بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 22 يناير 2010

الإمبراطورية الأميركية بداية النهاية (الفصل الأول)

الباب الأول
مشروع القرن الأميركي الجديد:
فلسفة وآليات


الفصل الأول
تصنيع الحلم الأميركي
»على حلفاء أمريكا أن يواجهوا حقيقة أنهم جنود في إمرة القائد الأمريكي، وأن يقوموا بالتالي بأداء المهام المطلوبة منهم لأن في ذلك ضماناً لمصلحة أمريكا ولمصالحهم هم«( ).
هنري كيسنجر
مقدمات تاريخية
أصدر الرئيس الأميركي (جيمس مونرو 1817 – 1825م) وثيقة تنص على أن الولايات المتحدة الأميركية تلتزم باحترام استقلال، ومراكز نفوذ، الدول الأوروبية؛ وعلى هذه الأخيرة احترام استقلال الولايات المتحدة( ). من خلال هذا المبدأ كان مونرو يتطلع إلى فرض سيطرة بلاده على القارتين الجديدتين وهو ما يعتبر المرحلة الأولى في المشروع الإمبراطوري الأمريكي( ). وهي اللبنة الأولى التي أسست لإيديولوجيا أميركية متميزة بتوسيع رقعة السيطرة على مقدار تميُّز رأس المال بالربح والتراكم. ولذا عملت إيديولوجيا الطبقة الأميركية البيضاء، القادمة من الخارج، على مسارين متكاملين: الهيمنة الطبقية العرقية والاقتصادية في داخل الولايات، والهيمنة السياسية والاقتصادية في القارة الأميركية أولاً، وللهيمنة على اقتصاد العالم ثانياً، وهو ما عُرف في هذه المرحلة بالعولمة الأميركية أو »أمركة العالم«.
منذ الربع الأخير من القرن التاسع عشر، لم يهتم الشماليون في أميركا إلاَّ بالانتعاش الاقتصادي والتطور الصناعي، تلك الخطوة التي جعلت من الولايات المتحدة الأميركية أكبر قوة اقتصادية في العالم. ولعدم وجود قوانين لتنظيم الإنتاج والمتاجرة، فقد استفادت الشركات الكبرى من ذلك، وتحوَّلت إلى اتحادات (تروستات) كبرى سيطرت على مجمل الحياة الاقتصادية الأميركية؛ وطبَّقت مبدأ داروين على الحياة الاقتصادية تحت شعار »إن الأقوى والأكفأ في الصراع مع الحياة هو المنتصر«.
ففي ظل سيطرة إيديولوجيا رأس المال، وفي ظل تصاعد الحركة الصناعية، التي لا بُدَّ من أن تنتج صراعاً بين الطبقات، تكوَّنت نقابات سرية للعمال تحت اسم »فرسان العمل/Knights of Labour «، وصعَّدت نضالها بعد بروزها للعلن، وطالبت بحقوقها، فحاربها أرباب العمل بواسطة العمال المهاجرين.
ولكي يضمن أصحاب الشركات الكبرى الاستمرار في سيادة رأس المال، ترافق بناء مشروعهم الإيديولوجي مع هدف الهيمنة على القرار السياسي الداخلي، وهذا يقتضي السيطرة على صانعي القرار السياسي، ومفصلهم الأساسي رؤساء الجمهورية، ولهذا قلَّما وُجد رئيس أميركي يهتم بشؤون العمال. وكانت هناك استثناءات من بينهم، كمثل (تيودور روزفلت 1901- 1909م)، ولم تشكل ظاهرته استمرارية في سلوك غيره من الرؤساء، فعانت الحركة العمالية الأميركية من اضطهاد النظامين الاقتصادي والسياسي. وتعرَّضت قياداتهم إلى الملاحقة والاعتقال والاغتيال( ).
وعلى خطى (مونرو) تصاعدت وتيرة مشروع السيطرة على القارة الأميركية خلال رئاسة الجنرال غرانت (1869 –1877) عندما عرضت الولايات المتحدة جهراً مشروعها من خلال ما سمّي نظرية »القدر الجليّ«: السيطرة على القارة بأكملها، تحت شعار »الدفاع عن الديموقراطية«، ووضعت سياستها هذه موضع التنفيذ بواسطة العصا الغليظة. ولم يجد الرئيس الأمريكي (تافت) حرجاً في أن يعلن في العام 1912م: »سنمتلك القارة بأكملها كما نحن نمتلكها الآن معنوياً بفضل تفوقنا العرقي«( ).

أولاً: مؤثرات صناعة القرار السياسي الأميركي على الثقافة الشعبية الأميركية:
تستند الثقافة الشعبية الأميركية إلى موروث تاريخي، وهو: »أن الناس حول الأمريكان البيض هم الذين يموتون دائماً، فالأمريكان البيض لهم حق العيش وبرفاهية، أما الآخرون فليس لهم هذا الحق. الآخرون هم دائماً غير البيض «. »وحتى تاريخ قريب كان محظوراً حظراً شديداً التجاوز على هذا الواقع المفروض وكان الإعدام يطبق بشكل تلقائي على أولئك الذين ينتهكون الامتيازات الطبيعية للأمريكان البيض «. وقد عمَّقت انتصارات الأوروبيين، في القارة الأميركية على السكان الأصليين، واستعبادهم واستيلاؤهم على ثروات بلادهم، اعتقادهم »بأنه طالما لم يستطع أحد الوقوف بوجه سلاحهم القاهر والفتاك فإن ذلك دلالة على تفوقهم«. وبهذا »تطورت نظرتهم إلى العالم ونمت في وجدان الأمريكي الأبيض حتى صارت أسلوباً أساسياً في التفكير، وهي تعدل بشكل آلي كل المعلومات التي لا تتفق مع هذا النمط«.
انتقلت العدوى من نمط التفكير هذا إلى صراع طبقي داخل المجتمع الأميركي، ففرضت النخبة الاقتصادية نفسها سيداً على أبناء لونها من الطبقات الوسطى والفقيرة، وراحت تصنع منها أداة لتنفيذ مخططاتها الطبقية؛ فنشأت طبقة أصحاب الشركات العملاقة، فصنعت من الطبقات الأميركية الأخرى عبيداً تخضع لنزوات شبقها الاقتصادي، تلك النزوات التي ليست إلاَّ (عجرفة وغروراً وثقة بالنفس تصل إلى حدود لا متناهية)، وبهذا صنعت النخبة الاقتصادية الأميركية إيديولوجيتها الخاصة القائمة على قاعدة »البقاء للأقوى« داخل مجتمعاتها، وراحت تعمل على تصديرها إلى خارج الولايات المتحدة الأميركية على قاعدة »أمركة العالم( )«.
على مثال الفرز الطبقي داخل المجتمع الأميركي، فصَّل الأميركيون ثوب العالم الخارجي. وانعكست سيطرة إيديولوجيا الطبقة الأميركية المسيطرة على الاقتصاد والسياسة على أهدافها تجاه العالم الخارجي، وقد لعبت التطورات التاريخية في أوروبا دوراً أساسياً في انفتاح النظام الأميركي على العالم خارج القارتين الأميركيتين. »وبسبب بعض الظروف الناتجة عن الحرب العالمية الثانية، تقدمت الولايات المتحدة الأميركية إلى وسط المسرح العالمي بكل هذه الأفكار المسبقة معززة بأسلحة نووية واقتصاد … وما أن حلت الخمسينيات من القرن الماضي حتى أعلن رئيس العالم بأن القرن العشرين هو القرن الأمريكي«( ). ولأن النمط الأميركي في التفكير والسلوك هو على مثل تلك المقاييس: »لا يرى شيئاً خارج ذاته«، أصبح استيلاؤه على المجتمعات الأخرى يشكل الخطورة الأولى على البشرية.
بعد أن احتلَّت موقعاً متقدماً في نادي الدول الرأسمالية، في أعقاب الحرب العالمية الثانية، استفاقت الولايات المتحدة الأميركية، على ولادة أكبر أخطبوط رأسمالي في العالم، فكان متمثلاً بتحالف بين أكبر الشركات الصناعية والتجارية التي تسلَّلت إلى مركز صناعة القرار السياسي، هذا إذا لم تكن –هي بالذات- صانعة لمراكز القرار. فكان الرئيس أيزنهاور هو أول من تنبَّه إلى خطورة أن تقود الولاياتٍ المتحدةَ كتلةٌ متراصة من رجال الصناعة والمال. ولذا نجد من الضروري أن نطل إطلالة سريعة نؤصِّل فيها نشأة النظام الأميركي المعاصر.

ثانياً: تأصيل تاريخي لتكوين مشروع »القرن الأميركي الجديد«
1-منذ العام 1919م، رعت عائلة روكفلر »مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك«، وتحوَّل –فيما بعد- إلى مؤسسات عديدة من أجل وضع الدراسات السياسية والاستراتيجية التي ترشد الشركات الكبرى لتحصين مصالحها وترسيم مشاريع حمايتها. ولذلك استقبلت آلاف المؤهلين لصناعة التفكير وقامت بتوظيفهم وإغرائهم. وأنشأت مئات المؤسسات التي تحمل أسماء أصحابها، كمثل: روكفلر، وراند، وكارنيجي… وكان من أهم وظائفها: اكتشاف ورصد الفضاءات التي تخدم المصالح الكبرى. وإقامة علاقات تقارب مع دوائر القرار السياسي بما يضمن درجة من التوافق تسمح بتبادل المساعدة( ).
2-حذَّر الرئيس أيزنهاور من زيادة نفوذ المجموعة الصناعية العسكرية المالية السياسية والفكرية، وهو نفوذ غير مسبوق في التجربة الأميركية. كما حذَّر من وصولها إلى موقع التأثير المعنوي والسياسي والعملي على القرار الأميركي( ). وحفرت تلك الشركات، بالإضافة إلى اتساع مساحة علاقاتها مع الأوساط المؤثرة في المجتمع الأميركي في السلطة أو في المؤسسات الأهلية والدينية، فجعلت من أي صوت لا يلتزم بقواعدها يغرِّد خارج سربه.
3-بالإضافة إلى مؤسسات الأبحاث، حفرت النخب الاقتصادية الأميركية علاقة متينة مع عدد من المبشرين الدينيين (هذا إذا لم تكن هي التي أنتجتهم ودفعت بهم إلى بناء مثل تلك المؤسسات)، وهي حالة أنموذجية للتواصل المباشر مع الناخب الأميركي بما للتبشير الديني من تأثير بالغ الأهمية.
4-على قاعدة تقاطع المصالح الرأسمالية انبنت علاقة ذات صلة بتبادل المصالح بين الرأسمال الصهيوني والرأسمال الأميركي، فأنتجت مخططات يشترك بتنفيذها أصحاب الاتجاهين، سواء على صعيد التأثير في الآلة الانتخابية الأميركية، أو تبادل الخبرات وتنسيقها خارج الولايات المتحدة الأميركية.
على قاعدة تصدير مشروعه إلى الخارج استعجل تحالف الشركات الأميركية خوض حرب فييتنام، فوقعت الإدارة الأميركية –منذ رئاسة »ريتشارد نيكسون«،في ورطة داخلية –خاصة بعد أن تسرَّبت من »البنتاغون« وثيقة تؤكد »التباين الفاضح بين الأهداف المزعومة (من حرب فييتنام) والأهداف الحقيقية للحرب«( ).
وقبل أن تستفحل ظاهرة اليسار الأميركي، الذي نشأ على وقع حرب فييتنام ونتائجها، خاصة وكان له التأثير البالغ –بمساعدة من الشارع العالمي- في إخراج مشروع الهيمنة الأميركية مهزوماً من تلك الحرب، وعلى وقع تلك التأثيرات، راح كارتل الشركات الصناعية الكبرى، مستعيناً بمراكز الدراسات التابعة لها، يرسم مخططاً جديداً يتَّسم بالنفس الطويل كي تأتي خطواته مضمونة التحقق. وهذا ما أشار إليه لويس باول بمذكرته إلى الأمة الأميركية ناطقاً باسم غرفة التجارة الوطنية؛ وفيها يحذِّر من خطر الشيوعيين واليساريين وغيرهم من الثوريين الذين يسعون إلى تدمير النظام الأميركي الاقتصادي والسياسي. ودعا ليس إلى استعادة السلطة التي اهتزَّت بعد حرب فييتنام، بل إلى تعزيز سيطرة مستديمة على »السياسة والمجتمع الأميركي«، من خلال إنشاء »منظمات يتم التخطيط لأهدافها، ولتنفيذ هذه الأهداف بتناغم مع أعمال تمتد لعدة سنوات تدعمها آليات تمويل تتطلَّب جهوداً متضافرة«( ). على أن توظِّف الباحثين والصحف والكتب والمقالات والرسائل النقدية لتصويب الخلل الناتج من حرم الجامعات. وبها تشن الحرب ضد الثقافة المضادة.
وضع لويس باول الأساس الفكري لما سُمِّي ب»حرب الأفكار«. وتأثَّر، بنصه، المتمول ريتشارد سكايف ميلون(). وفي العام 1973م، أقام مؤسسة »تراث« (Heritage) لكي تشكل السلاح الذي يسمح بالفوز في »معركة الأفكار«. وضمَّت إليها نخبة من المفكرين الذين شكَّلوا »فرق الخط الأول في ثورة المحافظين«، وتحركهم نظرة إيديولوجية للمجتمع الأميركي ترى في أي إجراء تقدمي مؤمن بالإصلاح السياسي والاجتماعي هجوماً يستهدف المبادئ المؤسِّسة لأميركا، والمرسومة في القرن 18م(). وراحت المؤسسة تعمل على تسويق الأفكار من خلال المقالات والدراسات السياسية، وتوزيعها، من خلال وسائل الإعلام على الشعب، وأعضاء مجلسيْ الشيوخ والنواب. وقلَّما كان مكتب أي منهم يخلو –عشية مناقشة أي قانون مهم- من تقرير كانت (Heritage) قد أعدت تحليلاً حوله، مع اقتراحات للحلول.
كان وليام كورز() من ممولي (Heritage)، أيضاً، وهو من المناهضين للنقابات والأقليات. وكانت لمؤسسته علاقات حميمة مع منظمات محافظة متطرفة، لا سيما قادة اليمين المسيحي، ومنهم القس (جيريل فالويل) الذي كان ينعم بهبات كورز، كما كانت حال القس (بات روبرتسون)، وكلاهما من أقرب المقربين من جورج بوش الإبن.
تضم لائحة المؤسسات التي تخدم اليمين الأميركي، بالإضافة إلى (Heritage)، و(كورز فاوندايشن)، كل من (أولن فاوندايشن Olin Foundation)، التي تستمد مداخيلها من شركة عائلية اغتنت من صناعة الذخائر والمنتجات الكيماوية. و(ليند أند هاري برادلي فاوندايشن Lynde and harry Bradley Foundation) هي الشقيقة الرابعة وتعتبر أهم سلاح اتصالات بين أيدي اليمين المتطرف، كما تروِّج لإيديولوجية مسيحية متطرفة.
كانت حرب الأفكار تعتمد على الحملات الدعائية التي تتردد، باستمرار، عبر قنوات عديدة، حتى ينغرس في ذهن المواطن أن ما يقال »حقيقة جلية«( ).
إن صورة موجزة عن صناعة القرار في الولايات المتحدة تكفي لكي نعرف كيف تتم صناعة رئيس للجمهورية، ولكي تكتمل الصورة، علينا أن نعرف كيف تمَّ تصنيع جورج بوش الإبن:
تضافرت جهود المؤسستين المتحالفتين: تكتل الشركات الكبرى مع عدد من قساوسة اليمين المسيحي المتطرف، لكي تصنِّع رئيساً للولايات المتحدة. واستمرت عملية التصنيع منذ الثمانينيات وأوصلته إلى الرئاسة في العام 2000م، بطريقة مسرحية، وحسم الجدل حولها –لصالح بوش- عدد من القضاة المحافظين في المحكمة العليا، الذين يدين بعضهم لآل بوش، والبعض الآخر يرتبط بمنظمات مسيحية محافظة متطرفة.
أما لماذا انحاز القضاة المرتبطون بمنظمات مسيحية متطرفة؟ فهو الذي تجيب عنه علاقة بوش الإبن التاريخية مع تلك المنظمات، التي اختبرته، ورأت في صورته –بعد سنين مديدة من التطرفية- الوسيلة المنتظرة لتسلم زمام السلطة العليا لفرض آرائها الرجعية المتعصبة. فمنذ العام 1985م، بعد أن كان بوش الإبن مع أحد أقرب أصدقائه إليه (بوب إيفانز) يعانيان من أزمة شخصية ومهنية، التحقا ب»مجموعة دراسة الكتاب المقدسCommunity Bible Study «، وغاصا فيها لمدة سنتين، فمثَّل ذلك البرنامج نقطة تحول في حياة بوش. فألقى تحية الوداع لسلوكه السابق وتحية »الترحيب بيسوع المسيح«. وبدأ الدين يطبع أفكار بوش وأعماله، ويوسم نظرته إلى العالم بسمة خاصة. وهذا ما يُطلَق عليه بتجربة »الولادة الجديدة «Born again. ومنذ ذلك الحين بدأت مسيرته للتوفيق بين قناعاته الدينية وطموحاته السياسية. ففي العام 1987م، كُلِّف بالتحضير لمعركة والده الانتخابية من خلال تكليفه بإدارة العلاقات مع اليمين الديني المتطرف. وكان يُدخل في خطابات والده الكثير من الاقتباسات الكتابية (أي نصوص الكتاب المقدس). واتَّخذ من (كارل روف) مرشداً روحياً.
وتعلَّم الإبن من تجربة سقوط والده في الدورة الثانية الذي لم يعرف كيف يكسب أصوات المحافظين الدينيين، وهم ممن لا يمكن التحايل عليهم، فهم »يريدون أن تكون مثلهم«، كما أنهم لا يريدون أن يمارس أحد الضغط على »إسرائيل«. ولما كان الأب معتدلاً بلهجته، ولما ضغط على إسحق شامير بدخول مفاوضات مدريد، في العام 1992م، سقط في الانتخابات. وهنا لا بُدَّ من التساؤل حول العلاقة بين الناشطين المسيحيين مع اليمين »الإسرائيلي«.
تلقى الإبن درساً من نتائج انتخابات والده، ونشط ليكون مثل أولئك المتطرفين المسيحيين، فكانت نصوص الإنجيل ملك يديه بعد أن خضع إلى دراسات مكثَّفة فيه، فراح يستخدم عبارات كان يرددها دائماً، كمثل: »وحدهم المؤمنون بيسوع المسيح هم الذين سيدخلون الجنة«. وبعد نجاحه في انتخابات حاكمية ولاية تكساس، في العام 1993م، أعلن على الفور: »ما كنت لأصبح حاكماً لو لم أكن أؤمن بخطة إلهية تحل محل الخطط الإنسانية كلها«.
ليس الرئيس بوش الإبن هو الوحيد الذي يتميَّز بموقعه الروحي، والذي يحوز على رضى اليمين المسيحي المتطرف. فلو نظرنا إلى عدد من أعضاء إدارته لوجدنا أن زوجة الأمين العام للسلطة التنفيذية في البيت الأبيض هي وزيرة العبادة الميتودية، ووالد كوندوليزا رايس واعظ في ألاباما، ومايكل جيرسون المسؤول عن لجنة كتابة الخطابات الرئاسية ملقب ب»هارفرد الإنجيلي«. وعليه يشبه البيت الأبيض –اليوم- خلية الذين ينتظرون معركة »هرمجدون« الفاصلة بين الخير والشر عند عودة المسيح الدجال وظهور يسوع المسيح(). وهذا ما تفسِّره مصطلحات بوش الخطابية بعد الحادي عشر من أيلول، إذ أخذ يكثر اقتباس كلمة الشر (من كتاب المزامير) ويطلقها حيناً على بن لادن، وطوراً على صدام حسين، وإطلاق اسم محور دول الشر على كل من العراق وإيران وكوريا الشمالية.
ولعلَّ الأخطر من كل ذلك أن إيمان بوش صار يتضمَّن عنصراً »حتمياً« قائماً على ما يصفه الكاتب الأميركي (تشب برتلت) »قريباً من الاعتقاد المسيحي والرؤيوي الذي يمتاز به الناشطون المسيحيون الإنجيليون، ويبدو منسجماً مع رؤيتهم للعالم التي بموجبها تتصارع قوى الخير والشر في معارك ضارية ستبلغ أوجها في مواجهة أخيرة. وغالباً ما يجازف من يلتزم بهذا النوع من الإيمان بمخاطر جنونية لأنهم يرون أن كل ذلك منوط بإرادة الرب«( ). وهذا ما قاله جورج بوش بنفسه: »إنها حرب باسم الله و قد اختار الله الشعب الأمريكي للقيام بها«( ). وهذا ما يؤكده أحد أركان البنتاغون، مستشار وزير الدفاع، وأحد أصدقائه الأكثر حميمية( ).
أما الخطورة الثانية فيمثَّلها (ديك تشيني) نائب الرئيس بوش، ويبدو أنه يتراَّس مجموعة من اليمينيين المتطرفين، وهم يُعرَفون ب(الشتراوسيين)، الذين يعملون من أجل »تحويل الولايات المتحدة من جمهورية ديمقراطية إلى نظام استبدادي مستخدمين أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001م لقلب نظام الولايات المتحدة الدستوري«. ويترأسها، في داخل الإدارة الأميركية، نائب الرئيس الذي هو بمثابة »زعيم محاكم التفتيش« فيها. والسبب هو أنه »نتيجة لاستمرار سيطرة نائب الرئيس تشيني يبقى كامل جهاز المحافظين الجدد في مكانه داخل إدارة بوش. كل محاولات تنظيف البيت الأبيض تمت إعاقتها بتدخل تشيني بشكل شخصي أو بتدخل كبير موظفيه ورفيق المافيا الروسية "لويس لبي"«. وتقوم فلسفة (شتراوس) على القيام بحروب موجَّهة ضد الحضارة الإنسانية لبناء حكومة عالمية تتَّصف بالقسوة والإرهاب( ).
وأصبح من الواضح أن جورج بوش الإبن يقوم على تنفيذ خطة رسمها تحالف ثلاثي تقوم أعمدته الثلاثة() على:
1-اليمين الرأسمالي الأميركي الذي لا يرى العالم إلاَّ من أبواب مصالحه الطبقية.
2-تيار المبشرين الأميركيين المتطرفين، ذوو العلاقة الوثيقة –تثقيفياً وسياسياً- مع اليمين الرأسمالي، والذي يروِّج أن للأمة الأميركية رسالة إلهية عليها أن تبلغها إلى العالم على قاعدة الصراع بين الخير والشر.
3-اليمين اليهودي المتطرف، الذي يدعم الليكود، اليمين »الإسرائيلي« المتطرف.
4-»تحالف القوى الدولية المالية والمصرفية«:
يبدو أن هذا التحالف ينضوي تحت لواء تنظيم عالمي تعود جذوره إلى مراحل ما قبل الحرب العالمية الثانية، وهي نفس تشكيلة المصالح المالية الأوليجاركية العالمية ذات النمط الفينيسي (نسبة إلى مدينة البندقية) وشركات المحاماة المرتبطة بها التي أطلقت موجة الدكتاتورية الفاشية في أوروبا خلال الفترة من عام 1922 إلى 1945. السّمة المشتركة للمصالح المالية الدولية. واليوم تتمسَّك بفرض اقتصاد (شاختي) على كل من الولايات المتّحدة الأمريكيّة نفسها وعلى العالم بشكل عام( ). وعلى قاعدة الأسس الفكرية لمثل ذلك التحالف وُضعت قواعد العلاقة مع العالم كله، ومنها أعضاء نادي الدول الرأسمالية في العالم عامة، وفي أوروبا خاصة.
هناك مؤشرات على أن إدارة بوش هي جزء من الحركة السيناركية »تحالف القوى الدولية المالية والمصرفية«. لذا تخشى بعض الأوساط الأميركية، من أن تلك الإدارة تقوم باستخدام أساليب الشبكات التي تعتمد الأساليب العنيفة من الفاشيين الجدد في إيطاليا وإسبانيا وأمريكا اللاتينية التي كانت تدير عمليات »الإرهاب الأعمى« و»استراتيجية التوتر« منذ أواخر الستينات وحتى بداية الثمانينات في إيطاليا.
ومن دلائل تلك الأوساط هو أن الإرهاب يتم استخدامه –الآن- بغرض ابتزاز الشعوب وإجبارها على القبول بإجراءات دولة البوليس الأميركي.
وعندما تنظر إلى شبكات الإرهاب، عن ماذا تبحث؟ ستجد مصرفيين وراء الفاعلين الحقيقيين الذين يديرون عمليات الإرهاب بالتعاون مع أجهزة استخبارات رسمية، تستخدم »استراتيجية التوتر«، التي أرهبت إيطاليا في السابق. تلك الجرائم ارتكبتها خلايا فاشية مرتبطة بدوائر عسكرية وبوليسية وأمنية إيطالية، ومرتبطة بدوائر في حلف الناتو والمخابرات الأمريكية. ومن الأمثلة عليها أن رئيس الوزراء الدو مورو المسيحي الديمقراطي حاول مخالفة لعبة الحرب الباردة، وخالف أوامر هنري كيسنجر في عدم محاولة إدخال الحزب الشيوعي في حكومة تحالف وطني، ولما رفض الأوامر تم اختطافه من قبل ما قيل في حينه إنها »الألوية الحمراء« اليسارية، وتم قتله فيما بعد. المهم في القضية هي أن جميع ضباط الشرطة المسؤولين عن البحث عنه وإنقاذه أفشلوا جميع محاولات إنقاذه. وقد عرف فيما بعد أن جميع أولئك الضباط كانوا أعضاء في محفل »بي 2« الماسوني الذي كان يعمل مع المخابرات الأمريكية والناتو.
إن القوى المالية والمصرفية (السيناركية) هي التي وضعت هتلر وموسوليني في سدة الحكم ثم خرجت من الحرب العالمية الثانية دون أضرار تذكر لتسيطر من جديد على مجرى السياسات الغربية، هي ذاتها اليوم تريد السيطرة على مقدرات الشعوب الغربية بواسطة فرض دكتاتورية سياسية واقتصادية للمحافظة على مواقع قوتها. إنها تسيِّر قوى اليمين وغيرها من وراء الكواليس لخدمة أغراضها. وأحياناً تظهر في أساليب خلق حالة توتر وهلع بين شعوب أوروبا وأميركا لتسلبها، طواعيةً، حقوقها تحت ضغط تخويفها من حالات إرهاب غير منظورة( ).

علاقات النظام الأميركي مع المجتمع الدولي
إن العلاقة الطبقية الفوقية، التي تربط أية إدارة أميركية بالطبقات الأميركية (التي هي خارج نادي النخبة الاقتصادية)، هي ذاتها التي تربطها مع حلفائها في النادي الرأسمالي العالمي، أو حلفائها من خارجه، وهذا ما زرع الخوف والريبة في نفوس الكثيرين منهم.
لقد أثارت أسس المخطط الأميركي، خاصة تحت إدارة أعضاء تحالف »القرن الأميركي الجديد«، مخاوف أصدقاء أميركا من سياستها الاقتصادية. ومن أهم مظاهرها:
-تتلاعب الإدارة الأميركية بعملتها، اعتماداً على أهدافها الاقتصادية:» في بداية التسعينيات كانت تفضل دولاراً منخفض القيمة لتحفيز التنمية، ثم بعد سنوات فضَّل البيت الأبيض دولاراً مرتفع القيمة لجذب رؤوس الأموال الأجنبية «( ).
نتيجة لتلك السياسة، في إخضاع اقتصاد العالم لرحمة الدولار، بما فيها من مخاطر على قرارات العالم السياسية، كاد »التمرد على الدولار يصبح حركة رفض عالمي ويترجم بسرعة في ردة فعل دفاعية موحدة ضد المجانين في البيت الأبيض «( ). وهكذا فإن هدف إبقاء الدولار »عملة دولية« إلى الأبد، أثار مخاوف أصدقاء أميركا قبل الآخرين، فماذا يعني كل هذا؟
-إن »الولايات المتحدة معروفة بكونها أمة تقتل من أجل أن تقضي على كل ما لا يناسبها«( ). ولأن أية محاولة لإشراك عملات أخرى في تسعير المواد الخام يضعف من تأثيرات الدولار على رسم الاستراتيجيات السياسية والاقتصادية في العالم، مما يتناقض مع مصلحة الشركات الأميركية الكبرى، دفع بأصحاب »القرن الأميركي الجديد« إلى الاستيلاء على كل حقول النفط في العالم من أجل إبقاء كل اقتصاد العالم تحت رحمتها. ولأن العراق –بما يمثل من خطورة على مشاريع الهيمنة الأميركية، ومن امتلاك لأهم احتياطي نفطي في العالم، ولموقعه الجغرافي المركزي- أصبح من أهم القضايا، وأكثرها إلحاحاً في منظار أصحاب القرن الأميركي الجديد، فهم –باحتلاله- يقمعون كل آمال الدول الأخرى في التمرد على الإرادة الأميركية، ويدفنون تلك الآمال إلى الأبد. فعلى كل الذين عملوا من أجل تسعير النفط بسلة عملات أن يدفعوا الثمن، فهم بخطيئتهم تلك يدفعون بالحلم الإمبراطوري الأميركي إلى الوراء، وتلك جريمة كبرى لا يغفرها التفكير الأميركي الذي »لا يرى شيئاً خارج ذاته«.
وضع المخطط الأوروبي الرامي إلى بناء استقلالية اقتصادية في العالم، وبشكل خاص في منطقة الشرق الأوسط، أصحاب »القرن الأميركي الجديد« في دائرة استعجال تنفيذ مخططهم، لأن بناء أية مواقع ثابتة للأوربيين في المنطقة يضعهم أمام مأزق كبير يجبرهم –فيما لو استقر- إلى دفع أثمان غالية لإخراجهم منها. فكان التسريع في تنفيذ المشروع مسألة على غاية من الإلحاح، فبتحقيقه يضع تلك الأقطاب أمام واقع جديد( ).
فاستناداً إلى أسس التحالف المذكور روَّج المتطرفون الأميركيون، وعملوا، وخططوا، من أجل بناء »القرن الأميركي الجديد«. ومنذ اللحظات الأولى التي وطأت فيه قدما بوش الإبن، بمواصفاته الفريدة، عتبة البيت الأبيض، راحوا يعملون من خلال الفرصة التاريخية المتاحة لتنفيذ مخططهم، وكانوا من العجلة بمكان، لاستغلال فرصة السنوات الأربع، مدة رئاسته، فالتأخير يعني تفويت فرصة نادرة أعدوا لها منذ انتهاء حرب فييتنام في أوائل السبعينيات.

ثالثاً: موقع أعضاء إدارة جورج بوش الإبن في منظومة الشركات الكبرى:
في العام 1987، وفي فندق Carlyle في مانهاتن في نيويورك، تم تأسيس أهم وأخطر شركة خاصة في العالم تحت أسم مجموعة Carlyle، وقد بلغ عدد مكاتب الشركة في العام 2003 واحد وعشرون مكتباً بأرصدة تقدر بمليارات الدولارات في أكثر من خمس وخمسين دولة. وتتخصص مجموعة Carlyle في الأساس بالنفط والحرب ( عقود وزارة الدفاع). المساهمون فيها، هم: بوش الأب، وبوش الابن، ورئيس الوزراء البريطاني الأسبق جون ميجر، ودونالد رامسفيلد، وكولين باول، وبول وولفوفيتز، ومجموعة من الأمراء السعوديين ( من ضمنهم أعضاء من عائلة بن لادن)، ووزراء دفاع سابقين : كاسبر واينبرغر وفرانك كارلوسي. وجورج سورس. باختصار فإن حكومة بوش الثاني تتكون في قسمها الأكبر من أفندية Carlyle( ).
1-ديك تشيني، نائب الرئيس: هو شريك بامتياز في شركة »هاليبورتن« أكبر شركة يتردد اسمها في ما يُسمَّى »عقود إعمار العراق«( ).
2-جورج بوش الأب: له علاقة، أيضاً، بتلك الشركة( ). وقد ساعده ابنه (جورج بوش الإبن) في إزاحة العديد من الشركات الأخرى عن طريق منافسة الشركة الأم( ).
وبسبب العلاقة المباشرة بين أهم أعضاء الإدارة والشركات الكبرى، أخذت الإدارة تتلاعب ب»عقود الإعمار« في عقد صفقات مع الشركات الأخرى. على قاعدة أن من بين أركان الإدارة ممن ليس عضواً مباشراً في شركة فهو يحابي الشركات، سواء كانت أميركية أم دولية، وذلك لقبض عمولات منها لقاء إعطائهم حصة في العقود( ).

رابعاً: الخطة المصنَّعة لاجتياح العالم قيد التنفيذ
1-أهداف الخطة:
على خلفية الإيديولوجية الأميركية المتطرفة، وعلى مقاييس قوتهم العسكرية الكبيرة، فصَّل أصحاب القرن الأميركي الجديد أهدافهم. وهذا ما يعبَّر عنه مشروعهم، الذي جاء فيه مخاطباً الشعب الأميركي قائلاً:»لقد علمنا التاريخ أننا عندما نكون الأقوى عسكرياً فإننا سنكون الأقوى في هذا العالم سياسياً واقتصادياً وثقافياً«. وإن نجاح المشروع »يتوقف على تتابع تنفيذه دون أن يتوقف لمجرد تغيير أسماء الشخصيات أو الإدارات«. ويعتمد التنفيذ على اختيار أهداف ضعيفة ومضمونة، على أن تكون في »المثلثات الاستراتيجية المستهدفة والتي تؤمن المصالح الأمريكية على المدى الطويل«. ولا يمكن تحقيق الأهداف الاستراتيجية الأميركية في أفريقيا وآسيا من دون السيطرة على الشرق الأوسط( ). وهذا ما يدفع بالخطة إلى العمل من أجل ضمان تأييد دول المنطقة وبقائها على حياد، والذي يساعد على ذلك هو ضمان وجود طبقة مثقفة تؤيد المشروع وتروج له وتحتضنه( ).
بعد أن تحدد الخطة أهدافها الاستراتيجية، تقوم بتعيين الأهداف الميدانية، فترى أن العراق هو الأنموذج الذي تصيب فيه الإدارة الأميركية أهدافها بدقة، ومن أهم الأسباب:
-إن للعراق قدرة حيوية على تجديد قوته العسكرية: إن بداية المنحني الأوسطي هي العراق، وذلك لقدرة العراق المتجددة على اكتساب المزيد من القوة العسكرية في أوقات قصيرة، وأن كل دولة أوسطية قادرة على أن تتجدد عسكريا في أوقات زمنية قصيرة لابد أن تكون مستهدفة وأنها تمثل تهديدا مستمرا للخطة الأمريكية، والمقصود بالتجدد العسكري هو قدرتها على تحديث معداتها العسكرية أو السعي لإنتاج أنواع جديدة من الأسلحة، أو أن تكون ذات علاقات عسكرية متميزة مع بعض القوي العسكرية في العالم ( ).
-وهو يمتلك ثروة نفطية تسمح له بتجديد تلك القوة: إن ميزة العراق الاستراتيجية تجعل التجدد العسكري لديه ميسوراً، كما أنه يشكِّل نقطة العبور الكبرى في تنفيذ الخطط الأميركية لما يتميز به من إمكانات اقتصادية من جانب، ولقدرة الواقع الجغرافي على أن يكون نقطة ارتكاز لعدد آخر مهم من العمليات العسكرية التي ستشكل زاوية جديدة في بناء الشرق الأوسط( ).

2-التخطيط العسكري لاحتلال العراق ذو أهداف استراتيجية عسكرية دولية:
أشار، دونالد رامسفيلد، (وهو من كبار صانعي المشروع)، إلى خريطة في قاعة الاجتماعات السرية في البنتاغون، عارضاً ما مؤداه: إن نظرة على الخريطة تؤكد أن الولايات المتحدة محيطة من كل ناحية بالعراق، تبدأ من الخليج ـ إلى باكستان ـ إلى أفغانستان ـ إلى أوزبكستان ـ إلى قيرجستان ـ إلى تركيا ـ إلى (إسرائيل) ـ إلى الأردن ـ إلى مصر ـ إلى السعودية، وبجانب ذلك فإنها تملك محطات وتسهيلات مفتوحة لها دون قيود في مياه الخليج والبحر الأبيض والبحر الأحمر، ومعنى ذلك أن العراق نقطة في مركز دائرة واسعة. وهـذه فرصة تاريخية للسيطرة على مركز الدائرة في بغداد لتكون النقطة الثابتة في الدائرة الأوسع المحيطة به. ووجود قوات أمريكية في العراق يعنى حصار إيران من ناحيتين: ناحية أفغانستان التي تحتلها بالفعل قوات أمريكية، وناحية العراق إذا تمَّ احتلاله بقوات أمريكية. كما أن سوريا في وضع أصعب، لأنها بعد احتلال العراق تصبح مفتوحة من الشرق بوجود أمريكي في الجوار المتصل، ومُحاصرة من الشمال بتركيا والوجود الأمريكي القائم على أرضها، وبمناطق الأكراد شمال العراق ـ إلى جانب إسرائيل من الجنوب ـ إلى جانب أن النظام في الأردن ليس صديقاً للنظام في دمشق ـ إلى جانب أن هناك عناصر في لبنان لا يرضيها أن تتحكم سوريا في القرار اللبناني( ).
3- كل تعليمات صُنَّاع جورج بوش جاهزة قبل انتخابه:
يتبيَّن من طريقة تصنيع جورج بوش، كرئيس يشرف على تنفيذ مشروع الثلاثي المتطرف في أميركا، أنه ليس هو الذي يخطط، وليس هو الذي يتَّخذ القرار، بل هو مؤهل للموافقة على ما ترسمه نخبة من أعضاء الإدارة المنخرطين في لائحة المستفيدين مباشرة من نجاح المشروع( ).
كانت فصول احتلال العراق جاهزة في أدراج تحالف الشركات الكبرى – اليمين التبشيري المتطرف – الصهيونية العالمية. ولم يكن من المطلوب أن يلعب رئيس الولايات المتحدة الأميركية أي دور فردي، فليس عليه أن يتعب نفسه، بل من الممنوع عليه أن يفعل ذلك، فالقوى الخفية قد أعدَّت له كل شيء، وإنما عليه أن ينفِّذ المخطط المرسوم( ).

4-أساليب الخطة الإعلامية ووسائلها:
آخذة الرأي العام الأميركي بعين الاهتمام، وضعت الخطة أسساً تعبوية خاصة به، تقوم على استثارة أمن الأميركيين بتصوير خطر موهوم مصدره خارجي بشكل عام، وشرق أوسطي بشكل خاص( ). ومن أجل ضمان التأييد لمخططات إدارة »القرن الأميركي الجديد«، كان على الإدارة التي تتولى حرباً ضد دولة أخرى، أن تنجح سياسياً بعد إعلان النصر العسكري( ).
وفي سبيل ذلك مهَّد كتاب ومفكرو وباحثو »القرن الأميركي الجديد«، منذ زمن طويل لتصنيع ذاكرة أميركية جماعية للتمهيد إلى احتلال العراق( ).
ومن أجل تصنيع رأي عام أميركي مؤيد لمشروعهم، ومن أجل إقناع الرأي العام العالمي بصوابية ذلك المشروع، بادِّعاء صلاحيته لتأمين مصالح الشعوب الأخرى، يعتمد المحافظون الأميركيون الجدد جملة من الأساليب التي تشرف على وضعها مكاتب اختصاص في علم النفس والاجتماع والإعلام، ومن أهم أسسها:
-الكذب لتبرير ما يقومون به: »إن المنهج واضح: قل ما تريد أن يصدقه الناس في الصفحات الأولى وفي قنوات التلفزيون ثم بعد ذلك إهمس باعتذار عن الخطأ «( ). وقد أثبتت الوقائع التالية للاحتلال أن »كل ما يقوله بوش ورجاله من المحافظين الجدد عن الحرب خداع، فأسلحة الدمار الشامل لدى صدام حسين وعلاقته بالقاعدة تبخرت مثل سراب الصحراء«( ).
أما حول أكاذيب الإدارة، فهو تلوينها المفاهيم والمصطلحات بما يتناسب مع الترويج لمخططاتهم، وتغليفها وتزويرها بالشكل الذي ينخدع فيها المواطن الأميركي العادي، ومن أهمها مصطلح »الإرهاب«: . »يمكنك أن تلون أي شخص بألوان الإرهابي ولن يستطيع أحد أن يعرف الفرق ، ثم نرسل جنودنا وهم ينشدون نشيدنا المفضل ( إلي الأمام يا جنود الشركات سائرين إلى الحرب مع صليب الذهب كما من قبل )« ( ).
خامساً: مخطط احتلال العراق: الحلقة الأساسية من خطة السيطرة على العالم
تبلور خيار القوة مع العراق في صورته النهائية ابتداء من الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2002. وكأن السيطرة على العالم قد أصبحت، في عهد جورج بوش، ردَّاً على هزيمة مشروع الشركات الأميركية في فييتنام. وقد صبر أصحاب »القرن الأميركي الجديد« كثيراً على إعداد الإدارة المناسبة والظرف المناسب. وكان على الإدارة الأمريكية قي عهده أن تنفِّذ المشروع مرّة واحدة. في هذا السياق جاء احتلال أفغانستان. وللسهولة التي سقطت فيها مقاومة طالبان شجَّعت إدارة بوش على المضيّ بالخيار العراقي.
من الملاحظ أن الإعلام الأميركي، بعد احتلال أفغانستان، راح يروِّج لمكافحة ما يسميه الإرهاب واقتلاعه، وتمّ إقحام الموضوع العراقي في تلك الحملة. وروَّجت إدارة بوش لحملتها على الصعيد الدولي، ودعت دول العالم إلى الانخراط فيها. وتحت ستارها حصلت الإدارة الأميركية على تشكيل قوات متعددة الجنسيات لضبط الوضع في أفغانستان، ولما نجحت بذلك تابعت حملتها من أجل احتلال العراق وهو الهدف الأساس والدسم. وراحت تربط،كتمهيد لغزوه، بين صدام حسين ونظام طالبان والقاعدة. وجرى تصويره في وسائل الإعلام الأمريكية والغربية كقاعدة خلفية للإرهاب. فأصبح العراق في الخيال السياسي الأمريكي: بلد إرهابي يحكمه نظام إرهابي يملك سلاحاً نووياً وهو فوق ذلك كله متحالف مع القاعدة وبن لادن.
ترافق التفكير الأميركي بمشروع تفصيلي، استراتيجي وتنفيذي، وأفضل من عبَّر عنه دونالد رامسفيلد، أهم صقور المشروع بشكل عام، وأهم صقور البنتاغون بشكل خاص. وبعد نجاح الإدارة في كسب أكثر من معركة: البلقان وأفغانستان، أصابها الغرور، فكانت تلك الحروب تمهيداً لخوض الحرب ضد العراق، وهو يقع في قلب الأهداف الأساسية، ففيه الثروة وفيه تهديد للمشروع الأميركي، وهو الحلم الذي تم تأجيل تحقيقه منذ بداية السبعينيات من القرن الماضي.
وُضعت الخطة في العام 1996م: نُوقشت وثيقة تحدد مفاهيم السيطرة العسكرية باستخدام كل أنواع الموارد العسكرية والضربات الدقيقة وحماية القوات المتطورة واللوجيستية المركّزة. وقد أصبحت رؤية جماعية: علّمت في مدارس القوات المسلحة ونوقشت في التدريب والتمارين ودمجت في المبادئ النظرية وقطاع البحوث والتطوير والتجهيز. وإن خلق ساحة قتال متطورة تكنولوجياً, ومعارك تخاض وتكسب بواسطة ضربات دقيقة, مع عدد محدود من القوات البرية, كانت واقعاً قائماً عندما استلمت هذه الإدارة زمام السلطة في العام 2001( ).
وتمَّ تطويرها في العام 1997م: على يد دونالد رامسفيلد (وزير الدفاع) وبول وولفويتز (نائب وزير الدفاع) وريتشارد بيرل (رئيس مجلس سياسات الدفاع السابق) وغيرهم ممن ينتسبون إلى تيار المحافظين الجدد. وتشير الخطة، في ما له علاقة بالمخطئين بتنفيذها، أن يتحملوا وحدهم نتيجة أخطائهم السياسية. وأن هؤلاء من أجل إنقاذ هيبة أمريكا عليهم أن يتحملوا تبعات هذه الأخطاء حتى ولو كانت خاصة برئيس الإدارة الأمريكية في أي مرحلة من المراحل( ).
وبدأ الإعداد لتنفيذها منذ العام 1998م: في بداية العام 1998 تم توجيه رسالة مفتوحة إلى الرئيس بيل كلينتون تدعوه مباشرة لتنفيذ استراتيجية إزاحة نظام صدام حسين عن السلطة (والتي أسفرت عن صدور قانون تحرير العراق كغطاء قانوني لتمويل فصائل من المعارضة العراقية التي ترقد تحت الجناح الأميركي بمبلغ 95 مليون دولار ولم يكن بالإمكان إصدار القانون تحت تسمية –قانون احتلال العراق) ( ).
وقبل أسبوع من رئاسة بوش كتب الصحفي نيكولاوس ليمان في صحيفة النيويورك تايمز قائلا: "إن فكرة إزاحة صدام من السلطة ليست وهماً أو أحلام يقظة، وحتى لو كانت كذلك، فهي ذلك الحلم الذي يحتل عقول كثير من المسؤولين الحكوميين ومن ضمنهم أولئك المقربين من جورج بوش. إن كانت عملية التفكير في تغيير النظام السياسي العراقي قد نوقشت أثناء ولاية كلينتون لكنها وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر وعلى يد عميد كلية جون هوبكنز للدراسات الدولية انتقلت من المناقشة إلى مرحلة التخطيط( ).
ففي اليوم التالي لسقوط الأبراج 12 سبتمبر 2001 قال جيمس وولسي رئيس وكالة الاستخبارات المركزية في عهد كلينتون: »بغض النظر عمن يكون المسئول عن الهجمات فسيتم إدراج إزالة نظام صدام حسين ضمن أي خطة مستقبلية لأنه حتماً سيكون له يد في الهجمات القادمة«. وفي يوم 13 سبتمبر 2001 طُلب رسم سيناريوهات للهجوم على العراق. وكانت رئاسة أركان الجيوش الأمريكية، في العام 1999، أمرت ببدء تدريبات عسكرية لاختبار الخطط والإستراتيجيات والقوة اللازمة لحرب محتملة على العراق( ).
واتُّخذ القرار في العام 2001م: كانت صحيفة "واشنطن بوست" قد أشارت في السابع عشر من سبتمبر عام 2001، أي بعد 6 أيام فقط على الهجمات التي استهدفت مركز التجارة العالمي والبنتاغون، ان الرئيس الأميركي جورج بوش وقع على نص مكتوب من صفحتين يتضمن خطة الحرب على أفغانستان. وظهر في الأسطر الأخيرة من هذه الوثيقة ما هو أشبه بأمر للبنتاغون لبداية التخطيط للحرب على العراق. هذه التعليمات الرئاسية السرية كللت بالنجاح مساعي المحافظين الأميركيين المستمرة منذ عدة سنوات بالترويج لفكرة الإطاحة بنظام صدام حسين لدى الرأي العام الأميركي( ).
وفي خطابه الأول عن حالة الاتحاد في كانون الثاني/ يناير من العام 2002م، أدرج الرئيس بوش العراق وإيران وكوريا الشمالية ضمن (محور الشر) متهماً إياهم بتشكيل خطر على السلم العالمي. وبدأ التمهيد للترويج إلى مفهوم (الحروب الاستباقية) التي أعلن عنها جورج بوش أمام دفعة من خريجي كلية عسكرية: »إن أمننا يتطلب من كل الأمريكان أن يكونوا عاقدي العزم وعلى أتم الاستعداد لشن ضربة وقائية عند الضرورة للدفاع عن حياتنا وحريتنا«. وتابعه مسؤولون آخرون، منهم: مستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس ونائبه ديك تشيني ( ).

1-ثلاثة أسباب مباشرة عجَّلت باجتياح العراق واحتلاله:
إن المحافظين يتفاخرون بأن لديهم رؤية كونية، منظور استراتيجي طويل المدى. وكانت هناك ثلاثة أسباب دفعتهم إلى وضع آلية تنفيذية لاحتلال العراق، وإسقاط النظام السياسي، وتنصيب حكومة موالية لهم فيه.
أول هذه الأسباب أن العقوبات والاحتواء كانت ناجحة. والكثير من الشركات حول العالم كانت تهيئ نفسها للتعامل مع العراق بعد رفع العقوبات. ولكن الولايات المتحدة وبريطانيا كانتا تقصفان شمال وجنوب العراق منذ 1991، ولما كانت العقوبات سترفع عاجلاً أو آجلاً، وسيظل صدام حسين في منصبه؛ فلهذا لم يكن مؤملاً أن تحصلا على عقود مهمة في عراق ما بعد الحصار.
السبب الثاني هو أوضاع القواعد العسكرية الأميركية في المنطقة: لم تكن العلاقات الأميركية مع السعودية مرضية تماماً خاصة التقييدات على تلك القواعد. لهذا كانت الإدارات الأميركية –منذ أيام كارتر- تبحث عن مواقع استراتيجية بديلة تتجاوز الكويت وقطر من أجل ضمان خطوط الاتصالات في المنطقة. وكان وجود القواعد في العراق شيئاً مهماً جداً لدور أمريكا في العالم ولم يكن صدام حسين الشخص الذي سيسمح بإقامة القواعد في العراق.
السبب الأخير هو التحول الذي فرضه صدام حسين على برنامج النفط مقابل الغذاء من الدولار إلى اليورو. وقد فعل ذلك قبل 11/9/ 2000م، وبالتحديد في تشرين الثاني/ نوفمبر 2000 عندما بدأ يبيع نفطه باليورو. إن مبيعات النفط في إطار »برنامج النفط مقابل الغذاء« لم تكن شيئاً مهماً للاقتصاد الأميركي، ولكن ذلك كان يعني أنه عندما ترفع العقوبات فإن عائد مبيعات ثاني أكبر احتياطي نفط في العالم سيتحول إلى اليورو. وسبب التأثير السلبي على الاقتصاد الأميركي هو أن الدولار الأمريكي كان في مرحلة حرجة من جراء الديون المترتبة على الميزانية الأميركية. وكان الدولار سائداً ولكنه غير مدعوم كالسابق. فإذا كان النفط وهو سلعة قوية جداً يباع باليورو، فإن ذلك سوف يتسبب بانعدام الثقة بالدولار، فيكسب اليورو إلى حسابه. ولهذا كان أول أمر رئاسي يصدره بوش في أيار/ مايو 2003م هو إعادة مبيعات النفط العراقي إلى الدولار( ).

سادساً: قبل نهاية فصل تصنيع الحلم وقبل بداية فصل تسويقه
لا شك بأن الأهداف الأميركية واضحة بما فيه الكفاية عند الحركة العربية الثورية. وهي واضحة أكثر عند النظام السياسي لحزب البعث في العراق. وأخذ الحزب يعد نفسه لحالة طويلة من الصراع، وبشتى الوسائل من أجل إحباط أهداف الغزو الأميركي للعالم بآخر حلقاته باحتلال العراق. والحزب متأكد أن الهدف الأساس ليس تكيتيكياً، بل له آفاقه الاستراتيجية، لذلك تأتي أهداف المشروع »بمثابة إحباط استباقي لوعود المشروع النهضوي بالنسبة لذاته لدى أمة لا تزال تصارع من اجل استقلال إرادتها، وتفجير إمكانياتها الممنوعة من النمو والتكامل في ما بينها. فالغزو ضربة لهذا المشروع قبل أن يستكمل أولى شروطه التكوينية. وقد يكون في الوقت ذاته تحدياً لأحقية المشروع بالنسبة لذاته«( ).
***

ملاحق الفصل الأول
»التوجيه الرئاسي الأميركي«:
شبكة البصرة: قدَّم الورقة ( USLAW ) (منظمة العمال الأمريكية ضد الحرب من أجل عمال العراق والحركة العمالية): طباعة ونشر وتقديم وتعليق: باقِر الصرَّاف: يقول التوجيه الرئاسي الأمريكي للرئيس جورج دبليو بوش: عليك أنْ تكون مستعداً للقيام (بإِجراءات نهائية) ضد القوى التي تهدد المصالح الأمريكية في المنطقة، وأولها العراق وإيران، وسائلك إلى ذلك على النحو التالي:
1-عليك تشجيع التغيير في إيران وفي العراق، وعليك أنْ تلاحظ أنَّ التغيير في إيران يمكن أنْ يتم بوسائل سياسية. أما التغيير في العراق فيقتضي دعماً من الخارج لثورة بالعنف أو اِنقلاباً من الداخل، ولتسهيله، وتقليلاً لتكاليف العنف الملازم له، يستحسن إشغال صدام حسين وتشتيت اِنتباهه على أكثر من جبهة واحدة.
2-عليك تقدير ردود فعلك العسكري مبكراً إزاء أي تطور يحدث في العراق: في حالة قيام تمرد ضد النظام في بغداد. أو في حالة تعرض صدام حسين للكيانات ذات الاِسـتقلال المحلي في المناطق الكردية شمال العراق. أو في حالة رفض صدام حسين نهائياً محاولات إِعادة الرقابة والتفتيش على برامج تسليح العراق. ويجري ذلك بالتوازي مع إعادة بناء إمكانية مالية وعسكرية وتكنولوجية لقوى المعارضة العراقية، على أنْ تكون هذه القوى على علم أكيد بحجم الدعم الذي يمكن أنْ تقدمه لها الولايات المتحدة في كل ما تقوم به من أجل نظام ديمقراطي في عراق ما بعد صدام حسين. ]ورد النص في (تقرير رئاسي أمريكي) علق عليه مؤلف كتاب كلام في السياسة : الزمن الأمريكي : من نيويورك إلى كابول ، السيد محمد حسنين هيكل بالقول: (خريف خطر) تعليمات قد أُعِّدت قبل اِستلام جورج بوش الابن موقعه الرئاسي، على الصفحة 94 ـ 95 والكتاب صدر في طبعته الأولى في كانون الثاني / يناير عام 2002م، ويتبين معها أنَّ الرئيس الأمريكي القادم ينفذ أوامر جهة ما تشرف على السياسة العالمية الأمريكية ، أما التساؤل حول مًنْ أعَّد التقرير ورسم تلك السياسة فهي من الأمور السرية قطعاً ، كما هي الحال مع كل الشؤون الإستراتيجية الأمريكية[.
***
»دبلوماسية المحافظين الجدد: إكذب أولاً وصحح بعد ذلك«:
روبرت شير (لوس انجيليس تايمز): 19/9/2003م:
من الأمثلة التي يعددها الكاتب الأميركي ما يلي: »قال وولفوفتز لشبكة أي بي سي نحن نعرف أن للعراق باعاً طويلة في الإرهاب خاصة مع القاعدة ونعرف أن الكثير من القادة المهمين لدى بن لادن يحاولون الآن التنسيق مع المؤيدين لنظام صدام. وقد أجبر وولفوفتز أن ينقض ادعاءاته في اليوم التالي فقد قال لوكالة الاسوشيتد بريس إن ملاحظاته في اليوم السابق لا تشير إلى الكثير من القادة، وإنما إلى واحد أردني فقط هو أبو مصعب الزرقاوي، وكان يجب أن أكون أكثر دقة. وحتى لو كان قادة فريق بوش أقل ذكاء مما يعتقدونه، فمن المدهش أنهم يكثرون من الأحاديث الخطأ كما حدث حيث طلب من ديك تشيني نائب الرئيس أن يدافع عن ادعائه في برنامج واجه الصحافة قبل الحرب بأن العراق يمتلك أسلحة نووية، قال تشيني بلا مبالاة آه . . لقد أخطأت في الكلام . لم نكن نمتلك أي دليل على أن صدام حسين عنده سلاح نووي«. و»في مارس . . بعد أسبوع من الحرب قال وولفوفتز للكونغرس: إننا نتعامل مع بلد يمكن له حقيقة أن يمول إعادة بنائه وبأقرب وقت. والآن تتكشف حقيقة أن العراق لا يستطيع أن يعيد بناءه على حسابه وأوضح استطلاع للرأي أجرته جريدة الواشنطن بوست بأن 60% من الأمريكيين يعارضون خطة الرئيس لرمي 87 بليون دولار آخر في هذا المستنقع إضافة إلى الـ 79 بليون السابقة. لقد ابتدأ الناس يستيقظون ويرون حقيقة الأشياء الغبية التي ارتكبت باسم حمايتنا«.
***
»خطط شكل العراق المستقبلي وجدت في ملفات الباحثين الأميركيين قبل أن تكون في عقل بوش«:
هشام القروي/ ميدل ايست اونلاين: (ينشر بالاتفاق مع جريدة العرب بلندن.)
يتحدث عالم الاجتماع الفرنسي بيار بورديو في كتابه (اللغة والسلطة الرمزية) عن البرامج والخطط السياسية المسبقة، والتي يقول »إنها تشكل بحد ذاتها تكهنا، يهدف إلى إنجاز ما ينص عنه«. ويفسر ذلك بأن تلك البرامج والتكهنات تعمل بمثابة تشكيل للوعي وللواقع من خلال إنشاء تمثيل لإرادة جماعية.
والذي يراجع الفترة التي سبقت الغزو الأمريكي للعراق، يذهل للعدد المهول من البحوث والإصدارات التي تركزت، في الولايات المتحدة وبريطانيا، على تحليل الأحوال العراقية، والتكهن بكل الحلول الممكنة والمتصورة للأزمة، إلى حد أنه بالإمكان أن نقول دون مغالاة إن نظام ما بعد صدام – أيا هو لونه واتجاهه – كان ولا يزال موجودا في ملفات الباحثين، ربما قبل أن يفكر جورج وولكر بوش في غزو العراق.
من هذه الناحية، فإن أصحاب نظرية »المؤامرة« في السياسة الدولية من الكتاب والباحثين العرب، قد يكونون الأقرب إلى الصواب من أولئك الذين يرون الأحداث في تسلسلها الزمني وكأنها فعل ورد فعل، مجردة من الشوائب والنوايا الخبيثة، وخارج إطار التحديد البشري، مع أن دروس الاستراتيجية القديمة والجديدة تقول لنا: ينتصر في الحرب من يملك أكبر قدر من المعرفة عن خصمه.
ويبدو لي الآن، بعد أن تحقق للولايات المتحدة ما تريد في العراق، أنها ستجد خططها في امتحان. وبديهي القول إن ما يوافق فيها آراء وميول أغلبية العراقيين هو ما سيقع تبنيه. ويمكن أن نطبق نفس المعايير على السياسة الأمريكية في أي مكان آخر من العالم، ويمكن أن نطبقها أيضا على سياسة أي بلد تجاه أي بلد آخر في نفس الشروط.
وفي هذا السياق، ومع إيلاء الاهتمام التام للنواحي السلبية – أي الاوتوقراطية، والسلطة المطلقة - التي خلفها في الأذهان حكم ارتبط إيديولوجيا بالعرب والعروبة، وهو ما تشير إليه بعض الكتابات التي تتنكر للعرب منذ سقوط النظام البعثي وكأن العراق يقع على ضفاف التايمز أو الهودسون، فإن ردود الفعل هذه طبيعية، بيد أنها لن تدوم. ومن الأفضل ألا يعتقد أحد أنه سيكون بالإمكان انتزاع النخلة العراقية من تربتها الطبيعية لزرعها في أحضان إسرائيل، فهذا ما لا يسوغه العقل ولا التاريخ. فلسوف يجد الأمريكيون الكثير من الصعوبات إذا كانت هذه نواياهم، خاصة في حالة استمرار العدوان الإسرائيلي على الفلسطينيين. و ليس ذلك فقط لأن العراق وفلسطين مرتبطان تاريخيا بنفس الأحداث، ونفس الأشخاص، الذين لعبوا دورا في رسم الخرائط وإقامة الدول، وإنما كذلك لأنه منذ 1916 على الأقل – تاريخ اندلاع ثورة العرب القومية بقيادة الشريف حسين – أنتج العراق نخبة من أهم المعارضين للتسلط التركي (أولا) ثم الإمبريالي (ثانيا) ممن تشربوا بالأفكار القومية ورأوا بلادهم على الدوام بوصفها في طليعة حركة التحرر والتقدم العربية. وليس هناك ما يدل على أن الأجيال الجديدة تغيرت كثيرا في ميولها واتجاهاتها السياسية اليوم، بعد سقوط البعث. هناك اتجاهات تنتمي إلى نفس الحساسية السياسية أو قريبة منها داخل حركات أخرى ولها وزنها وتمثيلها في المجتمع المدني وفي الجيش (بالرغم من أنه وقع حل هذا الأخير).
عديدون هم العراقيون الذين يقيمون اليوم ثورة 1958 ودستورها بشكل إيجابي، بالرغم من كل سلبياتها أيضا. ويكفي لتفهم هذا الاهتمام بجمهورية عبد الكريم قاسم أن تلقي نظرة على مبادئ وأهداف الضباط الأحرار الذين قاموا بالثورة. يعرف المؤرخون المبادئ بكونها: التحرر السياسي والاقتصادي، التقدم والعدل الاجتماعي، الوحدة العربية.
وليس سرا إلى أي مدى أثرت الناصرية على العراق في تلك الفترة. وسيكون من الغريب حقا أن تتنكر النخبة العراقية اليوم لتراثها الوطني وتقفز فوق العروبة والمكاسب الاجتماعية والسياسية التي ناضلت من أجلها الأجيال، لمجرد وهم بأن التقدم والديمقراطية يكمنان في التآخي والتفاهم مع العدو القديم: اسرائيل...الذي لا يزال جاثما على صدور العرب.
***
»لاروش يطلق حملة جديدة ضد تشيني والمحافظين الجدد«:
http://larouchein2004.net/pages/other/2004/040103cos2.htm
نشر لاروش تقريراً تحت عنوان »أبناء الشيطان« يكشف فيه »عصابة المحافظين الجدد داخل إدارة بوش التي ضللت الشعب الأمريكي والكونغرس وبعض قادة دول العالم للحصول على دعمهم لشن حرب غير مشروعة بالمرة ضد العراق، الحرب التي قتل فيها مئات من الجنود الأمريكيين وجرح الآلاف منهم. أما الدمار الذي لحق بالعراق فقد يستغرق أجيالا لإصلاحه«. إن إطلاق ذلك التقرير بين أيضا أهمية تسليط الضوء الذي طال انتظاره على دور الفيلسوف الفاشي ليو شتراوس في إطلاق مسيرة المحافظين الجدد نحو السيطرة على المؤسسات السياسية الأمريكية. وقد جاء رد الفعل من قبل بعض أبرز الشتراوسيين عنيفا على انكشاف جذورهم الفاشية. روبرت بارتلي الذي توفي مؤخرا والذي عمل لزمن طويل كمحرر صفحة الرأي لصحيفة (وول ستريت جورنال) كتب هجوما هستيريا على حملة لاروش وتقريرها بعد أن قامت مجلة (ذي نيويوركر) وصحيفة (نيويورك تايمز) بنشر مقالات مفصلة معتمدة على ما تم الكشف عنه حول هوية ليو شتراوس ودوره لأول مرة في تقرير حملة لاروش. ومؤخرا قام كينيث تيمرمان وهو من أبواق دعاية المحافظين الجدد بكتابة هجوم هستيري ثانٍ ضد ما قام به لاروش من فضح للشتراوسيين، وحقيقة أن الكشف الذي نشرته حملة لاروش ضد المحافظين الجدد قد أصبح الآن المكون الأساسي لتحقيقات خطيرة في الكونجرس حول تزوير المعلومات الاستخبارية التي أدت إلى غزو العراق.
تبنى شتراوس وحليفه أليكساندر كوجيف أعمال المفكر الماسوني المارتيني من القرن الثامن عشر جوزيف دي مايستر للترويج لمثال المفتش الأعظم الإسباني من القرن الخامس عشر كنموذج للمستبد في صورة إنسان ـ وحش للحكومة العالمية المستقبلية المبنية على أساس من الإرهاب والقسوة. وأشار الاثنان إلى ربيب مايستر وهو نابليون بونابارت باعتباره نموذجا رائدا للدكتاتور عديم الرحمة الذي يفتتح حقبة (نهاية التاريخ) وهي حقبة تتمركز جميع الأحداث فيها حول سلسلة من النظم الدكتاتورية الاستبدادية وثورات يعقوبية دموية. إن حروب (صراع الحضارات) لمؤلفها بيرنارد لويس والمروج لها صامويل هنتنغتون، هذه الحروب الأبدية الموجهة ضد كل العالم الإسلامي والصين هي السياسة التي يتم الترويج لها من قبل تشيني ورفاقه. هذا تمرد سيناركي ضد الآباء المؤسسين لأمريكا، وضد وجود الحضارة الإنسانية ذاتها.
هذا هو الرهان في انتخابات الرئاسة الأمريكية لعام 2004. إذا لم تتم إزالة دك تشيني من منصبه قبل بدء انتخابات نوفمبر 2004، فإن الولايات المتحدة لن تقوى على البقاء في أي شكل من الأشكال التي يمكن التعرف عليها من قبل الآباء المؤسسين.
ملاحظة: يمكن الاطلاع على الترجمة العربية للجزء الأول من تقرير أبناء الشيطان على موقع لاروش التالي:
http://www.nysol.se/arabic/strauss/strauss.html
***

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق