بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 22 يناير 2010

الإمبراطورية الأميركية بداية النهاية (الفصل السابع)

الباب الثالث
نهاية القرن الأميركي الجديد
بداية التاريخ المعاصر


الفصل السابع
عوامل فشل المشروع الأميركي ومظاهره
»لماذا يجب علينا أن نستمع إلى أخبار الجثث القادمة في الأكياس، والموت، وكم عدد الموتى ومتى يحدث ذلك وكم هذا أو ذاك وماذا نفترض ؟ أوه . . أقصد . . هذا شيء غير مهم . .فلماذا أتعب فكري الجميل في شيء مثل هذا ؟ «( ).
بربارة بوش (أم الرئيس بوش)
والإدارة الأميركية تعزف على الوتر ذاته:
»إن مسئولي البيت الأبيض إدراكاً منهم للتاريخ لا يريدون أن يصبح بوش رهينة لإحصاء يومي للقتلى مثلما حدث مع الرئيس ليندون جونسون أثناء حرب فيتنام«( ).

أولاً: وضع العراق بعد الاحتلال
بعد التاسع من نيسان/ أبريل، استمر نهب بغداد لعدة أسابيع: »عندما دخلت الولايات المتّحدة بغداد في 9 أبريل، دخلت مدينة سليمة بشكل كبير بعد حملة عسكرية منفّذة بعناية«. ولكن في الأسابيع الثلاثة بعد السيطرة الأمريكية، دمّر النهب والسرقة كلّ المؤسسات العامّة المهمة في المدينة باستثناء وزارة النفط.
وفي 11 أبريل وعندما سئل: »لماذا لم يوقف الجنود الأمريكيون النهب؟«، أجاب دونالد رامسفيلد قائلاً: »الناس لديهم حرية لارتكاب أخطاء ويرتكبون جرائم ويفعلون أشياء سيئة، ولكنهم أحرار أيضاً لعيش حياتهم وعمل أشياء رائعة كذلك، وهذا ما سيحدث هناك«. مع العلم أنه كان يمكن الجنود الأمريكيون أن يمنعوا حدوث ذلك لو أن الأوامر صدرت لهم.
في أيار/ 6 مايو أعلنت الإدارة بأنّ بول بريمر –الخبير في الإرهاب- سيكون الحاكم الأمريكي الجديد في العراق. وخلال أسبوعين في الحكم حل الجيش العراقي وأجزاء أخرى من البناء الأمني للدولة. وكان هناك حجّتان لاتخاذ هذه الخطوة، كما جاء على لسان دوغلاس فايث:
الأولى:.الجيش »حلّ نفسه بنفسه، الجنود تلاشوا بأسلحتهم«.
الثانية: كان الجيش عنصراً مكمّلاً من البناء الأمني. وخروجه سليماً سيكون الرمز الخاطئ للعراق الجديد.
وكان المقصود من حل الجيش كما أفاد بريمر، قائلاً: »ما حصل هو جزء من حملة للتأكيد للشعب العراقي بأن نظام صدام قد ذهب إلى غير رجعة«( ).
كانت أيام الغزو الأولى مرادفاً لحرية النهب، وحرية إحراق المباني والمؤسسات، وحرية الخطف، إضافة لحرية القتل. وإن القوات الأميركية والبريطانية خلقت الظروف أمام الرعاع للقيام بنهب وإحراق وتدمير الأرشيف الوطني ونفائس المخطوطات الإسلامية الثمينة ( ).
احتل الأمريكيون العراق فدمروا كل ما بني خلال تاريخ الدولة الحديث وكل ما ناله الشعب من مكاسب على المستوى الاجتماعي والثقافي. كما تفشت البطالة وفتك الفقر، استشرى الغلاء وشحَّت المواد، وآخرها النفط في بلد النفط. وضربت الفوضى في المجتمع وعاث اللصوص والنخاسون وتجار الرقيق الأبيض. وأعضاء مجلس الحكم يسومون الناس العذاب ويسرقون ويتراشون ويسمسرون ويتبادلون المناصب بالمحسوبية. ويجري الترويج لانفصال شمال العراق لبناء دولة كردية مستقوية بالإسناد الصهيوني. وواحد من أخطر ألاعيب المحتلين، هو الضربات الانتقائية والاغتيالات المبرمجة لتبدو كأنها من فعل المقاومة العراقية، أو من فعل مواطنين عرب إدعاءً بأنهم مسلمين سنة. وانتشار مافيا المخدرات وميليشيات الطوائف وفرق الموت التي حصدت المئات من علماء العراق وأساتذته ومهندسيه وأصحاب الرأي والمشورة.
خلال العام الأول من عمر الاحتلال سُرقت عائدات ما تمكن العدو من تسريبه من نفط العراق إلى الخارج. كما سرقت مناجم الزئبق المغلقة، وكل المعادن التي توصلت إليها يد الأمريكان والموساد ( ).
ودُمِّرت البنى التحتية، العسكرية والتعليمية والصحية، بحيث أن »كل المُعدّات الإنشائية الثقيلة والمصانع الحربية والمدنية والمكائن الثقيلة فككّت وُنهبت ونقلت إلى إيران. باعها الأكراد بأسعار بخسة، بمشاركة من جماعة الحكيم وحزب الدعوة. مئات الألوف من السيارات والشاحنات وشاحنات الأحواض والكومبيوترات تمّ تهريبها إلى إيران«( ).
ولا تزال بغداد تحمل -بعد عام على الحرب- ملامح الخراب والدمار. فأنقاض المباني المدمرة لم ترفع من شوارع المدينة، والبنايات المحترقة ما زالت علامة دالة في أكثر شوارع بغداد، وانهيار القانون والأمن والنظام لم يزل هو السمة الظاهرة في مدن العراق الخاضع للاحتلال( ).
وقصفت المناطق المدنية وما نتج عنها من ضحايا وعمليات قتل خارج القانون، وقتل خطأ، تورطت فيها قوات الاحتلال. وانعدام الشفافية في التحقيقات واستغلال عدم إلمام المواطنين العراقيين بآليات التعويض وقيمتها ( ).

1-تخريب الأمن السيادي للدولة العراقية:
أما بالنسبة للوضع الأمني في العراق المحتل، فما زال، بعد عام من الحرب، يشهد المزيد من التدهور، حيث لم تتوقف عمليات التفجير في المدن، بينما يذهب ضحيتها مئات العراقيين شهرياً، في وقت تزداد فيه شراسة المقاومة العراقية في مواجهة القوات الأمريكية، التي ترد دائماً على مصادر النيران بالرمي العشوائي، إضافة إلى ما يرافق عمليات المداهمة التي تقوم بها قوات الاحتلال من سقوط ضحايا مدنيين( ).
تحولت مدينة البصرة، مثلاً، إلى مناطق نفوذ تتقاسمها الميليشيات والأحزاب الدينية والعصابات. وجلب التداخل في عملها الكثير من المشاكل. وتقول سلطات الاحتلال إن أكثرها من عصابات الجريمة. وتقوم جماعات باستخدام الدين للحصول علي المال. والعراق يواجه الآن واقعاً متشرذماً بين أحزاب وعصابات وميليشيات تريد أن تعود بالعراق للعصر الحجري( ).
أدلة الانهيار والفشل في كل مكان بفضل من وجود الجيوش الوحشية سيئة التنظيم من المرتزقة التي تتجول في العراق نيابة عن سلطات الاحتلال الأنجلو – أمريكية، ولقد استأجرت الشركات مرتزقة يعملون لصالح مؤسسات أمنية خاصة استأجرتها سلطات الاحتلال( ).
جنَّدت بريطانيا آلاف المرتزقة، من الجنود وضباط الشرطة السابقين من بريطانيا والولايات المتحدة واستراليا وجنوب إفريقيا، للعمل كجيش سري في العراق لحماية مسئولي وقوات الاحتلال، والمسؤولين الغربيين ومديري الشركات البترولية.وكان لشركات الأمن البريطانية النصيب الأكبر من عقود الأمن الخاصة. وتشير بعض التقديرات إلى أن إجمالي عدد الأجانب العاملين في تلك الشركات يفوق عدد القوات البريطانية العاملة. وإن وزارة الخارجية البريطانية تقوم باستئجار أفراد حراسة خاصة ومستشارين أمنيين لحماية موظفيها المدنيين في العراق( ). وقع أولئك المرتزقة، الذين أتوا لصيد المقاومين العراقيين، في قبضة »باز« المقاومة، فتصيدهم فيمن »تصيدا«. وقد فقدت تلك الشركات الأمنية، في خلال شهر نيسان/ أبريل 2004م، عدداً من موظفيها الغربيين في كمائن منصوبة. وكانت عدة منظمات غير حكومية وشركات أمن وقواعد عسكرية تحت الحصار الفعلي لعدة أيام في الكوت والناصرية وبغداد( ).
بالإضافة إلى كل ذلك استفحلت شتى الأساليب في السطو والسرقة، ومما يلفت النظر تلك العصابات التي تلجأ إلى الخطف لقاء فدية مالية( ).

2-تدمير القطاع الوظيفي المؤسسي:
ولعل أبرز ملمح بات يميز العراق اليوم هو ارتفاع نسبة البطالة، التي تقدرها بعض التقارير بأكثر من ستة ملايين عراقي عاطل عن العمل، ممن فقدوا وظائفهم، بسبب حل الوزارات، أو بسبب انتمائهم إلى حزب البعث، أو بسبب توقف النشاط الاقتصادي في البلاد، وانهيار البنى التحتية، التي كانت تستوعب ملايين العاملين العراقيين( ).
3-زيادة آلام العراقيين من معالم الرفق بالمرضى:
أما بالنسبة للوضع الصحي في العراق، فيعاني من انهيار شامل، وهو ما قد يؤدي إلى حصول كوارث صحية. فقد أشارت وزارة الصحة العراقية إلى أن أكثر من ألف عراقي أصيبوا بالتيفوئيد، فيما تشير تقارير أخرى إلى انتشار مرض التدرن الرئوي، بشكل كبير، وخاصة في مناطق جنوب العراق، في وقت تحذر فيه جهات صحية عراقية من احتمال انتشار مرض داء فقدان المناعة المكتسبة »الإيدز« في العراق، لعدم وجود الجهات المختصة، التي تتولى الكشف عنه، ولانفتاح الحدود العراقية، بشكل لا يسمح بمراقبة الوافدين( ).
سرقة الأدوية، برعاية من قوات الاحتلال، التي ترسلها جمعيات إنسانية إلى العراق. وارتفاع نسبة وفيات الأطفال العراقيين، من 40 وفاة إلى 108 في الألف، مما يعني أنه في السنوات الـ 13 الأخيرة توفي في العراق ما يوازي المليون طفل بسبب عدم توافر المعدات الطبية اللازمة الناتج عن سياسة العقوبات والحرب( ).
إن انتشار التلوث الإشعاعي في العراق، بعد الحرب، صار كبيراً، مما بدأ يؤثر على الولادات الحديثة، حيث كانت منطقة التويثة، في جنوب العاصمة بغداد، مصدر هذا الإشعاع، بعد قصف قوات الاحتلال لمباني منظمة الطاقة الذرية العراقية، خلال الحرب، وسرقة محتوياتها خلال الفوضى وأعمال السلب والنهب، التي رافقت دخول القوات الأمريكية إلى العراق( ).

4-الديموقراطية المسجونة، عناوين جنة الديموقراطية الموعودة:
إن العشوائية والجماعية هي ما يميز اعتقالات العراقيين على أيدي المحتلين. والدور الذي تلعبه الوشايات في بلد تغيب فيه السلطة والأمن، وتتعاظم فيه الحاجة للقمة العيش، تجد أن الأسباب الاقتصادية والشخصية تقف خلف تلك الوشايات( ).
ومن الإجراءات، التي تمارسها قوات الاحتلال، إهانة الوجهاء من العشائر، أو بأخذ النساء كرهائن لإجبار أزواجهن أو أبنائهن على تسليم أنفسهم. وتفتيش النساء، وانتهاك حرمة المساجد ( ). وتدنيس حرمة البيوت، وانتهاك ستر النساء، وسرقة الأموال، والنفائس، بل وأمر النساء بخلع حليهن من رقابهن وأيديهن لسرقته، هذا فضلا عن تصوير النساء بالكاميرات الخاصة وهن بملابس البيت تحت تهديد السلاح لرجالهن. مستخدمين بعض الجواسيس الملثمين الذين جاءوا بهم من خارج العراق بعدما تلقوا تدريباتهم في براغ بسلوفاكيا تحت مسمى جيش تحرير العراق؛ ليكونوا أدلاء لهم( ).
توجد في المعتقلات مئات النسوة العراقيات لأن أزواجهن أو إخوانهن أو آباءهن يبحث عنهم الاحتلال. وتتراوح أعمارهن من الثانية عشرة وحتى الستينات من العمر. وتواجه المنظمات الحقوقية صعوبة بالغة من أجل معرفة ظروف اعتقالهن. وليس للمعتقلات السياسيات أو الأمنيات –كما تسمى لدى قوات الاحتلال- الحق في توكيل محام للدفاع عنهن، كما أنه ليس من حق أي أحد الدفاع عنهن أو متابعة قضاياهن( ).
جاء في رسالة إحدى المعتقلات: »أعراضنا هتكت وملابسنا تمزقت وبطوننا جاعت، ولكن من ينصرنا أقول لكم اتقوا الله في أرحامكم فقد امتلأت البطون من أولاد الزنا«. وناشدت ضمير العراقيين قائلة: »إذا كنتم تملكون من الأسلحة فاقتلونا معهم داخل السجون«( ).
وكما تعتقل النساء بجريرة الغير كذلك يعتقل الرجال حتى يضطر الفار لتسليم نفسه. فهناك آلاف معتقلون للضغط على ذويهم. ومثلهم يعتقل لأدنى شبهة أو للتشابه بينهم وبين مطلوبين سواء في الاسم أو السحنة أو المسكن( ).
أطفال دون الثامنة عشرة قيد الاحتجاز بينهم فتيات وكذلك بعض النساء وأن بعضهن تعرضن للاغتصاب. سوء أوضاع الاحتجاز ونقص الخدمات الضرورية والرعاية الصحية وسوء التغذية، وكذلك سوء معاملة المحتجزين وتعرض بعضهم للإهانة والتعذيب المادي والمعنوي( ).
ما زال سجن »أبو غريب«، يضم أعداداً كبيرة من العراقيين، الذين تعتقلهم القوات الأمريكية، وهناك في بعض المعتقلات آلاف العراقيين المعتقلين منذ عام أو عدة أشهر ولم توجه إليهم أي اتهامات، فيما يعانون من وضع سيء في تلك المعتقلات( ).
فالاحتلال يرفض إعطاء رقم محدد للمعتقلين لديه ربما ليتمكن من زيادتهم أو إنقاص أرقامهم حسبما تملي عليه مصالحه. وينتج عن هذه الحقيقة أن هناك خمسة سجون مجهولة في العراق مع وجود عشرة أخرى معروفة خصوصاً في العاصمة بغداد حيث سجن أبو غريب وسجن الكاظمية وسجن الرصافة كما توجد سجون في أم قصر والناصرية( ). كما أن الحق الطبيعي في زيارة الأهل والاطمئنان على السجناء ممنوع، إذ أن الوصول للسجناء صعب جداً ويقتضي الانتقال من مسؤول أميركي إلى آخر قبل الانتهاء بفشل ذريع( ).
يُطلب من السجين ظناً وشبهة أن يشهد بأنه تلقَّى معاملة حسنة. فإحدى سجينات سجن أبو غريب تعرضت لمختلف صنوف التعذيب، ويوم الإفراج عنها نصحها مترجم عراقي أن تنقل صورة أخرى عن معاملتها في السجن للمسؤول الأميركي وإلا فإنها قد تبقى فيه( ).
وظاهرة الموت المفاجئ بين الذين أطلقت سلطات الاحتلال الأمريكي سراحهم. وعدد تلك الحالات وصل إلى 25 من مختلف مناطق العراق. وأكدت مصادر طبية عراقية أن الذين ماتوا بعد الإفراج عنهم كان بطريقة متشابهة. ولم تستبعد تلك الأوساط أن يكون المتوفون قد ماتوا بمواد سامة كالثاليوم مثلاً، أو ربما يكونون قد تلقوا علاجاً استخدمت فيه أقراص سامة، أو حقن طبية تحتوي على مواد تسبب الموت بعد فترة معينة( ).

5-الاغتيال السياسي مخطط تفريغ المجتمع من النخبة القيادية.
تشير إحصاءات عراقية إلى أن أكثر من 1500 شخص من البعثيين وعناصر الأجهزة الأمنية السابقة قد تم اغتيالهم في العراق، منذ نيسان (أبريل) من العام 2003م. وتتصاعد من جديد موجة الاغتيالات في بغداد ومدن عراقية أخرى. وتأتي هذه العملية امتداداً لسلسلة من العمليات التي استهدفت عدداً كبيراً من أساتذة الجامعات العراقية، والكوادر المتخصصة، حيث بلغ عدد الذين تم اغتيالهم بهذه الطريقة، بحسب إحصائية أمريكية، أكثر من ألف أستاذ ومهندس وطبيب وقاضي، دون أن تتمكن القوات الأمريكية وأجهزة الشرطة العراقية من إلقاء القبض على القتلة، أو معرفة الجهات التي تقف وراء هذه العمليات، بحسب ما تدعي( ).
أعضاء (مجلس الحكم) هم من أصبح يقتل الناس واحداً بعد آخر، كمثل مقتل أحد نشطاء حقوق الإنسان في العراق، لأنه مناهض للاحتلال. كما أن مليشياتهم تقوم بحملات الاغتيالات بشكل منتظم. وجاءوا عند سقوط بغداد بقوائم لأشخاص معينين ينوون تصفيتهم. وخاصة تصفية العديد من البعثيين جسدياً، أو تهديدهم بضرورة مغادرة العراق وإلا يكون عقابهم التصفية الجسدية. وإن بعضاً من هؤلاء العائدين قد طلبوا بكل وقاحة وعلانية بقتل كل من يرفض الاحتلال ويرفض التعاون مع تلك الميليشيات( ).

6-ملاحقة العلماء العراقيين واغتيالهم واحتواؤهم:
اعتقلت قوات الاحتلال الأمريكي عدداً من العلماء العراقيين، وأعلنت الخارجية الأمريكية أنها ستبدأ برنامجاً لدعم ما تسميه »التوظيف السلمي والمدني للعلماء العراقيين والفنيين والمهندسين«، الذين عملوا سابقاً في برامج التطوير العسكري العراقية. وأكد وزير التعليم العالي والبحث العلمي العراقي في مؤتمر صحفي في 21-12-2003 الخبر، مشيراً إلى أن العلماء يخضعون لتحقيق كبير خاص بأسلحة الدمار الشامل في العراق من جانب عناصر أمريكية.
وتهدف قوات الاحتلال من وراء البرنامج إلى محاصرة من تبقى من العلماء العراقيين، وإخضاعهم قسراً لمسارات مهنية محددة سلفاً. وجاء البرنامج إيذاناً بعملية تصفية حسابات مع العلماء العراقيين، الذين يُعدون بمثابة ظاهرة فريدة في زخمها في العالم العربي بأسره.
وكانت الأنباء قد تحدثت عن إرسال فرق اغتيال إسرائيلية للعلماء العراقيين بشكل متزامن مع الاجتياح الأنجلو أمريكي للعراق في مارس 2003م. وعلى الرغم من كل ذلك ينتاب الأمريكيون القلق من إمكانية انتقال الأدمغة العراقية إلى دول عربية وإسلامية( ).
كما أن نحو مئة أستاذ جامعي تم اغتيالهم في العراق منذ الاحتلال الأميركي البريطاني إضافة إلى هجرة نحو ألف آخرين. وكان للموساد »الإسرائيلي« دور كبير بتصفية العلماء( ). ويُعتقد أن وراء مسلسل الاغتيالات، تنظيمات ذات خبرة واحتراف. وتتميز تلك العمليات بما يلي:
-تصفية عناصر حزب البعث تتم بشكل منظم وتشمل الكوادر المتقدمة الذين تم إبعادهم عن الوظائف العامة أولاً، ثم بدأت تصفيتهم جسدياً.
-تصفية بعض الضباط الطيارين من الجيش العراقي ممن اشتركوا في ضرب الأهداف الإيرانية مثل جزيرة خرج النفطية خلال الحرب العراقية - الإيرانية.
-تصفية علماء الذرة العراقيين بعضهم في داخل العراق وبعضهم خارجه( ).

7-التباعد أقوى من التلاقي بين تلوينات عملاء الاحتلال:
لم يسفر الاحتلال عن محو الدولة الوطنية العراقية فقط، وعن انهيار العقد الاجتماعي القديم، الذي قام عليه مجتمعها. فالتخريب لم يتوقف عند حدود انهيار ومحو الدولة كناظم للعلاقات الداخلية، ولا في تحطيم أجهزتها الرقابية وأنماط وأدوات سيطرتها، وإنما تجاوزت ذلك كله إلى إحداث تخلخل بنيوي في أسس التعايش التاريخي بين الطوائف والمذاهب والجماعات والإثنيات. وشقّ الاحتلال فجوة إدارية ووجدانية وسياسيّة، أخذت تفصل شيئاً فشيئاً بين مكوّنات المجتمع نفسه، وعزلته حتى عن الإدارة المُنّصبة من قوات الاحتلال ومجلس الحكم المؤقت وحكومته ذات التركيبة العرقية والطائفية، التي تم تلفيقها كبديل رمزي عن الدولة القديمة. جماهيرية ممزقة، من حيت تنوع وربما تناقض مرجعياتها السياسية والدينية، ومن حيث مستوى ودرجة التنافسات المحمومة بين قادتها. كما تفتقد البلاد إلى السلطة المركزية وتتوزعها ولاءات شخصية ومذهبية وسياسية ومصالح يصعب إلى حد بعيد التوفيق بينها( ).
لذلك، ولأسباب تتعلق بتسهيل مهمة السيطرة على العراق من خلال تفتيت أي عقد وطني جامع بين شتى الإثنيات، تقوم قوات الاحتلال بتأجيج بذور الفتنة الطائفية بين المذاهب والأعراق في البلاد باعتمادها لمبدأ المحاصصة الطائفية في المواقع السياسية والوظائف العامة، وسماحها بانتشار الميليشيات المسلحة في غياب القانون والنظام( ). وعملت على زرع عوامل الاحتقان العرقي والطائفي من خلال إصدار »القانون المؤقت«، الذي وقَّع عليه »مجلس الحكم الانتقالي« في العراق، في 8 آذار 2004م( ).
مع تقادم الزمن، ومع استعجال إدارة الاحتلال تحقيق مكاسب سياسية من خلال تشريع قوانين وقرارات وتعاميم مفصَّلة على قياس مصالحها الاقتصادية والسياسية والأمنية والعسكرية؛ ولأن بعض جوانبها مما لا يستطيع ممثلو الاحتلال في »مجلس الحكم الانتقالي« -مستقوين شاؤوا أم أبوا بضغوطات المقاومة المسلَّحة- تتمظهر بعض البؤر والعراقيل في وجه الاحتلال وتستنفد وقتاً من روزنامته الزمنية الضيقة. وبدورها، تساعد تلك العوامل على تراكم النقمة الشعبية في وجه الاحتلال، وخاصة على صعيد القوى السياسية والدينية والشعبية التي تدعم –بشكل أو بآخر- أو التي تعطي فرصة من المراهنة على ممثليها في مجلس الحكم ليستنفذوا –كما يدَّعون- وسائلهم السلمية مع سلطات الاحتلال.
ولما لم يكن قد مرَّ زمن طويل إلاَّ وأخذت تلك العوامل تتفجَّر في وجه الاحتلال، حتى ولو كانت تلك الاعتراضات ذات استهدافات مذهبية أو عرقية، إلاَّ أنها تشكل بؤراً موضوعية لتعميق الشرخ بين عملاء الاحتلال. وسيرون أنفسهم في مأزق شبيه بمأزق الاحتلال ذاته، لأن القاعدة التي شُكِّلت على أساسها التركيبة الحاكمة ]المحكومة[ تحمل تناقضاتها الحادة في ذاتها.
إن أول الغيث ابتدأ في رفضٍ، مهما كان محدوداً، لاختيار حكومة انتقالية إلاَّ على قاعدة الانتخابات الشعبية، وها هي اليوم تتفاقم في الخلاف حول شرعية إصدار قانون في ظل الاحتلال أو عدم شرعيته. وهذا مثار جدل وبداية لتفسخ بين صفوف العملاء.
ومن أهم مظاهر تأسيس العوائق في وجه الاحتلال –انطلاقاً من الإشكاليات المذكورة أعلاه- أنه غداة التوقيع على (القانون المؤقت) تقدم اثنا عشر عضواً في مجلس الحكم، من أصل خمس وعشرين، ببيان أعلنوا فيه أن لديهم تحفظات على بعض فقراته، وان توقيعهم عليه كان اضطراراً لئلا يفسحوا المجال أمام تفجر الخلافات والمشاحنات، وأخطر ما في تلك الخلافات هو أنها تنبع من الانتماءات المذهبية والقومية. ومن جانب آخر أعلنت أطياف كثيرة احتجاجها عليه وعمَّت أكثر من منطقة في العراق تظاهرات الاحتجاج الشعبية( ).
8-دور لجان ومنظمات حقوق الإنسان:
نشرت منظمة العفو الدولية تقريراً انتقدت فيه انتهاكات قوات الاحتلال الأميركي الشديدة ضد المعتقلين العراقيين بما في ذلك استخدام وسائل التعذيب من جانب القوات البريطانية والأمريكية مما أدى إلى وقوع عدد من حالات الوفاة( ).
واتَّهمت المنظمة العربية لحقوق الإنسان سلطة الاحتلال بأنها تجاوزت الصلاحيات المخولة لها بمقتضى اتفاقيات جنيف -باعتبارها سلطة احتلال مهمتها الأساسية توفير الحماية والمساعدة للسكان- وذلك بالتدخل في شؤون القضاء بعزل قضاة عراقيين في إجراءات تحقيق سرية ومحاكمات تأديبية غير وجاهية خارج الهيئات القضائية المخولة،وطرد العديد من الموظفين وأساتذة الجامعات والعلماء واعتقال بعضهم، وتدخلها في شؤون النقابات والجمعيات الأهلية. وتهاونها في التحقيق في جرائم القتل،كما أن مراكز احتجاز من يسمون المعتقلين الأمنيين تخضع للقيادة العسكرية الأمريكية وغير مسموح بتفقدها والمحامون ممنوعون من زيارتها.
كما دانت المنظمة العربية ممارسات قوات الاحتلال خصوصاً أعمال دهم منازل المشتبه في علاقتهم بالمقاومة، والاعتقالات الجماعية لأفراد أسرهم، وترويع المواطنين خلال عمليات الدهم والاعتقال، وإذلال المعتقلين والاستيلاء على متعلقاتهم الثمينة وتفتيش المنازل والنساء بصورة غير لائقة، وهدم بعض المنازل( ).
واستنكرت منظمات حقوق الإنسان الأميركية ما تقوم به قوات الاحتلال من إنزال عقوبات جماعية بالعراقيين: تدمير منازل، واعتقال أقارب المشتبه بهم…( ). كما دانت وحشيتها، قائلة: لقد فقدوا أعصابهم وبدأوا يطلقون النيران علي العراقيين عشوائياً وعلى كل جسم متحرك خوفاً من أن يكون من أفراد المقاومة. الضحايا وغيرهم لقوا مصرعهم في ظروف تدعو للشك ولم تجر أية تحقيقات سوى في خمسة حوادث فقط؟! وكأنه تشجيع للجنود الأمريكيين علي إطلاق المزيد من النيران، بدون حساب، على المدنيين الأبرياء( ).
لا يزال الشعب العراقي يعاني من انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان بعد مرور سنة على غزو العراق. فقد شهد العام 2003م، سقوط عشرات المدنيين العزّل بسبب استخدام الأسلحة الفتاكة خلال تظاهرات شعبية وعلى حواجز التفتيش وأثناء عمليات مداهمة المنازل. وجرى اعتقال الآلاف في ظل ظروف سيئة لفترات طويلة، وتعرض الكثيرون للتعذيب أو للمعاملة السيئة ومات آخرون في الاعتقال. وإلى أن ملايين العراقيين عانوا من مضاعفات نهب وتدمير البنى التحتية وانتشار البطالة وغموض المستقبل. كما أن أكثر من عشرة آلاف مدني عراقي لقوا حتفهم منذ الثامن عشر من آذار (مارس) 2003م، وإن هذه الحصيلة تقديرية بسبب رفض سلطات الاحتلال أو تمنعها عن إعطاء رقم حقيقي للضحايا. وإن معظم الضحايا المدنيين سقطوا نتيجة الاستخدام المفرط للقوة ، أو بسبب نيرانها في ظروف مثيرة للجدل، ومن بينهم متظاهرون مدنيون عراقيون قتلوا برصاص الجنود الأمريكيين. وقد رفع عراقيون (10402) شكوى على قيام جنود أمريكيين بقتل أبنائهم أو إصابتهم بجروح خطيرة دون أي سبب. وامتنعت قوات الاحتلال عن فتح تحقيق شامل ومستقل وحيادي حول جميع عمليات قتل المدنيين على يد قوات التحالف ومحاسبة المسؤولين عنها. وأن هناك تقارير عن عراقيين احتجزوا من قبل قوات الاحتلال مدداً طويلة دون تهم. وتعرض البعض الآخر للتعذيب وسوء المعاملة دون أن تسمح بتوكيل محامين. وهناك آثار مترتبة عن حالة الفلتان الأمني على حياة العراقيين العاديين سواء كانت على شكل سرقة أو قتل انتقامي أو خطف أو عنف ضد النساء( ).

ثانياً:الخطط الأميركية لتصفية المقاومة العراقية المسلَّحة
بعد مرور عدة أشهر على احتلال العراق، وبعد أن تبيَّن لقوات الاحتلال أن المقاومة منظَّمة بقياداتها وقواعدها واستراتيجيتها السياسية. وبعد أن تبيَّن للإدارة الأميركية –على الرغم من نكرانها أن تكون المقاومة استراتيجية أعدَّها حزب البعث العربي الاشتراكي لمواجهة مرحلة الاحتلال- أن حزب البعث، بقيادة صدام حسين، هو الذي يقودها.
وبعد أن وجدت الإدارة الأميركية نفسها في موقع العجز عن احتواء المقاومة العسكرية العراقية وإنهائها. ولما كانت مرتبطة بوعود تجاه الرأي العام الأميركي بخوض حرب سهلة وغير مكلفة، ووعدت أنها سوف تغطي نفقاتها من غنائم الغزو. ولأن مصيرها، ومصير مشروع المحافظين الجدد، ونجاح حرب الأفكار، مرتبطان بنتائج العدوان على العراق، كان عليها أن تحسم الوضع العسكري، الذي فجَّرته المقاومة العراقية، لضمان انتصار مشروعها السياسي. وفي تلك الحالة تصبح كل الثغرات القانونية والشرعية والأخلاقية بغير معنى، فتضع الرأي العام الأميركي، والرأي العام العالمي، أمام الأمر الواقع فتُصبح كل ذنوب المنتصر مغفورة، وتتكاثر على أعتاب »قيصر روما« كل القوى من داخلية وخارجية، لأن »إمارة الاستيلاء« أصبحت شرعية في تاريخ كل إمبراطوريات العالم؟؟!!
تعتقد الإدارة الأمريكية بأن الحرب على العراق واحتلاله مرّت بثلاث مراحل:
-المرحلة الأولى: الحرب النظامية ومن جاء معها والتي انتهت بسقوط بغداد.
-المرحلة الثانية: مرحلة انطلاقة حرب التحرير الوطنية التي قام بها أعضاء في حزب البعث وأفراد من الجيش العراقي السابق والفدائيون المرتبطون بهذا التوجه.
والمرحلة الثالثة: وهي التي من المحتمل جداً أن تكون المرحلة الحاسمة، هي حرب الجيل الرابع الحقيقية، حرب تشن بتشكيلة عريضة من قوى عراقية سياسية ودينية لها نفس الأهداف والدوافع وهي مقاومة المحتلين وأعوانهم وطردهم من العراق( ).
من أجل ذلك، استعجلت قوات الاحتلال –منذ الأول من أيار من العام 2003م- تطبيق خطة تقوم على استئصال البعثيين بطرائق سياسية وإعلامية جديدة. ولما استمر حزب البعث في ممارسة الحرب ضد الاحتلال بطرائق غير نظامية، برمجت قوات الاحتلال استراتيجية جديدة في مواجهة العامل الجديد، الذي لم تضع له حسابات في مخططاتها الأصلية، تقوم على برمجة العمليات العسكرية الأميركية على قاعدة مواجهة حرب عصابات بحرب عصابات مضادة.
وبهذا أجبرت المقاومة العراقية مخططي احتلال العراق، بطريقة الحرب النظامية، إلى التخلي عن استراتيجيتها التقليدية، وفرضت عليها استراتيجيا جديدة حدَّدت توقيتها وفلسفتها ووسائلها، بما لا طاقة للقوات النظامية الأميركية بها، فهي مدرَّبة على الانتصار بحرب خاطفة، بكثير من التكنولوجيا والقليل من الرجال.
إن فرض استراتيجية جديدة في القتال تعني الاعتراف بفشل أحدث أنواع التكنولوجيا في مواجهة »سلاح الإرادة الشعبية« التي هي بدورها إيديولوجيا الشعوب الضعيفة في مقاومة الدول التي تستند إلى أسلوب القوة في غزو الشعوب.

1-استئصال فلسفة حزب البعث:
أما على صعيد استئصال حزب البعث بطرائق إعلامية وسياسية، فقد لحظت الإدارة الأميركية حيِّزاً أساسياً في مخططها تحت هدف »اجتثاث حزب البعث من المجتمع العراقي« بشتى الوسائل والأساليب، فلم يمر أسبوعان على احتلال العراق حتى أخرجت الإدارة من أدراجها قراراً كان معدَّاً سلفاً لإعلانه تحت العنوان المذكور أعلاه. ومن متممات القرار كانت الإدارة قد أعدَّت سابقاً آليات للتنفيذ، من أهمها: القضاء على فلسفة الحزب في كل البرامج التربوية، وحل كل المؤسسات السياسية والأمنية التي بناها الحزب في أثناء توليه للسلطة، ومنها تغيير البرامج التربوية والدستور وحل الجيش.
وما يُقال بأن بول بريمر (الحاكم المدني الأميركي للعراق) قد استعجل في اتخاذ قرار بحل مؤسسة الجيش العراقي، لم يكن صحيحاُ –على الإطلاق- لأن حرب »حرب الأفكار«، كتعبير عن الفلسفة الاستراتيجية للمحافظين الأميركيين الجدد، هي التي أعدَّت القرار قبل العدوان لفرضه بعد الاحتلال. لأنها بدون القضاء على الأفكار المعادية لاستراتيجيتهم –بما فيها المؤسسات السياسية والعسكرية والاقتصادية والاجتماعية والتربوية والدستورية والأمنية- لن يبقى أي معنى للمشروع الفكري المتطرف الذي تقوم عليه منظومتهم الفلسفية.
وفي القرار المذكور، أعلن بول بريمر التكتيكات القضائية التي يتوهَّم أنه بواسطتها يجتثُّ الحزب. أما على الصعيد الفكري فقد دعا إلى محاربة فلسفة الحزب في شتى المجالات ومن أهمها تطهير المناهج التربوية والدراسية من كل ما يمت بصلة إلى تلك الفلسفة. وأما على صعيد الجهاز البشري البعثي الحامل لتلك الفلسفة فقد تمظهر من خلال حل كل الأجهزة الأمنية –بما فيها الجيش- في محاولة لتفكيك أية تجمعات يحسب أنها تشكل تجمعات تسهم في خلق بؤر للمقاومة سواء كانت عسكرية أم ذات وسائل أخرى.
ومن خلال ما اقتنعت به قوات الاحتلال بوجود ترابط وثيق بين حزب البعث والمقاومة العراقية، راحت تضع الخطة تلو الأخرى، للقضاء عليهما معاً.
أما للقضاء على المقاومة العراقية –حسب الاستراتيجية الأميركية الجديدة القائمة على »حرب الأفكار« - فكان من الواجب أن تتخطى تكتيكاتها القضاء على الأشخاص والانتقال إلى القضاء على المؤسسة( ). وبمثل هذا الانتقال الاستراتيجي كان على الإدارة الأميركية أن تعمل للقضاء على المؤسسة الحزبية البعثية التي تقود المقاومة العراقية( ). لذا أصدر بول بريمر قراراً إدارياً، والمعنون ب»تطهير المجتمع العراقي من حزب البعث«، وكانت ترجماته العملية سياسية وأمنية وفكرية. وهذا يُعدُّ دليلاً على أن صدام حسين لم يكن حاكماً فرداً بل أسهم في تحويل حزب البعث إلى مؤسسة لا تنتهي بانتهاء دور الأفراد.
ولما شكَّلت قرارات بريمر عامل تحريض ضد الاحتلال وسرِّعت في ازدياد أعداد المقاومين، عادت قوات الاحتلال إلى ابتكار استراتيجية أنه لا يمكن الانتصار على حرب العصابات إلاَّ بحرب عصابات أخرى( ). وبذلك تكون قد انتقلت من أساليب »عقرب الصحراء«، و»الأفعى المتسلقة«، و»المطرقة الحديدية«( )، وغيرها، مستخدمة شتى الوسائل لملاحقة البعثيين وتصفيتهم كمرتكز ثقل أساسي في أعمال المقاومة ضد جنود الولايات المتحدة وحلفائها( ).
واستعانت قوات الاحتلال الأميركي بفرق »إسرائيلية« مدرَّبَة على الاغتيالات بالعمل على اغتيال البعثيين. لخبرتها بمثل هذا الأسلوب( )، على أن يبقى التعاون سرياً لحساسيته على المزاج العربي والإسلامي. كما استعانت بالميليشيات الطائفية، من جماعات المعارضة السابقة، في ملاحقة المقاومين بشكل عام، والبعثيين منهم بشكل خاص. ومن تلك الميليشيات من تنتمي إلى حزب الدعوة أو المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق (فيلق بدر).
-وتعمل قوات الاحتلال على بناء مؤسسات عسكرية وأمنية من العراقيين لتأمين حماية أفضل لجنودها، لكن المقاومة العراقية تستهدف –من حين لآخر- مؤسسة الشرطة العراقية المتعاونة مع قوات الاحتلال، وكانت قيادة المقاومة قد حذَّرت من أنها ستستهدف كل المتعاونين معه. ولهذا شنَّت ضدها عمليات المقاومة مئات القتلى من بين أفراد الشرطة المتعاونة( ).

2-وسائل الانتقام الجماعي:
نتيجة لمأزقها في مواجهة المقاومة العراقية، اندفعت الإدارة الأميركية إلى استخدام كل الوسائل للقضاء على المقاومة المسلَّحة ومحاولة حرمانها من أي التفاف شعبي. فاتخَّذت جملة من الإجراءات المتشددة، اعتباراً من أواسط تشرين الثاني/ نوفمبر من العام 2003م. إن تلك الوسائل تقوم على قاعدة العنف الشديد. وإن الزخم الأساسي الذي يحرص عليه صقور الإدارة الأميركية في الخطة الجديدة هو استخدام المزيد من الشدة في قمع المقاومة العراقية( ).
وعلى أساس تلك القاعدة استعانت قوات الاحتلال بعناصر عراقية ذات خبرة سابقة ( ). وبها أحيت تجاربها القديمة في فييتنام، واستلهمت منها خطة تسمى (دلتا) التي تقضي باستخدام العنف ووسائل الاغتيال ( ). واستناداً إلى فلسفتها »المطرقة الحديدية«، تقوم قوات الاحتلال الأميركي بإنزال عقوبات جماعية بالعراقيين: تدمير منازل، واعتقال أقارب المشتبه بهم ( ).
وعلى العموم لن تستطيع قوات الاحتلال إخماد المقاومة العراقية, فهي تدور في حلقة مفرغة. فكلما أقدمت القوات الأميركية على إطلاق المزيد من النيران اتسعت دائرة المقاومة( ).إن قوات الاحتلال توجد في حالة عزلة كبيرة عن الشعب العراقي الذي تدعي أنها جاءت من أجل تحريره( ). وهم الآن بحاجة لمن ينقذهم. فالأنباء من العراق تصبح أكثر سواداً كل يوم( ).
3-التضليل والخداع: فلسفة إعلامية في خدمة المخطط السياسي – العسكري.
يقوم الإعلام المساند لقوات الاحتلال على قاعدة من الكذب، بتشويه الحقائق على قاعدة بث أكاذيب صغيرة، فيؤدي تراكمها إلى تكبير الكذبة فتبدو وكأنها حقيقة موضوعية. ومن جملة الأساليب أن ينسب الإعلام كل السلبيات ويحمِّلها للخصم الذي يريد الإيقاع به. وقد كشفت بعض وسائل الإعلام الأجنبية تلك الأكاذيب الصغيرة( ).
واتَّخذت الإدارة قرارات وقوانين تحدد فيها الممنوعات على وسائل الإعلام:
أ-قرار منع وسائل الإعلام من استخدام تعبير »مقاومة« لأنها تُعَدُّ تحريضاً على الإرهاب: ويذكر أن مجلس الحكم أنشأ لجنة وطنية لوسائل الإعلام مهمتها وضع ضوابط لعملها في العراق لتكبيلها فيما يخص عمليات المقاومة ضد الاحتلال. ووُزِّعت عليهم ما أسمته »مدونة سلوك للعمل في وسائل الأعلام«، وطلب منهم توقيعها طوعاً، وحثت المدونة وسائل الإعلام على عدم استخدام عبارات، من نوع (الجهاد) و(المقاومة)( ).
وفرضت على وسائل الإعلام رقابة صارمة، فهي قد زرعت رقيباً أمريكياً في مكتب كل فضائية في بغداد، وأن الفضائيات لا تجرؤ على بث أي خبر لا يوافق عليه الرقيب، مع أن عاملين فيها يؤكدون أن عشرات الأخبار، وخاصة المتعلقة منها بالمقاومة، يتم منعها، مع وجود تهديدات واضحة لإدارات تلك الفضائيات، أو ممثليها في العراق( ).
ب-التعتيم على خسائرها، خوفاً من إثارة الرأي العام الأميركي: يلعب الإعلام دوراً مؤثراً في الشارع. وما حصل في فييتنام أعطى درساً، للذين يخططون ويشرفون على إعلام الإدارة الأميركية، أن يفرضوا حصاراً شديداً على وسائل الإعلام العاملة في العراق لمنع تسريب الصور التي تؤثر في تكوين الرأي العام أكثر من الخبر( ).
اتَّخذت الإدارة قرارات تمنع فيها وسائل الإعلام من نقل صور القتلى أو إعلان أعدادهم. كما تمنعها من الدخول إلى الأماكن التي تستقبل جثثهم قبل تسليمهم لأهلهم تحت حجة أخلاقية توجب على السلطات الأميركية أن تبلِّغ هي بنفسها نبأ وفاة الجندي لأهله( ).
ولهذا السبب خبَّأ جورج بوش رأسه في الرمال، كمثل النعامة، وتعامى عن رؤية أو سماع أخبار القتلى الأميركيين أو رؤية نعوشهم. ويبدو أن إدارته هي التي أرادت ذلك، ماحية تأثير صور الجنود الأميركيين القتلى وأخبارهم على الرأي العام الأميركي. فرسمت خطة إعلامية جديدة لمنع تناقل الأخبار ذات العلاقة بالمعركة الدائرة في العراق( ).
ومارس كل من جورج بوش، وواليه على العراق بول بريمر تلك الأساليب، وادّعى الأول أن وسائل الإعلام لا تنقل إلاَّ الصورة السلبية عن العراق، أما الثاني فيردد أن التقدم هناك -على شتى الصُعُد- يسير بصورة طبيعية إن لم تكن بصورة فذَّة تستأهل التقدير والامتنان( ).
كما حذت إدارة البتاغون حذو رئيس الولايات المتحدة ولجأت إلى التزوير من أجل تصوير الوضع الأمني في العراق بأنه آمن، والحياة الهانئة فيه مزدهرة( ).
ج-التعتيم على عدد العمليات ونتائجها، والتركيز على كل ما له علاقة بالخسائر البشرية بين العراقيين من جراء بعض العمليات الفدائية، للتحريض ضد المقاومة( ).
د-تضليل الرأي العام الأميركي، والكونغرس، ومجلس الشيوخ بمعلومات كاذبة عن الواقع الفعلي في العراق: ذكرت صحيفة (فيلادلفيا انكوايرر) الأميركية أن سياسيين بارزين من صناع السياسة الأميركية قد أعربوا عن ضيقهم وتبرمهم من عدم إيصال صورة أكثر واقعية للرئيس الأميركي مقارنة بالصورة المتفائلة التي يرسمونها، مثل نائبه ديك تشيني ووزير دفاعه رامسفيلد وغيرهم ممن يعتبرون من الصقور المتشددين في واشنطن( ).
ولكي تتخلَّص من مضايقات الإعلام، قدَّمت وزارة الدفاع الأمريكية خدمة إخبارية تركز على قواتها في العراق وأفغانستان، وتنفرد بتصوير الغارات على معاقل المقاومة، وجهود إعادة الإعمار فيهما. وأرجعت صحف أمريكية تلك الخطوة إلى أن المسئولين الأمريكيين يشتكون من أن وسائل الإعلام التي تبث أخباراً عن العراق تركز على الأحداث الكارثية فيه مثل تفجيرات السيارات المفخخة ومقتل الجنود، بينما لا تبدي كثيراً من الاهتمام بجهود الولايات المتحدة لإعادة البناء"( ).
ومن أجل حجب الحقائق عن الرأي العام: عراقياً وعربياً ودولياً وأميركياً، عادت القوات الأميركية إلى ممارسة عملية رقابة صارمة على وسائل الإعلام العاملة في العراق. وهي من أجل توصيل الصورة الوردية في العراق، اتَّخذت جملة من الإجراءات، ومن أهمها:
أولها: عودة المتحدثين العسكريين للظهور على أجهزة الأعلام مجدداً، للإدلاء ببيانات حول العمليات، وبضرورة ممارسة حرب نفسية مباشرة ضد المتلقين للأخبار. ولحجب حقائق أعداد القتلى الأميركيين، وضرورة توفير مادة إعلامية، تنقل إلى الداخل الأمريكي.
وثانيها :تصاعد الهجوم الرسمي الأمريكي على القنوات الفضائية العربية، وكثرة عمليات القبض على الصحفيين، ومنع المصورين من التصوير –وبعض الأحيان قتلهم- ونزع الأشرطة من كاميراتهم بعد التصوير .. إلخ.
وثالثها : بدء الولايات المتحدة إبرام تعاقدات لتوريد مواد إعلامية مجانية يومية للقنوات الفضائية والصحف، تتناول أوجه الحياة العادية في العراق، من تشكيل أجهزة شرطة وتوصيل الكهرباء والمياه ....ومباريات كرة القدم ، وأوضاع التعليم ونوادي الإنترنت وانتشار استخدام الهاتف المحمول… من أجل تصوير الوضع على أنه يسير نحو الأحسن، والهدف هو التقليل من شأن ما يجري في العراق من مقاومة وعمليات وقتلى وجرحى أمريكان وتدمير لآليات…( ).
ورابعها: وكتدبير استراتيجي للإمساك بالإعلام وتوجيهه بما يخدم المشروع الأميركي اتَّخذت الإدارة الأميركية قراراً بتأسيس وسائل تلفزيونية وإذاعية تشرف عليها بشكل مباشر، ومن خلال تلزيمها إلى القطاع الأميركي الخاص، لكي تستطيع منافسة وسائل الإعلام العربية التي تتعاطف –بشكل أو بآخر- مع المقاومة العراقية( ).
هـ-فإذا كان التعتيم الإعلامي يعالج مشكلة الرأي العام الأميركي، فإن ما يجري حقيقة على أرض الواقع في ميدان النزاع بين المقاومة وجنود الاحتلال مباشرة لا يمكن معالجته بالتعتيم، بل تصل تأثيراته مباشرة إلى الجندي. ومن جراء معاناته المباشرة، تنامت ظاهرة امتناع الجنود عن تجديد عقودهم، وهذا ما لم تستطع قيادة الاحتلال أن تخفيه. وقد كشفت إحصائيات وزارة الدفاع الأمريكية عن وجود ارتفاع ملحوظ في أعداد الجنود الأمريكيين الذين يتركون الخدمة العسكرية. ولهذا السبب طالب جون أبو زيد قائد القوات الأمريكية في العراق وأفغانستان، من الجنود المغادرين عدم الهروب من الجيش، وقال لهم: رجاءً لا تتركوا الجيش نحن في حاجة لكم ولتجربتكم القتالية في الحرب على الإرهاب. زاعماً أنه لم يدل بهذه التصريحات خوفاً من حالة نزوح جماعي ولكن من أجل توجيه الشكر لهم والاستفادة من تجربتهم على حد قوله( ).
إلاَّ أن أساليب الكذب قصيرة، فكانت تلك الوسائل عرضة للكشف من أوساط سياسية في داخل الإدارة ذاتها، فتواتر الأنباء عن عمليات المقاومة العراقية ونتائجها في إيقاع خسائر بين القوات الأميركية، جعل بعض أعضاء الإدارة الأميركية يضعون أيديهم على وسائل التعتيم والتضليل، وطالبوا إدارتهم بتقديم تقارير غير مضللة( ).
لكن من المشكوك فيه أن تنجح تلك الخطة للأسباب التالية:
-إن عمليات المقاومة العراقية تجري وسط أماكن مزدحمة بالسكان الأمر الذي يعني ضعف القدرة على إنكارها أو إخفاء الخسائر الناتجة عنها.
-إن الصراع الأمريكي الأوروبي على العراق، ليس صراعاً داخل أروقة مجلس الأمن، وإنما هو صراع على الأرض في العراق في مجال الإعلام.
-أن الولايات المتحدة، يصعب عليها التمادي في عمليات منع وكالات الأنباء والصحف والفضائيات من نقل الأحداث سواء لأسباب فنية أو لأسباب سياسية( ).
-تتعمَّد قوات الاحتلال قتل المراسلين الصحفيين إذا حصلوا على صور وتقارير من مكان الأحداث، أو تقوم بتحطيم الكاميرات أو بإتلاف الأفلام( ).
على الرغم من كل التعتيم الذي تمارسه الإدارة الأميركية، لا يرى الإعلام الأميركي أن الصورة وردية، وأخذ يكشف حقيقة الوضع ومأساويته بالنسبة للجنود الأميركيين. ‏وبعد مرور عام على الاحتلال، يرى أن قوات الاحتلال الأمريكية ما زالت غارقة في بحر من الدماء وفي صراع غير محسوم( ).
وتبقى هناك معلومات لا تستطيع حذاقة الإعلام الأميركي أن تخفيها، ويكون تسريبها محرجاً للإدارة الأميركية، ومصدراً لتكوين رأي عام أميركي رافض للحرب، وتتعالى دعوات أهالي الجنود إلى إظهار الغضب ضد الإدارة، والطلب منها إعادة أبنائهم إلى أرض الوطن( ).

4-الجندي الأميركي -آلة النصر الأساسية- بدون قضية طبقية أو وطنية
إن التصنيع الآلي لمشروع أصحاب »القرن الأميركي الجديد«، لم يلحظ دوراً للجندي الأميركي أكثر من أنه عامل يتقاضى أجراً من رب عمله. وأن هذا الأجر مغر بما لا يقاس مع الأجر الذي كان يمكنه أن يحصل عليه من المصنع الذي يعمل فيه.
وإذا كانت مقاييس الأمور عند الجندي، بمثل ذلك، فهو قد وُعِد بأنه سيؤدي مهمته بأشهر قليلة ثم يعود إلى بلاده بطلاً وطنياً يروي قصصه في الحرب. ولكن لما رأى أن الأجر العالي هو الثمن لحياته، أو على الأقل ثمن عين أو رجل أو يد… اقتنع بأن الواقع هو غير الوهم الذي زُرع في نفسه. وبهذا شعر أنه يقاتل من أجل قضية هي ليست قضيته. فهو لا يقاتل غازٍ قام باحتلال جزء من الولايات المتحدة الأميركية، وهو لا يقاتل عدواً سطا على ثروته الوطنية، وهو لا يقاتل من أجل الإنسانية عدواً يقتل الطفل والمرأة والعجوز. لقد وجد الجندي الأميركي نفسه قاتلاً يمارس قتل الأطفال والنساء والعجزة، ويهدم بيوتاً على رؤوس ساكنيها.
لم يجد أن الحرب ضد العراق نزهة، أو عمل وطني أو إنساني، ولكن وجد أن مافيات الإدارة الأميركية تهتم بحماية آبار النفط أكثر من حماية المؤسسات الإنسانية، وجد أن رجال الأعمال الأميركيين يعقدون الصفقات، ويمارسون النهب المنظم، ويعتنون بأمنهم الخاص وأمن شركاتهم( )، كما يتسابقون على الحظوة بعقد من هنا وعقد من هناك، وتدور بينهم صراعات وانتقادات، ويتهم بعضهم قيادة قوات الاحتلال بانحيازها إلى شركة من دون أخرى، لذا يطالبون القيادة بأن تشملهم برعايتها من أجل الحصول على عقد أو التزام( )، ولا يخشون من انعدام الأمن في العراق إلاَّ من زاوية أمن استثماراتهم( ) أكثر مما يهمهم أمن جنودهم.
وكثيراً ما وجَّه أصحاب المصالح انتقاداً صريحاً لقوات الاحتلال بعجزهم عن فرض الأمن الذي يسمح لرساميلهم بالتدفق إلى العراق. ووجد أن سماسرة عراقيين لا يهمهم أكثر من أن يمهدوا للصفقات أمام المافيات، ولا يهمهم إلاَّ أن يطول بقاؤهم إلى أقصى حد لينالوا حصصهم من السرقات على شتى المستويات( ).
وبالإجمال وجد الجندي الأميركي نفسه من دون قضية وطنية أو طبقية أو إنسانية أو أخلاقية أو قانونية، وهو مكشوف بدون أي غطاء دولي أو ديني( ). فلهذا لما وجد نفسه غارقاً في متاهة غير واضح باب الخروج منها، إلاَّ ما قيل له بأن بوابة العودة إلى الوطن تمر من بغداد. وهذا هو في بغداد باقٍ معرَّض للقتل أو التشويه الجسدي أو اللوثة النفسية( ). وللخروج من هذا الجحيم ما عليه إلاَّ أن يبذل كل ما عنده من قوة لإنجاز مهمة أخذ يشعر –أخيراً- أنها قذرة. ومن أجل ذلك تحوَّلت كل طاقته إلى التعامى عن ممارسة الرعب والقتل العشوائي، واستخدام الشدة المفرطة، لأنه يتوهَّم أنه ينجز مهمته بسرعة في القضاء على المقاومة العراقية، لأن التعليمات السابقة »طريق العودة إلى الوطن والعائلة« تمر من بغداد، إلى تعليمات أخرى تقول: »إن طريق العودة إلى الوطن تمر من بوابة القضاء على المقاومة العراقية«.
لم يدفع الجندي الأميركي بعد إعلان جورج بوش انتهاء الأعمال الحربية في العراق –في أول أيار/ مايو من العام 2003م- من حياته وإنما أخذ يدفع الثمن من أخلاقه وإنسانيته ومعنوياته وأعصابه. وإن الثمن النفسي عنده هو أثمن ما يمكنه أن يحافظ عليه، وتمظهر في أكثر سلوكاته على الأرض: بشراً وحجراً، السبب الذي دفع ببعض المؤسسات الإنسانية الأميركي إلى إدانته في تقاريرها عن واقع جنود قوات الاحتلال في العراق وسلوكاتهم اللا أخلاقية( ).
نتيجة الضيق –بشتى مظاهره وأسبابه- اندفع الجندي الأميركي في العراق إلى إظهار رفضه للعمل الذي يقوم به في عدة وسائل وأساليب، ومنها: الهروب من ساحة الميدان إلى الدول المجاورة للعراق، أو رفض عودته بعد قضاء بعضهم إجازته في بلاده، أو اللجوء إلى الانتحار كأحد أقصى وسائل الضيق( ). مع العلم أنه بمقارنة نتائج حرب فييتنام مع نتائج الحرب في العراق، وجد بعض المطلعين الأميركيين أن »الشيء المميز في حرب العراق والذي لا يتشابه مع حرب فيتنام البتة، هو النسبة العالية لحالات الانتحار بين الجنود في العراق، وهذا بالتأكيد يتنافى مع التقارير التي تدعى ارتفاع الروح المعنوية في العراق«( ).

5-وسائل قوات الاحتلال في إخفاء الخسائر البشرية:
كشفت مصادر البنتاجون عن تقرير في30 تشرين الثاني/ نوفمبر 2003م عن إصابة نحو 14 ألف جندي في العراق وهو ما يعادل خمس فرق القتال الأميركية. وأكَّد مدير النقل العسكري الأمريكي أن إجمالي عدد الجنود الذين تم ترحيلهم من العراق حوالي 21 ألفا و972 جندياً( ).
ولهذا السبب استخدمت قوات الاحتلال العديد من الطرق لإخفاء خسائرها، إما بإلقائها من الطائرات إلى الأنهار والصحارى المهجورة لتلتهمها الوحوش الكاسرة أو تتحلل في روافد الأنهار( ). أو بدفنها في مقابر جماعية( ). وتلك الجثث هي لجنود مرتزقة وُعدوا بنيل الجنسية الأميركية إذا شاركوا بالحرب. كما أن قرار التخلص من الجنود المشوهين وكذلك الجنود المرتزقة هو قرار داخلي صادر عن القيادة العامة لقوات الاحتلال ولا تعترض عليها الإدارة، بحجة عدم انهيار شعبية الرئيس بوش في حملة الانتخابات لفترة رئاسة ثانية. وحتى لا يثور الرأي العام الأمريكي في حالة إرسال جميع الجثث إلى ذويهم ويتبينون ضخامة الخسائر في العراق ( ).
-تتلاعب بعدد القتلى في صفوفها: »إذا تم تقطيع الجندي بقنبلة يعتبر حينها ميتاً، وكذلك إذا تعرض إلى صليه رشاش كاملة، ولكن إذا كان هناك أي أمل في إنقاذ حياته يتم إدراجه كجريح حتى ولو مات بعد 3 ثواني، وإذا مات لا يتم إدراجه أبداً ضمن حالات الوفاة«( ).
-تخفي عدد قتلاها: ما تعلنه قيادة الاحتلال عن عدد قتلاها أقل من الحقيقة كثيراً( ).
-سقوط عدد كبير من الجرحى لا يمكن إخفاؤه: ويتم كشف ذلك من خلال شهادات العاملين في المستشفيات، الذين أفادوا أن معدل الجرحى الذين يستقبلونهم يومياً يبلغ الخمسين جريحاً، وهي أعلى نسبة سجَّلها الجيش الأميركي منذ حرب فييتنام( ).
-حالات الانتحار بين الجنود: بلغت نسبة الانتحار بين الجنود حدها الأعلى عن المعتاد( ).
-أما الأسباب التي تدفع قوات الاحتلال إلى إخفاء عدد قتلاها، سواء بإلقاء جثث المرتزقة في الأنهار أو الصحارى؛ أو لإخفاء العدد الحقيقي للقتلى الذين لا تجرؤ القيادة على رميهم، هو إنقاذ رأس جورج بوش من السقوط في الانتخابات( ).
كشف مساعد وزير الدفاع الأمريكي لشئون الصحة عن وجود حوالي 1200 جندي في القواعد الأمريكية يعانون من أمراض نفسية نتيجة الحرب، مشيراً إلى معاناة أكثر من 400 جندي آخر من اضطرابات عقلية من بين 10 آلاف جندي تم إجلاؤهم من الأراضي العراقية بسبب الإصابات. وأشار إلى وقوع 21 حالة انتحار بين الجنود الذين شاركوا في حرب العراق في العام 2003 فقط. وبدأ جيش الاحتلال الأمريكي تقديم عون طبي مكثف للجنود العائدين من الخدمة بعد ارتفاع ظاهرة قيام العديد منهم بقتل زوجاتهم والانتحار( ).

ثالثاً: الكذب والتمويه منهج الإدارة الأميركية مع حلفائها
أثار مضمون المشروع الأميركي وأهدافه مخاوف حلفاء أميركا، من أعضاء نادي الدول الرأسمالية. فهو بما تميَّز به من رعونة واستعجال مسبوكين بعنجهية وغرور لا مثيل لهما: سطوة القوة وسطوة المضمون الإلهي للرسالة، جعله يتعاطى باستخفاف بأعضاء النادي( )، وهذا ما أثار حفيظتهم وأصروا على التفتيش عن عالم متعدد الأقطاب، فوجدوا ضالتهم –من دون إعلان- في نتائج أعمال المقاومة العراقية. فهم بعد أن اهتزوا من نتائج الحرب النظامية، وراحوا يتوسلون إعادة العلاقات مع أميركا –خوفاً من استثناء شركاتهم من عقود ما سُمِّي »إعمار العراق« إذا بهم -وبعد أقل من شهر من إعلان بوش انتهاء العمليات العسكرية في العراق- يتماسكون ويستعيدون خطاب ممانعتهم للحرب ضد العراق من بعد أن ثبت لديهم مدى تأثير تلك المقاومة على منع الاحتلال الأميركي من تحقيق أهدافه. وبدورها راحت الإدارة الأميركية، مكتشفة تسرعها وحماقتها بمعاداة حلفائها، تتوسَّل مساعدتهم المادية والعسكرية( ).
رابعاً: مظاهر فشل المشروع الأميركي في العراق:
غدا العراق نقطة ساخنة, ونار الحرب تلتهم »إنجازات التحرير«!!!، والمجتمع الدولي لا يمد يد العون والمساعدة »في موقف أشبه بالشماتة بما يحل بأميركا. وفي أميركا نفسها كرة الانتقادات والتساؤل تكبر, وصفارات الإنذار والتحذير تلاحق الأميركيين من بلد إلى آخر« ( ). بحيث أجبرت كل تلك الأسباب إدارة بـــوش على تغيير استراتيجيتها العسكرية والســياسية في العراق، ومن أهم تلك الأسباب:
1-الخطر الأمني والعسكري الذي باتت تشكله المقاومة العراقية أكثر تأثيراً وتطوراً واتساعاً في حجم عملياتها.
2-فشل مجلس الحكم العراقي في اكتساب شرعية تخوله تمثيل الشعب العراقي أو التحدث باسمه فضلاً عن إدارة شؤونه.
3-اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية والتي لن يجرؤ جورج بوش الابن على خوض غمارها وسط استطلاعات للرأي يرى فيها أكثر من نصف المجتمع الأميركي أن مبررات الإدارة لم تعد مقنعة في شن الحرب واستمرارها، خصوصا مع ازدياد أعداد توابيت الجنود القتلى العائدين، وفي ظل فشل ذريع بالعثور على أي من أسلحة الدمار الشامل العراقية التي ساقتها الإدارة الأميركية كمبرر قوي لشن حربها العدوانية على العراق( ).
وعلى العكس من الصورة الوردية التي يحاول إعلام الصقور في البنتاغون، تتسرَّب إلى الصحافة تقارير داخلية، ومحدودة التداول، في أروقة البنتاغون والبيت الأبيض، تؤشر على المأزق العسكري والسياسي الذي أوقعت فيه الإدارة نفسها( ).
1-كشف أكاذيب الإدارة في الذرائع التي مهَّدت للحرب:
ما إن وطأت قدما بوش أرض البيت الأبيض حتى كان مطلوباً منه أن ينفِّذ مخططاً كان أصحاب »القرن الأميركي الجديد« قد أعدوا له قبل سنوات، ووضعوا تفاصيله انتظاراً لوصول رئيس يبصم على تنفيذه. فكان جورج بوش هو المنقذ المخلِّص. ولما كان المخططون مستعجلين على تنفيذ المشروع، في عهد رئيس مطواع ومخدَّر نفسياً ومعبَّأ دينياً إلى حدود اللوثة، والسبب هو أنهم قد لا يحصلون على فرصة أخرى، كان الرئيس الجديد منذ أول خطواته في البيت الأبيض حريصاً على تنفيذه استناداً إلى اختلاق أكاذيب وذرائع كانت معدَّة سلفاً ليفتتح بها عهده( ).
ففي 26 آب أغسطس 2002، قال نائب الرئيس ديك تشيني »ليس هنالك شك في أن صدام حسين يملك أسلحة دمار شامل، ويحضّر لاستخدامها ضد الولايات المتحدة«( ).
-دور أجهزة المخابرات الصهيونية: أكد تقرير نشر في مركز جافي »الإسرائيلي «للأبحاث التابع لجامعة تل أبيب أن إسرائيل كانت شريكا كاملاًً مع نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير في اختراع صورة استخباراتية كاذبة لأسلحة الدمار الشامل المزعومة في العراق. وقال التقرير الذي نشرته صحيفة "EIR" الأمريكية إن حملة تشويه المعلومات قامت بها الحكومات الثلاث بتنسيق تام لتبرير غزو العراق. وقال كاتب التقرير الجنرال الاحتياط شلومر برون لـ”BBC” في 4 ديسمبر إن إسرائيل لم تكن فقط شريكاً كاملا... في تطوير صورة مزيفة، ولكنها أيضا عززت في قناعة الأمريكيين والبريطانيين بأن الأسلحة كانت موجودة. لو أن الاستخبارات الإسرائيلية قالت إن العراق لم يكن يملك تلك الإمكانات وأنه لم تكن هناك تهديدات حقيقية، فإن ذلك كان سيكون له بعض الأثر( ).
وعلى هذا السبيل سارت الإدارة الأميركية بقيادة جورج بوش، الذي كان منقاداً لها بدوره، وأمسكت باسطوانة وجود أسلحة دمار شامل في العراق. وشارك في تقديم المعلومات بعض أوساط ما كان يُسمّى بالمعارضة العراقية، وقدَّم معلومات للمخابرات الأميركية كل من: أحمد الجلبي، وأياد علاوي، وعبد العزيز الحكيم ( ).
حمَّل بوش (جماعة المؤتمر الوطني) المسئولية عن أي التباس في هذه الرؤية، والمثير أن احمد الجلبي لم يجد حرجاً في الاعتراف بجريمته بل قال إنه غير مهتم بأية اتهامات توجه إليه طالما أن الهدف من هذه المعلومات قد تحقق مبدياً استعداده ليكون كبش فداء للرئيس!! والأكثر إثارة أن المخابرات الأمريكية مازالت إلى اليوم تتعامل مع الجلبي بهدف تزويدها بمعلومات عن المقاومة العراقية . أما المقابل المعلن فهو 340 ألف دولاراً شهرياً( ). وقد أكَّدت أكثر من جهة أجنبية تلك الواقعة. وأهم الشهادات تسرَّبت من داخل البيت الأميركي، بل ومن داخل بيت إدارة المحافظين الأميركيين المتطرفين الجدد( ).
تعلم إدارة بوش أن ذرائعها لشن العدوان على العراق كانت واهية من الأساس. ولأنها كانت تعتمد على أن النصر العسكري يغفر لها كذبها. ولما منعت المقاومة العراقية تحقيقه، دبَّ الإرباك بين الصقور، فراحوا يهربون إلى الأمام بإصرارهم على خلق التبريرات. ومن وسائل الكذب الجديدة أن رأسها تراجع عن تصريحات سابقة تقول بأن أسلحة الدمار الشامل العراقية تهدد أمن العالم خلال خمسة وأربعين دقيقة( )، إلى القول بأن صدام حسين كان لديه »الطموح والقدرة لاستخدام أسلحة دمار شامل، حتى لو لم يُعثر على أسلحة«( ).
وأخيراً، وبعد تكليف فريق أميركي للتفتيش قدَّم رئيسه (دايفيد كاي) استقالته بعد أن أكَّد أنه لم يحصل على أية إثباتات تدل على أن العراق يمتلك تلك الأسلحة( ). وكان لتصريحات كاي حول الأسلحة وقع الصاعقة على البيت الأبيض، فشكَّلت له إحراجات واسعة قد يدفع بعض أهم أعضائها الثمن( ).
ولم تمر أساليب الخداع إلاَّ وقد وجدت من يكتشفها من الأميركيين من الحزبين الجمهوري والديموقراطي، وهناك نماذج كثيرة من تصريحات ومواقف كاشفي تلك الأساليب( ). وقد أثار الكذب استنكاراً واسعاً في أوساط الشعب الأميركي، فاندفع الديموقراطيون (المنافسون للجمهوريين في الانتخابات الأميركية) إلى المزيد من التحريض ضد إدارة صقور »القرن الأميركي الجديد«( ).
بعد أشهر قليلة اندفعت وكالات الأنباء الأمريكية لكشف أخطاء إدارة بوش التي وقع فيها قبل الحرب على العراق، وكانت التحليلات والمعلومات تنتشر على صفحات الكثير من الصحف تحت عناوين تتهم بوش وإدارته بالخداع. والإشارة إلى تلك العناوين ما يغني عن التفصيل في قضية أصبحت أكثر من واضحة لدى الجميع: »لم تكن ترسانة العراق موجودة إلا على الورق«. و»تصاعد الضغط للتحقيق في عمل الاستخبارات في فترة ما قبل الحرب«، و»ما هو الخطأ الذي وقع؟«، وكشفت المعلومات عن إنشاء البنتاغون وحدة استخبارات خاصة به، للبحث عن معلومات تدعم ادعاءات الإدارة بشأن الحرب على العراق( ).

2-مظاهر الفشل في اتخاذ القرار السياسي
إن حجم المخاطرة السياسية كان هائلاً وواضحاً، كما جاء في أحد التقارير الأميركية، ومسؤولو الإدارة لا بدّ وأن صدّقوا، ليس فقط بأنّ الحرب كانت ضرورية لكن أيضاً، بأن الاحتلال الناجح لن يتطلّب تدبيراً أكثر مما أعدوه. وستمضي سنوات قبل أن يفهم الأميركيون، بالكامل، كيف أقنع أناس –يدَّعون أنهم أذكياء- أنفسهم بما حدث. ويعيد التقرير الأسباب إلى ثلاثة عوامل ستكون أجزاء مهمة من التفسير:
الأول: غطرسة وخيلاء دونالد رامسفيلد. فقد كان في قمة تأثيره خلال التخطيط للحرب.
الثاني: انتصار الإدارة في الانتخابات الرئاسية: ففي السنوات الخمس والعشرون الماضية ومنذ تتويج رونالد ريغان، غيّر المحافظون من مواقفهم بشكل كامل ولكنهم لا يعترفون بذلك. فوصول ريغان للحكم أنهى نصف قرن من هيمنة الديموقراطيين في واشنطن. كان هناك رئيس ديمقراطي واحد منذ ريغان، وطبيعي سيكون هناك آخرون. لكن هذا هو الاستثناء عند الجمهوريين، أما القاعدة فهي تواجدهم الآن في القيادة. ولهذا أعمتهم عودتهم إليها –وهم من الحرس القديم من الجمهوريين، من الذين ترعرعوا في الستّينيات والسبعينيات، والذين هم الآن في قيادة الإدارة- عن استيعاب وصولهم. ولهذا ظلوا يتصرفون وكأنّ الليبراليين ما زالوا في مقعد القيادة. وتسكنهم مهمتهم الأساسية في »مقاومة الأفكار التحرّرية الحمقاء«.
الثالث: طبيعة الرئيس نفسها: فالقيادة توازن بين القيام بالاختيارات الكبيرة وإدراك للتفاصيل. وجورج دبليو بوش عنده تفضيل واضح للاختيارات الكبيرة فقط. »لكن قلة اهتمامه بالتفاصيل المهمّة قد تكون نقطة ضعفه القاتلة«.
كانت فرق العمل في وزارة الخارجية التي تعد خطة ما بعد الحرب في العراق تشكك في جدواها. وبسبب إهمال التحذيرات، أضاعت الإدارة السمعة الأمريكية والثروة والأرواح( ).
ومن جملة مظاهر فشل التخطيط السياسي للإدارة الأميركية كانت حالة الفوضى والفلتان الأمني التي ظهرت بعد الاستيلاء على بغداد مباشرة. ومنها قادت الأصوات الأميركية، سواء من أوساط المعارضة أم من أعضاء الإدارة ذاتها، حملة تشهير بعجز الإدارة التي خططت للحرب عن رؤية الأمور التفصيلية التي قد لا تجعلها تحقق الأهداف السياسية.
اعترف (دوغلاس فايث)Douglas Feith، يشغل منصب سكرتير بمكتب السياسة بوزارة الدفاع، أي في المرتبة الثانية مباشرة بعد وزير الدفاع الأمريكي "دونالد رامسفيلد" ونائبه "بول وولفوويتز"، بإخفاق الإدارة الأمريكية للتخطيط الملائم لما بعد سقوط بغداد، ويؤمن بأن ما حصل كان خطأ، للأسباب التالية: محدودية قراءة المستقبل بالنسبة لرامسفيلد، الذي يكره منطق التخمينات كراهيته للموت، فأهم إستراتيجية يتبعها هي »الغموض أو اللا مؤكد« وهذه الإستراتيجية تعني أننا لابد أن نكون مستعدين للتعامل مع أي وضعية تنجم عقب انتهاء الحرب من دون التخطيط لها مسبقاً( ).
إن المحافظين الجدد في الإدارة الأميركية، مثل نائب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفيلد، ونائبه بول ووليفووتز، وريشارد بيرل العضو السابق في المجلس الأعلى لسياسات البنتاجون، لم يكونوا يملكون تصوراً دقيقاً وواضحاً لفترة ما بعد سقوط النظام في العراق، بحيث بدت تصوراتهم السابقة عن أوضاع ما بعد انتهاء الحرب داخل العراق، مجرد أوهام، وإن »النقص في التحضيرات السياسية من قبل وزارة الدفاع الأمريكية، بدت واضحة للعيان حال وصول القوات الأمريكية مشارف العاصمة العراقية أو تطويقها« ( ).

3: مظاهر الفشل العسكري
مستخدماً أسلوب المراوغة والكذب والتحدي الفارغ، صوَّر بوش أن أهداف أميركا من الحرب على العراق تمثِّل المبادئ الإنسانية بنشر الديموقراطية- أولاً، ومستعيناً بتاريخ الولايات المتحدة الوطني بتحرير العالم من أنظمة يعتبرها ديكتاتورية ثانياً، وإصرار أميركا على تحقيق تلك الأهداف في العراق يمنعها من الهرب لأنها ستنتصر في النهاية ثالثاً( ).
تبدَّدت أوهام الإدارة الأميركية بمقدرتها العسكرية المطلقة، لأنه لم يمض وقت طويل بين إعلانها النصر في الحرب وبين بروز أعمال المقاومة العراقية بقوة قلبت الطاولة في وجه القوة العسكرية رأساً على عقب، اضطُرَّ معها الرئيس الأميركي إلى الاعتراف بأن ما يدور على أرض العراق ليست إلاَّ حرباً حقيقية( ). وقد أكَّدت تصريحات الجنود الأميركيين في العراق على مصداقية تصريح رئيسهم( ). ولا يتركه ديك تشيني، نائبه، وحيداً في ممارسة الكذب، فيأتي بمبررات على قاعدة أن الحرب الوقائية في العراق ليست إلاَّ لتوفير أرواح أكثر داخل أميركا( ).
نتيجة لذلك فقد تدنَّى أداء الجندي الأميركي إلى أقل مستوياته بعد اكتشافه أن الحرب لم تكن خاطفة وسهلة، وكان يحلم بأن العراقيين سوف يستقبلونه بعد انتهائها السريع بالورود والقبلات. فلما استفاق من حلمه وجد نفسه مرفوضاً شعبياً وأن الحرب لم تنته، وأصبح موعد عودته إلى بلاده في موقع المجهول أو المؤجل إلى ما لا نهاية. ذلك السبب أجبر البنتاغون إلى ابتكار العديد من الصيغ، وكان من أهمها ضبط التأفف والاعتراض الذي أخذ يتنامى بين الجنود باتخاذ تدابير جديدة من خلال تقديم إغراءات بعد أن فشل تهديد القائد الأعلى جون أبي زيد بإنزال أشد العقوبات بحق الجنود المتأففين. أما آخر ابتكارات وزير الدفاع الأميركي فقد تمحورت حول تقديم بعض الإغراءات للجنود، ومنها الوسائل المادية والحوافز المعنوية لمواجهة احتمالات الهروب الجماعي من الجيش بعد انتهاء مدد العقود معهم( ).
و على الرغم من ذلك، فقد ظهرت بعض حالات رفض الجنود الذين يذهبون بإجازات من العودة إلى العراق: على الرغم من نفي الإدارة الأميركية حصول انهيارات معنوية بين صفوف الجنود الأميركيين في العراق، وأنهم لن يجددوا عقودهم من أجل السبب ذاته، أكَّد الجنود أنهم »لا يريدون العودة إلى المهمة الطويلة والصعبة في العراق«( ).
4-مظاهر الفشل في علاقاتها الدولية
تبيَّن عمق الإشكالية التي تفصل بين دول النادي الرأسمالي، بحيث أوصلت السلوكات الأميركية، حبل الود مع حلفائها إلى حافة القطيعة. وتعمل تلك الدول على استنفاد وسائل اللعبة الديبلوماسية مع أميركا. ولم تتوقَّف ممانعة الدول الصديقة لأميركا عند حدود روسيا وألمانيا وفرنسا، بل أخذت هواجس الخوف من الابتلاع الأميركي تراود حليفتها بريطانيا. وكي لا تقطع بريطانيا حبال العلاقات الأوروبية فتظهر معزولة، ابتدأت تميز نفسها عن أميركا حتى ولو بالشكل. وهذا مصدر قلق للإدارة الأميركية، التي وإن استطاعت أن تجر –بالقوة- البعض إلى متاهات مشاريعها المتفردة، فقد أصرَّ أصدقاؤها التقليديون على منعها، حتى ولو بالوسائل الديبلوماسية، عن الاستمرار في الانفراد والتفرد بحكم العالم ( ).
لم تنج الإدارة الأميركية من حلفائها الذين أسعفوها بالجنود بل راح بعضهم يشكك في صدق ذرائعها التي ضللتهم بها لخوض الحرب، ويشكك بمصداقية إعلامها الذي يصوِّر الاحتلال إعماراً. وسارعت أكثر من دولة إلى اتخاذ قرار بسحب قواتها من العراق، بل ودعت الأميركيين والبريطانيين إلى القيام بذلك، كمثل ما حصل في أسبانيا. أما بعض الدول الأخرى فأعلنت استياءها من تضليل الإدارة الأميركية، وقد تكون تلك التصريحات مقدمة لانسحاب أو مقدمة للامتناع عن المشاركة، كمثل الموقف البولندي( )، والإيطالي( )، والكوري الجنوبي( ).
فمعظم قوات تحالف الدول الأربعين الذي تحدث عنه وزير الدفاع الأمريكي، إما قررت الخروج من المدن الواقعة تحت سيطرتها. أو التمترس في قواعدها بعيداً عن المدن. وبدون غطاء دولي للغزو فأمريكا لا تستطيع حشد قوات دول أخرى ربطت مشاركتها للقوات الأميركية في العراق بقرار من مجلس الأمن، مثل تركيا والباكستان وفرنسا وألمانيا( ).
إن أي فشل تمنى به السياسة الأمريكية ، سوف لن يقتصر أثره على إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش، وإنما سيدفع ثمنه، أيضاً، جميع حلفاء الولايات المتحدة( ).

5-مظاهر الفشل في السيطرة على الساحة العراقية
أ-عجز قوات الاحتلال عن احتواء المقاومة العراقية:
-على صعيد ملاحقة قيادات المقاومة وعناصرها: أكد تقرير بعثة آندرسون أن احتمالات وجود تنظيم عسكري بقيادة صدام حسين هي أمر شبه مؤكد، وإن عدداً كبيراً من القيادات الوسطى للحرس الجمهوري وفدائيي صدام وحزب البعث مختفون تماماً في داخل العراق. وبحسب التقرير فإن كل العمليات التي تمت ضد القوات الأمريكية كانت مخططة ومدبرة بتكتيك عالٍ. وشكك آندرسون (عضو اللجنة المكلفة استقصاء حقائق الوضع في العراق) في الانتصار العسكري الذي حققته القوات الأمريكية، ورأى أن ما يحدث في العراق الآن هو مجرد هدنة عسكرية، وأن الأيام والأشهر القادمة قد تحمل مفاجآت غير سارة للقوات الأمريكية، لأن احتمالات وقوع حرب حقيقية كبري مازالت قائمة ( ).
-عجز قوات الاحتلال عن تجفيف مستودعات الأسلحة ومنعها من الوصول إلى أيدي المقاومة: تشير تقارير الأجهزة الأمنية الأمريكية إلى أن الجزء الأكبر من المعدات العسكرية العراقية مازال مفقوداً حتى الآن. وما تم العثور عليه لا يشكل فعلياً إلا حوالي 30 % من القوة العسكرية العراقية، وأن 70 % من المعدات والآلات العسكرية مازالت في أيدي العراقيين( ).
ب-طلب المساعدة العسكرية والمالية من الدول الأخرى:
الإنجازات الدولية للمقاومة لا تقل أهمية عن الإنجازات الوطنية. ففي حين كان أقطاب الإدارة الأميركية يرفضون الحديث عن أي تعامل مع الاعتذارات الفرنسية والألمانية في الأيام الأولى لما بعد الحرب، ها هو جورج بوش المتغطرس »يتوسل الآن«() العالم لنسيان الماضي، ومساعدة الولايات المتحدة في وقف النزيف البشري والمالي الذي تعيش تحت وطأته في العراق. ولا شك أنه كلما اقتربت الانتخابات الرئاسية الأميركية ستضيف مزيداً من الضغط على أعصاب فريق بوش، وقد برهنت استطلاعات الرأي على انحسار في مستوى شعبيته بسبب الخسائر البشرية والمالية في العراق( ).
في المقابل لن تطمئن دول النادي الرأسمالي إلى التلون في مواقف الإدارة الأميركية. ولم تنس تلك الدول السيل من الإهانات التي تلقتها قبل الأول من أيار 2003م وبعده بقليل. وهي تدرك تماماً اللهجة الجديدة المملوءة بالاستجداء، التي لن تنتج موقفاً عملياً وصادقاً تجاه الدول الأخرى. أما موقف الدول الممانعة الحقيقي –في التعاطي مع الإدارة الأميركية- فيراهن على المقاومة العراقية، ويظهر في تصريحات بعض المسؤولين فيها، والتي يبرهن ظاهرها وباطنها على شدة المأزق الأميركي في العراق. وتتضمَّن –أحياناً- عبارات السخرية والشماتة( ).
ج-الضغط على الدول العربية والإسلامية للمساعدة في العراق:
ألقي تقرير بالكونجرس بمسئولية الفشل على الاستخبارات والأمن القومي والبنتاجون معاً، وجاء فيه: »إن شبح فيتنام قد يتكرر في العراق.. إننا سعينا إلى تحقيق هدف استراتيجي، وهو إزاحة صدام عن السلطة… وأن مصالحنا الاقتصادية يمكن حمايتها بدون التواجد الميداني للقوات العسكرية الأمريكية«. ولهذا يجب سحبها من العراق، وتسليم الأمن إلى جيوش عربية لحفظ الأمن والنظام. وطالب التقرير بالتوصل إلى اتفاق مع مصر والسعودية وسوريا والأردن لإرسال قوات تحل محل القوات الأمريكية ( ).

د-مظاهر الفشل في المراهنة على عملائها من تيارات وقوى المعارضة العراقية:
لم يستطع عملاء الاحتلال أن يؤمنوا الحماية لها فهم أعجز من أن يحموا أنفسهم. فراحوا يغطون أسباب ضعفهم بعنتريات فارغة، ومثيرة للسخرية، وتلك بضع من مواقفهم:
-جلال طالباني يعلن أن الاحتلال الأميركي سينتهي، فيما كان يقف إلى جانب الحاكم الفعلي للعراق بول بريمر الذي كان بدوره، قد وصف مجلس الحكم –الذي يرأسه طالباني- بأنه عاجز ويتحمل مسؤولية الفشل في عدم استقرار الأمن،والشلل في إدارة أوضاع العراق( ).
-وأحمد الجلبي عضو مجلس الحكم الانتقالي يعلن متفاخراً أن دور القوات الأميركية في العراق سينتهي كقوات احتلال، ولكنه سيستمر كدور مساند لأن وضع الوجود الأميركي وقتها سيكون قوات صديقة موجودة بناء على دعوة الحكومة العراقية( ).

هـ-مظاهر الفشل في تجميع الرأي العام الأميركي لتأييد مغامرتها في العراق:
يزداد الضغط على الرئيس الأمريكي كلما ازداد عدد الأمريكيين الذين يطالبون بانسحاب القوات الأمريكية من العراق. وعلى الرغم من أن الأقلية منهم يتظاهرون في الشوارع وينددون بالحرب، إلا أن عددهم يزداد مع كل يوم يسقط فيه جنود أميركيون على أرض العراق.
لن تخدع تصريحات أعضاء إدارة جورج بوش الأميركيين، من أن الوضع في العراق وردي، وأن الجنود الأميركيين لن يتركوا العراق تحت ضغط المقاومة، ولأن تلك التصريحات لن تخدع الرأي العام الأميركي، يجد بعض الأميركيين –اليوم- مناسبة للمقارنة بين حرب فيتنام وحرب العراق، بالقول: هناك وجود تشابه كبير في مضمون تصريحات (روبرت ماكنمارا) وزير الدفاع الأمريكي، خلال حرب فيتنام، وتصريحات وزير الدفاع الحالي (دونالد رامسفلد) ( ).
فهل الوضع في العراق أشد خطورة عما كان عليه في فيتنام؟
نعم بل أسوأ بكثير من حرب فيتنام التي انتهت بانتصار الولايات المتحدة لكنه كان نصراً متوقعاً في نهاية مشوار دامٍ طويل؛ لكن الولايات المتحدة خرجت مثقلة بالجراح من تلك الحرب على الرغم من أن الجنود الأمريكيين لم يخسروا معركة واحدة لكن معظمهم عاد بأعصاب محطمة إلى بلده وهذا ما سيواجهه الجنود الأمريكيون في العراق. هناك فارق في المقارنة بين حرب فيتنام وحرب العراق. لأول مرة منذ انفرادها بلقب القوة العظمى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي لم تظهر الولايات المتحدة قوة عظمى في حرب العراق وإنما قوة كبيرة على عكازين( ).
مع ظهور شبح الحرب الطويلة الأمد في العراق، ظهرت مؤشرات عديدة حول رفض الحرب من قبل قطاعات أمريكية رسمية وشعبية واسعة، ومن أهم مظاهرها:
-التظاهرات التي خرجت بالآلاف في واشنطن ولوس أنجلوس للمطالبة بالانسحاب ولتوجيه تهمة الكذب والتلاعب لبوش وفريقه الحاكم( ).
-الجدل المتصاعد داخل الطبقة السياسية الأمريكية حول أسلحة الدمار الشامل، وحول التقارير المزورة التي استخدمتها الإدارة في تضليل الرأي العام لكسبه إلى جانب الحرب( ).
يعيد ويسلي كلارك، القائد السابق لحلف شمال الأطلسي، أسباب فشل الإدارة الأميركية في احتواء العراق بعد انتهاء الحرب النظامية إلى جملة من العوامل، ومن أهمها: أن الإدارة أعدَّت بشكل جيد للحرب العسكرية ولكنها قصَّرت في إعداد رؤية واضحة لمرحلة ما بعد انتهائها، أي كل ما له علاقة بموجبات الاحتلال من مهام أمنية واجتماعية واقتصادية. ولأنها لم تهتم بها –استناداً إلى منهج بوش وإدارته في التفكير- أخذت تعاني من المأزق الذي وقعت فيه نتيجة غياب التخطيط الدقيق( ). وإذا كان كلارك يحصر تلك الأسباب بعوامل محض مادية، إلاَّ أنه تناسى أن للشعور الوطني تأثيراً كبيراً كان على إدارة بوش أن تأخذه على محمل الجد.
إن استطلاعات الرأي العام الأميركي، تبيَّن تراجع نسب التأييد لرئيس الإدارة، وتدل على أن الأميركيين، الذين انبهروا بإعلان انتصار أميركا في الأول من أيار من العام 2003م، اكتشفوا مدى الكذب في الخطاب الرسمي بعد ظهور المقاومة العراقية. وكان الأميركيون من الممكن أن يتناسوا أخطاء الإدارة فيما لو ثبت أن النصر كان حقيقياً، وكان من الممكن أن ترتفع نسبة تأييده. ولكن هذا يدل، أيضاً، على أزمة أخلاقية تعاني منها أكثرية الأميركيين، فهم اعترضوا على بوش لأنه لم ينتصر، ولتكن تلك الحرب ظالمة، فهم لم يعترضوا على مبادئ العدوان ولكن اعترضوا على نتائجه. وعلى الرغم من كل ذلك، فقد حققت المقاومة العراقية إنجازاً كبيراً عندما حرمت إدارة جورج بوش من تثبيت نتائج الانتصار العسكري النظامي وحوَّلتها إلى هزيمة سياسية. وأياً تكن الأسباب والنتائج فقد حوَّلت المقاومة وقائع الأمور إلى مأزق أمام تلك الإدارة، ولعبت، ولا تزال تلعب، دور الناخب في صناديق الاقتراع الأميركي بامتياز. ولهذا فإن أزمة مماثلة للتجربة الفييتنامية قد تقلب كل المقاييس عند الرأي العام الأميركي، فهو وإن كان في الموقع الذي يبرر فيه للإدارة أخطاءها، إلاَّ أنه عندما يدفع دماً ومالاً من دون أن ينال ما يعوِّضها، تبدأ أزمة الثقة مع الإدارة السياسية.
كانت البداية في أن الرأي العام الأميركي، على المستويين: الشعبي والسياسي، أخذ يكتشف أساليب الخداع والكذب، فتضاءلت نسبة تأييد الأميركيين للحرب إلى أدنى مستوى في تاريخ استطلاعات الرأي حول هذا الموضوع، فبلغت نسبة، الذين لا يؤيدون الحرب، لأنه لا يوجد ما يبررها، 53%. وهذا انحدار كبير عن نسبة 89% من الذين كانوا يؤيدون بوش( ).

6-عرقنة الصراع في العراق: هروب الصقور إلى الأمام
دخلت القوات الأميركية إلى العراق، بدون تصور واضح لما ستؤول إليه الأوضاع بعد الانتهاء من العمليات العسكرية النظامية. وهذا ما كشفت عنه الكثير من التقارير الأميركية، سواء على المستوى الرسمي (باعتراف بعض أعضاء إدارة بوش بذلك)، أو بما أخذت تتداوله بعض وسائل الإعلام.
كان من الواضح –استناداً إلى مواصفات كل من رئيس الإدارة، باهتمامه بالعناوين الكبرى من دون الخوض في التفاصيل، أو وزير دفاعه ذو الاهتمام بالغموض والمغامرة على قاعدة أن لكل أزمة أو مشكلة وسيلة في المعالجة تأتي في مكانها وزمانها، ولذلك لم يكن يهتم بوضع تصور لعراق ما بعد الاحتلال، وإنما ترك معالجة السؤال إلى ما بعد الاحتلال نفسه.
لقد استند كل منهما إلى أن المرحلة العسكرية النظامية هي الخطوة الأساس، ومن بعدها تستبُّ الأمور، فيعملان على وضع حلول في وقتها، خاصة وأنهما –مع الإدارة كلها- كانا يتوهَّمان باستقبال عراقي حافل بالمودة بعد دخول أول جندي أميركي للأرض العراقية. ومن جانب آخر، كانت الإدارة قد اختبرت ولاء الذين أعدتهم في مختبرات مخابراتها، والإدارة لا تهتم بأكثر من أن تكون الواجهة العراقية مطواعة ومطيعة وقابلة للبصم على أية قرارات تتخذها إدارة الاحتلال. لقد اهتمت الإدارة بإعداد أسماء الأميركيين –من ذوي الخبرة- لاستلام كل مفاصل الإدارات الحساسة، بحيث يقوم العراقيون بتغطية شكلية لعمل أولئك الاختصاصيين.
لم ينطبق حساب الحقل الأميركي على البيدر العراقي، بعد أن أعاقت المقاومة إعلان النصر الأميركي، وراحت تتنامى إلى أن أخذت تشكل تهديداً خطيراً لأمن القوات الغازية. وإنه لو استقرت الأمور الأمنية، وضبطت حسابات المخططين الأمريكيين، حالة أمنية مناسبة وسهولة في استخراج النفط وتسويقه، لكانت الحسابات التفصيلية بغير فائدة، ولكان من الممكن أن تفتش إدارة الاحتلال –كما حسبها رامسفيلد لكل مشكلة جديدة حل يأتي في وقته عن حلول لتفصيلات شكلية طالما الهدفين الأساسيين، أمن القوات وأمن النفط، قد تم الحصول عليهما.
ولأن الأمنين كانا غائبين معاً، وقعت الإدارة في ورطة كبيرة. واستدرك الناقدون الأخطاء التفصيلية التي وقعت فيها الإدارة وراحوا يبنون عليها كل التحاليل والاستنتاجات. ولو فرضنا أن الإدارة قد تحسبت لكل تلك الثغرات، بينما لم يتم الحصول على الأمنين الاستراتيجيين، فلن تكون تلك الحسابات المسبقة بذات فائدة، فهي لن تقدم أو تؤخر.
إنما الحسابات الأساسية التي لم تكن الإدارة قد وضعتها في دائرة الاهتمام، فهي وجوب استشراف ما سوف تكون عليه ردة فعل العراقيين عندما تقع أرضهم تحت الاحتلال، وهي ذات علاقة بشعور الانتماء إلى وطن، ومدى ردة الفعل من أن يرى العراقي وطنه مستباحاً.
كان بإمكان الأميركيين أن يقرأوا جيداً جوهر موقف الرئيس صدام حسين وأسس الرفض التي بنى عليها حزب البعث قراره في المواجهة، ولكنهم لم يفعلوا. بل وضعوا مسألة الإحساس بالشرف الوطني في دائرة تفكيرهم المادي، أي أنه يمكن للعراقي أن يتخلى عن وطنه كتخليه عن سلعة للص اقتحم عليه منزله، فأعطاه السلعة كثمن للعفو عن حياته. فالوطن في المفهوم الرأسمالي سلعة يمكن مقايضتها بأي شيء، وهذا ما أثبت الواقع أنه ليس صحيحاً أبداً.
وبالإجمال أعاد الشعور الوطني السليم، والحاجة إلى امتلاك شرف وطني والدفاع عنه مهما بلغت التضحيات، حالة اللا توازن في القوى العسكرية إلى حالة جديدة من التوازن.
في مواجهة اللا محسوب، أخذ استنزاف قوات الاحتلال بحرب التحرير الشعبية يفرض على الإدارة الأميركية حسابات أخرى. فجرَّبوا القسوة الشديدة بشتى مسميات عملياتهم العسكرية كالعقرب والأفعى والمطرقة … لكنها لم تؤت أكلها. ومن هنا بدأ المأزق الأميركي يتعمَّق، ووُضعت الحلول قيد التجربة، وكان من أهمها خطة ما سمتها الإدارة الأميركية باللجوء إلى عرقنة المعركة والصراع، أي وضع العراقي في مواجهة العراقي. وكان من أهم أسسها التالية:
خلق تشكيلات سياسية وإدارية وقضائية وأمنية وعسكرية من العراقيين وإيهامهم بأنها ستنقل السلطة إليهم وتخرج القوات الأميركية إلى خارج المدن لتشكل حماية لأجهزة سلطة عراقية صورية، وتكون بمثل هذا الحل قد أخرجت قواتها من حالة اللا أمن التي عانت منها أشهراً قاسية ومرة وكئيبة. وعندما تنال القوات أمنها المفقود تتوجَّه نحو المحافظة على أمن النفط.
إن الخطة نظرية ومنطقية وسليمة. ولكن تطبيقها هو المستحيل. وهنا أثارت الخطة سخط وانتقادات القوى والشخصيات الأميركية، سياسية وعسكرية، موالية ومعارضة، وعدَّتها بأنها خطة الهروب إلى أمام.
تتلخص خطة »العرقنة« بإضفاء طابع عراقي على السلطة يتولى فيها العراقيون إدارة شؤونهم ضمن إدارة أميركية غير معلنة، وهي مقدمة لوضع دستور جديد وإجراء انتخابات عامة مع تأكيد على بقاء القوات الأميركية حتى تنجز مهامها. لكن أصواتاً كثيرة في أوساط الساسة والمحللين الأميركيين ارتفعت لتعلن أنهم يرون ذعراً في الخطة لأنها تدفع باستراتيجية تذكر بشبح فيتنام جديدة، ومن أهم مضامين التصريحات، ما يلي:
»إن سياسة الإسراع بعرقنة السلطة في العراق إنما هو نسخة من القطع والجري في فيتنام أي إنها أحد الطرق للهروب«( ).
-»لقد أسأنا التقدير، وأسأنا التخطيط، وأسأنا الفهم لمرحلة عراق ما بعد صدام، ذلك أننا كنا غير مستعدين لذلك بشكل فاجع ومثير للشفقة…لدينا الآن مشكلة أمنية، لدينا مشكلة في واقعية التصور، ولدينا مشكلة في الحكم.... والأهم أن الوقت ليس في صالحنا «( ).
يؤيد العسكريون والخبراء الأمنيون مخاوف السياسيين من خطورة الخطة:
-»إن الكيان العراقي الجديد إذا افتقر إلى الدعم الشعبي القوي، سيكون هشاً أمام سيطرة عنيفة (للمقاومة) « ( ).
-»إن السؤال الهام ليس فيما يتعلق بإمكانية نجاح تولي العراقيين لحكمهم وأمنهم الخاص؛ بل السؤال هو: هل يملك الجمهور الأميركي صبراً كافيا للسماح بحدوث ذلك؟«( ).
-»إن الإدارة الأمريكية أعلنت جدولاً زمنياً لترتيب ونشر قوات الأمن العراقية، ثم أعلنت التعجيل بهذا الجدول ثم عجلت به مرة ثانية وهذا يبعث رسالة للمقاومة العراقية مضمونها أن استمرار الهجمات سيؤدي لإخراج القوات الأمريكية«( ).
يعتبر بعض المحللين الأميركيين، تسليم الأمن لقوات عراقية، نوعاً من الهروب إلى الأمام. ففي رأيهم أن ما عجزت عن تنفيذه مئات الألوف من الجنود المدربين أفضل تدريب، ومن الذين يستخدمون أرقى أنواع التكنولوجيا المعروفة، لن تستطيع بضع من عشرات الآلاف من الميليشيات أن تنجح فيه( ).
يبقى قرار خواتيم الأمور في العراق بين يديْ تصاعد المقاومة العراقية، مما يديم بقاء الكثبان المتحركة تحت أقدام مجلس الحكم العراقي ومؤيديه. ولهذا لا تبدو خطوة إنهاء الاحتلال –حسب الخطة الأميركية- سوى محاولة يائسة لنوع ما من الهروب السريع( ).
خامساً: المقاومة العراقية تدق أبواب الولايات المتحدة الأميركية
فيما تواجه الولايات المتحدة المزيد من الصعوبات في العراق، تزداد شراسة الصقور الأميركيين في مهاجمة المشككين. فهم يتهمون المشككين بفقدان الصلة بما يجري. ويقولون إن هذا هو سبب الصعوبة التي تعاني منها الولايات المتحدة. وفي نهاية المطاف، ليس العراقيون، بل رسل التشكيك، هم الذين يقال إنهم يؤذون مصالح الولايات المتحدة( ).
ما يحصل على الساحة السياسية الأميركية، بعد تنامي تأثير المقاومة العراقية، هو حرب ثانية تواجهها إدارة صقور »القرن الأميركي الجديد«. والسبب أن الفشل الذي لحق بقوات الغزو الأميركي من خلال عجزها عن الإمساك بالساحة العراقية عسكرياً فتح الأبواب واسعة أمام حالة الاعتراض بين صفوف الحزب الديموقراطي، الذين، وإن كانت أهدافهم انتخابية، فإنهم يخوضون –بلا شك- حرب استنزاف سياسية ضد إدارة جورج بوش. وقد نقلت الصحافة الأميركية خاصة والصحافة الغربية عامة كثيراً من وجوه تلك الحرب. وقد شارك العديد من الكُتَّاب الأميركيين في خوض حرب هدفها كشف أكاذيب الرئيس بوش بالذات، ومن أهم معالمها ما يلي:
1-الكذب الذي مارسته الإدارة بكل ما له علاقة بذرائع الحرب.
2-الكذب في نقل صورة الواقع الميداني، خاصة بكل ما له علاقة بحجم الخسائر بين الجنود الأميركيين( ).
3-ليست معارضة السياسيين الأميركيين هي التي تمارس حرب استنزاف داخلية ضد الإدارة الحالية فحسب، بل دخلت المعارضة الشعبية أيضاً ميدان الاستنزاف بمشاركة فاعلة من أهالي الجنود( ).
4-دخول بعض الأوساط الدينية في أميركا (كمثل القس جيسي جاكسون) في معركة الاستنزاف الداخلي للإدارة الأميركية، على خلفية الحرب ضد العراق. وترى أن المأزق الحقيقي يكمن في اتخاذ قرار الحرب من جانب واحد من دون موافقة دولية، ولم تكن بطلب من العراقيين أنفسهم، وهي وضعت الإدارة الأميركية في مأزق التفاضل بين البقاء في حالة استنزاف دائم، أو الخروج والانسحاب وإن الأمرين أحلاهما مر( ).
وبهذا يكون الاحتلال الأميركي قد انقلب »من دور الغازي الانتصاري إلى موقع المتهم، ومن قبل مؤسسات دولته بالذات«( ).
وصلت الولايات المتحدة ، بعد تنامي المقاومة العراقية، إلى مأزق مزدوج: فمن جهة، لن يعني بقاء الاحتلال غير استمرار وتكاثر الأيام الرهيبة التي تحدث عنها رامسفيلد، وما ينجم عن ذلك من انحسار شعبية الإدارة الحاكمة وصولاً إلى خسارة الانتخابات. ومن جهة أخرى، سيفضي الانسحاب إلى النتيجة نفسها. وفي الحالتين ستكون تداعيات ذلك وخيمة جداً على الداخل الأمريكي وعلى مواقع الولايات المتحدة في التركيبة الدولية( ).
تدور حرب الاستنزاف الدائرة في الأوساط السياسية والعسكرية والأمنية في إدارة المحافظين الجدد، وفي أوساط الحزب الجمهوري الحاكم، حول مسألتين –من خلالهما يتقرر مصير الاحتلال الأميركي للعراق، وهما:
الأولى: مكابرة الرئيس بوش في توصيف الوضع في العراق »سنصمد في العراق... سننهي عملنا ولن ننسحب«( ) على أنه انتصار لأميركا ولحماية أمنها الوطني. وفي المقابل يصف المعترضون، المقرَّبون من الإدارة، ذلك الوصف بأنه كذب وخداع وشعوذة( ).
الثانية: إن الهم الأساسي لإدارة بوش هو تجميد الوضع في العراق، على قاعدة أن لا تنتشر رائحة الهزيمة فتزكم أنوف الرأي العام الأميركي، لأن فيه خسارة إدارته في الانتخابات ( ). وفي المقابل يفتِّش المعترضون عن أقصر طريق وأفضله لإخراج أميركا من نفق الهزيمة( ).
_ _ _
وبالإجمال يرى مسؤول روسي أن غزو العراق أدَّى إلى فشل ذريع، وتعود أسبابه إلى جملة من الأخطاء. فقد مضى عام ونيف منذ بدء احتلال العراق أدى إلى انهيار مجموعة كبيرة من حسابات الولايات المتحدة الأميركية.
فعلى صعيد الخطأ الأول كانت واشنطن في حاجة إلى برهان يبرر غزوها وفشلت في إيجاده.
وعلى صعيد الخطأ الثاني, فثمة من صوّر احتلال العراق أمام الرأي العام بأنه خطوة مهمة في النضال ضد الإرهاب، وإذا افترضنا أن الذين قاموا بالعملية العسكرية في العراق كانوا يستهدفون التخفيف من حدة الإرهاب الدولي, فلم يستطع هؤلاء تحقيق ما كانوا يصبون إليه.
أما الخطأ الثالث فيجيء من حساب أن الشعب العراقي سيرحب بقوات الاحتلال بوصفها قوات تحرير. وما حصل هو العكس من ذلك فقد تصاعدت في وجههم مقاومة غير مسبوقة.
ويجيء الخطأ الرابع في استناد البيت الأبيض على أن إعادة بناء العراق لن تشكل صعوبات تذكر, فاعتمد في البداية على مجموعة من المعارضين المهاجرين السياسيين ففشلوا.
أما الخطأ الخامس فيكمن في الاعتماد على دعم الشيعة.
ولعل المخرج الوحيد من مثل هذا الوضع العصيب يمكن أن يتمثل في بعثة الأمم المتحدة. كبديل لنظام الاحتلال. غير أن استبدال نظام الاحتلال في العراق ببعثة الأمم المتحدة لا يمكن أن يتم بين عشية وضحاها( ).
أما موقف قيادة المقاومة فيتلخَّص بأنه لا دور لأية جهة دولية أو عربية في العراق إلاَّ على قاعدة الخروج الشامل والتام لقوات الاحتلال دون قيد أو شرط.

ملاحق الفصل السابع
المرشح للرئاسة الأمريكية ليندون لاروش يفضح دور نائب الرئيس في خداع الرأي العام
27/ 1/ 2004م: التجديد العربي:
أكد تقرير نشر مركز جافي »الإسرائيلي «للأبحاث التابع لجامعة تل أبيب أن إسرائيل كانت شريكا كاملاً مع نائب الرئيس الأمريكي ديك تشيني ورئيس الوزراء البريطاني توني بلير في اختراع صورة استخباراتية كاذبة لأسلحة الدمار الشامل المزعومة في العراق. وقال التقرير الذي نشرته صحيفة "EIR" الأمريكية إن حملة تشويه المعلومات قامت بها الحكومات الثلاث بتنسيق تام لتبرير غزو العراق.
ويشير التقرير الذي حمل عنوان: »الحرب في العراق: فشل استخباراتي« إلى تشكيل لجان للتحقيق في أمريكا وبريطانيا للتأكد فيما إذا كانت جهات حكومية استغلت بشكل كاذب المعلومات الاستخباراتية لكسب الدعم لقرار شن الحرب في العراق، في حين أن الأسباب الحقيقية لهذا القرار كانت مخفية. ويقول التقرير إن إجراء مثل هذه التحقيقات مناسب لأن »إرسال البلد إلى الحرب استنادا إلى ادعاءات كاذبة يمثل إساءة خطيرة للعملية الديمقراطية«.
ويخلص التقرير إلى أن »الطرف الثالث في هذا الفشل الاستخباراتي (إسرائيل) بقي في الظل ومع ذلك فقد كانت الاستخبارات الإسرائيلية شريكا كاملا في الصورة التي قدمتها الاستخبارات الأمريكية والبريطانية فيما يخص إمكانات العراق غير التقليدية«. كما قدرت الصورة الكاذبة أن العراقيين كانوا قادرين على استخدام هذه الإمكانيات ضد إسرائيل، وفي الحقيقة طبعا فإن إسرائيل لم تتعرض للهجوم، إما لأن العراق لم يكن يملك الإمكانات، أو لأنه لم تكن لديه نية في القيام بمثل ذلك.
وقال كاتب التقرير الجنرال الاحتياط شلومر برون لـ”BBC” في 4 ديسمبر إن إسرائيل لم تكن فقط شريكاً كاملا... في تطوير صورة مزيفة، ولكنها أيضا عززت في قناعة الأمريكيين والبريطانيين بأن الأسلحة كانت موجودة. لو أن الاستخبارات الإسرائيلية قالت إن العراق لم يكن يملك تلك الإمكانات وأنه لم تكن هناك تهديدات حقيقية، فإن ذلك كان سيكون له بعض الأثر.
وخلال ساعات من نشر التقرير دعا عضو الكنيست يوسي ساريد في حزب ميريتس المؤيد للسلام إلى إجراء تحقيق مستقل في تلك الاتهامات. وقال ساريد للصحيفة الأمريكية: »لم أكن أبداً مؤيداً لصدام حسين، ولكنني عارضت الحرب خلال السبعة أو الثمانية أشهر الماضية علناً، لقد قلت إنه من الواضح أن أمريكا سوف تهزم العراق، لكن المشاكل القاسية ستأتي بعد الحرب«.
وقلت: »إن الحرب سوف تشجع في الواقع الإرهابيين« وحول الفشل الاستخباراتي قال: »كان واضحا بالنسبة لي أن -إسرائيل وأمريكا وبريطانيا- كانت تضخم الخطر العراقي لأهدافها الخاصة«.
ومع أن التقرير لا يسمي أي شخص أو يعطي أية تفاصيل عن كيفية عمل هذه الشراكة فقد كان المرشح الرئاسي ليندون لاروش في مقدمة من فضحوا دور ديك تشيني والمحافظين الجدد الذين نشرهم في إدارة بوش. والعديد من هؤلاء النشطاء -بما في ذلك نائب وزير الدفاع لشؤون السياسة دوج فيث، وريتشارد بيرل من مجلس دفاع رونالد رامسفيلد لعبوا دورا رئيسيا في حملة تشويه المعلومات خلال فترة التعبئة لغزو العراق. وهم معروفون أيضا بعلاقاتهم القوية مع اليمين الإسرائيلي ومتهمون بالولاء المزدوج.
وكانت EIR قد كشفت في 22 أغسطس 2003 أن مكتبا موازيا للمخططات الخاصة تم إنشاؤه بسرية في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي أرييل شارون للتنسيق مع فريق البنتاجون السري المسؤول عن حملة تشويه المعلومات. وكان ذلك المكتب تحت إشراف مدير مكتب شارون دوف فايسجلاس الذي كان صلة الوصل بين شارون وإدارة جورج بوش خاصة ديك تشيني.
ويعتبر تقرير جافي انتقاداً حاداً لفشل الاستخبارات الإسرائيلية الذي يمكن تطبيقه على إدارة بوش أيضاً. ويقول التقرير إن الطريقة التي تعاملت بها الاستخبارات الإسرائيلية في تلك القضية كانت تفتقر إلى المهنية مما قد يؤذي مصداقية الاستخبارات الإسرائيلية في قضايا أخرى مثل قضية المشروع النووي الإيراني. وقال التقرير إن الاستخبارات الإسرائيلية اعتمدت على رسم صورة لصدام حسين على أنه »تجسيد للشر« بغض النظر عن الأبعاد الأخرى لشخصيته.
وأضاف التقرير أن الهدف الأول لصدام حسين بعد هزيمته في حرب 1991 كان استمراريته وبقاءه، وأن أي برنامج تسلح غير شرعي كان سيشكل عاملا يهدد استمراره بدلا من ضمانه، ويقول كاتب التقرير إن صدام حسين كان يعتقد أنه فعل كل شيء طلب منه أن يفعله: »ولكن دون فائدة، لأن الهدف الحقيقي للولايات المتحدة كان تغيير النظام وليس تجريد العراق من أسلحة الدمار الشامل«.
ويعزو الجنرال بروم الفشل الاستخباراتي الإسرائيلي إلى القلق الكبير الذي تمتد جذوره إلى فشل الاستخبارات الإسرائيلية في توقع الهجوم الذي تعرضت له إسرائيل عام 1973 من قبل سوريا ومصر، ويهاجم التقرير انعدام المهنية الذي يعكسه التأكيد بأن العراق كان يملك صواريخ قادرة على ضرب إسرائيل على الرغم من أنه بعد العمل المكثف لمفتشي الأسلحة حتى 1998، فقد قدر عدد الصواريخ التي يملكها العراق بين صفر وعشرة صواريخ.. وقال الجنرال الإسرائيلي إنه في السنوات التالية، حدثت ظاهرة مفاجئة لم يتم جمع معلومات إضافية، ولكن التقديرات الاستخباراتية تغيرت واختفى احتمال أن العراق قد لا يملك أي صواريخ واستمر الرقم الأعلى في الزيادة إلى أن وصل إلى عشرات الصواريخ عشية الحرب في العراق.
ويدحض التقرير الادعاءات بأن صدام حسين كان ينوي مهاجمة إسرائيل لأنه كان يحاول إقناع المجتمع الدولي بأنه لا يملك أسلحة دمار شامل وأنه ليس هناك أسباب للحرب... وضربة وقائية (ضد إسرائيل) كانت ستعطي الولايات المتحدة السبب الأقوى للحرب.
كما يدحض التقرير الادعاء بأن صدام حسين كان من الممكن أن يشن هجوما انتحاريا ضد إسرائيل ليدخل التاريخ بعد سقوطه، فهذه النظرية لا تأخذ بعين الاعتبار حقيقة أن شخصا يسعى للبقاء مثل صدام حسين سيحاول العودة حتى بعد الهزيمة... فهل كان الهجوم على المدنيين الإسرائيليين بأسلحة دمار شامل سيزيد من فرص بقائه؟ أم إن ذلك من شأنه أن يقوي إصرار أعدائه على التخلص منه شخصيا أيضا؟.
وصرح مصدر استخباراتي إسرائيلي كبير أن »مركز جافي هو تقريبا البوق المدني للمؤسسة العسكرية والأمنية الإسرائيلية. التقرير جزء من صراع بين عدة أطراف داخل الجيش حول سياسات حكومة شارون«. وقال مصدر عسكري إسرائيلي آخر إن »الأمر بدأ منذ عدة أسابيع عندما دعا رئيس الأركان الإسرائيلي موشي يالون إلى تغيير في السياسة الإسرائيلية نحو الفلسطينيين، ذلك التصريح أغضب رئيس الوزراء شارون كثيراً«.
وقال الصحفي أوزي بينزمان في مقال له في هارتس في 7 ديسمبر إن الجنرال أموس جلعاد هو أحد المسؤولين عن الفشل الاستخباراتي، فهو الرجل »الذي قدم خلال العقد الماضي تقديرات استخباراتية عسكرية حول التوجهات في السلطة الفلسطينية، وكان أيضا مسؤولا بشكل كبير عن تشكيل التقديرات الاستخباراتية حول التطورات في العراق«.
ويعتبر أموس جلعاد أحد غلاة المتشددين في وزارة الدفاع الإسرائيلية، وهو الذي أدلى بتصريحات عن احتمال قيام صدام حسين باستخدام أسلحة دمار شامل ضد إسرائيل مما أثار الرعب بين الإسرائيليين وأدى إلى توزيع أعداد ضخمة من أقنعة الغاز خلال المرحلة الأولى من الحرب على العراق.
وتبين التحقيقات الأولية أن جلعاد كان مسؤولا عن هذه التقديرات الخاطئة، وعن إعطائها للولايات المتحدة في وقت مبكر ربما كان في 1997، وخاصة في 1998 عندما كانت إدارة كلينتون تخضع لمحاولات جرها لشن حرب على العراق. كما كان جلعاد على الأرض في مخيمي صبرا وشاتيلا عندما قامت ميليشيات حزب الكتائب اللبنانية -بتوجيه من شارون- بتنفيذ المذبحة الشهيرة ضد الفلسطينيين هناك.
***
»شهود الزور العراقيون«
9/ 2/ 2004م: دورية العراق: سعد داود قرياقوس:
احمد الجلبي ومؤتمره، خضر حمزة وحسين الشهرستاني والحيدري، كشهود على حيازة العراق لأسلحة الدمار الشامل. و لفق أياد علاوي وحركته الهامشية أكذوبة الصواريخ المحملة بأسلحة الدمار الشامل القابلة للانطلاق في مدة 45 دقيقة، والقادرة على الوصول إلى بعض المدن الأوربية؟! وقدم عبد العزيز الحكيم والمجلس الأعلى وثيقة أل 16 صفحة المزورة كلياً، والتي ادعى بأنها مستلة من ملفات الحكومة العراقية، بالإضافة إلى تقديم المجلس لمعلومات إلى الإدارة الأمريكية تشير إلى وجود أسلحة مخبئة تحت إحدى المستشفيات في مدينة البصرة أو تحت مدرسة إعدادية في مدينة العمارة، وغيرها من التلفيقات التي أثبتت لجان التفتيش الأمريكية كذبها الواضح. هذه الخدمات لم تكن مجانية، ولم تكن بدافع الحرص على أمن الشعبين الأمريكي و البريطاني، بل كانت خدمات قائمة على مقايضة سياسية ولقاء مكافأة مالية كلفت دافع الضريبة الأمريكي الملايين من الدولارات كما أشارت إليه صحيفة النيويورك تايمز في مقال لها نشر مؤخراً.
استمرت المغالطات والأكاذيب بعد احتلال العراق.، فنشر مصدق محسن الجنابي، سكرتير ما يسمى بالمركز العراقي للدراسات الديمقراطية مقالاً بعنوان (ليس هنالك اشد عمى من أولئك الذين لا يريدون أن يبصروا أسرار برنامج أسلحة الدمار الشامل العراقي وتطورها). (إيلاف 27 ابريل 2003). قدم المقال مزيجا غريبا من النظريات الفنطازية عن مواقع وعناوين مراكز البحوث والكميات المنتجة من الأسلحة البايولوجية والكيماوية وعدد الصواريخ ومناطق تواجدها، لا بل عرض أيضاً ألوان رؤوس بعض الصواريخ؟! قدم لنا هذا الديمقراطي في مقال واحد ما لم تستطع اكتشافه فرق التفتيش الدولية في أكثر من 1800 جولة تفتيشية خلال الأشهر التي سبقت الحرب، مستخدمة الأجهزة الالكترونية المتطورة والمدعومة بقدرات المسح الجوي المتقدمة. وعجزت عن تقديمها أجهزة المخابرات الأجنبية بكل إمكانياتها الهائلة، وعجزت عن إثبات وجودها لجنة ديفيد كي المتكونة من 1400 خبير أمريكي وبريطاني متخصص. بالإضافة إلى اللجان الأمريكية والبريطانية الأخرى.
***
»كيندي يتهم بوش بالكذب لشن الحرب على العراق«:
15‏/01‏/2004 نيوز أرشيف:
إتَّهم ‏السيناتور لديموقراطي إدوارد كيندي إدارة الرئيس بوش بالتصميم على القيام بحملة عسكرية في العراق قبل التأكد من امتلاكه لأسلحة دمار شامل، مؤكداً أن إدارة بوش تولت زمام السلطة وهى عازمة على البحث عن ذريعة للإطاحة بصدام حسين، واعتبر أنه يتعين ألا يوظف رئيس أمريكي أيديولوجية مضللة ويحرف الحقائق ليخوض حرباً. واتهم إدارة بوش باتباع »أيديولوجيا أي ثمن« بما في ذلك »تشويه الحقيقة«. وأضاف »لو وضعت أمام الكونجرس والشعب الأميركي كل الحقيقة لما كانت أميركا قد ذهبت أبدا إلى الحرب« في العراق. ووصف نائب الرئيس الأميركي ديك تشيني ووزير الدفاع دونالد رامسفلد ومساعده بول وولوفيتز بأنهم »محور الحرب«. وأشاد كيندى بتصريحات بول اونيل وزير الخزانة الأمريكي السابق التي قال فيها إن إدارة الرئيس بوش خططت لحرب العراق قبل وقت طويل من هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م.
***
زلزال (كاي) يهز البيت الأبيض وتشيني قد يكون كبش فداء():
النهار: الأحد 1 شباط 2004 - السنة 71 - العدد 21861 : واشنطن ـ من توماس جورجيسيان
»زلزلت تصريحات الرئيس المستقيل للفريق الأميركي للتفتيش عن أسلحة الدمار الشامل العراقية ديفيد كاي، واشنطن بما فيها ومن فيها. وحاول البيت الأبيض جاهدا احتواء الأزمة وتحجيم الخسائر الناجمة عما قاله كاي عن عدم وجود أسلحة دمار أو عجز استخباراتي فسره البعض بـرغبة الإدارة في استغلال الموقف وتسييس المعلومات لخدمة أغراضها. لذلك تعالت الأصوات وترددت أنباء في شأن محاسبة الإدارة وإيجاد مسؤول عن هذه المهزلة السياسية وربما البحث عن كبش فداء يكون الضحية. المرشح الديموقراطي البارز للرئاسة الأميركية السناتور جون كيري لم يتردد للحظة في الأيام الأخيرة من تكرار القول إن الرئيس جورج بوش ضلل الشعب الأميركي وخدعه. ووجه كيري أصابع الاتهام، وإن تلميحا، إلى نائب الرئيس ديك تشيني وما قيل عن زيارته لمقر وكالة الاستخبارات المركزية (السي آي إي) وضغوطه على مسؤوليها وإصراره حتى الأسبوع الماضي على أن العراق كان يملك أسلحة دمار شامل. وطالب أكثر من سياسي برأس مدير (السي آي إي) جورج تينيت وخصوصا من جانب ساسة جمهوريين من الوزن الثقيل يرون منذ فترة ان تينيت انتهت صلاحيته وان السبب الوحيد لبقائه في منصبه يكمن فقط في أنه يتمتع بثقة البيت الأبيض. ودعا كيري بدوره قبل يومين إلي إقالة تينيت. وكان دعا سابقا إلى إقالة وزير العدل جون اشكروفت وهو الأب الروحي لقانون (باتريوت أكت) وقوانين محاربة الإرهاب والحد من الحريات المدنية.
ومع اهتزاز سفينة إدارة بوش وتزايد حدة الانتقادات الموجهة إلى مبررات دخولها الحرب وسقوط قتلى زاد عددهم عن 500 حتى الآن وإنفاق عشرات المليارات من الدولارات ترددت من جديد الشائعات والتساؤلات عن تشيني ومصيره. وهل وجوده مع بوش في الانتخابات المقبلة يمثل عبئا ، كما يقول البعض، ولذلك يتعين اختيار مرشح جديد اكثر شعبية وقبولاً. وكان استطلاع للرأي أجرته صحيفة (النيويورك تايمز) الشهر الماضي أظهر أن شعبية تشيني أو النظرة الإيجابية إليه قد تدنت إلى 20 في المئة من 39 في المئة في كانون الثاني .2002 كما ان الحديث الدائم عن العراق وقرار الحرب وتوزيع الغنائم وكعكة الإعمار على أصدقائه وخصوصا مجموعة (هالبيرتون) العملاقة التي رأس تشيني مجلس إدارتها قبل دخوله البيت الأبيض، كلها عوامل سلبية ضد الإدارة. وفي رأي بعض المقربين من الحزب الجمهوري أن هذه الأشياء لا يمكن تجاهلها في هذا الوقت بالذات.
***
»كيري : إننا خدعنا .. ويجب محاسبة إدارة بوش«:
26‏/01‏/2004 مفكرة الإسلام:
حول كذب الإدارة في ملف امتلاك العراق أسلحة للدمار الشامل، قال السناتور جون كيري الذي يسعى للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي لانتخابات الرئاسة الأمريكية ونقلا عن رويترز إن على أعضاء الكونجرس الأمريكي التحقيق في الأمر. وأن يحاسب ديك تشيني وآخرون في الإدارة ممن ضللوا الشعب الأمريكي فيما يتعلق بالوضع الحقيقي لأسلحة الدمار الشامل بالعراق. وتابع قائلاً: إننا خدعنا .. خدعنا ليس فقط في المعلومات المخابراتية ولكن أيضا خدعنا في الطريقة التي قادنا بها الرئيس للحرب. وانضم كيري في دعوته لإجراء تحقيق بهذا الشأن إلى ديمقراطيين آخرين يتنافسون للفوز بترشيح الحزب الديمقراطي على أمل ان يتمكنوا من هزيمة الرئيس الأمريكي جورج بوش في الانتخابات. ومنهم: السناتور جوزيف ليبرمان وهو مرشح ديمقراطي. والسناتور الديمقراطي جون ادواردز. والجنرال المتقاعد ويسلي كلارك.
ويسلي كلارك وآخرون يتَّهمون بوش بالتلاعب بالمعلومات
ففي 6/ 10/ 2003م: ميدل ايست اونلاين - كريستال سيتي (الولايات المتحدة) - اتهم ويسلي كلارك المرشح الديموقراطي للانتخابات الرئاسية الأميركية الجمعة إدارة الرئيس جورج بوش بالتلاعب بالمعلومات التي استندت إليها لشن الحرب على العراق. ودعا إلى فتح تحقيق مستقل في الطريقة التي استخدمت بها إدارة بوش معلومات الاستخبارات لإقناع الشعب الأميركي بضرورة شن الحرب على العراق. وقال إن إدارة بوش »تتعامل مع المسألة بشكل عكسي. فهي تبدأ بالحل ثم توجد له مشكلة وتتلاعب بالحقائق لتناسب الوضع«. ورأى كلارك ان النتيجة حتى الآن هي »تكاليف وعراقيل هائلة سنواجه المزيد منها في المستقبل«. وأشار إلى أن »الإدارة تسعى إلى (...) الحكم ضد إرادة الأكثرية«، وتلجأ لذلك إلى »حقائق محرفة والصمت والأسرار والتعتيم«. وأكد أن إدارة بوش »أرهبت جميع معارضيها من خلال الرد على جميع الذين يسألونها عن الوقائع ويتحدون منطقها«. وطلب من جديد تشكيل لجنة مستقلة للتحقيق في التسريبات التي كشفت هوية عميل في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية.
وقال السناتور إدوارد كينيدي الديموقراطي من ماساشوستس (شمال شرق) وعضو لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ، بعد الاستماع هذا الصباح إلى تقرير ديفيد كاي، من الواضح أن العراق لم يشكل أبداً أي تهديد. وأضاف كان من الخطأ تعريض حياة الأميركيين للخطر بسبب قضية مشكوك في أمرها ولا يزال عدد كبير منا يعتقد أن هذه الحرب كانت خطأ.
وأعلن السناتور كارل ليفين المسؤول الثاني في لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ أن عدم العثور على أسلحة دمار شامل يعزز ضرورة أن يحدد التحقيق الجاري حول أجهزتنا الاستخباراتية ما إذا كانت تلك المعلومات قد تم التلاعب بها أو تضخيمها.
***
»كيف تتخلص القوات الأمريكية من جثث جنودها ؟؟«
- صابر شوكت: شبكة البصرة: بغداد:
قام أناس بسطاء من أهل العراق بجمع هذه الجثث التي تخيلت القوات الأمريكية أنها تخلصت منها ودفنها في مقابر جماعية في عدة مناطق منها شاطئ نهر ديالى ومنطقة الثرثار بسامراء ووادي حيران الصحراوي بمنطقة الرطبة. ان صيادي نهر ديالى في باديء الامر منذ نهاية شهر آب/أغسطس اصطادوا في شباكهم أكياساً سوداء بها 3 جثث لجنود أمريكان وابلغوا القوات الأمريكية التي تسلمتها منهم ومن زملاء صيادين من مناطق أخرى من نهر دجلة وفي ناطق نائية وكانت الجثث مشوهة المعالم ومنها جثث نساء . وكانت اغلب الجثث عارية والنيران قد آتت تماماً على ملامح وجوهها، ولكنهم فوجئوا بعد ذلك أن القوات الأمريكية تعلن أن هؤلاء الجنود انتحروا بإغراق أنفسهم في النهر. (ووضعوا أنفسهم في أكياس سوداء قبل ان يرموا أنفسهم في النهر – دورية العراق) . ويؤكد الصيادون آن الأمر بدأ في شهر آب/أغسطس حيث يتجمع الصيادون فجراً لبدء الصيد كأفضل موعد له وكانوا يفاجأون بالمروحيات الأمريكية تلقي أكياساً ضخمة في ظلمة الفجر. فيفاجأون بداخلها بجثث متفحمة تماما ومنهم فتيات وجميع الجثث عارية ولكن بقي منهم بعض معالم تؤكد أنهم ليسوا عراقيين وانهم أجانب ومن ملامح جنسيات مختلفة. وأكد الصيادون أن لديهم اكثر من 65 جثة لجنود الجيش الأمريكي في مقابرهم الجماعية التي دفنوهم فيها وهم على استعداد لكشف أسرارها فقط لمنظمات دولية محايدة لنقل هؤلاء الضحايا إلى أسرهم. وأكد (ع. ي.) أن منطقة ثرثارة المهجورة في صحراء سامراء اكتشف بها بعض الأهالي من البدو الرحل جثث جنود أمريكان في أكياس سوداء وكذلك في منطقة وادي حيران الصحراوية . لقد لاحظ سكان مدينة الرطبة تزايد عدد الذئاب في المنطقة بسبب كثرة عدد الجثث التي تلقيها المروحيات الأمريكية في الصحراء على أمل أن تلتهمها وحوش الصحراء، وجمع الأهالي كثيرا من بقايا هذه الجثث ودفنوها في مقابر جماعية.
***
تظاهرات في العاصمة الأميركية ضد الحرب على العراق
25-10-2003م: وكالات:
تظاهر نحو عشرين ألف شخص من معارضي الحرب في العراق في العاصمة الأميركية مرددين »بوش كذاب« ومطالبين برحيل القوات الأميركية من العراق على خلفية التحفظات المتزايدة للرأي العام الأميركي إزاء الوضع في هذا البلد. وتعتبر هذه التظاهرة من أكبر التظاهرات منذ نهاية العمليات العسكرية التي أعلنها الرئيس الأميركي جورج بوش في الأول من أيار/مايو. وكان المقصود من هذا التجمع أن ينسجم مع ما يتردد لدى الرأي العام من تحفظ متزايد حول العمليات في العراق، كما أفادت دراسة أعدها معهد البحوث بيو قدرت بـ 39 في المئة عدد الأميركيين الراغبين في انسحاب القوات الأميركية من العراق في أقرب وقت، مقابل 32 في المئة في شهر أيلول/سبتمبر.
ورفع المتظاهرون يافطات بلغات مختلفة: الإنكليزية والأسبانية والعربية والعبرية والكورية تطالب »بوقف الحرب«. ورددوا: »بوش كذب الناس يقتلون« و»أعيدوهم إلى ديارهم« ورفعوا رسوماً كاريكاتورية للرئيس بوش ونائبه ديك تشيني.
وصاحت (نانسي ليسن (إحدى منظمات التجمع »نريد أن يسمع صوتنا حتى بغداد« مثيرة صيحات حماسية في الحشود التي كانت ترفع مظلات رسم عليها رمز السلام.
واتهم أحد المرشحين الديموقراطيين التسعة للانتخابات الرئاسية 2004 القس آل شاربتن بوش »بالكذب« وقال: »لقد كنا على صواب عندما قلنا أن بوش كان يجر الشعب إلى الخطأ وما زلنا على صواب اليوم«. وأضاف »يجب أن تتوقف عن الكذب نريد وقف إزهاق الأرواح الأميركية في العراق« داعياً الكونغرس إلى عدم الموافقة على منح المزيد من الأموال لمواصلة العمليات في العراق.
واتهم وزير العدل السابق في إدارة الرئيس ليندن جونسون (1967-1969) رامسي كلارك الذي يقود حملة من أجل إقالة بوش، الرئيس الأميركي بأنه جعل من الولايات المتحدة بلداً »خارجاً على القانون الدولي«. وقال: »إن اكبر خطر على السلام والأمن هي سياسة جورج بوش وليس الإرهاب«.
***
الفتنمة تطل برأسها في العراق إحلال الجنود العراقيين محل الأميركيين يعرض الولايات المتحدة للانتقاد ويذكر بشدة بالمستنقع الفيتنامي
8‏/11‏/2003 ميدل ايست اونلاين-واشنطن - من كريستوف دو روكفوي:
عندما قررت الولايات المتحدة خفض عدد جنودها في العراق وتعزيز عدد القوات العراقية في هذا البلد لتحل محلهم، تعرض هذا الخيار لانتقادات لأنه يذكر بسياسة اعتمدت في فيتنام وانتهت بهزيمة منكرة للقوات الأميركية. وأعلن معلقون ورجال سياسة أن إحلال عسكريين ورجال شرطة عراقيين" محل القوات الأميركية يذكر بخيار الفتنمة الذي اعتمدته الولايات المتحدة قبل انهيار جنوب فيتنام أمام قوات الشمال في 1975م. وكان خيار الفتنمة الذي قرره الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون يقضي بنقل تنفيذ العمليات العسكرية تدريجيا إلى أبناء جنوب فيتنام بهدف إخراج الولايات المتحدة من رمال فيتنام المتحركة بعد نزاع طويل اودى بحياة اكثر من 58 ألف جندي أميركي.
وبرزت في الأيام الأخيرة أصوات عدة مشككة بهذه السياسة واعتبرت أنها لا تؤدي إلى الكثير من الاستقرار في البلاد من اجل الرغبة في طمأنة راي عام قلق من الهجمات المتواصلة ضد القوات الأميركية قبل عام من الانتخابات الرئاسية.
وقال كاتب المقالة الأميركي فريد زكريا »باتت واشنطن تعتقد بعد الاحباط الذي أصابها جراء فقدان التقدم ميدانياً، إن نقلاً سريعاً للسلطة إلى قوات ورجال سياسة محليين سيحسن الأمور«. هذا ما كان يدعى الفتنمة أو »المستنقع الفيتنامي«، وهو الآن يتحول إلى »المستنقع العراقي». «وفي الأمس كما اليوم، انه استراتيجية خروج اكثر منه انتصار«.
واعتبر توماس فريدمان، وهو معلق اخر يتمتع بتأثير، إن »خلق شرطة وجيش عراقيين ضروري لكنه غير كاف«.
ورأى في مقال نشرته نيويورك تايمز »إذا كان لديكم جيش وشرطة وليس حكومة شرعية فعلا، فذلك يعني ان دور هذا الجيش وهذه الشرطة سيبقيان عائمين من دون اي ارتباط حقيقي بسلطة حكومية أو مع الشعب«.
وضم السناتور الجمهوري جون ماكين، الطيار والأسير السابق في فيتنام الذي يعتد برأيه في هذه الامور، معبراً عن خشيته من ان تكون واشنطن »توجه رسالة تقول ان اميركا تولي اهمية اكبر للخروج من العراق بدلا من تحقيق أهدافها فيه«. وتساءل »إذا لم يتوصل الجيش الأميركي، الأفضل في العالم، إلى القضاء على المتمردين العراقيين، فكيف سيتمكن عناصر ميليشيا عراقيون تدربوا لبضعة أسابيع من القيام بذلك بطريقة افضل؟«.
وأراد وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفلد ان يكون مطمئنا وهو يرد الخميس بالقول ان التفكير بخفض القوات لن يتم على حساب الأهداف العسكرية وإحلال الأمن في هذا البلد الذي تطمح واشنطن إلى جعله نموذجا للديموقراطية في الشرق الأوسط.
وأوضح »سنستقدم قوات معدة لمواجهة التهديدات القائمة في العراق اليوم، بما في ذلك المزيد من قوات المشاة المتحركة«.
وأعلن وزير الدفاع الأميركي»وسواء بقيت القوات الأميركية على حالها أم تم تخفيضها بصورة طفيفة، فان أمراً واحدا يظل أكيداً وهو أن القدرة الإجمالية لقوات الأمن في العراق ستزداد«، مؤكدا أن »العدد لا يعكس بالضرورة مستوى الكفاءة«.
***
القوات الأميركية تتدرب على وسائل الجيش »الإسرائيلي« في قمع المقاومة
9/ 12/ 2003م: رام الله ـ القدس العربي ـ من وليد عوض:
تتدرب قوات امريكية في صحراء النقب على أساليب عسكرية »إسرائيلية« متبعة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، للتأهل في الحرب على الإرهاب ، وقمع المقاومة في العراق. وأكدت مصادر »إسرائيلية« أن »الجيش الاسرائيلي« صمم نموذجاً لمدينة فلسطينية في صحراء النقب لتدريب »الجيش الاسرائيلي« والقوات الخاصة التابعة له على اقتحام المدن الفلسطينية، ووضعها تحت تصرف القوات الأمريكية للتدريب عليها. ونقل عن قائد عسكري أمريكي في تل أبيب قوله ان ضباطـًا أمريكيين يزورون »اسرائيل« بشــــكل دوري مــــنذ العدوان الأمريكي على العــــراق للاطلاع على الأســـاليب التي ينتهجها »الجيش الاسرائيلي« في الأراضي الفلســطينية المحتلة.
وقال إن قـــوة من كبار الضبـــاط »الاسرائيلـــيين« يتابعون التدريبات الأمريكية في هذه المدينة، ويركزون بشكل خاص علي تأهيل ضباط ميدانيين قبيل توجههم إلي العراق.
وذكرت مصادر صحافية أن الجيش الأمريكي في العراق يتبني أساليب عسكرية »اسرائيلية« لمواجهة المقاومة العراقية، حيث بدأت القوات الأمريكية بهدم المباني التي يشتبه بأنها استخدمت من قبل المهاجمين العراقيين، كذلك بدأ الأمريكيون بإحاطة قري كاملة بأسيجة من الأسلاك الشائكة، بهدف السيطرة علي تحركات السكان عن طريق نصب حواجز عسكرية وفحص الهويات الشخصية.
وعقد دورات شبيهة لقوات امريكية في »اسرائيل« قبل الحرب على العراق. واكدت مجلة نيويوركر ان القوات الخاصة الامريكية في العراق تتلقي مساعدة سرية من »اسرائيل«.
واضاف المقال الذي يورد مصادر غير محددة من اجهزة الاستخبارات الامريكية و»الاسرائيلية«، ان القوات الخاصة الامريكية عملت بشكل وثيق مع عناصر كوماندوس ووحدات »استخبارات اسرائيلية« خلال التحضير للحرب علي العراق.
واوضح المقال الذي يحمل توقيع الصحافي سيمور هيرش ان الادارة الامريكية والحكومة الاسرائيلية قررتا الحفاظ على السرية المتعلقة بتعاونهما.
ولاحظ الصحافي ان اعتماد الادارة الامريكية على العمليات السرية يزداد، مشيرا الى ان الأولوية لدى القوات الخاصة الامريكية هي القضاء على القيادة البعثية من خلال الاعتقال او القتل . ولتحقيق هذا الهدف تشكلت فرقة من الاجهزة الخاصة في البحرية ووكالة الاستخبارات المركزية الامريكية (سي.اي.ايه) وستقدم تقريرا عن عملياتها في كانون الثاني (يناير).
من جهة أخرى تحول ميناء حيفا »الإسرائيلي« إلى محطة لاستيراد الســيارات المستعملة المصدرة من أوروبا إلى العراق، فيما يتوقع مراقبون ان تزدهر هذه التجارة في المستقبل.
وأبلغ شلومو فوغل، احد مالكي أحواض السفن في مرفأ حيفا، وكالة يونايتد برس انترناشنال أن عشرات السيارات المستعملة تصل إلى حيفا مرة في الأسبوع، ثم ترسل إلى مرفأ الزرقاء في الأردن لتنقل بعدها إلى العراق. وتوقع فوغل ايضا ان يصبح مرفأ حيفا مركزا لتصدير الحبوب إلي العراق.
***
المقاومة العراقية تصيب مقاتل في دبابة »إبرامز« الأميركية
‏18‏/12‏/2003 بغداد - د. حميد عبد الله - خاص لأخبار الخليج:
كشفت تقارير عسكرية أمريكية في بغداد أن خبراء الجيش الأمريكي لم يتوصلوا بعد إلى ماهية السلاح الذي استخدمته المقاومة العراقية ضد عدد من الدبابات الأمريكية والذي أدى إلى إحداث ثقوب كبيرة في جسد تلك الدبابات مما أدى إلى شل حركتها نهائيا. وطبقا لتقرير عسكري سري أصدره خبير أمريكي استقدم إلى العراق لدراسة الأضرار التي ألحقها ذلك السلاح بدبابة أمريكية من نوع (إبرامز ) موديل (miai) التي يبلغ وزنها 69 طنا والتي مضى على صناعتها 20 عاما هو أن السلاح الغامض كان قد أحدث ثقبا بحجم قطر قلم الرصاص في جسد الدبابة .
وقال كاتب التقرير تيني هيوز، وهو خبير تقني قام بفحص إحدى الدبابات في بغداد: ان الثقب الذي أحدثه السلاح الغامض كان من الصغر بحيث لم يدخل فيه إصبعي. وجاء في تقرير هيوز أيضا ان الاطلاقة الغريبة التي يطلقها السلاح الأغرب قد اخترقت غرفة ركاب الدبابة ثم مرت من خلال ظهر مقعد جندي المدفع واستقرت أخيرا في الجانب الآخر من الدبابة محدثة ثقبا بحجم 2.1 انج، وقد شلت حركة الدبابة تماما بعدما أصابت مكونات حساسة منها. ووصف ضباط أمريكان تقرير هيوز بعد ان قرأوه بأنه مكتوب بلغة حماسية، قلقة نادرا ما تكتب بها التقارير الفنية حيث وردت فيه عبارة تقول: ان الوحدة كانت متعطشة إلى معرفة ماهية هذا (الشيء)، ومن الواضح ان الجسم المخترق كان مصنوعا من معدن أصفر ولكن أي سلاح أطلق هذا الجسم وماهية هذه الاطلاقة؟ فذلك هو اللغز!! ويعتقد خبراء السلاح الأمريكان أن هذا السلاح الذي استخدمته المقاومة العراقية لأول مرة في شهر أغسطس الماضي ضد دبابة أمريكية كانت تجوب شوارع بغداد هو بكل الأحوال ليس (آر.بي .جي/7) وهذا ما يزيد من قلق طواقم الدبابات ويزيد من حيرة خبراء السلاح، وما يؤكد ذلك أن هذا السلاح يتسبب في ارتفاع درجة الحرارة داخل الدبابة إلى درجة تحفز جهاز مكافحة النيران على العمل. وأوضحت الصور التي التقطت لدبابة تعرضت للإصابة بهذا السلاح أن الثقب الذي أحدثه السلاح في الدبابة لم تظهر على حافاته آثار احتراق كما هو مألوف في مثل هذه الحالات. من جهة أخرى قال خبير في تصاميم الدبابات ومهندس أسلحة مضادة للدروع ( ان هذا السلاح غريب حقا.. انه رأس حربة من نوع ما ولكنه ليس آر بي جي/7).
ولشدة حساسية الموضوع كان خبراء الأسلحة يوافقون على إبداء الرأي بشأنه بشرط عدم الكشف عن أسمائهم وقد قال أحدهم - وهو يعمل في قاعدة فورت نوكس - ان السلاح ربما يكون (آربي جي/7) ولكنه من النوع المطور، فمنذ 15 عاما عمل الخبراء الروس على تطوير نوع منه وهو ما أطلق عليه .pg-tvr أما الشركة المصنعة للدبابة (إبرامز) فقد وافق مهندسوها على هذا الرأي، ولكنهم أضافوا إليه استنتاجا مهما يقول: ان الاطلاقة قد تكون مصنوعة من (الذهب الأصفر) ولكن تبقى هذه كلها تخمينات لأن أحدا لا يعرف الحقيقة حتى الآن. ولقائد الوحدة التي أصيبت دبابتها رأي في الموضوع إذ يقول (نرجو ألا نكون هدفا حيا لتجريب أسلحة جديدة فلا أحد يحب أن يكون كذلك).
***

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق