بحث هذه المدونة الإلكترونية

الخميس، 21 يناير 2010

مقالات العام 2003 (1)


مقالات العام 2003

فهرس مقالات العام 2003
(1): ليس شيعياً من يتنكر لقوميته العربية، أو يتضايق منها أو يكرهها.
 (2): كي لا يحجب دخان التفتيش عن أسلحة العراق حقيقة الأهداف الأميركية

(3): حق للقوميين أن يدافعوا عن العراق وواجب عليهم، وحق للعرب أن يستفيدوا من تقنيات العلوم أياً كان مصدرها

(4): بوش ومنطق  »عنزة ولو طارت«.
(5): في الصراع الدائر بين العراق والتحالف الأميركي الصهيوني ليس الوقوف على الحياد من مصلحة أحد
(6): بين وهم تطبيق الديموقراطية كشرط مسبق لسحب الذرائع من العدوان الأميركي
(7): رد على غسان تويني حول مقالات ينقد فيها رومانسية صدام حسين
(8): في ظل تصريحات باول حول تغيير جذري في المنطقة العربية: النظام العربي إلى أين؟
(9): مؤتمر التضامن مع علماء العراق الذي انعقد في فندق الكومودور بيروت بتاريخ  7/ 2/ 2003م
 (10): الجامعة العربية: الإصلاح لماذا وكيف؟
(11): قراءة في مقابلة  الرئيس صدام حسين  مع مراسل شبكة السي بي أس الأميركية.
(12): موضوع ندوة في البرازيل
(13): عفواً يا عراق
(14): هل تعلَّم العرب من محنة ما حصل في العراق؟
(15): »استمرار المقاومـة العراقيـة يردم المسافـة الفاصلـة بين مفهوميْ النصر والهزيمـة«.
(16): إشكاليات والتباسات في التجربة العراقية«
(17): لعبة الورق الأميركية في العراق استهداف للضمير العربي
(18): هل ما زالت الوحدة العربية تشكِّل حاجة قومية؟
(19): ملامح الثقافة العربية المعاصرة: نحو تأسيس مفاهيم جديدة للصراع مع المشاريع المعادية
(20): مفاهيم من المسألة العراقية
(21): النضال من أجل الاعتراف بالشرعية الرسمية والشعبية  للمقاومة الوطنية العراقية على الصعيدين العربي والدولي.

(22): هل تستفيد الدول المعارضة للعدوان من المقاومة؟

(23): لقاء استنكاراً لإسقاط تمثال ميشيل عفلق
(24): عام 2003م، بعد سقوط بغداد:  هل كان عام السقوط النهائي؟ أم بداية النهوض الفعلي؟
(25): المطرقة الحديدية آخر مبتكرات الإدارة الأميركية لإنقاذ ماء الوجه
(26): »الدول الممانعة للحرب التقطت رسالة المقاومة العراقية«:
(27): الإدارة الأميركية تجر الدول إلى سوق المساومات التجارية:
(28): أعمال المقاومة الوطنية العراقية تطيح أحلام بوش:
(29): ما أشبه الرابع عشر من كانون الأول/ بالتاسع من نيسان/ :
(30): مطرقة »بوش« الحديدية ذات استهدافات عراقية، عربية، ودولية
(31): المرجعية الشيعية في العراق أخذت تفقد أهميتها منذ أن تمزقتها التيارات السياسية الشيعية الأممية




(1): ليس شيعياً من يتنكر لقوميته العربية، أو يتضايق منها أو يكرهها.
رد على البيان الذي أعلنته المعارضة الشيعية العراقية في الخارج، والذي نشرته جريدة النهار. كما نشرت ردود عدد من الذين وقَّعوا البيان على مقال المحامي حسن بيان. ولكن ردَّنا أعلاه امتنعت عن نشره.                                                                                                                 27/ 7/ 2002م
1-حقائق لا بُدَّ من تثبيتها
قبل أن نبدأ بالرد على الرد لا بُدَّ من أن نسجِّل الحقائق التالية، وهي:
أولاً: رداً على المستنكرين، من أدعياء الحرص على شيعة العراق من المعارضين العراقيين، نسألهم إذا كان لا يحق لعربي لبناني أن يبدي رأيه في وثيقة لها علاقة بشيعة العراق، على أساس أنها مسألة تهم العراقيين وحدهم، أو أنها تهم شيعة العراق وحدهم.
في هذا الصدد لا يحق لسالم مشكور أن يمنع أي عربي من إبداء رأيه في أية مسألة لها طابع قومي تحت ذريعة واهية أن من يتعاطى مع »إعلان شيعة العراق«، إما هو محسوب على النظام، أو أنه يدَّعي الوصاية على شعب العراق، أو هو من الذين تُغدَق عليهم »الأموال بدون حساب ليكون عوناً للسلطة على الشعب، وبوقاً لها في الخارج«.
لقد ضاق صدر سالم مشكور من عربي لبناني يتكلَّم بضمير عربي ضد من يجب علينا أن لا نلومهم »على كرههم للشعارات القومية«. ومن فم سالم مشكور تأتي إدانته، ولن نقول بحقه أكثر مما أدان فيه نفسه. وهذا ما لا يجعلنا مستغربين محبته للأميركيين.
ثانيـاً: ليس شيعياً من يتنكر لقوميته العربية، أو يتضايق منها أو يكرهها. فالشيعة عندما يحصرون ولاية المسلمين بأبناء الإمام علي بن أبي طالب، يعرفون قبل غيرهم أهمية وإلزامية أن يكون ولي أمر المسلمين من العرب دون غيرهم. والسبب في ذلك أنه لا يمكن لأبناء الإمام علي وأحفاده أن يكونوا غير عرب. في مجتمعاتنا الذكورية لا يصح انتساب الأبناء لغير الأب، ولما كان الإمام علي بن أبي طالب عربياً، ولما كانت الولاية محصورة بين أبنائه، فلا يمكن أن يكونوا إلاَّ عرباً. ولما كانت محبتهم من أولويات الواجبات الدينية الإسلامية، ولما كانت ولايتهم ومحبتهم واجباً دينياً عند الشيعة، ولما كان أبناء علي بن أبي طالب عرباً، فواجب محبتهم عند الشيعة لا يلزمهم بمحبة هويتهم العربية فحسب، بل والدفاع عنها أيضاً.

2-رد على سالم مشكور

وهل تريد يا سالم أن يكون هناك رابط بين العرب غير الروابط القومية والوطنية؟

إننا لا نرى، من أجل إلغاء الأنظمة الطائفية السياسية، إلاَّ أن نصادق الروابط القومية والوطنية. ولسنا نرى أن مشاريع التيارات السياسية الإسلامية صالحة لتوحيد مجتمعنا القومي، سواء جاء هذا الكلام على لسان عناصر السلطة في العراق أم لم يأتِ. وهذه تجربتنا في لبنان هي أكبر دليل على مصداقية هذا المبدأ.
أما أن تحاول أن تلفت نظر القارئ لتخيفه من أن حسن بيان هو بعثي يؤيد نظام الحزب في العراق لتحسم معركتك ضده، فهذا سلاح مُصاب بالفلول. إنه شرف للبعثيين أن يدافعوا عن كل نظام عربي يلعب دوره القومي الأصيل. ولكن ليس البعثيين وحدهم، وخاصة في لبنان، يرون أن التيارات السياسية الإسلامية لن تحقق وحدة الدولة والقانون. فننصحك أن تستبدله بسلاح آخر.
دع المبالغات جانباً يا سالم حتى تصبح »مشكوراً«، فهل بربك أنت مقتنع حقاً، أم أنك تريد أن تساند رأي المخابرات الأميركية، عندما تقول بأن »لا أحد يجادل « في دموية السلطة العراقية؟ فتِّشوا عن ذرائع أخرى أكثر إقناعاً للآخرين غير الاتهام تحت شعارات رفض الدموية والمخابراتية وغياب الديموقراطية لأنها أصبحت نوعاً من الأغطية الاستعمارية التي تثيرها أجهزة المخابرات المعادية لتمرير مشاريعها المعادية. فهي تروِّج تلك الشعارات لتغطية جرائمها البشعة ضد الشعوب، ظناً منها أنها تجمع حولها عداء الشعوب لأنظمة لا تستجيب لإرادة المستعمرين.
هل حقاً أنت تدافع عن حقوق للطائفة الشيعية كممر لإلغاء الطائفية السياسية؟ وكسبيل لتكريس الانتماء الوطني؟
لا يرى من يسمعك تقول إن »قومية السلطة في العراق دمَّرت البلاد«، إلاَّ انك تُسقط معاداتك للقومية على كل من يفكر تفكيراً قومياً، وكأنك لا تريد أن يفتح أحد من العرب فمه إلاَّ لكي يروِّج لما تروِّج له المخابرات المركزية الأميركية وإلا ما تروِّج له المخابرات الصهيونية، وكأنك أصبحت في خندق واحد معهما لأنهما يريدان أن يسلبا أهم قوة من العرب ألا وهي وحدة الشعور القومي. إن أية قضية عربية هي ملك لكل عربي يمتلك الحد الأدنى من الشعور القومي. لا أنت ولا غيرك من المروجين للعداء ضد العروبة يستطيع أن يمنع أي عربي صادق ومؤمن من أن يرفع صوته بـتأييد العراق في معركته الدائمة والمستمرة ضد أميركا و»إسرائيل «. أتناسيت، من شدة غيظك من القومية العربية ما فعلته أميركا بأرض وطنك وأرواح شعبك وحبة الدواء لأطفالك وأطفال الآخرين؟ أتناسيت أن الحصار المفروض على العراق مفروض على كل العراقيين، وهو يشمل السنة والشيعة والعرب والأكراد؟ أتناسيت أن حبة الدواء المحجوبة محجوبة عن كل العراقيين؟ أنسيت كل المظالم التي يقوم بها الأميركيون أنها تطول كل العراقيين؟ أو لست تدري أنه إذا ركع العراق –لا سمح الله- أن العرب كلهم سيركعون؟ هل تدري أن حسن بيان –دفاعاً عن نفسه وعن لبنان من أن يركع- يستل قلمه للدفاع عن العراق؟
لا فضل لحسن بيان، أو لغيره من الأقلام، في أن يدافع عن العراق، فهو بلد عربي. ولا حجة لأحد أن لا يقاتل ضد أميركا –حتى ولو بالكلمة- لأن أميركا عندما تستهدف العراق فهي تستهدف كل بلد عربي، وعندما تستهدف فلسطين فهي تستهدف كل العرب. لقد كتب حسن بيان كثيراً عن فلسطين، فهل كان يعتاش، أيضاً، على شعار العروبة؟ لا بُدَّ من أنك كتبت عن قضية فلسطين، فهل هذا ممنوع عليك؟ وهل على الفلسطينيين أن يكرهوا الشعارات القومية لأن سالم مشكور كتب عنها وهاجم عملاء »إسرائيل« من الفلسطينيين؟ فحتى تكون يا سالم »مشكوراً« عليك أن لا تفصح عن عدائك وكرهك للشعارات القومية.
هل يحب الأميركيون الشعارات القومية؟ ولماذا؟ هم يكرهونها لأنها تعمل ضد ما تدَّعيه أنت، وكأنه حرص منك وغيرة على شيعة العراق؟ هل يريد الأميركيون مصلحة الشيعة في العراق؟ فإذا كان الجواب لا، فلماذا لم ترشقهم بوردة؟ على الأقل وردة واحدة من آلاف الورود التي ترشق بها دولتك؟
أما حول ادِّعائك بوجود مكتب الاستخبارات الأميركية في العراق، فلن يحولنا إلى سُذَّج وبسطاء نصدق ما ترمي إليه. لا تستغفل القراء. فهناك فرق بين أن يكون لكل سفارة في أية دولة جهاز استخباراتي تابع لها، أو كجزء متمم لعملها، وبين أن يلجأ أدعياء الوطنية وأدعياء الحرص على مصالح أبناء مذهبهم إلى مراكز الاستخبارات الأميركية في نيويورك ولندن وغيرهما من المراكز في شتى أنحاء العالم.
ولماذا يتواجد ملايين العراقيين خارج وطنهم؟ فإذا كانوا كلهم من المعارضين، فهل المعارضة في الخارج تُسقط النظام؟ وإذا كانوا في خارج وطنهم طلباً للعمل فعلينا أن نسأل مشكور، وهل خرج العراقيون بمثل تلك الكثافة إلى خارج وطنهم قبل الاعتداء الأميركي الوحشي على العراق في العام 1991م؟
لا تُسقط يا مشكور آثامك وهروبك من الحقيقة على القومية العربية، لأنك لا بُدَّ من أن تجد نفسك، إذا لم تكن قد وصلت بعد، أميركياً أو أي شيء آخر إلاَّ أن تبقى عربياً. وساعتئذٍ تستطيع أن تكون ما تشاء.
وإذا كنت تريد أن تهرب من قوميتك وتنسى هويتك وتكره عروبتك، لكي تهاجم القوميين العروبيين وتنكر عليهم واجبهم القومي، فمن العار عليك أن تطلب من الآخرين أن يرتكبوا الإثم الذي ارتكبته أنت بدون أي رادع ديني أو إنساني، فأنت قد نسيت قوميتك وكرهت عروبتك وتنكرت لأمتك، وكل هذا الكلام لا يعني إلاَّ أنك تكره أبناء مذهبك، ومتى أصبحت ضد قومك فلن تكون إلى جانب أبناء مذهبك على الإطلاق، فأنت عندما تدافع عن شيعة العراق فأنت غير صادق مع نفسك، فراجعها لتعرف إلى أي درك قد هوت.
3-لماذا جاء رد موفق الربيعي خالياً من أي اتهام لدور أميركا في ضرب شيعة العراق؟
يلقي الربيعي اللوم على القصور الأميركي في فهم » طبيعة النظام العراقي«، لذلك –كما يحسب- كانت أميركا مقصِّرة حول وضع تصور للطريقة »التي يمكن فيها تغيير نظام الحكم في العراق«. وحسبت أميركا، أيضاً –يقول الربيعي- إن العقوبات الذكية هي التي يمكن من خلالها »إزالة نظام الحكم وتقويض وجوده في السلطة«. ولما لم يسقط النظام. وهو لن يسقط، يحسب الربيعي أن المعارضة العراقية، خاصة موقعو »إعلان شيعة العراق «، فقدت الأمل في جدية الولايات المتحدة بالقيام بمثل ذلك الدور، فأصيبت بحالة »من الإحباط النفسي«!!!. وهنا يتأسف موفق الربيعي، أيضاً، ويلوم الولايات المتحدة الأميركية على موقفها السلبي مما يسميه الانتفاضة الشعبية الشيعية في آذار من العام 1991م، أي حركة التمرد في جنوب العراق التي حصلت تحت ستار العدوان الأميركي على بلده.
لما فقد الربيعي الأمل من أي دور يمكن أن تلعبه أميركا في تغيير النظام، وكان هذا الفشل موقع أسفه الشديد في أن عدو بلاده لم يتمكن من إسقاط سلطته الوطنية. ولما سادت من جراء ذلك »الأجواء الخاملة سياسياً«، وما حسبه الربيعي أجواء شعبية مشحونة، يقول بأن أهل الدار من شيعة العراق الموجودين في بريطانيا حاولوا أن يتولّوا المهمة التي كانوا يراهنون على أميركا بأن تقوم بها. أما مهمتهم فكانت »تجميع الرؤى الشيعية« لوضع دراسة حول »أبعاد المشكلة الطائفية في العراق«، فكانت الخطوة الأولى التي أوصلت إلى صياغة »إعلان شيعة العراق «.
بربكم هل الربيعي، استناداً إلى رسم دور الذين وقَّعوا »إعلان شيعة العراق «، هم عراقيون؟ وهل الذي يراهن على عدو بلاده إلاَّ عدواً لها؟ وما هو الفرق بين أميركا التي تضرب العراق وبين الذين يصفقون لها من العراقيين. طبعاً نحن نربأ بالشيعة أن يقفوا هذا الموقف المشين، لأن موقعي إعلان شيعة العراق لا علاقة لهم بالشيعة على الإطلاق، لا في العراق ولا في غيره.
يحاول الربيعي أن ينفي تهمة العلاقة بين الإعلان وبين المخطط الأميركي. إلاَّ أنه يعجز عن نفي التهمة، لأنه يعترف، بما لا يقبل الشك، أنه كان يراهن على الدور الأميركي. ولما فقد الأمل في جديته، عمل على إعادة التذكير بقضية العراق، لأنه لو كان المشروع الأميركي جدياً لما حاول الربيعي أن يُتعب نفسه في إعادة التذكير بقضية وطنه.
فبهذا المعنى نوافق الربيعي بأن هناك فصل بين »الإعلان« وبين المشروع الأميركي، بمعنى التنسيق المباشر. ولكن هناك وصل بين الإعلان وبين المشروع الأميركي، بمعنى أن لهما أهدافاً واحدة هو تغيير النظام. فالربيعي يرضى، بسابق إصرار وتصميم، أن يتم التغيير  على أيدي (الشيطان) حتى ولو كان أميركياً. والدليل الشكلي حول ذلك نقرأه من العنوان الذي وضعه الربيعي تحت الرقم (1): »1-الإعلان ليس جزءًا من (المبادرة) الأميركية«.
ليس وصف ما تقوم به أميركا بمبادرة هو الوصف الحقيقي إلاَّ إذا اعتبر الربيعي أن من حق الأميركيين أن يحددوا مستقبل العراق بالنيابة عن أبنائه. فليس استخدام تعبير (المبادرة) بالاستخدام البريء، بل هو اعتراف بحق الأميركيين وتأييد للطريقة التي يتعاملون بها مع العراق، سواء كان شعباً أو نظاماً. فموقف الحياد الذي يقفه عراقي بين النظام الذي يحكم بلاده وبين المواقف الأميركية المعادية لوطنه العراق وأمته العربية، ليس حياداً بريئاً، بل إنه منحاز إلى الموقف الأميركي ومبرر له. هذه حقيقة أولى.
أما الحقيقة الثانية، فهي أن »إعلان شيعة العراق«، لم يرشق الأميركيين بوردة، وكأن العدوان الأميركي في العام 1991م، على العراق لم يكن يطول حقوق الشيعة، وكأن الصواريخ الأميركية كانت تطالب لشيعة العراق بحقوقهم، وكأن (جورج بوش) كان يشعر بأن الهم الشيعي في العراق يؤرقه، وهو هدفه الرئيس.
ألم يتضرر شيعة العراق من العدوان الأميركي؟ ألم يدفعوا عشرات آلاف الشهداء؟ ألم يلحقهم التجويع والمرض من جرائه؟ ألا يستأهل ما لحق بشيعة العراق من آلام ودمار وقتل وتشريد، من جراء العدوان الأميركي، أي لوم من واضعي »إعلان شيعة العراق«؟
لم يوضح لنا الإعلان ولا توضيح الربيعي وضَّح لنا لماذا ترك كثيرون من السُنَّة أرض العراق والتحقوا في صفوف ما يُسمى بالمعارضة العراقية في الخارج؟ هل كان احتجاجاً على انتقاص حقوق شيعة العراق؟ وهل كان التحاق بعض الشيوعيين بالمخابرات الأميركية، كان بسبب انتقاص حقوق شيعة العراق؟ ولماذا ينضم بعض الأكراد السُنَّة إلى صفوف المعارضة، هل سبب التحاقهم هو غيرة على حقوق شيعة العراق؟
المعارضة العراقية في الخارج لها اتجاهات ومشاريع يختلف بعضها مع البعض الآخر. فهذا يحمل الهم المذهبي، وذاك يحمل همَّ أوهامه السياسية المتعصبة، وثالث يحمل أوهاماً ورؤى وعقد نفسية وحزبية، دفعتهم جميعاً إلى دوائر الخصومة مع نظام يقود العراق منذ عقود، أثبت من خلالها أنه يثير مخاوف أعداء الأمة العربية، ولولا ذلك لما كان قد تعرَّض إلى أكثر من عدوان، ولما كان العدوان مستمراً بالحصار، وبالتهديد والوعيد. لقد تناسى الجميع أنهم من حَمَلة الشعارات الجوفاء في محاربة الاستعمار، فإذا بهم حلفاء للاستعمار.
نحن لا نفهم كيف يكون في العراق تمييز بالتقديمات الاجتماعية والصحية والتعليمية بين الطوائف. فهل موقعو »إعلان شيعة العراق« يرون أن المدارس والجامعات والمستشفيات ووسائل النقل العام والرواتب والقيام بفتح المصانع أو تأسيس المزارع مفتوحة الأبواب أمام طائفة من دون الأخرى؟
وهل مساجد ومقامات جماعة دينية مفتوحة الأبواب ومُحاطة بعناية الدولة، بينما مساجد ومقامات الشيعة مقفلة أمام الشيعة؟
لا يمكن أن نعالج الطائفية بمثل الأسلوب الذي يدعو إليه الربيعي، لأننا نكون كمن يعالج المسموم بإعطائه المزيد من جرعات السم.
إن للطائفية السياسية وجوه واضحة، كما هو حاصل في لبنان، ففي لبنان نظام –حتى لو كان مؤقتاً أو عُرفاً- يوزِّع المواقع السياسية والإدارية على الطوائف. وعلى الرغم من هذا التوزيع، يعترف اللبنانيون أن التوزيع والتقسيم هو من أسوأ الأنظمة. ويتم العمل من أجل استبداله بنظام يعترف للمواطن بحقه ويُلزمه بواجباته من دون النظر إلى دينه أو مذهبه. ومن هنا، نرى أن »إعلان شيعة العراق « يدعو إلى قيام نظام شبيه بالنظام اللبناني، بحيث تتكرَّس الطائفية السياسية لا أن يتمَّ إلغاءها تحت حجة الاعتراف بالحقوق السياسية للطوائف. أما حول التمايز المذهبي أو الديني فهذا حق يكفله الدستور على أن تكون الروابط القومية والوطنية هي المعيار الأساس الذي نقيس عليه حقوق الإنسان وواجباته.
أما حول ما يثيره الربيعي من أن النظام القائم مارس »إساءات متعمَّدة ومتواصلة للتراث الثقافي والديني للشيعة«، فهذا اتهام يمكن إعادة النظر فيه. ولأنني لن أقوم مقام العراقيين في نفي أو تأكيد ما يقوله الربيعي، فإنني أتمنى أن يُسأل الشيعة اللبنانيون من الذين يقومون بزيارة العتبات المقدسة في العراق، ومن ضمن وفود متواصلة، وأن يُسأَل الزوَّار الشيعة الإيرانيون عن رأيهم بما يرون ويشاهدون بأنفسهم عن صحة أو كذب ما يدَّعيه الربيعي.
فليذكر لنا الربيعي، وليسأل من درسوا سابقاً، أو من يدرسون حالياً في النجف الأشرف إذا كانت أية قوة مرئية أو غير مرئية قد فرضت مناهج للدراسة في كليات النجف أو معاهده؟ وهل نسي الربيعي أن الخميني، بنفسه، كان من بين العلماء الشيعة الذي كان يلقي دروسه في النجف؟ وهل يعلم الربيعي أن أهم ما كتبه الخميني حول ولاية الفقيه، ونشره في كتاب عنوانه »الحكومة الإسلامية«، كان عبارة عن محاضرات ألقاها الخميني مع طلاب النجف في العام 1968م؟ وعلى الرغم من ذلك لم يلقَ أي اعتراض أو إساءة، والدليل على ذلك أن ضيافته في العراق استمرت –على الأقل- عشر سنوات بعد إلقائه محاضراته تلك؟ وهل الخلاف الذي حصل بينه وبين النظام العراقي كان خلافاً مذهبياً أو خلافاً سياسياً؟
يظهر الربيعي قلقه من أن النظام يعمل من أجل تغيير التركيبة السكانية للعراق من خلال استقدام ملايين المصريين، أو من خلال محاولات إسكان الفلسطينيين في العراق. فهذا خوف ساذج وسطحي، وإلا فليقل لنا الربيعي كم بقي من المصريين في العراق بعد العدوان الثلاثيني عليه؟ وهل أعطاهم النظام الهوية العراقية؟ وهل يتعرف العربي على مذهب العراقي من خلال هويته؟ وهل تضع دوائر النفوس العراقية المذهب الديني للعراقي على هويته لتمييز العراقي عن الآخر؟
أما بالنسبة للفلسطينيين، فهل يدري الربيعي أن من أهم شروط رضى الأميركيين عن النظام مشروط برضى العراق بتوطين الفلسطينيين؟ وهل يدري أن من أهم أسباب العدوان عليه هو موقفه المتميز من القضية الفلسطينية؟ ونتيجة موقف العراق الرافض لتغيير هوية فلسطين يرفض رفضاً مطلقاً إعطاء الفلسطينيين الهوية العراقية؟

4-طبيب يداوي الناس وهو عليل

كان من الأفضل والأكثر شرفاً للطبيب العراقي الذي يسكن في الولايات المتحدة الأميركية وتسكن في نفسه أجهزة مخابراتها أن يداوي نفسه من مرض »نقص المناعة « الوطنية والقومية، ومن رهاب قلة الثقة بالنفس، والخوف من قوة »الرعب الأميركية«، التي منعته من أن يعترف بفظاعة العدوان الذي شنته الولايات المتحدة الأميركية على شعب العراق، الشعب الذي يدَّعي الطبيب العليل بأنه ينتسب إليه.
إذا كان حسن بيان محام عن العراق، وهو بلد عربي، فله الشرف بأن يدافع عن بلد عربي تنكَّر له بعض أبنائه وراحوا يسهرون –على وقع موسيقى القنابل الأميركية التي تتساقط على رؤوس العراقيين- في ملاهي لاس فيغاس وغيرها. أما أنت فغض الطرف لأنك تدافع عن »الشيطان الأميركي الأكبر«، فلا وطنيتك وقوميتك بلغت ولا أبناء مذهبك محتاجون لوصفاتك الطبية. شيعة العراق يموتون ولا يأكلون »بأثدائهم«، فانظر أيها الطبيب البارع أين تبيع بثدييك.
تشخيصك للمرض المصاب به حسن بيان ليس سوى إسقاط لأمراضك على الآخرين، فكان عليك لو لم تكن مصاباً بقصور النظر أن ترى جرائم الأميركيين بحق شعبك في العراق، وبحق أخوتك في فلسطين، وبجرائم تزويد الكيان الصهيوني بكل أنواع الأسلحة الفتاكة هذا غير التأييد السياسي اللامحدود.
حبذا لو تجرَّأ الطبيب العليل أن يقول بأن العراق هو من أهم الأهداف التي على أمريكا أن تزيلها من خريطة المنطقة، ليس حباً بنقل الديموقراطية إلى العراق لحماية الطبيب العليل، بل كرهاً بهذا النظام الذي أراد أن يمتلك التكنولوجيا الذرية والتسليحية التي تصنع القنبلة العربية والصاروخ العربي.
5-مدين الموسوي يتجاهل من هم الأميركيون الفعليون
قل لي عمن تدافع أقول لك من أنت.
إنني أسألك يا سيد مدين عن القاعدة الوطنية التي ابتدعتها وقرَّرت صلاحيتها؟ من أين جاء الحق للمعارضة في أن تختلف ومع من تختلف أو تتفق مع من يتَّفق مع أهدافها؟
لو كان المبدأ محدداً وخاصاً لما لفت انتباهنا، ولكن جاء مبدؤك عاماً وتناسى أن بعض التحالفات مشروعة وبعضها الآخر غير مشروع.
أنت تتغنى، بلا شك، بدور المقاومة ضد العدو الصهيوني، وتعرف أن هذا هو الوجه الوطني الأصيل، فهذا وجه من وجوه الحقيقة. أما الوجه الآخر للحقيقة فهو أن تهاجم كل من تعاون وتحالف مع ذلك العدو من اللبنانيين. إن المجموعات التي تعاونت مع العدو، وهي –حكماً- خائنة لبلدها. كانت تلك المجموعات تدَّعي أنها تعمل على طرد المقاومة الفلسطينية من لبنان. وهي الأهداف ذاتها الذي يعمل العدو الصهيوني من أجل تحقيقها. فهل تعطي وحدة الأهداف بينهما الحق لتلك المجموعات في أن تتحالف مع العدو؟ وهل ترى أن من يتعامل مع العدو الصهيوني، من العرب ومن اللبنانيين، إلاَّ خائناً لوطنه؟ لماذا؟
يخوض لبنان صراعاً مع العدو الصهيوني، فمن بديهيات الأمور أن يقاوم اللبنانيون ذلك العدو، سواء الذين يؤيدون النظام اللبناني أو الذين يعارضوه؛ ولا عذر لأي لبناني أن يتذرَّع بتحالفه مع العدو بأنه معارض للنظام اللبناني من جهة، وأن أهداف العدو تتلاقى مع أهداف المعارضين من جهة أخرى، فالذين تعاونوا مع العدو من اللبنانيين كانوا يريدون اقتلاع المقاومة الفلسطينية من لبنان، وهذه هي أهداف العدو ذاتها أيضاً. فبناء على قاعدتك في أصول التحالفات تعطي مبرراً مشروعاً لعملاء العدو الصهيوني في أن يعقدوا تحالفات معه، لأنهم أحرار في أن يعقدوا تحالفات مع أية جهة تلتقي أهدافهم مع أهدافها. لكن القاعدة الثابتة والتي لا لبس فيها، هي أن تعاون أية مجموعة من بلد ما مع عدو بلدها يتَّصف بالخيانة، سواء كانت معارضة لحكم بلدها أم كانت موالية له. فيصبح من بديهيات الأمور أن يكون كل من يتعاون مع العدو الصهيوني خائناً لوطنه.
تعرَّض العراق، وما زال يتعرَّض، للعدوان الهمجي الأميركي، والعراق بلد عربي، فواجب على العرب أن يساندوا العراق ويشاركوه في مقاومة العدوان، وهذا ما يُرتِّبه الواجب القومي عليهم. وكل عربي يشارك الأميركيين في العدوان، أو يسكت عنه، هو من الذين يخونون واجبهم القومي. وواجب على كل العراقيين، سواء الذين يؤيدون النظام أو يعارضوه، أن يقاوموا العدوان الأميركي، ولا حجة لهم أن يقولوا بأن العدوان الأميركي يعمل لإسقاط النظام في العراق، وتلتقي أهدافه وتتفق مع أهداف المعارضة العراقية التي تعمل لإسقاط النظام، فهل يبرر المبدأ الذي وضعه الموسوي أن تتحالف المعارضة العراقية مع أميركا المعتدية على حرمات العراق، أرضاً وشعباً؟
يجيز موفق الموسوي هذا التحالف وهو مقتنع تماماً بشرف التعاون مع الأميركيين، فهو يدافع عن أهمية »العامل الأميركي« الذي ليس بهامشي ولا ضئيل، بحيث لا يمكن للمعارضة العراقية أن تهمله أو تتجاوزه، بل عليها أن تستند إليه وتعمل على مساعدته في سبيل إسقاط النظام العراقي. فأي منطق هو الذي يقودك يا موفق الموسوي لكي تؤكد حقاً للمعارضة العراقية بأن تتعاون مع العدو الأميركي ضد بلدك؟ هل التعاون الدولي والعربي مع الأميركيين يعطيك المبرر لأن تنزلق إلى تحالف مع عدو ضرب بلدك ويعمل على احتلالها ويديم حصاره الجائر حولها؟ وهل ستتحقق مطالب شيعة العراق إذا استطاع العدو الأميركي أن يُسقِط نظام الحكم في العراق؟
هذه إيران، ذات الحكم الشيعي، أدخلها الأميركيون في دائرة »تحالف الشر والإرهاب«، ولم تشفع لحكمها الشيعي ولا لأكثرية سكانها الشيعة أن يستبعدهم الأميركي من عدوانه. فلا هنا تجد تبريراً، في سبيل الدفاع عن حقوق شيعة العراق، ولا تبريراً للأميركي في الاعتداء على العراق بحجة إسقاط النظام البعثي، فها هو يستهدف نظاماً بعثياً قومياً من جهة، ونظاماً شيعياً من جهة أخرى. أوَ لم تتساءل عن ماهية دوافع العدوان الأميركي على نظامين أحدهما يقوده فكر قومي وآخر يقوده نظام شيعي؟
هل أصبح مثالك الأعلى أن يتسارع المهرولون على طرق أبواب الرضى والبركة الأميركية؟ فأين هي ثوريتك يا ترى؟ أوَ لم تغادر بلدك لأنك ثوري؟ أغادرتها لتلتحق بركب المهرولين أفراداً ودولاً؟
إسمح لي يا موفق أن أقول لك إنك تبرر لعملاء إسرائيل من اللبنانيين خيانتهم لوطنهم، فقد أعطيتهم صك البراءة عندما أجزت للمعارضة العراقية أن تتحالف مع ألد أعداء وطنه من الأميركيين. فكما هو مشروع للمعارضة العراقية –استنادا إلى مبدأك في التحالفات- أن تتحالف مع الأميركيين الذين يعتدون على بلدك العراق، أصبح من المشروع لبعض المجموعات اللبنانية أن يعقدوا تحالفاً مع العدو الصهيوني الذي يمارس اعتداء على بلدهم لبنان.

6-كمال حسين يبرر للجندي العراقي أن يخون وطنه بسبب كرهه للنظام
من الأهمية بمكان أن نسأل كمال حسين، هل لجأ العراقيون المعارضون للنظام العباسي عندما هاجم هولاكو وجنكيزخان بغداد وأحرقوها، ولونوا مياه دجلة والفرات باللون الأسود بحبر مكتباتها؟
بلى لقد لجأ عدد من المعارضين للخليفة العباسي، يومئذٍ، إلى صفوف جيش هولاكو وجنكيزخان. وهنا أستحلف كمال حسين، الكاتب العراقي اللاجئ في السويد، أية نعوت ألصقها التاريخ بهم؟
بلى لقد هاجر مئات الضباط العراقيين، بعد العدوان الأميركي على العراق، إلى كنف من جعلوا مياه دجلة والفرات سوداء من حبر مشاريع التكنولوجيا العراقية التي كانت تأمل بتحرير العقل العراقي والعربي من التبعية للغرب. لقد تحوَّلت مياه دجلة والفرات إلى اللون الأسود عندما قامت أميركا، هولاكو القرن العشرين، بإتلاف وثائق مفاعل تموز للعلوم الذرية، وإتلاف وثائق مشاريع الصواريخ التي دكَّت تل أبيب لأول مرة في تاريخ الصراع العربي – الصهيوني. ولماذا لا يلجأ الهاربون من وهج اكتساب التكنولوجيا الحديثة التي عمل في سبيلها النظام القائم، والتي من أجل منعه من امتلاكها تعرض، وما زال يتعرض، لأبشع عدوان عرفه تاريخ المنطقة العربية. فهل يظن الهاربون أن العدوان على العراق كان من أجل سواد عيون حقوق شيعة العراق، ومن أجل تأمين الديموقراطية للهاربين؟ وهل يظن الهاربون أن العدوان على العراق كان من أجل عيون الديموقراطية لكي يتمتع الهاربون بنعيمها؟ وهل يظن من زرعوا الفوضى في جنوب العراق تحت حراب العدوان الأميركي أن أهداف ذلك العدوان كان من أجل أن يبني لهم دولة شيعية في جنوب العراق لإزالة الظلم اللاحق بالشيعة؟ وهل ظنَّ الذين زرعوا الفوضى في شمال العراق أن أهداف العدوان الأميركي على العراق أن يبنوا دولة كردية تتمتع بالاستقلال والحرية؟
إسألوا بعض اللبنانيين الذين راهنوا على النخوة الأميركية، والذين راهنوا على النخوة الصهيونية، كيف كانت نتائج مراهناتهم؟ وإلى أين وصلت بهم سفن المراهنة على العدوين معاً؟
إسألوا بعض اللبنانيين الذين راهنوا على خرائط تقسيم لبنان بين طوائفه أين أصبحت مراهناتهم؟
هل تناسيتم تعاون سعد حداد الضابط اللبناني سابقاً، وانطوان لحد، اللواء السابق في الجيش اللبناني، مع العدو الصهيوني؟ ألا يمكن أن يعطي هروب بعض ضباط الجيش العراقي للتعاون مع المخابرات الأميركية مبرراً لرفع تهمة خيانة حداد ولحد لوطنهما، ولرفع ما ألحقه كلاهما من تلويث بشرفهما العسكري؟
تعلموا أيها المعارضون العراقيون من تجربة اللبنانيين. فلا معارضتهم من الخارج نفعت، ولا مراهناتهم على الخارج أطعمتهم خبزاً وأكسبتهم شرفاً. فعودوا إلى رشدكم، وعودوا إلى وطنكم فهو مهما قسا عليكم فهو أرحم بكثير من عطف الأعداء الكاذب عليكم. وهو متى ما استطاع أن يصل بمخططاته إلى درجة النجاح، فسوف تكونون كما قال نابليون للجاسوس الذي قدَّم إليه خدمات ضد بلده: خذ هذه الحفنة من المال أجراً لك ولكنك لست جديراً بمصافحة نابليون لأن من خان وطنه لن يكون اكثر أمانة لعدو وطنه. فأنتم، بالتأكيد، تخسرون الوطن ولكنكم لن تكسبوا صداقة العدو أيضاً.
لبنان في 27 / 7 / 2002م
***



 (2): كي لا يحجب دخان التفتيش عن أسلحة العراق حقيقة الأهداف الأميركية
26/ 1/ 2003م
قاد جورج بوش الأب حرباً عدوانية ضد العراق في العام 1991م. وقرع بيل كلنتون، رئيس أميركا السابق، طبول الحرب ضد العراق. وهذا خلفه جورج بوش يرفع وتيرة التهديد بها.
تحشد أميركا أساطيلها، المحتشدة أصلاً في مياه العرب. وتحشد جيوشها وخبراءها العسكريين، المحتشدين أصلاً على الأرض العربية. أما السبب المعلَن فهو تجريد العراق من أسلحة الدمار الشامل.
قبل خروج آخر مجموعة من الخبراء الدوليين من العراق، في العام 1998م، كانت كل التقارير الواقعية تدل على أن العراق أصبح خالياً من تلك الأسلحة. لذا أخذ يطالب بتنفيذ الشق المتعلق برفع الحصار عنه، وأيدته معظم الدول ذات العضوية في مجلس الأمن. ولما وجد العراق أن الولايات المتحدة راحت تعمل على تعطيل صدور مثل ذلك القرار  طلب من المفتشين الدوليين، في العام 1998م بالخروج من العراق.
عبثاً وجدت تلك اللجان بعد مرور ستة أعوام على قيامها بالتفتيش. وكي لا يفك الأميركيون الحصار عن العراق، قبل أن يستجيب  لمتطلبات المشروع الأميركي المعادي، اختلقوا الذريعة تلو الذريعة، والاتهام تلو الاتهام لمنع مجلس الأمن من الانتقال إلى بحث الشق المتعلق بفك الحصار. ولما كانت مصالح المشروع المعادي تتناقض مع فكه لجأ الأميركيون إلى افتعال الأزمة تلو الأزمة كتكتيك يمنع مجلس الأمن من الانتقال إلى الشق المذكور.
وتعطيلاً للدور المنوط بمجلس الأمن جدَّد الأميركيون ادِّعاءاتهم باتهام العراق بأنه لم يتخلص من أسلحته كلها.
يعرف العراق تمام المعرفة حقيقة الموقف الأميركي أنه ليس بوارد فك الحصار عنه سواء كان يمتلك أسلحة أو حتى لا يمتلكها، فالإدارة الأميركية مارست عدوناً عليه من أجل إرغامه على التراجع عن المشروع الأكبر الذي كان يقوم بتنفيذه بدقة، وهو العمل من أجل المشروع النهضوي الوحدوي العربي المدعَّم بأليات لتحديثه على شتى المستويات. وظلَّ رافضاً كل أنواع الضغوط  من أجل فرض التراجع عنه.
لما رأت الإدارة الأميركية نفسها عاجزة عن تحويل موقف العراق المبدئي وسوقه باتجاه الاستجابة إلى منطق الهيمنة على المنطقة، وعلى رأسها المحافظة على أمن حليفها المتمثل بالكيان الصهيوني، ولما عجزت عن الحصول من العراق على ما يجعل أصحاب الرساميل الأميركيين  مطمئنين على مصالحهم في المنطقة العربية، أعلنت الحرب ضده تحت ستار الأسباب التي عملوا على الترويج لها من أجل جعل العالم يقتنع بصحة ادعاءاتهم.
استناداً إلى ما ورد أعلاه، لا بُدَّ من أن نتساءل: هل حقيقة أن الإدارة الأميركية جادة بتأجيج الحرب ضد العراق؟ أي هل يقوم الأميركيون بشن تلك الحرب أم أنهم غير جادين؟ هل يتعرَّض العراق لضربة عسكرية أم أنه يستطيع أن ينجو منها؟
بين متفائل ومتشائم، بين من يروِّج إلى جدية التهديدات الأميركية ومن يخفف من وطأتها، عشنا في مرحلة الجدل البعيد عن الواقع، وكأن تلك التهديدات جاءت كموجات من الدخان للتعتيم على حقيقة الأهداف الأميركية التي يقومون بالعمل من أجلها وينفذونها بالفعل. فأين تقع حقيقة تلك الأهداف؟
علينا أولاً أن نتساءل: هل التهديدات الأميركية هي المظهر الوحيد للحرب والعدوان؟ وهل الحصار المفروض على العراق إلاَّ نوع من أنواع الحرب الحقيقية؟ وهل برنامج ما يُطلَق عليه »النفط في مقابل الغذاء« إلاَّ وجه آخر من أوجه العدوان والحرب؟ وهل احتضان ما يُسمَّى بالمعارضة العراقية في المنفى إلاَّ وجه واضح من أوجه العدوان يتمظهر بالتدخل بالشؤون الداخلية للدول ذات الاستقلال؟ وهل مطالبة الرئيس العراقي بالتخلي عن الحكم إلاَّ اعتداء سافر على حرية الشعوب باختيار الأنظمة السياسية بنفسها، ومن دون أية ضغوطات خارجية؟ وهل وهل وهل  إلاَّ أوجه متعددة من أوجه الحرب والعدوان؟ وهل للحرب والعدوان وجه عسكري فحسب؟
كلها أسئلة نتلهى عن الغوص في تحليلها ونبتعد عن الاعتراف بحقيقة الواقع عن أبصارنا عندما نقوم بالتلهي في لعبة هل ينفذ الأميركيون تهديداتهم أم يؤجلوا التنفيذ؟
إن العراق يتعرض إلى الحرب والعدوان في كل يوم وبواسطة أكثر من وجه. وحتى لا يعمينا دخان التهويل بالحرب العسكرية عن حقيقة الأمر، علينا أن ننتقل إلى حقيقة ما يجري تنفيذه الآن من مخططات.
في الأساس تعمل الإدارة الأميركية من أجل إخضاع العالم كله لوضع دوله في خدمة المصالح الأميركية. وتأتي السيطرة على ثروة الأمة العربية حلقة أساسية في مخططها للسيطرة على مصادر الطاقة، وإذا ما حصلت سوف تقوم  الإدارة الأميركية بممارسة ابتزازها على كل دول العالم. ولأن العراق جزء أساسي يحول دون نفاذ المخطط الأميركي وُضع على رأس الأولويات في الاستهدافات العدوانية الأميركية. ولهذا سوف تستمر في ممارسة ضغوطها على قاعدة إذا لم تستطع السيطرة على العراق كله فليكن جله.
فالقضاء على النظام السياسي في العراق يسمح للمشروع الأميركي بالنفاذ وهو الهدف الحقيقي للمشروع المعادي. وإذا حالت وقائع الأمور دون إسقاطه فتكبيل يديه ورجليه ومنعه من الحركة بديل واقعي، وإذا استطاع المشروع المعادي أن يكبل يديه فقط فسيكون الحل الممكن والمستطاع.
عاجزة الإدارة الأميركية عن تنفيذ أي من السيناريوهات التي تسربها إلى وسائل الإعلام، ولو كُتب لواحد منها حظ من النجاح لما تأخرت عن تنفيذه حتى الآن. وبسبب عجزها عن تحقيق الهدف الأساسي فإنها ستعمل الآن وغداً- من أجل إبقاء العراق مكبلاً، وليس من طريقة أفضل من إبقاء الحصار مفروضاً عليه، ومن إبقاء ميزانيته مرهونة لقراراته بواسطة اللجان الدولية.
وهل تستطيع الإدارة الأميركية أن تُبقي على العراق أسيراً ومكبلاً إذا أعلنت مجموعات التفتيش أنها لم تجد في العراق ما يبرهن على خلوه من الأسلحة / الذريعة الأساسية؟
لمثل هذا السبب سوف ترضى أميركا بالتمديد، شهراً فشهراً، لفرق التفتيش. وفي التمديد تأجيل لفتح ملف استحقاق فك الحصار عن العراق. وماذا تفعل أميركا في تلك المراحل؟
لا شك بأن قرع طبول الحرب سوف يستمر. وفي استمرار قرعها تنشد الولايات المتحدة عدة من الأهداف، ومن أهمها:
1-الحؤول دون فتح ملف فك الحصار عن العراق. ويتم ذلك من خلال إلهاء دول العالم بالعمل من أجل تخفيف حدة الاحتقان العسكري.
2-التعتيم على كل ما يجري من جرائم على الساحة الفلسطينية.
3-إبعاد فتح ملف التسوية للصراع العربي الصهيوني قبل تطويع الموقف الفلسطيني وإجهاض انتفاضة شعب فلسطين، لأن العدو الصهيوني لن يفتح ملف التفاوض مع العرب، بينما شوكة الانتفاضة الفلسطينية تدمي خاصرتيه.
4-تنفيذ المخطط الأميركي بالاحتلال العسكري المباشر لأراضي دول الخليج العربي، وتدعيم وجودها العسكري المباشر في الدول المتاخمة لآبار النفط، لأنها لم تعد تثق بوسائل الحماية السابقة. فلم يعد يحك الجلد الأميركي إلاَّ أظافره.
استناداً إلى كل ذلك علينا أن لا ندع دخان التهويل بالحرب والعدوان على العراق يعتم على الحقيقة كاملة. فالتهويل بها أو حتى استخدامها بشكل أو بآخر هو من الذرائع الأساسية التي تبرر  الاحتلال العسكري الأميركي المباشر  للمنطقة. ومن المستحيل على الإدارة الأميركية أن تدع لأنظمة المنطقة ولشعوبها محطة استراحة يفكرون في أثنائها  كيف يعملون من أجل إقلاق راحة الأساطيل والجيوش الأميركية حتى ولو بالنقد الكلامي. ولهذا سوف يبقون سيوف الحرب مشرَّعة ضد العراق لتخويف الأنظمة الصديقة لهم.
إلى ماذا تقودنا تلك الحقائق؟
من بعض الحقائق، التي على حركة التحرر العربية أن توليها اهتماماً، أن تعيد صورة الصراع بين المشروعين القومي النهضوي التحرري والاستعماري الامبريالي إلى حقيقته. وهو إخراج مسألة تأييد العراق، وكأنها مسألة وطنية إلى دائرتها القومية، لأن المقصود من ممارسة الضغط على العراق السيطرة على الأمة العربية كاملة. وعليه يصبح من مهمات حركة التحرر العربية أن تربط النضال على الساحات الوطنية بالنضال من أجل فك الأسر الذي فُرض على العراق، لأن في إطلاق طاقاته مخزوناً ثورياً صلباً لحركة التحرر العربية بشتى اتجاهاتها وفصائلها. لذا يأتي إطلاق شعار المقاومة العربية الشاملة في كل قطر عربي  من أهم الوسائل التي تناهض المشروع الإمبريالي وتقف في وجه إحكام قبضته على المنطقة العربية، والتي تنتشر مظاهرها بمثل سرعة انتشار بقعة الزيت.
***


 (3): حق للقوميين أن يدافعوا عن العراق وواجب عليهم، وحق للعرب أن يستفيدوا من تقنيات العلوم أياً كان مصدرها


شباط  2003

لماذا يعاني بعض من يعتبرون أنفسهم من المعارضين، للنظام السياسي في العراق، من عقدة دفاع بعض المثقفين العرب عن العراق؟ ولماذا ينسبون كل دفاع عنه وكأنه مدفوع الأجر مسبقاً؟

ولماذا ينسبون كل تعاون تقني بين دول الغرب والعراق وكأنه تهمة للعراق بالعمالة لهم؟
وهل التعاون التقني بين طرفين، أحدهما العراق والآخر هو تلك الدول، يصب بالضرورة في مصلحة محور الدول الإمبريالية؟
 وهل التعاون التقني بين طرفين متناقضين هو بالضرورة ارتهان إيديولوجي للمستورد لإرادة المضمون الإيديولوجي للمصدِّر؟
استناداً إلى تلك الهواجس سنعمل من أجل توضيح ما هو ملتبس في أحكام من حكم، لعلَّنا بمثل هذا العمل نساعد على شفاء من يشقى بمرض العقدتين، وهما: الترابط الإيديولوجي القومي بين المثقفين العرب وبين قضايا الأمة الوطنية أولاً. أما الثاني فيطرح إشكالية المدى الذي يمكن أن يستند إليه حق الدول النامية في الاستفادة من تكنولوجيا محور دول الغرب الإمبريالي.

أولاً: زاوية النظر إلى العلاقة بين المثقف العربي وبين القضايا الوطنية الساخنة:
إذا كنت ذو اتجاهات قطرية فافعل ما تشاء لتدعيم قطريتك، لكن فلتعلم أن قطريتك آفة من آفات ضعفنا العربي. أما إذا كنت قومياً، وهذا من أهم واجبات العربي، فمساحة رأيك لن تقف عند حدود هذا القطر أو ذاك. وإذا كنت أممياً فلن تحد من أمميتك خصوصيات القضايا القومية السياسية والفكرية والاقتصادية.
استناداً إليه هل لا يجوز للعراقي أن يبدي رأياً بما يجري في لبنان وفلسطين ومصر وقطر؟ وهل لا يجوز للمثقف اللبناني أن يبدي رأياً بما يجري في العراق وفلسطين ومصر وقطر؟
من جانبنا، لأننا نعتنق إيديولوجيا قومية عربية، نرى أنه ليس من المستحبات أن نبدي رأياً فيما يجري على كل ساحة قطرية فحسب، بل نرى أنها من الواجبات أيضاً.
فإذا كان كل تأييد لكل قضية وطنية ممنوعاً على من هم من أقطار أخرى، تحت طائلة الاتهام بأنه »رأي منتفع« ليس لسبب إلاَّ  لأن الرأي لا يروق لتقييم معارض لنظام من هنا أو من هناك، أو لأنه لا يدغدغ عواطفه، فهو منتهى الشوفينية واللاديموقراطية.
وإذا صحَّ ما يكيله بعض من يسّمون أنفسهم معارضين عراقيين من اتهامات لكل مثقف عربي يريد أن يشارك العراق في صد العدوان الأميركي عليه، سواء بالكلمة أو السلاح، لكان من البديهي -على سبيل المثال- أن نتَّهم (جورج غالوي) النائب في مجلس العموم البريطاني بالمنتفع من النظام العراقي لأنه يدافع عنه، ويقول بكل وضوح: إنه ليس من حق جورج بوش أن يتدخَّل في تغيير نظام اختاره شعبه.
ومن جهة أخرى نحن مقتنعون -كمثقفين قوميين- أن العدوان الذي تقوده أميركا ضد العراق، هو عدوان على الأمة العربية كلها، ومقتنعون -أيضاً- أنه ليس من أهدافه أن يساعد من يطلقون على أنفسهم المعارضة العراقية لإحلال النظام الديموقراطي في العراق، بل هو عدوان تمارسه أميركا من أجل السيطرة على آبار النفط العراقية أولاً، وإجبار العراق على التنكر لإيديولوجيته القومية الوحدوية ثانياً.
ونقولها، كعرب يشعرون بمدى خطورة ما يجري ضد العراق، لكل الذين يعتبرون أنفسهم من قوى معارضة للنظام السياسي في العراق: من الخطأ الفادح، أن لا يحسبوا أن أوان معركتهم، غير حماية العراق، مناسب  في مثل هكذا ظرف، ومع هكذا حليف. وإذا حسبوا غير ذلك فسوف تسوء الظنون بهم وتأخذ كل المناحي غير منحى محبة العراق والحرص عليه. إن كيان العراق ووجوده مهددان بالخطر الشديد، وثروات العراقيين مهددة بالسرقة، فعليهم -أولاً وقبل أي شيء آخر- أن يحافظوا على وجود العراق ضد الإلغاء، ليبقى للعراقيين وطن يتفرغون من بعد حمايته إلى تجميله بما يتفقون عليه من المشاريع السياسية. فمن الخطأ الكبير أن تذهب إلى المزين ليصفف لك شعرك بينما رأسك محكوم عليه بالقطع.

ثانياً: في الاتفاق حول إشكالية حق الدول النامية في الاستفادة من التقدم التكنولوجي من أي مصدر يمكن الوصول إليه:
فإذا كان محور دول الشر الإمبريالي يمتلك التقدم التقني، وعلى رأسه تقنيات السلاح الاستراتيجي، الذي يهدد به الدول الأخرى، فهل يُحرَّم على من يعملون من أجل إيديولوجيات متناقضة معه أن يستفيدوا من تقنياته؟
من السذاجة بمكان، عند المدافعين عن قضاياهم العادلة، أن يزهدوا بالحصول على علوم وتقنيات من أميركا إذا كانت تساعدهم على امتلاك القوة للوقوف في وجه مشاريعها في الاستغلال والهيمنة. وإذا كان الأميركيون والبريطانيون الذين هم الأكثر عداءً لقضايا أمتنا العربية في المرحلة الراهنة- قد باعوا العراق تكنولوجيات أسهمت في صنع سلاح عربي استراتيجي، لا يعني على الإطلاق أن الإيديولوجيا القومية العربية التحررية التي يعمل من أجلها العراق أصبحت مُرتهَنة لإيديولوجيا الاستعمار الأميركي البريطاني. وإنما العكس هو الذي تثبته وقائع المرحلة الراهنة.
ليس هذا من قبيل الدفاع الإعلاني!!! بل إن الواقع هو الذي يثبت ذلك. أو لا يكفي دليلاً أن تدمير ما يمتلكه العراق من أسلحة تم تدميرها، هو من أهم هموم التحالف الأمبريالي - الصهيوني؟ أو ليس العمل باستماتة ونفاد صبر- لتدمير العقل العراقي الذي امتلك خبرة ومراساً، هو دليل آخر على أصالة الهدف الوطني والقومي للنظام السياسي في العراق؟
في التمييز بين العمالة واللاعمالة لا يمكن تحكيم طريقة الحصول على خبرة تصنيع الأسلحة، بل إلى تحكيم الهدف الذي من أجله تُوظَّف تلك الأسلحة بعد تصنيعها، أو حتى استيرادها مُصنَّعَة من الشرق أو الغرب.
وهنا نتساءل: ما هي الأهداف التي وضعها العراق عندما تمكن من الحصول على التكنولوجيا من الغرب، والشرق أيضاً؟
نسأل لنجيب: إسألوا العدو الصهيوني واسألوا أميركا فعندهم الخبر اليقين.
ليس العراق وحده هو الذي استورد التكنولوجيا من الغرب. فهل هناك نظام عربي واحد لم يستورد الأسلحة الغربية؟ ولماذا ننسى الجميع ولا نرشقهم بوردة، بينما لا نرى القشة إلاَّ موجودة في عين العراق؟ فهل من دليل على مرضى »عمى الألوان« أكثر من هذا »الحول السياسي«؟ أو ليس من العدالة أن ننظر إلى الجميع نظرات متساوية؟
أو ليس من حقنا أن نتساءل: لماذا سكت الأميركيون والبريطانيون عن الأسلحة التي أودعوها مخازن بعض الأنظمة العربية غير العراق؟
أو ليس من حقنا أن نتساءل: لماذا يجهد الأميركيون أنفسهم في التركيز على تدمير أسلحة العراق بمفرده؟
إن الجواب الذي لا بُدَّ منه هو أن العراق استورد التكنولوجيا الغربية، ولكنه وظَّفها في دائرة الصراع العربي الصهيوني، وفي دائرة الصراع بين حركة التحرر العربية والإمبريالية. ولهذا قامت قيامة التحالف »البوشاروني«، كأحد وجوه التحالف الأميركي - الصهيوني،  ضد العراق، ولن تقعد حتى يضرب كل ما يمكنه من مرتكزات القوة العراقية، في السياسة والفكر والاقتصاد.
ليس استيراد الخبرة التكنولوجية جريمة، حتى ولا استيراد المواد الأولية لتصنيعها، بل عدم استيرادها هو الجريمة.  فمن أهم مظاهر التخلف القومي العربي هو واقع إهمال التقدم التكنولوجي إنتاجاً وليس استهلاكاً. وأن يتحول العرب إلى منتجي التكنولوجيا هو الجريمة الكبرى في نظر تحالف دول الاستعمار. ولأن العراق امتلك ناصية إنتاجها تحوَّل إلى العدو الأكبر للمصالح الإمبريالية.
ماذا يبقى لنا -كعرب وكعراقيين- إذا بقينا مستهلكين لإنتاج أميركا وبريطانيا؟
علينا أن لا نضيَّع البوصلة، وأن تكون حصانتنا ضد مرض»عمى الألوان«، ماثلة في أن العراق عندما تمكن من الحصول على التكنولوجيا من الغرب عمل من أجل توظيفها لمصلحة الأمة العربية جمعاء، ولم يرتهن على الإطلاق لإرادة من تمكن من الحصول عليها منهم. وهيهات أن نجد من يعمل لتحويل طاقات الأمة إلى عملية إنتاج يدعم مصالحها حتى لو كانت مصادر الخبرة آتية من أميركا نفسها.


 (4): بوش ومنطق  »عنزة ولو طارت«.
يصف المثل العامي كل الذين يضمرون في أنفسهم أن لا يصدقوا أية حقيقة بمنطق ال»عنزة ولو طارت«.  وهذا هو حال جورج بوش رئيس  الولايات المتحدة الأميركية مع العراق.
وجَّه بوش التهمة، والتهمة هي حيازة أسلحة الدمار الشامل. والمتهم هو العراق، وتهمته أنه حائز على تلك الأسلحة. ولما كان بوش قد وكَّل نفسه بوظيفة القاضي، أجاز لنفسه بتوجيه التهمة للعراق.
ومنطق العدالة، كقيمة إنسانية عليا، ينص على أن إثبات التهمة هي من مهمة القاضي. كما وتنص، أيضاً،على أن البيِّنة على من ادَّعى.
فللمدَّعي الأميركي والقاضي معاً، الذي أناب نفسه عن كل قضاة العالم، منطق معكوس ومخالف لكل القيم الإنسانية. وتتلخص قواعد لا منطقه في الأسس التالية:
-من مهمات القاضي العادل الذي ينظر في تهمة ما أن يقدِّم للمحكمة أدلة تدين المتهم، ويفسح للمتهم فسحة يعمل فيها على نفي التهمة. أما جورج بوش فقد اتَّهم من دون أن يقدِّم أية أدلة. وطلب من المتهم أن يقدم الأدلة التي تدينه. وبدلاً من أن يطلب من المتهم تقديم الأدلة التي تظهر براءته فقد أجبره على تقديم أدلة تثبت التهمة على نفسه.
-إذا أثبت المتهم التهمة على نفسه، فسوف يُعاقب على أساس الأدلة التي قدَّمها عن نفسه. وإذا لم يُثبتها فسوف يُعاقَب أيضاً لأنه لم يقدم الأدلة التي تثبت التهمة.
-ستكون النتيجة أن العقوبة هي المصير الوحيد. وهذا يعني أن التهمة ثابتة لا يقدم إثباتها أو نفيها في نوعية الحكم ولا يؤخر.
لا نستطيع هنا إلاَّ أن نشبِّه منطق جورج بوش إلاَّ بمنطق ال»عنزة ولو طارت«. فهو يدين العراق في كل الأحوال، ويريد أن يقود العدوان عليه، سواء بمبررات أومن دونها.
لن ننسى، نحن المشرقيون، قواعد الحكم القراقوشي. وحكم قراقوش يقوم على قاعدة أن أي حكم يجب أن يأخذ مصلحة الأقوى حتى ولو تجاوز قواعد المنطق والعدالة. ويفهم الغربيون، كما يفهم المشرقيون، أن الحكم لمصلحة الأقوى هو قاعدة شهيرة في التعسف ومن حق الأقوى أن يتجاوز كل القيم في العدالة والإنصاف.
أما الأغرب من منطق الأقوى فهو منطق الأضعف.
فإذا كان للأقوى مصلحة في تعميم شريعة اللاعدالة، فأين تقع مصلحة الأضعف؟
 فإذا كان الأضعف لا يملك حجة إلاَّ الخضوع لمنطق الأقوى فليس أقل عليه من أن يقفل فمه. يقفل فمه أفضل من أن يُسبِّح، كطقس من طقوس مجاملة الجبان للأقوى، بحمده، وأن يشكره ويُثني على عدالة لا عدالته.
وهنا، لا بُدَّ من أن نرفض المثل القائل »اليد التي لا تستطيع أن تعضها قبِّلها وادع عليها بالكسر« . بل عليك أن لا تقبِّلها على الإطلاق. وأن تستفيد من الوقت المناسب الذي سوف يسنح لك، حتى ولو بعد حين، لكسرها. ومن بعد الكسر تكسرها مرة ثانية وثالثة حتى تصبح عاجزة عن مدها للجبناء كي يلثموها شاكرين.
فإلى مادحي جورج بوش، خاصة من الناطقين باللغة العربية، نتوجه بالنصيحة التالية:
إذا كنتم لا تتجرأون على مشاركة العراق في ردع لا عدالة جورج بوش ولا منطقه  وإذا كنتم لا تتجرأون على قول كلمة حق في وجهه، كظالم،
 فمن العار أن تتوجهوا إلى العراق (الضحية) بكلمة لوم إذا لم يقبِّل اليد الأميركية لأنه لا يستطيع أن يعضها، بل من الواجب عليكم أن لا تنشطوا بكيل النصائح إليه وتجميل اليد الأميركية لكي يلثمها خاشعاً أمام جبروتها الفرعوني.
إن العراق، بقيادته البعثية، وبصلابة موقفه، لن يرضى إلاَّ بالإعداد لكسر اليد الأميركية، ولو بعد حين.
***


 (5): في الصراع الدائر بين العراق والتحالف الأميركي الصهيوني ليس الوقوف على الحياد من مصلحة أحد
قبل أي شيء آخر، على كل دول العالم أن تحدد بدقة أهداف المشروع الأميركي الصهيوني. وقبل كل هذا على العرب أن يحيطوا بأهداف ذلك المشروع قبل أية دولة أخرى. وتأتي في الدرجة ذاتها من الأهمية مواقف دول الجنوب الفقير.
تتذرَّع بعض الأنظمة العربية، على الرغم من معرفتها بخطورة ذلك المشروع، باختلال موازين القوى في الصراع لصالح تحالف الشر الإمبريالي الصهيوني. هذا السبب الواهي يدفع تلك الأنظمة إلى الوقوف موقف الناصح للعراق بأن يحرص على تنفيذ قرارات الأمم المتحدة لسحب الذريعة من أيدي تحالف الشر.
عجباً لقد تحوَّل النظام العربي الرسمي إلى واعظ، وهو يدري أن تحالف الشر لا يعنيه قبول العراق أو رفضه لتلك القرارات، فدور الواعظ لن يفيد العراق كما أنه لن يفيد الواعظين.
هل هو غباء أم عمالة ما يدفع الأنظمة الرسمية العربية إلى اتخاذ الموقف الذليل؟
ليست العمالة صفة تليق بهم، بل غباء العمالة هو الصفة الأكثر تعبيراً عن واقع حالهم.
إن العميل بالمعنى التجاري هو أن يكون شريكاً رابحاً بين المصنع والمستهلك. ولا يمكن أن ينجح العميل بعمله إذا لم تدر عليه وظيفته أرباحاً منظورة ومجزية. أما العميل في الاصطلاح السياسي فهو المستفيد من عمالته أكثر مما قد يجني من الأرباح إذا لم يمارس تلك الوظيفة.
ليس عملاء التحالف الإمبريالي الصهيوني بدرجة تقرب من مستوى ذكاء العميل التجاري، لأنهم يقومون بوظيفة العمالة مجاناً لأجل وجه الإمبريالية فقط. ولن تدر عليهم عمالتهم أي مورد للربح. فالعملاء العرب يمارسون عمالتهم على عدة درجات، ومن أهمها:
-الدرجة الأولى: هم المالكون للثروات الطبيعية التي من أجلها يقود تحالف الشر الإمبريالي الصهيوني هجمته الشريرة وعدوانه. سلَّم أولئك العملاء ثروات بلادهم إلى سيدهم، وآمنوا بقدرته على حماية تلك الثروات. أما كيف يحميها، فهنا الطامة الكبرى: فهم من أجل أن تستفرد القلة منهم بمداخيل تلك الثروات على حساب الكثرة الكثيرة من أبناء أمتهم، أعطوا طائعين حصة شعوبهم إلى تحالف الاستغلال الإمبريالي. وأوهمهم إنما هو يأخذ من تلك الثروات ما يوازي حمايته لهم. وبدلاً من أن يصبح الأجنبي عميلاً يأخذ أجرته، تحوَّل إلى ما يشبه المالك، بينما المالك الحقيقي تحول إلى عميل سياسي للعميل التجاري. وبدلاً من أن يقوم العميل الأجنبي بحماية المالك الحقيقي حوَّله إلى محام يدافع عنه بشتى الوسائل. وهكذا قام من فرضوا أنفسهم مالكين للثروة العامة بتحويلها إلى ثروة خاصة. وأصبح الشعب، كمالك شرعي وقانوني لثروات وطنه الطبيعية، إلى خصم يزرع الخوف في نفوس القلة القليلة التي سيطرت على الثروة وحولتها إلى ملك خاص، أعطاها شرعية مزيفة للتعاون مع الحماية الأجنبية، وبدلاً من الاعتماد على عمالته حولته إلى مالك فعلي، فخسرت هي وخسر شعبها لأن العميل الأجنبي تحت ذريعة تأمين الحماية لأمن القلة القليلة- استولى على حصة القلة والكثرة معاً.
من رحم عملاء الدرجة الأولى وُلد عملاء الدرجة الثانية، وهم: لتشريع منطق استيلاء القلة من أبناء الوطن على ثروات الأمة، ولتشريع منطق قوة الحماية الأجنبية للحفاظ على السارقين من الداخل، أنتج التحالف المذكور قلة من مروِّجين ومزيفين في الإعلام والعمالة الاقتصادية والطامحين إلى ركب بعض المواقع السياسية في هرمية التحالف المذكور، فراحوا يزيفون ويبتكرون من وسائل التزييف ما لا يحده عقل عاقل، فكيف إذا كان من المتأثرين بتزييفهم ممن لا يملكون مقدرة عقلية تساعدهم على تمييز المزيف من الحقيقي؟
يأتي على رأس تلك السلسلة من صنائع التحالف المذكور، شلة من الأقلام الصحفية، والأبواق المتميزين بسلاسة الكلمة والخطابة، وافتتحوا لهم مراكز إعلامية، بعضها يزيف بالصوت، وبعضها بالصورة، وبعضها بالكلمة، وأخذ بعضهم يساعد البعض في معركة طويلة من التضليل والأكاذيب، ويأتي على رأسها اليوم- ما يُعرف بالترويج لحرب نفسية تزرع القلق في نفوس الأكثرية المخلصة من أبناء شعبنا العربي.
تلك المراكز التي تفتعل ما تراه مناسباً من وسائل الدعاية النفسية، والتي تستخدم وسائل متعددة من المؤثرات النفسية، ويبدو أكثرها خطراً تلك التي تحاول أن توحي بالحرص على مصلحة الأمة. وتحاول أن تقنعنا أحياناً كثيرة بصدقها وحرصها من خلال دموعها الكاذبة.
والأخطر من كل ذلك أن تلك الوسائل الدعائية تنطق باللغة العربية، فتتخذ من تمسكها بالنطق بتلك اللغة ستاراً تتلطى به للتدليل على محبتها للأمة وتستر به نواياها الخبيثة.
كيف الخروج من حالة الخوف التي تزرعها تلك الوسائل؟
وهل هناك من وسيلة نردعها بها؟
***


 (6): بين وهم تطبيق الديموقراطية كشرط مسبق لسحب الذرائع من العدوان الأميركي
تئن الأمة، في المرحلة الحاضرة، تحت وطأة العدوان الأميركي الصهيوني، والأهداف واضحة وجليَّة ولا لبس فيها. والجميع يعترفون بها ويتفقون حولها، وهي للتذكير فقط- اجتياح العالم برمته والسيطرة على اقتصادياته، كمدخل رئيس للهيمنة عليه سياسياً وأمنياً وعسكرياً.
أما الذرائع التي يتلطى بها العدوان فتقوم على إبداء الحرص على تطبيق الديموقراطية في العالم. ويبرز الحرص الكاذب أكثر وضوحاً في العدوان الذي يتعرَّض له العراق في هذه المرحلة.
وتئن الأمة، من جانب آخر، من ثقل التباس المفاهيم والمراحل عند عدد من اليساريين والليبراليين على حد سواء.
أما المفاهيم، فتدور حول المسألة الديموقراطية وعلاقتها بالعدوان الآنف ذكره.
أما المراحل، فهي تحديد سبب ذلك العدوان: هل يتلخص بأهداف تطبيق الديموقراطية في أمتنا؟ أم أن تلك المزاعم هي قنبلة دخانية يلقيها التحالف المذكور من أجل التضليل الإعلامي على الهدف الحقيقي؟
لا ننُكر، أولاً وأخيراً، أن المسألة الديموقراطية هي من أهم همومنا. والوصول إلى جنتها هو حلم طالما عملنا من أجل الوصول إليه. والدخول إلى نعيمه. ونحسب أن كل من يتنكر لها هو من المتخلفين في الفكر والسياسة، ومن الذين يعملون من أجل خنق أنفاس شعوبهم ومجتمعاتهم لأوطار وأهداف لا علاقة لها بالقيم الإنسانية المطلقة، ولا حتى بالاهتمام بآلام ومعاناة البشر المقموعين.
ونحن لا ننكر أن مسألة الحريات والديموقراطيات ليست مسألة خبرة ميكانيكية، ولا يمكن لها أن تنال حظاً من الحياة من دون أن تكون في متناول القطاع الأكبر من المجتمع، وعياً نظرياً وتطبيقياً.
ولأن مفهوم الحرية وتطبيقها مسألة تتعلق بوعي الفرد والأكثرية من المجتمع، فيكون لها علاقة بتغيير وتعميق ثقافة الفرد والمجتمع. ومن دونهما لا يمكن أن يكون اكتساب الحرية والديموقراطية فرض كفاية، يتحقق وجودهما بالعوامل التالية:
1-أن تكون نخبة محدودة قابضة على الوعي بالمفهوم النظري لهما، وأن تكون لها المقدرة على التطبيق. فتنوب في حال وجودها- عن بقية الأفراد والجماعات.
2-أن يدَّعي فرد أو جماعة أن طريقة معرفته للحرية، كنظرية، وطريقة تطبيقه عملياً، هي الطريق المعرفي الوحيد. ففي داخل المجتمع، أي مجتمع، شرائح نخبوية متعددة الآراء والمواقف حول مفاهيم الحرية والديموقراطية. فإذا لم تتوحد الرؤى النظرية والتطبيقية لا يمكن أن تنعكس في ثقافة مجتمعية واحدة. وهنا نلفت النظر إلى أن مسألتا الحرية والديموقراطية، هما على الأقل مسرحاً للاختلاف بين تيارين فكريين سياسيين عربيين: اليساري والليبرالي. فقيل كل شيء على التيارين أن يتحاورا وعلى الطريقة الديموقراطية- للاتفاق حول مفاهيم ورؤى موحدَّة حول المسألتين.
3-إذا كان من المكروه أن تُفرَض الديموقراطية، بمفاهيمها النظرية والتطبيقية، من قبل شريحة نخبوية على الأخرى، فمن الجريمة الكبرى أن نروِّج حتى ولو بالوهم- أن الديموقراطية يمكن أن تفرضها قوة آتية من الخارج.
استناداً إلى مقدماتنا، نرى أن الديموقراطيين العرب في مثل هذه المرحلة العصيبة التي تمر بها الأمة العربية، أقطاراً ومجموعاً، يمارسون نوعاً من الوهم الذي يضللهم عن سلوك سواء السبيل. ونستند في حكمنا هذا إلى الأسس التالية:
1-لا يختلف إثنان من التيارات الداعية إلى تطبيق الديموقراطية (في العراق مثلاً) حول أن الهدف الأول للهجوم الأميركي الصهيوني على المنطقة ليس إلاَّ المصلحة الاقتصادية، ولا هم غيرها.
2-يغلِّف التحالف الأميركي الصهيوني أهدافه الحقيقية بالدعوة إلى إسقاط الديكتاتوريات في العالم أجمع، ويأتي على رأسها الديكتاتوريات العربية.  ولهذا السبب الإنساني!!! يعمل على حماية الأقليات العرقية والدينية المضطهدَة. ويساعدها على إعادة الديموقراطية إلى بلدانها.
3-لا يختلف التياران اليساري والليبرالي، في المنطقة العربية، على أن الديموقراطية حلم لم يتحقق في كل المنطقة.
4-لم يتساءل التياران المذكوران، ولم يقفا على معرفة الحقائق التالية:
أ-لماذا يمارس الحرص الأميركي، على الديموقراطية، الانتقائية في اختيار الديكتاتوريات التي عليه أن يحاكم أنظمتها، ويدافع عن الديكتاتوريات الأخرى، بل ويصفها بالديموقراطيات الأنموذج.
ب-ألا يعلم النخبويون العرب الداعون إلى تطبيق الديموقراطية، هنا أو هناك، أنهم يقومون بانتقائية أيضاَ، أي يتهموا بالديكتاتورية هذا النظام أو ذاك، ويصمتوا عن هذا النظام أو ذاك؟ وهل عليهم أن ألا يستنكروا تصدير الديموقراطية من الخارج؟ والأدهى من كل ذلك أن يتم التصدير بالقوة؟ والأشد مرارة أن يقتنعوا أن ذلك الصنف المستورد من الديموقراطية هو الأنموذج؟
استناداً إليه نرى ما يلي:
على النخبويين العرب الحريصين على الديموقراطية أن لا يتناسوا الحقائق التالية:
عليهم، من أجل إظهار حرصهم الصادق، أن يشخصوا الخلل الديموقراطي في كل مكان في الأمة العربية. ومن غير اللائق أن ترى إلى الديموقراطية برؤى متعددة. ومن غير اللائق ، أيضاً، أن ترى الديكتاتورية  هنا ولا تراها هناك. وأن تبرر أسلوب تصدير الديموقراطية بالقوة.


 (7): رد على غسان تويني حول مقالات ينقد فيها رومانسية صدام حسين
يطالعنا الأستاذ غسان تويني، بين الفينة والفينة، بمقال ذي علاقة بالصراع العراقي الأميركي (الذي هو أصلاً صراع بين العرب من جهة والتحالف الأميركي الصهيوني من جهة أخرى).
للأستاذ تويني باع طويل في التجربة الصحفية التي يوظفها في خدمة خبرته وباعه الطويل في تجربته السياسية على المستويين العربي والعالمي.
من حقه الديمواقراطي، ووظيفته الإعلامية، وواجبه القومي، أن يضع مواقعه تلك في خدمة القضايا العربية. ولأنه ذو باع طويل في الحوار، فاتحاً قلبه وصفحات جريدة النهار للرأي والرأي الآخر، لجأنا إلى ما يرحِّب به الأستاذ تويني بالذات، لنبدي رأياً في القضايا التي يعالجها من خلال مقالاته. (وسيتمحور رأينا حول مقالاته الثلاث الأخيرة، أي منذ أواخر أيلول من العام 2002م حتى 20 / 1/ 2003م):
يقع المقال، الذي أعجبنا به، (تحت عنوان »ديموقراطية باول أم ديموقراطية الأحرار «)، بين مقالين آخرين يتناقض مضمونهما مع مضمونه، جاء المقال الأول قبله بأكثر من شهرين، وتلاه الثاني بشهر واحد.
حاولت جاهداً أن أكتشف أسباب التناقض بين المقالات الثلاث. فوجدت أن من الأسباب التي دفعت بالأستاذ تويني إلى انتقاد مشروع باول في تصدير الديموقراطية إلى العالم العربي، هو أن باول يحسب أننا كعرب- نعيش بعيداً عن عالم المعرفة. وهو حساب لا بُدَّ من أن يستثير غضب الأستاذ تويني، وغضبنا أيضاً، لأنه يدَّعي بأنه آتٍ الينا منقذاً لنا من متاهات الجهل.
ولكن علت وجوهنا علامات التعجب، عندما رأينا الأستاذ تويني، يقف متناقضاً مع ما جاء في مقالته (التي نالت إعجابنا). تلك العلامات التي لا بُدَّ من أن تتساءل إذا كان تويني قد اكتشف خطورة الديموقراطية التي يدعو الأميركيون إليها، وإذا كان مضمون ديموقراطيتهم هو مدى انسجامها مع المصالح الأميركية أو بعدها عنها، فلماذا يدعو الرئيس العراقي إلى الاستقالة تحت ضغط الحراب الأميركية الشبقة لحماية »المصالح الأسوأ ديموقراطية، المصالح الانتخابية للحزب الحاكم سعيداً في واشنطن«؟
يقول تويني في مقالته المؤرخة في 16/ 12/ 2002م، حول المسألة الديموقراطية ما يلي: مخاطباً كولن باول، قائلاً: »إننا نكون أكثر انفتاحاً لدعوته، لو طالعتنا الصحف بصورة تظاهرة مليون عراقي في شوارع بغداد بدل صورة ]العراقيين الذين جمعتهم واشنطن في فندق فخم في لندن«. ويستطرد تويني، ساخراً من الديموقراطية الأميركية التي توازي بين الجلاد الصهيوني والضحية الفلسطينية. وفي السلوكات الأميركية التي تصنع ديكتاتوريات عسكرية أينما أرادت وتطليهم بقشرة من الديموقراطية اللمَّاعة. وينهي مقاله بما يدفعنا إلى تقديم التهنئة له على حسن وصفه للمرتكزات الديموقراطية الحقيقية ودقته، حيث يقول، طالباً من باول: »صارحنا إذا كنت تبحث فعلاً عن ديموقراطية الديموقراطيين، أم ديموقراطية الذين ينسجمون مع المصالح الستراتيجية الأميركية، والمصالح الأسوأ ديموقراطية، المصالح الانتخابية للحزب الحاكم سعيداً في واشنطن«.
يستتبع تويني مقالته تلك بمقال آخر نشرته النهار بتاريخ 20 كانون الثاني من العام 2003م، وفيها يحدد مسألتين، وهما: النهج السوريالي العربي في مواجهة الصراع العربي الصهيوني. وإعادة الطلب من الرئيس صدام حسين بإقالة نفسه كثمن لتخليص شعب العراق من كارثة مؤكَّدَة.
يستند الأستاذ تويني لتبرير دعوته تلك إلى الأسباب التالية:
1-لم يحسب العرب استراتيجيات العدو »البعيدة المدى حساباَ« علمياً، بل راحوا يصفقون لزعمائهم الذين يستبدون بهم من »منابر هزائمهم«. واصفاً الرئيس صدام  بالسوريالي الذي يجر العرب إلى هزيمة أخرى.
2-دفعه إلى الطلب من الرئيس صدام حسين إعجابه بأبيات من الشعر تقول: »أن يموت إنسان لإنقاذ وطنه، في حين أنه من العبث، أن يهلك وطن من أجل رجل«. فهو يطلب من أجل ذلك أن يستقيل صدام حسين، كفرد، من أجل إنقاذ العراق من العدوان الأميركي القادم.
حسناً ما يقوله الأستاذ تويني، لو كان هذا هو الواقع بالذات، وهو يقيس الأمور على مقاييس رومانسية فعلاً، وليس على مقاييس نضالية تأخذ مواقع المشاريع المتصارعة وليس مواقع الأشخاص المتصارعين.
من الخطأ ان نتصور أن الصراع بين رئيسين، جورج بوش وصدام حسين. بل حقيقة الصراع كما حدد الأستاذ تويني طرفها الأول بدقة، وهو »مشروع المصالح الرأسمالية والصهيونية«. أما الطرف الثاني، كما نحدده نحن وليصحح لنا الأستاذ تويني إذا كنا مخطئين، فهو المشروع النهضوي العربي الذي يقف في مواجهة المشروع الرأسمالي الصهيوني.
يمثل كل رئيس منهما المشروع الذي يقوده ويعمل للحرب من أجله أو من أجل الدفاع عنه. وإذا كانت موازين القوى مختلة لصالح المشروع الذي يمثله جورج بوش، فهل من المنطقي أن نطلب من صدام حسين، الذي يمثل المشروع النقيض، أن ينسحب بمثل تلك العبثية من مواقع الدفاع عن المشروع الذي يمثل مصلحة الأمة العربية؟
في منطق الأستاذ تويني تُعتَبَر استقالة الرئيس صدام حسين ليس مبررة فحسب، بل هي مطلب وطني عراقي، أيضاً. والسبب أن الرئيس صدام حسين متهم بالديكتاتورية، وكرامة لعيون الديموقراطية الداخلية، عليه أن يستجيب لتهويلات ديكتاتورية رأس المال الأميركي والشبق الاستيطاني الصهيوني. فهل هذا معقول ومبرَّر؟ أظن أن الأستاذ تويني لن يحرمنا من حقنا الديموقراطي في إبداء الرأي. وهو ما نورده في التالي:

حول اتهام الرئيس صدام حسين بالسوريالية(*): يتهم الأستاذ تويني، في مقالته الأخيرة (أم المعارك، من الكويت إلى الأمم المتحدة)، الرئيس صدام حسين بالسوريالية. أي بمعنى أنه يحوِّل الهزائم إلى انتصارات.
ماذا يعني الانتصار؟ هل هو إسقاط طائرة بطائرة؟ أو رد صاروخ ذكي ب»باتريوت« أذكى منه؟
هل الإيمان بالعزة والكرامة الوطنية هي »سوريالية«، أي لا تعني شيئاً أكثر من أنها حالة مرضية لأنها لم تبن حساباتها على مقاسات موازين القوى المادية؟
فإذا كان ذلك كذلك، كما يحسب الأستاذ تويني، فما هو المغزى الذي من أجله صدر إعلان عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، بتاريخ 21/ 12/ 1965م، يؤكد على (عدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية للدول)، وتلاه إ إعلان آخر بتاريخ 9/ 12/ 1981م، تؤكد فيه الجمعية على المضمون ذاته للإعلان الأول.
لا يغرب عن بال الأستاذ تويني، الديبلوماسي الذي نحترم، أن عدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ليس إلاَّ ما يُعبَّر به عن احترام سيادة الدول، والسيادة ليست بأكثر من الكرامة الوطنية. فإذا كان المجتمع الدولي قد استقال من مهمته في المحافظة على الإعلان الذي صدر باسمه، فهل يجوز للدول التي تُحتَلُّ أراضيها، أو هي مهدَّدة بالاحتلال. وهل يجوز للدول، التي يفرض القوي عليها أن تستجيب للعمل بالتغييرات السياسية أو الثقافية الخاصة بها، أن تتنازل عن حقوقها بحجة الاختلال بتوازن القوى؟ وهل يصبح الإعلان عن مقاومة العدو القوي هو سوريالية؟ وهل يجوز للدول، أو الشعوب الضعيفة، التي خسرت حروبها العسكرية في مواجهة الدول القوية أن تزرع روح الانهزام وتتغنى بهزيمتها وتدعو شعوبها إلى الاستسلام، كي لا تكون سوريالية؟
 هل كانت مقاومة جينين الفلسطينية للعدو الصهيوني مرضاً سوريالياً؟ ماذا يعني الانتصار الفلسطيني في جينين؟ إذا كانت نتائج الخسائر المادية هي المقياس فلن نستطيع إلاَّ أن نؤيد الأستاذ تويني في وصفه. أما إذا كانت تعني أن العدو الصهيوني لم يستطع (بقواه العسكرية الهائلة) أن يخيف الفلسطينيين فيصابوا بالإحباط والخوف ويتقوقعوا في (براكات الطين) ليستقبلوا الفاتح بالخضوع والركوع، ويرهنوا إرادتهم لمشيئته، فنحن لن نستطيع إلاَّ أن نخالف الأستاذ تويني في استنتاجاته وأحكامه. لأنه يعي، تماماً، أن الكرامة الوطنية لا تقاس إلاَّ بما لا يجعل صاحب الأرض المغتصبة راكعاً أمام المحتل المغتصب.
من هو الذي ضيَّع الأرض الفلسطينية؟ أتتناسى أن من ضيَّعها ليس الضعف العربي الخارج من متاهات النظام العثماني؟ اتتناسى أن من ضيَّعها هو غياب أية إرادة في التحلل من ذلك النظام؟ أتتناسى أن من ضيعها ليس أبعد من اتفاقية سايكس بيكو؟ (تلك الاتفاقية المشروع التي انبنت على أسسه مطامع التحالف الأميركي الصهيوني).
وكيف غابت إرادة التغيير وإرادة التحرر من مخاطر تلك الاتفاقية؟ هل نغفر ذنب من كان يشرِّع الخضوع للنظام الاستعماري (الذي ورث تركة النظام العثماني لامتصاص آخر قطرة من ثرواتنا)؟ وكما تكاثرت الثورات اللفظية، تكاثرت دعوات التخويف من التصدي للنظام العالمي الجديد تحت ذريعة اختلال موازين القوى المادية. ولكن ظلَّت قلة من النخب التي عملت للانتقال من دعوات التحرير اللفظية إلى امتلاك إرادة النضال والمواجهة حتى ولو كلَّفها النضال حياتها، وهذا ما حصل (سواء في مواجهة الاحتلال العثماني أو في مواجهة قوى التحالف الإمبريالي الصهيوني). وبتلك النضالات، (التي هي ليست سوريالية على الإطلاق لأن من قدموا أرواحهم لم يكونوا من المرضى بل هم من الأصخاء والأسوياء). تشرف كل الوطنيين بهم، وإلى أضرحتهم نحمل باقات الزهور كل عام. فهل علينا أن نعكس الصورة ونحسبهم من السورياليين الذي لا يستأهلون ذلك التقدير الذي نبديه أمامهم؟
نعم، علينا أن نتنكر لدمائهم لأنهم كانوا يتميزون بالرعونة عندما لم يحسبوا موازين القوى بحسابات الأرباح والخسائر المادية. وهل كان بإمكان بضع مئات من المنتفضين والأحرار، وقد دفع بضع عشرات منهم أرواحهم نتيجة غلطهم بالحسابات، أن يُسقطوا نظاماً كان يمتلك بالحسابات المادية ملايين المرات لما يمتلكوا من قوة؟
ألا نشعر بالفخر والاعتزاز بأولئك الشهداء على الرغم من أنهم سقطوا شهداء، ولم نصف في أي يوم من الأيام بأن شهادتهم كانت شهادة سوريالية، بل كانت شهادة تفوق الوصف في عطاء أصحابها لأنهم شقوا طريقاً فريداً للدفاع عن المُثُل والقيم الإنسانية.
هل يتحمَّل الفلسطينيون خطأ في حساباتهم عندما يضرمون انتفاضة قلَّما عرفها التاريخ العربي، يقاتلون بالحجر، فيجبرون الصهاينة على حشد كل طائراتهم ودباباتهم، ووضع كل جنودهم، حتى الاحتياط منهم، على أهبة الاستعداد، فتتعطل معظم ماكينات الإنتاج الصهيونية، ويُصاب العدو بالإرباك والهستيريا. ولولا المساعدات الأميركية التي تُقدَّم بكرم كبير، لما كان العدو الصهيوني يستطيع تصحيح الخلل في اقتصاده الذي استنزف الحجر الفلسطيني كثيراً منه.
ليست حماية أسوار جينين ومدن فلسطين بالحجر هو سوريالية أبداً. بل هي حقيقة نراها على الأرض ونشاهدها على شاشات التلفزيونات، ونكبر فيها ليس الاستشهادي الفلسطيني بل الطفل الفلسطيني الذي يستشهد جنباً إلى جانب الشاب وترافقهم زغاريد أمهاتهم وبركات أبواتهم. فهل زغردة أم فلسطينية لموت ابنها هو سوريالية؟!!!
هل يرى الحاسبون العرب أن ينتظر الشعب الفلسطيني فسحة من الزمن لكي يبني ترسانة عسكرية توازي ترسانة الصهاينة لكي يسمحوا لهم بالقتال؟ وإذا قاتلوا هل عليهم أن يزرعوا اليأس في نفوسهم وإحباطهم، أو أن يقفوا إلى جانبهم، وليقدموا لهم كلمة تشجيع تغذي إرادتهم في الاستمرار، وأن يقولوا كلمة حق في وجه ظالمهم، وهو أضعف الإيمان؟
في دعوة الرئيس صدام حسين إلى الاستقالة كثمن يؤديه فرد لينقذ شعبه: إن ثمن التنازل لإرادة ديكتاتورية رأس المال، هو تنازل عن حق الشعب العراقي في ملكية ثرواته وسيادته على أرضه، ويعلم الأستاذ تويني أنه لن يبقى جندي أميركي في منطقتنا متى استنفد رأس المال ثروتنا. فتنازل الرئيس صدام حسين عن رأس السلطة هو تنازل عن حقوق الشعب العراقي بما لا شك فيه. فأين هو موقع الديموقراطية في حسابات الصراع بين القوي والضعيف؟
وإذا ما تمت الاستجابة لشروط القوة الأميركية في العراق، فهل يتوقف الأميركيون عند حدود، ولن تطال شظايا عدوانهم إذا ما حقق أغراضه، تلك الحدود؟
من النتائج التي لا شك فيها، وباعتراف الأنظمة التي تدور في الفلك الأميركي، أن الزلزال لن يوفِّر أحداً، لا في المنطقة العربية، ولا حتى في أية بقعة من العالم، لأن طموحات المشروع الأميركي لن تتوقف عند حدود العراق بل سوف تتعداه إلى كل الحدود العربية، وتتجاوز الحدود العربية إلى آخر حدود على الكرة الأرضية.
هل خسارة العرب للحروب العسكرية تعطيهم مبرراً للتنازل عن ثرواتهم للقوى المهيمنة؟ وبالتالي الاعتراف لهم بشرعية منطق استيلاء القوي على ثروات الشعوب الضعيفة؟ كيف يفسر الداعون »العقلاء« إلى استجداء أميركا القوية والتفاوض معها بأرقى الأساليب الدبلوماسية (لأنهم عاجزون عن مواجهتها بالصاروخ والطائرة) ما جاء في الإعلان الصادر عن الجمعية العامة للأم المتحدة، بتاريخ 14/ 12/ 1962م، والداعي إلى حق الدول في السيادة الدائمة على مواردها الطبيعية؟
أيتناسى أولئك أن العدو القوي باع كل وسائل الديبلوماسية في سوق النخاسة؟ وفي الوقت الذي يدعون فيه إلى الثقافة الديبلوماسية، كبديل للدعوة إلى المقاومة، يتناسون أن الديبلوماسية هي طريقة للحوار الهادئ. فهل مضامين الحوار الهادئ تنص على أن يقوم القوي بفرض خيارات سياسية على الشعوب من دون إرادتها؟
وهل يتناسى الداعون إلى الحوار الديبلوماسي، أن العنجهية الأميركية قد رسمت نتائج مسبَقة للحوار؟
أما عن ديكتاتورية الرئيس صدام حسين، نتساءل: وهل الحكم على فرد بالديكتاتورية أو الديموقراطية هي مسألة مزاجية، أم أنها خاضعة لتقييم ميداني؟
أليست الديموقراطية هي من صلب بناء المجتمعات في شتى الحقول؟ وهل التنمية الاقتصادية إلاَّ مظهر من أهم تلك المظاهر؟ من أهم شروط التنمية الاقتصادية بناء العالِم الذي يحوِّل النظريات إلى مصنع. فلماذا يغفل الأستاذ تويني، في حكمه الخمسة آلاف عالِم عراقي، أظهر التلفزيون، من خلال جولات التفتيش على المنشآت العراقية، كم هي تلك المنشآت مدعاة للإعجاب والاعتزاز؟
أوَ لم يتألم قلب الأستاذ تويني وهو يتوقَّع أن من أهم الأهداف الأميركية هو تدمير تلك المنشآت، وليس تدمير أسلحة الدمار الشامل العراقية المدمَّرَة؟ أأُصبنا بالنسيان عندما صرَّح (جيمس بيكر، وزير خارجية بوش الأب) بأن أميركا سوف تعيد العراق إلى العصر ما قبل الصناعي؟
كيف نقيس ديموقراطية نهج أو ديكتاتوريته؟ أوَ ليست مصلحة الشعوب هي ذلك المقياس؟ هل هو ما نسمعه من هنا أو هناك من أوصاف بعض الذين يزعمون أنهم من المعارضة العراقية المظلومين المحرومين من حقوقهم السياسية؟ وهل الهاربين إلى خارج أوطانهم، من الذين يتعاونون مع الشيطان، تحت ذريعة استعادة حقوقهم الديمواقراطية المهدورة في بلدهم؟
يدفع حرص الأستاذ غسان تويني وغيرته على مصلحة الأمة العربية لدعوة العرب إلى تغيير وسائل نضالهم والارتقاء يها من مستوى»الخطابية «، التي تنتقل بنا من هزيمة عسكرية إلى أخرى، إلى وسائل أكثر فعالية تقوم على امتلاك القوة الكافية للوقوف في وجه أصحاب المشروع المعادي.
أما أن يطالب الأستاذ تويني بنهضة عربية شاملة بعيدة عن وسائل ومناهج النضال السابقة، فهذا ما لا نستطيع إلاَّ أن نؤيده ونعمل من أجله. أما وأن تتوقف الحركة النضالية، مهما كانت مستوياتها فهي دعوة إلى تجميدها، وهو جوهر الدعوة الإمبريالية، لأن في التجميد استسلام واستعباد، وفرصة ذهبية لمراكز القوى في الأهداف الإمبريالية.
فإذا انتفى شرط خوض النضال المادي، فلن يعني ذلك أن تستسلم وتسلم للتحالف المعادي حقوقك في تقرير المصير من جهة، وثرواتك الطبيعية من جهة أخرى، وتعترف له بحق الاغتصاب من جهة ثالثة، لأن الاعتراف بكل ذلك هو افتئات على حق القيم الإنسانية. فالسيادة الوطنية، تتنافى مع الاستجابة مع ضغوط قوى العدوان الأميركية الصهيونية في التغيير السياسي في العراق. والتنكر للسيادة الوطنية هو تنكر لكرامة الإنسانية. وليس من المنطق أن تستخدم الحوار الدبلوماسي المحدَّدة نتائجه سلفاً.
في الحلول التي يقترحها الأستاذ تويني لمأزق الصراع مع التحالف الأميركي الصهيوني يوجز الصورة التالية: لما كنا لا نستطيع أن نقف في وجه القوة الأميركية الساحقة، علينا أن ننتقل من المنطق السوريالي في مواجهته إلى منطق الحوار الديبلوماسي. ويتطلَّب الحوار الدبلوماسي أن يستقيل الرئيس صدام حسين، اللاديموقراطي، وصاحب الانتصارات السوريالية، لكي يمنع عن شعبه هزيمة قادمة على البوارج الأميركية، فيكون بمثل عمله ذاك- قد خلَّص شعبه من ويلات الحرب القادمة وشرورها.
من مأزق مواجهة العدو القوي، يريد بنا الأستاذ تويني أن نستبدله بمأزق الحل. ومأزق الحل هو الاستجابة لضغط التحالف الأميركي الصهيوني بأن يتنحى الرئيس صدام حسين عن السلطة، أي ينفي نفسه.
ما أجملها ديموقراطية عندما نستجيب لطلب ديكتاتورية التحالف الأميركي الصهيوني. والجميل فيها أننا ننقذ شعب العراق بمثل الاستجابة لضغط آتٍ من فوهة الصاروخ وحاملة الطائرات!!! هل ترى معي أيها القارئ كم هي جميلة تلك الديموقراطية؟
ومأزق الواقع، كما يراه الأستاذ تويني، هو أننا لم نحقق انتصاراً عسكرياً، أما مأزق الحل فهو في أن نستعيض بمأزق الواقع بمأزق آخر هو القبول بالهزيمة المعنوية.
تلك الهزيمة لا تعني أكثر من منع روح المقاومة من الاستمرار. وليس من حل لاستذكار الحقوق الضائعة إلاَّ شحذ للهمم والنفوس، لكي تبقى الأمة في حالة استنفار نضالي متواصل. وفيه لا بُدَّ للأمم من أن تدفع أثماناً باهظة، لكنها ستكون أقل إيلاماً من نسيان الحقوق المغتَصَبة.
أما إذا كان لا يمكن حل مأزق الواقع إلاَّ بمأزق الحل الدبلوماسي الرومانسي، فعلى تضحيات الشعوب الضعيفة في المقاومة إلاَّ السلام.
***


 (8): في ظل تصريحات باول حول تغيير جذري في المنطقة العربية:
النظام العربي إلى أين؟
مجلة الوفاق العربي – تونس 1/ 3/ 2003م
تتويجاً لمرحلة امتدت إلى أكثر من خمسين عاماً،يعيش العالم، اليوم، في ظل مرحلة النشاط الأميركي من أجل الاستفراد بالقرار العالمي العسكري، كوجه من أوجه استيلاء أميركا على مقدرات العالم الاقتصادية. فمنذ سقوط الاتحاد السوفياتي في الربع الأخير من القرن الماضي، تظهر صورة العالم، وكأن شتى دوله، ومنها الدول العظمى قد استسلمت للمشيئة الأميركية تحت ضغط أكبر قوة اقتصادية تمتلكها، محمية بأكبر ترسانة عسكرية.
كمثل كل الإمبراطوريات الكبرى في التاريخ، تسعىميركا لتتوِّج نفسها، وتسجِّل اسمها في التاريخ وريثة لكل الإمبراطوريات التي سبقتها. وتستخدم من أجل بلوغ أهدافها قوة المال والسلاح التي تمتلكهما. فهل تبلغ تلك الأهداف أم لا؟ فهو السؤال الأكبر والأساس.
وفي محاولة للإجابة على السؤال، نرى أنه لا بُدَّ من معرفة الخط البياني لتاريخ بداية تأسيس تلك الإمبراطوريات ونهايتها. وفي هذا المجال نجد أن تاريخ الإمبراطوريات في العالم لم يعرف استمرارية بالمطلق، فخط صعودها البياني يصل إلى قمة الهرم، ومن بعده يبدأ بالانحدار.
قصة الصعود والهبوط في حركة تاريخ الإمبراطوريات ذات علاقة بأساسين اثنين: قوة الدول الطامحة لدخول سجل الإمبراطوريات الكبرى كأساس ثابت من جانب، وضعف القوى المقصودة  بالاحتواء والهيمنة والاحتلال من جانب آخر.
ولكي تضمن استمرارها طويلاً، تقتضي مصالح الدول الإمبراطورية أن تعيد صياغة أوضاع الدول أو الشعوب القابلة للخضوع إلى إرادتها، على مقاييس مصالحها، بناء لإيديولوجية الاستغلال والسيطرة.
ليس من المستغرب أن تقوم أميركا بإعادة صياغة أوضاع الدول الخاضعة على أساس البناء الإيديولوجي الأميركي، فهي لا تعمل من أجل خدمة البشرية، بل تعمل من أجل سيادة إيديولوجيتها الخاصة بها.
أما النظام العربي، القائم في هذه المرحلة، فهو نتاج عصور متخلفة، فشلت الإيديولوجيات التي أنتجته في بنائه على قواعد سليمة. فالنظام العربي اليوم هو نتاج هجين تعاون فيه كل من عصور التخلف العثماني، سابقاً، مع ما استوردته النخب العربية من الثقافة الأوروبية، التي وإن أسهمت في تطور شعوبها إلاَّ أنها تحمل في طياتها  الكثير من الزوايا التي تعبِّر عن المصالح الإمبراطورية الأوروبية الغربية.
لم ينتج العرب أسساً لنظام عربي يأخذ بعين الاهتمام مصالح أوسع المجتمعات، بل عبَّر عن مصالح شرائح نخبوية: كالبورجوازية التجارية والإقطاع ومصالح الشرائح المنتفعة من الإيديولوجيات الدينية. وبقي تابعاً لإيديولوجيا رأس المال، لأنها هي التي أنتجته منذ اتفاقية سايكس بيكو.
نتيجة لوجود مثل هذين المستويين: النظام العالمي الذي عبَّر كولن باول عن طريقة إعادة تركيبه بشكل يُنتج فيه وضعاً دولياً يُديم استمرار تأمين مصالحه، و النظام العربي الهجين، الذي يعبِّر عن مصالح نخبوية.
تتضرر من هذا الستاتيكو أوسع شرائح المجتمع العربي. والضرر اللاحق بها هو من اهم أسباب رفضها له؛ لهذا تعمل طلائعها من أجل صياغة أفضل وسائل مقاومته، والعمل على إحباط أهدافه. ولكي تصيغ بعض أسس المقاومة المطلوبة، لا بُدَّ لها من النظر إلى موازين القوى  مع التحالف المذكور، من خلال مجهرين: أولهما يتجَّه نحو الكشف بوضوح عن مخاطر سيادة النهج الإمبراطوري الأميركي. أما الآخر فهو العمل باتجاه صياغة جديدة لابتكار وسائل إدامة الصراع بين المشروعين الأميركي والنهضوي العربي.
وفي سبيل تحديد أسس المقاومة وقواعدها، ينقسم العرب إلى اتجاهين: أحدهما وهو النظام الرسمي العربي، أما الثاني فهو حركة التحرر العربية.
يدعو الأول إلى الاستسلام للنهج الأميركي تحت ذرائع الاختلال في موازين القوى.  أما الثاني فيثير إشكالية تتلخص في أنه إذا اختلت موازين القوى لصالح الآخر، فلن يعني هذا أن على العرب أن يستسلموا  ويسلِّموا بالتنازل عن حقوقهم لمنطق  الهيمنة والسيطرة. كما لا يعني أن على الشعوب الضعيفة أن تتراجع عن حماية حقوقها.
أما في مراجعة لخيارات الاتجاه الثاني فيتوَّزع أعضاؤه بين دعوتين، تقول الأولى بوجوب العمل من أجل بناء نظام عربي يعبِّر عن مصالح شتى شرائح المجتمع، كخطوة أولى للانخراط في صراع مع قوى الإمبريالية والهيمنة. أما الثانية فتدعو إلى  أن النظام الأميركي العالمي الجديد لن يتيح الفرصة من أجل بناء ذلك النظام لأنه يقع في مرمى أهدافه واستهدافاته. لذا تحذِّر الدعوة الثانية من مخاطر الوقوع في افتعال صراع بين أولوية التحرر الوطني من هيمنة الخارج وبناء نظام عربي جديد في الداخل.
إن وقائع التاريخ تدل على أن من أهم أهداف النظام الأميركي هو حماية النظام العربي الراهن، لأنه يتكئ إليه في تعبيد طريق الهيمنة. لذا لا يمكن لحركة التحرر العربية أن تفتح بوابة للصراع مع خصمين في آن واحد، وإنما عليها أن تعطي أولوية للصراع مع المشروع الأم، المشروع الأميركي الامبريالي. وبه تستطيع أن تضم إلى جانبها قطاعات واسعة ممن لا يمكنهم أن يؤيدوا مضامين أهداف تغيير جذري في بُنى النظام العربي الراهن. لكن هذا لا يعني أن على حركة التحرر العربية أن تجمِّد أية رؤية فكرية أو سياسية حول نقد النظام الراهن أو القيام بأي تغيير إذا سنحت الفرصة.
دلَّت وقائع التاريخ أن المشروع الإمبريالي هو حزمة متكاملة، لا يمكنه أن يتغاضى عن اختراق أي جزء منها. ومشروعه قائم على إبقاء نظام عربي يستند إلى إيديولوجية لا تسمح بقيام صراع بين قوى التحرر وقوى الهيمنة. وبهذا يعمل النظام العربي الراهن على المحافظة على الستاتيكو في بنيانه، بما يساعد قوى الهيمنة على الديمومة والاستمرار من دون أية منغصات تحررية.
لقد كان من الواضح أن المشروع الإمبريالي يعمل من أجل منع حصول متغييرين استراتيجيين:
المتغير الأول هو الصراع بين العرب والصهيونية، ومنعه من الوصول إلى التوازن في القوى بين العرب والكيان الصهيوني، ووظَّف قدرات النظام العربي الراهن من أجل إنجاز تسوية تُبقي للعدو الصهيوني على كل جهوزيته في التفوق والعدوان.
المتغير الثاني وهو منع قيام أية تجربة إنتاجية عربية، سواء على صعيد السلع الاستهلاكية الغذائية أو على صعيد إنتاج السلعة العسكرية، تلك السلعة حتى وإن تم استيرادها- فلن يُسمَح أن يكون امتلاكها بالمستوى الذي يؤهلها لتحقيق حد أدنى من توازن القوى على صعيد المنطقة العربية، فكيف بالأحرى على الصعيد الدولي.
تأتي حالة الاستعصاء التي تمثلها قضيتا فلسطين والعراق، في هذه المرحلة من أشد المظاهر خطورة على منع أهداف الهيمنة الأميركية، فهما يقعان في مواقع الصراع المباشر ضد تلك الأهداف. تعني الأولى، أي حركة المقاومة الفلسطينية، أنها  تعمل من أجل بناء أسس لنظام عربي يتمرد على قرارات الإمبريالية في تمكين الصهيونية من الاستقرار في منطقة من أهم مناطق استثارة شهيتها في السيطرة الاقتصادية: السيطرة على مصادر الطاقة، والسيطرة على أهم سوق استهلاكي في العالم. أما الثانية، أي صمود العراق ومقاومته، فقد أسَّسا لإنتاج نظام عربي يتمرد على موقعه المستهلك. وعمل من أجل بناء أساس لأنموذج نظام عربي جديد بمواصفات إنتاجية استهلاكية أولاً وبمواصفات تصنيع عسكري يؤهل العرب إلى تضييق هوة التوازن بالقوى العسكرية بينه وبين قوى العدوان الخارجية ثانياً.
استناداً إلى قضيتيْ العراق وفلسطين، تعمل الإمبريالية الأميركية، مستقوية بسلطات النظام العربي الرسمي، من أجل القضاء على أية طموحات عربية ثورية  تُلحق الخلل بمعادلة أهداف الاستيلاء الإمبراطوري على المنطقة العربية.
فالنظام الرسمي العربي، السائر منه في ركاب الإمبريالية، ينتصر بانتصارها، وينهزم بانهزامها. وبين نصر الإمبريالية وهزيمتها، يأتي دور حركة التحرر العربية بكل فصائلها، على قاعدة اتفاقها على أولويات الصراع كحقيقة أولى، أما الثانية فهي التشديد على أن قوانين الصراع لا تخضع دائماً إلى معادلة التوازن في موازين القوى المادية.
ومن هنا لا يتوهمَّن أحد أنه يمكن إجبار النظام العربي الراهن على التقهقر من دون تغذية  نيران الصراع ضد التحالف الأميركي الصهيوني، بشتى الأشكال والوسائل. ولا يمكن الوقوف على الحياد أو الكسل في الدفاع عن قضيتيْ العراق وفلسطين والمشاركة فيهما، أن يؤدي إلى إحداث متغيرات في بنى النظام العربي الرسمي. فبالقدر الذي توهن حركة المقاومة في جدران الإمبرياية تستطيع الحفر في أسس النظام العربي الرسمي الواهية.
***


 (9): مؤتمر التضامن مع علماء العراق الذي انعقد في فندق الكومودور بيروت/  بتاريخ  7/ 2/ 2003م
من أهداف الحركة النقدية للفكر والخطاب العربي  تحقيق موازنة متقدمة بين مستويين من المعارف:
الأول: هو اكتساب المعارف النظرية المعاصرة، ومن أهمها المعارف التكنولوجية.
أما الثاني، فهو الانتقال بتلك المعارف إلى ميدان التطبيق.
يربط بين هذين المستويين جسر يصل بينهما لنقلهما إلى ساحة تحقيق مصالح المجتمعات الوطنية والقومية.
في العراق، القطر العربي الشقيق، نشهد انتقالاً مشرفاً للعقل العربي في بناء الأنموذج النظري والتطبيقي للثقافة العربية المعاصرة. لقد أثار إعجابنا عدد ونوعية العلماء العراقيين. كما أثار اهتمامنا وانتباهنا كثرة المنجزات التي قاموا بتحقيقها.
حقق العراق، من خلال علمائه، تلك القفزة المعرفية العلمية المبنية على التكامل بين رسالة العالم في اكتساب الثقافة النظرية، وتوظيفها من أجل مصلحة مجتمعه الوطني والقومي.
أيها الحضور الكرام،
أنتم الذين تمثلون طليعة هذه الأمة، من خلال رسالتكم المعرفية، نتوجه إليكم بأن تنظروا إلى واقع الأمور، في هذه المرحلة، بموضوعية وتجرد، ونضع أمامكم تساؤلاً طالما حاول بعض أصحاب الوطر أن يمرروه تحت ستار دعوة الخداع الأميركية الصهيونية في إعطاء الأولوية في معركة العرب اليوم، إلى تغيير الوجه السياسي للنظام، من خلال طرح مسألة الديموقراطية في العراق. والتساؤلات التي نضعها أمامكم هي التالية:
1-كيف نفهم علاقة المثقف والعالِم مع النظام السياسي، (أي العلاقات الديموقراطية على مستوى الوطن الواحد)؟
2-كيف نفهم العلاقات الدولية، (أي العلاقات الديموقراطية بين الدول)؟
أما على صعيد المسألة الأولى، فنتساءل:  هل يطمح المثقفون العرب من أي نظام سياسي عربي، في عصر التحدي الإمبريالي التكنولوجي، أكثر من أن يعمل بجدية لبناء العقل العربي الذي يتجاوب مع متغيرات العصر؟ وهل يطمحون إلى أكثر من اكتساب العلوم النظرية المجردة، وتوظيفها في خدمة الأمة العربية؟
أوَ ليس من الديموقراطية في شيء أن تُشيَّد  علاقة جدلية بين النظام السياسي، وبين أنموذج المثقف العربي المالك للمعرفة  والموظفها  في مصلحة وطنه وأمته؟
وهنا نقول إن الأنموذج العلمي العراقي، بمواصفاته التي ذكرنا، لم ينبن من دون تخطيط النظام السياسي لآفاقه ووظائفه هو وحده الذي أثار حفيظة التحالف الأميركي الصهيوني  وحقده ضد العراق.
أما المسألة الثانية، فهي أن نميِّز بين ديموقراطية الرأسمال الأمبريالي، الذي لا يعترف بأية حقوق للآخرين إلاَّ إذا صبَّت في مصلحة جشعه واستغلاله، وبين ديموقراطية الدول الأخرى صاحبة الحق في توظيف كل أنواع المعرفة لمصلحة أوطانها.
بعيداً عن وسائل الديبلوماسية وألاعيبها، نرى أنه على المثقفين العرب أن يعيروا ما تُسمَّى ب»ديموقراطية العلاقات الدولية« اهتماماً موضوعياً. ومن خلالها نرى أن من أهم أسس تلك الديموقراطية، في ظلال الغابة الدولية التي تمتلك كل أنواع السلاح أن ندافع عن حقوقنا في امتلاك كل ما يؤمن لنا حماية أوطاننا وثرواتنا وكرامتنا والدفاع عنها.
من العجب أن لا نشعر بالاعتزاز عندما نمتلك من السلاح ما يحقق تلك الحماية ويحفظ لنا مستوى عالٍ من الأداء في الدفاع عن أنفسنا؟  وهنا لا يسعنا إلاَّ أن نقول بأن لنا كل الحق بامتلاك السلاح، وليس في الدعوة إلى الإذعان لجبروت التحالف الأميركي الصهيوني.
لتذهب الديبلوماسية إلى أين تشاء. ونحن لسنا مع ديبلوماسية تكرِّس منطق اللاديموقراطية في العلاقات الدولية. ونحن لن نكون الديبلوماسيين الوحيدين في عالم تقوم فيه الديبلوماسية على الرضوخ لمنطق الأقوى. أما منطقنا نحن فهو إما أن تكون العلاقات الدولية قائمة على ديموقراطية حقيقية وإما لا تكون.
من المؤسف جداً أن تقع كثرة من وسائل الثقافة والإعلام العربية، أفراداً  ومؤسسات،  في فخ منطق الديكتاتورية الإمبريالية التي لا تنظر إلى الديموقراطية إلاَّ من منظار الهيمنة والاحتكار. ومن خلال منطقها هذا توزع الشهادات في الديموقراطية والديكتاتورية على هذا أو ذاك من الأنظمة السياسية في العالم بشكل عام، وفي منطقتنا العربية بشكل خاص.
تتسابق قوى الإعلام الناطقة بالعربية حول تحميل العراق هذا الجانب من المسؤولية أو ذاك، داعية إلى بدعة غريبة وهي دعوته إلى نزع الذرائع التي يتلطى بها التحالف الأميركي - الصهيوني . يقومون بذلك في الوقت الذي يجب فيه على العرب كل العرب أن لا يقفوا على الحياد في الصراع الدائر تحت ستار هش من الديبلوماسية، فحسب، بل عليهم أيضاً أن يقفوا إلى جانب العراق، بعلمائه ونظامه وشعبه، للدعوة إلى بناء نظام عربي عصري منتج وتأمين سُبُل حمايته من جانب؛ أما من جانب آخر فهو الدعوة إلى بناء أنظومة دولية تعترف بحق كل الشعوب بالعيش الكريم، والدعوة إلى نزع كل وسائل الهجوم والدفاع من كل الدول بدون استثناء. وإذا لم يتحقق ذلك نرى أنه علينا العمل من أجل إثبات حقنا في امتلاك وسائل القوة للدفاع عن تلك الحقوق.

والسلام عليكم وشكراً

***


 (10): الجامعة العربية: الإصلاح لماذا وكيف؟
الوفاق العربي عدد آذار 2003م
لقد تحوَّلت المؤسسات الرسمية العربية، ابتداءً من مؤسسة الجامعة العربية انتهاءً بمؤسسة القمة العربية، إلى هياكل تتميَّز بكل شيء إلاَّ بخاصية النبض الوجداني القومي.
منذ أن أخذت تلك المؤسسات في النشوء والتكوين، كان يسكننا الحلم/ الأمل في أن تتطور البنى المؤسساتية إلى مستوى العمل القومي الموحَّد، كما كان يسكننا هاجس الخوف من أن تتحوَّل إلى أداة توحيدية ولكن على قاعدة تنفيذ كل المشاريع وضمان المصالح باستثناء مشاريع التحرر الوطني والقومي ومصالحهما. وهذا ما يدفعنا إلى إعادة استقراء تجربة، منذ تأسيس جامعة الدول العربية في العام 1945م، تقترب من الستين من عمرها. وللأمانة نقول إن تلك المؤسسة الجامعة ارتقت بالعمل الوحدوي العربي درجات كانت توحي بالصحة أكثر مما توحي بالمرض. وكانت دعوتنا للحرص عليها صادقة من دون ريب ولا شك. وكان إحياء الأمل في أن تلعب ذلك الدور مقتلاً لتلك المؤسسة في الوقت ذاته، لأنها بنظر كل راسمي مشاريع التآمر على الأمة العربية- تتناقض مع استراتيجية احتواء الأمة وإبقائها ضعيفة ومُرتَهنَة لإرادتها.
فإذا كانت الستينيات تُعدُّ مرحلة التطور الارتقائي في عمر جامعة الدول العربية بعد أن تحوَّلت إلى مؤسسة القمة، فإن مرحلة ما بعد حرب حزيران من العام 1967م، كانت بداية النهاية لمرحلة الارتقاء وبداية التآمر لإضعاف دورها وتحويله إلى ما يخدم مصالح المشاريع الاستعمارية.
فمن كثرة الضغوطات، من خلال تفرد وهيمنة أميركية، ارتمى النظام العربي الرسمي بشكل عام وصارخ في أحضان التوجيهات الأميركية وأصبح القرار العربي الرسمي مرتهناً للقرار الأميركي، وقد بان هذا الارتهان واتَّضح وفقد بوصلته القومية منذ العدوان الثلاثيني على العراق في العام 1990م. وأصبح أكثر وضوحاً وأكثر ثباتاً بعد احتلال العراق في آذار من العام 2003م.
وإذا كان يبدو في الظاهر بعض الارتباك في المواقف الرسمية العربية تجاه الاحتلال الأميركي للعراق بما يؤشِّر الو وجود مأزق، فإنما السبب يعود إلى انتظار تلك الأنظمة أن تصدر بعض الحوافز الدولية أو الإقليمية تسمحلالنظام العربي الرسمي للتلطي في ظلها ليتخذ إجراءات تصب في مصلحة مشروع الهيمنة الأميركي، وتعمل بالضد من مصلحة العراق سواء في جانبها الوطني أو القومي.
وإذا كانت صورة دور جامعة الدول العربية مرآة لدور النظام العربي الرسمي فتلك الصورة تصبح بغاية من الوضوح في الوقوف ضد مصلحة العراق، كأنموذج ينعكس بالسلب على مجمل القضايا القطرية، ومنها قضايا الأنظمة التي تتَّخذ تلك المواقف البعيدة عن المصلحتين القطرية والقومية (أو لم تعلن الإدارة الأميركية أن الدور القادم لن يستثني الأوضاع في مصر والسعودية؟).
تأتي قضية فلسطين الآن التي كانت القضية المركزية للعرب- على رأس قوائم التصفية النهائية، وتليها قضية كل قطر عربي حسبما هي مندرجة على جدول أعمال مشروع أمركة العالم، وحسب المواعيد المرسومة والموضوعة على لائحة التنفيذ كل في أوانها المناسب.
فهل بعد استقرائنا لتلك الصورة يفيدنا في الإجابة عن السؤال عن كيف يتم إصلاح جامعة الدول العربية؟
ليست مشكلة جامعة الدول العربية تكمن في التفاصيل، وإنما أصبحت في المبدأ ككل. فيصبح الدخول بعملية الإصلاح مسألة عقيمة، بل لا بُدَّ من الدخول في النظر إلى المبدأ.
أما المبدأ فرحمة الله عليه، فقد مات منذ أن انقلبت مقاييس المصلحة القومية، ومنذ أن أصبح المكيال في الوطنية يتمثَّل في التسابق إلى خدمة المشروع الأميركي بحرارة مادية ومعنوية. ذلك التسابق الذي نشبهه بقطيع من النعاج الذي يقوده الجزار الأميركي إلى (المسلخ)، فيحث القطيع الخطى من دون أدنى اكتراث من أفراده حول متى يأتي دور النعجة التالية.
أما هل تضعنا هذه الرؤية في دائرة اليأس؟ فنجيب: لم تكن النخب الحاكمة في أي يوم من أيام التاريخ في موقع الذي يستطيع أن يلجم التغيير إلى ما لا نهاية. وهي إن كانت تؤخر عوامل التغيير ووسائله ومنعه من تحقيق النجاح، وتعمل على عرقلتها، فإنها لم تستطع في أية مرحلة من المراحل أن تمنعها إلى الأبد.
أما منافذ الأمل فهي كثيرة، وهي بالقوة التي تتعامى عنها المشاريع المعادية من داخلية وخارجية، وهي ليست إلاَّ إرادة الشعوب في التغيير على قاعدة التضحية والنضال مستخدمة أضعف الإمكانيات المادية على شتى الصُعُد ويتمثَّل أرقاها في الكفاح الشعبي المسلَّح.
استناداً إلى كل ذلك، نخاطب القمة العربية القادمة قائلين: لا تخطئوا في اتخاذ قرارات لا توافق عليها كل من المقاومة الفلسطينية والعراقية بما هما الممثلان الشرعيان للشعبين الفلسطيني والعراقي- لأنه إذا كان القرار الرسمي ملكاً في أيدي الأنظمة فإن قرار الجماهير في أيدي قيادات المقاومة في كل من فلسطين والعراق.
سيجد النظام العربي الرسمي والمحيطين به، فيما نقول، أو فيما تفعله المقاومة المسلَّحة في فلسطين والعراق، نافذة للسخرية والتندر والاتهام بالعبثية واللاواقعية والجنون؛ لكن نخاطبهم قائلين: لا تعبثوا بإرادة الشعوب ولا تستهينوا بقوتها وقدراتها، فإرادة الشعبين العراقي والفلسطيني صمَّمت على متابعة الكفاح المسلَّح، وهي بقراراها تصبح سيدة القرار، أما القرارات الرسمية فلن تكون إلاَّ حبراً على ورق؛ وهي إنما ستُكتَب من أجل إنقاذ إدارات الاحتلال الأميركي البريطاني الصهيوني من غضب شعوبهم. ومن يعش يرى.
لن نطيل الكتابة ونربك أنفسنا في التفتيش عن حلول ذات علاقة بنقد آليات العمل العربي الرسمي المشترك وتطويرها، وإعطاء وصفات للكيفية التي من الواجب أن تكون عليها، لأن آليات العمل إذا فقدت الروح تصبح عقيمة، وتفقد بوصلتها القومية والوطنية، وهذا هو حال آليات عمل مؤسسات جامعة الدول العربية. وهي فقدت الروح عندما راحت تعمل من أجل إنقاذ مشروع المصالح الأميركية والصهيونية، ولا يمكن أن نقترح ما يصلح تلك المؤسسات إلاَّ بعودة الروح إليها، وعودة الروح مرهونة بتغليب المصلحة القومية والوطنية، لا كما ترسمها -وتتصورها مؤسسات النظام العربي الرسمي- وإنما كما تتصورها المؤسسات الشعبية، وهي الوحيدة التي تستطيع أن ترى بوضوح مصلحتها التي لا تنفصل عن واقع التحرر السياسي كمعبر للتحرر الاقتصادي والاجتماعي. أما الذين وجدوا مصلحة لهم في المحافظة على مواقعهم في الحكم فهم لا مطامع لهم ولا طموح إلاَّ البقاء حيث يطمعون في البقاء، ففي المحافظة على مصالحهم النخبوية والطبقية اختصروا مصالح الشعوب التي يحكمون.
وعلى قاعدة المؤسسات الشعبية الوطنية والقومية، نرى أن بعض الاقتراحات قد تكون مفيدة في تطوير المؤسسات السياسية التي تمثل نبض الشارع القومي والوطني. وحول ذلك ننظر إلى تطوير الخطاب العربي وتحديثه وتجديد مضامينه. الخطاب الثوري غير الملامس للخطاب الرسمي العربي أو المعبِّر عنه، بل الخطاب المعبِّر عن الحركة الشعبية والحزبية الثورية.
من هذا الأساس نرى أن أصحاب ذلك الخطاب معنيون ومدعوون إلى نقد آليات مرحلة المراهنة على قوانين الصراع النظامي ضد المشاريع المعادية، من أجل نقد المفاهيم النضالية القديمة واستنتاج آليات جديدة ومفاهيم جديدة، على أن تستفيد تجربة فشل النظام العربي الرسمي في قيادة الشعوب إلى التغيير، ومنها ومن أهمها مسألة الصراع في التحرر من الاستعمار والصهيونية.
إذا كان الخطاب الشعبي التحرري، من خلال كل القوى التغييرية أحزاباً ومؤسسات وأوساطاً مثقفة، قد فقد الأمل من المراهنة على النظام العربي الرسمي، فهو معني بل من الواجب عليه- أن يكتشف البديل ويضع أسسه النظرية والتطبيقية ليتحوَّل إلى ثقافة نخبوية وشعبية.
أما الرؤية التي رست عليها كل الاستنتاجات من دراسة قوانين الصراع بين الأمة العربية وبين المشاريع المعادية هي أن تلعب الجماهير دورها، وهي قادرة على ذلك، من خلال الاعداد الثقافي للفكر الشعبي المقاوم، وأرقاه وأشده تأثيراً المقاومة المسلَّحة.
وإذا كانت مساهمتنا في الملف لا تستوعب كما أعلم- التطويل فيها لأساب فنية، فنختصر بالقول: إن تطوير الخطاب العربي وتحديثه وإغنائه لا ينفصل على الإطلاق عن العناية بالفكر المقاوم وإعطائه حيزاً أساسياً في ثقافة المثقفين، وثقافة المجتمع؛ فهو البديل عن نغمات النظام العربي الرسمي المشروخة عن الواقعية وغيرها من وسائل تخدير المجتمع الوطني والقومي وإقالته من مهمته، وتيئيسه بمقدرته وإمكانياته.
***


 (11): قراءة في مقابلة  الرئيس صدام حسين الصحفية  مع مراسل شبكة السي بي أس الأميركية
في أوائل شهر آذار من العام 2003م، اجرى مراسل شبكة السي بي أس ألميركية حواراً صحفياً مع السيد الرئيس صدام حسين، تناول فيها واقع الأمة السائد في هذه المرحلة. وفيها ركَّز المراسل على المحاور الساخنة التالية:
-كيف يطبِّق العراق مضمون القرار / 1441/ وأبعاد التنفيذ وأسبابه.
أكَّد سيادته أن العراق ملتزم بتطبيق قرارات مجلس الأمن من أجل نزع الذرائع التي يتلطى بها الأميركيون، وتلك الذرائع تستند إلى الادعاء بامتلاك العراق أسلحة تدمير شامل. ولأن العراق لا يمتلك تلك الأسلحة، يريد من وراء تطبيق القرار /1441/  الوصول إلى هدفين: الأول، أن لا يفسر المجتمع الدولي موقف العراق، إذا رفض، تفسيراً خاطئاً. الثاني، أن يثبت كذب الادعاءات الأميركية التي من أجلها يقوم بحشد الجيوش والأساطيل.
-نظرته إلى مفهوم السلام. ومن ضمنها الموقف من هجمات 11 أيلول من العام 2001م.
يحدد سيادته شيئين أساسيين في الحياة، وهما: الغذاء والسلام. أي حق الإنسان في الحياة أن يمارس دوره في إنسانيته ودوره تجاه إنسانية الآخرين. ولهذا السبب يدعو إلى تحقيق المعادلة التالية: من واجب الإنسانية أن تبحث عن فرص للسلام وليس عن فرص للحرب والاقتتال. وفي ظل تلك المعادلة على البشرية أن تردع، كما جاء في مواثيق الأمم المتحدة، من يمارس العدوان والقتل من جهة، ومن حق الذي يتعرض للعدوان أن يدافع عن نفسه من جهة أخرى.
ويحدد سيادته أن شعب العراق ليس عدواً للشعب الأميركي، بل هو ضد السياسة العدوانية التي ترسمها الإدارات الأميركية. كما ويتمنى الشعب العراقي ويسعى من أجل العيش بسلام، ويتمنى لكل شعوب الأرض، بما في ذلك الشعب الأميركي، أن يعيشوا بسلام على أساس احترام إرادة الشعوب الأحرى وحقوقهم.
وأعلن سيادته أن العراق يدعو من أجل أن يكثر أبطال السلام والحرية والعمل والإنتاج. ويحدد أهداف العراقيين الأساسية، اليوم، بالعمل من أجل رفع الظلم عن الشعب العراقي والأمة العربية.

-رؤيته حول احتمالات موته أو أسره أو لجوئه إلى خارج العراق.
-أما حول قدر الاستشهاد أو الأسر، فيحدد سيادته أن شرف المواطنية والوطن لا ينفصل عن إيمان  الإنسان، في أي موقع كان من المسؤولية، بأن يموت من أجلهما. وذلك التزاماً بأخلاقيات الدفاع عن وطنه. وفي هذا السياق لا يمكن لأي دولة، مهما علت قدرتها وقوتها، أن تلوي إرادة شعب عندما يقرر أن يعيش حراً وكريماً.
إيماناً بدوره في الدفاع عن الشعب والوطن، يقول سيادته بأن ما يتردد عن ضرورة لجوئه إلى خارج العراق لإنقاذه: بأن من يطلب منه ذلك هو »بلا أخلاق«، لأن في هذا الطلب التنازل عن الحقوق التالية:
1-إنتزاع التزام المسؤول بشرف الدفاع عن وطنه، شعباً وأرضاً.
2-تنازل الشعب العراقي عن قراره باختيار النظام السياسي الذي يريد.
3-الاستسلام أمام إرادة دولة أجنبية تريد أن تفرض قرارها نيابة عن الشعب العراقي.

رؤيته لمفاهيم النصر والهزيمة:
ليست مفاهيم النصر والهزيمة مرتبطة بمدى التدمير المادي الذي تلحقه دولة بدولة أخرى. وإذا كان العكس هو الصحيح، يرى سيادته أن التحالف الثلاثيني، في عدوان العام 1991م، دمَّر الشيء الكثير وقتل أعداداً كثيرة من العراقيين، وكان هدفه الأساسي من عدوانه على العراق أن يقتل روح البناء عند أبنائه. لكن العراق أعاد بناء ما ألحقه العدوان من تدمير.مادي وواجه »الظروف الصعبة بالخلق والإبداع والعمل الصحيح« السبب الذي أكَّد فيه للمعتدين أنهم لم يحققوا النصر لأنهم لم يدمروا إرادة البناء عند العراقيين.
وفي ردِّه على استغراب المراسل عن الادعاء بأن العراق يستطيع تحقيق النصر في مواجهة أخطر الأسلحة الأميركية تدميراً وقتلاً، حدَّد سيادته معاني النصر بما يلي:
1-إن أميركا هي التي تحشد قواتها لغزو العراق أرضاً وشعباً. فالمعتدي إذاَ- هو أميركا.
2-ليس من الوطنية والأخلاق أن يستسلم العراق أمام تهديدات أميركا. فالأميركيون لا يرضون أبداً أن يستسلموا أمام أي تهديد إذا تعرضوا للعدوان، لأن من مقتضيات شرف المسؤولية أن يدافع، الذي يتعرض للعدوان عن بلده وأطفاله وشعبه.
3-على صعيد النصر، بمفهوم نتائجه المادية، لم ينهزم جيش العراق عندما أصبح على أرضه، وكان الدليل يتمظهر في معركة الدروع قرب البصرة، تلك المعركة التي أجبرت بوش الأب لإعلان وقف إطلاق النار من غير شروط، خوفاً من الغرق في حرب لن تنتهي. فلو كان الأميركيون قد حققوا النصر كما يدَّعون- لكان من الواقعي أن لا يستمروا في توجيه الضربات العسكرية المتلاحقة، حتى الآن، ضد العراق.
4-إن العدوان المستمر ضد العراق يدل بما لا يقبل الشك بأن المعركة لم تنته، بل هي مستمرة. لأن المعركة لا تُعتبر منتهية »إلاَّ عندما تسكت البنادق، وعندما تنحني الإرادة الوطنية لكل ما يريده المعتدي«. لم تنحن إرادة العراقيين أمام ضغوط الأهداف الأميركية، بل إن »شعب العراق قرَّر أن يعاود دوره الحضاري الإنساني القومي الوطني المؤمن العظيم، وسوف يتمسك بهذا الدور بما يجعله يحترم نفسه وإرادته، ويحترم الشعوب الأخرى وإرادتها وحقها في الاختيار«.
5-من دلالات قبول العراقيين حرب التحدي مع الأميركيين أنهم صوَّتوا بنسبة 100% في انتخاب رئيسهم، »لأنهم قرروا أن يقفوا موقفهم الوطني في ظروف الحصار وفي ظروف الحرب ليقولوا للأجنبي نحن الذين نختار طريقنا  «.
6-تأكيد على الثوابت التي يؤمن بها العراقيون، وهي »الاستقلال والكرامة والحرية«، والالتزام بقرارات مجلس الأمن يتم من خلال منع المساومة على الثوابت.
***


 (12): موضوع ندوة في البرازيل
دعت الجامعات والهيئات الأهلية في مدينة (ريو بريتو دي سان جوزيه) التابعة لمنطقة ساو باولو في البرازيل إلى ندوة الغاية منها أن تتعرف تلك الهيئات على القضية العراقية، ودعت الرفيق حسين ابراهيم لكي يقدم الندوة المذكورة. ولما طلب منا أن نزوده بما يجب أن يقدِّمه، قمنا بتزويده بالنص التالي:
صدام حسين من مواليد تكريت التي تقع في وسط العراق. وهو من عائلة فقيرة. انتسب إلى حزب البعث العربي الاشتراكي منذ أكثر من خمسين عاماً.
من أهداف الحزب تحقيق الوحدة العربية، وهي تشمل الدول العربية من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي. وسبب الدعوة إلى الوحدة العربية هو أن التحالف البريطاني الفرنسي كان قد قسَّم تلك المنطقة حسب اتفاقية سايكس بيكو التي عُقدت بين وزيريْ خارجية بريطانيا وزير خارجية فرنسا في أعقاب الحرب العالمية الأولى في العام 1917م.
أما الهدف الآخر للحزب فهو تحقيق المبدأ الاشتراكي، ذلك المبدأ المستند إلى العدالة في توزيع الدخل القومي بين شتى المواطنين.
والهدف الثالث للحزب هو الحرية على أساس بناء مجتمع يؤمن بالديموقراطية ويمارسها في علاقاته على شتى المستويات.
أما الهدفان: الوحدة العربية، والاشتراكية،فيتناقضان مع أهداف الرأسمالية العالمية، التي تمثلها اليوم الولايات المتحدة الأميركية. وقد وقفت تلك الأمبريالية ضد كل من يعمل لأجلهما منذ خمسين عاماً تقريباً. وكانت تتهم كل من يعتنقهما ويعمل على تحقيقهما بأنه ضد الديموقراطية. وقد قامت بالفعل بالعمل ضد كل نظام عربي كان يرفع تلك الشعارات.
إستلم حزب البعث العربي الاشتراكي السلطة السياسية في العراق في العام 1968م. وراح يبني نظاماً سياسياً لتحقيق أهدافه في الوحدة العربية وبناء النظام الديموقراطي الاشتراكي. وكان مما حققه الحزب هو تحرير ثروة العراق النفطية، في العام 1972م، من سيطرة الشركات الفرنسية والبريطانية. كانت هيمنة تلك الشركات تسيطر على القسم الأكبر من عائدات النفط. وبعد أن حرَّر نظام الحزب تلك الثروة أخذ يستفيد من عائدات النفط في سبيل التنمية الوطنية في شتى المجالات العلمية والاقتصادية والاجتماعية.
منذ تلك المرحلة دخل نظام الحزب في العراق في دائرة العداء الأميركية، واعتبر إجراءه معادياً للمصالح الأميركية، فوُضعت مخططات ضربه منذ تلك الفترة.
ولما وقف نظام الحزب في العراق ضد التسوية السياسية في الشرق الأوسط، والتي تعترف بشرعية الاغتصاب الصهيوني للأرض الفلسطينية، أضاف سبباً آخر من أسباب العداء الأميركي والإسرائيلي ضد العراق. ولما استلم الرئيس صدام حسين السلطة في العراق، في العام 1978م، كانت المخططات الأميركية الإسرائيلية قد وُضعت قيد التنفيذ.
فالمخطط العدواني ضد العراق يعود، إذاً، إلى ما قبل ثلاثين عاماً من جهة وقبل أن يتولى الرئيس صدام حسين السلطة من جهة أخرى.
وكان وضع المخطط ضد العراق موضع التنفيذ يتطلب إعداداً طويلاً. ولهذا السبب سبق التنفيذ كثير من الخطوات، ومنها العمل من أجل زرع أسباب التفرقة بين العراقيين على قاعدة تحريض الطوائف الدينية الإسلامية بين السنة والشيعة تارة، وتحريض القوميات بين عرب وأكراد وتركمان وأشوريين تارة أخرى.
ولهذا جرت محاولات تقسيم العراق إلى سنة وشيعة منذ الحرب التي شنتها إيران ضد العراق، في العام 1980م، وفيها كان من أهداف الإيرانيين، الذين أسسوا نظاماً دينياً شيعياً في إيران، أن يستولوا على العراق الذي فيه مقامات لرموز الشيعة الدينيين. وكان الأميركيون يراهنون على أن يتحول النظامين الإيراني والعراقي إلى نظامين ضعيفين من خلال الحرب التي دارت بينهما. لكن خرج العراق من تلك الحرب أكثر قوَّة. فراح الأميركيون يعدون مخططات لضرب النظام السياسي في العراق.
فكيف خرج العراق قوياً من حربه مع إيران؟
في الوقت الذي كان العراق يخوض حرباً ضد إيران، في العام 1980م، لم يهمل التنمية الاقتصادية والاجتماعية، بل أعطى أهمية شديدة للتنمية، فقام بتعزيز الحركة العلمية وتأهيل آلاف الاختصاصيين من العلماء لبناء قاعدة صناعية متقدمة. وبالفعل أنشأ صناعة إنتاجية وصلت إلى حدود العمل من أجل امتلاك صناعة حربية متقدمة كحق له مثله مثل الدول الأخرى وعلى رأسها أميركا وبريطانيا، هذا إضافة إلى الانتاج الصناعي التكنولوجي الذي له علاقة بالاستهلاك اليومي للمواطنين.
إن العراق الذي كان من أهدافه العمل من أجل وحدة العرب وتطبيق النظام الاشتراكي وضع مشروعه الاشتراكي موضع التطبيق بعد أن حرَّر ثروته النفطية من أيدي الشركات الرأسمالية وأخذ يضعها في خدمة مصالح العراقيين. واستندت التنمية فيه الى المؤسسات الإنتاجية، فهو بذلك يكون قد أثار عداء الرأسمالية لأنه تحول إلى منافس لها على صعيد الإنتاج الصناعي، وهو قد يُغلق في وجهها بعض الأسواق العربية.
إذا عدتم إلى بعض الوثائق التي نشرتها الوسائل الإعلامية الغربية، منذ أكثر من عشرين عاماً لتأكدتم أن مخطط ضرب العراق كان جاهزاً منذ تلك المرحلة حتى قبل أن يتولى الرئيس صدام حسين السلطة السياسية، وهذا يبرهن على أن المسألة الديموقراطية، التي يتهمونه بعدم ممارستها، ليست السبب الحقيقي التي يغطي فيه الأميركيون عدوانهم على العراق في هذه المرحلة..
في العام 1990م، كانت أجهزة المخابرات الأميركية تعمل من أجل تجميع كل الذين تضرروا من إجراءات النظام العراقي سواء على الصعيد السياسي أو الاقتصادي، والعمل على دعمهم ووصفهم بأنهم معارضون للنظام السياسي في العراق وأنتم سمعتم الشيء الكثير عنهم من وسائل الإعلام الأميركية.
وقامت الإدارة الأميركية بتأسيس حلف آخر من الأنظمة العربية التي تجد في تجربة النظام السياسي في العراق إحراجاً لها وتناقضاً مع مصالحها. كما وعملت على تأسيس تحالف دولي من المتضررين والذين يخافون من أن يتحول نظام من أنظمة دول العالم الثالث إلى نظام منتج.
قادت أميركا تحالفاً يتكون من الأطراف التالية:
الطرف الأول: المعارضون العراقيون من الطائفيين من المتضررين من قيام نظام علماني، أو ممن تتناقض مصالحهم الطبقية مع قيام نظام اشتراكي.
الطرف الثاني: من الأنظمة العربية التي تمثل إما أنظمة طائفية، أو تمثل شرائح سياسية واقتصادية تتضرر من قيام نظام اشتراكي لا يعجب الرأسمالية العالمية. مع العلم أن كل تلك الأنظمة لا تمارس الديموقراطية، بل هي من أنظمة قمع الحريات السياسية.
الطرف الثالث: من الأنظمة الرأسمالية العالمية التي تربطها بالولايات المتحدة الأميركية علاقات مصالح، ومن الذين يريدون أن ينالوا حصصهم من هيمنة الولايات المتحدة على خيرات العالم الاقتصادية.
الطرف الرابع: من مؤيدي الحركة الصهيونية لأن النظام السياسي في العراق يرفض الاعتراف بإسرائيل التي اغتصبت الأرض الفلسطينية، لأنه لو اعترف بها لكان يتناقض مع المبادئ الإنسانية التي يؤمن بها والتي ترفض اغتصاب أرض وتشريد شعبها وتهجيره.
تلك هي الأسباب الحقيقية التي دفعت بالإدارة الأميركية إلى تشكيل تحالف متضرر من المشروع الذي تعمل القيادة العراقية على بنائه. ولهذا اتَّخذ الأميركيون القرار بمحاربة العراق. ولكي ينفذوا عدوانهم وضعوا السيناريوهات الكثيرة، وأخذوا يعملون على تنفيذها واحداً تلو الآخر. فكانت استراتيجيتهم تقوم على استخدام أسلوب العصا والجزرة.
كان آخر تلك السيناريوهات تنفيذ العدوان على العراق في العام 1991م عندما شكلوا تحالفاً واسعاً من دول العالم شارك فيه عدد من الأنظمة السياسية العربية المتضررة من التجربة في العراق. وأحدثوا في العراق تدميراً واسعاً من دون الاحتلال المباشر لأراضيه. وكانوا يراهنون على أنهم استخدموا العصا وظنوا أن العراق سيخضع لشروطهم بعد أن أحدثوا فيه تدميراً وتخريباً، واستكملوا ضغطهم من خلال حصار العراق ومصادرة ثروته ولم يسمحوا له باستخدامها إلاَّ بواسطة رقابة أجهزة الأمم المتحدة على قاعدة الإشراف الأميركي اللامباشر على القرارات التي تتخذ حول ذلك الجانب.
بقي العراق صامداً ولم يتنازل عن سيادته وحقه في بناء النظام السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يتناسب مع مصالح المواطنين العراقيين، من هنا تشكلَّت قناعة لدى الأميركيين أن أسلوب الجزرة لم ينفع، فلم يبق أمامهم الا أسلوب العصا، فعملوا –بعد وصول الرئيس بوش الى السلطة- على الإعداد لعدوان عسكري على العراق وتنفيذه.
وما يدل على أن العدوان الأميركي كان مقرراً سواء نجحت الوسائل الديبلوماسية أم لم تنجح، فقد صرَّحوا لمئات المرات بما يلي:
-سواء تأكدت فرق التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل في العراق أم لم تتأكد فهناك إصرار أميركي بريطاني على القيام بحرب ضده.
-وسواء استقال الرئيس صدام حسين أم لم يستقل فإن الحرب ضد العراق لن تمنعها أية قوة.
من خلال هذا الإصرار نستدل على أن التحالف الإنجلوساكسوني مصر على احتلال العراق لسيطرة مباشرة على ثرواته الطبيعية من جهة، و من جهة أخرى أن يفرضوا قيام نظام سياسي من المعارضين العراقيين الذين تعاونوا معه ومن خلالهم يطمئن على المصالح الاقتصادية لذلك الحلف.
إن أهداف العدوان على العراق هو السيطرة المباشرة على ثروة العراق النفطية، وبسيطرتهم عليها تكتمل هيمنتهم على مخزون الشرق الأوسط النفطي، وبذلك تهيمن أميركا على الاقتصادي العالمي بما يؤمن لها فرض إرادتها على شتى الأسواق العالمية.
إن وقوف الشارع الغربي الى جانب العراق هو خوفها من أن تسيطر جهة واحدة على السياسة الاقتصادية لكل الدول.
فهي في المستقبل، بعد أن تتحقق الهيمنة الأميركية على نفط العرب، فسوف تحدد الأسعار بما يتناسب مع إجبار هذا النظام أو ذاك على الخضوع لهيمنتها.
فأما الاتهامات التي تروَّج عن ديكتاتورية صدام حسين، فقد نقضها الواقع الحالي من خلال قيام مئات الآلاف من العراقيين بحمل السلاح لدفاع عن أرضهم جنباً الى جنب الجيش العراق وتنظيمات حزب البعث وهم ينتمون الى شتى الطوائف من شيعة وسنة. وهذا يتناقض مع ما تقوم أجهزة الإعلام الأميركية والبريطانية من أن الشيعة يتعرضون للاضطهاد على أيدي الرئيس صدام حسين.
من هنا يتبيَّن الهدف من خلال تركيز ذلك الإعلام على أن النظام العراقي هو نظام ديكتاتوري لأنه لا يستجيب لمصالح القوى الرأسمالية العالمية. فهناك أنظمة عربية تمارس الكثير من الديكتاتورية على شعوبها، ولأنها تتحالف مع الأميركين فهي لا تجد وسيلة إعلامية من وسائل الإعلام الموالية للإدارة الأميركية من يلفت النظر الى ممارسات حلفاء الأميركين الديكتاتورية. فمقياس الديكاتورية والديموقراطية عند الأميركيين هو مقياس التجاوب مع مصالح الرأسمالية الأميركية.
وهنا لا بد من أن نتساءل: هل الحرب التي تقودها أميركا وبريطانيا ضد العراق هي حرب ديموقراطية؟ وهل امتناعهم عن الاستجابة الى أكثرية دول العالم بمنع الحرب لها صلة بالديموقراطية؟ وهل قتل الأطفال في العراق لها علاقة بالديموقراطية؟ وهل حصار المدنيين العراقيين ومنع وسائل العلاج والأدوية عنهم له علاقة بالديموقراطية؟ وهناك الكثير من الأمثلة التي تدل على أن هدف الأميركين بإعادة الديموقراطية الى العراق هو هدف يُراد منه التعتيم على الأهداف الحقيقية.
ففي المستقبل، وإذا استطاع التحالف الإنجلوساكسوني أن يحتل العراق، فهو سوف يتهم أي نظام سياسي في البرازيل بالديكتاتورية إذا لم يلب طلباتهم بالسيطرة على الموارد الاقتصادية في البرازيل ومنها ثرواته الطبيعية. أو ليست الأطماع الأميركية في ثروات الأمازون هي من الاحتمالات التي قد تدفع الأميركيين الى الصراع مع البرازيليين؟
يمارس الأميركيون اليوم حرباً ظالمة وقذرة وغير أخلاقية على العراق، وليس هناك من دليل أوضح من حركة العصيان التي تقودها أوساط واسعة من الشارع الأميركي ضد تلك الحرب.
وليس من دليل أوضح من حركة الشارع العالمي على لا عدالة الحرب ولا أخلاقيتها. وهي دليل خوف من العالم على خطورة الهيمنة الأميركية على العالم. فالعدوان على العراق هو عدوان على كل القيم الأخلاقية وعدوان على القوانين الدولية، وهو خطوة ضرورية للعدوان على كل نظام يرفض منطق الوصاية الأميركية على كل دول العالم وشعوبه.
وهنا لا بد من أن أنقل إليكم مقارنات حول الكذب الذي تمارسه الإدارة الأميركية والبريطانية حول العدوان الذي يجري على العراق، ومن أهمها:
-وعدوا بأنهم سوف ينهون حربهم في خلال أيام أو أسابيع، لكنهم اليوم يروِّجون –بعد أن واجهوا مقاومة عنيفة من العراقيين- الى أن الحرب ستطول الى أشهر.
-يتهمون العراق بأنه يخالف القانون الدولي لأنه يعلن صور الأسرى على شاشات التلفزيون، بينما سبقهم الأميركيون بإظهار طوابير الأسرى العراقيين رافعين أيديهم فوق رؤوسهم أو يظهرونهم وأيديهم مكبلة ورؤوسهم منحنية.
-يتهمون العراق بأنه يستخدم الأطفال كدروع بشرية لتبرير عمل جنودهم بقتل الأطفال.
-لا يعترفوا بأن العراقيين أنزلوا الخسائر بين جنودهم وهو يدَّعون بأن قتلاهم وجرحاهم سقطوا من خلال أخطاء بين جنودهم أو مع قوات صديقة.
-يدَّعون بأن طائراتهم أو آلياتهم قد أُصيبت عن طريق الخطأ لكي لا يعترفوا بقوة المقاومة العراقية.
وهناك عشرات الأمثلة التي تبرهن على الأكاذيب التي يقومون بترويجها لتضليل الرأي العام الداخلي في أميركا وبريطانيا من جهة والرأي العام العلمي من جهة أخرى.
باختصار يقوم العدوان الإنجلوساكسوني على قاعدة الغاية تبرر الواسطة. والغاية هي سيطرة أميركا على ثروات العراق النفطية أما الواسطة فتشمل قتل الشعب العراقي وتجويعه وإذلاله واحتلال أرضه واستغلال ثرواته.
***


 (13): عفواً يا عراق
الفرق شاسع بين ما نعطيك وما تعطينا. نعطيك الكلام وتعطينا الدم والشهادة. فأنت اليوم، رمز لمقاومة الأمة التي يطمع العدوانيون بخيراتها. العدوانيون الذين يعملون من أجل استعبادها أرضاً وخيرا ت الأرض. شعباً وإرادة الشعب.
كنت يا عراق ممراً لكل الغزوات التي أتت من الشرق والغرب. وفي الوقت ذاته كنت مقبرة لكل الغزاة. ففي التاريخ كل ما يؤكد عراقتك في الحضارة، وكل ما يؤكد أنت كنت تنتصر على كل ما سوَّلت له النفس أن يمحوها.
وفي عصرنا الحاضر طمعت فيك جنزكيزخانات التحالف الأميركي البريطاني الصهيوني. واعماهم الطمع عن قراءة تاريخك الذي يدل على أنك  دفنت في أرضك كل الطامعين، فأخطأوا الحساب، وها هم اليوم يدفعون الثمن ثمن جهلهم بقراءتك بشكل جيَّد.
أنت اليوم تدرأ عن الأمة هجمات الغزو الخبيث، الكاذب الشعارات والأهداف المعلَنَة. فبوركت فيك سواعد الأبطال، وحماسة الماجدات وهتاف الأطفال وصمودهم، اما نحن فلن نتركك لوحدك، وإننا على عهد مشاركتك سائرون. فإلى السلاح يا عرب، وأشعلوها حرباً لا هوادة فيها حتى يتم تطهير الأرض من رجس العدوانيين وموبقاتهم.
***

لهم النهار ولنا الليل

نقف، أحياناً كثيرة، أمام أكاذيب إعلام العدوانيين خائفين من أن يحقق العدوان الأميركي البريطاني الصهيوني أحلامه الخبيثة. فلا عجب ونحن مسكونون بأهمية معركة الحواسم. وخوفنا من أن ينال العراق أدنى مقدار من الأذى، لأن في العراق أحلام الأمة من المحيط إلى الخليج، فيكون مقدار خوفنا بمقدار كبر الآمال التي نعلقها على انتصار العراق في معركته التي هي معركتنا.
نستذكر، إذا ساورنا الخوف من نتائج اختراق هنا أو هناك، أن شعارك يا عراق هو الحرب الشعبية الطويلة الأمد. فنستعيد عندئذٍ روعنا، فننتظر الصباح لنتلقى أخبار الليل، فإذا بها دائماً- تحمل الجنى الكثير من آليات العدو ورؤوس قتلاه.
تستبيح طائرات العدو وصواريخه أرض العراق في النهار، وتنتشر بعض وحداته هنا أو هناك لتحقيق نصر إعلامي متلفز، وما إن يرخي الليل سدوله وتصبح آلاته عمياء لا ترى، حتى تنطلق جحافل الأبطال ومجموعاته لاصطياد ما يقع تحت قبضاتهم من آثار العدو، فيندحر خاسراً نادماً. وهكذا تتكرر المشاهد، وسوف تتكرر حتى ييأس العدو من تثبيت قدم له على الأرض.

كعكة العراق مزروعة بالشوك

يسيل لعاب أهل الإدارة في أميركا وبريطانيا. ويسيل لعاب أصحاب الشركات الكبرى في كل من الإدارتين إلى الدرجة التي أخذ الطرفين الحليفين يتقاسمون على الورق حصصهم، وإلى الدرجة التي كاد الجشع يثير حرباً غير منظورة بين المتكالبين مما يضطر رئيسي البلدين إلى الاجتماع بين الفينة والأخرى لتسوية الخلاف حول مقدار أنصبة كل منهم.
تناست إدارة البلدين وشركاتهم الأسباب التي أعلنوها قنابل دخانية تستر النوايا الحقيقية، وأصبح واضحاً لدى الملأ كله أن الهدف من العدوان هو الكعكة العراقية.
يتقاسم الشرهون المتكالبون تلك الكعكة على الورق ولكنهم لا يدرون أن الكعكة العراقية مملؤة بالحسك الذي يستعصي على بلاعيم أصحاب الإدارات العدوانية هضمه.
***
تحت تأثير شهية العدوانيين لالتهام الكعكة العراقية نخشى أن يسيل لعاب الذين ساندوا العراق سياسياً
عندما وقف تحالف الروس والفرنسيين والألمان في وجه الشبق الأميركي البريطاني الصهيوني للقيام بحرب عدوانية على العراق، شكرنا الله أنه لا يزال هناك بقية من ضمير عالمي يتحفز لوقف عدوان القوي على الشعوب الأخرى.
لكن ما إن انقضت أيام على بدء العدوان حتى أخذت تخدش أسماعنا، وينفذ إلى أعماق فكرنا أن هناك بداية لتحولات لا تمت إلى دائرة الضمير الإنساني بصلة.
تلك البداية، التي لو كانت معزولة عن المواقف السابقة، لكانت تشكل بداية لإحباط شديد من أن الضمير العالمي أخذ يتحول إلى سلعة في سوق المصالح المادية.
ومنها تفوح رائحة مصالح الدول التي أخذت تساوم دول العدوان حول ما يمكن أن تدفعه من حصص لصالح الدول التي ناهضت العدوان ولم توافق عليه.
سوف نبقى من السُذَّج، كي لا نحسم الأمر بأن نتائج المساومة أصبحت جدية، لكي لا نكفر بضمائر الدول الأنظمة بما يلتف حولها من قوى اقتصادية قد تبيع ضميرها من أجل الحصول حتى ولو على بعض الفتات من الكعكة العراقية.
وقبل أن نحسم النتائج يبقى لنا أمل كبير في شعوب تلك الدول التي ناهضت، ولا تزال تناهض العدوان على العراق في الضغط على أنظمتها بأن تبقى حريصة على بقاء بعض من الضمير العالمي حياً.
***


 (14): هل تعلَّم العرب من محنة ما حصل في العراق؟([1])

نُشر المقال في جريدة الوطن التي تصدر في إمارة قطر، بتاريخ 4 حزيران / يونيو من العام 2003م، في العدد الرقم (2831). الصفحة (11).  كما نشرته مجلة الوفاق العربي التونسية، بتاريخ  / 6/ 2003.
بداية نرى أن المجتمعات تتطوَّر بالقدر الذي تتعلَّم فيه من تجاربها. أما التجارب في حياة المجتمعات فهي الأتون الذي تنصهر فيه وتبقى في ذاكرتها حيَّة جاهزة للاستذكار في مراحل حياتها المختلفة.
أما التجارب في حياة المجتمعات فهي لن تكون ذات فائدة إذا لم تُخضعها النُخب المفكرة والمثقفة، الملتزمة فعلاً بقضايا تلك المجتمعات، إلى غربال نقدي صارم في موضوعيته.
لا بُدَّ بداية من أن نوجِّه نظر القارئ الكريم ، في ظل ثورة المعلومات الراهنة، وفي ظل الكمية الهائلة من الأخبار التي تنقل وقائع أي حدث، إلى أن دور المثقفين والمفكرين يواجه صعوبة في غاية من الدقة التي تستأهل الوقوف عندها، وهي أنه عندما تتساوى طبقات المجتمع في امتلاك المعلومة والخبر يُخشى من أن يتحول عقل مجتمع من المجتمعات إلى عقل إخباري. وعندما يصل العقل المجتمعي إلى مثل هذا المستوى يتحمل المثقف والمفكر مسؤولية أن يميَّز نفسه بالقدرة على الربط والتحليل، وبدونهما كما نعتقد- لا يمكن أن تتحوَّل تجارب المجتمعات إلى دائرة التعلُّم والاستفادة.
لقد ظهرت من خصوصيات التجربة العراقية عدة مسائل في غاية من الأهمية، ومنها:
-الالتباس في الموازنة بين الديموقراطية المحلية والسيادة الوطنية.
-أما الثانية فهي الالتباس في الموازنة بين الولاء للمذهب أو الدين والولاء للوطن أو القومية.
-أما الثالثة فهي الالتباس في الموازنة بين تحقيق الديموقراطية بنضال يقوده الوطنيون أو توكيل قوى معادية خارجية للقيام بالنيابة عن الوطنيين في تحقيق الغرض.
-والرابعة تتمظهر في علاقة الوطنيين مع قوات الاحتلال الأميركي، وفيها ما يثير الكثير من الالتباسات وجمع للتناقضات ومن أهمها إمكانية الجمع بين العمل لأجل إحلال الديموقراطية في العراق والمحافظة على النقاء الوطني والقرار العراقي المستقل.
وعلى هذا الأساس على أية مسافة تقع التجربة الراهنة في العراق من اهتمام ثلاثة أوساط في المجتمع العربي؟
نظرت شرائح ثلاث إلى ما حصل في العراق نظرات متفاوتة:
أولاً: النظام الرسمي العربي التقليدي وجد في المحنة العراقية مصداقاً لدعوته في الركوع أمام العاصفة الرأسمالية المزوَّدة بأخطر أنواع التكنولوجيا العسكرية.
ثانياً: الرأي العام العربي الشعبي، الذي يكون عادة قصير النَفَس، أُصيب بانتكاسة نفسية ومعنوية عبَّر فيها عن أنواع من السخط  والعتب، وأحياناً الغضب، لأنه لم يتحقق النصر الذي ينشده، والنصر في المفهوم الشعبي- يكون موازياً لآماله وأمنياته حتى لو  لم تتوفَّر موازين القوى المادية في الصراع.
ثالثاً: أما المستوى الثالث، وهو المستوى الذي نرى أنه من الواجب أن نعطيه اهتمامنا في معالجة موضوع الملف. وهذا المستوى يوحِّد بين قطاعات المجتمع العربي التي تضم كل القوى، أحزاباً وحركات سياسية، أفراداً مفكرين أو مثقفين أو تجمعات تضم مثل تلك النخبة.
لقد انقسمت الأوساط التي نعنيها في المستوى الثالث إلى تيارين رئيسين تناول كل تيار منهما المحنة التي حصلت في العراق من زاوية فكرية أو سياسية مختلفة عن زاوية الرؤية للتيار الآخر. وقد تمظهرت تلك الرؤى في المحاور / الأسئلة التالية:
1-      هل كان من الممكن أن نمنع أية ذرائع تبرِّر للتحالف العدواني عدوانيته ضد العراق؟
2-   هل هناك إمكانية في ترتيب الأولويات في سلم الصراع الذي تخوضه الشعوب؟ هل نعطي الأولوية لصراع الشعوب مع حكامها على حساب صراع الشعوب مع قوى التحالف العدواني الرأسمالي الصهيوني؟
3-   هل من المنطقي أن نصنِّف كل الأنظمة العربية في دائرة واحدة؟ وهل من المنطقي تقديم محاسبة تجربة وتأخير محاسبة تجربة أخرى؟ وهل من المنطقي أن نصنَّف التجارب إلى مسكوت عنها وأخرى يتم تجريمها أو تجريحها؟
4-   هل تتساوى الأنظمة التي لا تمتلك مشروعاً سياسياً متقدماً مع تلك التي لا تمتلك ذلك المشروع، بل البديل عندها هو الرضوخ للمشروع المعادي الآنف الذكر؟
5-   هل يجب أن يتساوى في مستوى النقد كل من  المشروع النهضوي القومي العربي الذي يقوده العراق مع المشروع الاستعماري الذي تقوده أميركا والصهيونية؟ وهل يجوز أن يتم النقد للمشاريع النهضوية العربية أحياناً وبشكل خاص المشروع العراقي- بالشكل والتوجيه الذي يظهر فيه المشروع الأميركي الصهيوني بريئاً. فيظهر وكأن المشروع العراقي النهضوي يتحمَّل وزر استقدام الجيوش المعادية إلى الأرض العربية.
6-   هل يتساوى الدفاع عن الحق الديموقراطي للمواطن العربي مع الدفاع عن السيادة الوطنية؟ أي هل يجوز أن نؤجل ممارسة الحق في الدفاع عن السيادة الوطنية من أجل الدفاع عن الحق في الديموقراطية؟ وهل يجوز أن يتمادى البعض في طغيانه عندما يربط شرط الدفاع عن السيادة الوطنية بشرط بناء وطني سليم؟ إننا نرى في هذا الاتجاه ما يبرر التعاون مع المعتدي الخارجي ضد الوطني الداخلي، متناسياً الانحدار إلى مواقع الخيانة الوطنية. يحصل مثل هذا الالتباس في الظروف التي يفرض المعتدي الخارجي توقيت المعركة وظروفها.
7-   كيف نزيل الالتباس الحاصل بين أولوية الولاء للدين أو المذهب والولاء للوطنية أو القومية؟ وهنا هل يجوز أن يتناسى هذا التيار أو يتساهل في التحالف مع الأجنبي بحجة الدفاع عن الدين أو المذهب ضد الوطني الداخلي؟ إننا نرى في هذا ما يبرر الانحدار إلى مواقع الخيانة الوطنية تحت ذريعة الأمانة للدين أو المذهب.
إن ما نرى أن له الأولوية في التحديد والاتفاق هو أن تنشط الحركة الفكرية بين المفكرين والمثقفين العرب على قاعدة تحديد المسارات الفكرية الكبرى بعيداً عن ردَّات الفعل الإيديولوجية. لأن الإيديولوجيا، على الرغم من  أنها ذات أهمية، لا تتورَّع عن تغليب العصبوي على الموضوعي.
وإذا كان من المطلوب أن نحدد مدى استفادة العرب من محنة العراق نرى أنه لن يتم ذلك إلاَّ على قاعدة أن تتشكَّل حركة ثقافية عربية تأخذ على عاتقها تفعيل حركة العقل العربي المجرَّد المرتبط بقضايا أمته ومشاكلها من تعقيدات ومزالق الفعل وردَّات الفعل.
وبناءً عليه تتحمل الحركة الفكرية العربية، بمفكريها ومثقفيها، عبء دراسة موضوعية للتجربة العراقية من دون أحكام يصدر البعض منهم نعوة بالموت لهذا المشروع أو ذاك قبل دراسته بشكل موضوعي. فالحركة الفكرية العربية، على الرغم من ضيق مساحتها، تتَّخذ أحكاماً جائرة مستندة إلى شهادات من هنا أو هناك من دون محاكمة أخلاقية لتحديد مواقع الشهود الذين تُتَّخذ من شهاداتهم مصدراً موثوقاً دون نقد شهاداتهم أو نقد موقعهم الأخلاقي والإنساني والوطني.
هذا الخطأ تمارسه، بالفعل، قوى وأفراد ينتسبون إلى الحركة الثقافية الليبرالية العربية. ولذلك، وحتى لا يعيق الثقافي الإيديولوجي حركة الفكر العربي، نرى أن  دعاة الفكر يتحمَّلون مسؤولية تقريب الثقافي  مع الفكري والارتقاء به من ردَّات الفعل الإيديولوجية إلى مستوى الفعل الفكري المجرَّد بفصله عن حالات الالتباس مع مشاريع الأنظمة الرسمية المتحالفة، بشكل أو بآخر، مع مشاريع الاحتواء والهيمنة الإمبريالية والصهيونية من جانب، ومن دون الانزلاق في متاهات الالتباس الشعبي الذي ينتج عن الخلط بين الأمنيات وبين واقع حال التغيير من جانب آخر، ومن دون الانزلاق في متاهات الرؤى والصراعات الإيديولوجية بين القوى والحركات الثقافية والسياسية العربية من جانب ثالث.
وهنا، لا نستطيع أن نجيب على السؤال: هل تعلَّم العرب،  إلاَّ بأسئلة أخرى وهي الأسئلة التي قمنا بسرد بعضها في متن إجابتنا على سؤال المجلة. ولعلَّ في السؤال ما يدفع إلى بذل الجهد من أجل الحصول على أجوبة تكون أقرب إلى الموضوعية وبما يحقق المقاربة بين طموحات الحركة الفكرية العربية ومصلحة الأمة بكاملها.


 (15): »استمرار المقاومـة العراقيـة يردم المسافـة الفاصلـة بين مفهوميْ النصر والهزيمـة«.
نشرته جريدة الكفاح العربي في عددها الرقم (3539) تاريخ 28/ 7/ 2003م
يدخل إلى حلبة الصراع، دائماً، طرفان. لكل طرف أهدافه، بحيث يُضفي على مشروعية قيامه بالقتال ضد الآخر، حججاً تبرهن وتثبت حقه في وجه خصمه. ويتم الصراع، عادة، بين الطرفين بوسائل عديدة، منها الصراع الإيديولوجي والفكري والسياسي، ومن أهمها الصراع العسكري الذي يعد له الخصمان كل الإمكانيات المتاحة له، وتشمل الرجال والآلة، وهي الموازين المادية. وتلك الموازين المادية، هي،عادة، العنصر الحاسم في الصراع العسكري.
ولأن الأسلوب العسكري هو الوجه الآخر للحرب السياسية والإيديولوجية والفكرية والثقافية، لن تكون نتائج الحرب العسكرية حاسمة إلاَّ إذا طالت النتائج تغييراً في الاتجاهات السياسية والفكرية والإيديولوجية للخصم المهزوم عسكرياً.
لا بُدَّ، هنا، من أن نحسب أن قوة الحق هي من القيم الإنسانية التي لا يمكن إغفالها من موازين القوى، بل هي من الموازين القيمية الإنسانية التي تحصِّن صاحب الحق من أن لا يتنازل عن حقه.
بناءً عليه يمكننا أن نسهم في صياغة مفاهيم النصر والهزيمة.
من علامات النصر أن يحقق أحد طرفيْ الصراع الفوز على خصمه عندما يرغمه على الاعتراف له بمشروعية أهدافه. ولكن حتى ولو أرغم خصم خصمه، عسكرياً، على الاستسلام من دون الاعتراف له بمشروعية أهدافه- يبقى النصر مبتوراً.
وعندما تفشل قوة الحق عن تحقيق النصر العسكري، لغياب التكافؤ بموازين العوامل المادية،  ولكنها تتشبَّث بحقوقها المشروعة، وتدافع عنها بشتى وسائل الممانعة المتاحة، يعني أن النصر لم يكتمل للخصم القوي، والهزيمة تبقى ناقصة الشروط بالنسبة للطرف الضعيف.
كمثال على ذلك: إنتصرت الصهيونية، عسكرياً، على الشعب الفلسطيني منذ بداية تأسيس كيانها على أرض فلسطين- وعملت جاهدة على انتزاع اعتراف الشعب الفلسطيني بمشروعية كيانها، لكن الشعب الفلسطيني، على الرغم من هزائمه العسكرية التي تمظهرت في أكثر من منازلة أو معركة، لم يعترف للصهيونية بمشروعية أهدافها. وظهر ذلك عندما انخرط الشعب الفلسطيني بسلسلة من وسائل المقاومة الفكرية والسياسية والعسكرية ضد الخصم الصهيوني. ولما لم يتوقَّف الصراع، بل هو قائم ومتجدد منذ أكثر من خمسين عاماً- نجد ما يدفعنا  إلى القول بأنه لهذا السبب وحده، نحسب أن الصهيونية لم تسجل نصراً كاملاً  فحسب، بل إن الشعب الفلسطيني لم ينهزم أيضاً.
في العام 1973م، حققت القوات المصرية نصراً عسكرياً على القوات الصهيونية، وكان عليها لكي تسجِّل نصراً كاملاً أن تمنع الصهيونية من تثبيت ما سرقته من حقوق عربية. لكن، على الرغم من تحقيق النصر العسكري المصري، دخلت مصر في سلسلة من المفاوضات كان من نتائجها الاعتراف بشرعية الاغتصاب الصهيوني، فتكون بذلك قد شطبت نتائج حرب العام 1973م، وجرَّدتها من شروط الانتصار، وحوَّلت تلك النتائج إلى هزيمة عندما رضخت أمام العدو الصهيوني للتنازل عن حقوق قومية خاصة وحقوق قيمية إنسانية عامة.
ليست، إذاً، نتائج العوامل العسكرية هي التي تحدد مفاهيم النصر والهزيمة، بل الرضوخ إلى التنازل عن الحقوق أو الممانعة في التنازل عنها هي التي تحدد تلك المفاهيم.
بناء عليه نقول للكل من يحلو له أن يهلل للنصر الأميركي، أو يعلن سخطه على الهزيمة العراقية، نرى أن تحديد موقع المقاومة الشعبية بشتى أشكالها ووسائلها، ومنها المقاومة الشعبية المسلَّحة- يأتي في قلب العوامل التي على الشعوب التي لا تمتلك وسائل الانتصار العسكري أن توليها الاهتمام الكافي.
أن تتمظهر بعض معالم المقاومة الشعبية لقوى الاحتلال بشكل عام- لهو دليل على الممانعة والرفض، أي دليل على أن تلك القوى لم تتنازل للمحتل عن حقوقها ولم تعترف بمشروعية أهدافه، وإذا كانت مظاهر استخدام الدفاع السياسي والفكري عن عدد من القيم الوطنية التي يعمل المحتل على انتهاكها، فإن مظاهر رفض التعاون السلبي مع الاحتلال هي من القيم الأخرى. وتكون المقاومة المسلَّحة التي تعتمد أسلوب حرب العصابات هي من أهم عوامل الرفض الوطني الذي يجرد العدوان من تحقيق نصر كامل، ويستبعد الهزيمة الكاملة للشعب المقاوم.
في التاسع من نيسان من العام 2003م، وُضعت تيجان النصر على هامات الأميركيين، ونال العرب هذه المرة- هزيمة أخرى في العراق. وكثير من الذين اقتنعوا بأن نتائج الإعلان كانت نهائية، وبعد أن تواترت أخبار الأعمال الفدائية ضد قوات الاحتلال، انشدَّت أنظارهم من جديد وبشيء من التعجب- باتجاه الفعل المقاوم على أرض العراق ضد قوات الاحتلال الأميركي البريطاني.
هنا نتساءل ما هي أسباب تغيير المزاج الشعبي، سواء على مستوى الجماهير الشعبية أو مستوى المنظمات الحزبية أو الثقافية أو الفكرية؟
هذا المزاج هو من انعكاسات منهج التفكير الذي يشكل خصوصية في العقل العربي الراهن. هذا العقل الذي لم يرتق، أو لم تستطع المؤسسات الفكرية والسياسية أن ترتقي به إلى المستوى الناضج الواعي والموضوعي.
بين أسابيع وأخرى تتبدَّل أحكام حول ظاهرة محددة من إلصاق كل السلبيات، في نتائجها، إلى أحكام تتسم بالإيجابية والإعجاب.
إنه المزاج وليس غير ذلك.
حان الوقت لأن ترتقي الحركات الحزبية والثقافية والفكرية من مستوى المزاج إلى المستوى الفكري الاستراتيجي. وعلينا أن نعيد النظر في تقصير المفاهيم الفكرية العامة، أو المفاهيم الفكرية السياسية الخاصة، التي نستعين بها في إطلاق الأحكام على هذه الظاهرة أو تلك.
لقد حسب الكثيرون أن النصر كان من نصيب قوى العدوان، والهزيمة هي من نصيب نظام الحزب الحاكم في العراق. وأخذت الأكثرية من القوى المعادية وبعض القوى المخلصة تعمل على تقييم نتائج الحرب بناءً على مكاييل غير صالحة للاستخدام في مثل تلك الحالات.
وأصبح الحديث عن الهزيمة وكأنها حقيقة رديفة لكل نضالات تيارات حركة التحرر العربية. وتوجُّه الخطاب العربي إلى الترويج لمثل هذا الخطاب، سواء كان صادراً عن سلامة الطوية أو سوئها، يسهم بشكل غير مباشر في تأسيس حالة انهزام نفسية تنعكس آثارها على ثقافة الجماهير التي لا تمتلك رؤية التخلص من آثارها السلبية على المدى البعيد، فتكون تيارات حركة التحرر العربية كمن تضع في مواجهة نضالاتها الكثير من العوائق ومن أهمها زرع روح الانهزام واليأس في نفوس الجماهير التي تشكل المعين الرئيس في رفد كل تياراتها بالبُنى البشرية الأساسية لمتابعة طرق النضال ووسائله.
وحيث إن تيارات حركة التحرر العربية، لم تعلن يأسها من العمل الثوري كمجموعات، على الرغم من بروز ظاهرة اليائسين كأفراد، عليها أن لا تزرع منطق الهزيمة من خلال خطب الهزيمة السياسية والفكرية التي تمارسها على تجاربها الخاصة أو تجارب الآخرين.
لماذا نقف ضد منطق الترويج للهزيمة؟ وإلى ماذا نستند في اتخاذ هذا الموقف، والتأسيس لمفهوم جديد له؟
لا شك في أن تأسيسنا لمفهوم جديد لمعاني النصر والهزيمة سوف يثير استغراب  الأكثرية المطلقة من حركة الناقدين لشتى تجارب الأمة العربية.
لقد انتهج الخطاب السياسي المرحلي، وحتى الفكري الثابت، خطاً مسكوناً بهاجس الهزيمة. ويتَّسم هذا الخط بمنهجية الإلغاء لكل نتائج التجارب السابقة، السلبي منها والإيجابي، وأصمَّ الجميع آذانهم عن القول الذي ينحو باتجاه تفسير الأمور على واقعيتها من دون مبالغة في تسقيط التجارب بالكامل أو في تثبيتها بالكامل.
يقيم الخطاب السائد حدَّيْ المعادلة على أساس إما هزيمة كاملة أو نصراً كاملاً، وألغوا المسافة بين المفهومين، تلك المسافة الملغاة هي التي سنحاول أن نملأها على الشكل التالي:
إذا كانت موازين الصراع تقاس بمقاييس القدرات والإمكانيات العسكرية، وإذا كانت القوى الكبرى، التي تمتلك الإمكانيات العسكرية  الكبيرة لن تسمح لأية قوة أخرى بامتلاكها، وبشكل خاص دول العالم الثالث، ويأتي على رأس دول العالم الثالث دول المنطقة العربية،
يعني ذلك أننا لن نمتلك قوة موازية لقدرات الدول الكبرى، ويعني هذا، أيضاً، أننا سنكون في حالة من الصراع الدائم مع تلك القوى، وإذا استمرت حالة الصراع، في ظل حالة اللاتوازن في القوى العسكرية، يعني كل ذلك أننا سوف نكون مهزومين دائمين.
استناداً إلى كل ذلك نرى أن على تيارات حركة التحرر العربية إذا كانت مصرَّة على تعريف مفاهيم النصر والهزيمة على قاعدة نتائج العمليات العسكرية- أن تعلن الهزيمة الدائمة مرة واحدة، وهذا أفضل من أن تعلنها بالتقسيط، لأنها تحوِّل تيارات الحركة إلى جوقة من الندَّابين تحت ذريعة أنها تمارس النقد لتكون ثورية وجريئة على نفسها، لأن عوامل تحقيق نصر عسكري في أوضاع الانحياز الإمبريالي لمصالحه- لن يسمح للعرب بأن يصلوا إلى أية حالة من التوازن العسكري مع القوى الرأسمالية والصهيونية العالميتين.
ولأن واقع الحال على تلك الحال، فمن المهم أن تعمل تيارات حركة التحرر العربية في سبيل ابتكار صيغ وأساليب توفر فيها على نفسها الوقت الذي تصرفه على وسائل »الندب« تحت ذريعة ممارسة النقد الشجاع. وهي توفِّر على جماهيرها عبء الشعور بالذنب الدائم، الشعور الذي يضعها في دائرة الشعور بالهزيمة الدائمة.
والأجدر بتلك التيارات، إذا أصرَّت على منهجها التقليدي في الندب / النقد،  أن تعلن تأجيل صراعاتها مع قوى الاستعمار والاستعباد والاستغلال إلى أجل غير مسمى ترتبط حدوده  الزمنية مع المرحلة التي تصل فيها الأنظمة العربية وهي لن تصل- إلى امتلاك قدرات عسكرية مادية تسمح لها بإحداث توازن في القوى بينها وبين الاخصام الذين تقارع.
وحيث إن منطق التأجيل هذا، هو اللامنطق بعينه، على حركات التحرر أن تضع في موازين القوى في الصراع مع الإمبريالية والصهيونية العالمية حسابات أخرى، من أهمها تلك التي يحلو للبعض أن يصفوها بالرومانسية أو السوريالية، هي حسابات القيم الإنسانية (الوطنية والقومية والسيادة على الأرض وعلى القرار، والتصدي إلى منطق الظلم والاستعباد والاستغلال) وموجبات كل ذلك الحالة النضالية والتضحية والشهادة بالنفس... وتترجم كل نضالاتها في أسلوب المقاومة الشعبية، ومن أهمها المقاومة الشعبية المسلَّحة الطويلة الأمد. وإن المقاومة الشعبية المسلَّحة كما أثبتت كل وقائعها التاريخية أنها الأسلوب الذي يسهم في تعديل موازين القوى المادية العسكرية في الصراع بين الشعوب التي تنشد التحرر من الاحتلال الأجنبي.
***




*  السوريالية تعني وصفاً للكوابيس والهلوسات والحالات المرضية والتشاؤم اليائس
([1]) نُشر المقال في جريدة الوطن التي تصدر في إمارة قطر، بتاريخ 4 حزيران / يونيو من العام 2003م، في العدد الرقم (2831). الصفحة (11).  كما نشرته مجلة الوفاق العربي التونسية، بتاريخ  / 6/ 2003.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق