بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 22 يناير 2010

المقاومة الوطنية اللبنانية (الملاحق 2)

الملحق الرقم (25)
الجنوب نافذة مشرعة على كل الاحتمالات
طليعة لبنان الواحد العدد (12) أواسط نيسان 1985
يبقى جنوب لبنان في ظل التطورات القائمة، نافذة مشرعة على كل الاحتمالات، أخطرها النموذج القائم في منطقة صيدا، والذي يمكن أن ينتقل إلى مناطق جنوبية أخرى خاضعة للاحتلال، أو يستعد الاحتلال للانكفاء عنها.
ويبدو واضحاً من خلال تصريحات المسؤولين الصهاينة، سياسيين وعسكريين، أن القرار بالانسحاب من الجنوب، يحمل في طياته بذور مؤامرة واضحة المعالم، بدأت في مدينة صيدا وجوارها، وتسعى سلطات الاحتلال إلى تعميمها على مناطق أخرى في الجنوب والبقاع الغربي وراشيا. من خلال الحديث عن "مناطق أمنية" و"أحزمة أمنية" و"حرس وطني" و"حرس قوى"، والعمل على تفجير مناطق معينة لضرب الطوائف ببعضها، وتحقيق فرز سكاني يقوم على أساس عمليات تهجير متبادلة من الشمال إلى الجنوب، ومن الجنوب إلى الشمال، مما يسهل لها تحقيق مخططاتها وأهدافها، ويبعد إمكانات المراهنة على قوى الشرعية في تحمل التبعة الأمنية لوحدها، ويسقط بالتالي أي أمل في إمكانية إحياء أو تأكيد صيغة التعايش، بما يعيد توحيد لبنان أرضاً ومؤسسات.
والهدف الصهيوني هذا، ليس جديداً في أية حال، بل كان معلناً منذ إنشاء "دولة إسرائيل" وبعدها، إلى حين اندلاع الحرب الأهلية العام 1975، حيث وجدت "إسرائيل" فيها مدخلاً لمباشرة تنفيذ مخططها بواسطة بعض عملائها. ثم راحت تعمل لهذا الهدف بشكل مكشوف منذ غزوها للبنان العام 1982 تحت ستار "سلامة الجليل" حيث أخذت تعمل لتأجيج نار الفتنة الطائفية والمذهبية لتفتيت المجتمع اللبناني وتقويض أركانه، فكانت حرب الجبل التي أشعلت أوارها وكان ما كان من اقتتال وتهجير وفرز سكاني، وإذا "بإسرائيل" تعمد بعد مرحلة انسحابها الأول من الجنوب تعاود الكرة في منطقة صيدا وتقضي على آمال التوحيد التي برزت في الأيام الأولى لتحريرها وتسعى الآن لإحباط كل الآمال المتبقية، من خلال تحريضها المعلن على الاقتتال وما ينجم عنه من تهجير وفرز سكاني في بقية المناطق التي تنوي الانسحاب منها.
ولا شك أن نجاح "إسرائيل" في هذا الهدف، يبقي على منطقة الجنوب تحديداً، رهينة في دبها، ومناطق نفوذ أمنية تابعة لها تضغط من خلالها على الوضعين اللبناني والعربي، وتبقيها في إطارهما الهش، وهو أمر لا يضير "إسرائيل" على الإطلاق، بل العكس يجعلها قادرة على الإمساك بورقة مهمة في مسار القارات المستقبلية أن على مستوى لبنان أو على مستوى المنطقة.
لذلك، فالحديث عن الانسحاب "الإسرائيلي" الكامل إلى ما وراء الحدود الدولية، هو مجرد كلام رسمي للاستهلاك الخارجي وموجه أساساً إلى المحافل الدولية، لأن الفعل الحقيقي ليس ما تعلنه "إسرائيل" رسمياً على الرأي العام العالمي، إنما ما تقوم بتكريسه واقعياً على الأرض، وهو واقع تتأكد صحته يوماً بعد يوم.
والملفت، بل المثير الذي يدعو للاستغراب ويطرح ألف علامة استفهام، هو ردود فعل الأطراف اللبنانية على هذا الهدف "الإسرائيلي"، ومن بينها بالطبع رد الفعل الرسمي، وواضح حتى الآن أن كل الأطراف المعنية عاجزة عن توفير الحد الأدنى من المواجهة الوطنية الضرورية لما تخطط له "إسرائيل"، بل لعل حالة الانقسام الوطني القائمة، وفشل هذه الأطراف في الاتفاق على البديهات الأولية للوطنية، وإيغالها في طريق الطائفية والمذهبية، يقدم "لإسرائيل" مبرراً لمخططها، ويقطع الطريق على أية عملية توحيد فعلية.
وأمام عجز الأطراف اللبنانية، ومن ثم عجز الشرعية، وهو عجز طبيعي ناجم عن وضعية قائمة داخل الحكم وخارجه، يبقى الجنوب، وبالتالي كل لبنان في مهب الريح الإسرائيلي، وفي مهب ريح المتغيرات الإقليمية والدولية وانعكاساتها وتقلباتها المختلفة.
وإذا كانت "إسرائيل" قد سقطت فعلاً في المستنقع اللبناني، وتمكنت المقاومة الوطنية اللبنانية من تحطيم مقولة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، وحولت هذا الوجود إلى جحيم لا يطاق، فإن هذا الفعل العظيم لم يتم استثماره وطنياً، كما لم يتم استثماره قومياً، بحيث تنطلق الاطراف اللبنانية مما أنجزته المقاومة الوطنية، في إعادة تقييم وبناء فعليين على أسس من الولاء الوطني الواحد، والديمقراطية الوحرية والمساواة، ومن نظرة تقول بأن هذا البلد هو لكل أبنائه، وعكس ذلك مرفوض ولا يخدم مسيرة التحرير والتوحيد الفعليين، التي تحقق الانصهار الكامل في بوتقة الوطن والمواطنية.
لكن هذا الوعي، يبدو مع الأسف ناقصاًن لأن ما يجري التأسيس له منذ بداية سنوات الفتنة يقوم على أساس الطائفة والمذهب، وهي في محصلته النهائية يصب في الهدف صهيوني شئناً ذلك أم أبيناً.
***
الملحق الرقم (26)
الرافعي: تحرير النبطية بحاجة إلى احتضان وطني والمطلوب مؤتمر وطني
طليعة لبنان الواحد العدد (12) أواسط نيسان 1985
حيا أمين سر القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان، النائب الدكتور عبد المجيد الرافعي جماهير الجنوب المقاوم وهي تعيش لحظات تحرير النبطية وأكد بأن المقاومة الوطنية ستبقى تلاحق فلول العدو حتى تحرير آخر شبر من الأرض الوطنية، كما حيا الرافعي المناضلين المحررين من أنصار وطالب فوضع حد للمجزرة السياسية والأمنية التي تتعرض لها صيدا من جراء استمرار عملاء "إسرائيل" في تفجيرهم الأمني جاء ذلك في تصريح للدكتور الرافعي هذا نصه:
مرة أخرى يقدم العدو الصهيوني على الانسحاب من أرضنا العزيزة المقاومة الوطنية البطلة، وبفضل الصمود الجماهيري الرائع والذي لم ترهبه كل أشكال القمع والإرهاب الصهيونيين ولا ما سمي "بالقبضة الحديدية" والتي أراد من خلالها أن يشن حرب إبادة منظمة ضد أهلنا الصامدين الصابرين. وأن فرض الانسحاب على قوات الاحتلال من النبطية محيطها وبعد أقل من شهرين على انسحابه من صيدا، هو إنجاز وطني حديث يضاف إلى الإنجازات الوطنية التي تحققت على أرض الجنوب المقاومة والبقاع الغربي وراشيا.
وإن المقاومة الوطنية التي أعادت الاعتبار للكفاح الشعبي باشكاله المختلفة، وجسدت ميدانياً إرادة الفعل الوطني الصادق، الفعل الهادف إلى تحرير الأرض من الاحتلال وإعادة توحيدها، قد أضاءت شمعة جديدة في ظلام الليل اللبناني والعربي الدامسين، وأماطت اللثام عن مكامن القوة في شعبنا ومن خلال التواصل النضالي مع تاريخ هذا الشعب المكافح وعلى مدى العقود السابقة.
إن الإنجاز الوطني الجديد الذي تحقق بتحرير النبطية، هو بحاجة إلى احتضان ودعم كاملين، كي تستمر مسيرة المقاومة مسيرة فاعلة مؤثرة متحررة من الارباكات والمعوقات. مسيرة تستند إلى ظهيرة داخلية وطنية صلبة ومتماسكة، مسيرة تستقوي بصيدا المحررة وبوضع سياسي داخلي محتضن احتضاناً كلياً للمقاومة الوطنية ولمعركة التحرير ببعديها الوطني والقومي.
وهذا أن تطلب شيء، فإنها يطالب أولاً وضع حد للتفجير المشبوه الذي افتعله عملاء "إسرائيل" في صيدا ومحيطها، والذي حول عاصمة الجنوب إلى جزيرة محاصرة ومربكة عن الاستمرار في تأدية دورها الطبيعي في استكمال مسيرة تحرير الأرض من الاحتلال وعدم الإسراع في إنهاء هذا الوضع الشاذ الذي نشأ مؤخراً سيخلف مناخات تؤدي بجانب منها إلى احداث فرز سكاني تسعى إليه "إسرائيل" وعلى تحرك جديد لعملاء العدو لافتعل مشاكل جديدة وفي مناطق أخرى لرسم خطوط تماس بين قرى ومدن الجنوب، وتحويله إلى مجموعة جزر أمنية، تحول دون تواصل أبناء الجنوب في ما بينهم ودون تفاعلهم وتأكيد التعايش الوطني في ما بينهم وعلى قاعدة معاداة "إسرائيل" وصيانة المقومات الوطنية الأساسية.
وإذا كانت الاشكالات السياسية والمنية التي حالت دون دور جدي وفعلي لقوات الشرعية في لجم التفجير الأخير وإنقاذ صيدا قد ولد أزمة سياسية ترجمت على مستوى الحكم والحكومة، فإن المسؤولية المباشرة عن استمرار تدهور الوضع في محيط عاصمة الجنوب إنما يكمن بأسلوب المراوغة السياسية التي عوملت به قضية صيدا وعلى خطورة ما تتعرض له وانعكاس ذلك على المصير الوطني برمته.
وإذا كان الكل يدرك بأن "إسرائيل" وعملاءها هما اللذان فجرا الموقف، فلماذا لا يتخذ الموقف الواضح، رسمياً وغير رسمي لتسمية الأشياء بمسمياتها، ورفع الغطاء السياسي عن عناصر الفتنة الجدية. وإذا كنا نرى في ما صدر من مقررات عن مؤتمر بكركي خطوة إيجابية لجهة التأكيد على جملة مواقف ذات بعد وطني واضح، فإن هذه القرارات تبقى بحاجة إلى وضعها في إطار صيغ تنفيذية لا يمكن أن تعطي نتائجها الفعالة إلا إا كانت من ضمن خطة وطنية متكاملة، وهذا ما يفرض عقد مؤتمر وطني تحضره كافة القوى والفعاليات الحريصة على وحدة لبنان وعروبته وديمقراطية الحياة السياسية فيه للخروج بمشروع ميثاق سياسي جديد، مشروع يحتضن فعل التحرير ضد قوات الاحتلال ويؤكد على وحدة لبنان، وحدة فعلية وطنية متفاعلة مع محيطها القومي العربي.
إن هذا المشروع هو وحده الكفيل الذي ينقذ صيدا ويضع حداً للعبث بأمنها واستقرارها ويطرد العملاء من حولها، وهو الوحيد الذي يحمي الإنجاز الوطني الأخير المتمثل بتحرير الوطن، وهو الذي يحمي وحدة اللبنانيين على اختلاف انتماءاتهم الإيمانية الدينية، وهو الذي يضع حداً لحالة التمذهب والتطيف السائدة على الساحة الداخلية حالياً.
اننا ونحن نشدد على السير في طريق الإنقاذ هذا فلكي نكون أوفياء لدم الشهداء الذين سقطوا وهم يقارعون الاحتلال، وأوفياء للتضحيات الجسام التي قدمتها جماهيرنا، وما تزال ولكي تستمر التحرير لطرد العدو عن آخر شبر من أرضنا الوطنية.
اننا ونحن على أبواب مرحلة جديدة من الأزمة اللبنانية وهي تدخل حالياً عامها الحادي عشر، نقول بأن هذا الشعب قد قدم فوق ما تستطيع طاقاته تحملاً من تضحيات، وهو أن تحمل عبء هذه السنوات الماضية، فلانه شعب أصيل معطاء، أصيل في عروبته، ومعطاء من أجل قضايا النضال الوطني والقومي والديمقراطية، وحق له أن تتوفر كل الإمكانات اللازمة لمساعدته في تعزيز وتجذير صموده ولاستكمال مسيرة تحرير أرضه.
فتحية له، وتحية للجماهير الصامدة في الأراضي المحتلة وتحية للشهداء الأبطال والتي كانت آخرهم المناضلة البطلة سناء محيدلي والتي هي علامة مضيئة في تاريخ شعبنا، وتحية للرفاق وكافة المناضلين الذين حرروا من الأسر والاعتقال والذين لا يزالون يواجهون العدو في معسكرات الاعتقال داخل فلسطين وخارجها وفي خنادق المواجهة الملتهبة مع قوات الاحتلال.
***
الملحق الرقم (27)
حزب البعث يكرم أعضاءه المحررين من أنصار
طليعة لبنان الواحد العدد (12) أواسط نيسان 1985
كرم حزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان أعضاءه المحررين من معتقل أنصار، وأكد مسؤول الحزب في الجنوب في لقاء معهم بأن سميرة النضال الوطني ستكمل طريقها لتحرير كل التراب الوطني اللبناني وفتح آفاق جديدة لأبعاد الصراع القومي مع العدو الصهيوني.
وقال أن المناضلين المحررين، إذ يعودون إلى صفوف رفاقهم وأهلهم وشعبهم فلكي يحتلوا موقعهم في معركة المواجهة المفتوحة مع العدو وعلى كل الصعد والمستويات.
وإن انكفاء العدو عن صيدا والزهراني والنبطية لم يكن إلا بفعل الضربات الموجعة التي وجهتها إليه المقاومة الوطنية اللبنانية وبفضل صمود المناضلين في معسكرات الاعتقال الصهيوني. بحيث تحول "أنصار" من معسكر للاعتقال إلى موقع نضالي أمامي، يقارع العدو ويواجه التحدي انطلاقاً من إيمان المناضلين بعدالة قضيتهم ومشروعيتها الوطنية والقومية.
وأضاف الرفيق مسؤول الحزب في الجنوب، إن إقدام "إسرائيل" على نقل الأسرى داخل فلسطين المحتلة وتعريضهم لشتى أنواع الإرهاب والقمع النفسي والمادي لن يؤثر إطلاقاً على معنويات جماهيرنا واستعدادها اللامتناهي للبذل والعطاء والصبر من أجل استعادة السيادة وتحرير الأرض من رجس الاحتلال الصهيوني.
وإن "إسرائيل" وكما اضطرت إلى الانسحاب تحت ضغط المقاومة وأطلقت سراح المئات من المناضلين، سوف تضطر لاحقاً إلى إطلاق سراح كافة المعتقلين، ولن يستقيم لها وجود وعلى أية بقعة من الأرض أو ما سمي شريطاً حدودياً أو منطقة عازلة.
من جهته أكد الرفيق أبو عمر عضو قيادة الحزب في الجنوب والذي حرر مؤخراً بعد اعتقال دام تسعة أشهر، وباسم الرفاق المعتقلين من الحزب والمقاومة الوطنية وجماهيرنا الصامدة بأن الاعتقال رفع من وتيرة الشحن التعبوي لدى المناضلين المعتقلين، وأن قوات الاحتلال فشلت في التأثير على إرادة الأسرى، وأن الحوافز النضالية والتوق للعودة من أجل الانخراط في معركة المواجهة، والوحدة النضالية التي برزت بين المناضلين المعتقلين أربكت العدو ودفعته لأن يتصرف بهستيرية توازي ما كان يقوم به في الخارج من عمليات إرهاب وتدمير وإبادة.
وقال أن الرفاق الذين تقلوا إلى داخل فلسطين المحتلة ودعونا برفع علامات النصر وهذه كان لها أبلغ الدلالات في نفوسنا...
***
الملحق الرقم (28)
وتبقى أنصار شعلة نضالية مضاءة
طليعة لبنان الواحد العدد (12) أواسط نيسان 1985
عشية المرحلة الثانية للانسحاب الصهيوني من الجنوب اللبناني جرى إقفال معسكرات أنصار وتحرير ما يزيد عن سبعمئة أسير ممن تحويهم المعتقلات المذكورة في نفس الوقت الذي جرى فيه نقل ألف ومايتي أسير إلى معتقلات عتليت داخل فلسطين المحتلة. هذا الخبر يستوقفنا من جوانب عدة للحديث عنه ومناقشته في ذات الوقت الذي يتوجب فيه إيراد بعض الجوانب القانونية والمعلوماتية التي لا بد منها بمثابة تعقيب.
1) في الجانب القانوني:
إن موضوع الأسرى والمعتقلين يرعاه القانون الدولي بصيغة اتفاقية جنيف الصادرة 1949 والمتضمنة لبابين بهذا الموضوع، الباب الثالث يتعلق بموضع أسرى الحرب والباب الرابع يتعلق بموضوع المدنيين، وقد رفضت دولة الكيان الصهيوني في البداية تطبيق اتفاقية جنيف على أسرة أنصار الأولى إلى أن صدر حكم من المحكمة العليا في الكيان المذكور يقضي بتطبيق الباب الرابع بما تسمح به الظروف الأمنية وبشكل يبقى الأمر خاضعاً لتقديرات "الشمبت" وسلطاته الاستنسابية، هذا الباب يتعامل مع موضوع أسرى أنصار تاريخياً كمعتقلين وليس كأسرى حرب مع ما يترتب على ذلك من فروقات في المعاملة بما في ذلك مسألة التحقيق على الأقل.
غبر أن الباب الرابع نفسه لا يجيز لدولة الكيان الصهيوني بصفتها دولة محتلة بنقل المعتقلين إلى خارج نطاق المنطقة المحتلة. ليس بغريب على الصهيونية أن تقدم على عمل من هذا النوع لأنها من أساها مبنية على مخالفة منطق القانون والتاريخ سواء بشكلها كدولة.. دينية مبنية على التعصب في نهايات القرن العشرين أو كدولة اعتادت على انتهاك مختلف الشرائع الدولية وجاهرت بذلك بدعم وتغطية من الإمبريالية العالمية.
2) في الجانب المعلوماتي:
عتليت موقع فلسطيني يقع إلى الشرق من مدينة حيفا وعلى بعد 12 كلم وتحوي على سجن شهير منذ زمن الانتداب الإنكليزي. شاع اسم المكان المذكور وارتبط بالحروب العربية الصهيونية وتحول إلى موقع لأسرى الحروب المتكررة في أعوام 56 و 67 و73 مثلما ارتبط اسم السجن المذكور بأماكن التحقيق والتعذيب الصهيوني لمعتقلي الداخل الفلسطيني إلى جانب أسماء أخرى مثل الجلمي والمجدل وغديرا.
عشية الغزو الصهيوني للبنان تجري تهيئة معسكرات عتليت لاستقبال الأسرى وإقامتهم المؤقتة تمهيداً لاستحداث معتقلات أنصار وقد استقبلت عتليت أكثر من عشرة آلاف أسير ومعتقل من جنسيات مختلفة بفعل الحرب اللبنانية كما كان العدو حريصاً على الحفاظ على سمعتها كمركز من مراكز التحقيق المهمة أماكن التعذيب.
أثناء عملية التبادل التي حصلت في 23/11/83 بخصوص أنصار الأول بين منظمة التحرير الفلسطينية ودول العدو الصهيوني، أقدمت الأخيرة على اختطاف ما لا يقل عن مائة وخمسين معتقلاً من أنصار واستبقتهم في معسكرات عتليت لغاية تاريخه بحجة انتمائهم للقيادة العامة وعلى أمل مبادلتهم بأسيرين لها لدى المنظمة المذكورة.
وتضم عتليت أيضاً بالإضافة لبقية المعتقلات ألف وخمسمئة معتقل من فلسطين المحتلة صادرة بحقهم أحكام صهيونية قضائية ينتظرون حظهم بالإفراج عنهم لدى إجراء صفقة تبادل جديدة قد تجري مع القيادة العامة أو مع الديمقراطية التي تحتفظ بجثة أسير صهيوني قتل أثناء غارة طيران على مدينة طرابلس أو خمس جثث لأسرى صهاينة لدى منظمة فتح.
3) في موضوع أنصار:
اقترنت أسماء المعتقلات في العالم بالإرهاب والتعذيب وتطبيق أخر المبتكرات المخابراتية لغسل أدمغة الأسرى والمعتقلين. وحدثنا التاريخ الحديث عن معتقلات الهنود الحمر في أميركا الشمالية وعن معتقلات "أوشفتر" في بولندا التي نظمها النازيون ليهود أوروبا والمعتقلات الكورية بعد الحرب الثانية وبفعل الحرب الكورية.
وشاءت الصهيونية إلا أن تدلي بدلوها مع قرى الظلم والطغيان فاستحدثت معتقلات أنصار التي استقبلت أول دفعة بتاريخ 7 تموز 1982 ولتقفل هذه المعتقلات أبوابها لأيام معدودة فقط بعد عملية التبادل في 23/11/83 ولتعود فتستقبل أنصار الثانية التي أوشكت أن تبلغ الفي معتقل ولتصبح أنصار في ذمة التاريخ وعهدته كمعتقلات صهيونية ابتداء من أول نيسان الحالي.
أنصار هذه في مرحلتيها استقبلت أكثر من ثلاثين ألف معتقل وعلى امتداد الفترة من 7 تموز 1982 حتى أول نيسان 1985 وليستشهد على أرضها في أنصار الأولى أربعة عشر شهيداً بينهم شهيد بعثي اسمه محمد ابراهيم ذياب من بلدة البازورية سقط في مجزرة معسكر "الوحدة" بتاريخ 2/12/1982 مع رفيقين آخرين له.
وهنا لا بد من التذكير أنه كان لرفاق شهيدنا دوراً في صنع بطولة أنصار الجماعية وسمعتها النضالية إذ كانوا يمثلون القوى الأولى في الحركة الوطنية اللبنانية والثانية بالإضافة لجبهة التحرير العربية في معتقلات أنصار الأولى.
وإذا كانت سمعة أنصار النضالية قد اختلفت عن سمعة المعتقلات التاريخية فمرد ذلك إلى صلابة عودنا النضالي ومشروعية مطاليبنا وأحقيتها هذه السمعة التي جرت نفسها على أنصار الثانية والتي كان لمحمد فيها رفاق أيضاً اسهموا في الحرص على وطنية مدينة الشرطان وصنع تراثها وإنجازاتها البطولية مثلما له رفاق أيضاً بين من تم نقلهم إلى عتليت عاهدوا الأرض والدم بمتابعة المسيرة وكلهم شوق إلى التحرير.
أنصار الشعلة المضيئة في تاريخنا الراهن المظلم مثلما هي مصدر للعطاء والدم كذلك تشكل مصدراً للاستيحاء والتحليل وفي هذا السياق في مجال التراث الفكري والتوثيق لرفاق محمد دورهم في السبق والعطاء من وحي دوره وتوظيف دمه إذ كانوا على موعد مع "جمهورية أنصار العربية" كما هم على موعد أيضاً مع "وادي جهنم"... ذكريات من أنصار" الذي هو قيد الطبع لتبقى الشعلة مضاء أبداً وليبقى العطاء بمختلف أشكاله منهجاً بعثياً وسلوكاً.
***
الملحق الرقم (29)
"الشريط الحدودي، ماضياً وحاضراً ومستقبلاً
طليعة لبنان الواحد العدد ( 12 و13) أواسط نيسان 1985
(الحلقة الأولى)
الشريط الحدودي عنوان المرحلة القادمة سياسياً ووطنياً بحكم تشكيله كدائرة للاستقطاب والثقل السياسيين في لعبة تنازع القوى وتقاطع المصالح المتناقضة في لعبة الشرق الأوسط.
واننا إذ نفتح ملف الشريط لتكون هذه الدراسة مدخلاً لتسليط الضوء عليه في محاولة لتوضيح الرؤية وإرساء قواعد سياسية وطنية هادفة لتحريره وضرب المصالح الصهيونية فيه باقتلاع "ود جحاً" من جذوره الذي عبر عن نفسه بعملاء الشريط وبوابات العار.
عناوين في قضايا الحدود الجنوبية وتثبيتها:
حقيقة لم يكن هناك ما اصطلح على تسميته بمشاكل حدود في زمن الدولة العثمانية لأن المشرق العربي كان مقسماً إلى ولايات عدة بينها نظام فريد من نوعه استحدث سنة 1860 في أعقاب الحرب الأهلية اللبنانية التي ابتدأت سنة 1840 إلا وهو نظام المتصرفية في جبل لبنان الذي كان حصيلة التدخل الغربي في شؤون الدولة العثمانية والتي كانت تسمى بالرجل المريض.
وكانت سلطة أطوال تتسع أو تضييق وفق امكاناته الذاتية ومقدار سطوته وحجم نفوذه ليس فقط على السكان المحليين وإنما على الباب العالي التركي أيضاً. وكان الجنوب اللبناني الخارج عن دائرة المتصرفية طبعاً يتبع تارة لولاية صيدا أو بيروت وطوراً لولاية عكا أو صفد. ولم تكن مسألة كهذه أمراً ذي شأن بحكم التبعية النهائية للحكم العثماني في اسطنبول.
مع نهاية الدولة العثمانية وفي أواخر أيامها كانت أنظار المشرقيين بمن فيهم الجنوبيين متجهة إلى دمشق عاصمة الدولة العربية وشخص فيصل الأول ابن الشريف حسين الذي أعلن الثورة على العثمانيين منذ عام 1916 كما أعلن الجهاد المقدس ضدهم ممنياً النفس بإقامة الدولة العربية الواحدة على كامل تراب المشرق العربي.
وكما يقال: "كان الجمل في نية والجمال في نية أخرى"، إذ أن جمال ذاك الزمن المتمثل بالثنائي "سايكس" و"بيكو" بصفتهما مندوبي بلديهما فرنسا وبريطانيا، كانا يوقعان اتفاقاً لاقتسام النفوذ في المشرق العربي ويرسما أول خارطة عليها حدودنا الجنوبية الفاصلة بين منطقتي النفوذ المزمع اقتسامها، يجريان عملها بشكل سري في محاولة بينهما لعدم تعارض مصالح بلديهما المتعلقة بتوزيع تركة الرجل المريض، الدولة العثمانية.
أما الصهيونية المتربصة بدورها لهذا الشأن فقد تكرست حصتها بوعد بلفور الشهير سنة 1917 الذي عبر عن تجاوب بريطانيا مع طموحها بإقامة الدولة الصهيونية على أرض فلسطين ولتأخذ من هذا الوعد أساساً ومنطلقاً لإطماعها في المنطقة بما في ذلك تحديد ورسم خرائط الدولة المنوى إقامتها والتي هي على تماس أيضاً في إحدى نقاطها مع الجنوب اللبناني نقطة التقاء النفوذين الفرنسي والبريطاني.
لا بد من التذكير أن الأطماع الصهيونية قديمة قدم العهد بحملها المتمثل بتحقيق مشروع دولتها الكبرى الممتدة من النيل إلى الفرات بحدودها الشمالية التي تبلغ مجرى الليطاني كحد أدنى وبروز هذه الاطماع في توقيتها المناسب مع بدايات رسم وتكريس الخريطة السياسية الجديدة للمنطقة.
مرة أخرى في عام 1918 وفي مؤتمر السلام المنعقد في باريس، تجلت الاطماع الصهيونية بمذكرة قدمت للمؤتمر مطالبة بضم جنوبي الليطاني إلى نطاق النفوذ البريطاني بدلاً من النفوذ الفرنسي على أمل التحديد الأولى للخارطة السياسية لمشروع الدولة الصهيونية.
لن نتحدث عن مذكرات بن غوريون وغيره من قادة الصهاينة وأحلامهم بمياه الجنوب اللبناني، كما لن نتحدث عن إهمال الدولة المتعمد في عدم استثمار هذه المياه خدمة منها للأغراض والمآرب الصهيونية بقدر ما نريد أن نوضح بالوقائع حالة التمدد الصهيوني سابقاً عبر الانتداب البريطاني ولاحقاً عبر دولة الكيان الصهيوني باتجاه الأراضي اللبنانية في محاولة منا لتحديد طبيعة الاطماع المرحلية لهذا العدو في الشريط الحدودي.
بموجب إعلان "غورو" لدولة لبنان الكبير سنة 1920 تنفيذاً لاتفاقية "سايكس بيكو" تم ضم الاقضية الأربعة لمتصرفية الجبل وبات الجنوب اللبناني جزءاً من هذه الدولة الواقعة تحت الانتداب الفرنسي مثلما باتت فلسطين تحت نفوذ الانتداب البريطاني مثقلة بوعد بلفور. هذا التقسيم الذي جرى على حساب الدولة العربية المعلنة في دمشق وعلى أنقاض هزيمتها بعد معركة ميسلون.
في عام 1925، تم اقتطاع مجموعة من القرى والضيع هي: تربيخا، صلحة، روبين، هونين، قدس ، النبي يوشع، والمالكية، بالإضافة لمنطقة الحولة التي كانت مملوكة لآل الخوري وآل سلام وجرى بيعها لاحقاً. اقتطعت المنطقة المذكورة من دولة لبنان الكبير وجرى ضمها للانتداب البريطاني صاحب النفوذ على فلسطين بموجب اتفاق عرف باسم اتفاقية "غورو-نابنشو" وقد بات أصحاب وساكنو المنطقة من حملة التابعية الفلسطينية بع أن كان قد سبق لهم وحملوا التابعية اللبنانية بموجب الإحصاء الأول الذي حصل عام 1924.
الصفقات المشبوهة لبيع الأراضي المتورطة مع الوكالة اليهودية للاستيطان الصهيوني أدت في فترة ما إلى تصفية أملاك منطقة الحولة لصالح المذكورة كما أدت لتصفية مستوطنتي المنارة ومسكاف عام في المرتفع المطل على سهل الحولة واللتين كانتا تقعان ضمن الأراضي اللبنانية.
في عام 1948 وبعد إنشاء الكيان الصهيوني جرى اقتطاع المنارة ومسكاف عام مع مساحات شاسعة من الأراضي الحدودية وعلى امتداد مختلف القرى والضيع من الناقورة إلى العرقوب وبمساحات قدرت في حينها بآلاف الدونمات على مسمع ومرأى السلطة اللبنانية التي وقعت اتفاقية الهدنة في رودس سنة 1949 بدون أن تعر المناطق المقتطعة الاهتمام المطلوب.
وقد بقي العدو يتمدد بعد اتفاقية الهدنة بجوار هذه القرية أو تلك إلى أن كانت حرب 1967 فوضع يده على مزارع شبعا واستولى من جديد على مساحات أخرى على امتداد خطة العسكري، خدمة لمقتضياته العسكرية والذي جرى شقه باتجاه الجولات مارا بالأراضي الحدودية اللبنانية سيما في جوار بلدات عيتا الشعب ورميش ومارون وعيترون وميس الجبل.. وبعد أن كان قد سبق له وحول مجرى مياه نهر الوزاني.
عناوين سابقة في محطات الصراع:
قد يتبادر للذهن أن طابع العنف في الصراع الدائر على الحدود الجنوبية حديث العهد ومنذ الزمن الذي اتخذ فيه اشكاله المباشرة. وفي الواقع أنه يعود في قدمه إلى اللحظات التي تطلعت فيه الصهيونية نحو أرضنا طامعة بالاستيلاء عليها ووضعها تحت سلطة نفوذها، قديمة قدم عهد الصراع العربي الصهيوني وعائد لتاريخ البدايات حيث كان يجري اعداد وتحضير خرائط النفوذ الاستعماري في منطقة المشرق العربي مع الأخذ بعين الاعتبار مصالح الصهيونية ومشاريعها التي كانت موضع عهود ووعود كوعد بلفور لها الحماية والرعاية في باريس ولندن وواشنطن مثلما لها الحضور في كواليس مباحثات سايكس بيكو ومؤتمر السلام المنعقد في باريس سنة 1918 لتوزيع تركة الرجل المريض ومشرقنا العربي كان يشكل حصة وافية فيها.
الصهيونية في حينها كانت تلجأ للفعل المباشر لكن عبر سواها وبشكل خاص عبر بريطانيا التي كانت تطالب بضم جنوب مياه الليطاني إلى دائرة نفوذها تلبية لرغبة الصهاينة التي هبروا عنها بمذكرة قدمت للمؤتمر المذكور.
وفي الحقيقة كانت الدول المقتسمة للنفوذ في المشرق العربي تحرض على خلق التناقضات المحلية باشكالها الطائفية والمذهبية لأكثر من سبب وغاية وبقصد ضرب الدولة العربية المعلنة في دمشق التي تتنافى بشكل بديهي مع مصالح الدول المنتدبة التي تلتقي مع مصالح الصهيونية العاملة على إيجاد كيانات طائفية ومذهبية في المنطقة مقدمة لإيجاد كيانها المزمع تركيبه على أرض فلسطين مع جنوب الليطاني.
في هذا المنحى المرسوم والمخطط افتعلت حودث طائفية في الجنوب سميت باحداث عين ابل – بنت جبيل سنة 1920 واساءت في حينها للتعايش الوطني الإسلامي المسيحي ولمدة محدودة جرى بعدها تجاوزها بفعل العقلاء في المنطقة ولتعبير هذه الاحداث بمثابة سحابة صيف عابرة انجلت لصالح متابعة مسيرة العمل القومي بعد أن جرى الالتحام الوطني مما هيأ لبلدة بنت جبيل لاحقاً وفي عام 1936 لأن تلعب دورها كمركز من مرتكز الثورة على الانتدابين الفرنسي والإنكليزي وأفسح لها المجال لأن تكون حاضرة من حواضر النضال القومي لدعم الثورة الفلسطينية في حينها بوجه الصهيونية ولأن تتحول ذات البلدة أيضاً في عام 1948 إلى مركز تجمع لجيش الإنقاذ وللثوار العرب المتطوعين من أجل فلسطين وعروبتها وعلى رأسهم يومها قادة حزب البعث العربي الاشتراكي أمثال صلاح الدين البيطار وأكرم الحوراني ولتصبح ذات البلدة نقطة انطلاق وخطوط خلفية لمعارك المالكية والنبي يوشع التي استشهد فيها محمد زغيب وشارك بها معروف سعد ولتحتضن في مقبرتها الشهداء اليوغسلاف الذين قدموا كمتطوعين في الحرب.
لم تكتف دولة العدو بوضع يدها على كامل التراب الفلسطيني مع ما تم اقتطاعه من الاراضي اللبنانية بل أقدمت على ارتكاب مجزرة حولا الشهيرة ودخول عيترون وقصف بلدة بنت جبيل بطيرانها الحربي وواصلت تعدياتها حتى كانت اتفاقية الهدمة التي لم تشكل حائلاً دون غزوات صهيونية جديدة بعدها على مواقع الجيش تارة والمدنيين طوراً بسبب أو بدون سبب ولتستهدف مرة موقع الكلم 9 بين عيترون وبليدا ومرة أخرى موقع بيت ياحون ولعدة مرات في أواسط الخمسينيات.
في الجانب الاقتصادي والسياسي بعد 1948:
عملياً لم يعرف الجنوبي وابن الشريط خاصة الحدود، بالرغم من حالة التجزئة، إلا بعد قيام النظام الصهيوني، لأنه كان قبل ذلك وحتى في زمن الانتدابي، يسرح ويمرح ساحته الاقتصادية سوق المشرق العربي بكامله من حواضره الممتدة بين حيفا ودمشق ومن عمان إلى بيروت مروراً بالجولان وسهلي حوران والحولة ومرج ابن عامر، وبحيث أن الكيانية بمفهومها الاقتصادي لم تتكرس وتشكل حاجزاً وعائقاً إلا في عام 1948.
ومع تشكيل الحواجز الاقتصادية برزت مشكلة الحدود وطبيعة العلاقات التي قامت وتكونت على قاعدة العداء المشترك والمتبادل مع الكيان الجديد مما أدى لقطع الشرايين والاوردة الاقتصادية بين الجنوب اللبناني والسوق العربي الواسع في المشرق بدورته شبه المتكاملة انتاجياً كمجتمع زراعي متخلف.
في ظل هذا الانقطاع انكفأ الجنوب اللبناني بشريطه الحدودي الذي كان أكثر تضرراً على نفسه لتغذية موارده الزراعية وتنميتها باستصلاح تربته الجرداء البعلية وليجد في زراعة التبغ مورداً جديداً ومخرجاً لضائقته الاقتصادية الحادة مثلما وجد في الهجرة المخرج الآخر، هجرة نحو الداخل اللبناني لتوفيد اليد العاملة أو نحو أرض الله الواسعة في مختلف بقاع الدنيا.
وبينما كان الجنوب المنكفئ على الذات يلملم أوضاعه الاقتصادية ويعيد تركيب بنيتها على معادلات وأقانيم جديدة قائمة على المبادرة الذاتية بعيداً عن مساعدة الدولة أو تدخلها إذ بالمفاهيم القومية بآفاقها التحررية الوحدوية في منتصف الخمسينات تهب على المنطقة وتعصف رياحها ذارة بقرنها في كل مكان خالقة حالة سياسية جديدة تعتمد على الفكر الجيد بمواجهة الفكر السائد تقليدياً برعاية من بكاوات الجنوب وزعاماته حتى إذا اجتازت هذه البقعة من أرضنا العربية مرحلة الستينات بالمناخات الجديدة وجدت نفسها في مهب رياح المقاومة الفلسطينية العاصفة بمنطقة المشرق العربي ولتجد فيها بمثابة مخرج لها من أزمتها ومنقذ ومخلص من زعامات حرصت على إهمالها وحرمانها.
وقبل أن تطل مرحلة السبعينات ويأفل نجم الستينات كانت الحدود الجنوبية تلتهب ضيعة فضيعة وقرية فقرية وبالتتابع ابتداء من ذري العرقوب فمشارف الناقورة وبالتدرج من غارات "الكومانوس" الصهيوني إلى القصف المدفعي فالطيران المغير تحديداً ابتداء من عام 1968 وليلي ذلك في سلم العنف الصهيوني الاجتياح المحدود لهذا المحور أو ذاك تارة في العرقوب وطوراً في المناطق الأخرى كالغزو الذي بلغ مشارف بنت جبيل في أيار 1970 وليمتد في أيلول سنة 1972 حتى فقانا للمرة الأولى.
الواقعة التاريخية الواجب تسجيلها حتى الفترة المذكورة ولبعدها بسنوات لم يكن العدو ليفرق بين هوية هذه القرية الدينية والطائفية أو تلك في مختلف استهدافاته العسكرية كما أن الضيع والقرى نفسها كانت تتعامل بدورها بمنطق العداء، إذ أن راشيا الفخار ودير ميماس وعين ابل لم يكن نصيب أي منها من القذائف والإرهاب بأقل من نصيب أية ضيعة مسلمة ولدرجة أن العدو قصف مرة عين ابل في ذكرى يوم الأرض، في سنة من السنوات، هذه البلدة التوأم لا قرت وكفر برعم في فلسطين المحتلة لمحاذاة الشريط واللتين تمثلان العنوان السياسي ليوم الأرض ثورة أهلنا في الداخل المحتل على العدو الصهيوني.
لمحات في علاقات الطوائف ما قبل الحرب اللبنانية:
الحقيقة الثابتة على فترات تاريخية سابقة، أن المسألة الطائفية، خاصة بين المسيحيين والمسلمين، لم تكن في يوم من أيام الجنوب اللبناني وشريطه بشكل خاص، مسألة ذي شأن أو بال تستدعي التوقف عندها.
بالإضافة لتعايش قرى مختلطة كيارون وبرعشيت وتبنين وصفد البطيخ على سبيل المثال يجمع أبناؤها الرابط القروى بعاداته وتقاليده المحلية حتى الضيقة، بالإضافة لذلك، نقول وبالاعتماد على الثوابت التاريخية أن حرب لبنان الطائفية التي حدثت في أواسط القرن التاسع عشر لم تلامس الجنوب إلا بقدر نتائجها الإيجابية وحرص الشيعة يومها، لفة الحرب اللبنانية، على حماية من سببت لهم الحرب الأذى من مختلف الطوائف قياساً على فعلة عبد القادر الجزائري في دمشق وبذات المستوى. وان حادثة عين ابل بنت جبيل في اوائل القرن الحالي لم تكن سوى سحابة صيف وولت، بعد ان جرت بتحريض مباشر من فرنسا وغير مباشر من الصهيونية الطامعة بضم الجنوب لنفوذ الانتداب البريطاني، في الوقت الذي كان فيه محمود الأحمد وجماعته يهاجمون القرى المسيحية بتقدير البعض لدوافع ذاتية بلدية لها علاقة بمسألة التصارع على النفوذ العائلي داخل بنت جبيل مثلما بتقدير العامة والبعض الآخر أن أمراً كهذا جرى بغاية الوقوف بوجه معارضي الدولة العربية في دمشق.
إذا تجاوزنا الحادثة المذكورة والتي جرى تجاوزنا فعلاً على المستوى الشعبي لنستعرض مختلف أشكال العلاقات القائمة، وفي معرض ممارسة اللعبة السياسية التقليدية بشكلها الانتخابي نرى بأن مرجعيون بصيغتها الارثوذكسية وتركيبتها الاجتماعية لم تكن لتختلف عن بنت جبيل أو النبطية أو صور في محصلة اللعبة وكما أن عين ابل أو سواها كانت جزءاً منها في إطار التكون المحوري لها في المسار التقليدي وفي الاختراقات التقدمية الحاصلة هنا وهناك والتي بدأت تمتد إليها لتتشابه في النتائج بقياساتها ونسبها وبدلالة أن عين ابل نفسها سبق لها وأعطت مرشحاً قومياً تقدمياً نسبة من الأصوات أكثر مما أعطته بنت جبيل بالذات إلى نفس المرشح في انتخابات 1972.
في جانب آخر انفتحت القرى والبلدات على بعضها البعض بشبابها وشاباتها ونشطت حركة الأندية والعمل الاجتماعي كما كان للأحزاب الوطنية والقومية موقعها في مختلف القرى المسيحية بأسماء ومستميات معهودة ومعروفة في عين ابل ويارون ورميش ودير ميماس ومرجعيون وراشيا الفخار.
ببساطة أكثر وحتى بدايات الحرب اللبنانية كانت الدعوات الطائفية غريبة عن أجواء الشريط وتأته مستوردة من موجات الخارج عبر القادمين من العمق اللبناني حيث تواجدت مناخات كهذه غير أنها لم تجد لها متسعاً وآذاناً صاغية بسبب نمط العلاقات الوطنية السائدة في الوسط الجنوبي.
وحتى أن المزاج الشعبي الذي أخذ "يتعوكر" بفعل وجود المقاومة الفلسطينية وردات الفعل على هذا الوجود قد بدا يتكون في القرى المسلمة منها قبل المسيحية وتحديداً أول ما أطلقت كلمة "غرباء" كانت في بلدة عيتا الشعب المسلمة وفي نفس الوقت الذي كانت تحتضن فيه راشيا الفخار المسيحية هذه المقاومة.
الاستيراد الطائفي للشريط:
إن دولة الصهاينة تعاملت مع الجنوب وكأنه أرض محروقة مباح لها فيه التدمير والقتل والإرهاب والغزو في وقت كانت الدولة اللبنانية تنفض يدها من أي التزام أو موجب عليها اتجاه هذا الشعب لتضيف إلى الحرمان التاريخي تمادياً في الاستهتار والاستهانة مع تقصير عربي وعدم قدرة ملحوظة لمن بيدهم الحل والربط وطنياً في حينها، مقاومة وقوى متعاطفة ومشاركة على تلبية احتياجات ومتطلبات المرحلة. كل ذلك وسواه شكل عاملاً أساسياً من العوامل التي أسهمت في تغير المزاج الشعبي وقلبه في مرحلة من مراحل ما بعد بدايات الحرب الأهلية اللبنانية.
إن الجنوب الذي أثقلته الأعباء والالتزامات الوطنية على أرضه وبحجم لا قدرة له على تحملها مضافاً لذلك كوارث حزام البؤس عدا الذي كان يلف العاصمة والذي اقتلعته من جذوره "القوات اللبنانية"، هذا الجنوب بجناحية وجد أزمته تزداد عمقاً وتعقيداً أو بشكل أخذ يترك انعكاسات وآثاراً سلبية في الحالة الشعبية السائدة على أرضه.
في عام 1976 ووسط حالة من الاختناق والحصار المضروب عليه امتدت اليد الصهيونية عبر بوابات العار على الحدود بادئ ذي بدء كلا من بوابتي المطلة قرب كفركلا وسعسع قرب رميش. امتدت اليد الصهيونية تحت ستار الدوافع الإنسانية وتقديم الدواء باستحداث مستوصف إلى جانب كل بوابة. ولعل أبلغ تعبير عن عمل كهذا ما قاله في حينها المرحوم عبد اللطيف بيضون نائب بنت جبيل في معرض تحذيره واستغرابه وبقوله: "ان لحمنا ما زال حياً على الحيطان من قذائف إسرائيل فمن أين اتتها هذه الحمية علينا".
الواقع أن البوابات المستحدثة على ما سمي بالجدار "الطيب" كانت بمثابة طعم لاصطياد من لديهم الرغبة بالتعامل ومقدمة لتمرير البندقية والمدفع عبر حبة الأسبرين. انها مدخل لوضع سياسي جديد يأخذ طابعه العسكري لاحقاً بمواجهة المقاومة الفلسطينية والقوى الوطنية اللبنانية ومع الأسبرين والدواء الأحمر بدأ دس السم لكن بدون الدسم، بدأ الحديث عن المسيحيين والشيعة والضرب على الوتر الطائفي، بدأ النغم على طريقة الحرب اللبنانية، وما أفرزته من تصنيفات والصهيونية من دون شك دارية بما تريد. انها نفتش على قوى لتحتضنها وتمديها أكثر والعملاء لهم وجودهم في مختلف الطوائف لكن ليس بإمكانهم بلورة قوة سياسية عسكرية وتفتش على مزيد من الثغرات لتجد في أنصار الجيش الطعم الأول ولتجد في من هم غير مرغوب بهم في "جيش لبنان العربي: الطعم الثاني وليأتي في سياق اللعبة لمزيد من بلورة العميل سعد حداد كرائد في الجيش اللبناني يأخذ موقعه في بلدته القليعة ويجمع حوله العسكريين،يأتي حداد في سياق اللعبة التي تشتهيها دولة العدو بدفع من قوى لبنانية في حينها وعلى مستويات سياسية وعسكرية معينة ومع مجيئه يبدأ الكر والفر في لعبة الشريط الحدودي وتكوينه.
تمدد العميل حداد شمالاً باتجاه مرجعيون وليعود وينحسر باتجاه معقله وبقيت كل من رميش وعلما الشعب بمثابة دوائر معزولة حتى أعطي للوضع دفعاً جديداً، شحن باستيراد مجموعة إلى عين ابل عبر ميناء جونية وحيفا، استيرادً مسلحاً من "القوات اللبنانية".
الحلقة الثانية
وعندما جاء وفد من أهاليها للبطرك خريش الذي جمعهم ببيار الجميل وكميل شمعون، ومن أين للوفد أو للبطرك إيقاف اللعبة الكبيرة.
قبل العودة، كانت القذائف الصهيونية باسم المجموعة المستوردة تتساقط على بنت جبيل لتقرع ناقوس حرب الشريط وتضع المنطقة على عتبة مرحلة جديدة، وتسقط عين ابل في أيديها، لتبدأ مرحلة جديدة في مستوى اللعبة بمحاصرة حانين لاحقاً، الضيعة الوطنية الوادعة، التي عليها كل الثارات لتوهجها ومعاداتها للاقطاع، تستفرد فتحرق ويقتل من يقتل وتهجر بالكامل ومن دون استثناء وليعود حداد، بمساعدة دولة العدو، للتمدد باتجاه مرحعيون فالخيام التي لاقت نصيبها بحانين وعلى طرقتها، مثلما تمدد الجيب الغربي الآخر باتجاه مجموعة من الضيع المحاذية للحدود في مروحين والولوطية ويارين والظهيرة والبستان وأم التوت ليجهز عليها وينزل بها ما أنزله بحانين والخيام سابقاً.
الشريط الحدودي بعد اجتياح 1978:
كانت مشاكل الحدود قبل تواجد المقاومة الفلسطينية تطرح على لجنة الهدنة المشتركة عملاً باتفاقية رودس. غير أن الدولة اللبنانية بعد توقيعها لاتفاقية القاهرة في عام 1969 ولغايات سياسية وأغراض معروفة، قل ما كانت تطلب انعقاد اللجنة المذكورة، كما وانها كانت تتقدم بشكاوى لمجلس الدولي تحت تأثير الضغط الشعبي، هذا المجلس الذي، يرى في الصهيونية كنظام طابعاً شرعياً، بينما ينظر إلى حقنا كعرب بمثابة خروج على الشرعية ويلبسه لبوس الإرهاب بفعل التقصير اللاحق بطرح قضايانا ومعاداة الإمبريالية العالمية لنا.
بفعل ذلك أتيح الصهيونية أن تتحدث عن أمن مستعمراتها الشمالية، بحجة لها وعلى امتداد 80كلم من الناقورة غرباً حتى الخيام شرقاً وبعمق 10كلم في القرى والضيع والبلدات المجاورة للحدود الدولية المثبتة في اتفاقية رودس. وبعد أن استوردت له الفتنة الطائفية من العمق اللبناني ووفرت الأداة العسكرية من جنود وضباط وأنصار جيش وعملاء تساقطوا هنا وهناك ودون أن يكون بمقدورهم ترجمة الأطماع الصهيونية بأنفسهم وعجزهم عن السيطرة على الشريط إلا بتدخل مباشر لاكتمال عقدة والتئام شمله بإسقاط بلدة بنت جبيل في اجتياح 1978 هذه البلدة التي كانت تشطر الشريط إلى نصفين شرقي وغربي فتفقده - فعاليته.
الاجتياح الجديد الذي سمي "بعملية الليطاني" الأولى شمل جنوبي الليطاني بكامله باستثناء جبيب صور الساحلي، هذا الغزو الذي عاد فانجلى بانسحاب القوات الصهيونية بعد ان تم تسليم القوات الدولية المكلفة بالتمركز في كافة الأماكن التي يجلو عنها العدو والتي جرى تسليمها فعلاً، ما عدى الشريط الحدودي، الذي أخضع لقوات العميل حداد والذي استمر بالسيطرة عليه بفعل قوة أسياده، ممانعاً بانتشار الشرعية اللبنانية عليه وحائلاً دون وصول القوات الدولية إليه ومحاولاً التمدد المحدود باتجاه هذا المحور أو ذاك من المناطق التي تشرف عليها القوات الدولية وعاملاً على تسخين الأجواء العسكرية كلما كان لدولة العدو مصلحة في ذلك.
وقد حاول العدو ربط هذا الشريط الضيق، به اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً بتطبيع العلاقات فيه وتدجين من هم مقيمون على أرضه، بغالبيتهم العظمى من كهول وشيوخ وصغار سن ونسوه، بعد ان نزف بشرياً قبل السيطرة عليه وهجره أغلب فتيانه وشبابه، بما في ذلك كوادره وعناصره الوطنية المقاومة، بفعل تكونه البطيء، والإرهاب الصهيوني الذي رافق ذلك، بتغليب الطابع العسكري والدموي عليه، مما أفقده فعاليات وقوى كان المقدر أن تلعب دوراً في مقاومة الاحتلال، يضاف إلى ذلك أن مجموع القرى والبلدات المحروقة والمهجرة تهجيراً كاملاً يبلغ عددها 12 قرية أو بلدة مقابل ثلاثين أخرى توشك أن تكون شبه خاوية من السكان.
ولاعطاء صورة أوضح عن الحجم البشري نقول: ان بنت جبيل معينة لدى إسقاطها، كان بداخلها 450 مواطناً مقابل ثمانية آلاف ناخب مدونين على لائحة الشطب قبل ست سنوات في انتخابات 1972 وأن البلدة المذكورة بلغ عدد المقيمين بها في أحسن حالاتها لاحقاً وبعد سنتين من اجتياح 1978 أربعة آلاف وخمسماية مقيم من مختلف الأعمار.
أما المتعاملون مع العدو منها والذين حملوا السلاح بدافع الارتزاق وكلهم من السقطة اجتماعياً، فقد بلغوا خمسة عشر شخصاً دون أن يزداد هذا العدد بازدياد عدد مقيمي البلدة، مما حير الأمر ذهن ضابط المخابرات الصهيوني الذي تساءل عن ذلك، متوقفاً عند جمود هذه الظاهرة وعدم تفاعلها.
في هذا السياق نتوقف عند التركيبة الاجتماعية والمتعاملين مع العدو لنورد الملاحظات التالية:
1) ان الغالبية العظمى لمقيمي الشريط كانوا وما زالوا ممن يصطلح على تسميتهم بالتقليديين سياسياً بمعنى أن لهم ولاءات عائلية يتطلعون إلى السلطة الشرعية دون ما عداها من حيث الرابط، هذه السلطة التي جعلت الالتباس يسود في الذهن لدى تعاملها في مراحل معينة مع جماعة سعد حداد الذين كانوا يتحدثون باسمها. ويندرج أهلنا في الشريط ضمن التصنيف الإنتاجي التالية:
أ- عاطلون عن العمل ومصدر رزقهم موارد واردة من أبنائهم وأقربائهم.
ب- موظفون في مختلف القطاعات العاملة في الشريط.
جـ- زراعيون يعتمدون أساساً على زراعة التبغ.
د- حرفيون وأصحاب محلات تجارية صغيرة الحجم والمردود.
أ- مجموعة عسكريي الجيش اللبناني مسيحيين، ضباط وعناصر، وبينهم بعض المسلمين كعناصر.
ب- أنصار الجيش سابقاً.
ج- المرتزقة سيما بين المسلمين.
د- العملاء.
3) في معرض الحديث عن عملاء الشريط من الواجب والأمانة عدم الانسياق وراء التصنيف الطائفي الشائع بإلحاق كل المسيحيين بقائمة العملاء. ولا بج من تسليط الضوء على ما يلي:
أ- الوطنيون الذين لاقوا العذاب والاضطهاد سيما الرموز المعروفة... عين ابل ويارون ورميش دون أن يغيب عن البال أهمية بقاء وجود جمهور وطني في كل من دير ميماس ومرجعيون بشكل خاص.
ب- التقليديون أمثال فؤاد الخوري رئيس بلدية عين ابل ومختار بلدة رميش وجورج قالوش من وجهاء بلدة بارون الذين رفضوا وما زالوا يرفضون التعامل مع غير الشرعية اللبنانية.
4) بالإضافة لطبقة المرتزقة العسكريين في الشريط نمت شريحة اجتماعية أخرى بموازاتها وفي نفس خندق التعامل هي مجموعة المستفيدين تجارياً من الاحتلال حيث تتقاسم هذه المجموعة مع كبار العسكريين العملاء والضباط الصهاينة الأرباح العائدة من البضائع المستوردة عبر ميناء حيفا إلى السوق الحرة المستحدثة قرب بلدة رميش، وعن كلا الشريحتين الاجتماعيتين اللتين أفرزهما الاحتلال، برز أثرياء حرب الشريط الذين ينوا الدور والقصور والتي هي موضع حيث كل أهلنا هناك معتمدة على مصدر آخر من الموارد هو مصدر الخوات المفروضة على زيد أو عمر لمجرد الشبهة بانتمائه الوطني أو التأشير على علاقة تنظيمية شخصية كانت في يوم من الأيام.
والواقع أن الذين استفادوا وانتفعوا من الاحتلال ليس فقط المسيحيين وإنما بينهم المسلمون أيضاً والذين وجدوا في غزو 1982 فرصة ذهبية بتمددهم عبر كافة مناطق الاحتلال شمالاً واستلاب الكثير من الخيرات والموارد الاقتصادية بالإضافة لتصريف المنتجات الصهيونية والمستوردة عبر مرافئ العدو.
الشريط في أعقاب غزو 82 وإفرازاته:
إذا كان الحديث عن الشريط الحدودي بعد الغزو المذكور قد تراجع سياسياً وعسكرياً فمرد ذلك لكون العدو قد أتيحت له الفرصة لاخراج المقاومة الفلسطينية من بيروت واجتياح العاصمة المذكورة وارتكاب مجزرة صبرا وشاتيلا وتدمير البنية العسكرية منها والسياسية لكل من المقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية اللبنانية.
إن تنامي المقاومة الوطنية اللبنانية بسرعة مذهلة قد أسهم بتغيير الحسابات ابتداء من عملية "الويمبي" الأولى على أرض بيروت وعملية تدمير مقر الحاكم العسكري الصهيوني في صور وقبل أن يمضي زمن طويل على تواجد الاحتلال، تلك العمليتان اللتان كانتا بمثابة جرس إنذار وبداية الطريق للاختيار الصعب الذي ما عداه ليس ببديل، طريق المقاومة للمحتل الغاضب وفي زمن كانت الدولة اللبنانية تلهث وراء مباحثات خلدة كريات شمونة لتفرز هذه المباحثات اتفاق 17 أيار بشكل مذل، يجعل للعدو رقابة واشرافاً على مؤسسة البلد العسكرية كما يجعل له تواجداً أمنياً في مناطق تتعدى إطار الشريط الحدودي إلى جنوبي الليطاني.
إن المقاومة الوطنية التي شقت طريقها في خط معاكس لخط السابع عشر من أيار وبشكل متعارض كلياً قد تمكنت من الغلبة في النهاية كنهج سياسي وفرضت عدم تسجيل تنازلات في مباحثات الناقورة اللاحقة وبعد إلغاء اتفاق 17 أيار فرضت على العدو الانسحابات المرحلية المتكررة والتي سيكون خاتمتها في حزيران القادم الانسحاب من الشريط الحدودي.
واقع الحال أن للعدو حساباته أيضاً مع المعطيات الجديدة المستوحاة من معطيات المقاومة الوطنية، إذ أنه سينسحب فعلاً لكن يغرض إعادة ترتيب أوراقه السياسية والعسكرية ومن هنا كان مبعث التفجير الحاصل في ضواحي صيدا بافتعال من "القوات – اللبنانية" وبايجاء من العدو بغرض تعميق التناقض الطائفي، في وجهة غايتها إجراء مزيد من الفرز السكاني ولاغراض ومآرب جديدة على أرض الجنوب.
إن العدو بغزوه لبنان عام 82 قد كان يهدف إلى أكثر من حماية مستعمراته الشمالية من قذائف الكاتيوشا، كان يهدف إلى إخراج منظمة التحرير الفلسطينية وضرب بنيتها، وضرب الحركة الوطنية اللبنانية والقوى المتعاطفة مع المنظمة وفرض هيمنة انعزالية على كامل التراب اللبناني وعندما تعذر عليه ذلك، أمعن في تمزيق وتفتيت المجتمع اللبناني على قاعدة التوزيع المذهبي والطوائفي ليس فقط سياسياً وإنما بشرياً وسكانياً، ومن هنا تأتي الحلقة الجديدة في مخططاته في ضواحي صيدا تمهيداً للحلقة الأخيرة في الشريط الحدودي، الذي ينوي أحداث تغيير ديمغرافي به بتغليب الطابع الانعزالي عليه من خلال غالبية مسيحية متعاملة معه.
صحيح أن قرى وبلدات الشريط التي احترقت ودمرت سابقاً وهجر أهلها تهجيراً كالاً قد سمح البعض منهم بالعودة باستثناء بلدة حانين إنما هذا البعض المرغوب فيه قد جرى اختياره على قدر مقاسات الآخرين ساكني الشريط الذين يبلغ عليهم طابع التدجين العامة والمنتفعين من الخاصة، الذين يشكلون العصب السياسي للمتعاملين مع العدو.
من جهة أخرى أن الشريط القادم بوضعه الذي يخطط له العدو سيكون أكثر اتساعاً من شريط 1978 كما يطمح له آذانه سيضم حاصبيا والعرقوب كما سيتمدد ليشمل قسماً أكبر من منطقة بنت جبيل الإدارية بالإضافة لكامل قضاء مرجعيون. بشكل أوضح سيحافظ على موطئ قدم على الليطاني، على الخردلي مع ما يعنيه ذلك من إطماع صهيونية في مياه الليطاني.
ضمن هذا الشريط الجديد يسعى العدو لتجميع كافة العملاء فيه من مختلف الطوائف ليتفاعلوا مع التركيبة الاجتماعية بشريحتيها العسكرية منها والاقتصادية ويذوبوا فيها لبلورة مزيد من الغلبة لها على حساب المشكوك بولائهم للعدو سيما من المسلمين الغير مرغوب بهم والذين بدأوا بطردهم من مختلف قرى وبلدات الشريط في الآونة الأخيرة مع تنامي المقاومة على أرضه والبدايات الأولى للعم العسكري في مختلف شعابه.
الشريط الحدودي وضرورة توظيف واستغلال كافة الأوراق لتحريره:
الشريط الحدودي بواقعه المستقبلي المنظور والمخطط له من قبل العدو الصهيوني يضم، بلغة الحرب اللبنانية، مختلف الطوائف من شيعة هنا وهناك إلى سنة في شريط صور والعرقوب فدوروز في حاصبيا وجوارها ومسيحيين من مختلف المذاهب في قرى وبلدات معروفة في الشريط، وبشكل يتقارب مع تعددية الطوائف والمذاهب اللبنانية الرئيسية منها والمعروفة.
وإذا كانت غالبية أبناء الشريط يجمعها رابط مشترك هو رابط الولاء للشرعية اللبنانية بحكم غلبة العقلية التقليدية السائدة، إلا أن هذه الغلبة لا تضير الموقف الوطني بشيء، لأن سيطرة الشرعية على الشريط تعني إنهاء الجيب الانعزالي واقتلاع العدو الصهيوني وتصفية التركيبة الاجتماعية التي تستفيد من الوضع بشقيها العسكري والتجاري في نفس الوقت الذي تشكل فيه عودة الشرعية قاسماً مشتركاً للجميع عل مختلف انتماءاتهم الطائفية وتعني تطبيق القرار 425 لمجلس الأمن مع ما يعني ذلك من تعاطف جولي خاصة بعد الاستفزازات التي ستقوم بها قوات الشريط العميلة للقوات الدولية في مختلف المحاور ومناطق توجد هذه القوات.
إن المرحلة الأخيرة من الانسحاب الصهيوني ستتشابه مع انسحابها عام 1978 بتسليم الشريط لقوات العميل لحد ومرتزقته على حساب تسلم الشرعية والقوات الدولية للشريط الحدودي، هذه القوات التي ستعمل على إبقاء ساحة الصراع ساخنة سياسياً وعسكرياً كما وأنها ستوفر الحراسة لحدود العدو ومستعمراته الشمالية التي تكتظ بالسكان ومصالحه الاقتصادية، مثلما ستبقي الشريط بتصرف قوات العدو التي ستتعامل بدورها مع المرحلة بأشكال عسكرية جديدة بدون أن تعود هذه الأشكال عليها بتكاليف وخسائر بشرية خاصة من جنودها.
في هذا السياق ترى أن المعنيين بشأن الشريط الحدودي وبأشكال مباشرة يتوزعون إلى ثلاثة أطرف:
1) مجلس الأمن الدولي والقوات الدولية استناداً للقرار 425 وملحقاته.
2) الشرعية اللبنانية التي لا يمكنها إلا أن تكون مع وجهة تحرير الشريط واستعادة سيادتها عليه بعد أن سبق لها كما يفترض وتخلصت من مسائل متعددة أبرزها:
أ- تأكيد عدم شرعية قوات الشريط التي يقودها العميل لحد خليفة سعد حداد.
ب- تمكن الجيش اللبناني من الانتشار في المناطق المحررة وأن كان الانتشار محدوداً وخجولاً.
جـ- تحديد خطوات عملية أكثر وضوحاً وتقدماً باتجاه دعم المقاومة الوطنية اللبنانية.
3) الاطراف الوطني اللبنانية وجمهور شعبنا، وفي هذا المجال، وبعد أن فرضت المقاومة الوطنية نفسها كظاهرة مميزة ممثلة لحركة شعبنا كل شعبنا في مقاومته الشاملة للاحتلال، نشعر بأنه بات من الضرورة عدم السماح لما يهدد هذه المقاومة بتحميلها مخاطر عبء ووزر استمرارية الاصرار على طبعها بطابع معين وصبغة معينة ذات منحى طائفي في الشكل والمضمون من اطراف معينة، متناسية هذه الاطراف اللون والجذر القومي للجنوب على تعدد طوائفه وأديانه وتنوعها، وبدون أن يؤخذ في الحسبان أهمية دور الاديان – والطوائف الأخرى، إذا تكلمنا بلغة وعبارات السياسة اللبنانية السائدة، في معركة مع محتل أبسط تصنيف لها في كل تجارب الشعوب وفي مختلف مراحل التاريخ، انها معركة وطنية.
إن استمرارية النظرة الضيقة لدى الاطراف المذكورة واصرارها على التصنيف الطائفي والفئوي للمعركة الوطنية، وبشكل يخدم طروحات العدو ويافطاته المقدمة للرأي العام العالمي من شأنه حرمان المعركة من طاقات أو إمكانيات كثيرة، ومنعها من الاستفادة من زخم هذه القوى أيضاً وإبقاء مجال الحذر والشك قائماً أمام فئات وقوى ما تزال تراهن على معادلات جديدة داخلية وخارجية لابقاء طريق التعاون مع العدو مفتوحة وسالكة، دون أن يعني ذلك أن عملاء الشريط محصورون بطائفة معينة أو فئة معينة دون الأخرى كما بينا.
إن سمة التعامل تنال كل المتساقطين والمستفيدين من مختلف الطوائف مسلمة ومسيحية وقد بات من الضرورة بمكان إخراج الشريط من لعبة الطوائف خاصة على أرضه، وإخراج طوائف معينة من دائرة ارتهان العدو ولعبته الخبيثة، وبالتالي تصبح سمة التعامل مرادفة للمتساقط مهما كان انتماؤه بقدر ما تصبح سمة الوطني مرادفة لكل مقاوم، من أي موقع تصدي ومن أية فئة كان.
إن بلورة أمر من هذا النوع ونضوجه، من شأنه خلق مزيد من الاحراجات الجديدة للشرعية اللبنانية لتسلك جدياً درب التحرير وللفئات المراهنة على معادلات جديدة لصالحها، سواء تمثلت هذه الفئات في الشرعية أو خارجها.
في هذا الاتجاه، وبقدر ما هو مهم تأكيد الطابع الوطني والعروبي للمعركة مع العدو، ولمقاومتنا الشعبية، باعتبار العروبة والوطنية هي المقياس الصحيح والسليم والقاسم المشترك للجميع، فمن الأهمية أيضاً، إعادة النظر بالخطط العسكرية والسياسية لاذكاء روح المقاومة في الشريط الحدودي بمختلف الأشكال والسبل.
لقد بات علينا، بحكم مستجدات الأمور، المراهنة على تحريك هذا الشريط باتجاه إعادة تثويره على قاعدة وطنية، سيما وأن لمسيحييه المتضررين من الاحتلال وما للبطرك خريش المعادي بدوره لهذا الاحتلال، من دور لا يمكن نكرانه ويتطابق مع أدوار الطوائف الأخرى من دروز وسنة بالإضافة إلى الشيعة.
إن ما يعزز هذا الاتجاه، كون الذين اسهموا في فتح بوابات العار مع العدو والتي تسلل منها، لم يكونوا من الجنوبيين أنفسهم، بعكس الغلط الشائع، بدلالات كثيرة تحدثنا عنها.
اننا نجزم أن الاستيراد الطائفي الذي جرى في لحظة ما بقدرة العدو وتحت اشرافه وتنفيذه كانت الغاية منه اصطناعه لحزام أمني لحماية مستعمراته الشمالية.
وتتعزز القناعة أيضاً أن الفتنة مفتعلة مثلما الحزام نفسه مفتعلاً، وأن ضرب هذا الحزام والشريط المستحدث، والمخالف لارادة بنيه ولقرارات المجموعة الدولية، عمل من شأنه ضرب مخططات العدو وإسقاط رهاناته من قلب التركيبة البشرية والجغرافية التي طالما حرص على إظهار تمايزها وأبرازها منذ سنوات. إن ضربة موجعة من هذا النوع مستندة لموقف سياسي وطني مدعماً بموقف الشرعية لانطباق مصلحتها والمجموعة الدولية تنفيذاً لمقرراتها عدا عن كونها تدفع المقاومة الوطنية خطوات في الأعمق لتحقيق الأهداف، فانها تسبب للعدو ضربة مؤلمة على رأسه لا تقل أهمية عن ضرب مستعمراته التي يريد حمايتها بهذا الجدار الوهمي الواهي المركب تركيباً، والذي اسمه الشريط الحدودي، ؟ الخط الانعزالي النشاز، الذي يحمل لنا ؟ ؟ ؟ ؟ الدائم مع العدو الصهيوني.
***
الملحق الرقم (30)
الرافعي يدعو أبناء القرى الحدودية إلى الإضراب الشامل ويدعو الحكم للتحرك دولياً
طليعة لبنان الواحد العدد ( 13) أواسط نيسان 1985
دعا أمين سر القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان النائب الدكتور عبد المجيد الرافعي أبناء القرى الجنوبية التي لا تزال ترزح تحت الاحتلال إلى الرفض الشامل لمحاولات العدو وعملائه توزيع البطاقات الشخصية عليهم، معتبراً أن هذه الخطورة إنما تهدف إلى قضم المناطق الحدودية وفرض الصهينة عليها، جاء ذلك في تصريح للدكتور الرافعي هذا نصه:
في ذكرى اغتصاب فلسطين من قبل الحركة الصهيونية وإقامة كيان استعماري استيطاني على أرضها، يسعى العدو لفرض الصهاينة على مناطق عربية أخرى، تبرز دلائلها من خلال محاولته الأخيرة توزيع البطاقات الشخصية على سكان المدن والقرى اللبنانية التي لا تزال ترزح تحت نير الاحتلال.
وهذا الإجراء الذي يسعى لتطبيعه وبالاستناد إلى دور عملائه والمرتبطين به إنما هو مخطط مكشوف لنزع الهوية اللبنانية عن سكان تلك المناطق، ومستبقاً الموعد الذي حده لإنجاز ما سماه بالمرحلة الثالثة لانسحابه من الأراضي اللبنانية.
وهذا ما يثبت أن العدو ليس في نيته الانسحاب، انسحاباً كاملاً وشاملاً وغير مشروط وإنما يسعى للبقاء بصيغة غير مباشرة لابقاء تأثيره فعالاً في خارطة الأوضاع السياسية والإقليمية في لبنان.
وخطوته الأخيرة بتوزيع البطاقات الشخصية على سكان القرى الحدودية جاءت في الوقت الذي تفرض فيه قوات الاحتلال حصاراً تموبنياً وخدماتياً على قرى العرقوب وتمارس كل أشكال الإرهاب المعنوي والمادي عليها، وفي نفس الوقت الذي لا تزال فيه القوات العميل لحد تمارس تعدياتها واستفزازاتها وقصفها لقرى إقليم التفاح وتهجير عشرات الآلاف من سكانها.
إن كل ذلك، يدل بأن معركة تحرير الجنوب لم تنته وهي لن تصبح ناجزة إلا بتحرير كل الأراضي المحتلة وإزالة الاحتلال الصهيوني المباشر وغير المباشر. وهذا ما يوجب إبقاء جذوة المقاومة الوطنية، جذوة متوهجة وقادرة على ملاحقة ومطاردة وضرب العدو وعملاءه أينما وجد، وأن تجربة شعبنا وقواه الوطنية قد أصبحت تجربة غنية بمعطياتها النضالية وان شعبنا وجماهيرنا الجنوبية وفي البقاع الغربي وراشيا والتي صمدت وصبرت واحتضنت المقاومة الوطنية بكل جوارحها لهي قادرة على متابعة معركة التحرير حتى النهاية. وأن موقفا شعبياً شاملاً ورافضاً من سكان القرى والمدن التي لا تزال ترزح تحت الاحتلال لإجراءات العدو الأخيرة بتعميم البطاقات الشخصية عليهم وإعلان الإضراب العام وتحويل محاصرة العدو للقرى إلى محاصرة لقواته والمرتبطين به إنما يشكل عنصراً فعالاً في ردع العدو عن فرض إجراءات الصهاينة وموقف لا بد وأن يتأسس عليه موقف وطني شامل.
وإذا كان أهلنا الذين يصبرون ويصابرون على إجراءات العدو مطلوب منهم رفض ما يقدم عليه، فإن المسؤولية لمواجهة هذه الخطوة وما تنطوي عليه من خطورة تمس المصير الوطني برمته افرض تحركاً على كل الصعد والمستويات لاحباط هذا المخطط ولتوفير العمق الوطني لصمود جماهيرنا التي لا تزال ترزح تحت الاحتلال. وإذا كانت المقاومة الوطنية تقوم بواجبها في التصدي لقوات الاحتلال وعملائه داخل الشريط الحدودي وخارجه فإن تأمين وضع داخلي متماسك وتحصين الجبهة الداخلية من الارباكات السياسية والأمنية ووضع معركة التحرير ونضال المقاومة في إطاره الوطني بعيداً عن كل أشكال التطيف والتمذهب والحسابات الفئوية يشكل الإطار الطبيعي لكي تأخذ معركة استكمال تحرير الأرض كامل بعدها الوطني.
إن نزع فتيل التوتر الداخلي، وإزالة خطوط التماس بين شطري العاصمة وفتح المعابر والمناطق على بعضها البعض، وإزالة الهيمنة عن المرافق الشرعية، من شأنها لن تساعد على إراحة الساحة الداخلية وتوفير بعض من عناصر الصمود الاجتماعي والاقتصادي لشعبنا الذي أنهكته حرب السنوات العشر.
والحكم الذي أدت ميوعة مواقفه إلى تفويت الكثير من الفرص الإنقاذية فإن تحركه حيال ما يجري في الجنوب لا يرتقي إلى المستوى المطلوب لجهة الخطورة التي ينطوي عليها إجراء العدو بنزع الهوية اللبنانية عن سكان القرى المحتلة. ونعتقد أن أمراً بمثل هذه الخطورة يستدعي دعوة مجلس الأمن الدولي لجلسة طارئة لوضع المجتمع الدولي في حقيقة الإجراء الصهيوني ولانتزاع قرار دولي جديد بإدانة هذا السلوك العدواني الجديد والتأكيد على القرارات السابقة وخاصة القرارات 508 و509 والقرار 425 الذي يؤكد على نشر القوات الدولية على الحدود الدولية ومساعدة الشرعية في بسط سلطاتها على تلك المنطقة كما أنه بقدر ما هو مهم إثارة هذا الموضوع أمام المحافل الدولية فإن استمرار العدو وباعتقال المئات من المناضلين يشكل سابقة خطورة وانتهاكاً صارخاً لحقوق الإنسان ولكل الأعراف الدولية. وإذا كنا نعرف جيداً طبيعة هذا العدو العنصري والذي لا يقيم اعتبار للقوانين الدولية فإن على الأسرة الدولية أن تتخذ موقفاً واضحاً منه وأن تترافق الاحتفالات العالمية بالذكرى الأربعين للانتصار عل الفاشية بتحرك شامل لإدانة هذه النازية الجديدة في فلسطين المحتلة. وختم الرافعي تصريحه مهنئاً المناضل مصطفى معروف سعد بسلامته وعودته إلى العرين الوطني، إلى صيدا قلعة العروبة والنضال، كي يحتل موقعه مع رفاقه في مسيرة استكمال تحرير لبنان وإعادة توحيده.
***
الملحق الرقم (31)
وحدة المقاومة الوطنية ستبقى خيار الوطنيين اللبنانيين
طليعة لبنان الواحد العدد ( 16) تشرين الثاني 1985
بعد ثلاثة أعوام على إطلاق أولى العمليات المقاومة ؟ الاحتلال الصهيوني، لا تزال المقاومة الوطنية ورغم الظروف الصعبة المحيطة بحركتها تكيل الضربات الموجعة للعدو وتلحق المزيد من الخسائر به وبالقوى المرتبطة به. وهذا ما دفع بقوات الاحتلال وهي التي لا تزال تحتل مساحات واسعة من الأراضي اللبنانية، لأن تقوم بعمليات انتقامية ضد بعض القوى الجنوبية، وتقصف بمدفعيتها البعيدة المدى مدينة صيدا "تنفيذاً" لتهديد أطلقه عميلها انطوان لحد.
والتطور الجديد الذي طرأ على أعمال المقاومة هو حجم العمليات التي تنفذ في ما يسميه العدو بمنطقة الحزام الأمني، وفي ضرب المستوطنات الصهيونية في الجليل إلا على بفلسطين المحتلة.
وإذا كان العدو وما يسمى بجيش لبنان الجنوبي وما بحوزتهما من إمكانات لم يستطيعا أن يحولا دون استمرار وتصاعد العمليات ضدهما، فإن الطرف اللبناني والذي حاول أن ينصب نفسه طرفاً احادياً وصياً على المقاومة الوطنية لم يستطع أن يسقط دور الاطراف الأخرى المنخرطة في النضال ضد العدو الصهيوني… وهو أن استطاع أن يجير الكثير من العمليات لنفسه ويدعي زوراً تنفيذها، فإن هذه المتاجرة الإعلامية لم تجد أرضية شعبية مناسبة لاستقبالها، خاصة وأن أبناء الجنوب والذين يعايشون العمل المقاوم يعرفون جيداً وعلى الطبيعة مساهمات الاطراف في العمل العسكري والحشد التعبوي ضد قوات الاحتلال.
لقد حاولت حركة "أمل" وخلال المرحلة الأولى من الانسحابات الصهيونية الأولية من الجنوب، أن تلغي دور كافة الاطراف وأرفقت ذلك بتعرض للتواجد الوطني في المناطق الجنوبية حيث أخذت تتصرف فيها كأداة مسؤولة عن إجارتها الأمنية والخدماتية وحتى السياسية. ولم تتوان عن اختطاف العديد من المناضلين الوطنيين وتوقيفهم، واستحضار ملف الاحداث التي سبقت الاجتياح الصهيوني، في محاولة منها لارباك الساحة الجنوبية في وجه القوى الوطنية، ولتقديم نفسها وكأنها الطرف القادر على فرض الأمن، وبالتالي تقديم نفسها كمفاوض باسم الجنوب والجنوبيين حول ترتيبات الجنوب الأمنية والسياسية.
هذا التصرف من قبل حركة "أمل" ولد استياء شعبياً كبيراً، وبدأت الأوساط الشعبية تنظر بقلق بالغ لحقيقة الدور الذي تلعبه "أمل" في إطار التقسيمات الأمنية القائمة على الساحة اللبنانية. وما زاد من درجة الاستياء الشعبي أن الموتورين من الحركة يعمدون حالياً وبالاستناد إلى الظروف السائدة في الجنوب إلى تصفية حسابات سابقة، ومتنكرين لابسط القيم الإنسانية والأخلاقية. وكان المثال الصاروخ على ذلك أن أحد المناضلين من ج. ت.ع. والذي كان معتقلاً في أنصار ومن ثم نقل إلى سجن عيتليت في فلسكين المحتلة وأطلق سراحه في الدفعة الأخيرة، جرت تصفيته انتقاماً منه على الاحداث التي سبقت الاجتياح.
هذه الأعمال الواردة على سبيل المثال لا الحصر، تدلل بوضوح على أن الطرف والذي كان آخر من انخرط في العمل المقاوم ضد قوات الاحتلال سيكون أول المسيحيين له، لأن العمل المقاوم بما هو فعل وطني تحريري وذو بعد توحيدي، إنما يتناقض مع طبيعة القوى ذات التركيب الطائفي والتي تحاول أن تحرف الصراع مع العدو الصهيوني عن مضمونه الوطني والقومي.
والأيام القادمة ستكشف هؤلاء الذين ركبوا موجة المقاومة لتجهير المكاسب الشخصية والفئوية، خاصة أن المعركة مع العدو ما تزال في بدايتها، وهي على أبواب تصعيد جديد بعد التهديدات التي أخذ يطلقها مؤخراً العميل لحد، والإجراءات الصهيونية في ما يسمى بمنطقة الشريط الحدودي والتي يهدف العدو من خلالها قضم بعض المناطق اللبنانية وخاصة في خراج سبصا وكفر شوبا.
لذلك فإن المراهنة على أن العدو هو على أبواب انسحاب من الأراضي اللبنانية هي مراهدة على التقاط السراب، وسعي البعض لتجهير مكاسب المقاومة لصالح تحسين مواقعه، هي نحر للمقاومة وإجهاض لكل مقوماتها ودورها في الاستنهاض الجماهيري. فالعدو لن يتردد مجدداً في اجتياح الأراضي اللبنانية متجاوزاً الحدود المتواجد عليها، وهو أن اضطر للانكفاء التكتيكي فإن شيئاً لم يتغير من صلب أهدافه الاستراتيجية ضد لبنان. وإذا كان يقف حالها في حدود ما هو قائم، فلأن أطرافاً أخرى بحسن نية أو سوئها تنفذ ما يريد الوصول إليه، إلا وهو تفتيت لبنان تفتيتاً يستحيل معه في المستقبل جمع شتاته.
لذلك فإن وحدة المقاومة الوطنية، هي وحدة ضرورية ولازمة، ضرورية لرفع وتيرة الأداء النضالي ضد العدو، ولازمة لجعلها الدواة والمرتكز التي يستند عليها فعل إنقاذ لبنان توحيداً وتحريراً. ومن لا يكون مؤمناً بوحدة العمل ضد العدو لا يمكن أن يكون مؤمناً بوحدة لبنان الوطنية. فالوحدة في مواجهة الاخطار ليست هدفاً بحد ذاته بل هي وسيلة لتحقيق الوحدة الوطنية الأشمل والتي بتحقيقها يهزم مشروع العدو. وبهذا النهج ينتصر العمل المقاوم، وبه تستعيد المقاومة بريقها ودورها. وهذا ما يجب أن يكون خيار كل الوطنيين الحريصين على تحرير بلدهم وإعادة توحيده.
***
الملحق الرقم (32)
كي لا تقع في فخ مخطط الكيان الصهيوني
طليعة لبنان الواحد العدد ( 18) أواخر العام 1985
في إطار دور القوات الدولية وأسلوب المواجهة مع العدو حصلت في الآونة الأخيرة تحرشات بقوات الطوارئ الدولية، تراوحت بين احتجاز عناصرها وإطلاق النار عليها. كما أقدمت القوات الصهيونية وتلك المرتبطة بها على اقتحام العديد من القرى الجنوبية الواقعة تحت إشراف القوات الدولية، ونسفت عشرات البيوت بحجة تعامل أصحابها مع المقاومة الوطنية، أو بحجة عدم الانخراط في ما يسمى بجيش لبنان الجنوبي. وقد أثارت هذه التصرفات استياء القوات الدولية التي تتولى منذ ربيع عام 1978 مهمة الحفاظ على أمن المواطنين في مناطق انتشارها. واعتبرت ذلك تجاوزاً على صلاحياتها وإلغاء لدورها. وهذا ما دفع العديد من الدول المشاركة في قوات الطوارئ إلى سحب وحداتها العاملة منعاً لحدوث صدامات مع الميليشيات المتواجدة في تلك المنطقة. وقد أقدمت بعض الدول المشاركة على سحب قواتها، كما بدأت دول أخرى تفكر جدياً بسحب جنودها، تداركاً لمشاكل قد تحصل في المستقبل، وحتى لا تبقى شاهدة زور على ما يحصل.
وإقدام بعض الدول على سحب وحداتها، خاصة تلك المشاركة بأعداد كبيرة، لا يؤثر على فعالية هذه القوات على الأرض فقط، وإنما أيضاً على فعالية التغطية السياسية الدولية لدورها والتي انتدبت بالأساس لمساعدة الدولة اللبنانية في بسط سيادتها على الأراضي التي تعرضت للاجتياح الصهيوني في 16 آذار 1978 وعملاً بأحكام القرار 425.
وقد بدا واضحاً أن العدو الصهيوني، ومنذ انتداب تلك القوات يعمل جاهداً لعرقلة مهماتها والحؤول دون تنفيذ الغاية التي جاءت من أجلها. وحتى تصبح يده طليقة في التحكم بالمناطق التي ما تزال خاضعة للاحتلال المباشر وسيطرة القوى المرتبطة به.
ومقابل عدم قدرته على انتزاع قرار من مجلس الأمن الدولي لانهاء مهمة القوات الدولية، ما برح يتصرف بالشكل الذي يدفع الدول المشاركة في القوات الدولية لسحب عناصرها حرصاً على سلامتهم الشخصية. وهذا أن دل على شيء، فإنما يدل على أن العدو ليس في وارد الانسحاب من بعض مناطق الجنوب وهو يهدف إلى جعل تلك المناطق تقع تحت قبضته المباشرة، ونظراً للميزات التي تتصف بها، سواء بجهة ثروتها المائية أو المواقع الاستراتيجية التي تشرف على الجليل الأعلى وحتى قلب فلسطين المحتلة.
لأجل ذلك، لم يقدم العدو على الانسحاب كلياً من الجنوب اللبناني، بل استمر على تواجده المباشر وعزز من دور ما يسمى بجيش لبنان الجنوبي ليبقي تأثيراته السياسية والأمنية، ويبقى من خلال ممارسة تلك القوى المرتبطة به بعيداً عن أية مسؤولية دولية.
وعلى هذا الأساس فهو يتصرف على خطين:
الخطر الأول، وضع القوات الدولية في حالة انعدام الفعالية لجهة المهمة الموكلة إليها. والخطر الثاني: تحقيق مركزية فعالة لتواجد قواته وإبقاءها في حالة جاهزية تامة تحسباً لكل الاحتمالات والتطورات.
وقد نجح العدو حتى الآن في تحويل عقدة جزين الأمنية إلى عقدة سياسية، وهو بسيطرته على هذه العقدة، إنما يسيطر على مداخل ومفاتيح ثلاث مناطق أساسية في لبنان، وأبقى الجنوب كله وصيدا خاصة تحت مرمى نيرانه، وهو إذ يسعى لتكريس هذه الوقائع كثوابت في إطار ضوابط التأثير السياسي والأمني على الساحة اللبنانية، فلكي يحقق هدفين في آن واحد تجاه الجنوب، الهدف الأول، جعل منطقة الجنوب منطقة غير مستقرة، وبالتالي جعلها دائماً في إطار البحث ضمن نطاق الترتيبات الأمنية. والهدف الثاني، رسم خط تماس أمني يريد أن يحوله تدريجياً إلى خط تماس جغرافي فاصل. وهو ليس منزعجاً من تحويل مناطق انطلاق المقاومة الوطنية، مناطق تماسية وذات طابع موضعي، لأنه بذلك، يفقدها سمتها الأساسية، لجهة الالتصاق بالحالة الشعبية ويجعلها مكشوفة أمام إمكاناته الفنية والتقنية والتي لا تقاس بالإمكانات المتوفرة للاطراف المنخرطة في العمل المقاوم. كما أنه سيحمل المقاومة المسؤولية عن إثارة الاشكالات التي تحدث مع القوات الدولية.
أمام هذه الوقائع التي بدأت ترتسم على الأرض، وأمام معرفة ما يخطط له العدو، فإن على المقاومة الوطنية اللبنانية والقوى الحريصة على استكمال تحرير لبنان واستعادة سيادته وحريته، أن تتصرف انطلاقاً من معرفتها بحقيقة ما يضمره العدو وما يعلنه.
فمن مصلحة لبنان، أن تبقى القوات الدولية في الجنوب بل أكثر من ذلك فمن مصلحته أن تزداد فعاليتها، وليس من المصلحة بمكان التصرف بقرار أو عبر عناصر غير منضبطة كما يقال لإثارة المشاكل في وجه القوات الدولية، لأن "إسرائيل" هي المستفيدة الوحيدة من ذلك، وخطتها الأصلية ترحيل قوات الطوارئ. وبموازاة هذا الحرص والتأكيد دائماً على تنفيذ القرار: 425، فإنه مهم جداً أن لا تقع المقاومة الوطنية في الفخ الصهيوني بالتحول في عملياتها إلى ما يشبه المواجهة عبر خطوط التماس، لأن ذلك يشكل مقتلاً لهان وسيعيد الأمور أشواطاً إلى الوراء، وأن العدو لن يتوانى عن الانقضاض مجدداً على الجنوب وغير الجنوب.
إن الذي يجري الآن في الجنوب سواء فيما يتعلق بتقزيم دور قوات الطوارئ الدولية أو التهديد بعدم التجديد لها وسحبها تدريجياً في إطار الضغط الأميركي والممارسة الصهيونية، واستجابة عدد من الدول المشاركة، أو فيما يتعلق بتصعيد العدو الصهيوني وعملائه للعمليات العسكرية ضد المناطق المحررة، ليس بعيداً عن السياق العام لتطورات الوضع الداخلي، ولا يمكن فهمه إلا بإطار تحول قضية الجنوب من قضية مواجهة مع العدو الصهيوني إلى دفع الأمور باتجاه استعادة المفاوضات معه كخيار مفروض في سياق ترتيب المخطط السوري مع المصلحة الصهيونية.
***
الملحق الرقم (33)
الجنوب …. أولاً وأخيراً
طليعة لبنان الواحد العدد ( 20) كانون الثاني 1986
مرة أخرى تنشد الأنظار الجنوب، علماً أنه لم يك مغيباً عن الإسماع والأبصار. فهو دائماً كان في دائرة الحدث الذي يرخي بظلامه على الأسلحة الوطنية برمتها، لكن الجديد هو تلاحق التطورات التي تعل من الاحداث الدائرة في الجنوب مفتاحاً لاحداث أخرى قد لا تترك انعكاساتها على مستوى الساحة الداخلية وإنما على المستوى العربي، لأن الجنوب ومنذ عقدين من الزمن لم يعد محافظة من محافظات لبنان الخمس، كما يدرس في دروس الجغرافيا، ولم يعد الحديث عنه، بأنه منطقة يشكل سكانها خمس سكان لبنان تقريباً ويتوزعون على كل الطوائف والمذاهب، ولم يعد مزارع تبغ ولا بيارات ليمون، بل أصبح، ما يجري على أرضه مرتبط بمصير شعب ومصير أمة. ومساحته لم تعد مساحة جغرافية وإنما أصبحت مساحة سياسية، تتصارع عليها مشاريع قوى متناقضة في اتجاهاتها ومصالحها وأهدافها.
على مساحة الجنوب السياسية تختصر القضية الوطنية بكل أبعادها، قضية تحرير الأرض وإعادة توحيدها وتوحيد الشعب، والتأكيد على صيغ التعايش بين اللبنانيين، وعلى مساحة الجنوب الصغيرة في رقعتها الجغرافية الكبيرة في مساحتها السياسية تختصر القضية القومية بكل أبعادها أيضاً، باعتبارها ساحة مواجهة مباشرة مع التجسيدات الميدانية لمشروع الحركة الصهيونية التوسعي الاستيطاني.
لذا فإنه ليس مفاجأة، أن تعود ساحة الجنوب لتصبح بين الفنية والأخرى ساحة تنشد الأنظار إليها والاهتمامات المحلية والعربية والدولية، وبعد عامين ونصف على الغزو الصهيوني للبنان، فالعدو يصعد من لهجته العدوانية علماً أن طبيعته عدوانية، بالأساس، ويستنفر كل القوى الحليفة والمؤيدة له لتبرير مواقفه، ويعيدنا بالأذهان إلى المراحل التي كانت تسبق كل عمل عدواني كبير ضد لبنان. وهو لن يتوانى عن الاستغلال حوادث متفرقة تحصل هنا وهناك ليقوم بعدوان جديد يتجاوز فيه حدود التموضع الحالي لقواته وتلك المرتبطة به. وان التهديدات التي يطلقها ما يسمى بجيش لبنان الجنوبي، وترجمة ذلك، بتصعيد عسكري على محور كفر فالوس، ومحاصرة القرى داخل المنطقة التي يعتبرها العدو حزاماً أمنياً له، وتدمير المنازل وتهجير السكان ما هي إلا مقدمات لخطة صهيونية جديدة تترافق مع حملة مركزة على القوات الدولية للحد من دورها تمهيداً لسحبها وإزالة الشواهد الدولية على الممارسات الصهيونية. وقد حظيت "إسرائيل" بتأييد أميركي قوى لموقفها عبر إيقاف أميركا لمساهمتها في تغطية نفقات قوات الطوارئ الدولية والبالغة ثمانية عشر مليون دولاراً. ولممارسة أميركا لحق النقض ضد كل شكوى يقدمها لبنان ضد الممارسات الصهيونية.
إن العدو الذي بدا منذ وقت إكثار الحديث عن توسيع ما يسمى بالشريط الحدودي أو الحزام الأمني وأرفق ذلك بتهديد ووعيد للمواطنين اللبنانيين مع عرض عضلات يومي لطائراته في الأجواء اللبنانية وفرض حصار بحري على طول الساحل الجنوبي، لم يفعل ذلك لأن بعض قذائف كاتيوشا تساقطت على منطقة الحزام أو لأن بعضها أصاب مستعمرة "كريات شمونه" في الجليل المحتل، وان كان العدو لا يريد حصول ذلك، لأن مثل هذه العمليات لا تشكل تبريراً لعمل كبير إلا إذا رأى العدوان الظروف أصبحت مناسبة والمناخات ملائمة لاكمال ما لم يستطع تحقيقه في المراحل السابقة. وهو بعد أن استوعب نتائج المضاعفات الاقتصادية في داخل كيانه بفضل الدعم الأميركي اللامحدود وفي ظل الهجومية السياسية الأميركية وأعمال القرصنة التي تقوم بها الآلة العسكرية الأميركية في منطقة البحر المتوسط بدأ يمهد لتوسيع رقعة احتلاله وقضم بعض المناطق الجنوبية، خاصة تلك المتمتعة بمواصفات استراتيجية. وان الإنذارات التي أخذت توجهها "إسرائيل" لسكان القرى الجنوبية وقرى العرقوب ما هي إلا مقدمة لذلك. وقد يخطئ من يظن أن "إسرائيل" تسعى وراء كل هذا إلى تحقيق أمن فني فقط، أي إيقاف العمليات العسكرية التي تستهدف قواتها والميليشيات المرتبطة بها، لأنها لو كانت تريد ذلك لكانت انسحبت كلياً من الأراضي اللبنانية، ولكانت أفسحت في المجال أمام القوات الدولية لتأخذ دورها وتساعد السلطة اللبنانية في بسط سيادتها.
أما وانها لم تفعل ذلك، فهي تدرك أن عمليات المقاومة ستستمر ضدها وعلى الأقل في رقعة المساحة الجغرافية اللبنانية. وان عدم انسحابها هي السبب الأساسي الذي يبرر المقاومة، لأنها موجهة ضد عدو مختل لأرض وطنية.
وإن "إسرائيل" وبما تملكه من إمكانات فنية كبيرة وما للحركة الصهيونية من تأثير في وسائل الإعلام الدولية ومراكز القرار الدولي تحاول ان تبرر عدوانها بأنه عمل دفاعي ورد على عمليات عسكرية تستهدفها.
هذا المنطق روجته في السابق مع المقاومة الفلسطينية وتروجه اليوم مع المقاومة الوطنية اللبنانية، علماً أن عمل المقاومين إنما هو عمل دفاعي ضد عدوانية صهيونية هجومية، و"إسرائيل" أبقت على احتلالها لمناطق لبنانية وتحكمت بمداخل ثلاث مناطق عبر تمركزها المباشر وغير المباشر في جزين، لكي تبقي تأثيرها قائماً في الوضع اللبناني، ولكي تبقى جاهزة عبر المستجدات الميدانية التي أحدثتها للتحرك وفق ما تقتضيه خطوات التمرحل لمشروعها الأصلي ضد لبنان.
وقد ثبت حتى الآن، أنه كلما لاحت بوادر انفراج أمني في الداخل وليس مجرد انفراج سياسي تسعى لتصعيد الموقف في الجنوب لابقاء جذوة التوتر قائمة، وللتذكير دائماً بوجودها ودورها. وما يحصل اليوم إنما يصب في مجرى مخططها المرسوم. كل هذا يشير إلى أن الأزمة اللبنانية لن تجد حلاً لها طالما بقيت البوابة الجنوبية مفتوحة لهبوب الرياح الصهيونية، وطالما استمرت النظرة إلى الحزام الأمني كونه أبعد من شريط أمني، ينظر إليه على أنه شريط أمن سياسي انطلاقاً من طبيعة الفهم الصهيوني للأمن.
فالأمن بنظر العدو ليس أمناً فنياً وإنما هو أمن سياسي، وهذا الأمن لا يتحقق من خلال إجراءات فنية وإنما من خلال خلق أوضاع في الدول المجاورة لفلسطين المحتلة، تبرر الحالة الصهيونية وتجعل القدرة معطلة عن أي مواجهة للمشروع الصهيوني التوسعي. وهذا الأمن السياسي وفق النظرية الصهيونية، هو التقسيم السياسي للوحدات الوطنية القائمة وإعادة صياغة أوضاعها على أسس طائفية ومذهبية وجعل حدود الطوائف بحدود المناطق. وإذا ما تسنى لها تحقيق ذلك، فإنها تدرك بأن العجز العام سيكون السمة الأساسية لهذه الكيانات، وستصبح "إسرائيل" الكيان الأقوى بل المقرر بين حملة كيانات محكومة بعامل التخوف والعداء المتبادلين.
وعلى هذا الأساس، فان التعامل مع المستجدات الحاصلة حالياً على ساحة الجنوب، والتي ترتكز إلى معطيات أفرزها غزو 1982، يجب أن يكون بمستوى الخطورة التي يجسدها استمرار الاحتلال وتصعيد اللهجة العدوانية الإسرائيلية الأخيرة. وان كل معالجة لا تأخذ بعين الاعتبار حقيقة الاخطار الصهيونية تبقى معالجة كسيحة وبعيدة عن ملامسة الحل الوطني المطلوب لقضية الجنوب، التي تلخص وكما جرت الإشارة، القضية الوطنية بكل أبعادها. ولمواجهة التطورات الأخيرة في الجنوب دعا الرفيق أمين سر القيادة القطرية للحزب في لبنان النائب الدكتور عبد المجيد الرافعي إلى إعلان الاستنفار الوطني العام، وتقديم الدعم لسكان الجنوب لتمكينهم من الصمود والتثبيت بأرضهم. (التصريح في مكان آخر).
وفي مواجهة التطورات المتسارعة، فإن الواجب الوطني يفرض الإسراع بتحقيق وحدة القوى المناهضة للاحتلال، واعتبار المعركة الدائرة في الجنوب معركة كل اللبنانيين، وعبرها يتم الصهر الوطني العام وإطلاق أوسع حملة سياسية على الصعيد العربي والدولي كي تأخذ المواجهة بعدها القومي المطلوب وكي تمارس الهيئات الدولية دورها في ردع العدوان وفي طليعة ذلك التأكيد على تنفيذ القرارات الدولية وخاصة القرار 425 وتعزيز دور القوات الدولية وتوسيع رقعة انتشارها بدل التضييق عليها ومحاصرة دورها.
فالجنوب ليس قضية جنوبية، وليس قضية لبنانية فقطـ، بل هو قضية عربية، وعلى من يحول دون دور عربي في تحمل المسؤولية وفي دعم لبنان سياسياً واقتصادياً يكون كمن يساهم في أضعاف مقومات الصمود الوطني فمن بوابات الجنوب عبرت الآليات الصهيونية، وبأقفالها يقضى على عامل التأثير الصهيوني، وبتحرير الجنوب يعاد توحيد لبنان.
أنه الجنوب أولاً وأخراً.
***
الملحق الرقم (34)
الرافعي يدعو إلى استنفار وطني عام لمواجهة التطورات في الجنوب
طليعة لبنان الواحد العدد ( 20) كانون الثاني 1986
دعا الرفيق أمين سر القيادة القطرية النائب الدكتور عبد المجيد الرافعي إلى استنفار وطني عام لمواجهة التهديدات الصهيونية الجديدة ضد الجنوب وطالب بأوسع دعم لجماهيره لتمكينهم من الصمود والتثبيت بأرضهم. جاء ذلك في تصريح له يوم السادس من كانون الثاني / 1986 هذا نصه.
كلما لاحت بوادر انفراج أمني في الداخل، يعمد العدو والقوى المرتبطة به إلى تصعيد الموقف، لابقاء بوابة الجنوب مفتوحة لتدخله المباشر وغير المباشر، وبالتالي نفاذ تأثيراته إلى عمق الساحة اللبنانية.
وما تقوم به حالياً قوات الاحتلال الصهيوني من محاصرة للقرى الآمنة، واقتحام منازلها، وتدميرها وتهجير سكانها في وقت يفرض حصاراً بحرياً على طول الساحل الجنوبي وتقوم الطائرات الصهيونية بعرض عضلاتها في الأجواء اللبنانية إنما تخلق أوضاعاً شبيهة بالتي سادت قبيل الغزو عام / 1982. والتي مهد لها العدو وبحملة سياسية واسعة مستغلاً حوادث أمنية تعرضت لها بعض المؤسسات الصهيونية في العالم.
و"إسرائيل" التي فرض الانكفاء عليها بفعل المقاومة الوطنية وتصاعد عملياتها والانتفاضة الشعبية العارمة ضد الاحتلال، تسعى مجدداً للانقضاض على مناطق جنوبية انسحبت منها بحجة حماية مستعمراتها من قذائف "الكاتيوشا"، وبما يشير بأن الانكفاء الصهيوني، إنما كان انكفاء تكتيكياً فرضته الخسائر الكبيرة التي لحقت بقوات الاحتلال وحدة الأزمة الداخلية في الكيان الصهيوني.
ولذلك فإن "إسرائيل" ما تزال على خطتها الأصلية والهادفة إلى قضم مناطق استراتيجية من الأراضي اللبنانية والحؤول دون أن يستعيد لبنان وحدته السياسية والوطنية والاجتماعية.
ولهذا دفعت ما يسمى بقوات جيش لبنان الجنوبي إلى تصعيد الموقف العسكري وقصف صيدا ومحيطها والعديد من القرى المحررة، وفي وقت يشتد فيه الضغط الصهيوني على القوات الدولية لدفعها عن التخلي عن مهماتها وبالاستناد إلى الدعم الأميركي اللامحدود، سواء لجهة الموقف من دور القوات الدولية، أو لجهة الاحتضان والدعم الكاملين لمخطط "إسرائيل" تجاه لبنان والمنطقة العربية.
كل هذا يدفعنا للتأكيد، باننا نقف على أبواب مرحلة جديدة عنوانها، الاستعداد الصهيوني المدعوم أميركا لشن عدوان جديد على لبنان تحقيقاً لغايات لم تستطع تحقيقها كلياً في عدوان 1982.
وهذا ما يوجب اتخاذ كافة الإجراءات التي تحول والعدو من تنفيذ مآربه، وبجعله يدفع غالياً ثمن استمرار سياسته العدوانية والتوسعية، وأن ذلك يتطلب إعلان الاستنفار الوطني العام، على كافة الصعد السياسية والعسكرية، لمواجهة تهديدات "إسرائيل" الجديدة، ولتوفير أوسع دعم لابناء الجنوب لتمكينهم من الصمود، ولاشعارهم بعمق التلاحم الوطني والشعبي معهم وهم يقفون على خط النار الأمامي.
وإذا كانت الأوضاع التي سادت سابقاً لم تفسح في المجال أمام توحيد العمل الوطني المقاوم للاحتلال، توحيداً فعلياًن سياسياً وعسكرياً وشعبياً، فإن المرحلة الحالية وما تنطوي عليه من مخاطر وطنية، إنما تملي الإسراع بإنجاز هذا الهدف الوطني الكبير، وتحقيق الوفاق الداخلي على الأسس التي تحمي المقومات الوطنية الأساسية، وتضع حداً للانشطارات الداخلية والانقسامات، والتي استغل العدو مناخاتها في السابق ويسعى لاستمرارها الآن، لإسقاط لبنان عبر إسقاط وحدته الوطنية.
إن شعبنا قدم الكثير من التضحيات، وان خسائر كبيرة لحقت به بشرياً ومادياً، لكن الكثير من التقديمات لم تكن موظفة توظيفاً وطنياً، بل كانت توظيفاتها عكسية كلياً. ومع هذا فإن الشعب على استعداد للبذل والعطاء، خاصة إذا ما كان هذا العطاء موظف في سياق حشد الجهود والإمكانات ضد العدو الطامع بأرضنا ووجودنا. وأن الفرصة سانحة حالياً لكي يتوحد اللبنانيون في وجه أخطار محدقة بهم لا تقتصر تهديداتها على منطقة دون أخرى ولا فئة دون أخرى إنما كل لبنان بكل أبنائه.
***
الملحق الرقم (35)
لقاء صحفي مع جريــدة الثـورة العراقية:
بغـداد في 14/1/1986.
• جنوب لبنان، الآن وقبل سنوات الاحتلال، كان ولا يزال أرضاً تُنبِت الرجال والبنادق، منذ أن تحوَّل الجنوب إلى حضن دافئ للبنادق بعد العام 1967. والمدن والقرى تنتقل من هناك إلى أطراف الدنيا… الشقيف، صور، صيدا، مرجعيون… و … كل الأسماء التي تحولت إلى عناوين للبطولة والأسطورة…
جنوب لبنان بوابة المواجهة مع العدو، وجار الجليل الفلسطيني، وفي الوقت ذاته الذي يركِّز العدو جهده لكي يحوله إلى جدار عازل… يحول دون الرصاص وأهدافه، ويمنع الخطوات من الوصول…
وجنوب لبنان، الذي أراده رجال المقاومة الوطنية اللبنانية أرضاً للمواجهة… أراده العدو مُخْتَبِراً للتمزيق والردة…
من أرض الجنوب، رجل مقاتل، نحاوره في شأن الجنوب… كل الجنوب، قضية وواقعاً وحضناً للأغنيات الغالية… أبو طارق واحد من قادة جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية ( قوات التحرير) مع ( الثورة ) في هذا الحوار…
 الثــورة: ما هي الوسائل التي تعتمدونها في مواجهتكم العسكرية مع العدو. وبالتالي، هل ترون هذه الوسائل كفيلة وحدها بإنجاز عملية تحرير الأرض؟
-أبو طـارق: الجواب الشامل لهذا السؤال في وسائل الإعلام، له وجهان إذا صحَّ التعبير، خصوصاً من جهة ما تقوم به جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، كوسيلة كافية لإنجاز التحرير، حيث من الممكن الإجابة بالتالي تحاشياً للشرح المتشعب:
-أولاً: يمكن إيجاز الأساليب المعتمدة بالآتي:
1- نصب كمائن مسلَّحة بالرشاشات والقاذفات ضد الدروع والآليات، تستهدف تحركات العدو المعادية…
2- القيام بعمليات اقتحامية لمواقع العدو وعملائه، وقد نفَّذت قوات التحرير العديد من هذه العمليات، التي أدَّت إلى إيقاع خسائر فادحة في صفوفه.
3- زرع عبوات ناسفة على الطرق والخطوط، التي تتحرك عليها دورياته وعملاؤه…
4- ملاحقة مخابرات العدو وضربهم بعد رصدهم وهم يتحركون بسيارات مدنية في كثير من الأحيان.
5- ملاحقة عملاء العدو.
6- إلقاء قنابل يدوية على دورياته التي تتحرك في داخل البلدات والقرى، علماً أن العدو انكفأ-في الفترة الأخيرة-عن هذه التحركات تحاشياً لغضبة الأهالي، وخوفاً من كمائن المقاومة، بحيث يعتمد-حالياً-الحشد العسكري الكبير للدخول إلى قرية أو مدينة أو محور للقيام باعتداءاته ضد قران وأهلنا…
وهناك أساليب وصيغ تعتمدها أطراف في جبهة المقاومة الوطنية، كالقصف الصاروخي من مناطق سكنية بعيدة، ومن خارج المنطقة المحتلة، ولا نقرُّها نحن قوات التحرير؛ كونها لا تؤدِّي إلى نتيجة عملية، وتعود بالضرر على أهلنا بسبب فقدان التوازن العسكري بيننا وبين العدو…
-ثانيــاً: وما يتعلق بكفاية هذا العمل لإنجاز التحرير نقول بأن الصراع بيننا وبين العدو هو صراع وجود، وهو صراع حضاري. وعندما نتكلم عن التحرير علينا أن نُدرِك حقيقتين:
-الأولى: إن من واجبنا العمل بالوسائل الممكنة، التي ذكرتها في بداية الجواب. وهذه الوسائل أعطت نتائج كبيرة جداً، سواء من حيث إرساء و تطور إرادة المواجهة المباشرة مع العدو، أو من حيث الخسائر التي مُنِيَ بها-بشرياً وعسكرياً واقتصادياً- لدرجة أن هذه الوسائل أصابت معنوياته، وفرضت عليه الانكفاء عن قسم من الأراضي التي احتلها بعد العام 1982، عدا عن كونها فرضت إرباكاً سياسياً وشعبياً داخل كيانه في فلسطين المحتلة…
وبالتالي فإن علينا تطوير هذه الوسائل، وزيادة الجهد المسلح ضد العدو وعملائه-كماً ونوعاً- هذا وقد بلغ عدد العمليات، التي نفَّذتها قوات التحرير منفردة حتى 29/11/1985 /338/ عملية.
أما الحقيقة الثانية فإن التحرير الناجز والكامل، في أبعاده المستقبلية، يجب أن يرتكز على الجهد القومي، وذلك بأن تكون المواجهة مع العدو الصهيوني ليست محصورة في الأراضي اللبنانية ميدانياً، وبالتالي فإن الذين يطلقون الشعارات والصواريخ الكلامية عليهم أن يتعلموا أن التحرير الفعلي يوجب فك أسر الإرادات والإمكانات الفعلية ضد العدو على الأرض، ويوجب عليهم أيضاً النظر بأن عملية التحرير المتكاملة، واقعياً وتاريخياً، تتطلب حشد الإمكانيات في مواجهة العدو الصهيوني، وفي مواجهة حلفائه في المنطقة، الذين يعملون في خط متوازٍ معه لتحقيق السيطرة على الوطن العربي…
 الثــورة: ما هي آخر العمليات التي قامت بها (قوات التحرير) ضد العدو الصهيوني؟
-أبو طــارق: في تشرين الثاني 1985، قامت مجموعة من رفاقنا بالتسلل خلف الخطوط التي يتموضع فيها العدو وعملاؤه، شرقي بلدة جرجوع، واقتحمت موقعاً مشتَرَكاً في تلة سجد، حيث يتواجد فصيل مدفعية ورشاشات ثقيلة، وقد فاجأت المجموعة العناصر المعادية بالرشاشات وقذائف ب-7، وأُصيب للعدو وعملائه ثمانية أفراد بين قتيل وجريح، وجُرِح ثلاثة من رفاقنا الأبطال؛ وتمكنت المجموعة بعدها من سحب رفيقين منهم، وأُسِر الرفيق الجريح (ناجي) بعد أن طوَّق العدو منطقة العملية؛ إلا أن باقي أفراد مجموعة أبو زياد تمكنوا من الانسحاب إلى منطقة آمنة.
 الثــورة: قلت مجموعة (أبو زياد )، تُرى بماذا ترتبط هذا الإسم؟
-أبو طـارق: إن أبا زياد هو الرفيق الشهيد القائد موسى شعيب، الشاعر المقاتل المعروف. والرفيق الأسير ناجي، هو من الرفاق الذين تأثَّروا بخصائص شخصية الرفيق الشهيد (أبو زياد). وبالمناسبة فإن والد الرفيق ناجي هو رفيق لنا استشهد في العام 1982 على يد الشعوبيين، المعادين للعروبة والإسلام، وهو شقيق أحد الرفاق الكوادر، الذي تعرَّض لمحاولة اغتيال، وأُصيب على أَثَرها إصابة بالغة في العام 1982، أيضاً. وكما ترين فإن الخطة الصهيونية، وأطماعها تلتقي في أرضنا مع ممارسات التيار الشعوبي في استهدافاتهما للرموز والتيارات الوطنية القومية المناضلة.
 الثــورة: بودنا أن نعلم منكم كيفية تعامل العدو مع الأسير، وبالتالي إجراءاتكم لحفظ حياة أسراكم؟
-أبو طــارق: العدو هو العدو، وكما هو معروف فإن تاريخه ملئ بالجبن وممارسة الأساليب غير الإنسانية مع الأسرى؛ فهو يحاول انتزاع اعترافات عن طبيعة عمل الجهة، التي ينتمي إليها الأسير. ويحاول القضاء على جذوة النضال وإرادة المواجهة عنده، من خلال وسائل التعذيب المختلفة: نفسية كانت أم جسدية. ولا نبالغ إذا قلنا إن العدو لم يحقق ما يريد في هذا المجال؛ ونقول هذا من خلال التجربة التي عاشها رفاقنا في الأسر، سواء كانوا في معسكرات أو في سجون: في أنصار وعتليت أوالخيام، حيث خرج عدد كبير منهم وهم أصلب إرادة في القتال، وأكثر استعداداً للعطاء والتضحية.
أما بالنسبة لإجراءاتنا في حفظ حقوق الأسير، فإننا نعمل أولاً عبر المؤسسات الإنسانية كالصليب الأحمر الدولي لإعطاء العلم والحيلولة دون تصفية الأسير؛ وبالتالي المطالبة الدائمة بإطلاق سراحه، كونه يملك كامل الحق في الدفاع عن أرضه وقتال المحتل. وهناك وسائل مختلفة للضغط على العدو لإطلاق سراح الأسرى، وإرغامه على ذلك.
 الثــورة: ما هي مساحة الأرض، التي لا يزال العدو يحتلها. وما هو دور العميل (لحد). وما هي الاحتمالات القائمة هناك من وجهة نظركم؟
-أبو طــارق: إن المساحة التي لا يزال العدو يحتلها، كما تبدو على الخارطة، مُحَدَّدة بالآتي: تبدأ من منطقة الناقورة-البيَّاضة، في القطاع الغربي، بعمق ثمانية كيلومترات، حيث يتموضع العدو في نقاط قريبة من مخيم الرشيدية في منطقة صور. وتمتد إلى القطاع الأوسط، أي منطقة بنت جبيل-تبنين، ويتموضع العدو في نقاط على تماس مع كفرا وياطر وزبقين، بعمق عشرة كيلومترات.
ويتَّصل هذا التموضع على خط يصل إلى منطقة الغندورية، ممتدَّاً إلى الشمال الشرقي لمنطقة النبطية، حيث تتواجد مواقع له في يحمر وأرنون وقلعة الشقيف وتلة علي الطاهر-في مرتفعات النبطية. وله تواجدان في جبل طهرة المشرف على تلال كفررمان، ويمتد إلى الجرمق والمرتفعات في إقليم التفاح وجبل السويدان وجبل سجد، المشرف على عربصاليم-في قضاء النبطية. ثم جبل صافي، الواقع على خط تماس مع بلدة جباع؛ ويمتد شمالاً إلى جزين، وغرباً إلى كفرفالوس-شرقي مدينة صيدا، حيث يبعد عن جسر الأَوَّلي سبعة كيلومترات. وهذه المناطق التي تشكل خطوط تماس من النبطية حتى كفرفالوس-جزين، تتراوح بين 15 كيلومتراً إلى ثلاثين كيلومتراً في نقطة كفرفالوس.
وتمتد خطوط التماس باتجاه القطاع الشرقي من جزين وحتى مشارف قطاع راشيا في البقاع الغربي، علماً أن حاصبيا واقعة، أيضاً، تحت الاحتلال بعمق خمسة كيلومترات. وكما يُلاحظ، فإن المناطق التي يحتلها العدو داخل الأراضي اللبنانية، تتصل بالمنطقة المحتلة: من جبل الشيخ، المتصل بالمرتفعات السورية المحتلة. أما الشاطئ الجنوبي فيخضع لسيطرة الرقابة الصهيونة البحرية.
أما بالنسبة لدور العميل أنطوان لحد، فهو يشكل امتداداً للخطة التي بدأ بتنفيذها العدو الصهيوني، والهادفة إلى السيطرة على جنوب لبنان، والتي كانت بدايتها الميدانية في العام 1978 بالتعاون مع ما كان يُسمَّى ب(جيش لبنان الحر) بقيادة العميل الرائد سعد حداد، الذي شكل-في حينها- وبتوجيه من العدو، وبمساعدة مباشرة منه (منطقة لبنان الحر)، وهذه تسهِّل للعدو-الآن- السيطرة على قسم من الجنوب، واتُّفِق على تسميتها بالشريط الحدودي.
وبعد حزيران 1982، عندما اجتاح العدو كامل أراضي الجنوب، ووصل إلى مدينة بيروت، ثم توسيع دور ما يُسمَّى بجيش لبنان الجنوبي بعد فترة وجيزة من الاحتلال بهدف خلق مزيد من الشرخ بين اللبنانين، وبهدف توظيف أدوات لبنانية تعاون العدو في تنفيذ خططه ومشاريعه، مستغلاً المخاوف و الصراع الطائفي، الذي دفع بالبعض إلى الارتماء في أحضان العدو، وبالتالي الاستعانة به والتنسيق معه ضد شعبهم وأهلهم.
وفي مرحلة الانكفاء، التي تمركز فيها العدو في خطوط جديدة داخل الأراضي اللبنانية، كما حدّدتها جغرافياُ، و بعد سنتين من الاجتياح انكفأ جيش العميل لحد إلى الخطوط التي تم تحديدها. ويقوم هذا الجيش بدور واجهي للعدو، ويتولى مهمة القصف والقنص على القرى المحررة، ويساعد العدو في تنفيذ المهام الأمنية والقمعية داخل الأراضي المحتلة. وينتشر هذا الجيش على طول خطوط التماس مع المناطق المحررة بدعم مباشر من قوات العدو الصهيوني… و يبلغ عدد أفراد جيش لحد ألفاً وستماية عنصر، موزَّعين على تشكيلات من فصائل وسرايا، يتولى العدو-عبر ضباطه- الإشراف المباشر على هذه التشكيلات وعلى توضيعها إلى جانب التشكيلات العسكرية التابعة لجيش العدو بقيادة الجنرال الصهيوني أوري أور؛ كما يتولى العدو مدَّ جيش لحد بالسلاح والآليات وتزويده بالدعم المالي لتغطية المخصصات والمستلزمات.
أما عن الاحتمالات القائمة هناك، فإن العدو-وفي إطار خططه ومشاريعه في الأراضي اللبنانية بشكل عام، وأطماعه في أرض الجنوب بشكل خاص-يسعى باستمرار إلىتحقيق تطبيع أمني وعسكري وسياسي واقتصادي في الجنوب اللبناني.
ولتحقيق ذلك أقدم، في آذار من العام 1982، على احتلال قسم من الجنوب. وعندما صدر قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 425 وقرار 426 في العام 1978 القاضي بالانسحاب الكامل من الأراضي اللبنانية، ونشر القوات الدولية التابعة للأمم المتحدة على كامل الأراضي التي احتلها العدو في آذار من العام 1978، ومساعدة السلطات الشرعية اللبنانية على استعادة سيادتها وحفظ الأمن في الجنوب. رفض العدو تطبيق هذه القرارات رغم انسحابه الشكلي، وبقي في داخل الأراضي اللبنانية بغطاء سعد حداد الذي شكَّل ما يُسمَّى ب(دولة لبنان الحر). وقد أدَّت ممارسة العدو ضد القوات الدولية إلى الحدِّ من انتشارها حتى الحدود، وعمل على تحجيم دورها خارج ما يُسمَّى الشريط الحدودي بهدف الضغط عليها للخروج من لبنان.
وبعد احتلال حزيران من العام 1982، فرض العدو على السلطات اللبنانية، التي قبلت الجلوس إلى طاولة المفاوضات، إتفاق 17 أيار، الذي يُعَدُّ بمثابة حل ثنائي بين لبنان و«إسرائيل»، على قاعدة إعطاء حقوق سياسية واقتصادية وأمنية للعدو الصهيوني. وبعد أن سقط هذا الاتفاق، بفعل دور المقاومة، وبفعل رفض شعبنا له ومواجهته للعدو، انكفأت قوات الاحتلال إلى الخطوط التي أشرت إليها آنفاً.
ومنذ تلك اللحظة، بدأ العدو يُطبِّق بنود اتفاقية 17 أيار على المناطق التي يحتلها من جانبه؛ وبدأ يُرسي جذور التطبيق في داخل المناطق التي يحتلها، راسماً منطقة أطلق عليها إسم "الحزام الأمني"، حيث لا يزال يتحكم عسكرياً بكل مناطق الجنوب، مستغلاًّ التمزق الحاصل على الصعيد اللبناني والصراع الطائفي والمذهبي، ليدفع عملية تفتيت الكيان الوطني إلى حدودها القصوى.
وفي اعتقادنا فإن العدو يخطط، حالياً، لتوسيع ما يُسمَّى ب(الحزام الأمني)، عبر عميله أنطوان لحد، وعبر ما يقوم به، حالياً، من توتير على خطوط التماس مع الأراضي المحررة بالقصف المدفعي تارة، والإغارات العسكرية على القرى المحررة تارة أخرى، وتهجير السكان من قراهم وأرضهم في المناطق المحتلة، بهدف تغيير ديموغرافية المنطقة لتحقيق التقسيم الفعلي للبنان. وقد يقوم العدو، وعبر العميل لحد بالتقدم إلى منطقة شرقي صيدا (الهلالية) مستغلاً الوضع في جزين، ولن يتراجع العدو عن خططه إلا بتوفر ثلاثة شروط تشكل-بنظرنا-مشروع خطة وقائية لمشاريع العدو، وهي:
أولاً: تصعيد الكفاح الشعبي بأشكاله المختلفة، كماً ونوعاً.
ثانياً: تحقيق وفاق وطني لبناني فعلي يرتكز على حل وطني يضمن للبنان وحدته وحريته.
ثالثاً: إحتضانٌ ودعم قومي عربي جدي لحل الأمور الداخلية، والدعم الملموس لمستلزات التحرير، والمواجهة مع العدو.
 الثــورة: ما هي أبرز العقبات التي تعترض عمل المقاومة الوطنية اللبنانية بشكل عام، وقوات التحرير-كفصيل في هذه الجبهة بشكل خاص؟
-أبو طــارق: يمكن تلخيص العقبات باثنتين:
الأولى: فقدان التنسيق الميداني بين الأطراف التي تعمل ضد العدو، وهذا يخلق ثغرات في فعالية المواجهة العسكرية لدرجة أن بعض الأطراف تلجأ إلى طرق وأساليب لا تؤدي إلى إنزال أكبر قدر من الخسائر في صفوف العدو، بقدر ما تعكس ضرراً على جماهيرنا، خاصة في خطوط التماس، التي يتموضع فيها العدو وعملاؤه، بحيث تعتمد هذه الأطراف أسلوب القصف من المناطق المحررة، وتقوم بعمل تظاهري عسكري لا مبرر له في أصول الكفاح المسلح، وهو لا يتلاءم مع طبيعة المواجهة مع العدو.
ولو كان هناك حد أدنى من التنسيق الجبهوي لأمكن تحاشي الكثير من الأخطاء في اعتماد الوسائل، وبالتالي يمكن إعطاء فعالية أكثر في تطوير الأساليب العسكرية عبر تجميع الجهد لتوجيه الأمور بشكل أفضل ضد قوات العدو وعملائه، علماً أن هناك بعض أشكال التنسيق الموضعي بين طرف وآخر. ولكن، حتى الآن، لم يصل هذا التنسيق إلى المستوى المطلوب حتى بين طرفين من الأطراف العاملة على الأرض.
العقبـة الثانيـة: وتتمثل بالهيمنة التي تمارسها حركة أمل والتي يرتكز همها الأول على السيطرة الأمنية في المنطقة المحررة، علماً بأن هذه الحركة ومعها من يُسمَّى ب(حزب الله) في تشكيلها، هي مجموعات شُلَلٍ ومراكز نفوذ مختلفة؛ وبعضهم له علاقات مع العدو الصهيوني. وهمهم الأساس تأكيد الحضور في إطار التناحر في السيطرة على الجنوب… ومعلوم أن العدو الصهيوني لا يمانع في أن يتولى الأمن في الجنوب فريق فئوي يأخذ على عاتقه منع تطور العمل الوطني المسلح ضد قواته في الأرض المحتلة، وعدم السماح للقوى الوطنية والقومية بالتحرك والنهوض بعملية مواجهة لإنجاز عملية التحرير.
وهناك وقائع مؤكَّدَة لعمليات تنسيق جرت بين رموز من حركة أمل وبين المخابرات الصهيونية، جرى عبرها الاتفاق على كيفية حفظ الأمن في المناطق التي انسحب منها العدو، وجرى الاتفاق، أيضاً، على عدم السماح للفلسطينيين في مخيمات الجنوب باقتناء السلاح واقتيادهم إلى قوات الأمن الفئوي لمنعهم من ممارسة دورهم في النضال من أجل حقوقهم الوطنية والقومية؛ وبالتالي، عم السماح للحركة الوطنية اللبنانية، وخاصة منها القوى القومية الفعلية بممارسة دورها في مواجهة العدو، بحيث أننا عندما نحرك مجموعة من رفاقنا باتجاه عمل ضد العدو فإن على رفاقنا التسلل أكثر من مرة، أي التسلل في منطقة الاحتلال، و التسلل كي لا يُقْبَض عليهم من قِبَلِ حركة أمل و(حزب الله) قبل إنجاز مهمتهم؛ وهذا يحصل، أيضاً، مع أطراف وطنية أخرى، حيث يتم اعتقال العناصر الوطنية باستمرار. وتُمْنَع هذه العناصر من القيام بدورها في مواجهة العدو في كثير من الأحيان، ويتم اعتقال مجموعات وهي في طريقها إلى تنفيذ عملية ما ضد مواقع العدو وعملائه، وتُجرَّد من أسلحتها، ويُطلَق سراحها بعد أن تُهان من قبل الشرطة الأمنية الفئوية. ومع ذلك، فإننا نجد الوسائل المختلفة للقيام بعملنا وواجبنا ضد العدو، والدليل على ذلك استمرار العمليات وتصاعدها.
 الثــورة: يتكلم البعض عن (مقاومة إسلامية)، ومقاومة غير إسلامية. ما هو رأيكم في ذلك خاصة وأن بعض الأطراف يقول بأنه هو الأساس في المواجهة المسلحة؟
-أبو طــارق: أولاً، إن من يروِّج هذا الطرح إنما هو طارئ علة العمل الوطني والقومي، وبالتالي فإن العمل المسلح ضد العدو قد مارسه شعبنا بكل فئاته وانتماءاته منذ زمن بعيد؛ وبما أن التجربة، التي برزت بعد الاحتلال، في العام 1982، تجربة متطورة، فهي فعلٌ وامتدادٌ لتجارب في الكفاح المسلح التي عاشها شعبنا وتفاعل معها بحكم انتمائه ومعاناته، وقدَّم الكثير من التضحيات من أجل القضية القومية والوطنية في مواجهة العدو. ولنتذكَّر أوائل السبعينيات حيث احتضن شعبنا الكفاح المسلح ضد العدو، ومارسه على خطوط التماس مع الأرض المحتلة. وتمَّت أكثر من مواجهة كانت أبرزها مواجهة في كفركلا، التي استشهد فيها الرفيق البطل عبد الأمير حلاوي (أبو علي)؛ ومواجهة الطيبة حيث استشهد ثلاثة من رفاقنا آل شرف الدين…
ثانيـاً: عندما نقول بأن التحرير والتوحيد متلازمان، فإننا نعني أن الجهد الوطني الشامل هو الطريق الفعلي إلى التحرير وهو الطريق الفعلي إلى إنقاذ لبنان من التمزق والدمار، وبالتالي فإن العدو الصهيوني يرتكز في مشروعه لتحقيق أطماعه في أرضنا على الصراع الداخلي في لبنان. هذا الصراع، الذي يأخذ طريقه إلى التجذُّر عبر الطرح الفئوي المذهبي، فكيف يمكن أن نحرر أرضنا من العدو ونحن نخوض صراعاً دينياً مذهبياً، هادرين معظم إمكانيات شعبنا في هذا الصراع على حساب جمع كل قدراتنا الوطنية لمواجهة مشاريع العدو الطامع في أرضنا و مقدِّراتنا…
إننا نعتقد بأن هذا الطرح غير إسلامي في حقيقته، وإنما هو امتداد لمواقف إقليمية لا تمُتُّ إلى الإسلام بصلة؛ وهو يلتقي مع أهداف العدو الصهيوني بشكل أو بآخر، مُستَهدِفاً تمزيق لبنان والقضاء عليه لاقتسامه. ولذلك، فإن محاولة إلصاق التسمية الدينية بالمقاومة إنما الهدف منها إفراغ هذه الحالة النضالية من مضمونها الوطني التحرري ذي الأبعاد القومية…
 الثــورة: ما هي أبرز العمليات التي قامت بها (قوات التحرير)…
-أبو طــارق: حاولنا منذ البدء أن يكون عملنا نوعياً في إطار ما ذكرته من وسائل اعتمدناها، وإن العملية الأخيرة الاقتحامية ضد مركز للعدو وعميله لحد، في منطقة سجد، بتاريخ 29/11/1985، هي عملية نوعية سبقتها عمليات مماثلة، منها: عملية اقتحام مركز للعدو في منطقة القاسمية في أوائل العام 1985، حيث استشهد لنا رفيق بطل هو ابراهيم بدوي. ومنها عملية استهدفت وزير الدفاع الصهيوني السابق أرييل شارون عندما كان في جولة داخل مدينة صيدا في نيسان سنة 1984. ومنها، أيضاً، عملية تفجير سيارة مُحَمَّلة بمائة وخمسين كيلوغراماً من المواد المتفجِّرة ضد قافلة عسكرية للعدو على المدخل الجنوبي لمدينة صيدا في آذار من العام 1983. وتفجير موقع أجهزة رادارية للعدو قرب بلدة مغدوشة في شباط 1983. وهناك العديد من العمليات التي ذهب فيها شهداء لنا بلغ عددهم حتى تاريخه تسعة شهداء…
وهناك، أيضاً، عمليات نوعية مهمة قامت بها مجموعات تابعة لأطراف أخرى، حيث كنا، وما زلنا، نساهم ميدانياً وبشكل موضعي في بعض العمليات مع هذه الأطراف، علماً بأننا لم ندَّعِ ولا مرة واحدة تجيير أي عمل لغيرنا بأنه لنا…
 الثــورة: هل بذلتم جهداً لدفع العمل باتجاهٍ جبهوي. وكيف كنتم تُنَسِّقون مع الأطراف الأخرى في هذا المجال؟
-أبو طــارق: كنا وما زلنا نطرح أهمية العمل الجبهوي المسلح ضد العدو في إطار مشروع وطني متكامل يرتكز، أساساً، على توحيد سُبُل المواجهة معه وعلى كل الأصعدة. وكنا نناقش هذه الأمور مع أكثر ن طرف عبر القيادات المركزية المسؤولة عن هذا الشأن في داخل تنظيماتها. وكنا، أيضاً، نقوم ببعض العمليات المشتركة بشكل موضعي بالتنسيق مع عدد من الأطراف التي كانت تقول بضرورة العمل المشترك. و في النتيجة، قدَّمنا مشروع ميثاق لجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية حددنا فيه عناصر تكوين الجبهة وهويتها وهيكليتها وبرنامجها السياسي والسبل الكفيلة رفع وتيرة الأداء النضالي ضد العدو… وأهم ما ورد في هذا البرنامج، هو ( ):
إننا طرحنا هذا البرنامج والميثاق السياسي انطلاقا من مسئوليتنا الوطنية والقومية، التي تملي علينا تطوير حركة المقاومة الوطنية، التي أعادت الاعتبار للكفاح الشعبي المسلح، والتي تُعتَبر إحدى حالات النهوض القومي المُشَرِّف في التاريخ العربي المعاصر. وإن معركة تحرير لبنان ليست مهمة الجنوبيين فقط، ولا مهمة جماهيرنا في الأراضي المحتلة فقط، وإنما هي مهمة كل اللبنانيين لأن الخطر الصهيوني لا يستهدف منطقة دون أخرى، ولا طائفة دون سواها، ولا فئة سياسية دون غيرها؛ وإنما يستهدف الجميع. وبالتالي، فإن المعركة التي تُخاض على أرض الجنوب إنما هي معركة وطنية ذات أبعاد قومية…
14/1/1986
***
الملحق الرقم (36)
بيان " -قوات التحرير" بمناسبة انسحاب قوات العدو الصهيوني من بعض مناطق الجنوب:
يا جماهير شعبنا العظيم وأيها الصامدون في الجنوب، وفي كل مواقع المواجهة مع العدو وعملائه.
تحلُّ الذكرى الأولى لانكفاء العدو الصهيوني عن صيدا وبعض مناطق الجنوب والجبل، وجنوبنا الصامد لا يزال على توهُّجِه النضالي، يتصدى للاحتلال ويواجه حملات القمع والإرهاب والتنكيل بمزيد من التشبث بأرضه، والإصرار على متابعة المسيرة حتى تحرير آخر شبر من الأرض الوطنية، وفتح آفاق جديدة لمعركة التحرير القومي.
فالمواجهة مع العدو ليست حديثة العهد وإن اتَّخذت شكلاً جديداً بعد الاجتياح الصهيوني الأخير، فهي تعود إلى بداية تفتُّح الوعي الوطني والقومي على مخاطر مشروع التوسع الصهيوني، وكانت عنواناً بارزاً لمسيرة النضال الوطني في خلال العقدين الماضيين. وملاحم الطيبة في 1/1/1975، وكفركلا في تموز وتشرين الثاني من العام نفسه، وقبلها ملاحم كفرشوبا وكفرحمام وشبعا وتولين وبنت جبيل وجويا وغيرها من المواقع التي خِيضَت معارك مواجهة مباشرة مع العدو الصهيوني، إنما هي شواهد حيَّة على ذلك.
إن قوات التحرير في جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، إذ تؤكد على ضخامة الانتصارات التي حققتها المقاومة، فإنما ترى أن مسيرة سنة-منذ الانكفاء الأول في 16/2/1985 حتى اليوم- هي جديرة بالتقييم لدراسة التجربة والاستفادة منها في مسيرتنا الطويلة.
إن تجربتنا السابقة، وفي الوقت الذي كان فيه العدو منتشراً بكثافة، حددت نقاط ضعفه، بما يلي:
1- إن أية خسارة في صفوف قواته تشكل عنصر إرباك شديد له.
2- إن ضرب عملائه الأساسيين هو فقأٌ للعين التي يرى من خلالها.
3- إن معنويات جماهيرنا في الأراضي المحتلة هي عنصر مهم في معركتنا.
4- إن حجم الميليشيات المحلية التي يعتمد عليها، والتي تشكل الدرع الواقي لقواته، تؤثِّر في استمرار احتلاله إذا استطاع أن يزيد حجمها. ولن نستطيع تقليصه إلا ضمن خطة واعية.
وعلى الرغم من كل الانتصارات-كما ترى قوات التحرير- إن الجرأة في نقد الذات هو انتصار مهم، ولن نكون جديرين بالثقة إلا بالمقدار الذي نستطيع فيه أن نكون جريئين على نقد ذاتنا بقدر جرأتنا على نقد العدو الصهيوني، لأن هذا يساعدنا على تجاوز الثغرات وتطوير العوامل الإيجابية…… فبعد مرور سنة على فرض الانكفاء على العدو، فما زالت مسيرتنا تشكو من الثغرات التالية:
1- إن المقاومة الوطنية اللبنانية لم تتحول إلى جبهة كما كنا نطمح.
2- إن غياب العمل الجبهوي، الذي ينظمه ميثاق متفق عليه، تشرف عليه قيادة واحدة، هو شرذمة مكشوفة تؤدي إلى هذر الإمكانيات والجهد……
3- إن من ضمن أهداف العدو الاستراتيجية أن يعمل على تفتيت الشعب اللبناني مستنداً إلى ما يحمله من تناقضات طائفية ومذهبية، في هذا الإطار برزت على السطح دعوات مذهبية متعددة يُخشى-في حال استمرارها، وفي غياب التنبه للقفز من فوقها- أن يتعمق الشرخ المذهبي على حساب المصلحة الوطنية ………
من هنا تطرح قوات التحرير على كل الأطراف العاملة ضد العدو الصهيوني أن يقفوا أمام مسؤولياتهم التاريخية بكل جرأة…… لإعادة تقويم الثغرات التي اعترضت سبيل المقاومة الوطنية اللبنانية، بالتأكيد على الحقائق التالية:
أولاً: إن ظاهرة المقاومة الوطنية اللبنانية هي ملك لجماهيرنا اللبنانية ولأمتنا العربية، لأنها نتيجة للنضالات التاريخية لجماهير هذا الشعب، وقد كرَّستها دماء الشهداء منذ بداية الصراع مع العدو الصهيوني في أعقاب هزيمة حزيران من العام 1967.
ثانيـاً: إعادة النظر في حقيقة العمل الفئوي، الذي يحصل على الأرض، في سبيل توحيد كل الجهود وكل البنادق في جبهة حقيقية للمقاومة الوطنية اللبنانية، وتأخذ على عاتقها مهمة التحرير على قاعدة (كل الإمكانيات الوطنية في سبيل دحر العدو الصهيوني) معتمدة على وحدة القوى المقاتلة في إطار وطني سليم.
ثالثـاً: إن جبهة مُوَحَّدَة للقوى المقاتلة لا بد من أن تأخذ في الاعتبار ضرورة الابتعاد عن "عمليات الكسب السريع"....
رابعـاً: إن العمق الاستراتيجي للمقاومة، هو العمق الوطني والقومي…… فإن الواجب الوطني يفرض تدعيم الصمود، والسعي المستمر للمحافظة على التلاحم الشعبي مع المقاومة……
خامساً: إن هدفنا السياسي، الذي يتمثَّل بلبنان العربي الديموقراطي المُوَحَّد…… لن يكون إلا على مثال جبهة مُوَحَّدَة للمقاومة الوطنية اللبنانية، بفعلها التحريري وأهدافها الوطنية الشاملة.
إن قوات التحرير تعاهد جماهير الشعب على الاستمرار بالمواجهة مع العدو…… وستسعى للارتقاء بالعمل المقاوم إلى المستوى الجبهوي المطلوب، وداعية إلى توحيد الجبهة الداخلية على الأسس، التي توفر كل الاحتضان الشعبي والسياسي للنضال الوطني التحريري، ولوأد كل الطروحات المذهبية والطائفية وكل مشاريع التقسيم والتفتيت للأرض والشعب.
… ونعت قوات التحرير الشهيد ناجي قنبر……
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية- قوات التحرير 10/2/1986
***
الملحق الرقم (37)
الرفيق ناجي قنبر شهيد آخر على طريق التحرير
طليعة لبنان الواحد العدد ( 21) شباط 1986
وبطل آخر سار الركب، واستشهد في خنادق المواجهة مع العدو الصهيوني وعملائه. أنه الشهيد العاشر لجبهة المقاومة الوطنية - قوات التحرير، أنه الرفيق ناجي قنبر الذي عرفه أبناء الجنوب طليعياً في التصدي للمحتل كما عرفه رفاقه مقداماً ومندفعاً بلا حدود لتحرير الأرض من رجس الاحتلال. لقد استشهد الرفيق ناجي وهو في ريعان شبابه. استشهد أثناء تنفيذه عملية بطولية مع رفاقه في منطقة جبل الريحان ضد قوات الاحتلال الصهيوني وجيش العميل لحد.
والرفيق الشهيد من مواليد عين قانا - قضاء النبطية 1965، انخرط في صفوف جبهة المقاومة الوطنية - قوات التحرير منذ انطلاقتها الأولى، قام بتنفيذ العديد من العمليات العسكرية ضد العدو كما شارك بالانتفاضة الشعبية وبكافة أنشطتها، كان مثال المناضل الطليعي، ينتمي إلى أسرة وطنية ذات تاريخ حافل بالتضحيات من أجل نصرة القضايا الوطنية والقومية. وقد نعته جبهة المقاومة الوطنية - قوات التحرير وعاهدته على الاستمرار بأسلوب الكفاح المسلح حتى تتحرر الأرض وبتوحد الشعب وتتحقق له سبل العيش الحر والكريم.
***
الملحق الرقم (38)
في الذكرى الأولى لتحرير صيدا
الرافعي: لا حل إلا بالوفاق وتوحيد الجهود في مواجهة الاحتلال
طليعة لبنان الواحد العدد (22) آذار 1986
دعا أمين سر القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان النائب عبد المجيد الرافعي إلى توحيد الجهود على قاعدة مواجهة الاحتلال بدءاً بأطراف المقاومة الوطنية وانتهاء بالوضع الداخلي: وناشد الجميع المساعدة على طرق باب الحل السياسي المتوازن الذي يؤمن مشاركة ديمقراطية في إدارة شؤون البلاد بعيداً عن كل أشكال التقاسم والتقسيم.
وجه الرافعي نداء في الذكرى السنوية الأولى لانسحاب إسرائيل من صيدا وبعض مناطق الجنوب، قال،
يا أبناء شعبنا الصامد، يا أهلنا في الجنوب المقاوم. في مثل هذه الأيام لعام مضى، كنتم تعيشون فرحة تنشق نسيم الحرية، وترون بأم العين انكفاء العدو وانسحابه تحت ضغط ضربات المقاومة الوطنية. في مصل هذه الأيام لعام مضى، كانت الأنظار ترنو بعيداً لرؤية آخر جندي صهيوني ينسحب من ترابنا الوطني وتعود إلى لبنان وحدته وحريته وتسود الديمقراطية حياته السياسية.
في مثل هذه الأيام لعام مضى شعرتم وشعر معكم كل المؤمنين بعروبة لبنان ووحدته، بأن العمل الوطني المقاوم قد أثمر نتائجه الأولية، وان التضحيات التي قدمتها جماهيرنا لم تذهب سدى، بل وظفت توظيفاً نضالياً لقرض الانكفاء على قوات الاحتلال وانسحابها من مواقع كانت تحتلها ولا تريد التخلي عنها. وبمقدار ما كانت محصلة العام المنصرم تحمل في طياتها معطيات إيجابية وومضات مضيئة تمثلت باستمرار الأداء النضالي المقاوم للاحتلال الصهيوني وللمرتبطين به بأشكال مختلفة، إلا أنها حفلت أيضاً بظواهر سلبية كانت قاتلة في بعض الأحيان والحالات. ففضلاً عن كون العدو الصهيوني ما زال يحتل مساحات واسعة من أرضنا الوطنية، ويمارس يومياً مع عملائه أبشع أنواع الإرهاب والتنكيل بالمواطنين الصامدين، فإنه في الفترة الأخيرة أقدم على خطوة تصعيدية في طريق تنفيذ مشروعه الأصلي ضد لبنان. وهذه الخطوة تجسدت بقضمه بعض الأراضي اللبنانية وتصعيده العسكري المستمر وقصفه القرى الآمنة، والضغط بكل الوسائل لدفع سكان الجنوب إلى ترك أرضهم ومنازلهم في إطار خطة هادفة إلى تفريغ المناطق المحتلة من سكانها، وبالتالي تسهيل مهمة قضمها واستيلائها على المواقع التي تتميز بأهميتها الاستراتيجية وثرواتها المائية. والعدو إذ يصعد من عمله العدواني هذا، فإنما يستند إلى ما يسود الساحة الداخلية اللبنانية من تفكك وتشرذم، وما وصلت إليه الجماهير من إنهاك وضرب لمقومات صمودها السياسي والاجتماعي.
لقد كان العام الماضي حافلاً بالمآسي الاجتماعية والاقتصادية. والنكبة لم توفر منطقة من ويلاتها، فكل المناطق ذاقت الآمرين بحيث تساوي أبناؤها في معاناتهم، كما يتساوون في قسوة ظروفهم المعيشية الناتجة من التشريد والتهجير والتهديد المستمر والمتصاعدة لأمنهم الحياتي. وفي غمرة هذه الأجواء الضاغطة، يندفع الوحش الطائفي ليضرب مخالبه السامة في الجسم الوطني وليبتلع ما تبقى من قوة يمكن أن يستند اليها في عملية إعادة توحيد لبنان واستكمال تحريره.
وهذا الفوران الطائفي والمفعم في بعض الحالات بالإثارات المذهبية، جعل الانشطار الداخلي يصل إلى مداه الأقصى ويزيد من صعوبة إعادة اللحمة إلى الجسم الوطني والى مد جسور الحوار السياسي والتوافق بين الافرقاء الداخليين. وبذلك يتحقق للعدو الصهيوني مبتغاة الأصلي وهو تكريس واقع التقسيم والتفتيت وتقويض البنيان الوطني وتأسيس مرحلة جديدة من الصراع قد يمتد لسنوات وسنوات (…)
لقد وصلت الساحة الداخلية إلى حد الإشباع من الصراع الداخلي. وهي لم تعد قادرة على تلقي المزيد من الضربات ولا المزيد من الصدمات، والدم الذي سال في القتال الداخلي فاق كثيراً الدم الذي سال في مواجهة العدو الصهيوني وعملائه، ومع هذا فإنه لم يؤد إلى حسم الصراع لمصلحة طرف على حساب الطرف الآخر. فالكل قدم خسائر بشرية ومادية والكل بات يدرك أنه وصل إلى الطريق المسدود لأن لبنان لا يحكم بهيمنة فريق على آخر ولا باحتواء الحكم والسلطة طرف واحد. إن لبنان يحكم بتوازن سياسي داخلي، قوامه وحدة وطنية مرتكزة على قاعدة معاداة العدو الصهيوني معاداة مطلقة، ومتفاعلة تفاعلاً إيجابياً مع محيطه القومي العربي. وإن العروبة التي تخاض معركة حماية وحدة لبنان تحت عنوانها، هي انتماء طبيعي، وهي القادرة على احتواء مشاكل لبنان الطائفية والسياسية وهي القادرة على إجهاض كل الطروحات المذهبية والطائفية. لقد آن الأوان للبنان أن يخرج من دوامة العنف وآن لابنائه أن يحصلوا على السلام والاطمئنان. ألم يكف الجنوب ما حل به؟ ألم يكف الجبل ما أصابه؟ ألم يكف طرابلس تتالي النكبات عليها؟ ألم يكف البقاع مأساة؟ ألم يكف بيروت في شطريها أحد عشر عاماً من القصف الأعشى والموت المفخخ؟
انها لمهزلة كبيرة، بل لمأساة وطنية وقومية ان يقضم العدو الصهيوني بعض مناطق الجنوب فيما الوضع الداخلي في أدنى درجات تمزقه، وفيما بورصة التعديات على المواطنين فاقت ارتفاعاً بورصة الدولار.
فالمناضلون يغتالون ويخطفون ويعتقلون ويضربون والحرمات الاجتماعية تنتهك، والممتلكات تستباح والتفسخ الاجتماعي أصبح الصورة المجلية لعملية التفسخ الوطني. وهذه الأعمال المنافية لكل القيم الوطنية والأخلاقية ما كانت لتحصل لو تصرفت القوى الداخلية بمسؤولية وطنية وغلبت المصلحة العامة على المصالح الفئوية. وإذا كانت البلاد قد انتقلت من حال الأزمة المدارة إلى حال الاختناق السياسي فلانه لم تتم الإجازة لمشروع وطني توحيدي للبنان يعيد لهذا القطر العربي الأصيل في عروبته حيوية السياسية ويصون حرياته ويحمي الحقوق الأساسية والطبيعية الإنسانية.
اننا في الذكرى الأولى للانسحاب الصهيوني من صيدا ومن موقع مسؤوليتنا الوطنية والقومية نطلقها دعوة صريحة وصادقة: لا حل للبنان إلا بالارتكاز على قواعد الوفاق الداخلي والذي يفترض أن يحظى بكل الدعم والرعاية العربيين كما بالدعم الدولي، وهذا بمقدار مل يفرض مسؤولية على اللبنانيين للسير في هذا الخيار المنقذ لهم جميعاً، فإنه يفرض مسؤولية على الأمة العربية لتقديم كل إسناد ممكن سياسياً واقتصادياً لإنقاذ لبنان وأقفاله كبوابة يمكن أن تعبر منها الرياح الصهيونية إلى رحاب الوطن العربي الكبير.
اننا في هذه الذكرى، نقول أن الفرص لا تزال سانحة، والواجب يفترض اقتناص كل فرصة ممكنة ومتاحة، وحتى يشعر من ضحى بأن تضحياته قد وظفت توظيفاً نضالياً توحيدياً وتحريرياً وحتى يشعر أبناء الجنوب الصامدون والذين يتعرضون يومياً لشتى أنواع الإرهاب الصهيوني، بأن قضية الجنوب ليست قضية جنوبية بل هي قضية وطنية وقومية.
فرأفة بحياة الأبرياء الذي تحصدهم دورة العنف الجوالة ورأفة بالشهداء الذين سقطوا وهم يقارعون الاحتلال ورأفة بآلاف العائلات المهجرة والمشردة ومن كل المناطق، ورأفة بالمصير الوطني، أن يكون خيار الحوار السياسي هو الخيار المفروض لأن خيار الحوار بالسلاح اثبت عمقه واثبت أن لا آفاق له إلا في مواجهة العدو الصهيوني.
فهل تكون هذه المناسبة الوطنية، مناسبة تتوحد فيها الجهود على قاعدة مواجهة الاحتلال بدءاً بأطراف المقاومة الوطنية وانتهاء بالوضع الداخلي؟ اننا نوجه نداء من القلب ونناشد الجميع المساعدة على طرق باب الحل السياسي المتوازن الذي يؤمن مشاركة ديمقراطية في إدارة شؤون البلاد وبعيداً عن كل أشكال التقاسم والتقسيم. وإذا لم تسطع تلك القوى فرض هذا الحل، فانها على الأقل تكون قد ساهمت في تخفيف عبء المعاناة عن الجماهير الصامدة الصابرة وهذا إنجاز في حد ذاته. فهل يحصل ذلك؟ اننا ندعو إليه.
***
الملحق الرقم (39)
الرافعي يصف مع ما حصل في الجنوب بأنه اجتياح جديد
طليعة لبنان الواحد العدد (22) آذار 1986
وصف أمين سر القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان النائب الدكتور عبد المجيد الرافعي ما يجري في الجنوب بأنه اجتياح صهيوني جديد بأبعاده السياسية والعسكرية داعياً إلى توحيد الجبهة الداخلية لمواجهة الخطورة الناجمة عن ذلك ولجعل العدو يدفع غالباً ثمن استمرار سياسته العدوانية.
جاء ذلك في تصريح للرافعي هذا نصه:
لليوم الرابع على التوالي تواصل قوات الاحتلال الصهيوني أعمالها العدوانية ضد قرى الجنوب والبقاع الغربي، مستغلة عملية أسر جنديين صهيونيين لتنفيذ اجتياحها الجديد ولتحقيق ما عجزت عن تحقيقه في الفترات السابقة. فما يحصل على الأرض هناك يدل على أن العملية الإسرائيلية الجديدة، هي أبعد من البحث عن عنصريين من جنودها، بحيث تندرج في إطار التنفيذ المرحلي للإطماع التوسعية بلبنان، خاصة وانها أتت بعد وقت قصير على انكشاف عملية قضم صهيونية واسعة للمناطق المتاخمة لفلسطين المحتلة وتلك المتحكمة بمجاري الليطاني والوزاني وعقد تواصل البقاع بالجنوب والجبل.
إن العدو الصهيوني باجتياحه الجديد، إنما يهدف إلى التذكير والتأكيد مجدداً بدوره المؤثر أمنياً وسياسياً في معطى الوضع الداخلي، كما يهدف إلى شن أوسع حملة تمشيط بحثاً عن المقاومين الذين يتصدون للاحتلال ويجعلون الأرض تموج من تحت إقدامه. وما إجراءاته القمعية والإرهابية التي ينفذها ضد الأبرياء قتلاً واعتقالاً وتهجيراً واعتماد سياسة الأرض المحروقة ضد جنوبنا وبقاعنا الصامدين إلا دليلاً واضحاً على البعد الحقيقي سياسياً وعسكرياً لعملية الاجتياح الجديد.
وإن ما يدعو للقلق الكبير، هو أن الخطورة التي تجسدها العملية الصهيونية الجديدة، لم تواجه بالرد المطلوب على المستويات الداخلية والعربية والدولية، بحيث يستفحل التمزق الداخلي وتنعدم دورة التفاعل الوطني الشامل مع المقاومة الوطنية في مواجهة الاحتلال، ويصل الاختناق السياسي إلى المستوى الذي يحول دون موقف رسمي لبناني موحد على الأثل حيال ما يجري في جنوبنا الصامد. وهذا ما جعل العدو يندفع في عمله العدواني إلى مدايات جديدة ودون أن يواجه إلا بالصمود البطولي الذي يبديه أهلنا، وهم يقارعون الاحتلال بصدورهم، ويصرون على التثبت بأرضهم رغم كل وسائل وإجراءات العدو الإرهابية. وأنه لفخر لمقاومتنا الوطنية اللبنانية أن تتصدى للعدو في الظروف والإمكانات غير المتكافئتين، وتوقع بين صفوفه الخسائر البشرية والمادية مستندة بذلك إلى أدائها المقاوم المستمر والمتصاعد منذ اجتياح عام / 1982 والى التراث النضالي الذي تختزنه جماهيرنا وأفصحت عنه في كل مناسبة وموقعه وظرف استوحتها ضرورات الدفاع عن الحقوق الوطنية والقومية.
وهذه الشعلة المضيئة في الجنوب والبقاع المقاومين، يريد العدو حالياً إطفاء نارها وإلغاء توهجهها وجعل لبنان يستمر طويلاً متخطياً في ظلامه السياسي الدامس، فهل يجوز أن يستمر العدو يسرح ويمرح في أرضنا، ومستفرداً أهلنا وأبناء شعبنا الصابر في الجنوب، انها لمأساة وطنية بل مأساة قومية، أن يكون الخطر المهدد للمصير والبنيان الوطنيين قد وصل إلى هذه المراحل المتقدمة ونعجز عن توحيد الجبهة الداخلية، توحيداً تجعل من كل اللبنانيين صفاً واحداً في مواجهة الخطر الذي تهب رياحه من بوابة الجنوب، إنها لمأساة وطنية واجتماعية، أن تنكشف حقيقة الاطماع الصهيونية التوسعية عبر عمليات القضم والضم، وجماهيرنا تعيش أوضاعاً قاسية ومنهكة بل قاتلة على صعيد تهديد أمنها الاقتصادي والاجتماعي وحتى الحياتي. ويبدو أن المؤامرة كي تستكمل كافة مراحلها تتطلب أن تترافق عملية التفتح السياسي والاجتماعي وجعل الشلل هو السمة السائدة والمخيمة على كل جوانب حياتنا.
إننا إذ نطلقها صرخة وطنية مسؤولة، أن هبوا لإنقاذ الجنوب، لأن مصيرنا الوطني ووجودنا يرتبطان بالنتائج التي تترتب عن سياق المواجهة الدائرة هنا فلان لبنان لن يبقى موحداً، ولن يبقى حراً، ولن يبقى مستقلاً، إذ بقي جنوبه محتلاً، فالجنوب لا يشكل فقط رقعة جغرافية يحتل العدو بعضاً منها، وإنما هو الرقعة السياسية التي يشتد التصارع عليها بين مشروع الحركة الصهيونية التوسعي الاستيطاني وبين مشروع المواجهة الوطنية بأبعاده القومية، أن إنقاذ الجنوب يتطلب إدراكاً شمولياً لحقيقة الأبعاد التي ترمي إسرائيل للوصول إليها، وهذا الإدراك يفرض موقفاً وطنياً موحداً، يجعل من لبنان كتلة متماسكة سياسياً واجتماعياً في مواجهة العدو، كما يتوجب تحركاً عربياً ودولياً لاتخاذ كل ما يلزم من أجل تدعيم صمود العمل المقاوم وجماهيرنا البطلة واتخاذ المواقف الرادعة لسياسة إسرائيل العدوانية التوسعية.
***
الملحق الرقم (40)
المقاومة الوطنية اللبنانية من التلزيم إلى التقزيم.
نشرت طليعة لبنان الواحد المقال التالي عن المقاومة الوطنية اللبنانية بتاريخ 26/7/1986.
قبل الانسحابات الصهيونية الجزئية من لبنان، وبعدها، كانت المقاومة الوطنية اللبنانية الحاضر الأكبر في الوسط السياسي، بحركاته و صالوناته ومنتدياته؛ كما كانت مادة التلقف الشعبي في غالبية المناطق اللبنانية تقريباً. وقد استبشر كثيرون خيراً بها، لا لكونها تجسيد لإرادة الفعل الوطني ضد عدو مُحْتَل للأرض فقط، وإنما، أيضاً، لكونها أصبحت محوراً للاستقطاب السياسي والشعبي، وحيث اللبنانيون بأمسِّ الحاجة إليه أمام استشراء عدوى التشرذم والتفتت وما شاكل ذلك.
في لحظة تطور فعل المقاومة، كماً ونوعاً، دار سجال حول مضمونها: هل هي مقاومة وطنية، أم مقاومة إسلامية، أم مقاومة مدنية شاملة؟ لكن هذا السجال سُرعان ما حُسِم لصالح موضوعية الفعل النضالي المُعَبَّر عنه بالمقاومة. فهي مقاومة وطنية لأنها تهدف لتحرير الأرض من الاحتلال، وتعمل لتوحيد البلد الذي مزَّقته الحرب بسنواتها الطويلة. و التحرير والتوحيد هما فعلان وطنيان، كون الوطنية لا تُعَرَّف و لا تُحَدَّد بحسب الانتماء الديني للمنخرطين في كل أنشطة النضال الوطني.
لكن ما إن أقدم العدو على انسحابه الأخير منذ عام ونيِّفٍ تقريباً، وعادت قواته لتستقر مع ما يُسمَّى بجيش لبنان الجنوبي في المنطقة التي أُطلِق عليها (منطقة الحزام الأمني) حتى برز سلوك جديد، لا ينطلق من موقع الخلاف على مضمون الفعل المقاوم للاحتلال، وإنما الانزلاق به نحو قوقعة طائفية تحوَّلت، تدريجياً، إلى تشرنق مذهبي التركيب و التكوين، و حاول رسم المقاومة بطابعه الخاص مع الاحتفاظ بالشعار العام، الذي يُطِلُّ بواسطته للتعامل مع الرأي العام خارج إطار الجنوب.
هذا السلوك الفئوي الجديد، لم تقتصر ترجمته على وقائع ميدانية فحسب، و إنما تجاوزته، أيضاً، إلى الطريقة التي أُديرت بها بعض الأنشطة التضامنية مع المقاومة، والتي برزت-بشكل واضح-في الندوة التي أُقيمَت في الخامس من حزيران تحت شعار التضامن مع المقاومة الوطنية والجنوب اللبناني. ولهذا فإن ثمة ملاحظات على الشكل والمضمون.
في الشكـل: إن الندوة لم تكن بالمستوى المطلوب، وخاصة على مستوى الحضور العربي والأجنبي. وكان بالإمكان أن تكون أفضل لو كان هناك رعاية وطنية فعلية للندوة. وهذه الرعاية تفترض، أساساً، وجود هيئة وطنية تتَّسِم بشمولية التمثيل الوطني؛ كما تفترض مستلزمات التنظيم مشاركة القوى المنخرطة -فعلاً- في مقاومة الاحتلال. أما وإن هذا الأمر لم يحصل، واقتصرت الإدارة التنظيمية على موقع معيَّن في إحدى المؤسسات الرسمية وشاغل هذا الموقع معروف بانتمائه السياسي، فقد تبيَّن للمشاركين أن الطرف الذي يمثله ذاك الموقع هو المقاومة بقدِّها وقديدها. كما إن الرحلات الاستعراضية التي نُظِّمَت إلى الجنوب، تحولت إلى مهرجانات سياسية لمن قدَّم نفسه طرفاً مُنَظِّماً، محاولاً بذلك إعطاء الانطباع بأن الجنوب هو "أمل"، و "أمل" هي المقاومة.
هذا من ناحية أولى، أما من ناحية ثانية، فإن إحياء الندوة تحت هذا الشعار فيه انزلاق نحو فهم خاطئ للخطر الذي يجسِّده الكيان الصهيوني. فشعار التضامن مع المقاومة الوطنية شعار مفهوم بل هو المطلوب، لكن التساؤل: لماذا جرى الحصر بالجنوب اللبناني؟ وهذا يجب أن لا يُفهَم بأن الجنوب غير عزيز وغير غالٍ على قلوب اللبنانيين وسائر العرب، لكن خلفية الطرف الذي قدَّم نفسه طرفاً أحادياً ممثلاً للمقاومة، لا ينظر للجنوب كما ننظر إليه نحن؛ وهذا هو مصدر الخطورة من طريقة التعامل مع موضوع الجنوب.
إن الجنوب، بنظرنا، ليس محافظة لبنانية، وليس رقعة جغرافية، وليس سكناً لأكثرية طائفية. فلو كان كذلك، لكان حالة معزولة عن عمق وطني وعمق قومي ممتد من المحيط إلى الخليج.
إن الجنوب، بنظرنا، مساحة سياسية، وسكانه لا ينتمون إلى أكثريات أو أقليات طائفية؛ بل هو جزء من الأمة غير منفصلين عن عمقيهما الوطني والقومي. وإذا شاءت التقسيمات الجغرافية أن يكون الجنوب جنوب لبنان، فهو في الوقت نفسه شمال فلسطين. وإن أحداً لا يحق له ادِّعاء الوصاية عليه، ولا احتكار تمثيله السياسي انطلاقاً من طائفية التراكيب السياسية في لبنان.
والخطر الصهيوني لا يهدد الجنوب فقط، وإنما الوطن كله برِحابِه القومية، وحتى بتقسيماته القطرية؛ لأن الصراع مع العدو لا تتحدد مدياته بالمسافات التي تصلها قذائف المدفعية على طرفي الحدود، ولا بأشكال المصافي الأمنية التي يعتمد عليها العدو، بل تتحدد بالمديات السياسية والحضارية للعروبة، كهوية قومية جامعة للعرب، وبين الصهيونية، كحركة نقيض حد التناقض الوجودي مع حركة القومية العربية.
ولذا كان الأحرى أن يكون شعار الندوة بغير الشكل الذي قُدِّم به، بحيث يكون يوماً للتضامن مع المقاومة الوطنية والشعب اللبناني، الذي يواجه الخطر الصهيوني على الحدود وفي الداخل. فمعركة استكمال تحرير الأراضي المحتلة في الجنوب والبقاع الغربي لا تستقيم إلا بإعطاء فعل التحرير مضمونه التوحيدي، وإلا فإن المسيرة النضالية ستمر في مرحلة انكسارات حادة، وستجهض كل النضالات التي قدمتها جماهيرنا في الجنوب كما في مناطق لبنانية أخرى وهي تقارع الاحتلال في ظروف غير متكافئة.
كما أن هذا اليوم، كان يجب أن يكون يوماً لبنانياً ويوماً عربياً، ومناسبة لحشد أوسع تأييد سياسي وشعبي عالميين حول القضية الوطنية اللبنانية، بما هي قضية تحرير وتوحيد.
أما وأن المناسبة قد جرى حصرها بطرف واحد، ومشاركة رمزية لطرف وطني معروف بمطواعية موقفه للنظام السوري، فهذا يحمل في طياته مخاطر جسيمة على العمل الوطني المقاوم للاحتلال، لأنه محاولةٌ لحصر المقاومة في إطار الفئوية الطائفية الضيِّقة. وهذا الحصر يُبطِل أن تكون المقاومة محوراً للاستقطاب السياسي والشعبي. وإن الاقتراح الذي حمله ( غولدنغ) مساعد الأمين العام للأمم المتحدة، والقاضي بوقف العمليات مدة ثلاثة أشهر كفترة اختبارية لإقناع إسرائيل بتسهيل تنفيذ القرار 425 ليس عاصفة في سماء صافية، بل هو حديث يدور النقاش حوله في الكواليس السياسية؛ ولكي يتمكن الطرف أو من يقف وراءه من وضع اقتراح ( غولدنغ) موضع التنفيذ. وإن هذا يتطلب أمرين: الأول، ضبط الوضع العملاني على الأرض، وتكريس ممثل شرعي وحيد للمقاومة، كي تسهل عملية التفاوض معه حول ترتيبات في الجنوب. لذلك وجدت "أمل" نفسها الأكثر مطابقة لشروط التلزيم الشرعي، هذا وقد ساعد على ذلك النظام السوري، الذي حاول-في حرب المخيمات من العام الماضي، وعبر وسائط إعلامه- أن يصوِّر "أمل" بأنها المقاومة والمقاومة هي، علماً أن "أمل"، وباعتراف مسئوليها، لم تطلق رصاصة على العدو قبل شباط من العام 1984. وإن الترويج الإعلامي والسياسي لدور "أمل" المقاوم، كان إشارة لتلزيمها المقاومة. وبعد أن قطعت شوطاً في هذا المضمار، بدأت محاولات تقزيم المقاومة. والتقزيم يفرضه السلوك الفئوي والطائفي، والتي لم تكن الندوة الأخيرة إلا مثالاً ملحوظاً لمصادرة نضال الآخرين و تجييره لغير الغايات الوطنية والقومية.
26/7/1986
***
الملحق الرقم (41): بيان عسكري صادر عن ج. م. و. ل. - قوات التحرير( )
أصدرت جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية - قوات التحرير، في 15/9/1986، البيان الأتي:
إن مناضلي جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية - قوات التحرير يزفُّون إلى جماهير الشعب اللبناني والأمة العربية إنجازاً نضالياً جديداً على طريق تحرير الأرض من الاحتلال الصهيوني وكل العملاء المرتبطين به. ففي ليل 13-14/9/1986، قامت مجموعة من قوات التحرير / مجموعة الشهيد موسى شعيب، بشنِّ هجوم صاعق على مركز لجيش لبنان الجنوبي في تومات نيحا، حيث تمكَّنت-بعد معركة خاطفة-من اقتحام الموقع وقتل ثلاثة من عناصر جيش لحد، وجرح سبعة آخرين. وقد تمكنت المجموعة من الاستيلاء على بعض الأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وتم سحبها إلى الخطوط الخلفية. إن قوات التحرير، وهي تنفِّذ هذه العملية الاقتحامية ضد العدو وعملائه، تعاهد الشعب اللبناني وجماهير الجنوب والبقاع الغربي الصامدين، بأن تبقى أمينة على مبادئ المقاومة في توجهها نحو تحرير الأرض من الاحتلال.
في 15/9/1986
***
الملحق الرقم (42)
بيان صادر عن قوات التحرير: ندعو إلى إسقاط التطيُّف عن فعل المقاومة، وتحقيق وحدة وطنية فعلية.
بتاريخ 25/9/1986.أصدرت قوات التحرير، بياناً بمناسبة بلوغ عملياتها الستين بعد الثلاثماية، والتي توَّجتها بعملية تومات نيحا البطولية، جاء فيه:
بعد أربع سنوات ونيِّف على غزو العدو الصهيوني للبنان، وبعدما استطاع الفعل الوطني المقاوم للاحتلال أن يفرض الانكفاء عليه، ويدفعه أكثر من مرة لإعادة النظر بانتشار قواته، عادت لهجته ترتفع مجدَّداً، مُهدِّداً باجتياح جديد للأراضي اللبنانية، وتجاوز حدود التموضع الحالي لقواته في ما يُسمَّى الحزام الأمني. و يأتي هذا التهديد في وقت تصاعدت فيه أعمال المقاومة ضد العدو والمرتبطين به، وسجَّلت تطوراً نوعياً في عملياتها في الآونة الأخيرة. كما يأتي في وقت تصاعدت فيه الحملة ضد قوات الطوارئ الدولية وتعرَّضت فيه وحداتها للتعديات والمضايقة. والعدو الذي حال في السابق، ولا يزال، دون تنفيذ قرارات الأمم المتحدة، وخاصة القرار 425، وحال دون القوات الدولية من تنفيذ المهمات التي انتُدِبَت لأجلها، تُوظِّف حملة الضغط على هذه القوات لصالح موقفه الرامي إلى فرض الانسحاب عليها، إيجاد أكثر من ذريعة تُبَرِّر عدوانه الجديد: تارة تحت ستار مواجهة الفعل المقاوم، وتارة أخرى تحت شعار الحؤول دون حصول فراغ أمني مطلق فيها لو أقدمت الأمم المتحدة على سحب قواتها. وهذا ما يدفعنا لأن نؤكد بأن الحرص على وجود القوات الدولية في الجنوب اللبناني، هو في مصلحة لبنان وليس في مصلحة أي طرف آخر. وهذه الشرعية لم تشكل في يوم من الأيام عائقاً أمام المقاومة الوطنية وهي تؤدي دورها الوطني وتمارس حقها الطبيعي في تحرير الأرض من نير الاحتلال. فمعركتنا مع العدو الصهيوني، هي معركة متعددة الأبعاد، والتفهم الدولي لنضالنا العادل والمشروع يكتسب أهمية كبيرة في سياق الصراع المفتوح مع الحركة الصهيونية وكيانها الاستيطاني في فلسطين المحتلة.
وبقدر ما يكتسب حصول اتساع دائرة التأييد في الرأي العام العالمي لقضايا نضالنا الوطني والقومي أهمية، بحيث لا يترك العدو فرصة إلا ويستغلُّها لإحداث انقلاب لصالحه، فإن الأهمية الأساسية يجب أن تُعطى لتطوير الفعل الوطني المقاوم، وجعله على مستوى المهمات الوطنية التاريخية الملقاة على عاتقه. فالمقاومة الوطنية اللبنانية شكلت حالة نوعية متقدمة في مسيرة شعبنا التحررية، واستطاعت أن تعيد التوازن النفسي لجماهيرنا، وأن تُجَسِّد التعبير الحي عن حقيقة المخزون النضالي لشعبنا واختمار روح المقاومة الوطنية فيه. وهذا ما بات يخشاه العدو والمرتبطين به، وإن تمهيده للأجواء السياسية التي تبرِّر له غزواً جديداً-و هو لا يحتاج إلى تبريرات كثيرة- إنما لإجهاض هذا المعطى النضالي لدى جماهيرنا الصامدة الصابرة، والتي تمسَّكت بأرضها وتشبَّثت بترابها، وواجهت كل إجراءت القمع والإرهاب والتعسف بإرادة صلبة وتصميم حازم، على الانخراط بالمواجهة بكل أشكالها، ومهما بلغت التضحيات.
إن الحرص على هذه التضحيات الغالية، التي قدَّمتها جماهيرنا، وتوظيفها التوظيف النضالي السليم، يفرض أولاً- وقبل أي شيء- فك الحصار الذي يلفُّ المقاومة عبر استمرار تعقيدات الوضع الداخلي، وأجواء الانشطار والانقسام السائدتين، وتوفير الاحتضان الوطني الشامل لها على الصعيدين السياسي والشعبي، انطلاقاً من كون مسؤولية تحرير الأرض من الاحتلال هي مسؤولية كل اللبنانيين على قاعدة أن العدو لا يستهدف فئة دون الأخرى؛ وإنما هدفه تقويض البنيان الوطني اللبناني بكل مقوماته السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
إن المقاومة الوطنية اللبنانية-قوات التحرير، وهي تؤكد على وجوب تأمين العمق الوطني المتفاعل معها، كما العمق القومي المحتضن لنضالنا الوطني ضد العدو الصهيوني، تؤكد مجدداً- وحسب ما طرحته في مشروعها للميثاق الجبهوي في العام الماضي، بأن وحدة المقاومة هي السبيل الوحيد الذي يساعدها في تطوير فعلها، كماً ونوعاً. وهو الذي يجعلها محوراً للاستقطاب السياسي والشعبي في داخل لبنان وفي خارجه بعيداً عن الطروحات الفئوية والكسب السياسي الآني.
وإن "قوات التحرير"، وهي تمارس دورها النضالي في مقاومة الاحتلال والمرتبطين معه، لهي على قناعة تامة بأن المعركة مع العدو هي معركة طويلة و شاقة، وتحتاج إلى كل السواعد المقاتلة من أبناء شعبنا. ولهذا فنحن بأمسِّ الحاجة إلى جبهة مقاتلة متراصة بأهدافها وأساليبها. وإن الأمور لن تستقيم في عملية التحرير إلا من المنطلق التوحيدي لكل الجهود المبذولة، سابقاً وحاضراً ولاحقاً. وهذا ما يفرض علينا أن نترجم هذا التوجه في السلوك السياسي والإعلامي والميداني، وبعيداً عن كل الأشكال الاستعراضية ومحاولات الكسب الفئوي، وسعي البعض لمصادرة نضال الآخرين.
إن العمل الفئوي هو أحد مَقاتِل الفعل الوطني المقاوم للاحتلال. وإن خطورة هذه الفئوية لا تقتصر على جانبها السياسي فقط، وإنما تتجاوزها إلى خطورة أشدَّ إيلاماً، وهي فرض التطيف والتمذهب على المقاومة الوطنية في محاولة مكشوفة لتفريغها من مضامينها الوطنية ذات الأبعاد القومية. وإن أصحاب النهج الفئوي والطائفي تجاوزوا-مؤخراً- حدود إعلان الموقف السياسي إلى ادِّعاء نسبة كل عمليات المقاومة البطولية لنفسها. و هذا بالقدر الذي يشكل تزويراً للحقائق والوقائع، لأنه يحمل في طياته مناحٍ خطيرة على مضامين النضال الوطني في بعدَيه: التوحيدي و التحريري. وفي هذا السياق نشير إلى أن عشرات العمليات البطولية، التي ينفذها مناضلو المقاومة الوطنية تتمُّ سرقتها عبر إعلان بعض القوى مسؤوليتها عنها؛ وكانت آخر هذه العمليات عملية تومات نيحا التي نفذَّها مناضلو قوات التحرير، التي كبَّدوا فيها عملاء العدو ثلاثة قتلى وسبعة جرحى، واعترف العدو بها. ولم يتورَّع بعض من يزعم أنه ممثل للمقاومة بأنه هو الذي نفَّذها.
إن قوات التحرير، والتي سجَّلت، بعمليتها البطولية-في تومات نيحا-العملية الستين بعد الثلاثماية ضد قوات الاحتلال و المرتبطين معها، وسقط لها العديد من الشهداء والجرحى، حريصة على جهد المقاتلين المناضلين، إلى أي فصيل انتموا، حرصها على أن تستمر المقاومة بزخم وقوة حتى تحرير الأرض المحتلة، وخلق آفاق جديدة لنضالنا القومي ضد العدو الصهيوني.
***

الملحق الرقم (43)
بيان - قوات التحرير في الذكرى السنوية الثالثة لانسحاب العدو من بعض مناطق الجنوب.
إنقضت سنتان على أول انسحاب صهيوني من أرض الجنوب، فكانت مليئة بالمصاعب والآلام بدلاً من أن تكون مليئة بالإيجابيات والاعتزاز بالنفس. بعد ذلك الانتصار الكبير، كان حلمنا الأكبر أن تكون المناطق المحرَّرَة نواة أساسية للعمل الجبهوي -النموذج للقوى الوطنية، وأن تكون أرضاً صلبة تحت أقدام أبطال التحرير، الذين قاتلوا، واستشهدوا بصمت وبدرجة عالية من نكران الذات، بعيداً عن الضجيج والكسب الفئوي الرخيص.
إن حلمنا الكبير في قوات التحرير قد أُصيب بنكسة وخيبة أمل لا يوازيهما إلا إصرارنا المستمر على متابعة طريق التحرير الحقيقي، طريق التضحيات والشهادة حتى خروج آخر صهيوني من أرضنا المحتلة.
إن الحركات الثورية، التي تؤمن بالتحرير خطاً استراتيجياً يقود خطواتها، مدعوة وباستمرار إلى مراجعة نقدية للذات وللظروف المحيطة بها، لأن المراجعة هي جزء لا يتجزَّأ عن العمل الثوري.
من هذا المنطلق كان لا بد لنا في قوات التحرير من أن نقف، في الذكرى الثانية لانتصارنا على القوات الصهيونية، لنمارس هذه المراجعة النقدية.
إن وضع المقاومة، في هذه المرحلة، تتراوح بين مُدَّعٍ فئوي ومهيمن فارغ من الفعل، ومماليء يصرَّح بما لا يُبطِن، وحالم مغرور لا يرى سوى ذاته. ففي ظل هذا الخليط تضيع تضحيات المبدئيين-أفراداً ومجموعات- بين استعراضات إعلامية للاستهلاك، وبين أسواط ملاحقة المناضلين تحت ذريعة العمل الجبهوي المزعوم، لأنه يحمل في حقيقته إذلال للمناضلين و تدجينهم واستخدامهم سلعة للمقايضة حين تدق ساعة المساومة على عرق المناضلين ودماء الشهداء.
إن المقاومة الوطنية اللبنانية، التي سجَّلت انتصارها المهم في السادس عشر من شباط من العام 1985، والتي كانت تحمل إمكانية الدعوة التوحيدية الوطنية، أصبحت بعد سنتين في حالة من التشرذم والتفتت، وبدلاً من أن تعمِّق خطها الوطني إذا بها تطفو إلى سطح المذهبيات: البعض يمارسها فعلاً، والبعض الآخر يسكت عنها لانتهازيته. وبدلاً من أن تشكل مكسباً ديموقراطياً لأطرافها إذ بها تتحول إلى هيمنة مذهبية قامعة تفتح السجون و الأقبية للمناضلين من الأطراف الأخرى. وبدلاً من أن تأخذ بعدها القومي في التحالف الوثيق مع المقاومة الفلسطينية أخذ بعض أطرافها يتحولون إلى قتلة وسجَّانين لها؛ وتحول البعض الآخر إلى صامتين متواطئين مع هذا الدور. وتحصل هذه الممارسة تحت ذرائع صِيغَت لتمرير أهداف وغايات لا علاقة لها بتلك الذرائع.
إن قوات التحرير إذ ترفع صوتها وكلمتها تلك، المعمَّدة بالدم والشهادة، وإذ تُعلِن عن عمليتها الرقم /437/، التي نفذتها مجموعة الشهيد عبد الأمير حلاوي بتاريخ 11/2/1987، ضد موقع للعدو وعملائه في مثلث كفرحونة، و أوقعت فيه خسائر بشرية ومادية، فإنما تتوجه إلى كل المقاتلين وإلى كل أطراف جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، وتدعوهم إلى وعي مخاطر هذه المرحلة، الناتجة عن الثغرات التكتيكية والاستراتيجية، التي تعترض مسيرة المقاومة، ولذلك تدعو إلى ما يلي:
1) الدعوة إلى الإفراج عن المناضلين الذين قاتلوا العدو، وما زالوا، والقابعين في سجون القوى المهيمنة على المناطق المحررة. والدعوة إلى منع الملاحقات بحق آخرين تحت ذرائع لا تمت إلى الواقع بصلة، مما يتنافى مع أبسط الحقوق الديموقراطية الواجب توفيرها للذين يقاتلون العدو.
2) الإعلان عن المخاطر التي تفرزها الذهنية المذهبية والطائفية التي تُمارَس اليوم بشكا واسع. وعلى رأس المخاطر تأتي الحالة التفتيتية التي تشهدها ساحة المناطق المحررة في هذه المرحلة. وهي تشكل-في هذا الظرف- رصاصة الرحمة التي تصيب أية حالة توحيدية، وهي تتنافى مع أبسط قواعد العمل الجبهوي كضمانة أساسية للتحرير.
3) إن التنسيق مع المقاومة الفلسطينية - الرديف القومي الأساسي للمقاومة الوطنية اللبنانية- يُعَدُّ واجباً قومياً من جهة، ومصلحة وطنية لبنانية من جهة أخرى. وإن فرض الحصار على المخيمات الفلسطينية، وفتح السجون والمعتقلات للفلسطينيين، إنما يتنافى مع المصلحة الوطنية اللبنانية…
وإن كل دعوة للتمييز بين فلسطيني شريف وآخر غير شريف ليس إلا ذراً للرماد في العيون. ومن يقاتل الفلسطيني لن يتورع عن قتال وملاحقة وسجن اللبناني الذي يقاتل العدو.
إن قوات التحرير في جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية، إذ تُحذِّر من المخاطر الجدية التي تعترض مسيرة المقاومة الوطنية اللبنانية، فإنما تعاهد جماهير الأمة العربية والجماهير اللبنانية أن تتابع نضالها الدؤوب حتى تحرير آخر شبر من أرضنا المحتلة.
16/2/1987.
***
الملحق الرقم (44)
بيــان جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية - قوات التحرير بمناسبة السابع من نيسان
طليعة لبنان الواحد العدد 37 – حزيران / 1987
بمناسبة السابع من نيسان، عيد الفجر الذي اشرف على الأمة العربية نوراً ساطعاً أضاء لها طريق الوحدة والحرية والاشتراكية. تعلن قوات التحرير جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية عن عمليتها الرقم /442/ التي نفذها مناضلو مجموعة الشهيد موسى شعيب في الساعة العاشرة وخمس وأربعون دقيقة من مساء يوم الأربعاء الواقع في الأول من نيسان عام 1987، على أحد مواقع العدو في مثلث كفرحونة إذ زرع المقاتلون الغاماً على طريق إمداده من جهة الريحان، وقامت المجموعة نفسها بهجوم على الموقع المذكور واشتبكت مع عناصره لمدة عشرين دقيقة كبدت العدو خسائر في الأرواح. وتدمير نصف مجنزرة ورشاش /12.7/. قام العدو بتمشيط المنطقة من جبل أبو راشد حتى جوار مشغرة بالقنابل المضيئة والطيران المروحي والمدفعية.
وإن قوات التحرير إذ تعلن عن عمليتها فانها تعاهد كافة جماهير الأمة العربية وكافة المنضالين الذين يقاتلون العدو الصهيوني على الاستمرار في ملاحقة العدو وعملائه إلى أن يتحقق التحرير الفعلي لكل أرض دنستها الصهيونية.
***
الملحق الرقم (45)
الافتتاحية: في الذكرى الخامسة للاجتياح
اللبنانيون بحاجة إلى الخطاب السياسي الوطني الشامل
طليعة لبنان الواحد العدد (37) 1987
في مثل هذه الأيام لخمس سنوات مضت، وتحديداً في الثاني من حزيران قام العدو الصهيوني بغزو واسع للأراضي اللبنانية تحت شعار ما أسماه "سلامة الجليل". وقد شمل احتلاله العسكري الجنوب والبقاع الغربي والجبل حتى طريق الشام. وتمكن من احتلال بيروت لأيام بعد حصار استمر ثمانية وثمانين يوماً.
منذ ذلك التاريخ حصلت تطورات كثيرة سياسية أمنية واقتصادية وتداخلت العوامل الأمنية بالسياسية مقدمات ونتائج. وجردة سريعة لابرز أحداث الفترة، تشير بوضوح إلى رجحان كفة المحصلة السلبية وبفارق كبير وكبير جداً على كفة المحصلة الإيجابية.
لقد سجلت في لك المرحلة، دخول العدو الصهيوني لأول عاصمة عربية بعد القدس، حيث تختلف دلالات احتلالها عن احتلال مناطق أخرى كونها المركز الجامع والموزع، فيها تتجسد مركزية الدولة وتتعايش فيها عادة صيغ التنوع السياسي والاجتماعي. هي منظمة الدورة السياسية والإدارية والاقتصاد وفي نبضاتها مؤشراً استمرار الحياة كما في نبضات القلب علامات استمرار الحياة الإنسانية.
كما شهدت المرحلة الفاصلة أحداث حرب الجبل وبيروت وشرق صيدا وما تولد عنها من مآسي إنسانية واجتماعية واقتصادية ودفع نحو فرز سكاني مناطقي على أساس طائفي ومذهبي. وإن ما تعرضت له طرابلس في صيف 1983 كان موازياً بنتائجه السلبية لما تعرضت له مناطق أخرى. حيث أمنت مناخات ووفرت إمكانات لقوى طائفية ومذهبية لتفرض هيمنتها على المدينة وتشل الحياة السياسية فيها.
تلك التطورات الأمنية التي شهدها الجبل وبيروت، أدت إلى إسقاط دور الشرعية ومكنت الميليشيات من بسط هيمنتها على العاصمة التي استمرت لأشهر موحدة إدارياً في ظل سلطة الدولة بمساعدة القوة المتعددة الجنسيات.
هذا الفراغ الناتج عن انكفاء دور الدولة وما تعرضت له صيغ العمل الوطني ساعد القوى الطائفية والمذهبية لأن تتقدم وتملأ فراغاً سياسياً وأمنياً.
فكان هذا النتوء والبروز للقوى الطائفية والمذهبية من أكثر النتائج السلبية التي أفرزها الاجتياح الصهيوني، إذ أن القوى الطائفية والمذهبية لم تترك جانباً من جوانب الحياة العامة والخاصة إلا وظيفته وفرضت التمذهب عليه. ومع أن تلك التشكيلات الطائفية والمذهبية كانت متعددة الإطارات والولاءات والارتباطات إلا أنها كانت تتلاقى على معاداة العمل الوطني والقومي وتبذل جهداً لدفع الواقع التقسيمي والتفتيتي نحو مداياته القصوى، للاستفادة من المناخات السائدة، ولتكريس الواقع التقسيمي القائم. وهذا ينطبق على القوى المرتبطة بالعدو الصهيوني كما على تلك المرتبطة بالنظام الإيراني وما بينهما كان لا يقل في سلبيات ممارساته عنهما.
ومن بين عينات كفة السلبية، مراهنة بعض الاطراف على الاستقواء بنتائج الاحتلال الصهيوني لتحديد نصاب جديد لمعطى الوضع السياسي الداخلي ودفع لبنان للسير في الخط الذي رسمت معالمه اتفاقيات كمب ديفيد، وحيث لم يكن اتفاق 17 أيار إلا تعبيراً سياسياً عن ذلك النهج. وقد أدى ذاك السلوك السياسي في التعامل مع موضوع الاحتلال إلى تعقيد جديد في الحياة السياسية الداخلية. وإن هذه النظرة في التعامل مع العدو بكون ليس عدواً والتي لا تزال مستمرة عند بعض الظواهر هي تعبير عن مدى الاختراق السياسي الذي استطاع العدو أن يصل إليه في الداخل اللبناني، وعن مدى التطبيع الذي استطاع فرضه وأدى إلى كسر حاجز التحصن النفسي وبالتالي حاجز التحصن السياسي.
لقد أدى تراكم العوامل السلبية على الصعيدين السياسي والأمني إلى تأثير بالغ على الوضع الاقتصادية ونتائجه الاجتماعية والمعيشية. وما وصل إليه مستوى غلاء المعيشية حالياً ليس إلا دليلاً عن حجم الكارثة التي حلت باللبنانيين من جراء السلوكية السياسية للاطراف المهيمنة داخلياً والمرتبطة خارجياً. وأن المأزق السياسي الحالي لم يكن إلا نتيجة طبيعية لهذا المسار الانحداري الذي سارت عليه الأمور منذ سنوات.
وإذا ما أخذ بعين الاعتبار استمرار الاحتلال الصهيوني وتأثيراته الأمنية والسياسية المباشرتين، وما حصل خلال السنتين الأخيرتين من صدامات واشتباكات في كلا المنطقتين، بين من يطلق عليهم أطراف الصف الواحد والقضية الواحدة لتبين كم كان الانهيار دور الشرعية وغياب المشروع الوطني التوحيدي من آثار سلبية على المستوى السياسي وطنياً، كما على المستوى الاجتماعي معيشياً وحبات السبحة سوف تستمر بالكر إذا ما استمر الوضع في تدهوره عل كافة الصعد والمستويات.
أما الآثار السلبية التي طالت الجانب الفلسطيني سياسياً وإنسانياً، فهي تمثلت بدءاً بإخراج فعاليات المقاومة من بيروت ومن قم من طرابلس. وإن المجازر التي تعرض لها الوجود الفلسطيني في صبر ا وشاتيلا عام 1982 وما يتعرض له منذ عامين ونيف فضلاً عن الاعتداءات الصهيونية المتواصلة والحصار البحري المضروب حول مرافئ الجنوب، قد حولت الحرب المعلنة على الدور السياسي والنضالي للثورة الفلسطينية إلى جرب معلنة على الوجود الشعبي الفلسطيني بحد ذاته. وهذا تطور خطير، ليش فقط لأن العدو الصهيوني قد رسم معالم هذا المخطط ونفذ بعضاً من فصوله، بل لأن قوى لبنانية وعربية اندفعت بكل "حرارة" وحماسة لتنفيذ الفصول الأخرى. وإن النتائج الحاصلة إذ هي قاتلة، فليس مرد ذلك النتائج السياسية فقط، وإنما نتيجة أشد خطورة، وهي المتمثلة باستباحة الدم العربي من قبل قوى محسوبة أصلاً أنها عربية. وعندما يستباح الدم العربي في معركة تستهدف وجوداً شعبياً بذاته، فهذا يعني أن هذه المعركة تمت في ظل انهيار نظام القيم الوطني والقومية. وإن الذين يقدمون على هكذا أعمال، إنما هم شعوبيون، يناصبون العروبة العداء وغن انتموا إليها عبر حيازتهم على جنسيتها. ومن ينتسب لأمة، ويكون مقطوعاً عن تواصله التاريخي وموروث عاداته وتقاليده، وتشكل شخصيته الوطنية والقومية يكون ضعيفاً لا بل هشا في ولائه الوطني والقومي.
وفي معرض الحديث عن سلبيات المرحلة الفاصلة عن بدء الاجتياح الصهيوني أدى غياب المشروع الوطني وعدم توافق اللبنانيين على قواسم مشتركة، واستمرار التعويم الدولي لدور النظام السوري إلى تمكين ذلك النظام من تحقيق مواقع متقدمة له في خارطة التأثيرات الأمنية والسياسية. وقد تمثلت هذه التأثيرات من خلال تخطيطه واشتراكه بتنفيذ فصول حرب التصفية ذد الوجود الفلسطيني بعد دوره في ضرب وحدة بعض فصائل المقاومة، هذا إلى توليه مباشرة إخراج فعاليات المقاومة من البقاع والشمال. ولبنانياً، حاول أن يكرس هيمنته من خلال الاتفاق الثلاثي وضبط إيقاع الحركة السياسية الداخلية ولما لم يتمكن من تمريره عطل مؤسسات الحكم والحكومة من خلال المقاطعة التي فرضها وتدخل مضارب كبيراً في سوق الصرف وبما أثر بشكل كبير على سعر صرف الليرة اللبنانية.
وهو من خلال اندفاعته الأمنية الأخيرة وسيطرته على الشطر الغربي من العاصمة ومداخلها، لم يكن هدفه حماية أرواح المواطنين ومرافقهم من القتال العبثي والتدميري الذي شهدته أحياء العاصمة، بل لأنه يريد أن يحقق مواقع متقدمة لمزيد من التأثير في مجرى الاحداث الداخلية، وبعدما استهلكت القوى المرتبطة به في معارك المخيمات والصدامات الداخلية المتكررة.
من هنا، فإن سلبيات المرحلة السابقة، هي كثيرة وكثيرة جداً، فيها يندرج التعدي على الجسم الدبلوماسي العربي والأجنبي والبعثات والمؤسسات التربوية والتعليمية، وفيها يندرج خطف الرعايا العرب والأجانب، وفيها يندرج أيضاً ما تعرضت له القوى الوطنية والقومية التقدمية من مضايقعات وتصفيات جسدية لكوادرها ورموزها وتعديات على مؤسساتها، وهذا النهج المعادي للعمل الوطني بتعبيراته النضالية المختلفة، استفحل مع فور أن الحالة الطائفية والمذهبية وبشكل أكد مرة جديدة أن الطائفية والمذهبية على نقيض الشعوبية والوطنية والديمقراطية.
هذا الطوفان للظواهر السلبية التي شهدتها الساحة اللبنانية ولا تزال أجهضت أو هي في طريقها لإجهاض المعطيات النضالية الإيجابية التي برزت خلال تلك الفترة. من تلك المعطيات الإيجابية انطلاقة المقاومة الوطنية وتطوير عملياتها كما ونوعاً إلى الحد الذي جعل العدو يعيد النظر أكثر من مرة بانتشار قواته. هذه المقاومة وأن جاءت رداً على واقع الاحتلال الصهيوني، إلا أنها كانت تعبيراً أصيلاً عن إرادة الفعل المقاوم لدى الجماهير الشعبية، وتواصلاً مع مراحل النضال الوطني بآفاقه القومية. فالمقاومة الوطنية للعدو الصهيوني كانت تتصل بعمق الوعي الوطني بابعاد المخاطر التي يجسدها الكيان الصهيوني التوسعي على أرض فلسطين. وأن الحركة الوطنية وقواها القومية التقدمية كانت طليعية في تصديها للعدو وفي احتضانها للفعل المقاوم للاحتلال ويكفي على سبيل التذكير وعلى سبيل المثال لا الحصر، معارك المواجهة في كفركلا وفي الطيبة وكفر شوبا وغيرها من قرى الصمود في الجنوب والبقاع الغربي.
وإذا كانت تعقيدات الوضع الداخلي والانشطار القائم والضارب مخالبه في كل جوانب الحياة قد أثرت سلباً على المقاومة وعلى عدم توفير العمق الوطني المحتضن لها، إلا أن ما كان أشد سلبية عليها هي المحاولات التي بذلت ولا تزال لتطييف نضال المقاومة الوطنية وتفريغها من مضامينها الوطنية التحررية. وقد ترافق هذا السلوك الهادف إلى تفريغ المقاومة من مضامينها الوطنية مع إجراءات قمعية وتعسفية قامت بها القوى الطائفية لتكريس هيمنتها وأحادية تمثيلها السياسي الطائفي لمنطقة الجنوب. لكن ورغم الظروف الصعبة التي أحاطت بنضال القوى الوطنية ضد الاحتلال والقوى المرتبطة به، وبسبب ممارسات القوى الطائفية والمذهبية سواء المرتبطة بالنظام الإيراني، أو تلك المرتبطة بالنظام السوري، فإن الأداء النضالي ضد قوات العدو استمر، متجاوزاً تعقيدات الوضع الوطني، ومسجلاً تطوراً نوعياً في العمليات من خلال تمكن المقاومين الوصول إلى داخل فلسطين المحتلة.
هذا من جهة، أما من جهة ثانية، فإن انطلاقة المقاومة لم تكن الإيجابية الوحيدة التي سجلتها معطيات المرحلة السابقة، بل ثمة ظواهر إيجابية أخرى من بين هذه الإيجابيات، أولاً سقوط اتفاق 17 أيار الذي حاول العدو من خلال إلحاق لبنان، كسب اتفاقيات كمي ديفيد، وثانياً ثبوت أن العدو الصهيوني لا يقيم تحالفات إلا على أساس مصالحة وهو على استعداد للتخلي عن علاقات وتحالفات أقامها لصالح علاقات وتحالفات أكثر ربما في ميزان مصالحه. وإذا كان الثمن الذي دفعه اللبنانيون غالياً من جراء الاحتلال وما أسفر عن نتائج سياسية واقتصادية، إلا أن شعور بعض القوى ولو متأخراً، بأن العلاقة مع العدو لا تستقيم ومصالح لبنان الوطنية يشكل تطوراً إيجابياً، وأن النظرة التي تشكلت عقب الاجتياح وسعى أصحابها لفرض منطق الغالب والمغلوب استناداً إلى الاستقواء بنتائج الاجتياح، إنما كانت نظرة خاطئة. وأن المحاولات التي جرت لكسر نصاب التركيب الداخلي، لم تأت بالنتائج الكارثية على فريق فقط وإنما على الجميع دون استثناء. وثالثاً، أن الأكذوبة الكبيرة التي ظللت صيغاً من العلاقات السياسية لفترة ليست قصيرة، قد سقطت أخيراً، إذ ثبت أن الوطنية أيا كانت تعبيراتها لا يمكنها أن تتعايش مع الطائفية والمذهبية. وأن الفرز السياسي مطلوب لتأمين الاستقطاب والاصطفاف السياسيين على أسا البرامج السياسية وليس على أساس الانتماءات الطائفية والمذهبية. وإذا كانت الجماهير الشعبية قد ضللت لفترة بشعارات وحدة الصف الوطني وأطراف الصف الوطني، إلا أن الفرز هو من الإيجابيات التي برزت مؤخراً.
أما الإيجابية الرابعة، فهي المتمثلة، باتساع دائرة التذمر الشعبي والذي وصل حد الرفض في بعض الأوساط للدور الذي يقوم به النظام الإيراني والقوى المرتبطة به، وتجسد هذا التذمر الواصل في بعض الحالات حد الرفض، بالموقف الشعبي من الموقف الإيراني من القرار 425 والتعديد على قوات الطوارئ الدولية، وايضاً من موقف ذلك النظام والمرتبطين به من الحل السياسي للأزمة اللبنانية. بحيث لم يرد ذلك الموقف إلا التعقيدات وإثارة الغرائز واستفزاز المشاعر الشعبية لدى قطاعات واسعة من جراء اتخاذ الساحة اللبنانية منطلقاً لشن حملة شعواء على العروبة.
وهذه الطريقة التي قدم بها النظام الإيراني نفسه، والتي تنسجم أصلاً مع طبيعته، جعلته مكشوفاً وخاصة بعدما انكشفت على نطاق واسع علاقاته الواسعة النطاق والمتعددة الأوجه مع الكيان الصهيوني. ولا يخفى أن مسؤولية النظام الإيراني بما تعرض له الجسم الدبلوماسي والتربوي جعلت الأصوات المطالبة بوضع حد لهذا التدخل في شؤون لبنان الداخلية تتزايد وأن ببطء وهذا مؤشر إيجابي لم يكن ممكناً في السابق.
وخامس الإيجابيات، وانكشاف دور النظام السوري وأنه رغم التهويش الإعلامي الذي تطلقه وسائل إعلامه، بات موقفه مكشوفاً ولا يجد احتضاناً إلا من قوى أصبحت مرتهنة كلياً لموقفه بسبب علاقاتها الخاصة أو بسبب مأزقها الخاص بها. زيادة تدخل النظام السوري مع عدم القدرة على فرض الحل الذي يريده سيجعل دوره يسير نحو التآكل وسيصبح هذا التورط المتزايد عبئاً عليه لا بد وأن ينعكس على موقفه داخلياً وخارجياً، وإذا ما وقعت أزمته الاقتصادية وحيث تشهد الليرة السورية تدهوراً في سعر صرفها تجاه العملات الأجنبية لتبين أن المأزق الذي بدا يواجهه ذلك النظام أخذ بالاشتداد وهو بالتالي لن يستمر طويلاً متحكماً في إدارة اللعبة التي بدأها منذ ما يزيد عن عشر سنوات.
أما سادس الإيجابية، فإنه تمثل بالتطور الإيجابي الذي حصل بين فصائل المقاومة الفلسطينية، وحيث أدت معركة الدفاع عن الوجود الفلسطيني في لبنان ووحدة الموقف السياسي والشعبي داخل المخيمات إلى فرض خيار سياسي أكثر وضوحاً لدى بعض فصائل المقاومة ودفعها للخروج من الارتهان لقرار النظام السوري، إلى رحاب الشرعية الفلسطينية المتمثلة بمنظمة التحرير الفلسطينية.
أما لماذا لم تبرز هذه الإيجابيات لتشكل هي نفسها عناوين المرحلة المنصرمة وتؤسس لمرحلة جديدة من النضال الوطني بآفاقها التحررية، فلأسباب عدة، أبرزها اختلال ميزان القوى لصالح القوى المعادية لوحدة لبنان وعروبته وديمقراطية الحياة السياسية ولغياب العامل العربي الذي يستطيع أن يعدل ميزان القوى على الساحة اللبنانية لصالح الخط التوحيدي والتحريري. وإذا كانت هذه الإيجابيات أجهضت بعض نتائجها والبعض الآخر يركز عليه للإجهاض، فلان الساحة الداخلية افتقرت اساساً ومنذ الاجتياح إلى مشروع سياسي وطني، ولما أخلى الساحة لمشاريع طائفية ومذهبية تقدمت لملء هذا الفراغ. كما أن عدم توافق اللبنانيين عبر فعالياتهم السياسية على قواسم مشترك من أدوار القوى التي تريد إبقاء الساحة اللبنانية ساحة مفتوحة لتأثيراتها الأمنية والسياسية، جعل تلك القوى معدومة القدرة على التقرير بحد أدنى من استقلالية القرار السياسي، وبما جعل مواقفها مطواعة لهذا الفريق أو ذاك، وكانت النتيجة ما آلت إليه الأوضاع من تدهور وتردي على الصعيد المختلفة.
وحتى لا تبقى الساحة اللبنانية أسيرة هذا الواقع السلبي المرير، وحتى لا تجهض الإنجازات النضالية والمؤشرات الإيجابية التي برزت مؤخراً في سياق الوعي المتأخر للمخاطر المهددة للمقومات الوطنية، فإن الأمر يتطلب وفي هذه المناسبة استنهاضاً وطنياً، ينطلق أساساً من زيادة حجم المساهمة الوطنية في المقاومة الوطنية، وتطوير العلاقة بين أطرافها الوطنيين إلى الحد الذي يمكنهم من أن يكونوا محور الاستقطاب الأساسي في مواجهة حالات الاستقطاب الطائفي والمذهبي.
فبوحدة القوى الوطنية على مستوى قرار المواجهة مع العدو وعملائه، تخطو وحدتهم دفعاً إلى الامام على مستوى مواجهة مشروع القوى الطائفية والمذهبية والمعادية لعروبة لبنان ولقواه الوطنية، وتصبح الجماهير الشعبية منشدة إلى مرتكز سياسي جديد يستند عليه سقف البرنامج الوطني. هذا البرنامج الذي يجب أن يكون برنامجاً واضحاً في بعديه التحريري والتوحيدي كما في بعده الديمقراطي. وهنا تكتسب أهمية خاصة تمتع هذا البرنامج بآلية تنفيذية، وحتى يكون ذلك يجب أن يخاطب جميع اللبنانيين وليس فئة دون الأخرى.
إن اللبنانيين اليوم بحاجة إلى خطاب سياسي على المستوى الوطني الشامل، وهم على استعداد لسماع هذا الخطاب بعدما رأوا بأم العين أين أوصلتهم الخطابات السياسية الطائفية والمذهبية. فهم جاعوا حتى الآن من هذا الخطاب لكنهم لا يريدون أن يموتوا من الجوع. إنها مهمة صعبة، لكنها هي المطلوبة، إنها التحدي الوطني الذي يجب خوض غماره اليوم وقبل الغد.
***
الملحق الرقم (46)
حزب البعث: الدعوة لمقاتلة العدو الصهيوني لا تستقيم مع رفع شعار معاداة العروبة
طليعة لبنان الواحد العدد (38) تموز 1987
في الذكرى الخامسة للاجتياح الصهيوني للبنان، أصدرت القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان البيان التالي:
أولاً: تسجل القيادة القطرية للحزب أدانتها وشجبها الشديدين لحادث الاغتيال الذي تعرض له دولة رئيس الحكومة رشيد كرامي. وهي ترى بأن هذا العمل الإجرامي لم يكن يستهدفه لذاته فقط، وإنما لبنان برمته وكل الجهود المخلصة والعاملة من أجل استكمال تحريره من الاحتلال الصهيوني وإعادة توحيده وتحقيق الإصلاحات في نظامه السياسي والاقتصادي. كما تؤكد بأن أسلوب الاغتيالات السياسية والذي أودى بحياة العشرات لا بل المئات من الشخصيات السياسية والقادة الوطنيين والمناضلين من مختلف القوى الوطنية والقومية التقدمية، إنما الهدف منه، ضرب المقومات الوطنية التي يرتكز عليها البنيان الوطني وتعطيل إمكانية استعادة الديمقراطية للحياة السياسية وإغراق البلد في دوامة العنف المتواصل والإرهاب المستمر مادياً ومعنوياً، وأن المستفيدين الوحيدين من ذلك هم أعداء لبنان، أعداء وحدته وحريته وعروبته. ولهذا فإن وضع حد لهذا المخطط الإجرامي والذي الحق أفدح الضر بالقضية الوطنية اللبنانية يتطلب إزالة الأسباب والمسببات التي آمنت مناخات ملائمة للمتآمرين والعابثين بأمن هذا البلد وأمن بنية ومصيرهم الوطني. وأن المدخل لذلك، هو توافق اللبنانيين على القواسم الوطنية، وتوحد جهودهم لمواجهة العدو المحتل لأرضنا والمتربص بنا جميعاً وإقفال كل الشقوق والثغرات التي ينفذ بها دعاة تقويض المقومات الوطنية. فلبنان على ضيق رقعته الجغرافية يتسع سياسياً لجميع اللبنانيين وبوحدته وديمقراطية الحياة السياسية فيه يمكنه أن يلعب دوره في قضايا النضال الوطني والقومي.
ثانياً: توقفت القيادة القطرية أمام التطورات الجارية في الجنوب، وما يقوم به العدو من حشد لقواته في المناطق المحتلة فضلاً عن الحصار البحري المفروض على المرافئ في الجنوب والاستباحة المستمرة للأجواء اللبنانية، فرأت فيها تمهيداً لأعمال عدوانية جديدة واسعة النطاق لتحقيق ما عجز عن تحقيقه حتى الآن، سواء لجهة إجهاض روح المقاومة في نفوس جماهيرنا أو سواء لجهة دفع أهلنا في الجنوب والبقاع الغربي وتحت تأثير سياسة الأرض المحروقة التي يعتمدها، لترك أرضهم والنزوح عنها، ربما يسهل عليه عملية قضمها وهضمها كد أقصى وفرض ترتيبات أمنية كحد أدنى.
وأن من يظن أن العدو الصهيوني قد صرف النظر عن خطته الأصلية التوسعية ضد لبنان، فإنما هو مخطئ في ظنه، لأن ما يحصل على الأرض، إنما يثبت مدى الأطماع التي تراود الكيان الصهيوني بأرضنا وخيراتها ومواقعها الاستراتيجية وأن لا سبيل لردعه وإسقاط مفاعيل استمرار احتلاله وعدوانه المتصاعد والمستمر سوى باعتماد أسلوب المقاومة بأشكالها المختلفة. هذه المقاومة التي استطاعت أن تحدث ارياكاً في صفوفه وتفرض عليه تغيير مواقع قواته أكثر من مرة، هي تعبير عن إرادة الفعل المقاوم لدى جماهيرنا، وهي ثمرة من ثمار النضال الوطني القومي الذي اختمر في نفوس هذا الشعب والذي زرعت بذورها مع فتح براعم الوعي القومي وإدراكه لطبيعة المخاطر التي يجسدها الكيان الصهيوني الاستيطاني على أرض فلسطين.
وإذا كانت المقاومة الوطنية اللبنانية، قد أحيط نضالها بجملة تعقيدات وهي لا تزال طرية العود، فلكي تمنع من أن تأخذ بعدها الوطني التفاعلي الشامل، ولكي لا يتوفر لها الاحتضان القومي الكامل. وأن من بين هذه التعقيدات الأكثر سلبية على نضال المقاومة، هو محاولة على شاكلة معطيات الوضع السياسي الداخلي الذي أغرق في فورات الحالة الطائفية والمذهبية والشعوبية.
فالدعوة إلى مقاتلة العدو الصهيوني مقرونة مع رفع شعار معاداة العروبة، والدعوة إلى مواجهة الاحتلال مقرونة مع التعرض للوطنيين، تصفية، وأبعاداً، لا تستقيم أساساً ومستلزمات المواجهة المطلوبة مع العدو في بعديها الوطني والقومي. وأن بعض العمليات التي تنفذ ضد العدو في ظل هذه المناخات السائدة ومواقف أصحابها وعلى أهمية التضحيات التي تقدم، فإن توظيفها يفتقر إلى البعد الاستراتيجي، ويراد له أن يوظف في سياق التسابق على إبراز الشخصية السياسية للطوائف التي لم تتكون بعد كل مواصفات شخصيتها السياسية.
وهذا النهج بقدر ما يحمل في طياته مخاطر تعميم الممارسة الطائفية على أنشطة العمل السياسي التي لا تزال تقاوم عملية التلوث "بالغبار" الطائفي، فإنه في الوقت نفسه يحمل مخاطر تقديم الجنوب من خلال المنظار الطائفي. وهذا فيه إسقاط لكل التضحيات التي قدمها أبناء الجنوب في معارك النضال الاجتماعي والوطني والقومي وفيه المقتل الفعلي للقضية الوطنية اللبنانية بما هي قضية تحرير وتوحيد ودفاع عن العروبة.
فالجنوب كان ويجب أن يبقى الساحة السياسية التي يتقرر فيها المصير الوطني وأن حمايته من التطييف هي مهمة كل الوطنيين، كما مهمة الأمة العربية. فالجنوب هو إحدى بوابات العبور إلى فلسطين كما يجب أن تكون بوابات الجولان وشرق الأردن وسيناء، وهو بوابة العبور إلى صياغة لبنان الواحد الموحد العربي الديمقراطي. وإن الخطوة الأولى على طريق حماية الجنوب من المخطط الهريب، الذي يتعرض له لا تقتصر فقط على مواجهة تحدي العدو الصهيوني فقط، وإذا كانت القوى الوطنية على مختلف اتجاهات لم تقف جيداً على خطورة ما يجري في الجنوب، فإن لها أن تدرك ذلك، وأن توحد قواها في شطر التصدي للاحتلال، وفي شطر صياغة الموقف السياسي الوطني المشترك.
إن استعادة القوى الوطنية لوحدتها، باتت ضرورة ملحة، سواء لجهة رفع وتيرة هجومية الموقف على العدو والمرتبطين به من جهة وترجمة هذه الهجومية إنجازات ميدانية على الأرض، أو لجهة تقوية المواقع الدفاعية في وجه فورات الحالة الطائفية والمذهبية الداخلية فهذه الوحدة تلغي حالة الفراغ السياسي الوطني ويعود الاستقطاب السياسي والشعبي الوطنيين ليكون ركيزة من ركائز العمل السياسي في لبنان.
ثالثاُ: إن القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان، وهي تؤكد على تحقيق وحدة المقاومة الوطنية اللبنانية، تؤكد أيضاً على أن هذه المقاومة إنما تستقوى بالفعل الوطني الفلسطيني المقاوم للاحتلال الصهيوني في داخل فلسطين المحتلة وخارجها. وهذا ما يفرض أن تكون العلاقة بين المقاومتين علاقة تفاعلية ومرتكزة على أرضية الموقف الوطني ذي الأبعاد القومية. وإن صياغة هذه العلاقة ربما تمكن من رفع الأداء النضالي ضد العدو يتطلب حماية للوجود الفلسطيني في لبنان وتمكينه من ممارسة أنشطته النضالية. وانطلاقاً من ذلك، يجب وضع حد لحرب التصفية التي يتعرض لها الوجود الفلسطيني بفك الحصار عن المخيمات أولاً، وثانياً بوضع اتفاق جديد يوفر المظلة الشرعية لهذا الوجود وبعدما ألغي اتفاق القاهرة. وعلى أن يكون هذا الاتفاق عبر الشرعيتين اللبنانية والفلسطينية وبضمانة عربية شاملة.
رابعاً: إن القيادة القطرية لحزب البعث العرب الاشتراكي في لبنان، وهي تدعو لحشد كل الجهود في مواجهة العدو الصهيوني، تؤكد على ايلاء التحرك على الصعيد الدولي أهمية خاصة، ومن أجل وضع مقررات مجلس الأمن الدولي وخاصة القرارات 425 و508 و509 موضع التنفيذ.
خامساً: إن القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان وهي توجه التحية لشهداء المقاومة ومناضليها بكافة أطرافها، ولشهداء جماهيرنا وصمودهم في الجنوب والبقاع الغربي والمخيمات، تؤكد مجدداً بأن معركة التحرير متلازمة مع معركة التوحيد، فاستمرار الاحتلال، هو استمرار لواقع التقسيم، وإزالة واقع التقسيم، هو خطوة نحو استكمال مسيرة التحرير. ومن لم يساهم في معركة التحرير إنما يساهم في تنفيذ مشروع التقسيم، وهذا المشروع الانتحاري لا يقضي على لبنان فقط وإنما يقضي على أصحابه أيضاً. وإذا كان اللبنانيون قد انقسموا على قضايا عديدة فعليهم أن يتوحدوا على الأقل في مواجهة العدو المصيري وكل من يهدد وحدة لبنان وعروبته. ففي وحدتهم إنقاذ لأنفسهم وإنقاذ للبنان الذي يدفع بخطى متسارعة نحو التآكل.
وإذا كان العدو أراد هذه المناسبة أن تكون مناسبة لعرض عضلاته في البر والبحر والجو تمهيداً لعدوان جديد فعلينا أن نحولها منطلقاً لرفع وتيرة النضال ضده وكل المرتبطين معه وحتى يتحرر لبنان سلامه الوطني ويتأمن لبنيه استقرارهم ورغد عيشهم.
القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان 4/6/1987
***
الملحق الرقم (47) ( )
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية (قوات التحرير) تنعي الشهيد المناضل عبد الأمير مقلد
طليعة لبنان الواحد العدد 39 – آب / 1987
خُطِف المناضل عبد الأمير مقلِّد عن جسر حبُّوش في منطقة النبطية في 10 أيار من العام 1987 في وضح النهار، و وُجِدَ جثة هامدة في بيروت قرب ثكنة الحلو في 30 حزيران من العام ذاته.
ناضل في صفوف قوات التحرير، منذ الاجتياح الصهيوني للأراضي اللبنانية في حزيران من العام 1982، وشارك في التصدِّي لقوات الغزو الصهيونية قبل هذا التاريخ. إعتُقِل في (معتقل أنصار) في أثناء فترة الاحتلال، وقاد العديد من العمليات العسكرية ضد القوات الصهيونية قبل انسحابها، وبعده، من أراضي الجنوب اللبناني. وهو قائد عدد من العمليات ضد مواقع الاحتلال في (سُجُد).
كانت الشهادة، وهو يقاتل العدو الصهيوني، هدفاً له. ولكنه لم يتصَّور في يوم ما أن يكون بينه وبين هذا العدو إلا العدو نفسه. ولكن العمالة للعدو كانت أشد وأدهى، إذ أنها اخترقت صفوف الوطنية والإسلام، وارتدت لبوسهما، لتؤدي دور العدو على الساحة الوطنية لتُنَفَّذ أبشع الجرائم الإنسانية عندما خطفته ثم اغتالته بعد تعريضه لأبشع أنواع التعذيب، التي ظهرت واضحة على جثته قبل إطلاق رصاصة الرحمة على رأسه وصدغه.
إن قوات التحرير، التي قاتلت العدو الصهيوني، منذ أوائل السبعينات متجاوزة كل الشعارات واليافطات والإعلام، ومن منطلق حسن النية لديها، تُنَبِّه كل من يعنيهم الأمر أن العدو الصهيوني، على الرغم من فاشيته ونازيته، لم يستطع-حتى الآن- أن يخطف في الجنوب ويحتفظ بمن خطف في بيروت لمدة شهر ونصف الشهر، ثم يظهر المخطوف مقتولاً فيما بعد.
إن معالجة هذه الظاهرة، الخطيرة على مسيرة التحرير، هي مسؤولية كل من يعنيهم الأمر-في موقع المسؤولية أو في خارج هذا الموقع - لأن طريق التحرير، وطريق القدس لن تبدأ من الجنوب إلى بيروت، بل إن طريقها يمر بعكس هذا الاتجاه. كما أن الطريق الصحيح وجهته الجنوب في وحدة متراصة صلبة واعية الأهداف والوسائل، نظيفة الصفوف والانتماء.
إن قوات التحرير إذ تنعي شهيدها إلى جماهير المقاومة الوطنية…تعاهدهم على السير مهما تكاثرت الحواجز…
في 2/7/1987.
***
الملحق الرقم (48)
الافتتاحية: تحية إلى عبد الأمير مقلد
طليعة لبنان الواحد العدد (39) آب 1987
الحرب التي اندلعت شرارتها الحارقة في الثالث عشر من نيسان لعام خمسة وسبعين وتسعماية وألف، لم تنته فصولها بعد، وهي في كل مرحلة من مراحلها المتعددة تدخل طوراً أكثر خطورة على المصير الوطني وعلى مستقبل العيش المشترك بين اللبنانيين. هذه الحرب بكل إفرازاتها ستبقى راسخة في ذاكرة من قيض له أن يبقى على قيد الحياة، كما ستبقى راسخة في ذاكرة التاريخ اليومي لها.
وطالما الخطر كان شاملاً، أدرك البعض هذا أم لم يدرك، فإن المعاناة كانت شاملة أيضاً. وقلما سلم مواطن من التأثيرات السلبية لهذه الحرب المدمرة. فمن لم يفجع بغال وعزيز، فجع بضياع جني العمر ومن لم يهجر ويشرد، تفرض عليه الهيمنة تحت أشكال ومسميات مختلفة فتصادر حريته ويعتدى على حقوقه وأملاكه، وتنتهك حرماته، ويتعدد أمنه الحياتي والاقتصادي والاجتماعي والسياسي.
أما تهديد الأمن السياسي فقد اتخذ وجهين، الأول تهديد الأمن الوطني من خلال ضرب المقومات الوطنية والتي تتناوب ويتناوب عليها أكثر من طرف وفريق، والثاني تهديد أمن القوى السياسية التي ترى في حماية المقومات الوطنية من وحدة الأرض والشعب والمؤسسات والديمقراطية وعروبة البلد الضمانة الوحيدة التي تمكن لبنان أن يقف على أرضية صلبة في وجه المخاطر التي يجسدها المشروع الصهيوني والقوى المنفذة مباشرة ومداورة لهذا المشروع.
ولهذا فإن الاطراف الضالعة في المؤامرة على لبنان ومستقبل دوره الوطني والقومي كانت تمر حل خطواتها بالشكل الذي يؤدي إلى تمكين ذاك المشروع الخطير من النفاذ، وجعل عملية استعادة الوحدة إلى لبنان أصعب مما يتصوره كثير والتفاؤل. من هنا فإن كل عمل كان يستهدف القوى الحريصة على وحدة لبنان وعروبته وديمقراطية الحياة السياسية لم يكن منعزلاً عن السياق العام الخطر المتآمر على لبنان والقضية الفلسطينية والعروبة في هذا البلد التي ليست شيئاً وافداً وإنما هدية الشعب والأرض وروحية التفاعل الإيجابي مع المحيط القومي العربي.
ضمن هذا السياق استهدفت الوجود الفلسطيني بكل تعبيراته النضالية، وضمن هذا السياق أيضاً استهدفت القوى الوطنية والتي تشكل صمام الأمان لقضية لبنان الوطنية كما للقضية القومية بكل تفرعاتها. وأن يكون حزب البعث على راس لائحة الاستهداف سواءً إذا كانت مركزية الهجمة موجهة إلى الثورة الفلسطينية أم إلى حركة النضال الوطني اللبناني فهذا ليس مستغرباً. لأن حزب البعث هو الحركة السياسية الوحيدة في الوطن العربي حالياً، التي تمتلك مشروعاً سياسياً فكرياً متكاملاً، وانطلاقاً من كون الحل القومي هو الأساس لمعالجة مشاكل الأقطار ومشاكل الأمة، وبدونه لا يمكن إنجاز التغيير الوطني التقدمي ولا حماية هذا التغير، وبالتالي حماية النظام العربي وردع الأخطار التي تهدده سواء كانت من المداخل أو من الداخل.
وإذا كان ما يجري على البوابة الشرقية للوطن العربي يشكل مثالاً ساطعاً على هذه الحقيقة، حيث يقف العراق في ظل ثورة البعث متصدياً لواحدة من أعتى التحديات التي تواجهها الأمة العربية في العصر الحديث، وهو بتصديه وردعه للعدوان لا يصون وحدة العراق وعربته ووحدة نسيجه الاجتماعي فقط، وإنما يصون ايضاً وحدة الأمة ويحمي العروبة، ويؤسس لمرحلة جديدة من النضال القومي العربي التحري.
وعلى سطوع المثال المتجلي في إنجازات الثورة في بلاد الرافدين فإن المثال يسطع في لبنان، حيث تواجه العروبة تحديات يجسدها ائتلاف القوى المعادية لتطلعات الأمة العربية وأهدافها التحررية. وإن استهداف المناضلين الوطنيين عامة والبعثيين خاصة هو حلقة من حلقات التصعيد التآمري ضد بلبنان والثورة الفلسطينية وكل قضايا النضال العربي.
وهذا التصعيد لا يشكل خطراً على فئة سياسية وإنما هو جانب من الخطر على المصير الوطني، طرداً على القومي برمته. وإلا ما معنى أن يلاحق البعثيون، فيعتقلون، ويعذبون ويشردون، من منازلهم، وإلا ما معنى أن تتم بين الفترة والأخرى أعمال تصفية لمناضلين كانوا طليعيين في مواجهة العدو الصهيوني ومقاومة الاحتلال وفي كل أنشطة المقاومة والنضال الجماهيري.
لماذا يخطف الرفيق عبد الأمير ويعذب ومن ثم تجري تصفيته وآثار التشويه بادية عليه. أليس لأنه قاوم ويقاوم الاحتلال. ومن قاوم ويقاوم الاحتلال، فهو إنما يعمل لاستكمال تحرير الأرض من الاحتلال وإعادة توحيدها وبما توفر له من إمكانات.
والرفيق عبد الأمير مقلد الذي اغتاله القوى المرتبطة بالعدو الصهيوني هو تلميذ من المدرسة السياسية التي خرجت مئات وآلاف المناضلين، منهم من استشهد ومنهم من يستمر بالنضال على طريق تحقيق أهداف الأمة العربية.
والرفيق عبد الأمير مقلد الذي تفتحت براعم حياته على حب الأرض وتعلق بها، وهو في ربيع الحياة، لأن القوى المغالية في عدائها للوطنية والعروبة لم تستطع أن تحتمل نمو هذه الغرسة التي ضربت جذورها في عمق الأرض، والتي رويت بعرق المناضلين ودم الشهداء، فأسرعت للنيل منها وهي في ريعان العطاء.
إن يد الغدر والعمالة التي امتدت لتطال من مناضل نذر حياته لقضايا شعبه وأمته، لن تذهب دماؤه هدراً، ولن تكون تضحياته دون ثمن. فهو في استشهاده أقوى من كل الجلادين واقوى من كل الخونة، ولو لم يكونوا خائفين منه، لما اقدموا على خطفه وتصفيته جسدياً.
فالشهيد حي باق في ضمير رفاقه وشعبه، وباق في سفر الخالدين وهاهم كل الشهداء الذين سقطوا على دروب النضال، دائمو الحضور، يحرضون على الثورة بمناقبيتهم ومآثرهم، يقتدي بهم جيل من تربى على العصامية والحياة مع الكرامة.
والرفيق عبد الأمير مقلد، هو واحد من الجيل الذي لم ينقطع عن ترداد الشعر المقاوم، "شعر هنا باقون كالصخر لن تبرح"، شعر شهيد البعث، شهيد المقاومة، شهيد الجنوب والوطن. وإذا اغتالوه لعبد الأمير، فلانهم أرادوا أن يغتالوا مجدداً روح المقاومة في عبد الأمير حلاوي الذي غناه أبو زياد وسمع صداه أبناء الجنوب.
فتحية لك، أيها الرفيق الشهيد، فأنت قوي في استشهادك، كما كنت في حياتك. أنت كنت القوي وهم الضعفاء، أنت كنت الشجاع وهم الجبناء، أنت كنت تواجه العدو وهم غدروا بك، وبالغدر يعرف الجبان، قبلك غدروا بابي زياد لسبع سنوات خلت، لأنهم أدركوا أنك خير تلميذ لخير أستاذ. لكن ما اكن القدر والتآمر يوماً إلا حالة مرضية هي أعجز من أن تتحكم في بنية الجسم السليم. وإن القضية التي استشهد من أجلها "ابو زياد" و"أبو علي"، و"عبد الأمير" وكل الشهداء الأبطال لا بد أن تنتصر وسوف تنتصر.
قتلوني، ثم قالوا، أنت قاتل صادروا صوتي، وقالوا: لا تجادل
ويمينا لن أجادل
باسم قانوني الذي بالنار يكتب باسم تاريخي المعذب
باسم أحقادي القديمة
لن يقيموا بعد هذا اليوم من جرحي وليمة
فأنا آمنت أن الشعب أكبر
من أساطير الهزيمة
وأنا آمنت بالثورة أكبر
أفقها كان رمادياً وصار اليوم أحمر من شعر موسى شعيب
***
الملحق الرقم (49)
الافتتاحية: شعار لتحقيق التوازن الاستراتيجي أم سلوك لتحقيق الخلل الاستراتيجي
طليعة لبنان الواحد العدد (41) تشرين الأول 1987
عظيم جداً أن يتحقق التوازن الاستراتيجي مع الكيان الصهيوني، وهذه المرحلة ضروري الوصول إليها، ليس الكبح مطامع العدو التوسعية فقط، وإنما التأسيس لمرحلة أرقى وأفضل في الحشد الكمي والنوعي لتحقيق الغلبة على مغتصب الأرض ومصادر الحقوق.
كما أنه صحيح جداً، إن "إسرائيل" بما هي تجسيد ميداني لمشروع الحركة الصهيونية لن تنسحب من الأراضي العربية المحتلة في حربي 1967 و 1973 وجنوب لبنان، إلا إذا شعرت أن حشد القوى المقابل بات مهيأ وقادراً على استعادة فلسطين بأكملها. ولذلك فانها تدخل عندئذ التفاوض على قاعدة شروط الانسحاب وليس على قاعدة انتزاع الاعتراف بالاحتلال. أما وهي في وضعها الحالي ليس ما يجبرها على الانسحاب من الأراضي العربية التي احتلت في الحروب التي أعقبت الاغتصاب الأول.
وقد يكون مفيداً الإشارة ولو كان ذلك من باب البديهات، أن العدو الصهيوني ما كان تمادى في صلفه وتعنته لوجوبه بالردع العربي المطلوب. وهذا الردع لا يمكن أن يكون قائماً على أرضيته الطبية إلا إذا كان فعلاً قومياً بمضامينه وابعاده. وبمعنى آخر فإن التصدي للعدو يجب أن يكون مرتكزاً على أرضية الموقف القومي ومن خلال رؤية قومية للصراع ترى في صراع الأمة العربية مع مشروع الحركة الصهيونية صراعاً وجودياً حضارياً محكوماً بعامل التناقض الذي لا تستقيم التسوية فيه كون أحدهما ينفي الآخر بالضرورة والوقائع. فأما أن ينتصر المشروع القومي الوحدوي وأما أن ينتصر المشروع النقيض، مشروع تكريس نهائية التجزئة، لا بل دفع الوضع العربي نحو مزيد من التشرذم والتفتت والتشتت.
وكون المشروع الصهيوني لا يستهدف فلسطين لذاتها فقط، وإنما الأمة العربية في حاضرها ووجودها ورسالتها الخالدة، وأن تقسيم فلسطين وأن كان تقسيماً جغرافيا لها، إلا أنه في أبعاده الفعلية هو تقسيم سياسي للوطن العربي، فإن المواجهة مع هذا المشروع لا تستقيم وتعطي نتائج إيجابية لصالح الأمة، إلا إذا وضعت في سياق مشروع قومي للمواجهة. وإذا كانت الهزائم العسكرية والسياسية قد تلاحقت على الأمة العربية في عقودها الأربعة الماضية، فلان هذه الأمة لم تخض أيا من الحروب بالمنطق القومي والأسلوب القومي والفهم القومي لحقيقة الصراع، بل كانت تخوضه بمنطق القطري والفهم القطري والتجاهل المقصود عن فهم حقيقة الصراع الذي كان يرمي فيه العدو أنه صراع مع الأمة، فيما أقطارها كانت ترى فيه تصادماً موضعياً معها وكل على انفراد.
وتأسيساً على ذلك، جاء بعض المنطق السياسي الرسمي العربي وغير الرسمي ليبرر دخول مفاوضات من العدو على أساس استفراد الجبهات أولاً، وبالاستناد إلى الوقائع التي أفرزتها المواجهة العسكرية ثانياً، والتي كانت في محصلتها ليست في مصلحة الأمة. وكان طبيعياً أن يؤدي ذلك إلى توقيع اتفاقيات كمب ديفيد واستفراد جبهة لبنان والمقاومة الفلسطينية وفرض الصهاينة على الجولان والاستمرار قدماً في تغيير معالم الضفة الغربية وقطاع غزة. والذي شجع العدو على القيام بكل ما من شأنه أن يحقق له مزيداً من القضم والهضم للأراضي العربية، هو معرفته بحقيقة الأوضاع السياسية والنظم الحاكمة في الأقطار المتاخمة لفلسطين المحتلة. فهذه النظم وبدون استثناء أعلنت قبولها الصريح والعلني بالقرارين 242 و338 وطالما هي قابلة بذلك، أنها تتصرف وتتعامل مع القضية الفلسطينية انطلاقاً من مضامين هذين القرارين ورغم كل شعار كعاكس. وطالما أن القرار 242 يرى في قضية الفلسطينيين مجرد قضية لاجئين وليس قضية شعب، له الحق بالعودة إلى أرضه التي طرد منها وممارسة كل حقوقه السياسية، فإن محصلة الجهد الذي تقوم به كل القوى القابلة بالقرار 242 تصب في مصلحة العدو وليس في مصلحة النضال الفلسطيني المفتوح على عمقه القومي وإذا كنا هنا لا نناقش مواقف الدول والقوى العربية لأنها معنية بالدرجة الثانية بالموضوع، فإن ما يهمنا هو موقف بعض الأنظمة العربية التي ترفع شعارات تحريرية كبيرة فيما الوقائع التي تعكس التنفيذ أو الترجمة الميدانية لهذه الشعارات، هي أعمال كبيرة لكن ليس في صورتها الإيجابية وإنما في صورتها السلبية.
من بين هذه الشعارات، جاء شعار التوازن الاستراتيجي والمنطق يقول بأن هذه الشعار كي يتحقق يجب توفر أو السعي نحو تحقيق أوليات لا بد منها. أولى هذه الأوليات، رفض التفاوض مع العدو أيا كانت المبررات والذرائع، لأن مجرد التفاوض معه هو تسليم بأهليته القانونية، وهو تمهيد للوصول إلى اتفاق معه يمنحه حقوق الطرف الكامل الأهلية. أما رفض التفاوض، إنما يبقي الموقف الشعبي والسياسي محصناً ومستنداً إلى مبدئية الحق الذي لا يجوز المساومة عليه. وإذا كانت موازين القوى لا تسمح حالياً بانتزاع الحقوق المغتصبة، فإنه لا يجوز تحت أي شكل من الأشكال التفريط بالحقوق القومية والوطنية تحت حجة أنه ليس بالإمكان أفضل مما كان.
أما ثاني هذه الأوليات، إنما تستند على الأولى، بحيث يقضي رفض القرارات التي تسقط الحقوق القومية، توجها يفضي إلى رفع وتيرة الأداء النضالي لحركة النضال الوطني الفلسطيني أولاً، وحركة النضال العربي ثانياً، وحتى تبقى القضية الفلسطينية قضية حية تعايشها الجماهير العربية في كل جوانبها. وهذا بالطبع يفرض فتح الجبهات أمام الفعل المقاوم للعدو الصهيوني، وجعل المواقع العربية المتاخمة فلسطين والعمق القومي، عمقاً خلفياً للمقاومة.
أما ثالث هذه الأوليات فترتكز على أساس أن الأمن القومي العربي هو أمن واحد غير مجزأ، وأي تهديد لأي قطر من الأقطار العربية، هو تهديد للأمة برمتها، وأن من لا يتخذ موقفاً قومياً من خطر يهدد الأمة ويرتقي في مستواه إلى مستوى الخطر الأساسي، فإنما يكون مسلماً بنتائج تهديد الأمن القومي الناتج عن اغتصاب فلسطين وإقامة الكيان الاستعماري على أرضها.
إن رابع هذه الأوليات، فهي تتطلب في ظروف الوضع الحالي تضامناً عربياً، أن لم نقل فعلاً عربياً في مواجهة التحديات المفروضة من الخارج، كما في مواجهة خلل التوزع غير المتكافئ للثروة القومية على جماهير الأمة العربية.
أما خامس هذه الأوليات، فتطلب إعادة الاعتبار لدور الجماهير العربية في النضال من أجل التحرير والوحدة والتقدم الاجتماعي. وهذا يستلزم تأمين المناخات الضرورية لقدر من الحريات السياسية والديمقراطية وبما يمكنها من ممارسة حقوقها النضالية وطنياً وقومياً.
أما سادس هذه الأوليات، فهي التأكيد على أن مشاكل الأمة الفرعية والأساسية لا تحل حلاً وطنياً، ولا يضمن النجاح لهذه الحلول إلا إذا كانت قائمة على أساس الحل القومي، كون هذا الحل هو وحدة القادر على حشد الجهد العربي حشداً نوعياً موظفاً في الحد الأعلى من الإنتاجية الممكنة وهو القادر على حماية إنجازاته وخطواته في مواجهة حشد القوى المعادية وتحدياتها.
أما سابع هذه الأوليات، فهي التأكيد على الخيار القومي المستقل، بعيداً عن الارتباط بالأحلاف الدولية وحيث يعبر عن ذلك سياسياً بنهج عدم الانحياز وطبعاً بمضمونه الإيجابي.
استناداً على ما تقدم وعلى أساس الأخذ به يمكن القول، بأن الأمور تسير نحو تحقيق شعار التوازن الاستراتيجي، أما إذا كانت الأمور تسير في الاتجاه العكسي، فلا نعتقد أن طرح شعار التوازن الاستراتيجي هو طرح جدي ويراد الوصول إليه أصلاً. فالتوازن الاستراتيجي لا يتحقق إطلاقاً، على أساس القبول بالقرار 242 وكل القرارات المستندة إليه. كما أن التوازن الاستراتيجي لا يمكن أن يرى النور (والتعبير مجازياً) إذا كان جهد الداعين لتحقيق هذا التوازن وقدر كبير من إمكاناتهم موجه ليس لمواجهة العدو أو الاعداد لهذه المواجهة وتسهيل نضال المقاومة، بل لتصفية كل أنشطة حركة النضال الوطني الفلسطيني، تصفية لم تقتصر على جانبها السياسي فقط، وغنما طالت جانبها البشري في أبشع صورة لمجازر التصفية الجسدية التي يتعرض لها شعب من الشعوب.
أما إذا كان الداعون لتحقيق التوازن الاستراتيجي، ينظرون إلى الأمن القومي نظرة مجزأة، ولا يرون أمناً موحداً بحيث إذا تهدد من جانب، تهدد النظام العربي برمته، فإن شعار التوازن الاستراتيجي لا يعدو كونه حين ذاك سوى شعاراً مفرغاً من مضامينه الهدف منه التعمية على الحقائق والاستمرار في سياسة التضليل الشعبي. والأخطر من كل ذلك، أن من يرفع شعار التوازن الاستراتيجي لا يكتفي بالجانب النظري لرؤيته للأمن القومي، بل ينخرط فيه بشكل مباشر، في عمل عدواني يهدد الأمة العربية وبحيث التقى انخراطه هذا مع دور صهيوني كبير في هذا العمل العدواني. وعندما قرر مجلس الجامعة العربية إصدار أدانه بالإجماع للتعاون التسليحي بين الكيان الصهيوني وبين نظام يشن عدواناً على الأمة العربية أبدى صاحب شعار التوازن الاستراتيجي تحفظه على القرار.
وأخيراً وليس أخراً، فإن من يصادر حرية الجماهير، ويقيم نظاماً قمعياً، ويمارس دوراً تخريبياً على الساحة العربية ويعمل لتعطيل أي دور عربي فاعل لمساعدة بعض الأقطار العربية التي تواجه أزمات سياسية حادة، مسقطاً بلك التجسيد السياسي لمضمون الحل القومي لا يمكن أن يكون حقاً عاملاً من أجل تحقيق التوازن الاستراتيجي مع العدو وكل المرتبطين به.
وتأسيساً على ذلك، فإن التوازن الاستراتيجي ليست يافطة إعلامية، ولا عنواناً لمقال سياسي، بل هو سلوك وأداء، يجب ترجمته في القضايا الصغيرة، كما في القضايا الكبيرة. والتوازن الاستراتيجي كي يصار الوصول إليه، فإن الأمر يتطلب نضالاً دؤوباً وعلى أساس أوليات تحقيق هذا التوازن. أما إذا لم يحصل ذلك، فإن الأمر لا يعود عملاً لتحقيق توازن استراتيجي، وإنما خطة ونهج مبرمجين لتحقيق خلل استراتيجي وتثبيت هذا الخلل وبما يخدم العدو وكل حلفائه.
ولهذا فإن الفرق كبير بين من يعمل لتحقيق الخلل الاستراتيجي ومن يعمل لتحقيق التوازن الاستراتيجي، كما الفرق بين من يعمل ويناضل لأجل تحقيق الوحدة، وبين من يعمل لتكريس الانقسام وتفتيت الكيانات الوطنية، وتضليل الجماهير بالشعارات الكبيرة.
ألم تضرب الوحدة تحت شعار تحقيقها؟ ألم تصادر الحريات تحت شعار تأمين مناخات ممارستها؟ ألم تضرب الثورة الفلسطينية تحت شعار حمايتها؟ ألم تدفع الأمور في لبنان نحو تكريس التقسيم الواقعي ويمنع اللبنانيون من الوفاق تحت شعار استعادة وحدة لبنان واللبنانيين؟ ألم يسمح للقوى الشعوبية بشن حملتها الشعواء ضد العروبة تحت شعار حماية العروبة؟
إن كل هذا حصل ويحصل، وعلى أساس هذا النهج وهذه القاعدة، يرفع شعار التوازن الاستراتيجي لتثبيت وتكريس الخلل الاستراتيجي. إنها واحدة أخرى من المفارقات الكبرى.
***
الملحق الرقم (50)
هل السادس عشر من أيلول كان بداية لانطلاقة المقاومة الوطنية اللبنانية؟
طليعة لبنان الواحد العدد (41) تشرين الأول 1987
درج الحزب الشيوعي اللبناني، ومنظمة العلم الشيوعي في لبنان على الاحتفال كل عام في السادس عشر من أيلول، بالذكرى السنوية لانطلاقة المقاومة الوطنية اللبنانية، وقد اعتبر هذان التنظيمان أن البيان المشترك الذي أعلنه كل من جورج حاوي ومحسن إبراهيم في نفس اليوم والشهر من عام 1982، هو البلاغ رقم واحد لانطلاقة المقاومة في وجه العدو الصهيوني وقد اعتبر أنه البيان الرائد، أو أنه البيان التاريخي والخطير في وجهة نظر التنظيمين.
إن هذا الاعتبار الفئوي، أن دل على شيء، فإنه يدل على نرجسية سياسية تغفل أو تتغافل عن أدوار الآخرين، وهي سياسة أن كانت تصب في خانة المصلحة الآنية فإنها في منظور التاريخ لن تصب إلا في خانة التضليل والتزوير لتاريخ الحركات التحررية، وفي تاريخ الظواهر المشرفة في حياة الأمم.
هل فعلاً أن المقاومة الوطنية اللبنانية هي مقاومة انطلقت من البلاغ رقم واحد؟ البلاغ الذي صدر عن جورج ومحسن في 16 أيلول 82؟
إن كان إصدار بيان هو سبب فعلي لخلق الظواهر فلماذا لم يكن بيان الحركة الوطنية اللبنانية في 6/6/1982 هو البلاغ رقم واحد حيث دعا البيان إلى "القتال من غير حدود دفاعاً عن أرض الوطن"؟
فلماذا لم يكن ما جاء في مجلة الطريق في نيسان 1978 ص4 عن التصدي لقوات الغزو الصهيوني في 16 آذار 1978 عبر "المقاومة التي شكلت نوعاً من المعجزة "هو الانقلاب المنشود.
ولماذا لم يكن ما جاء في مجلة الطريق في آب 1975 ص 3 عن تصدي كفركلا للعدة الصهيوني و"عندما أطلق على مقاومة كفركلا للعدوان الإسرائيلي صفة الملحمة، لم يكن ذلك من قبيل المبالغة". إنه قرار واعداد تاريخي لم يسبق لهما مثيل إلا في معركة الكرامة.
فلذلك وعندما نتوجه بالنقد إلى ما حاول الحزب الشيوعي ومنظمة العمل بوصف ما يعلنانه بأنه نرجسية سياسية ليس إلا لأن القانون العلمي يؤكد على الارتباط الوثيق بين الظواهر الاجتماعية أو السياسية وبين مقدماتها، لأن أية ظاهرة لا تنتج عن فراغ، فكان حرباً بالحزب الشيوعي اللبناني أن يعتبر تلك المحطات التي كتب عنها في مجلة الطريق ووصفها تارة بالمعجزة وطوراً بالملحمة، أو إحداهما بأنها البلاغ رقم واحد.
وهكذا فالمقاومة الوطنية اللبنانية سبقتها عوامل وأسباب لا يتسع المجال هنا لتحليلها، قد تكون التواريخ التالية مؤشراً عليها ومثالاً، وليس للحصر، وأن بعضها قد سقط فيها شهداء لحزب البعث العربي الاشتراكي وجبهة التحرير العربية:
- معركة حلتا في أواخر آب 1969 وسقط فيها الشهيد حسين علي قاسم.
- معركة العرقوب 22/5/1970 استشهد فيها محمد ذيب الترك، أحمد سالم هوشر، سمير حمود.
- معركة الطيبة 1/1/1975 وسقط فيها الشهداء الثلاثة من آل شرف الدين.
- معركة كفركلا في تموز 1975.
- معركة كفركلا في 27/11/1975 التي سقط فيها الشهيد عبد الأمير حلاوي.
إن تحديد انطلاقة المقاومة في 16/6/1982 والتغافل عن المجابهات الفعلية السابقة مع العدو الصهيوني المذكورة أعلاه، أو التي أنجزتها المقاومة الفلسطينية، أو القوات المشتركة الفلسطينية - اللبنانية قبل عام 1982، والقتال المشرف منذ بداية الغزو الصهيوني في 4/6/82 وسقط فيها للعدو وحتى 15/9/1982، 337 قتيلاً من جيش العدو وباعترافاته الرسمية، لن تستطيع إلا أن نوجه إلى هؤلاء أنهم يزورون تاريخ شعب بأكمله قدم الدم والروح ليختصروه ببيانهم الذي اقنعوا أنفسهم بأنه البيان التاريخي والرائد، ونحن نرد عليهم أن ثورات العالم لم يصنعها بيان. فهم يبدأون بالقراءة من السطر الأخير ونلفت أنظارهم أن القراءة تبدأ من السطر الأول.
***
الملحق الرقم (51)
أصالة المقاومة في أصالة فكرها
طليعة لبنان الواحد العدد 43 – كانون الأول / 1987
إن حزب البعث العربي الاشتراكي، وبفعل إدراكه المبدئي، "لوحدوية وقومية" النضال ضد العدو الصهيوني ولأولوية هذا النضال شرطاً أساسياً للوحدة القومية المنشودة، انخرط في الصراع ضد العدو جنباً إلى جنب مع المقاومة الفلسطينية منذ انطلاقتها الأولى. ولهذا فقد عمل الحزب كذلك على بناء تجربته الذاتية في القرى الجنوبية المحاذية لحدود فلسطين المحتلة منذ أواخر الستينات.
وكانت تلك التجربة تستند إلى تدريب وتسليح البعثيين في تلك القرى للقيام بحراسات سرية للدفاع عن قراهم ضد أي اعتداءات تتعرض لها من قبل الصهاينة.
إن تلك التجربة الأولى في المقاومة الوطنية اللبنانية قد حازت على قناعة أبناء تلك القرى الذين انخرطوا جنباً إلى جنب مع البعثيين في حمل السلاح والقيام بالحراسات الليلية.
إن هذه التجربة قد أثارت هلع العدو الصهيوني الذي اعتبرها اختراقاً "لحزام الأمن الفكري" الذي زرعه مستنداً إلى استراتيجية التفتيتية. ولهذا السبب تكررت اعتداءته على قرى الجنوب لاحباط تلك الولادة الخطيرة للعمل الشعبي المقاومة في صفوف اللبنانيين وكان يواجه في كل اعتداء من قبل البعثيين الذين انزلوا الخسائر في جنوده.
وكان الاعتداء الأول على قرية "الطيبة" الجنوبية في 1/1/1975 حيث سقط علي وعبد الله وفلاح شرف الدين شهداء وهم يحتضنون بنادقهم.
وتكررت الاعتداءات على قرية "كفركلا" في تموز عام 1975، وكذلك في 27/11/1975 حيث سقط عبد الأمير حلاوي شهيداً محتضناً وسام زيادته لأول تجربة لبنانية قادها في الكفاح الشعبي المسلح، لكي يتابع رفاقه الدرب ويسقطون شهداء في مقاومة العدو، نذكر منهم من استشهدوا في أشهر كانون الأول وكانون الثاني:
- علي نمر القماطي استشهد في 1/12/1981 أثناء مواجهة قوة كوماندوس للعدو تسللت إلى تولين.
- محمد ذياب استشهد في 2/12/1983 في معتقل أنصار بعد اعتقاله.
- ناصر الجمال استشهد في 7/1/1984 أثناء قيامه بعملية في منطقة نهر الأولي.
- ناجي قنبر استشهد في 29/11/1985 أثناء قيامه بعملية في تلال سجد.
لكم يا شهداء البعث بمناسبة استشهادكم ألف تحية من رفاق لكم ما زالوا يتابعون المسيرة.
يا شهداء البعث قد جمعتكم الهوية القومية العربية حول فلسطين "فلسطين كل العرب"، لأن العدو الذي احتل فلسطين هو "عدو كل العرب".
قد أعدتم إلى ذكرتنا، أن كل "حواجز الأمن" وكل أحزمة الأمن، لن تكون عائقاً أمام "وحدوية" القوميين.
لقد اخترقتم منذ أن اعتنقتم فكر البعث "أحزمة الأمن الفكرية" التي حاول العدو أن يزرعها في أذهان اللبنانيين لحماية مشروعه الاستراتيجي، والتي حاولت، أن تزرعها "القطريات" و"المحليات" وما زالت، لحماية كياناتها الهزيلة.
أيها البعثيون أن من له المقدرة على اختراق :أحزمة الأمن الفكرية "المزروعة حول الكيانات القطرية والمحلية والكيانات الغاضبة، لن تكون "أحزمة الأمن العسكرية" منيعة أمامه، مهما تعددت ومهما تلونت.
***
الملحق الرقم (52)
حتى لا تصبح التجربة حلماً
طليعة لبنان الواحد العدد 44 – كانون الثاني / 1988
إن المواقف المتعددة التي تتفاعل داخل حركة المقاومة الوطنية لبنانية لم تقف عائقاً في وجه تنامي العمليات ضد العدو الصهيوني لأنها تحمل جميعها جامعاً مشتركاً وهذا الجامع يعتبر الحد الأدنى الذي يتفق عليه الجميع يتمثل بطرد العدو من الأراضي اللبنانية المحتلة دون قيد أو شرط.
وحتى لو اتفقنا جدلاً، بأن الحركات الثورية تعمل لتحقيق استراتيجيتها على مراحل، نستطيع أن نعتبر المرحلة الأولى في استراتيجية التحرير القومي تختصر الآن في التركيز على طرد العدو من الأراضي اللبنانية المحتلة، فماذا أعددنا لهذه المرحلة؟ وما هي الأغراض التي حققتها حركة المقاومة الوطنية اللبنانية وما هي الأغراض التي عليها تحقيقها لإنجاز الحد الأدنى؟
لا شك بأن المقاومة الوطنية اللبناني قد حققت انجازاً مرحلياً مهما وذلك عندما استطاعت أن تفرض انكفاء على العدو، لم تستطع كل مراحل الصراع معه حتى الآن من تحقيقه، ولكن أين يصب هذا الإنجاز في هذه المرحلة.؟
على الحركات الثورية أن تعمل للمحافظة على إنجازاتها، ضمن خطتها الاستراتيجية لأنها بذلك تكون قد اختصرت مراحل في خطتها لتنتقل للمراحل التي تليها وبالتالي كي تؤمن الزخم المعنوي لمناضليها وتمدهم بآمال النصر، الوقود الضروري للمناضلين.
فهل استطاعت المقاومة الوطنية اللبنانية وتحديداً أطرافها أصحاب التوجه الوطني المحافظة على ما تحقق من إنجازات؟
إن التيار الوطني والقومي داخل حركة المقاومة الوطنية اللبنانية لم يستطع المحافظة على الإنجازات التي تحققت، لأن هذا التيار لم يخطط استراتيجياً لمعركته فهو في هذا الإطار قد اصبح في مستوى الحركات الظرفية، ولكن كيف؟
هناك على الأقل ثغرتان بارزتان:
الثغرة الأولى: إن التيار الوطني والقومي داخل حركة المقاومة قد خضع – بالترغيب – والترهيب – لقيادة الحركات الظرفية، لأنه قد تنازل عما حققه من إنجازات مرحلية لصالح قيادة حركة "أمل" وأن هذا التنازل قد يجر إلى تنازلات أخرى.
وأن خطورة هذا التنازل تتمثل بأن إعطاء القيادة لعمل مشترك لا يكون فرضاً واضطهاداً أو افتعالاً واستعراضاً، بل هو فعل طوعي تمارسه الأطراف الأخرى عن قناعة سياسية ومبدئية على أن هذا الطرف قادر على القيادة. إن إعطاء القيادة إلى طرف غير مهيأ فكرياً وسياسياً وتنظيمياً يساهم بشكل فعلي في تراكم عوامل التفتت والتنافر على حساب عوامل الوحدة والتجاذب، وهذا عامل أساسي من عوامل إجهاض أية ثورة.
الثغرة الثانية: إن الوطنيين الذين كان لهم دور متقدم في الكفاح الشعبي المسلح ضد العدو الصهيوني لم ينعموا بعد بحلاوة النصر لأنهم الآن وفي المناطق المحررة، فهم أما ملاحقون أو مقموعون، وأما أنهم يعانون خارج مناطقهم وبيوتهم، لأنه محظور عليهم العودة إليها بقرار من القوى المذهبية والفئوية التي فرضت نفسها رائدة وقائدة للمسير تحت سمع وبصر بعض أطراف التيار الوطني.
ومن هنا نرى، وفي ظل غياب الرؤية الاستراتيجية لقيادات حركة المقاومة الوطنية اللبنانية، إن هذه الحركة ما زالت تعمل على أسس تكتيكية قصيرة المدى، تتراوح بين الكسب الفئوي السريع على صعيد العمل ضد العدو وبين لهاث بعض قيادتها للحصول على مواقع صورية في تركيبات سياسية صورية.
إن ظاهرة المقاومة الوطنية اللبنانية، الظاهرة التي انحنى لها شعبنا اللبناني وشعبنا العربي تكريماً واجلالاً مهددة، لأن تصبح حلماً جميلاً مر من أمام عيوننا كالسراب، إذا لم يبادر كل المخلصين إلى الارتقاء بها من مستوى التكتيك إلى مستوى الاستراتيجية، لتنطلق من تحرير الجنوب إلى مستوى المشروع السياسي الوطني الذي يضمن وحدة لبنان كله.
وحتى لا يبقى عنوان "جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية" بلا محتوى تنظيمي وتبقى مطية لرغبات المتسلقين والانتهازيين الذين ركبوا موجتها بعدما أثبتت فعاليتها، وحتى لا يبقى مناضلو حركة المقاومة الوطنية اللبنانية غرباء عن الأرض أو على الأرض التي حرروها.
وحتى لا يتحول المناضل إلى حامل أمر مهمة تحت وصاية من ستخدمون ويستغلون دماء الشهداء وجهد المناضلين، تكتيكاً لتحقيق مآرب فئوية.
وحتى لا تتقوقع هذه الظاهرة الاستراتيجية في إطار تكيتيكي ضيق يعجز عن تحقيق الطموحات الوطنية.
استناداً لكل ذلك، فإن المقاومين الذين انخرطوا في هذه الظاهرة من رؤية استراتيجية قادة وقواعد مدعوون اليوم قبل الغد إلى الاتفاق على صيغة جبهوية متكاملة ذات محتوى تنظيمي وسياسي كضمان أساسي لاستمرار مسيرة حركة المقاومة اللبنانية، وتحويلها بالفعل إلى "جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية".
***
الملحق الرقم (53)
حزب البعث: وجوب ارتقاء الموقف الداخلي إلى مستوى التحديات
طليعة لبنان الواحد العدد 45 – كانون الثاني / 1988
أكدت القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان على وجوب ارتقاء الموقف الداخلي إلى مستوى التحديات التي يشكلها الخطر الصهيوني على لبنان بكل مقوماته الوطنية. جاء ذلك في تصريح لمصدر مسؤول في القيادة القطرية. هذا نصه:
إن العدوان الصهيوني على مخيم عين الحلوة وساحل الشوف، ليس أمراً مستغرباً ولا مفاجئاً، سواء استهدف القصف والتدمير أماكن تواجد جماهير فلسطينية وأماكن سكنية لا تواجد فيها لمقاتلين من فصائل المقاومة. فالعداونية الصهيونية هي خط ثابت، تستهدف الوجود الفلسطيني بكل تعبيراته، كما لبنان بمقوماته الوطنية. وأن ما حصل مؤخراً ليس إلا واحداً من الشواهد الحسية لوحدانية النظرة الصهيونية للبنان وفلسطين وأن تلاوين المواقف لا تغير من حقيقة المخطط الصهيوني وتمرحل خطواته التنفيذية. فالغارات التي أودت بحياة عشرات الشهداء من المدنيين بمن فيهم الأطفال، هي دليل جديد على عنصرية العدو وعدائه المطلق للجماهير الشعبية من فلسطينية ولبنانية على السواء. وإذا كان حاول إظهار عمله العدواني بأنه رد على العملية التي استهدفت أحد معسكراته في الجليل المحتل، فهذا ليس إلا تبريراً واهياً لاستمرار أعماله الارهابية عله بذلك يؤثر على الحالة النضالية التي تعبر عن نفسها بتصاعد المقاومة الوطنية اللبنانية ضده في الجنوب والبقاع الغربي وفي الانتفاضة الشعبية العارمة في فلسطين المحتلة.
وإذا كان العدوان الأخير قد طال عين الحلوة وبرجا والجيه، فإنه في المرات القادمة سيطال عمق الجبل والبقاع والشمال وكل المخيمات في لبنان، وهو قد طالها في السابق واستناداً إلى نفس التبرير والمنطق اللذين برر بهما عدوانه الأخير.
إن القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان، ترى في ما تعرض له ساحل الشوف وعين الحلوة، استمراراُ لواقع الاحتلال المباشر وغير المباشر وشكل من أشكال التدخل لتدعيم هذا الاحتلال. وأن عملاً يندرج في هذا السياق وواضح بما فيه الكفاية بأبعاده واستهدفاته الأساسية، لا يواجه فقط بالاستنكار والشجب والادانة، بل الرد العارم وباللغة التي يفهمها العدو.
وهذه اللغة عنوانها، تعبيران: موقف سياسي، واحد من العدو الصهيوني وما يجسده من خطر مصيري، ورفع وتيرة الأداء النضالي عبر أنشطة المقاومة المختلفة، ولجعله يدفع الثمن غالياً مقابل استمرار احتلاله للأرض العربية في لبنان كما في فلسطين وأقطار عربية أخرى. وعلى هذا الأساس، فإنه بقدر ما هو مهم تصعيد المقاومة ضد العدو، فإنه مهم ايضاً، ارتقاء الموقف الداخلي اللبناني إلى مستوى التحديات التي يشكلها الخطر الصهيوني. فهذا هو المدخل الصحيح، وهذا هو المدخل الوطني، لايجاد الأرضية اللازمة التي يرتكز عليها الفعل المقاوم للاحتلال، وحتى يشعر اللبنانيون كل اللبنانيين، بأنهم مستهدفون من العدو وأنهم معنيون بمواجهته. فوحدة لبنان لا تستقيم دون تحريره من الاحتلال الصهيوني، وعروبته لا تصان دون إسقاط كل التأثيرات الصهيونية وكل أشكال التدخل الأجنبية الرديفة لها ولا ديمقراطية للحياة السياسية دون مشاركة شعبية ووطنية شاملتين في التصدي للاحتلال وكل أشكاله المقنعة.
إن تطويراً للموقف الداخلي باتجاه مقاومة شاملة، هي الرد الطبيعي على ما قام به العدو وبما يمكن أن يقوم به في المستقبل من استهداف لجماهيرنا في الجنوب والجبل والبقاع، وللجماهير الفلسطينية، وهي التعبير الحي عن التفاعل القومي مع الانتفاضة البطولية في فلسطين المحتلة. وإذا كان العدو يعتقد أن تصعيد ارهابه وقمعه ومحاصرته للقرى واغاراته على الاحياء والقرى والتجمعات السكنية يمكن أن يجهض إرادة المقاومة، فإن الرد على هذا الاعتقاد هو ما تشهده الضفة الغربية وقطاع غزة وعموم فلسطين المحتلة، وما تشهده أرض المواجهة في الجنوب والبقاع الغربي ضد العدو والقوى المرتبطة به.
بيروت في 4/1/1988
***
الملحق الرقم (54)
الرافعي: لبنان يتسع للجميع ووحدة لبنان لم تعد قادرة على الصمود بالعناصر الداخلية
طليعة لبنان الواحد العدد 45 – شباط / 1988
أجرت مجلة النهار العربي والدولي مع الرفيق أمين سر القيادة القطرية النائب الدكتور عبد المجيد الرافعي مقابلة حول الأوضاع اللبنانية،الفلسطينية،والعربية. وقد نشرت المقابلة في الثامن عشر من كانون الثاني.
وفيما يلي نص المقابلة كما قدمها مندوب المجلة السيد إبراهيم عبده الخوري: نقتطع منها ما له علاقة بمقاومة العدو الصهيوني
* لعبت إسرائيل الدور الأخطر والادهى في تفكيك لبنان وضرب وحدته. فمتى ينكفئ هذا الدور؟ وكيف تنظر إلى دور القوى السياسية الحالية العاملة في لبنان لمجابهة إسرائيل ورد فطرها؟
- إسرائيل لعبت ولا تزال الدور الأخطر في تفكيك لبنان لأسباب أهمها أن لبنان هو مدخل المشروع الصهيوني سياسياً وجغرافياً، كما انه يشكل بتركيبه وتعايش أبنائه نقيضاً موضوعياً للتركيب المجتمعي الصهيوني. وإذ يستفيد العدو الإسرائيلي من ضعف التماسك الوطني في لبنان، فإنه يهدف إلى دفع عملية التناحر الداخلي إلى حدها الأقصى وجعل حدود المناطق حدوداً للطوائف كاختبار لحظته الرامية إلى إعادة صوغ الأوضاع على الأسس الطائفية والمذهبية.
- كيف ينكفئ هذا الدور؟
- هذا الأمر يتطلب وعياً وطنياً شاملاً لمخاطر الدور الصهيوني، وإدراكاً عميقاً هو أن العدو ليس مع طرف ضد آخر إلا بما يخدم هذا الطرف أو ذاك مشروعه. فإسرائيل عدوة كل اللبنانيين على اختلاف طوائفهم، وهي تريد أن يكون الجميع "عدة الشغل" لتحقيق أهدافها الاستراتيجية. أما ترجمة هذا الأمر فتقضي بانخراط الجميع في معركة تحرير لبنان من الاحتلال الصهيوني المباشر والمقنع. وبهذا تترابط عملية التوحيد مع عملية التحرير.
* وهل تكفي جهود اللبنانيين لتحقيق ذلك خصوصاً أننا نعرف ما يحوط بلبنان من ظروف وتعقيدات في مشكلته؟
- العدو هو عدو الأمة، والخطر عليه خطر على الأمة. وهذا ما يترتب وضع أزمته في سياق بعدما القومي الحقيقي، وتوظيف إمكانات تكون قادرة على تحقيق التوازن. وهذا ما يؤكد مرة أخرى وجهة نظرناً بأن لا حل لأزمة لبنان خارج إطار الحل القومي، الحل الذي يمكن لبنان من استعادة وحدته وسيادته وحماية عروبته.
* كيف تقيـم دور القومي السياسية الحالية العاملة في لبنان في مجابهة إسرائيل ورد خطرها؟
- أن دور القوى السياسية الحالية العاملة في مجابهة إسرائيل هو على أهميته لدور النضالي الذي تضطلع به، وعلى التقدير الكبير للتضحيات التي تقدمها، فإنما لن تستطيع أن تحقيق توازناً مع قوى العدو وشبكة علاقاته، علماً أن بعض هذه القوى يعتمد الأسلوب الاستعراضي والبعض الآخر محكوم بخلفية العداء للعروبة. وقد ثبت ويثبت يومياً أن من يكون معادياً للعروبة لايكون صادقاً في عدائه للصهيونية. فالصراع مع الصهيونية هو صراع قومي أولاً وأخيراً. وأمام استمرار الفئوية في الفعل الوطني المقاوم للاحتلال وعدم القدرة على بلورة صيغ جبهوية، فإن النتائج لن تكون في مستوى ما يمكن أن يحصل لو كان الجميع يقامون في إطار واحد. ويبقى كما أشرت وجوب أن تحتضن معاناة لبنان يومياً وتحتضن معها كل الظواهر الإيجابية ومنها ظاهرة "المقاومة الوطنية".
***
الملحق الرقم (55)
بيان قوات التحرير – المقاومة الوطنية اللبنانية
بمناسبة الذكرى الثالثة لانسحاب قوات العدو الصهيوني من بعض مناطق الجنوب
طليعة لبنان الواحد العدد 46 – آذار / 1988
إن المحطات التاريخية في حياة الشعوب، هي استراحة لهذه الشعوب كي تقف عندها في موقف المتأمل والباحث عن عناصر القوة والضعف في مسيرتها.
وعلى هذه الشعوب أن تعمل لأن تكون أية محطة تاريخية نقطة إنطلاق جديدة لمحطات تاريخية أخرى وأن لا تقف جامدة عندما حققته من انتصارات جزئية، لأن النصر الحقيقي هو الانتصار الكامل الشامل ولن يكون أبداً دون الأهداف الحقيقة الكاملة للشعوب المكافحة في سبيل أرضتها وكرامتها.
فالأرض هي كل لا يتجزأ، والكرامة كذلك لا تتجزأ.
إن ما ينتقص من السيادة على الأرض، ليس إلا احتلال من غاز أجنبي، أما الذي ينتقص من الكرامة فقد يكون أحد اثنين أو كليهما معاً، أما غاز أجنبي، وأما مهيمن محلي.
إن فرض الانكفاء على العدو الصهيوني عن بعض مناطق الجنوب هي محطة بارزة في تاريخ لبنان وغذ تأتي الذكرى الثالثة لهذا الانكفاء، لا بد من اعتبارها استراحة علينا أن نقف عندها مسترشدين بها.
من هذا المنطلق، نقف أمامها والسؤال يرتفع، ماذا حققنا نحن فصائل المقاومة الوطنية اللبنانية من قفزات بعد مرور ثلاث سنوات على هذه الذكرى؟ هل نحن فعلاً قد عددنا لإنجاز محطة تاريخية أخرى في تاريخ الكفاح الشعبي المسلح الذي نخوضه ضد الصهيونية؟
إذا كنا في مستوى الجرأة الثورية، فليس أمامنا إلا أن نكون ثوريين على أنفسنا أولاً، وعلى الثورى أن يكتشف نفسه أولاً موطن الخلل.
نحن كفصائل نضع إحدى التجارب العظيمة في تاريخ أمتنا العربية على الساحة اللبنانية، فالتجربة واحدة ضد عدو واحد، والفصائل متعددة فأي منطق هو هذا؟
التجربة واحدة إذن عليها أن تصهر أية تعددية كانت في وحدة نضالية متراصة فأين نحن من هذه الوحدة النضالية؟
لو كانت الوحدة قائمة، لما أصبحت الثغرات في مسيرتنا ملكاً للإعلام، بل لكان الواجب أن تدرس هذه الثغرات في المؤتمرات الداخلية وليس خارجها.
أولى هذه الثغرات، أن الدرس الأساسي والأهم في مسيرة تجربتنا كانت الوحدة النضالية التي مارسها المناضلون المقاتلون خلف خطوط العدو دون برامج تنظيمية مسبقة وهي التي فرضت الانكفاء على قواته عن بعض مناطق الجنوب في 16/2/1985.
كان المقاتل إلى أي حزب انتمى يتطلع إلى إنزال الأذى في صفوف العدو دون التفكير في أي كسب فئوي لحزبه، ودون التطلع إلى أية صيغة إعلامية في نشر النبأ عن العملية التي ينفذ.
أما صورة اليوم، فإن الوحدة النضالية قد تحولت، إلى مقاتل يلاحق مقاتلاً آخر كان معه في نفس الخندق، والى تنظيمات يلاحق الواحد منها التنظيمات الأخرى، والى بيان فئوي يلاحق بياناً فئوياً آخر، والى صحيفة تلاحق صحيفة أخرى، والى دار إذاعة تزاحم الدور الإعلامية الأخرى.
باختصار لقد تحول المقاتلون والفصائل المقاتلة إلى ساحة لتناحر الداخلي على حساب القتال ضد العدو.
وحتى العمليات التي تنفذ ضده اليوم، يستخدمها الفصائل والأفراد لترجيح كفة سياسية على الأخرى في الصراع الداخلي لحساب هذا التنظيم أو ذاك، أما لاستخدامها لكسب سياسي وأما لفرض هيمنة فصيل على آخر، وأما لتكريس قيادة هذا الفصيل أو ذاك على الفصائل الأخرى.
وتأتي هذه الثغرات فيما يختص في مسألة تأمين عوامل الصمود الاقتصادي والاجتماعي للمواطنين – الوجه الآخر لمقاومة العدو – فإنما يحاول كل فصيل أن يعمل بمفرده مصطحباً في توزيعه لبعض المساعدات كاميرات الصحافة والفيديو والتلفزيون، وهذا بحد ذاته تفتيت للجهد الاقتصادي والاجتماعي يترافق مع التفتيت السياسي الذي تشهده الساحة.
وثالث هذه الثغرات، التي تتعلق بوحدة النضال بين المقاومة اللبنانية والثورة الفلسطينية، حيث تحول الجهد المشترك بين المقاومتين إلى فعل استنزاف دائم لطاقات الثورة الفلسطينية على الأرض اللبنانية، هذه الطاقات التي كان من الممكن توظيفها إلى جانب الانتفاضة في الضفة الغربية وقطاع غزة ضد العدو الصهيوني.
إن تلك الانتفاضة، لو ترافقت مع وحدة النضال على الساحة اللبنانية، لكان دويها مرعباً في وجه العدو، ولكانت نتائجها الإيجابية، السياسية منها والعسكرية، أشد تأثيراً لمصلحة القضيتين اللبنانية والفلسطينية.
وفي هذا الإطار لن نستثني من النقد، الضالع في إنهاك المقاومة الفلسطينية سياسياً وعسكرياً، أو الواقف للضالعين، أو الصامت على هذا الضلوع على حد سواء.
في هذا الخضم المتلاطم من سياسة التفتيت للجهود، يقبع شبح غريب يعمل لمصلحة غير مصلحة الصراع مع العدو الصهيوني، أما هذا الشبح فإنه يشجع ظلاله على الأرض لمزيد من الغوص في الفئوية وكأن الغوص فيها خلاص لنا، فأما مصلحتنا وخلاصتنا لن يتحققا إلا في المزيد من الابتعاد عن كل ما هو فئوي، فالفئوية صنو للتفتيت، وخلاصنا هو في الوحدة:
- وحدة الهدف في القتال ضد العدو الواحد، ترجمته وحدة البنادق والفصائل.
- وحدة الشعب اللبناني في تغليب الجوامع على القوسام.
- وحدة الشعبين اللبناني والفلسطيني التي يترجمها وحدة القضيتين اللبنانية والفلسطينية في خندقهما الواحد ضد العدو الواحد.
- وحدة الصمود الشعبي، على قاعدة التوجيه السياسي الوطني الواحد، وتأمين مقومات الصمود من صندوق مشترك.
إن قوات التحرير، وهي تبارك للمناضلين كل المناضلين، وتبارك لكل الشهداء الذين قضوا في ساحة الكفاح ضد العدو الصهيوني، ذكرى انتصارهم الأول في 16/2/1985، تدعو كل القوى المخلصة للمحافظة على أمن المقاتلين والمناضلين ضد العدو الصهيوني من الاغتيال والتصفية والملاحقة على أيدي حفافيش الظلام.
إن قوات التحرير وهي تبارك للشعب الفلسطيني انتفاضته في الأرض المحتلة، فإنما تدعو كل الأمة العربية إلى تحقيق انتصارات أخرى والى تسجيل محطات تاريخية أخرى في مواجهة العدو الصهيوني وأعداء الأمة العربية الآخرين، على قاعدة النضال القومي المشترك من المحيط إلى الخليج.
قوات التحرير – المقاومة الوطنية اللبنانية 15/2/1988
***
الملحق الرقم (56)
حزب البعث يدعو إلى بلورة موقف وطني واحد ضد إسرائيل
طليعة لبنان الواحد: العدد 49 – حزيران / 1988
طالبت القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان، ببلورة موقف وطني واحد ضد العدو الصهيوني، وبإدانة شاملة للتدخل الإيراني في الشؤون الداخلية اللبنانية.
ودعت القيادة إلى إعلان يوم الرابع من حزيران، يوماً وطنياً للتضامن مع المبعدين من شبعا والمنطقة المحتلة... كما طالبت بإعلان الضاحية الجنوبية منطقة منكوبة، وتشكيل هيئة وطنية عليا لمساعدتها على تجاوز محنتها، واعتبرت أن حل أزمة الضاحية، لا يكون إلا في الإطار الوطني الشامل.. ورفضت "كل أشكال الابتزاز السياسي التي تمارس على موضوع الاستحقاق الدستوري.
ولمناسبة الذكرى السادسة للاجتياح الإسرائيلي للبنان أصدرت القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان بياناً جاء فيه: "على أبواب الذكرى السادسة للاجتياح الصهيوني للبنان، يعود العدو ليذكر بوجوده الاحتلالي للأراضي اللبنانية، عبر أشكال مختلفة من العمال العدوانية والإجراءات القمعية في حق سكان الأراضي المحتلة، فبعد الاجتياح الذي نفذ لفترة ثلاثة أيام، منطقتي حاصبيا والبقاع الغربي عاود الكرة في منطقة أقليم التفاح معتمداً سياسة الأرض المحروقة ضد البشر والحجر، ومستعملاً الأسلوب نفسه الذي يطبقه ضد جماهير فلسطين المحتلة عبر ممارسة كل أشكال الإرهاب المادي والسياسي، وحيث جاءت خطوته بأبعاد العشرات من أهالي بلدة شبعا لرفضهم التعاون مع سلطات الاحتلال والعملاء المرتبطين بها، لتثبت بالحس والملموس أن العدو يريد من خلال إجراءاته التي يعتمدها كسر إرادة الصمود الشعبي وفرض التطبيع بالقوة والحؤول دون تحول حالة التذمر الشعبي الذي تسود في ما يسمى بمنطقة الحزام الأمني إلى انتفاضة شعبية عارمة على غرار ما هو حاصل في الضفة الغربية وقطاع غزة.
إن القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان – وهي تحيي الإرادة الوطنية الصلبة التي جلت لدى جماهير الأراضي اللبنانية والمحتلة، وتكبر فيهم موقفهم الوطني الرافض لكل أشكال التعامل مع العدو وعملائه، إنما تعتبر الخطوة التي أقدمت عليها قوات الاحتلال بأبعاد عشرات المواطنين من أهالي شبعا والعرقوب، إنما هي تحد جديد في وجه اللبنانيين كما هو تحد في وجه الأمة العربية والمجتمع الدولي. وإن السكوت على هذه الخطوة وجعلها تمر من دون مواجهة شاملة سيؤدي إلى خلق واقع تيئيسي لدى جماهير الأرض المحتلة وسيجعل العدو يستمر في مخططه الرامي إلى فريغ المنطقة من سكانها، وبما يسهل عليه عملية قضمها وهضمها، ومن ضمن ما ترمي اليه أهدافه التوسعية في لبنان، وأن توقيت العدو لإجراءاته الجديدة وتتالي إغاراته العسكرية في البر والجو وعلى أبواب وقوف لبنان على عتبة استحقاق دستوري إنما يريد أن يقدم نفسه باعتباره صاحب دور مؤشر في مجرى الحياة السياسية الداخلية وأن ما أعلنه لوبراني منذ وقت ليس بالبعيد حول دور إسرائيلي في لبنان، إنما يكشف بوضوح الأبعاد السياسية الكامنة وراء التصعيد الصهيوني ضد لبنان من هنا وعلى ضوء الخطورة الشديدة التي يجسدها استمرار الاحتلال الصهيوني على مصير لبنان ومقوماته الوطنية وعلى المتاخمة وعمق الجنوب والجبل والبقاع الغربي والمخيمات فإن القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان تؤكد على ما يلي:
أولاً: إن الخطر الصهيوني هو خطر على كل اللبنانيين بكل فئاتهم وطوائفهم، وأن من يعمل لابقاء لبنان بلداً موحداً حراً سيداً ديموقراطياً، يجب أن يكون واضحاً في معاداته للعدو الصهيوني، ومنخرطاً في كل أشكال التصدي له، وحتى تتحرر الأرض وينعم سكانها بالحرية والاستقلال وأنه من دون وحدة وطنية داخلية في وجه من يشكل تهديداً قائماً للمصير الوطني فإن العدو سيبقى يلعب ورقة الصراع والاقتتال الداخليين وسوف يجد دائماً الممرات والمنافذ التي يعبر منهما للتأثير في مجمل الوضع الداخلي اللبناني، ومن يظن نفسه أنه محيد من مخطط العدو فإنما هو مخطئ في ذلك، لأن تفتيت لبنان وتكريس الواقع التقسيمي فيه، سوف يمر على أجساد الجميع، فلبنان أما أن يكون لجميع اللبنانيين، وإلا فإنه لن يكون لأحد منم، إذا ما قبض للمشروع الصهيوني أن يحقق أهدافه.
ثانياً: إن وحدة الموقف الداخلي على قاعدة المعاداة للعدو الصهيوني، تستلزم ترجمة سياسية لها، وهذه الترجمة عنوانها اعتبار الفعل المقاوم للاحتلال فعلاً وطنياً شاملاً، وبما يشعر سكان الأرض المحتلة أولاً، أنهم ليسوا وحدهم في مواجهة سلطات الاحتلال، وبما يجعل الموقف اللبناني أكثر تأثيراً على مستوى الهيئات الفعلية وتحميلها مسؤولية التقصير في احترام تعهداتها الدولية، وضمان تأمين الالية التنفيذية لقرارات مجلس الأمن الدولي وخصوصاً القرار 425.
ثالثاً: إن القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان، وكتعبير عن وحدة الموقف في وجه العدو، تدعو إلى اعتبار قضية الأبعاد التي طاولت مواطنين لبنانيين من شبعا، قضية وطنية، وأنها في هذه المناسبة تدعو أيضاً إلى اعتبار يوم الرابع من حزيران يوماً وطنياً يؤكد اللبنانيون من خلاله رفضهم لاستمرار الاحتلال وما يترتب عليه من نتائج، كما يؤكدون من خلاله مشاركتهم معاناة أهالي الراضي المحتلة وتلاحمهم.
رابعاً: إن القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان وهي تؤكد على بلورة الموقف اللبناني وهي تؤكد على بلورة الموقف اللبناني الواحد ضد العدو الصهيوني – تؤكد بأن الدور الإيراني يشكل رديفاً للعدو ربما يلحق افداح الضرر بوحدة لبنان وانتمائه القومي وإذا كان تلاقي العدو الصهيوني والنظام الإيراني قد حصل على أكثر من صعيد، فإن استمرار القوى المرتبطة بالنظام الإيراني اعتبار الساحة اللبنانية، ساحة مباحة مشاعة، لتنفيذ مخططات وأهداف النظام المرتبطين به لا تصيب فقط بالضرر القضية الوطنية بما هي قضية توحيد وتحرير، وإنما ايضاً قطاعات شعبية واسعة، من خلال تزوير إرادتها، وفرض خيارات عليها لا تستقيم وتاريخها النضالي وهويتها القومية، وأن ما حصل في الضاحية الجنوبية من بيروت، هو دليل قاطع على أن النظام الإيراني والقوى المرتبطة به لا يقيمان اعتبار لمصالح الجماهير، ولا لمعاناتها ولا لأهدافها وطموحاتها الوطنية وكل همهما إبقاء هذه الساحة مطواعة ومفتوحة لممارسة كل أشكال الإرهاب والابتزاز السياسي والمادي.
وإنه أمام خول ما أصاب الضاحية من خراب ودمار وتدمير للمرافق الحيوية والحياتية، فإن الواجب الوطني يفرض إدانة وطنية شاملة لما حل بالضاحية، وشجباً للتدخل الإيراني المستمر في الشؤون الداخلية اللبنانية، وأنه أمام النكبة التي حلت بالضاحية وبسكانها، وحيث أن ما أصاب سكان الضاحية لا يمسهم بل بمس اللبنانيين، فإن القيادة القطرية تدعو إلى اعتبار الضاحية الجنوبية منطقة منكوبة، وتشكيل هيئة وطنية عليا، تكون مهمتها الأساسية مساعدة سكان الضاحية في تجاوز محنتهم القاسية ومعالجة أزمتهم في الإطار الوطني وليس في إطار الصفقات المشبوهة، التي تتم على حساب أمن المواطنين واستقرارهم ومصالحهم الحيوية والتي كان الاتفاق حول الضاحية نموذجاً ساطعاً لها.
خامساً: إن القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان وعلى أبواب الاستحقاق الدستوري، تؤكد على أهمية إجراء الانتخابات الرئاسية، وفي إطار التوافق الوطني العام، وأنها في هذا السياق، تدين كل أشكال الابتزاز السياسي التي تمارس سواء من خلال طرح البعض لامكان تعطيلها، أو من خلال طرح البعض الآخر لتفصيلها على مقاسم الخاص، وأنه بقدر ما هو مطلوب من اللبنانيين أن يتجهوا نحو بعضهم البعض للتلاقي على القواسم الوطنية المشتركة وعلى أساس احترام حقوق الجميع، في إطار نظام يقوم على المشاركة السياسية البعيدة كل البعد عن العزم هنا والغنم هناك فإن على القمة العربية مسؤولية مباشرة حيال الوضع اللبناني. وهذه المسؤولية يجب ترجمتها في مساعدة لبنان سياسياً واقتصادياً، وتوفير كل الضمانات للوجود الفلسطيني باعتباره وجوداً نضالياً يجب توفير كل المناخات التي تمكنه من أداء دوره النضالي ضد العدو الصهيوني. وإن وضع أسس جديدة لتنظيم هذا الوجود يجب أن يكون عبر الشرعيتين اللبنانية والفلسطيني وبضمانة عربية شاملة.
سابعاً: إن القيادة القطرية لحزب البعث العربي الاشتراكي في لبنان، أمام المعاناة الشعبية الناتجة عن الأزمة الاقتصادية الخانقة، ترى في المساعدات التي قدمها قائد العراق صدام حسين، إحساساً قومياً صادقاً بما يعاني منه اللبنانيون، ونوعاً من أنواع المساعدة على تجاوز محنتهم، وهي إذ تحيي العراق وقيادته المناضلة على هذه المبادرة القومية، فإنها تدين الذين حالوا دون وصول هذه المساعدات إلى مستحقيها في بعض المناطق اللبنانية وتدعو إلى الجماهير الشعبية وقواها الخبرة، إلى اتخاذ الموقف الذي يعبر عن الشجب لممارسات القوى التي منعت وصول المساعدات أو عمدت إلى مصادرتها.
***
الملحق الرقم (57)
حزب البعث العربي الاشتراكي وجبهة المقاومة الوطنية اللبنانية – قوات التحرير
ينعون الشهيد حسين محمود المحمود
طليعة لبنان الواحد: العدد 53 – تشرين الأول / 1988
ولد في الوزاني قضاء حاصبيا عام 1963، انتسب إلى حزب البعث العربي الاشتراكي منذ نعومة أظافره، وشارك في العلم العسكري منذ عام 1976، واشترك في جيران عام 1982 في التصدي للعدو الصهيوني في مدينة صيدا، اعتقل في معسكر أنصار أثناء الاحتلال، وبعد الافراج عنه شارك في العديد من العمليات العسكرية ضده، وبعد انسحاب الصهيوني استمر إلى جانب رفاقه الآخرين في عشرات العمليات العسكرية، وقد اعتقل في سجون حركة أمل عام 1987 لأكثر من شهر بسبب نشاطه العسكري. ولكنه استمر رغم ذلك بعد خروجه من السجن، إلى أن استشهد في السابع عشر من أيلول عام 1988 في حادث سيارة في منطقة راشيا الوادي، بعد عودته من مهمة داخل الأرض المحتلة أثناء التصدي للاجتياح الجزئي للعدو الصهيوني في تلك المنطقة.
إلى الشهيد حسين المحمود: دمعه الوفاء منا إليك
طريق الشهادة مفخرة لكل بعثي يقاتل في سبيل تحرير الأمة العربية وتوحدها.
فأنت يا حسين قضيت واجبك على هذه الطريق والتحقت بركب الرفاق الذين شقوا الطريق أمامنا، إلى أرضنا اللبنانية المحتلة، والى أرض فلسطين السلبية.
قريتك "الوزاني" التي نشأت فيها، وطردت منها منذ بضع عشرة سنة. بقيت قريبة منك أقرب من الحلم اليك، كانت قريبة منك إلى الحد الذي لم تدعم تنام هادئاً خارج حدودها، فكان طريقك اليها بندقيتك التي لم تسترح هي ولم تدعها أنت تهدأ.
كانت حدود "الحزام الأمني" للعدو، كلها منافذ تتسلل منها لتطل على قريتك لتراها ولو لساعات، وكي تعمل لتصيب من أفراد العدو مقتلاً، أنت الذي آمنت بالكفاح الشعبي المسلح أسلوباً لتحرير أرضك المغتصبة.
هناك على أرض راشيا، القريبة من مسقط رأسك تصديت للعدو ونلت شهادتك في 17 أيلول عام 1988.
إن حياتك كانت مليئة بالنضال يا حسين، لم تهدأ لحظة واحدة. لأنك قد امتلكت توقاً شديداً للعودة أو للشهادة.
كان طريق نضالك، أنت البعثي، مزروعاً بعشرات الالغام، حتى قبل أن تصل إلى حدود "الحزام الأمني".
أثناء الاجتياح الصهيوني عام 1982 قمت بواجبك في التصدي للعدو، وكانت أنصار محطة أولى، ما أن أفرج عنك منها، حتى كان القتال طريقك، فلم تتوان، هنا وهنالك من خندق إلى خندق، وكنت الجندي المجهول، كما رفاقك البعثيين – الذين ساهموا وبقسط وفير في طرد العدو من أجزاء واسعة من أرضنا المحتلة.
لنا شرف كبير يا حسين، أننا قائلنا، ودفعنا الدم والشهداء بعيداً عن عيون كاميرات التلفزيون وأبواق الإذاعات وصفحات الصحف الموجهة منها أو المقموعة.
لنا شرف كبير يا حسين، أننا لم تكن صنية لوسائل الإعلام، ولكن الأحداث الكبيرة كانت صنيعتنا، فويل لمن لا يستطيع إلا أن يكون تلفزيونياً وإذاعياً في نضاله، ويل له ولامته إذا قطعت الكهرباء عن أسلاك البث التلفزيوني والإذاعي.
إن شرفنا كبير في نضالنا ضد العدو، ومأساتنا أكبر يا حسين، في أن أبطال التحرير في التلفزيون والاذاعات قد نالوا منك، كما نالوا من رفاقك البعثيين – في سجونهم ولا شهر، بتهمة انتمائك لحزب البعث الذي يقاتل العدو الصهيوني، في الوقت الذي يريدون فيه تبريد حدود الأرض المحتلة، وتدجين المقاومين تحت سلطة وسائل إعلامهم.
تاريخ نضالك المجهول، إلا عند رفاقك، مليء بالمحطات المشعة المشرفة.
مقاتل ضد العدو الصهيوني وأسير في معتقلاته.
ملاحق من أدعياء المقاومة وأسير في معتقلاتهم.
تاريخك نابض بالحياة، منذ الاحتلال الأول لأرضك عام 1976 ملاحق من قبل العدو الصهيوني، ومن أدعياء المقاومة على المستويين الوطني القومي.
كفاك فخراً أننا قاتلنا في الوقت الذي غاب فيه الآخرون عن القتال منذ عشرات السنين، وما زلنا نقاتلـ في عصر الإعلام والتلفزيون – بعيداً عن الأضواء ومكبرات الصوت.
ومنا إليك يا حسين دمعة الوفاء على ضريحك الطاهر، وزهرة من حزبك دليل للاستمرار على طريقك.
***
الملحق الرقم (58)
تحية للشهداء للمعتقلين، للأسرى لكل المناضلين، فقضيتهم هي المنتصرة
طليعة لبنان الواحد: العدد 56 – كانون الثاني / 1989
ويمر عام آخر على أزمة لبنان. والحال لم يشهد تحسنا بل العكس هو الحاصل. حيث الأمن الوطني منتهك، والأمن السياسي مستباح، والحرمات الاجتماعية غير مصانة. ومن يستمر مستفيداً من الواقع الراهن، يعمل على تقطيع الأوصال، وزيادة الشروخات وكل أشكال الانشطار. ولما قيل في تشخيص الأزمة بجوانبها السياسية والاجتماعية والمعيشية، فإنه يبقى دون الحقيقة، لأن البلد تحول إلى مجموعة جزر أمنية وسياسية، تمارس فيها الهيمنة والتسلط ومصادرة الحريات. والذين أوكل اليهم الدور الأكبر في تنفيذ المخطط المؤامرة لا يزالون يمنعون تطبيع الوضع الداخلي ويسعون إلى تطويعه بالشكل الذي يخدم مواقعهم في خارطة المشروع المهدد للمقومات الوطنية الأساسية. ولهذا تعرضت الوحدة الوطنية وتتعرض للضغط لأجل تفكيك عراها، وجعل التقسيم حالة النهائية. ولهذا أيضاً يتعرض نظام القيم الاجتماعية والأخلاقية للانتهاك، ولهذا أيضاً، تتعرض الحريات العامة والحقوق الأساسية للمواطن للمصادرة والإسقاط، ولهذا أيضاً، تتعرض العروبة للتهشيم والتشوية والاساءة. وأشكال التعرض هذه لم يقتصر تنفيذها أو القيام بها على طرف دون الآخر، بل تولاها كل الذين يريدون ضرب وحدة لبنان وعروبته وديمقراطية الحياة السياسية فيه. وكان من الطبيعي، أن تعمد هذه القوى إلى استهداف القوى التي تحمل مشروع الدفاع عن وحدة لبنان وعروبته. وهذا الاستهداف برز واضحاً منذ اللحظات الأولى لتفجر الوضع على الساحة اللبنانية ويستمر إلى الآن ولن يتوقف طالما بقي الصراع قائماً بين مشروعي التوحيد والتفتييت. وفي طليعة القوى التي استهدفت على ساحة لبنان، البعثيون بالموقف وبالانتماء التنظيمي. استهدفوا لأنهم حملوا لواء الدعوة لحماية الوجود الفلسطيني، ولأنهم رفضوا ترك الثورة الفلسطينية تستفرد في سياق الهجمة عليها. واستهدفوا لأنهم رفعوا شعار الوفاق الوطني، وبعبارة أخرى لأنهم تعارضوا في نهجم وسلوكهم ومواقفهم مع كل أشكال التقسيم للأرض والشعب والمؤسسات. واستهدفوا لأنهم كانوا وما يزالون وسيبقون ينظرون إلى عروبة لبنان على أنها حقيقة وجوده، وأن حماية هذه العروبة هي حماية كل المكونات الأساسية للشخصية الوطنية. واستهدفوا أيضاً لأنهم أكدوا على الصراع الديمقراطي كسبيل لأحداث التطوير والتغيير في بنى النظام.
وأن يسقط من البعثيين الشهداء وفي كل المناطق، وفي مواجهة كل القوى المتامرة على لبنان، فهذا كان أمراً طبيعياً، لأن من يرفض الرضوخ للأمر الواقع أو من يرفض الاستسلام لكل أشكال الهيمنة، ومن يرى بوضوح حقيقة المشروع الصهيوني وأهداف النظام السوري، لا بد وأن يصطدم بكل اصطفاف القوى التي أمعنت وتمعن تخريباً وعبثاً وضرباً للمقومات الوطنية.
لقد استشهد البعثيون في مواجهة العدو الصهيوني قبل تفجر الأحداث وفي سياقاتها، وهم لا يزالون يؤدون واجبهم النضالي في الفعل الوطني المقاوم للاحتلال بعيداً عن الاستعراضات الإعلامية وأسواق "البازار" السياسي. وأن ملحمتي كفركلا والطيبة اللتين خاض غمارها مناضلون طليعيون، لا تزالون وستبقيان الومضات المشرقة في تاريخ حركة النضال الوطني اللبناني. وسيبقى الشهيد البطل أبو علي حلاوي، وأبناء شرف الدين، الحقيقة الحية الدائمة في تاريخ الجنوب ولبنان والأمة.
وإن يسجل البعثيون العدد الأول في عدد الأسرى في أنصار بالقياس إلى سائر الأحزاب الوطنية، فهذا شرف يستحقونه، لأنهم كانوا طليعة مقاومة متصدية للعدو بكل اشكال التطبيع السياسي والنفسي. واليوم لا يزال مناضلون بعثيون مع مناضلين آخرين في سجون ومعسكرات العدو والقوى المرتبطة به. وهم في مواقعهم إنما يثبتون بأن الدفاع عن المبادئ إنما يرتقي إلى مستوى الدفاع عن القضية الوطنية والقومية إلى مستوى الدفاع عن الوجود.
ومن موقع البعثيين في مواجهة العدو الصهيوني، إلى موقعهم في مواجهة أصحاب الأدوار التخريبية والتامرية، تبرز شراسة الهجمة عليهم، كونهم شكلوا صمام الأمان لعروبة لبنان، وكونهم لم ولن يهادنوا الشعوبية أيا كانت القوى التي تحميها. فكان أن استنفر النظام السوري قوى عديدة، لضرب البعثيين ومواقعهم النضالية ودورهم السياسي. ولما عجزت تلك القوى عن تنفيذ كامل المخطط المرسوم لها، اندفع هذا النظام ليكمل ما استحال على القوى الأخرى تنفيذه. وقد قدم البعثيون عشرات الشهداء في مواجهة هذه الهجمة بحلتها الطائفية والشعوبية، على لبنان وعروبته وعلى القضية الفلسطينية.
وأن يطوى ملف الأزمة لاحقاً، إلا أن الشهداء الذين سقطوا لن تطوى ذكراهم. وكيف تطوى ذكرى "ابو زياد"، وأبو علي تحسين، وعدنان، وعبد الوهاب، وسليمان ورشاد وصالح وحاتم، ومرشد وأبو هيثم، وطلال وماجد ومحمد وعشرات الشهداء الأبطال الذين هم "لأكرم منا جميعاً". والشهداء لم يكونوا الثمن الوحيد الذي دفعه البعثيون لتنتصر المبادئ، بل الاعتقال طال العشرات منهم. وفي الموجات المتلاحقة فاق عدد الذين اعتقلوا من النظام السوري المئات، ومع هذا لم تهن عزيمتهم، ولم تلن إرادتهم، بل استمروا في صمودهم الفكري والسياسي والمادي وكل أشكال العنف الجسدي والمعنوي. أليست هذه هي حال المناضلين فايز وعامر ورضوان وعشرات غيرهم. وهؤلاء المناضلون لا يقلون صموداً وعزيمة عن المناضلين الذين تعتقلهم قوى الأمر الواقع من خلال هيمنتها وممارساتها اللاوطنية واللاديمقراطية ورغم كل زعم معاكس "فأبو رائد" و"أبو مجدي" و"عبد الرحمن" و "أبو حسن" كلهم في الحالة النفسية الصامدة، وهم وأن كانت حريتهم الجسدية مقيدة، إلا أن افكارهم حرة طليقة، تقضي وتخيف جلاديهم وجلاهزة الأمة الجدد.
وأن يدفع البعثيون هذا الثمن النضالي، وأن يقدموا هذه التضحيات الجسيمة، فلانهم أصحاب رسالة، وحملة أهداف سامية، ولأنهم بما يحملونه من أفكار ومبادئ هم محركوا التاريخ العربي، وهم طليعته، وهم حاملو لواء وحدة وحرية وتقدم هذا الوطن. وعندما توظف التضحيات، التوظيف النضالي المطلوب تكون القضية التي يناضل لأجلها هي المنتصرة حكماً. وفي بداية هذا العام الجديد، يفتح الوضع اللبناني على تغييرين ايجابيين كبيرين، انتصار العراق العظيم، واستمرار الانتفاضة البطولية. وأن لبنان سينتصر مستقوياً بهذين الانجازين العظيمين، وسيخرج لبنان من محنته أكثرة قوة وأكثر تماسكاً، وسيرى البعثيون ومعهم كل الذين ناضلوا لأجل حماية المقومات الوطنية، ولأجل انتصار القضية الوطنية بما هي قضية توحيد وتحرير، بأن مظاهر الأزمة وكل تشخيصاتها وكل أشكال الاستباحة للأمن الوطني وأمن المواطن ستسقط مع سقوط لتطلعات الأمة وجعلت اللبنانيين يدفعون غالياً مع جماهير فلسطين من أمنهم الحياتي والسياسي والاجتماعي.
فتحية للشهداء، الاحياء دائماً، تحية للمناضلين المعتقلين في سجون ومعسكرات العدو الصهيوني وزنرانات النظام السوري وأقبية القوى الطائفية وتحية للأسرى في معسكرات النظام الإيراني. وتحية لكل الذين يناضلون يتحملون عبء المعاناة الشديدة لأجل أن تنتصر قضية الشعب، لأجل أن تنتصر قضية الوحدة والحرية والاشتراكية.
***


الملحق الرقم (59)
قوات التحرير في جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية تكرم السابع من نيسان وشهداء حزب البعث العربي الاشتراكي بسلسلة من العمليات ضد العدو الصهيوني في الشريط المحتل.
طليعة لبنان الواحد: العدد 59 – نيسان / 1989
استمراراً لالتزام قوات التحرير في جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية بخط القتال ضد العدو الصهيوني، وإحياء لمناسبة السابع من نيسان في ذكراه الثانية والأربعين، قامت مجموعات الشهداء موسى شعيب وعبد الأمير حلاوي وإبراهيم بدوي وحسين المحمود بسلسلة من العمليات البطولية استهدفت فيها مواقع العدو الصهيوني في الشريط المحتل من أرضنا:
1- في السادس من نيسان 1989 قامت مجموعة الشهيد عبد الأمير حلاوي بتفجير عبوتين ناسفتين على طريق علمان- الشومرية بدورية للعدو أدى انفجارهما إلى إعطاب إحدى الآليات وإصابة من فيها.
2- وفي نفس الوقت قامت مجموعة الشهيد إبراهيم بدوي بتفجير عبوة ناسفة بإحدى دوريات العدو على طريق الناقورة أدى إلى إعطاب إحدى الآليات وإصابة ثلاثة عناصر ببن قتيل وجريح .
3- وفي السابع من نيسان نفذت مجموعة الشهيد حسين المحمود هجوماً على موقع السويداء بقذائف الـ (ب 7) وصواريخ اللاو وأصابوا الموقع إصابات مباشرة، وقد أصيب أحد رفاقنا بجروح طفيفة.
4- أما في السادس من نيسان فقد نفذت قوات الشهيد موسى شعيب هجوماً مزدوجاً على موقع (عين أبو نجيم) في منطقه جزين وذلك بعد ان نفذ رفاقنا الهجوم على الموقع قاموا بزرع عبوة ناسفه على طريق الإمدادات العسكرية للعدو، وقد أدت العمليتان أهدافهما بإعطاب آلية للعدو، وإنزال الخسائر البشرية في الموقع المذكور .
إن قوات التحرير إذ تعاهد شهدائها على متابعة مسيرة التحرير فإنها تدعو كافة القوى إلى الانخراط جدياً في وحدة جبهوية مقاتلة ضد العد و الصهيوني، وذلك بالانكفاء عن كافه المواقع والمظاهر التفتيتية التي تنخر في جسد هذا الوطن على حساب القتال ضد العدو الاستراتيجي.
جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية - قوات التحرير 9 نيسان 1989
***
الملحق الرقم (60): من يحرر الشريط المحتل من جنوب الوطن؟
طليعة لبنان الواحد: العدد 71 – نيسان / 1990
يدخل احتلال أجزاء من الجنوب اللبناني عامة الثالث عشر، دون أن تلوح في الأفق القريب بوادر الانسحاب الصهيوني الموعود على قاعدة تنفيذ القرار 425 الذي نص على مغادرة القوات الصهيونية للأراضي اللبنانية المحتلة، وتمركز القوات الدولية في محلها، لمساعدة السلطة اللبنانية على بسط سيادتها عليها.
ومع أن المسؤولين السياسيين، والعسكريين في الكيان الصهيوني، ينفون بين الحين، والآخر، أن تكون لهم أطماع في الأراضي اللبنانية، ويبررون احتلالهم للشريط الجنوبي باعتباره حزاماً أمنياً، من شأن السيطرة عليه مباشرة أو بواسطة الميليشيات الحدودية المتعاونة مع العدو، أبعاد الصواريخ عن شمال فلسطين المحتلة، إلا ان الوقائع اليومية تؤكد أن هذه الإطماع التاريخية بالمياه اللبنانية وبالأراضي أيضاً، تكاد تتحول إلى واقع، فعمليات اقتطاع الأراضي وضمها في الجنوب، والبقاع الغربي، والعرقوب لا تتوقف. متبعة أسلوب القضم التدريجي، وتحويل مياه الليطاني، لم يعد سراً يخفى على أحد بعدما تم تحويل مياه الوزاني، والحاصباني إلى المستوطنات الصهيونية القديمة، والمستحدثة في منطقة الجليل، من شمال فلسطين العربية، واستقدام اليهود الفالاشا من أثيوبيا وتوطينهم في سفوح جبل حرمون، ومزارع شبعا، سبقه رصد الأموال الصهيونية عند نقطة اللقاء الحدود السورية – اللبنانية – الفلسطينية، التي يحتلها العدو منذ حرب 1973.
أما وأن الخطر الداهم يهدد هذا الجزء من الوطن، فان خيار المقاومة الوطنية للاحتلال، يبقى الخيار الأساسي على موازاة كافة أشكال النضال لتحريره، لان المسألة الوطنية، لا بد أن تفرض نفسها كأولوية مطلقة، أمام الدولة، والقرى السياسية باختلاف انتماءاتها الفكرية.
أنه منطق بديهي، لا يحتاج إلى دليل أو إثبات اعتمدته شعوب كثيرة قبلنا، واعتمدناه عندما وصل العدو الصهيوني بغزوة سنة 1982 إلى العاصمة .. يومها كانت المقاومة حركة شعب بكامله رفض الاحتلال، وتصدي للغزو، وما دام الأسلوب المقاوم أثبت نجاحه. فلماذا توقف عند حدود الشريط المحتل؟
من البديهي القول ان مقاومة الاحتلال يجب ان تستمر ما دام على ارض الوطن جندي واحد من جنود العدو. وإذا كانت للشريط المحتل منذ آذار 1978 خصوصيته، كونه وقع تحت الاحتلال قبل الاجتياح الكبير، فان هذه الخصوصية يجب ان تشكل حافزاً، لتسريع التحرير، قبل ان يتخذ العدو الصهيوني كل الخطوات التي تؤدي إلى تطبيع العلاقة، ويربط اقتصاد المنطقة المحتلة باقتصاده، ويفرض بالترهيب، والترغيب سياسته الخبيثة لتأكيد حضوره في الأزمة اللبنانية، من خلال الشريط المحتل، مستغلاً الميليشيات المتعاونة معه كرأس حربة والاختفاء وراءها لتأكيد مطالب أو الحصة التي يريدها عندما يحبن الوقت لحل الأزمة اللبنانية.
مما لا شك فيه ان تحرير الشريط الحدودي لا يعني أهل الشريط وهدهم، وهم الذين يقاومون على طريقتهم من خلال رفض التطبيع، وعز ل الميليشيات المتعاونة، والتعاون مع أبطال المقاومة الوطنية... انها مسألة وطنية وقومية، فعروبة الجنوب، كانت ضمانة ولا تزال، وساحة العمل الوطني الجنوبي تمتد من صيدا حتى آخر قرية في جبل عامل عند الحدود الدولية مع فلسطين المحتلة.. وعليه فان ساحة العمل الوطني يجب ان تتسع لجميع المقاومين، وتحت راية الكفاح المشترك ضد العدو الصهيوني. فمتى يحين الوقت ليدرك الجميع مسؤولياتهم حيال الجنوب المحتل موقعاً وقضية وهوية؟
إن الجنوب لم يعد يستطيع ان يتحمل التقصير الرسمي والوطني تجاه قضيته إذ ما دامت هذه المنطقة في أسر العدو، فلا بد أن تتداعى لها كافة المناطق،والوطن بكامله.. وإلا فان الجميع متهمون.
إن الذين حاولوا تطييف المقاومة، يتحملون مسؤولية كبرى ولا شك، والذين ينشغلون بصراعاتهم الداخلية للامساك بقرار طائفة، أو بقرار منطقة عن هذه القضية متهمون أيضاً والذين يريدون الوصول زحفاً إلى القدس، وربما بالقفز من فوق الشريط المحتل افتقدوا البوصلة على ما يبدو!!
لقد كان الجنوب ولا يزال في عداد المناطق التي لم يخف العدو الصهيوني أطماعه فيها، والمؤكد انه لن يكتفي بالشريط المحتل وقد يوسع احتلاله كلما سنحت له الفرصة، مع أن مواقعه الحالية- تسمح له بالإمساك عسكرياً بكل المنطقة الجنوبية. وما احتفاظه بجزين والطرق المؤدية إليها، إلا النذير اليومي لهذا الاحتمال والمنطقة الممتدة من رأس الناقورة على شاطئ البحر، حتى سفوح جبل حرمون سوى رأس حربة يستخدمها، لإدارة المعارك، خارج كيان الاغتصاب. فبدل أن تكون المستوطنات في الجليل هدف العمليات أصبح الوصول صعباً إليها، ليس لوجود حزام أمني واحد، وإنما أحزمة أمنية متعددة.. ولذلك يتمسك بالشريط، وميليشياته من العملاء.
وهو لا يتوقف عند حدود هذه الحسابات، وإنما يتعداها إلى الساحة بمجملها، إذ لا بد من الإشارة إلى ان أحد الأهداف التي تظل ماثلة للعيان، تتمثل في تنمية القوى العميلة في الشريط المحتل. وقد تدرجت هذه السياسة عبر صيغ متعددة.
فمن حصار القرى، وشن حملات الاعتقال لتسويق اللجان، والإدارة المحلية التي يمسك بها ضباط الاحتلال إلى تكريس الحضور الأمني. و السياسي المتكرر في الشريط عبر زيارات وزير الدفاع الصهيوني والنواب الصهاينة وصولاً إلى ممارسات القمع على المعتقلين، والاستمرار في سياسة الأبعاد واستهداف القوات الدولية التي تنال نصيبها من الاعتداءات التي تستهدف القرى التي ترابط فيها.
إن هذا المناخ الاحتلالي، يستوجب النهوض بأعباء قضية الأراضي المحتلة، قبل أن ينجز العدو تدمير الحياة الاقتصادية ويخضع المنطقة لقبضته، ويفرض خطوات التطبيع، ويجبر الأهالي على التعاون والتعامل، ويعمد إلى فك ارتباط المناطق الواقعة تحت احتلاله بالوطن.
إن "180" ألف نسمة، من أصل السكان، في هذه المناطق المحتلة يعيشون في سجن كبير، منافذه معابر وبوابات، حيث تتنفس أو تتواصل بصعوبة مع الداخل اللبناني – الوطن... يسعى العدو كذلك إلى بناء جدار سميك أو أرض محروقة تتألف من القرى المتاخمة للمناطق المحتلة أو حزام أمني آخر يبدأ من بلدة القليلة حتى قرية أرنون وشرق صيدا.. وبهذا يمكن للعدو ان يقفل نهائياً إمكانية التواصل بين المناطق المحتلة وباقي المناطق اللبنانية، حيث لا يبقى من متنفس لها سوى الانفتاح على الداخل الصهيوني.. وهنا يكمن الخطر الأكبر الذي يحاول العدو الـوصول إليه.
والإشارة إلى غايات العدو تحتم مجدداً الارتقاء بعمل المقاومة الوطنية، وتفعيل دورها، إذ لا يجوز في أي حال من الأحوال ان ينصرف العدو إلى ترسيخ دعائم احتلاله. في ظل قبول أ هلي بالأمر الواقع يتعزز بقدر ما يتراجع فعل المقاومة ومقومات الصمود التي ينبغي ان تتسابق القوى لتقديمها إلى الصامدين في مزارعهم ومدارسهم، ومنازلهم وبقدر ما تتركز كل الجهود على الأرض التي يحاول العدو تسويتها، لزلزلتها من تحت إقدام احتلاله، يثمر العمل المقاوم الآتي من الخارج، فيستنهض مقاومة الداخل على طريق معركة طويلة الأمد، تكون موازية للانتفاضة الشعبية في فلسطين المحتلة، وتسير على خطاها وأنها لفرصة ثمينة لا يجوز ان تفوت. لتقصير أمد الاحتلال. وإذا كان الشريط المحتل، ما زال حتى اللحظة صامداً عصياً على التطبيع فان هذا الصمود لا بد وأن يجد ترجمته الأصلية في إعادة إطلاق مقاومة الشريط، وتفعيل المقاومة الوطنية بعيداً عن الشعارات المذهبية التعصبية والفئوية، واعتماد خطة دعم نضالية جادة في مختلف المجالات وبمساهمة جميع الأطراف الوطنية، تتجاوز منطق الدعم السائد حتى اليوم.
***

الملحق الرقم (61)
كوكبة شهداء حزب البعث العربي الاشتراكي،
ارتفعوا في مواجهة العدو الصهيوني من العام 1969 حتى العام 1992.
إسم الشهيد مكان الولادة تاريخ الاستشهاد مكان الاستشهاد
1-حسين علي قاسم حلتا-حاصبيا 9/5/1969 حلتا-العرقوب
2-محمد ذيب الترك طرابلس 12/5/1970 الهبارية-العرقوب
3-أحمد سالم هوشر طرابلس 12/5/1970 الهبارية-العرقوب
4-سمير حمُّـود طرابلس 12/5/1970 الهبارية-العرقوب
5-عزام الصيادي طرابلس 12/5/1970 الهبارية-العرقوب
6-علي حسين البردان يارين 1974 يارين
7-علي شرف الدين الطيبــة 1/1/1975 الطيبة-الجنوب
8-عبد الله شرف الدين الطيبــة 1/1/1975 الطيبة-الجنوب
9-فلاح شرف الدين الطيبــة 1/1/1975 الطيبة-الجنوب
10-عبد الأمير حـلاوي كفركـلا 27/11/1975 كفر كلا-الجنوب
11-حسين علي قمرا دبين 1976 جديدة مرجعيون
12-محمد حسين عقيل الجبين 1976 العيشية
13-حسين محمود حيدر عربصاليم 1976 العيشية
14-يوسف عبد الحسين عياد طير فلسية 1976 العيشية
15-هاني نورا بلاط 1976 مرجعيون
16-حسين ذيب بلاط 1976 مرجعيون
17-حسن ذيب حمُّـود الطيـبة 28/3/1977 الطيبة-الجنوب
18-حسين علي غريب دبـين 12/9/1977 تلة الشريكي-الخيام
19-محمود حيدر عسيلي رشاف /11/1977 الجبَّـن-صـور
20-عبد الناصر علي أحمد بنت جبيل -/9/1977 بنت جبيـل
21-حـسين محمد بركـات رب ثلاثــين 28/ 3/ 1977 الطيــبة
22-حبيب سعيد نهرا إبل السقي سوق الخان
23-عطا الله كـريم دير سريان 15/3/1978 الطيــبة
24-حسـين كـريم دير سريان 15/3/1978 الطيــبة
25-حيـدر هرموش مجدل زون 15/3/1978 مجدل زون
26-حسن حسين خشيش الخيــام 25/6/1979 الحاصباني
27-خليل الجـوني بنت جبيل -/-1979 جسر القاسمية
27-حسـين ضاهر برعشيت 1980 برعشيت
29-ياسر بزيع زبقين 1981
30-علي مرتضى عيتا الجـبل 1981 خُطِف من قبل العدو
31-علي نمر القماطي تولــين 1/12/1981 تولــين
32-اسماعيل علي ادريس كفرتبنيت 15/ 7/ 1981 زفتا (غارة صهيونية)
33-حسن معتوق سير الغربية 1983 سير الغربية
34-غسان ذيب بلاط 1982 كفر مشكي
35-محمد راغب الزين حارة صيدا 1983 خطف
36-محمــد ذيـاب البازوريــة -//1983 معتقل أنصار
37-عبد الكريم جابر 1984
38-محمد يـونس الصرفـند -/1/1984 الصرفـند
39-عصـام حمـية قانــا 27/5/1984 كـفرا
40-كامل سليم عطية قانــا 27/5/1984 كـفرا
41-يوسف أحمد ياسين قانــا 27/5/1984 كـفرا
42-ناصـر الجمَّـال الزراريــة 7/1/1985 نهر الأوَّلي
43-إبراهيم بـدوي صـور 7/3/1985 جسر القاسميـة
44-حسن حمُّـود مروَّة الزراريــة 11/3/1985 الزراريــة
45-ناجـي قنـبر عين قانـا 29/11/1985 تلة سـجد
46-عبد الأمير مقلِّد جرجـوع 30/6/1987 إغتيل
47-حسين علي المحمود الوزاني 17/ 9/ 1988 راشيا
48-سليم بركات الهبارية 1992 الحاصباني
49-حسن كركي جرجوع 5/ 5/ 1995 جرجوع
****

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق