى المرتبطة "بإسرائيل" في الجنوب من "القوات اللبنانية" إلى ما يسمى بالحرس الوطني وجيش لبنان الجنوب على افتعال الأحداث الأخيرة وتطويرها لتطال المخيمات لم يكن حدثاً منعزلاً عن تطورات حدثت في الداخل وزادت من تعقيدات الوضع السياسي وفي نفس الوقت الذي كانت فيه قوات الاحتلال تشن حرب إبادة منظمة ضد أهلنا في الجنوب والبقاع الغربي وراشيا.
وهذا ما يؤكد بأن قرار التفجير في صيدا ورسم خطوط تماس جديدة بين المناطق اللبنانية إضافة إلى ما هو موجود إنما هو قرار صهيوني ويتجاوز في مخاطره حدود الجنوب ليطال المصير الوطني برمته.
فعلى أرض الجنوب الذي اختصرت فيه القضية الوطنية ببعديها التحريري والتوحيدي وارتكز عليه ثقل الفعل الوطني المقاوم للاحتلال يريد العدوان ينفذ فيه مخططه الأصلي ضد لبنان.
"فإسرائيل" تعمل من أجل تفتيت الجنوب لتكرس تقسيم لبنان وتفتيته، وهي تشن هجومها الجديد وعبر الأدوات المرتبطة بها لتزيد من العوامل المربكة فصلاً عما هو موجود ومع استفحال الأزمة الاقتصادية واتخاذها بعداً اجتماعياً حاداً جعل البلاد تقف على حافة الانهيار الشامل.
إن القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان وهي ترى الخطورة القصوى التي وصل إليها تفاقم الأمور سياسياً وأمنياً واقتصادياً وخاصة بعد التفجير الذي قامت القوى المشبوهة والمرتبطة بالعدو، تؤكد بأن إنقاذ الجنوب من مغبة ما يخطط له يشكل مدخلاً للإنقاذ الوطني الشامل. وهذا ما يوجب بذل جهود استثنائية نوعية، جهود تهدف إلى قطع الطريق على دائر الفتنة الجديدة والارتقاء بالوضع الداخلي إلى مستوى المستلزمات الضرورية للحرب الوطنية التي يخوضها شعبنا ضد العدو الصهيوني، وان مسؤولية أساسية تقع على عاتق الدولة من أجل تأكيد حضورها ودورها الفعال وخاصة على الصعيد الأمني عدة وعدداً. كما أن القوى الوطنية وتلك الحريصة على وحدة لبنان وتعايش أبنائه في بوتقة المصير الوطني الواحدة مدعوة هي أيضاً للتصرف بوعي ومسؤولية حيال أبناء القرى والمدن التي يسعى العدو جاهداً لتهجيرهم وجعلهم وقوداً لنفاذ مشروعه. وهذا ما لا يوجب الفصل بين العملاء والقوى المشبوهة المرتبطة بالعدو وبين من تتخذ مناطقهم منطلقاً ومركزاً لممارسة العدوان ضد صيدا والمخيمات وحتى لا يؤخذ الأبرياء بجريرة الخونة.
إن القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان وهي تكبر روح الصمود والبطولة في أبناء شعبنا المقاوم وتقف بإجلال أمام أرواح الشهداء الذين سقطوا وهم يتصدون للعدو الصهيوني، تحيي المناضلين الخارجين من معسكرات الاعتقال والذين لا يزالون، وتؤكد بأن الهجمة الصهيونية الجديدة وبالنظر إلى خطورتها على مصير لبنان وحدة وانتماء باتت تفرض وبشكل سريع خطوات إنقاذية وفي سياق مشروع سياسي هجومي شامل ومعاكس. وان هذا المشروع الذي يجب أن يشكل نقطة التقاء لمواقف وجهود القوى الحريصة على وحدة لبنان وعروبته وحريته، نصابه ثلاثة مقومات أساسية:
أولاً: الإسراع في وضع حد للمجزرة الاقتصادية التي كالت تفاصيل حياة المواطنين وأثرت سلباً على مقومات صمودهم السياسي والاجتماعي.
ثانياً: عقد مؤتمر وطني للخروج بميثاق سياسي للبنان الجديد، لبنان الواحد الموحد المتفاعل مع محيطه القومي العربي وبما يمكن من إسقاط كافة الطروحات التقسيمية والطائفية والمذهبية وحد جميع الطاقات من أجل توظيفها في خدمة معركة تحرير لبنان وإعادة توحيده خاصة وأن الاستحقاقات القادمة من الجنوب لن تقتصر آثراها عليه وعلى المقاومة الوطنية أنا ما قيض لخطة "إسرائيل" ان تجد طريقها إلى التنفيذ.
ثالثاً: إن القيادة القطرية وهي تؤكد على أهمية ذلك، ترى بأن التصدي للهجمة الجديدة بقدر ما يستوجب الإسراع في تحقيق التماسك القوى للجبهة الداخلية، بقدر ما يستوجب وبدرجة أولى توحيد جهود القوى المنخرطة في مواجهة الاحتلال، لأجل حماية الإنجاز الوطني الذي تحقق بفرض الانكفاء على العدو الصهيوني ولتأسيس فعل سياسي متين يرتكز عليه النضال الوطني لإكمال مسيرته التحريرية والتوحيدية.
وعلى هذا الأساس، فإن الارتقاء بالوضع النضالي ضد العدو الصهيوني إلى مستوى أكثر فعالية أصبح يتطلب تجاوز بعض العوامل السلبية المحيطة بالمقاومة الوطنية، والانتقال بها من صيغة العمل القائمة حالياً إلى صيغة أكثر تنسيقاً وصولاً إلى الهمل الجبهوي الفعلي.
إن السبيل للوصول إلى هذا الهدف له شروط ومستلزمات، وأولى هذه الشروط والمستلزمات وحدة البرنامج السياسي للمقاومة الوطنية اللبنانية، وبدون هذه الوحدة في البرمجة السياسية، فإن التعبيرات الإفرادية ستبقى هي الغالبة، وستبقى المقاومة مادة للمتاجرة السياسية والكسب الفئوي، مع ما لذلك من تأثيرات سلبية على النضال الوطني الذي يتمحور حول هدفين أساسيين، تحرير البلاد من الاحتلال الصهيوني وإعادة توحيدها على الأسس الوطني الديمقراطية.
واستناداً إلى ذلك فإن بلورة ميثاق سياسي تنظيمي للمقاومة الوطنية، هو ضرورة ملحة وأن الأخذ به يسقط إشكالات كثيرة، ويزيد من الفعالية النضالية ويزيد من قدرة المقاومة على الاستقطاب السياسي والشعبي.
فالمعركة مع العدو لا تزال في بدايتها وانكفاء العدو لا يعني تراجعاً عن أهدافه الاستراتيجية، بل على العكس، سيعمد إلى مركزة شديدة في المناطق المحتلة وخاصة في ما يسمى بالشريط الحدودي، بحيث يتطلب الأمر تطوير المواجهة مع العدو عبر تحويل المقاومة في الأراضي المحتلة إلى مستوى القرار الوطني والقومي الشاملين.
لذلك فاننا ومن موقعنا في حركة النضال الوطني اللبناني وفي المقاومة الوطنية اللبنانية نرى أنه من واجبنا طرح صيغة جبهوية ترتقي بالواقع الراهن للمقاومة الوطنية إلى الطموح المرتجى منها والذي يستند على قاعدة فرض الانكفاء الاستراتيجي على أهداف العدو الصهيوني في الأرض اللبنانية ومنطلق أساسي يصب في تحقيق أهداف حركة الثورة العربية في صراعها مع تحالف الصهيونية وقوى الاستعمار العالمي.
إن القيادة القطرية وفي الذكرى المجيدة، ذكرى مرور ثمانية وثلاثين عاماً على تأسيس حزبنا، حزب البعث العربي الاشتراكي والإجابة على تساؤل مطروح حول آفاق العمل الجبهوي ضد قوات الاحتلال تطرح ميثاق جبهوياً لجبهة المقاومة الوطنية وقوام هذا المشروع ما يلي:
أولاً: الجبهة
تتكون جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية من كافة القوى المناهضة للاحتلال والتي تعتبر الكفاح الشعبي المسلح أسلوباً لتحقيق الأهداف الوطنية ولذلك فهي تشكل الإطار الجامع لكافة القوى المنخرطة عملياً في النضال ضد العدو الصهيوني.
ثانياً: هويتها
إن جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية هي حركة وطنية تحررية تكتسب هويتها من طبيعة الأهداف التي تناضل من أجلها والتي هي أهداف وطنية وقومية. فتحرير الأرض من الاحتلال وإعادة توحيدها هي أهداف وطنية ذات أبعاد قومية بالنظر إلى طبيعة الصراع القومي التي تخوضه أمتنا مع العدو الصهيونية أي كان التموضع المكاني لجبهة المواجهة المفتوحة معه.
ثالثاً: برنامجها السياسي
إن جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية التي تطرح تحرير البلاد من الاحتلال الصهيوني كمهمة مركزية لا تستقيم مهماتها في هذا المجال إذا لم يقترن ذلك بسعي دؤوب وفعال لدفع عملية التوحيد الداخلي خطوات إلى الأمام ونسج علاقات سياسية مع القوى الحليفة والصديقة في مواجهة تحالف الأعداء وأن البرنامج السياسي يرتكز على المبادئ الآتية:
1) النضال من أجل استكمال تحرير الأرض من الاحتلال.
2) النضال من أجل توحيد لبنان وفق الأسس الوطنية والديمقراطية وحماية عروبته من التشويهات والانعزال.
3) تحقيق الإصلاح السياسي وإسقاط كل أشكال الهيمنة وجعل الديمقراطية هي الناظم الأساسي للحياة السياسية اللبنانية وتحقيق حكم المشاركة الديمقراطية.
4) تثبيت سياسة دفاعية وطنية انسجاماً مع وجود لبنان على خطوط المواجهة مع العدو الصهيوني وإزالة كل أشكال التطييف عن المؤسسة العسكرية.
5) التأكيد على دور لبنان الإيجابي في قضايا النضال العربي وخاصة القضية الفلسطينية التي ستبقى قضية مركزية للأمة العربية.
6) تثبيت خيار عدم الانحياز كخيار أساسي للبنان في صياغة علاقاته الدولية.
7) اعتبار حركة المقاومة الوطنية اللبنانية، رافداً من روافد حركة النضال القومي العربي لأنها تخوض نضالاً ضد عدو قومي وتخوض معه صراعاً وجودياً.
8) اعتبار حركة المقاومة الوطنية اللبنانية رافداً من روافد حركة النضال التحرري العالمي في مواجهة الاستعمار الجديد والتي تشكل الإمبريالية الأميركية التعبير الصارخ عنه.
في الوسائل:
إن جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية هي حركة شمولية لجهة الأهداف التي تطرحها وان وسائلها وأساليبها النضالية تشمل كافة النواحي العسكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية. فهي معنية بتطوير أسلوب المواجهة العسكرية وزيادة أدائها كما ونوعاً كما هي معنية بوضع المهمة النضالية التي تخوضها في مواجهة العدو في مشروع متكامل الأبعاد الوطنية والقومية لارتباط التحرير بالتوحيد ومستقبل لبنان السياسي. وفضلاً عن ذلك فإن حركة المقاومة الوطنية مطلوب منها أن تؤكد على تعزيز الصمود الشعبي والمساهمة في تلقي النتائج التي تتولد على استمرار الاحتلال من إجراءات قمعية وتعسفية.
الهيكلية:
1) تشكل جبهة سياسية تضم ممثلي كافة القوى المناهضة للاحتلال وينبثق عنها قيادة علياً لجبهة المقاومة الوطنية وتكون مهمتها إدارة المعركة السياسي والإشراف على تنفيذ البرنامج السياسي، وحشد الإمكانات الشعبية وتنظيم إمكاناتها وتوظيفها في سياق برمجة متكاملة لتأمين الصمود الوطني لنضال المقاومة.
2) تحقق الأطراف المنخرطة في العمل العسكري وحدة في ما بينها وإذا اعترتها صعوبات مرحلية، الاتفاق على صيغة تنسيقية بين تلك الأطراف.
3) تعمل في إشراف القيادة السياسية العليا لجان اجتماعية وصحية ومالية وإعلامية وأمنية وحقوقية.
تستعين اللجان بالكفاءات الوطنية المتخصصة وعلى أساس العمل التطوعي.
تشكل في الجنوب لجان محلية ترتبط حسب مهماتها واختصاصها باللجان المركزية وتكون هذه الجان هي صلة الوصل بين الجماهير والقيادة السياسية ولجانها المختلفة.
بعد إنجاز الهيكلية، تضع القيادة السياسية برنامجاً تنفيذياً لعقد مؤتمرات شعبية لبنانية تشارك فيها الهيئات والفعاليات النقابية والاجتماعية وتنبثق عن هذه المؤتمرات لجان لدعم المقاومة الوطنية في كل المناطق اللبنانية.
يعلن الأسبوع الأول من حزيران من كل عام أسبوعاً للتضامن مع نضال جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، ويتم التحرك على الصعيد العربي لتشكل الجبهة العربية المساندة للنضال الوطني اللبناني ويتوجب على الدول العربية أن تساهم في تمويل الصندوق الوطني لدعم المقاومة وصمود سكان الأراضي المحتلة.
يتم التحرك دولياً باتجاه القوى الصديقة والمؤيدة للقضية الوطنية اللبنانية لعقد مؤتمرات وندوات تسلط الضوء على أبعاد الاحتلال الصهيوني وعلى طبيعة الممارسات الصهيونية القمعية والتعسفية.
السعي لدى الدول العربية والصديقة لفتح مكاتب لجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية لتسهيل عملية التفاعل والتواصل بين الجماهير العربية والصديقة والتعريف بالنضال الذي تخوضه القوى الوطنية والشعبية اللبنانية ضد الاحتلال الصهيوني.
إن القيادة السياسية العليا، وهي تتحرك وفق هذا البرنامج لا بد لها من أن تعمل لانتزاع الاعتراف الرسمي بالمقاومة الوطنية، باعتبارها الشرعية الوطنية التي تعبر عن إرادة الجماهير اللبنانية في توقها نحو تحقيق أهدافها الوطنية.
اننا إذ نطرح هذا البرنامج والميثاق السياسي، فانطلاقاً من مسؤوليتنا الوطنية والقومية التي تملي عليها تطوير حركة المقاومة الوطنية التي أعادت الاعتبار للكفاح الشعبي المسلح والتي تعتبر بحق إحدى حالات النهوض القومي المشرق في التاريخ العربي المعاصر، وان معركة تحرير لبنان ليس مهمة الجنوبيين ولا مهمة جماهيرنا في الأراضي المحتلة فقط، وإنما هي مهمة كل اللبنانيين وسائر العرب لأن الخطر الصهيوني لا يستهدف منطقة دون أخرى ولا طائفة دون أخرى ولا فئة سياسية دون أخرى، وإنما يستهدف الجميع، أنه يستهدف لبنان بدوره ووجوده.
إن المعركة التي تخاض على أرض الجنوب هي معركة وطنية ذات أبعاد قومية، وأن الأمة العربية غير معفية من تحمل مسؤولياتها في هذا المضمار، فالنصر في لبنان هو نصر وطني وقومي والهزيمة هي هزيمة وطنية وقومية، وان الأمانة التاريخية تستوجب احتضان هذه الظاهرة النضالية وتوفير مستلزمات صمودها واستمرارها وزيادة فاعليتها لتحقيق الأهداف التي انطلقت من أجلها.
القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان
بيروت في 6/4/1985
***

الملحق الرقم (22)
مشروع ميثاق تنظيمي-سياسي للمقاومة الوطنية اللبنانية
مُقَدَّم من حزب البعث العربي الاشتراكي.
مقــدمة:
إن الحركة الصهيونية المرتكزة على دعم استعماري غير محدود، ولم يكن قيام "إسرائيل" 1948 نهاية المطاف بالنسبة لمشروعها الأصلي، بل اعتبرت ذلك مرحلة لا بد من أن تعقبها مراحل أخرى وصولاً إلى تحقيق أهدافها النهائية. وانسجاماً مع ذلك، قامت بأعمال عدوانية متكرِّرَة ضد الأقطار العربية المجاورة لفلسطين المحتلة، وضد ما تعتبره خطراً أساسياً على وجودها. فكان عدوان 1956 و1967 واجتياح لبنان /1978، وقصف المفاعل النووي العراقي. وأخيراً، وليس آخراً، عدوانها على لبنان في الرابع من حزيران 1982. وهي في كل مرة كانت تعمل لتوظيف النتائج العسكرية المباشرة لتحقيق مكاسب سياسية تخدم أهدافها القائمة على احتلال المزيد من الأرض العربية، وتوسيع رقعة الاستيطان الصهيوني، ودفع الوضع العربي إلى المزيد من التقسيم والتفتيت عبر إثارة النزاعات الدينية والطائفية والمذهبية.
إذن، فإن«إسرائيل» قامت باجتياحها للبنان وفق مخطَّطٍ مُحَدَّد لمشروع سياسي محدد أيضاً. وإن هذا المشروع، كانت فرص نجاحه أكبر لو لم يُواجَه بجملة معيقات؛
أولها المواجهة التي حصلت في مواجهة قوات الغزو، والصمود البطولي للقوى التي تصدت للعدو، والخسائر الكبيرة التي لحقت بصفوفه، بالقياس إلى خسائره في الحروب السابقة مع بعض الدول العربية.
وثانيها، قدرة الجماهير اللبنانية على تجاوز الصدمة التي ولَّدها الاجتياح، وتحمُّلِها للعبء المترتب على الصمود الشعبي، والتضحيات التي بُذِلَت وخاصة في حصار بيروت.
وثالثها، انطلاقة العمل المقاوم للاحتلال، والذي تحوَّل من عمليات فردية إلى ظاهرة شعبية عبَّرت عن نفسها بالانتفاضة التي شهدتها المناطق المحتلة في وجه الاحتلال.
لقد انطلقت المقاومة الوطنية في ظروف غير متكافئة مع ظروف العدو، حيث كانت العوامل المساعدة لـ«إسرائيل» عوامل سلبية بالنسبة للمقاومة. ولم يحصل في لبنان كما يحصل مع شعوب أخرى عندما تعرضت أرضها للاحتلال ووجودها للخطر. فبدل أن يتوحَّد الشعب على قاعدة مواجهة المحتل، بقي الانقسام قائماً في صفوفه، بل أكثر من ذلك، فإن بعضاً من القوى السياسية راهن على الاستقواء بالعدو، وإن فرط عقد الحركة الوطنية اللبنانية أدَّى إلى فراغ سياسي في ساحة العمل الوطني، ولا يزال سائداً حتى هذه اللحظة.
لكن رغم كل هذه الظروف الصعبة، استطاعت المقاومة الوطنية أن تحقق حضوراً فعَّالاً في مواجهة العدو؛ وإن هذه المقاومة لم تقتصر على الجانب العسكري، بل شملت الجوانب السياسية والفعاليات الجماهيرية، وصمد أبناء المناطق المحتلة رغم كل إجراءت القمع والتعسف الصهيونيين، من الاغتيال والإبعاد وزج الآلاف من المناضلين في معسكرات الاعتقال. وقد أمَّنت الأجواء الشعبية أرضية صلبة لتحرك أبطال المقاومة الوطنية، كما شكَّلت حزاماً شعبياً و أمنياً استحال معه تحقيق اختراق صهيوني أساسي للحالة الشعبية الجنوبية.
لقد فرضت المقاومة، وعبر تصاعد عملياتها، على العدو إعادة النظر بتموضع قواته، وإعادة نشرها تلافياً لمزيد من الخسائر لديه. و إن الانسحاب الأخير، غنما يندرج في هذا السياق، علماً أن حصوله لا يعني تراجع "إسرائيل" عن أهدافها الاستراتيجية حيال لبنان، وإنما هو انكفاءٌ تكتيكي أملاه الوضع الضاغط عليها ونسبة الخسائر المرتفعة في صفوف جنودها.
إن الارتقاء بالوضع النضالي ضد العدو الصهيوني إلى مستوى أكثر فعالية يستوجب تجاوز العوامل السلبية المحيطة بالمقاومة الوطنية، والانتقال بها من صيغة العمل القائمة حالياً إلى صيغة أكثر تنسيقاً، وصولاً إلى العمل الجبهوي الفعلي. وإن السبيل للوصول إلى هذا الهدف له شروط ومستلزمات، وأولى هذه الشروط والمستلزمات وحدة البرنامج السياسي للمقاومة الوطنية اللبنانية، وبدون هذه الوحدة في البرمجة السياسية، فإن التعبيرات الإفرادية ستبقى هي الغالبة، وستبقى المقاومة مادة للمتاجرة السياسية والكسب الفئوي، مع ما لذلك من تأثيرات سلبية على النضال الوطني الذي يتمحور حول هدفين أساسيين: تحرير البلاد من الاحتلال الصهيوني، وإعادة توحيدها على الأسس الوطنية الديموقراطية.
واستناداً إلى ذلك فإن بلورة ميثاق سياسي تنظيمي للمقاومة، هو ضرورة ملحة. وإن الأخذ به يُسقِط إشكالات كثيرة، و يزيد من الفعالية النضالية، ويزيد من قدرة المقاومة على الاستقطاب السياسي والشعبي.
فالمعركة مع العدو لا تزال في بداياتها، وانكفاء العدو التكتيكي لا يعني تراجعاً عن أهدافه الاستراتيجية، بل على العكس، سيعمد إلى مركزة شديدة في المناطق المحتلة، بحيث يتطلب تطوير المواجهة مع العدو، عبر تحويل المقاومة في الأراضي المحتلة، إلى مستوى القرار الوطني والقومي الشاملين.
لذلك، فإن من موقعنا في حركة النضال الوطني اللبناني، وفي المقاومة الوطنية اللبنانية، نرى أنه من واجبنا طرح صيغة جبهوية ترتفع بالواقع الراهن للمقاومة الوطنية إلى الطموح المرتجى منها، والذي يستند إلى قاعدة فرض الانكفاء الاستراتيجي على أهداف العدو الصهيوني في الأرض اللبنانية؛ ومنطلق أساسي يصب في تحقيق أهداف حركة الثورة العربية في صراعها مع تحالف الصهيونية وقوى الاستعمار العالمي.

مشروع ميثاق جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية.
أولاً-تكوينهــا
تتكون جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية من كل القوى المناهضة للاحتلال، والتي تعتبر الكفاح الشعبي المسلح أسلوباً لتحقيق الأهداف؛ ولذلك فهي تشكل الإطار الجامع لكل القوى المنخرطة، عملياً، في النضال ضد العدو الصهيوني.
ثانـياً-هويتهــا
إن جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية حركة وطنية تحررية، تكتسب هويتها من طبيعة الأهداف التي تناضل من أجلها، والتي هي أهداف وطنية، ذات أبعاد قومية بالنظر إلى طبيعة الصراع القومي، الذي تخوضه أمتنا مع العدو الصهيوني أياً كان التموضع المكاني لجبهة المواجهة المفتوحة معه.
ثالثــاً-برنامجها السياسي
إن جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، التي تطرح تحرير البلاد من الاحتلال الصهيوني، كمهمة مركزية لا تستقيم مهماتها، في هذا المجال، إذا لم يقترن ذلك بسعي دؤوب وفعَّال لدفع عملية التوحيد الداخلي خطوات إلى الأمام، ونسج علاقات سياسية مع القوى الحليفة والصديقة في مواجهة تحالف الأعداء. وإن البرنامج السياسي يرتكز على المبادئ الآتية:
1- النضال من أجل تحرير الأرض من الاحتلال.
2- النضال من أجل توحيد لبنان وفق الأسس الوطنية والديموقراطية.
3- النضال من أجل عروبة لبنان تأكيداً لانتمائه الطبيعي إلى أمته العربية.
4- تحقيق الإصلاح السياسي، وإسقاط كل أشكال الهيمنة، وجعل الديموقراطية هي الناظم الأساسي للحياة السياسية اللبنانية، وتحقيق حكم المشاركة الديموقراطية.
5- تثبيت سياسة دفاعية وطنية انسجاماً مع وجود لبنان على خطوط المواجهة مع العدو الصهيوني، وإزالة كل أشكال التطييف عن المؤسسة العسكرية.
6- التأكيد على دور لبنان الإيجابي في قضايا النضال العربي، وخاصة القضية الفلسطينية، التي ستبقى قضية مركزية للأمة العربية.
7- تثبيت خيار عدم الانحياز، كخيار أساسي للبنان في صياغة علاقاته الدولية.
8- إعتبار حركة المقاومة الوطنية اللبنانية رافداً من روافد حركة النضال القومي العربي، لأنها تخوض نضالاً ضد عدو قومي، وتخوض معه صراعاً وجودياً.
9- إعتبار حركة المقاومة الوطنية اللبنانية رافداً من روافد حركة النضال التحرري العالمي في مواجهة الاستعمار الجديد، والتي تشكل الإمبريالية الأميركية التعبير الصارخ عنه.
في الوسـائل
إن جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية هي حركة شمولية لجهة الأهداف التي تطرحها. وإن وسائلها وأساليبها النضالية تشمل كل النواحي العسكرية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية. فهي معنية بتطوير أسلوب المواجهة العسكرية، وزيادة أدائها-كماً ونوعاً- كما هي معنية بوضع المهمة النضالية، التي تخوضها في مواجهة العدو في إطار مشروع متكامل الأبعاد الوطنية والقومية لارتباط التحرير بالتوحيد ومستقبل لبنان السياسي. وفضلاً عن ذلك، فإن حركة المقاومة الوطنية اللبنانية مطلوب منها أن تؤكد على تعزيز الصمود الشعبي، والمساهمة في تلقي النتائج، التي تتولد عن استمرار الاحتلال من إجراءات قمعية وتعسفية.
الهيكليــــة
1- تشكيل جبهة سياسية تضم ممثلي كل القوى المناهضة للاحتلال؛ وينبثق عنها قيادة عليا لجبهة المقاومة الوطنية، و تكون مهمتها إدارة المعركة السياسية، والإشراف على تنفيذ البرنامج السياسي، وحشد الإمكانات الشعبية، وتنظيم إمكاناتها وتوظيفها في سياق برمجة متكاملة لتأمين الصمود الوطني لنضال المقاومة.
2- تحقق الأطراف المنخرطة في العمل العسكري وحدة فيما بينها، وإذا اعترتها صعوبات مرحلية تلجأ إلى الاتفاق على صيغة تنسيقية بينها.
3- تعمل تحت إشراف القيادة السياسية العليا لجان متخصصة موزَّعة على الشكل التالي:
أ-لجنة دعم الأراضي المحتلة، ويُناط بها وضع مشروع الصندوق الوطني والقومي موضع التنفيذ.
ب-اللجنة الاجتماعية، والتي تتولى معالجة أوضاع المهجرين والمعتقلين وأسر الشهداء.
ج-اللجنة الصحية، وتتولى الإشراف على معالجة الجرحى، وتأمين الخدمات الصحية في الجنوب وسائر الأراضي المحتلة.
د-اللجنة المالية، وتتولى جمع التبرعات والمساعدات، وتحدد أوجه صرفها بإشراف القيادة السياسية العليا.
هـ-اللجنة الإعلامية، وتتولى مهمة التغطية لنشاط المقاومة، وتُصدِر دورية أسبوعية ناطقة باسم جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية.
و-اللجنة التعبوية، وتتولى التحضير لأنشطة شعبية وفعاليات للتعريف بنضال المقاومة، وتأمين أوسع حشد شعبي داعم للمقاومة، وتقيم المعارض والندوات لتعبئة الرأي العام.
ز-لجنة الحريات العامة وحقوق الإنسان، وتتولى إثارة الممارسات "الإسرائيلية" في الأراضي المحتلة، وانتهاك حقوق الإنسان، والتنسيق مع المنظمات الدولية المعنية بهذا الشأن.
ح-اللجنة الأمنية، وتتولى تنسيق التقارير الأمنية الواردة من الأراضي المحتلة، وتوحيد الصف السياسي للقوى المتواجدة على أرض الجنوب.
تُشكَّل في الجنوب لجان محلية ترتبط، حسب مهماتها واختصاصها، باللجان المركزية، وتكون صلة الوصل بين الجماهير والقيادة السياسية ولجانها المختلفة.
بعد إنجاز الهيكلية، تضع القيادة السياسية برنامجاً تنفيذياً لعقد مؤتمرات شعبية لبنانية تشارك فيها الهيئات والفعاليات النقابية والاجتماعية، وتنبثق عنها المؤتمرات لجان لدعم المقاومة الوطنية في كل المناطق اللبنانية.
يُعلَن الأسبوع الأول من حزيران من كل عام أسبوعاً للتضامن من نضال جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية،ويتم التحرك على الصعيد العربي لتشكيل الجبهة العربية المساندة للنضال الوطني اللبناني. ويتوجَّب على الدول العربية أن تساهم في تمويل الصندوق الوطني لدعم المقاومة، وصمود سكان الأراضي المحتلة.
يتم التحرك دولياً باتجاه القوى الصديقة والمؤيدة للقضية الوطنية اللبنانية، لتسهيل عملية التفاعل والتواصل بين الجماهير العربية والصديقة، والتعريف بالنضال الذي تخوضه القوى الوطنية والشعبية اللبنانية ضد الاحتلال الصهيوني.
إن القيادة السياسية العليا، وفق هذا البرنامج، لا بد من أن تعمل لانتزاع الاعتراف الرسمي بالمقاومة، باعتبارها الشرعية الوطنية، التي تعبِّر عن إرادة الجماهير اللبنانية في توقها نحو تحقيق أهدافها الوطنية.
إننا إذ نطرح هذا البرنامج والميثاق السياسي، انطلاقاً من مسؤوليتنا الوطنية والقومية، التي تملي علينا تطوير حركة المقاومة الوطنية ، التي أعادت الاعتبار للكفاح الشعبي المسلح، والتي تُعتَبِر بحق إحدى حالات النهوض القومي المُشْرِق في التاريخ العربي المعاصر؛ وإن معركة تحرير لبنان ليس مهمة الجنوبيين، ولا مهمة جماهيرنا في الأراضي المحتلة فقط، وإنما هي مهمة كل اللبنانيين، لأن الخطر الصهيوني لا يستهدف منطقة دون أخرى، ولا طائفة دون أخرى، ولا فئة سياسية دون أخرى؛ وإنما يستهدف الجميع، إنه يستهدف لبنان بدوره ووجوده، وهو إن أقدم على إقامة علاقات فهدفه ليس إلا توظيفها بالشكل الذي يخدم مصالحه.
لذلك، فإن المعركة التي تُخاض على أرض الجنوب والبقاع الغربي وراشيا، إنما هي معركة وطنية ذات أبعاد قومية. وإن الأمة العربية غير معفية من تحمُّل مسؤولياتها لأن النصر في لبنان هو نصر وطني وقومي، والهزيمة هي هزيمة وطنية وقومية. وإن الأمانة التاريخية تستوجب احتضان هذه الظاهرة النضالية، وتوفير مستلزمات صمودها واستمرارها، وزيادة فاعليتها لتحقيق الأهداف التي انطلقت من أجلها.
حزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان في 7 نيسان 1985.
***
الملحق الرقم (23)
لتقرع الأجراس الوطنية حماية للشريط الحدودي
طليعة لبنان الواحد العدد (11) نيسان 1985
سجلت طليعة لبنان سبقاً صحفياً وسياسياً في عددها رقم (8) الصادر في أواسط كانون الثاني بتسليطها الضوء على واقع الشريط الحدودي، عنوان المرحلة القادمة وطنياً وموقعه من نضالنا في معركة التحرير.
ومنذ اللحظة التي جرى التأشير فيها على الشريط، أخذت المنطقة المذكورة تأخذ حيزاً في حلبة الصراع السياسي والعسكري بشكل أكثر بروزاً مثلما بدأت الأنظار تتجه إليه ليحتل أحياناً واجهة وصدر العناوين في مجالي السياسة والإعلام أيضاً.
وإذا كان من الضرورة بمكان إعادة التذكير سريعاً بعناوين فقرات ما أوردته طليعة لبنان الواحد، كمثل الشريط موقع رهان العدو ومقتل مخططاته، والفتنة الطائفية المستوردة إليه استيراداً، ونجاح معركته مرهون بأفقها الوطني وعبر مختلف طوائفه وليس من خلال مذهب أو طائفة محددة، مثلما الضرورة تقضي أيضاً التذكير بالأحداث والوقائع التي استحوذت على الاهتمام السياسي والإعلامي لاحقاً والتي جرت على أرض الشريط أو لها علاقة بها.
1) تزايد العمليات العسكرية الحاصلة سيما في القطاع الغربي منه وابرزها عملية الخيام الانتحارية.
2) تجمع عملاء العدو الصهيوني والمتساقطين في مدن وبلدان الشريط الذين هربوا من المناطق المحررة والتي هي عل شك التحرير.
3) الدعوة التي قام بها العدو الصهيونية مؤخراً وبشكل سافر بتوجيه النداء عبر مناشير قذفها طيرانه مطالباً مسيحي الزهراني وجزين بالالتجاء إلى الشريط الحدودي لتأمين أمنهم حسب زعمه.
4) ممارسة العدو لسياسة جديدة في سلم القمع والإرهاب الصهيوني إلا وهي أبعاد العائلات من قرى الشريط ومصادرة منازلهم ومنازل الوطنيين فيه لصالح عملائه والمتساقطين.
اننا بطرحنا الواضح لطابع المعركة الوطني ندرك أبعاد معركة الشريط والتي هي أكثر مخاضاً وعسراً في معركة التحرير بحكم التصاقه بأرض فلسطين المحتلة ومشروع العدو المتعلق بالحزام الأمني الذي بذل لتركيبه وترتيب أوراقه الجهود الكبيرة طوال فترة سنوات الحرب العشر الماضية وأقلها منذ عملية الليطاني في عام 1978.
واننا عندما نتحدث عن وطنية المعركة في الوقت التي هي ذات بعد قومي، نحقق بحديثنا هذا الوفاء للقضية بوجهها النظري والعلمي كما نحقق وفاءنا للواقع الذي يتطلب ذلك بحكم تعددية اللون الطائفي والمذهبي في الشريط الحدودي وعل قدر التعددية السائدة في المجتمع اللبناني، قناعة منا أن المعركة تهم البطرك خريش ابن عين ابل بقدر اهتمام المفتي قبلان ابن ميس الجبل وبنفس المستوى والمصلحة الدافعة والباعثة للتحرير التي يتطلع إليها أي شيخ من مشايخ حاصبيا وكفر شوبا.
إن العدو الصهيوني يفهم قانون العداء ومعادلات قواه، فهما صحيحاً ويتصرف من وحيه ومن خلاله، وقد تكون تصرفاته أحياناً غير ملفتة للنظر وتبدو وكأنها جزء من عمومية ممارسته وشموليتها، إلا أن المتتبع المراقب يرى فيها البعد الكافي لقانون عدائه ومعادلة القوى. ومن وحي ذلك نتوقف أمام ملاحظتين ونسلط عليها الضوء:
1) العائلات المبعدة:بجذورها ومنابتها ومناخاتها القومية البعثية، كما يتضع من عائلات أبعدت عن بنت جبيل وعيناتا، وليس من الضرورة أن يكونوا حزبيين ملتزمين بقدر ما هو مهم أن يكونوا في مناخات قومية بعثية ولو كانت سابقة وتعود إلى البدايات الحزبية في الجنوب وهذا ما هو منطبق فعلاً على مبعدي عيناتا الذين ليس بينهم وبين الحزب أي رابط بالشكل التنظيمي.
2)الاعتقالات وأماكن التحقيق:سواء في أنصار الأولى أم الثانية وسواء في السرايات المعروفة وأماكن الاعتقال المعهودة كمعتقل الخيام، كلها كانت أفواهها متسعة لتلقف كل من له انتماء سياسي حالي أو سابق وبدون أن يشكل الانتماء الديني براءة ذمة لهذا الوطني أو ذاك لوجود المسيحي إلى جانب المسلم في المعتقلات جميعها.
وفي الجانب الآخر ومثلما أتيح لنا الكشف عن الفتنة المصدرة إلى الجنوب فاننا ننفض الغبار وتزيل الستارة الواهية عن واقعة التدمير الكلي لعدد من الضيع والقرى في فترة تكون الشريط الحدودي سابقاً مل حانين ورشاف ويارين وسواها، ولنقول أن العدو أدرك في حينها مكامن الخطر الحقيقي عليه بمناخات هذه القرى القومية التي نجمت عن الانتماء البعثي للعديد من أبنائها، فأقدم على تدميرها واقتلاعها من الوجود مثلما أقدم مؤخراً على البداية في اقتلاع البقية الباقية من المناخات القومية قياساً على ما حصل في بنت جبيل وعيناتا وما سيحصل لاحقاً، وفي المدى القريب وليتعدى في ممارسته إلى أكثر من سياسة الأبعاد ويتجاوزها. مطبقاً كافة الأساليب والوسائل الواردة على سلم وقائمة إرهابه بمختلف أشكالها وألوانها.
وحتى لا نفاجأ في يوم من الأيام، نرى أن العدو الصهيوني قد ينسحب في لحظة التوقيت التي أعلنها من الشريط ليبقي على عملائه وجواسيسه بعد أن يكون قد تيسر له تجميعهم من مختلف مناطق الجنوب اللبناني ويشكل حزامه من المرتوقة الذين لن يجدوا لهم مأوى سوى الشريط بعد أن يكون قد هجر من هجر من أرضنا واقتلع من اقتلع واستحدث تغييراً ديمغرافياً فيه.
قبل فوات الأوان وتعقد مشكلة الشريط مرة أخرى. ومن جديد قياساً على ما حصل عام 1978، وحتى لا يتسنى للعدو أحداث التغيير الديمغرافي المطلوب ليشكل فعلاً وحقيقة حزاماً أمنياً له على أرضه، نرى أن المرحلة تستدعي وضع سياسة وطنية شاملة للتعاطي مع الشريط وأوضاعه ولتكون هذه السياسة الموضوعة من كافة القوى الوطنية مدخلاً وأساساً لتصوير الشريط سياسياً وعسكرياً، خطة كفيلة بإفشال مخططات العدو بأشكالها الجديدة وضرورة استحواذ الشريط على مزيد من الاهتمامات المطلوبة وتحديات المرحلة القادمة ولتقرع الأجراس الوطنية حماية له وحفاظاً عليه.
***
الملحق الرقم (24)
الافتتاحية: معركة التحرير لم تنته ومعركة التوحيد لم تبدأ
طليعة لبنان الواحد العدد (12) أواسط نيسان 1985
أعلن العدو الصهيوني أنه سينهي انسحابه من لبنان في الأول من حزيران، أي بعد ثلاث سنوات على غزوة الأراضي اللبنانية. وهو أعطى لنسفه حق التدخل دون التقيد بمدايات جغرافية محددة مع السعي لإبقاء دور مباشر وغير مباشر في ما سمي بمنطقة الشريط الحدودي كمصفاة أمنية وعازلة تحول دون تعرض المستعمرات الصهيونية في الجليل الأعلى للعمليات الفدائية والقصف المدفعي.
هذه الوقائع التي يسمى العدو لتثبيتها بعد ثلاث سنوات على غزوة للبنان يريد لها أن تعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبل عدوان حزيران 1982، يوم كان الشريط الحدودي منطقة خاضعة لإشراف أمني من القوى العميلة المرتبطة بالعدو وتحت أمرة سعد حداد. وهذا ما يشير إلى أن العدو الصهيوني ليس في وارد الانسحاب الكلي والشامل من الأراضي اللبنانية وهذا أقل ما فيه أن يتناقض مع قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي 425 و508 و509.
ولذلك فإن الأول من حزيران لن يكون مرحلة ثالثة وأخيرة في شريط الانسحابات الصهيونية وإنما إعلان عن بدء مرحلة جديدة من الصراع المفتوح مع العدو الصهيوني والقوى المرتبطة به، فالعدو لم ينسحب أصلاً طوعاً وإنما تحت ضغط ضربات المقاومة الوطنية والانتفاضة الشعبية والصمود الجماهيري الرائع. وهو إذ يسعى للاستقرار في منطقة الشريط الحدودي فلكي يستمر في تأثيراته الأمنية والسياسية وتثبيت حالة الاختراق لعداء شمولي كان من المفروض أن يكون اساس النظرة للعدو الصهيوني.
قد يكون هذا الكلام استعادة وتكرار لكلام سابق، وهذا صحيح، ومبرره أن الحالة القائمة على الأرض تكرر وتستعيد نفسها، مع مفارقتين برزتا بعد الاجتياح الصهيوني.
المفارقة الأولى ذات منحى إيجابي وتمثلت بروز المقاومة الوطنية كقوة ضغط أساسية على قوات الاحتلال ودفعها لإعادة النظر بتموضع قواتها. وهذا لم يكن في حسابات العدو عندما قرر اجتياحه للبنان.
المفارقة الثانية، ذات منحى سلبي وتمثلت بقصور فعل التوحيد عن فعل التحرير بحيث لم توظف النتائج الإيجابية لفعل المقاومة في سياق دفع عملية التوحيد الداخلي خطوات إلى الأمام، بل على العكس من ذلك، فإن التآكل الداخلي بلغ الذروة وأن المناطق التي كان من المفترض أن تكون في أعلى درجات تماسكها شهدت عنفاً مدمراً سواء كان ذلك في الجبل أو في الإقليم وأخيراً وليس آخراً صيدا ومحيطها.
أما لماذا حصلت هذه المفارقة؟
هذه المفارقة حصلت لأن التناقض الداخلي الحاد لم يفسح المجال أمام صياغة برنامج القواسم المشتركة التي تحمي وتصون المقومات الوطنية التي يهددها السلوك التقسيمي للقوى الداخلي. ولذا فإن مع كل انسحاب "إسرائيلي" كان ينفجر وضعاً أمنياً يؤدي إلى فرز سكاني، هذا حصل مؤخراً في صيدا ومحيطها ومهيء له أن يحصل في جنوب الجنوب والبقاع الغربي، أن لم يتم تداركه واحتواء عناصره.
لذلك فإن الانسحاب الصهيوني الذي حصل على مراحل، خلف وراءه صدامات على مراحل بحيث يمكن القول أن الاحتلال الصهيوني في طريقه إلى تحقيق أهدافه من خلال بروز بؤر توتر تؤدي إلى مزيد من الفرز والتفتيت والتقسيم ومزيد من الدمار والخراب والشحن النفسي والتعبوي وهذا ما طمح إلى تحقيقه العدو من أجله قام بغزوة للبنان فضلاً عن أهداف أخرى. وهو إذ يريد الاستمرار في الحفاظ على منطقة أمنية تتراوح ما بين 15.8كلم فلكي تستكمل بنظره وعبر الوقائع التي ستحصل كامل الخطوات التقسيمية.
من هنا يمكننا القول بأن الانسحاب الصهيوني الذي حصل تحت ضغط المقاومة لم يؤد النتيجة الوطنية المطلوبة والمرجوة بتوظيفه توظيفاً توحيداً وإنما حصل العكس تماماً والخشية أن تجهض كل تلك التضحيات التي قدمت في معركة التصدي للاحتلال، وأن يشعر الذين دفعوا الدم والعرق، وصبروا وصابروا وصمدوا وتحملوا كل أشكال الإرهاب والقمع والتعسف بأنهم لا يستطيعون العيش في بوتقة وطنية واحدة.
لماذا حصل كل هذا أيضاً.
إن هذا حصل لأن الساحة الداخلية افتقرت إلى المشروع الوطني المتكامل بأبعاده التحريرية والتوحيدية والإصلاحية، بحيث لم تترابط الحلقات في ما بينها، فبقيت الإنجازات الوطنية محاصرة، وبقيت القوى الوطنية أسيرة تشرذمها وها هي اليوم تعاني متعاني من فورات الهيجان الطائفي والمذهبي في وقت كان يفترض فيه أن يكون الفوران الوطني والقومي في أعلى درجاته، لكن شيئاً من هذا لم يحصل لماذا.
لأن اللبنانيين أولاً، لم يكونوا موحدي النظرة نحو الخطر الصهيوني وهذا شكل مقتلاً للبنان وللبنانيين.
ولأن اللبنانيين ثانياً اختلفوا على "جلد الدب قبل سلخه".
ولهذا فإن الانسحاب لم ينه المعركة مع الاخطار المحدقة بالمصير الوطني، خاصة وأن هذا الانسحاب هو انسحاب مفخخ، وأن معركة تحرير لبنان لم تنته فضلاً عن كونها هي معركة إعادة توحيده أولاً وأخيراً.
الأولى قطعت شوطاً والثانية لم نبدأ بها. فالطريق طويل والاستكانة لا مكان لها في قاموس المناضلين، وقد تكون معركة التوحيد أكثر كلفة وأكثر ضراوة من معركة التحرير، لأنها معركة الولادة الجديدة بينما معركة التحرير هي معركة إزالة الآثار ولن نقبل إلا بلبنان واحد موحد عربي ديمقراطي.
***

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق