بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 22 يناير 2010

الجريمة الأميركية المنظمة في العراق (الكتاب الأول) (الفصل الثاني)

الفصل الثاني
الاحتلال وإفرازاته نقائض للشرعية الدولية والإنسانية

أولاً:الاحتلال غير شرعي بمقاييس القانون الدولي، وشرعي بمقاييس القوة الأميركية:
بداية، قادت الولايات المتحدة وبريطانيا الجهود، في أربعينات القرن العشرين، لكي تستبدلا عالماً تسوده الفوضى والصراعات، بنظام جديد قائم على الأسس والمبادئ. وعلى الرغم من أن وجهات نظرهما لم تكن متطابقة تماماً، إلا أنهما كانتا تأملان في أن تجعلا العالم مكاناً أفضل، حراً من الخوف أو الحاجة. وقد اقترحتا أسساً وقواعد دولية جديدة تضع حداً لاستخدام القوة، وتدعم حماية حقوق الإنسان الأساسية وتحترم التجارة الحرة والتحرر الاقتصادي العالمي. وقد أوجدتا تحالفاً تحت شعار أمم متحدة مع العديد من الدول الأخرى. وكان مشروعهما قائماً على الاعتقاد بأن القواعد والأسس سوف تخلق فرصاً وتعزز قيماً مشتركة على نطاق واسع.
وأصبح العالم في مستهل القرن الحادي والعشرين مكاناً مختلفاً جداً عن المكان الذي أعاد فرانكلين روزفلت وونستون تشرشل بناءه قبل نصف قرن، ومر القانون الدولي بثورة، جعلت الأسس والقواعد تتغلغل في تفاصيل الحياة اليومية. ولكنها كانت ثورة صامتة. ولم يلحظ معظم الناس مدى التأثير الذي طال حياتهم اليومية بفعل الأسس والقواعد العالمية الجديدة.
ومع انتخاب جورج دبليو بوش في نوفمبر/ تشرين الثاني 2000، تسلمت السلطة إدارة أمريكية مشهورة بعزمها على تحدي الأسس والقواعد الدولية. حينذاك، سعت إدارة بوش الأولى لإعادة تشكيل نظام المبادئ الدولية، من التخلي عن تشريع روما بشأن محكمة الجنايات الدولية، وبروتوكول كيوتو بشأن الاحتباس الحراري، مروراً بمحاولة عدم تطبيق اتفاقات جنيف وغيرها من معايير حقوق الإنسان في جوانتانامو وغيره من الأماكن، وصولاً إلى إنكار تشريعات الأمم المتحدة التي تحظر استخدام القوة.
ومعاً، كانت الدولتان تحاولان إعادة صياغة القواعد والمبادئ الدولية. ولكنهما كانتا تفعلان ذلك دون اللجوء إلى نص مكتوب، بل ارتجالاً مثلما فعلتا في عراق ما بعد الاحتلال، دون أن تسألا نفسيهما فيما يبدو: بماذا نستبدل هذه القواعد والمبادئ؟
يستحيل تخيل العودة إلى الفطرة، إلى مرحلة ما قبل التنظيم لكوكب الأرض، حيث تفعل كل دولة ما يحلو لها، دون أن تقيدها أي التزامات دولية. فهذا تفكير رغائبي، مثلما تبين للولايات المتحدة وبريطانيا من تجربتهما في العراق و«الحرب على الإرهاب».
وعلى الرغم من النقص الذي يعتري مبادئ القانون الدولي، إلا أنها ضرورية وتعكس الحد الأدنى من معايير السلوك المقبول. فهي توفر معياراً للحكم على مدى شرعية الأفعال الدولية. ويجب الإذعان لها إذا أريد للأفعال أن تعتبر شرعية.
وحين شعرت الولايات المتحدة بالقيود على ممارسة استقلالها وسيادتها حاولت تخطي تلك المبادئ، وبخاصة حين لم تكن توفر لها فوائد اقتصادية مباشرة. وفي السنوات الأخيرة، اعتادت بريطانيا أن تغض الطرف، بل حتى أن تتواطأ. وألحقت الضرر بمصالحها على المدى البعيد بإقصاء العديد من حلفائها، وبنزع غطاء الشرعية عما تفعله. وفي كل ذلك كان يساعدها رئيس وزراء بريطاني مثالي صاغر. وعلى الرغم من أنه قد يكون حسن النية، إلا أن دوره الرئيسي كان إضفاء الشرعية على ما لا يمكن الدفاع عنه.
يتناول فيليب ساندز، مؤلف كتاب «عالم بلا قانون»، الحرب في العراق، فيقول إنها حين وقعت، في العام 2003، وضعت قواعد وأصول استخدام القوة في دائرة النقاش لدى عامة الناس. فأصبحت شرعية الحرب قضية جوهرية تشغل بال الكثيرين في العديد من أنحاء العالم، وغدت موضوع النقاش في المجالس التشريعية، وتشغل الصفحات الأولى في العديد من الصحف، بل صارت مدار افتتاحيات كثير منها. وأدى احتمال نشوب حرب غير شرعية لا يدعمها مجلس الأمن إلى زيادة أعداد المتظاهرين والمشاركين في المسيرات في فبراير/ شباط، ومارس/ آذار ،2003م.
فقد أوضح دونالد رامسفيلد في اليوم التالي ليوم 11/9 الحدود التي يضعها القانون الدولي على رد عسكري، وأجابه بوش مسرعاً: «لا يهمني ما يقوله رجل القانون الدولي.. إننا سوف نركل قفا أحدهم».
ومع استعدادات جحافل الجنود لدخول العراق، كان بوسع إنسانة منطقية مثل آن ماري سلوتر، عميدة كلية وودرو ويلسون في جامعة برنستون، ورئيسة الجمعية الأمريكية للقانون الدولي، أن تكتب في صحيفة (نيويورك تايمز): «إن الحرب ستكون غير قانونية، ولكنها تتماشى مع القانون». وقد تراجعت عن موقفها ذاك بعد سنة، وتوصلت إلى أن الغزو لم يكن قانونياً ولا يتماشى مع القانون.
فالمادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة تنص على أنه ما من شيء في الميثاق «يوجب إفساد حق الدول الموروث في دفاعها عن نفسها منفردة أو مجتمعة، إذا وقع هجوم مسلح ضد دولة عضو في الأمم المتحدة». لقد أثارت المادة 51 العديد من الأسئلة. فهل يمكن التوسل بالدفاع عن النفس قبل وقوع هجوم مسلح؟ وإذا كان هنالك حق «دفاع تحسبي عن النفس»، كما يسمى، فهل يمكن التوسل به عندما تكتسب دولة أخرى، أسلحة دمار شامل، أو تكون في طور اكتسابها؟
وقضية «الدفاع التحسبي» قضية ضاغطة، لأن استراتيجية الأمن القومي التي اتبعها الرئيس بوش في مرحلة ما بعد 11/9 ألزمت الولايات المتحدة بالعمل على نحو استباقي لإحباط أو منع الأعمال العدائية. وفي مارس/ آذار 2004م، ألقى رئيس الوزراء البريطاني خطاباً أكد فيه وجود «واجب وحق منع تحقيق أخطار» نشر أسلحة الدمار الشامل أو الحصول عليها بصورة غير مشروعة. وقد اعتبر البعض ذلك مصادقة على إعلان الولايات المتحدة حقها في الضرب على نحو استباقي. فعقيدة بوش ذاتها وتأييد بلير الخفيف لها يشكلان تهديداً أساسياً للنظام القانوني الدولي.
يتضح جلياً أن جورج دبليو بوش كان عازماً على إطاحة صدام حسين منذ بدء رئاسته، ولا يزال سبب ذلك غير واضح، فلم يكن هناك دليل قوي على أنه يهدد المنطقة، أو أنه مرتبط بحركة القاعدة. ولما أصبح العديد من الأشخاص كبار مستشاري الرئيس بوش وأعضاء إدارته، ومن بينهم ديك تشيني، ودونالد رامسفيلد، وبول وولفويتز، راحوا ينادون بإزالة صدام حسين. فقد قال بول اونيل، وزير الخزانة الأمريكي السابق، لمشاهدي شبكة (سي.بي.اس): «منذ البداية كانت هنالك قناعة بأن صدام حسين شخص سيئ ويجب أن يرحل». وقد وفرت أحداث 11/9 انبعاث الإرهاب الإسلامي ذريعة مثالية، حتى وإن لم يكن هنالك دليل ثابت على التواطؤ بين العراق وحركة القاعدة، أو أي دليل قوي على وجود أسلحة الدمار الشامل في العراق، وفي غضون يومين بعد الهجمات على مركز التجارة العالمي، كان رامسفيلد يسأل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة: «لماذا لا نمضي ضد العراق، لا ضد حركة القاعدة وحدها؟».
وفي 5 إبريل/نيسان 2002 أعلن بوش أن «صدام يجب أن يرحل». وبدا أن الولايات المتحدة راغبة في المضي وحدها، ولكنها تحتاج إلى نوع من التحالف للحد من أعباء الفردية، وتأمين المساندة المحلية. في هذه الأثناء كان رئيس الوزراء البريطاني قد انضم إلى الركب، بعد أن استنتج أن شيئاً لن يقف في طريق بوش. وكان بلير قد ألمح في الأوساط الخاصة إلى التزامه بتغيير النظام. ولكنه، خلافاً لبوش، كان يعلم أن ذلك لا يمكن التصريح به علناً، لأن استخدام القوة من أجل تغيير النظام كان مناقضاً بوضوح للقانون الدولي. وقد أكد عضو البرلمان ومساعد المدعي العام البريطاني ميشال فوستر أن اللورد جولد سميث قد سئل فيما بعد السؤال: هل سيكون تغيير النظام قانونياً بحد ذاته؟ فقال: لا، لن يكون. كما اعترف مانينج: لم يكن تغيير النظام ليلقى الموافقة من الصحافة والبرلمان والرأي العام الذي كان مختلفاً جداً عن أي شيء في الولايات المتحدة.
كانت حكومة بلير بحاجة إلى دعم قانوني داخلي، بعد أن تعثَّر الحصول على غطاء شرعي من قبل مجلس الأمن. ولهذا تمَّ استدعاء المدعي العام البريطاني، في 17 آذار/ مارس 2003م، للرد على سؤال برلماني عن القاعدة الشرعية لاستخدام القوة من قبل المملكة المتحدة ضد العراق. وتطلب الجواب المكتوب 337 كلمة فقط، وباقتصاد واضح في الكلمات، وضع الأساس لرأيه الذي يقول فيه إن سلطة استخدام القوة ضد العراق موجودة بفعل «التأثيرات المجتمعة» لقرارات مجلس الأمن ،678 ،687 و1441. وكانت الحجة بسيطة على نحو مضلل(*). واحتجاجاً على ضعف الأسباب القانونية تقدمت نائبة المستشار القانوني لوزارة الخارجية اليزابيث ويلمشورست، في 18 مارس/آذار، أي اليوم التالي لنشر الحجة، رسمياً بطلب إحالتها على التقاعد مبكراً، أو منحها الاستقالة. وقد كتبت «يؤسفني أنني لا أستطيع الموافقة على أن من القانوني استعمال القوة من دون قرار ثانٍ من مجلس الأمن». وأضافت: «لا أستطيع في قرارة نفسي المضي في منح الاستشارة، ضمن الوزارة أو إلى الجمهور أو البرلمان التي تؤكد شرعية العمل العسكري من دون مثل ذلك القرار، وعلى الخصوص، لأن استعمال القوة بصورة غير شرعية بمثل ذلك الحجم يرقى إلى جريمة العدوان؛ كما لا يمكنني الموافقة على مثل ذلك الفعل في ظروف ضارة جداً بالنظام العالمي وحكم القانون»( ).
وفي صحيفة الجارديان كتب وزير الخارجية البريطاني السابق روبن كوك، الذي انسحب من الحكومة قبل بدء الحرب، وصار متحدثاً باسم كثيرين من يساريي الحزب، والذي يعتقد مخلصاً أن بلير أساء التقدير، وأن الآثار على بريطانيا ستتمثل في ازدياد مخاطر الهجمات ، جاء فيه إن اللورد جولد سميث وصل إلى المشورة القانونية التي يقول فيها «إن الذهاب إلى الحرب في العراق ليس عليه لبس قانوني» خلال ثلاث مراحل:
في المرحلة الأولى التي استمرت عدة أشهر قبل اندلاع الحرب كان رأي سميث أن هناك حاجة إلى قرار ثان من مجلس الأمن لشن الحرب. وحين اتضح أنه لن يكون هناك قرار ثان خفف سميث من لهجته، وقال: «إن بإمكان بريطانيا الاعتماد على ما صدر عن الأمم المتحدة من قرارات، لكن وضعها القانوني سيكون حرجاً». أما المرحلة الثالثة فجاءت حين أصرَّ الأدميرال مايكل بويس، رئيس الأركان العامة في ذاك الوقت، قبل ثلاثة أيام من الغزو على عدم البدء بالحرب قبل التأكد من قانونية ذلك. عندها جاءت المشورة القانونية من جولد سميث لا لبس فيها( ).
وقد تبيَّن، لاحقاً، حسب ما ذكرت صحيفة «الاوبزرفر» البريطانية، أن الوثيقة تؤكد، فيما يبدو للمرة الأولى، أن المدعي العام لورد غولد سميث كانت لديه تحفظات خطيرة بشأن مشروعية الحرب، وأنه غيَّر رأيه عندما احتشدت القوات البريطانية والأميركية على حدود العراق استعداداً للغزو. وتحذر النصيحة القانونية المؤلفة من 13 صفحة التي كان أعدها غولد سميث في السابع من آذار/ مارس، كما جاء في تقرير لصحيفة «الميل» البريطانية، من أن بلير يمكن أن يكون قد انتهك القانون الدولي لستة أسباب تتراوح ما بين الافتقار لقرار ثان من الأمم المتحدة إلى تجاهل عمليات البحث المستمرة عن الأسلحة في العراق برئاسة مفتش الأمم المتحدة هانز بليكس( ).
وعن ذلك، كشفت صحيفة (نيو ستيتسمان) البريطانية في 22/ 5/ 2003 أن المدعي العام البريطاني اللورد (بيتر جولد سميث) حذّر رئيس الوزراء توني بلير في مذكرة سرية من أن أنشطة قوات الاحتلال في العراق، التي تتجاوز الحفاظ على الأمن، بدون مساندة الأمم المتحدة ستكون غير قانونية. ومن بين تلك الأنشطة إعادة الإعمار. ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن الصحيفة قولها: إن هذه المذكرة نُقلت إلى بلير في 26/ 3/ 2003، أي بعد 6 أيام من بدء الحرب على العراق. وأوضحت الصحيفة أن «المذكرة تنص على أن كل أنشطة قوات الاحتلال في العراق التي تتجاوز مجرد الحفاظ على الأمن، ستكون غير قانونية من دون موافقة الأمم المتحدة»( ).
واتضح أن المدعي العام لم يقدم عرضاً قانونياً تفصيلياً لمشروعية الحرب على العراق، ولكن ورقتين قرئتا أمام مجلس العموم قبل جلسة تاريخية للتصويت على المشاركة البريطانية في غزو العراق. وبحسب وزيرة التنمية والتطوير الدولي السابقة كلير شورت، التي استقالت من منصبها بعد الغزو، إن الحكومة اضطرت للتعمية على بعض فقرات الاستقالة لأنها مدمرة، ولأنها تظهر أن المدعي العام غيَّر رأيه في مدى يومين، وقبل أن يقدم النصيحة القانونية للحكومة التي جاءت واضحة وأنها المرجع القانوني في الحرب، بدون الإشارة إلى أن شكوكاً قد ساورته قبل ذلك( ).
-اعترف رئيس المعهد الدولي للدراسات العسكرية والأمنية في بريطانيا، الأدميرال ريتشارد كوبلد، بعدم صدقية الذرائع والأسباب التي ساقتها الإدارتان البريطانية والأميركية لاحتلال العراق ومنها ذريعة أسلحة الدمار الشامل. كما أدان تشارلز كنيدي، زعيم الحزب الديموقراطي الليبرالي البريطاني، الغزو. وذكَّر بمعارضة حزبه، التي عكست رأي الملايين من البريطانيين، منتقداً سياسية الحكومتين في احتلال العراق. وأكد منزيس كامبل، الناطق باسم الحزب للشؤون الخارجية، أن موقف الحكومة البريطانية قد أصاب مصداقية بريطانيا بالصميم وأساء إلى سمعتها على الصعيد الدولي( ).
واستباقاً لكل محاولات طوني بلير في الحصول على موافقة الحكومة البريطانية للمشاركة في الحرب على العراق، اعتبرت اليزابيت ويلمهورست، مستشارة الحكومة القانونية، في كتاب استقالة وجهته في آذار (مارس) 2003 ونشرتها بي بي سي، التدخل الأمريكي البريطاني في العراق بأنه عدوان. وقالت في كتابها المؤرخ في 18 آذار/ مارس 2003، الذي سمح القانون الجديد حول حرية الإعلام في كشف النقاب عنه، إن التدخل العسكري في العراق يشكل استخداماً غير قانوني للقوة ويمكن اعتباره عدواناً.
إن عدم قانونية قرار الذهاب إلى الحرب في العراق سيضع مسؤوليات كبيرة على بريطانيا في المستقبل في ما يتعلق بالتعويضات للشعب العراقي عن الخسائر المادية والبشرية التي تكبدها بفعل هذه الحرب. فالأرقام تشير إلى استشهاد مئة ألف عراقي وإصابة ثلاثة أضعاف هذا الرقم بسبب الحرب، ناهيك عن الدمار الهائل الذي لحق بالبلاد وبناها التحتية، وإذا تمت ترجمة هذه الأرقام إلى تعويضات فإن بريطانيا وأمريكا ستدفعان آلاف المليارات كتعويضات إن لم يكن أكثر( ).
وفي مقابلة مع صحيفة الاوبزرفر البريطانية، أكد الأدميرال مايكل بويس، رئيس هيئة الأركان البريطاني السابق الذي قاد قوات الاحتلال البريطاني في احتلال العراق، أنه في حال تعرضه أو جنوده في أي وقت في المستقبل لتهم ارتكاب جرائم حرب بسبب احتلال العراق أمام محكمة الجزاء الدولية فسيجر معه إلى قفص الاتهام أشخاصاً آخرين من بينهم رئيس الوزراء والمدعى العام. وأنه إذا ذهب هو أو جنوده إلى السجن فإن أشخاصاً آخرين سيذهبون معهم أيضاً. وتابع قائلاً: «إنه كان يهدف من وراء مطالبته بالحصول على ضمان صريح بقانونية الحرب إلى امتلاك سند قوي موقع من رجل القانون الأعلى في البلاد» ، مشيراً إلى أنه يدرك أن الحكومة لم تستطع تزويده بغطاء قانوني كامل أو حماية نهائية من الملاحقة القضائية، ولكن ما حصل عليه يجعله واثقاً من قدرته في حال حدوث مثل هذه الملاحقة على جر آخرين لمشاركته هو وجنوده في هذا المصير( ).
وبالإضافة إلى أن مسألة لا شرعية الحرب ضد العراق، كانت مادة مهمة للأحزاب السياسية البريطانية التي تنافس بلير وحزب العمال، عمَّت تأثيراتها لتطول وسائل الإعلام البريطانية. فاتهمت الصحف البريطانية رئيس الوزراء توني بلير بشكل صريح بالكذب، وإخفاء الحقائق إثر الكشف عن كامل النصيحة القانونية التي قدمها المدعي العام إلى الحكومة قبل عدة أيام فقط من بدء الاحتلال العراق( ) .
وانتقدت جريدة (صن داي تلغراف) توني بلير، الذي خلافاً لموافقته على إنشاء محكمة الجرائم الدولية، مؤكدًا أن البريطانيين يجب أن يخضعوا لقواعدها، قرر الانضمام إلى تحالف الرئيس الأمريكي جورج بوش لغزو العراق، مع إعادة الإصرار على أنه لن يذهب إلى حرب العراق ما لم تتفق مع القانون الدولي. وخلافاً لتصريحه تبيَّن أنه لا يحترم القانوني الدولي. فعلى الرغم من تأكيد المستشارة القانونية لوزارة الخارجية البريطانية اليزابيث ويلمشورست على عدم شرعية حرب العراق، واعتقاد محامي الحكومة البريطانية أن غزو العراق غير شرعي بدون صدور قرار ثان من مجلس الأمن، شاركت بريطانيا في الغزو، وفعل بلير كل شيء يقدر عليه لتمرير قرار أممي ثان إلا أنه فشل في ذلك بعد رفض أغلبية أعضاء مجلس الأمن للتصويت للحرب، وإصرارهم على أن غزو العراق سيكون غير شرعي. ولم يكتف بلير بتجاوز مجلس الأمن فراح يمارس الضغوط على المدعي العام اللورد جولد سميث للقول بشرعية تلك الحرب. «إن الحقيقة تتمثل في أن هذه الحرب كانت غير شرعية». ودعت إلى تشكيل تحالف يعمل على إعادة الحكومة الشرعية لصدام حسين، وضرورة اعتقال توني بلير وتقديمه لمحكمة الجرائم الدولية( ).
وفي صحيفة الاندبندنت مقال بعنوان «11 يوماً قادت بريطانيا إلى الحرب»، ومقال آخر عن موضوع المشورة القانونية التي قدمها جولدسميث بعنوان: «إذا كان بلير لا يخفي شيئاً فلينشر الوثيقة الأصلية»، جاء فيه: «تقود صحيفة الاندبندنت حملة للمطالبة بكشف الوثيقة التي تتضمن المشورة القانونية التي قدمها المدعي العام اللورد جولد سميث للحكومة وبالتحديد تلك الوثيقة التي أعدها في 7/ 3/ 2003، والتي تتكون من 13 صفحة». وأضاف المقال: «إن الصالح العام يتطلب نشر نص المشورة القانونية بالكامل وسيكون مفوض الاستعلامات ريتشارد توماس قد خالف الواجب الذي تمليه عليه وظيفته اذا لم يُفشل محاولة الحكومة للإبقاء عليها سراً».
وفي صحيفة الأوبزرفر، يقول هنري بورتر: «سواء أكنت معارضاً للغزو أم كنت تعتقد أن ما تمخض عنه يصب في صالح الشرق الأوسط لا يهم. إن هذه القضية هي حول كيف تحكم بريطانيا والطريقة التي يقوم بها توني بلير باستخدام جهازه السياسي لتشويه مشورة قانونية قدمها موظفون ورجال استخبارات»( ).
ولم يقف مؤيدو بلير باتخاذ قرار الحرب ضد العراق على حياد بل اتهموه بالكذب، لأنه غرَّر بهم عندما أخفى تقرير اللورد (بيتر جولد سميث) المدعي العام البريطاني( ).
ومما يؤكد لا شرعية الحرب ضد العراق، هو ما أعلنه، في العام 1995م، السير بيتر دي لا بيليير، حول عدوان العام 1991م، حيث قال: «لم يكن لدينا تفويض بغزو العراق أو الاستيلاء على البلاد». وقد أكَّد الأمر ذاته آخرون كانوا في السلطة وقتئذ. وكان جون ميجر رئيساً للوزراء عندما تم تبنّي القرارين 678 و687. وفي رأيه: «كان التفويض الممنوح إلينا من الأمم المتحدة هو طرد العراقيين من الكويت، لا إسقاط النظام العراقي.. لقد ذهبنا إلى الحرب لتعزيز القانون الدولي. وكان تجاوز التفويض الممنوح إلينا، يعني انتهاكاً للقانون الدولي». وبدوره يتساءل فيليب ساندز، مؤلف كتاب «عالم بلا قانون»: إذا كان القراران 660 و678 لم يوفّرا أي أساس لإسقاط صدام حسين سنة 1991، فكيف يوفّران هذا الأساس سنة 2003؟( ).
في صحيفة صندي تلغراف نجد مقالاً بعنوان «هل يجب إطلاق سراح صدام واعتقال بلير؟»: يخلص الكاتب إلى القول إن الذين يشككون في شرعية الحرب لا يجرؤون على التعبير عن النتيجة المنطقية لموقفهم وهي المناداة بخلق تحالف يقوم بإعادة الحكومة الشرعية لصدام حسين إلى الحكم، وإلقاء القبض على توني بلير وتقديمه إلى محكمة جرائم الحرب الدولية. هذا هو الموقف الذي لا مفر من أن يقود إليه منطق أبطال القانون الدولي، وهو ما يجب أن يجعلنا نحس كم هو غير واقعي هذا العالم الذي نعيش فيه( ).

ثانياً: دول كبرى ثلاث ترفض اتخاذ قرار دولي يُشرِّع الحرب ضد العراق
أصدرت فرنسا وألمانيا وروسيا بياناً مشتركاً قالت فيه إنه لا يوجد ما يبرر شن الحرب على العراق وإن فرق التفتيش لا تزال تمارس مهمتها فيه، وهي «تعيد التأكيد على عدم وجود ما يبرر الظروف الراهنة أو وقف عمليات التفتيش واللجوء إلى استخدام القوة». وقال الوزير الفرنسي إن بلاده يمكنها أن تقبل حلاً وسطاً بخصوص سرعة عمليات التفتيش لكنها لن تقبل بأي تفويض تلقائي لشن الحرب( ).

ثالثاً: كذلك الشارع العالمي
امتلأت شوارع المدن الكبرى بملايين المتظاهرين احتجاجاً على الحرب ضد العراق. ولم تنج شوارع المدن الكبرى في الولايات المتحدة الأميركية من مسيرات الاحتجاج:
احتشد ألوف المتظاهرين المناهضين للحرب ضد العراق حول البيت الأبيض. وكذلك في واشنطن ولوس انجلوس وسان فرانسيسكو وعدداً من المدن الصغيرة. وجاءت في إطار المسيرات العالمية الحاشدة التي شهدتها نحو 400 مدينة في مختلف أنحاء العالم للتنديد بالخطط الرامية للقيام بعمل عسكري وشيك ضد العراق بزعم نزع أسلحته( ).
وفي مواجهة احتمال استعمال فرنسا وروسيا لحق النقض الفيتو. ولاستعجال أميركا اتخاذ قرار الحرب بمن يوافق من الدول الأخرى. عقد جورج بوش، الرئيس الأميركي، وطوني بلير، رئيس الحكومة البريطانية، وجوزيه ماريا أزنار، رئيس حكومة إسبانيا، قمة ثلاثية في 16/ 3/ 2003م في جزر «الأوزور» البرتغالية. وفي المقابل راحت تتسرَّب أخبار عن أن الإدارة الأميركية تدرس بجدية إمكانية الانسحاب من مجلس الأمن وبصحبتها بريطانيا استعدادًا لإيجاد هيئة دولية جديدة تتماشى مع مطامع الإدارة الأميركية لإيجاد نظام دولي قوي( ).

رابعاً: كيف تحمي حكومتا أميركا وبريطانيا جنودهما من المحكمة الجنائية الدولية؟
قالت صحيفة الأوبزرفر البريطانية: إن الجنود الأمريكيين والبريطانيين في العراق سيحصلون، بمقتضى اتفاق مع الأمم المتحدة، على حصانة ضد إقامة دعاوى قضائية ضدهم من جانب عراقيين بتهمة ارتكاب جرائم حرب، وإنهم سيحاكمون أمام محاكم بلادهم فقط بشأن الانتهاكات التي ارتكبوها ضد المعتقلين العراقيين بسجن أبو غريب وغيره من السجون العراقية( ). وقد صادق مجلس الأمن الدولي، في 12/ 6/ 2004، على مشروع قرار يجدد لمدة عام إعفاء المواطنين الأمريكيين وقوات حفظ السلام الأمريكية من أي ملاحقات أمام المحكمة الجنائية الدولية( ). إن هذا الأمر كان شرطاً في التفاوض بين سلطات الاحتلال في العراق والأمم المتحدة لتطبيقه بعد تسليم السلطة للعراقيين في نهاية حزيران/ يونيو 2004. والقرار الدولي الجديد يحمل الرقم (17). ويمنح الحصانة للقوات الأمريكية والبريطانية الموجودة بالعراق، وسيمتد أثره ليشمل القوة الجديدة التي سيتم تشكيلها من القوات البريطانية والأمريكية التي ستبقى في العراق، بدعوة من الحكومة الانتقالية العراقية، في أعقاب تسليم السلطة.
وتعقيباً على خطورته، تساءل آدم برايس، عضو مجلس النواب البريطاني: «كيف يمكن لأي عراقي أن يرفع دعوى قضائية أمام المحاكم البريطانية؟». وأضاف: «إن ذلك يأخذ معنى الحصانة الدبلوماسية، ويستفيد منه 130 ألف جندي. هناك مخاطر من التحول بالفعل من الحصانة إلى التعامل معهم دون توقيع عقاب عليهم». وطالب بضرورة وجود محققين عسكريين بالعراق للتحقيق في أي اتهامات ضد قوات الاحتلال بحيث يسمح بالمطالبة بتحرك ضد المتهمين( ).
بعد أقل من شهر، من تصديق مجلس الأمن على القرار المذكور، بدأت الولايات المتحدة حملة (بلطجة) دولية لتأديب الدول الرافضة لهذا الاستثناء في القانون الدولي، واستخدمت سلاح المعونات والمساعدات لتحقيق هذا الغرض، مما حدا بدول عديدة لتوقيع اتفاقيات ثنائية مع أمريكا قهرًا. وقد وقعت الولايات المتحدة بمقتضى هذا البند اتفاقيات ثنائية مع 50 دولة وفق ما أعلنته الخارجية الأمريكية. وباستثناء مصر وإسرائيل والأرجنتين، وهو ما يعني ضمنًا أن هذه الدول وقعت اتفاقيات مع أمريكا لحماية جنودها من المحاكمة في جرائم حرب، قررت الإدارة الأميركية تعليق المساعدات عن 35 دولة رفضت توقيع اتفاقيات ثنائية تحمي جنود وجنرالات أمريكا من المحاكمة، ورفض ريتشارد باوتشر المتحدث باسم الخارجية الأمريكي الكشف عن أسماء الدول التي سيشملها تعليق المساعدات العسكرية.
وأعادت صحيفة (الميدان المصرية عدد آخر حزيران/ يونيو 2003)، نشر أنباء أخرى سابقة عن صحف عربية وأجنبية، كانت قد أكدت إعلان الخارجية الأمريكية أن دول (مصر وتونس ونيكارجوا ومنغوليا وجزر سيشيل) قد وقعت على هذه الاتفاقيات الثنائية مع أمريكا لإعفاء الأمريكيين (العسكريين والمدنيين) من المثول أمام المحكمة الجنائية.
كما أن استثناء الولايات المتحدة الأميركية من الخضوع لسلطة «المحكمة الجنائية الدولية»، يتلخص باعتبار العديد من الدول أن قوات حفظ السلام (الأمريكية) قوات غير شرعية لأنها تتمتع باستثناءات خارج القانون الدولي الذي ينظم عمل هذه القوات نفسها، ولأنها معصومة من المحاكمة إذا قامت بأي أعمال قتل ضد مدنيين أبرياء.
وقد رضخت بلجيكا للضغوط الأميركية في إلغاء سريان القانون البلجيكي على الأمريكيين، وأن يتم سحب التهديد القضائي الذي يتعرض له بعض المسئولين الأمريكيين الحاليين والسابقين، بعدما تقدم عراقيون عبر محامٍ بلجيكي بدعاوى قضائية في بلجيكا ضد الجنرال تومي فرانكس قائد القوات الأمريكية في حرب العراق، وطالبوا بتقديمه إلى المحاكمة بتهم ارتكاب جرائم حرب. كما تتضمن قوائم المسئولين الأمريكيين الذين توجه إليهم أصابع الاتهام بارتكاب جرائم حرب الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب ونائب الرئيس الأمريكي الحالي ديك تشيني ووزير الخارجية كولن باول والجنرال الأمريكي المتقاعد شوارسكوف، وعدداً آخر من المسئولين العسكريين الأمريكيين السابقين والحاليين.
على الرغم من أنها تستطيع التهرب بقوة التأثير على أكثر دول العالم فإن الولايات المتحدة الأميركية لن تستطيع حماية الأميركيين الذين يرتكبون جرائم حرب. فهي لن تستطيع أن تُلزم الدول المستعصية على إرادتها من رفع الدعاوى حسب التالي:
1-سيكون في مقدور «المحكمة الجنائية الدولية» أن تتقبل دعاوى أفراد ودول وجماعات ضد دول أو أشخاص آخرين متهمين بجرائم حرب أو إبادة جماعية أو عدوان، بشرط أن تكون هذه الجرائم تمت بعد الأول من يوليه 2002 وليس بأثر رجعي.
2-عدم توقيع أي دولة على المعاهدة لا يعفي مسئوليها من المحاكمة؛ إذ يمكن محاكمة أشخاص من أمريكا أو «إسرائيل» أو دول أخرى رفضت التوقيع على المعاهدة في أي قضية إذا ما كانت الدولة التي وقعت فيها الجرائم صدقت على المعاهدة( ).

خامساً: لا شرعية الاحتلال ترتبط بأدوات تنفيذها: المرتزقة من أهم تلك الأدوات
المرتزَق، بالمفهوم الحديث، هو كل أجير يتلقَّى أجراً عن عمل يقوم به من دون النظر إلى مشروعيته. فالأساس، من الارتزاق، هو الأجر. والأساس، من استئجار المرتزق، هو الهروب من مساءلة المستأجر حول طبيعة العمل الذي يعمل لإنجازه.
يُعرِّف الأميركي وليم أولتمان، المرتزقة بما يلي: «المرتزقة (soldiers of fortune)، والكلمة تعبر عن نفسها، من سقط المتاع الفاشلين في حياتهم, ومن خدم ذات يوم في سلك الجيش وراق له طعم القتل فاستساغه»( ).
استناداً إليه، بعد أن انتشرت الأنباء عن وجود عشرات الآلاف من المرتزقة في العراق، وهم من الرجال المدربين على ارتكاب أي عمل عسكري لقاء أجور مرتفعة، لا يجوز أن نغفل تلك الظاهرة من دون توضيح واقعها وأدوارها، وأهداف الجهة التي تقوم بتجنيدهم في العراق.
يعرف المخططون للحرب ضد العراق واحتلاله، أن الحرب التي يخوضونها ليست إلاَّ عدواناً، المراد منه السيطرة على ثروته. وهي أهداف تتنافى مع كل الشرائع والأخلاق والأعراف في علاقات الدول. ويعرفون أيضاً أن العدوان لن يكون بمعزل عن مساءلتهم واتهامهم ومحاكمتهم مهما طال الزمن. لذا فقد خططوا للقيام بعدوانهم على أساس أن لا يتركوا أدلة تدينهم وتدين جيشهم النظامي، فلم يكن ما يُبعد عنهم عناصر الاتهام إلاَّ اللجوء إلى المرتزقة. وهؤلاء قلَّما ينتسبون إلى جهات يمكن أن يطولها القانون الدولي من جهة، وقلَّما يرتبطون بعوائل تطالب بهم أو تسأل عنهم من جهة أخرى، كما أن الإدارة الأميركية ليست ملزمة بالمساءلة أمام أهلهم إذا ما قُتلوا من جهة ثالثة.
واستناداً إلى كل ذلك، نقول: هناك تلازم بين الهدف والأداة، فالهدف غير الشرعي تنفِّذه أداة غير شرعية. فالعدوان والاحتلال لا شرعيان، ومنفذوه، بأقذر وسائلهم، مرتزقة غير معترف بشرعيتهم، وبهم يتهرَّب المعتدي من المساءلة. وهكذا يمكننا أن نفسِّر أحد طرفيها بالطرف الآخر: إن قذارة الهدف تكشف عن قذارة الأداة، والعكس صحيح: إن ظهور قذارة الأداة في احتلال العراق يبرهن على قذارة الهدف. فاستخدام المرتزقة في احتلال العراق هو أحد وجوه الجريمة الأميركية. ويمكننا أن نرفق في ملف الاتهام ضد الإدارة الأميركية استخدام المرتزقة على أرضه.
وتفيد التقارير والأخبار عن أن الانفلات الأمني في العراق، كنتيجة من نتائج العدوان والاحتلال الأميركي، جعل منه مرتعاً ليس للإرهابيين وعصابات الجريمة المنظمة فحسب، بل وقبلة لعشرات الألوف من مرتزقة عسكريين سابقين، أمركيين وبريطانيين وغيرهم، جندتهم شركات الأمن العالمية الخاصة للقيام بحماية المنشآت والمقاولين والخبراء الأجانب، وأن عدداً كبيراً من هؤلاء صاروا يشكلون خطراً على الأمن «حيث يعيثون في الأرض العراقية قتلاً وفساداً من دون رادع، وخارج جميع القوانين المرعية»( ).
ينتمي الأربعة الأمريكيون الذين قتلوا في الفلوجة وعلقوا على أحد جسورها، مثلاً، إلى أقذر فصيلة من فصائل البشر تعيش في عالمنا , فلم يكن هؤلاء مقاولين جاءوا لإعمار العراق , كما يُراد للعالم أن يصدق , بل إنهم مرتزقة جورج بوش وقتلته المأجورين. ومن جنوب أفريقيا، على سبيل المثال، يتم تأجير عناصر مجرمة بكل بمعنى الكلمة من بقايا النظام العنصري عن طريق شركات خاصة وإرسالهم إلى العراق لإعادة الأمن والاستقرار هناك. وفي كيب تاون تنتشر إعلانات في الصحافة لتلك الشركات.
مجلة الايكنوميست البريطانية نشرت مقالا بعنوان (شجرة بغداد) وتومئ به إلى ازدهار سوق العمل التي تشرف عليها الشركات الخاصة المشرفة على تجنيد المرتزقة للعمل في العراق . وذكرت المجلة بأن عراقيين هاجموا بالحجارة ستة من هؤلاء المرتزقة القادمين من جزر الفيجي في مدينة البصرة يعملون لحساب شركة (Global Risk Strangers) التي تتخذ من لندن مقراً لها. ومن هناك تبعث بهؤلاء السفلة إلى العراق. وأضافت المجلة تقول بأن الشركات العسكرية الخاصة تحتل الآن المرتبة الثالثة في خانة المساهمين الكبار في دعم الجهود العسكرية الأمريكية والبريطانية في العراق. وقد حققت تلك الشركات في بريطانيا أرباحاً إضافية تقدر ب 320 مليون جنيه بسبب زيادة الطلبات عليهم للعمل في العراق.
ونشرت جريدة هيرالد تربيون إعلاناً عن شركة مسجلة في ديرهام في ولاية كارولاينا تعمل تحت أسم (بلاك ووتر) تشرف على منشآت تنتشر على مساحة 2.100 هكتاراً لتدريب المرتزقة، أو من يسمون بالمارينز السابقين قبل إرسالهم للخدمة في العراق. وبدأت الشركة بتدريب كوماندوز سابقين في جيش الجنرال التشيلي بينوشيت للغرض نفسه( ).
كشفت جمعيات مدنية في سان سالفادور أن المئات من السلفادوريين يجندون للعمل كمرتزقة في العراق(*) تحت غطاء ما يسمى بالشركات الأمنية الخاصة. وتعد تلك العمليات، حسب السيدة بياتريس كاريلو أحد أعضاء حقوق الإنسان في السالفادور، طرقاً جديدة للعبودية لأن الشركات تختار المحتاجين والعاطلين عن العمل للقيام بأعمال بالغة الخطورة على أرض العراق. ونددت المنظمات الحقوقية بالدعم الذي تقدمه الشركات الأمنية الخاصة لقوات الاحتلال الأمريكي. وطالبت «جبهة فارابوندو الشعبية» الحكومة السلفادورية بمنع تجنيد الشباب السلفادوري للعمل بالعراق كمرتزقة( ).
وليست مظاهر الجريمة بادية في أعمال تلك العصابات، الخارجة عن كل مبدأ أخلاقي، أو إنساني، وإنما تشكل ظاهرة استنزاف لمال العراقيين وأرزاقهم. فأجورهم المرتفعة تُدفع من جيوب العراقيين وثروتهم الوطنية. ألم يصرِّح قادة البيت الأبيض أن ثروة العراق ستموِّل الحرب عليه؟ وتشير بعض التقديرات إلى أن تكاليف المرتزقة «صارت عبئاً ثقيلاً على ميزانية الدولة، بحيث راحت تلتهم حوالي 20% إلى 30% منها»( ).
ومن الأمثلة على ذلك، فشلت ديفينس سيرفيس ليميتيد، شركة أمن بريطانية، حاصلة على عقد أمريكي قيمته 292 مليون دولار لتوفير الحماية للمسؤولين والمقاولين بالعراق. وقالت صحيفة نيويورك تايمز إنه بموجب العقد الموقع مع هذه الشركة لمدة ثلاث سنوات، بدءًا من أيار/ مايو 2004، تلتزم الشركة بتوفير الحماية للمسؤولين الأمريكيين وتعمل على تنسيق العمل بين العشرات من شركات الأمن الخاصة المستأجرة من قبل المقاولين والمستثمرين. وإضافة إلى حراسة المسؤولين الأمريكيين، يرسل مستخدمو شركة أيجيس البريطانية عبر البريد الإلكتروني تقارير دورية حول التفجيرات، والهجمات على القوافل والحوادث الأخرى التي تتعرض لها شركات الأمن في العراق( ).
لا تكترث وسائل الإعلام بموضوع المرتزقة القادمين إلى العراق. كما أن الإدارة الأميركية تعمل تعتيماً حوله، لأن استخدامها لهم يكشف اللثام عن أهدافها الشريرة. إلاَّ أن تلك العوامل لن تستطيع التعتيم دائماً، فهناك بعض وسائل الإعلام استطاعت كشف ما هو مستور حول دور المرتزقة.
فمنذ أن بدأت الإدارة الأميركية تعاني نقصاً في أعداد الأميركيين الراغبين في التطوع للقتال في العراق، بسبب عجز الإدارة عن احتواء المقاومة العراقية، لجأت إلى الاعتماد على شركات الأمن الخاصة لاستئجار عشرات الآلاف من المرتزقة، ولهذا خُصصت الكثير من الرحلات الجوية لنقل عشرات الآلاف منهم. وتشير التقارير المنشورة، والمحدودة التداول، إلى الحقائق التالية:
-ثلاث دول إفريقية تقيم فوق أراضيها معسكرات تضم عشرات الآلاف من المرتزقة. وبعضها في دول الاتحاد السوفيتى سابقاً.
-يقيم المرتزقة في معسكرات أمنية خاصة، ويعملون في «مقاولات أمنية خاصة» لحساب الولايات المتحدة بشكل خاص ودول أوروبية أخرى.
- يحصل المرتزق على مبالغ مالية ضخمة بشكل شهري من خلال عقود موقعة مع المسئولين الكبار في المعسكر المذكور وهؤلاء بدورهم يتلقون مبالغ مالية ضخمة من وزارة الدفاع الأمريكية بشكل سنوي تنفيذاً لاتفاقيات خاصة.
-يقومون بعمليات سرية بأوامر أمريكية داخل العراق مثل حماية المعسكرات والمنشآت والدوريات الأمريكية. وهناك فرق منهم لديهم معسكراتهم الخاصة مرتبطة مباشرة مع قيادة مشتركة من الجيش والمخابرات الأمريكية متخصصة بالأعمال القذرة.
-تنظم العلاقة بينهم وبين إدارة الاحتلال اتفاقية سرية بين المسئولين الأمريكيين والمرتزقة، تحظر عليهم الحديث عن طبيعة مهماتهم وأعمالهم بعد انتهائها والعودة إلى بلدانهم. وإن كل من يخالف بنود هذه الاتفاقية تتم معاقبته( ).
كشفت مصادر مطلعة في وزارة الدفاع الأمريكية عن حقيقة أن الولايات المتحدة قد منحت الجنسية الأمريكية لما يزيد عن عشرين ألف شخص منذ وقوع ضربات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001. كما ذكرت أنه يوجد حوالي خمسة آلاف شخص آخرين على قائمة الانتظار بعد أن تقدموا بطلبات للحصول على الجنسية الأمريكية. وأشارت المصادر، وفقًا لشبكة بيج نيوز نيتورك، إلى أنه رغبة من القيادة العسكرية الأمريكية في توسيع قاعدة المجندين في الجيش الأمريكي، تقرر ألا تستغرق فترة الانتظار للحصول على الجنسية الأمريكية سوى ستين يومًا بعد أن كانت تصل في السابق إلى تسعة أشهر. وقال ديفيد شو، وكيل وزارة الدفاع الأمريكية أمام اللجنة العسكرية التابعة لمجلس الشيوخ الأمريكي، خلال شهادته أمامها: إن حصيلة المجندين العاملين في الجيش الأمريكي، من المرتزقة غير الحاصلين على الجنسية الأمريكية، تصل إلى ثلاثين ألف مجند( ).
لقد أصبحت ظاهرة الشركات الأمنية، في الغرب، صناعة مزدهرة. يستطيع أي رأسمالي، يمتلك القدرة على الدفع، أن يستخدم أولئك المرتزقة في تنفيذ أهدافه. وهي ظاهرة أكثر حضارة من ظاهرة استرقاق العبيد التي كانت تجارة مزدهرة في أميركا حينما كانوا يباعون ويُشرون للعمل في أرض المستعمرين الأوروبيين بعد الاستيلاء عليها من سكانها الأصليين. وإن كانت أحدها أقل حضارة من الأخرى إلاَّ أن مستخدمها واحد، وهما متساويتان في النتائج.
ولخطورة ظاهرة المرتزقة، أصدرت الهيئة العامة للأمم المتحدة قراراً اعتبرت فيه أنها مخالفة للقانون الدولي. ومن أهم مواد القرار: «112/ 52 استخدام المرتزقة كوسيلة لانتهاك حقوق الإنسان وإعاقة ممارسة حق الشعوب في تقرير المصير»:
-الالتزام بمنع استخدام المرتزقة كوسيلة من وسائل إعاقة ممارسة حق الشعوب في تقرير المصير.
-دعوة الدول إلى عدم استخدام أراضيها والأراضي الأخرى الخاضعة لسيطرتها، فضلا عن رعاياها، في تجنيد المرتزقة وحشدهم وتمويلهم وتدريبهم ونقلهم( ).
كما نصَّت المادة الخامسة من الـ( قرار رقم 3103 (الدورة 28) بتاريخ 12 كانون الأول/ ديسمبر 1973م، على أن استخدام الأنظمة العنصرية والاستعمارية للمرتزقة ضد حركات التحرير التي تناضل من أجل حريتها واستقلالها من نير السيطرة الأجنبية، يعتبر عملاً إجرامياً، ولذلك يجب معاقبة الجنود المرتزقة كمجرمين( ).
وقد دفع الدور المتزايد لـ«أجهزة الأمن الخاصة» في مناطق نزاع مثل العراق، الأمم المتحدة إلى البحث عن وسائل تنظيم النشاطات التي تشبه عمل المرتزقة. وقال خبراء إن غياب المراقبة الدولية أدى في الواقع إلى وجود هامش سمح لشركات احتلت مكانة في السوق مثل البريطانية (كونترول ريسكس غروب) والأميركية (بلاك ووتر)، إلى جانب شركات أخرى تثير سمعتها الشبهات. واعترف المدير العام للشركة البريطانية ريتشارد فينينغ بأنه «ليس هناك تشريع دولي، وسنحتاج على الأرجح إلى ذلك». وتعمل هذه الشركة في 130 بلداً من بينها العراق حيث تتولى حماية الدبلوماسيين البريطانيين( ).
وسواء أطلق عليهم اسم «مرتزقة» أو «عناصر أمنية» فان مهنة آلاف المسلحين المدنيين الذين تستعين بهم قوات الاحتلال في العراق تشكل ظاهرة تبدو مثيرة للجدل قانونياً وأخلاقياً. فبعضهم يضطر لاستخدام سلاحه أحياناً، وبعضهم لم ينج من تهم التعذيب خلال عمليات الاستجواب في سجن أبو غريب. ويرى الن بيليه، أستاذ القانون الدولي في جامعة نانتير في فرنسا، أن «عمل عنصر المرتزقة الذي يدخل طرفاً في نزاع ودافعه الربح.يمنعه القانون الدولي». وفي الولايات المتحدة طلب 13 من أعضاء مجلس الشيوخ الديموقراطيين، من وزير الدفاع دونالد رامسفلد، أن يوضح مهمة أربعة من «عناصر الأمن» الأميركيين الذين قتلوا في الفلوجة، معربين عن القلق من وجود «جيوش خاصة تعمل خارج السلطة الحكومية»( ).

سادساً: الإدارة الأميركية تُحدث انقلاباً في المؤسسات الرسمية العراقية لتشرِّع احتلالها:
تُدرك الولايات المتحدة، وبريطانيا، أن احتلال العراق مخالف للقانون الدولي. ولهذا السبب تستعين برجال القانون الذين يقدمون النصح لحكومتيهما. ويحاولون صياغة سياسة الاحتلال في العراق، بما يتفق مع القانون: إما بإتباع مواثيق معروفة، أو باستصدار قرارات من مجلس الأمن.
سابعاً: المؤسسات الأممية ضالعة في تزوير القانون الدولي:
بداية يجب التأكيد على أن القانون الدولي يحمي حق الشعوب في تقرير مصيرها. وأُنشئت المؤسسات الأممية من أجل حماية الدول التي يتعرَّض مصيرها واستقلالها لخطر خارجي. واستدراكاً من المجتمع الدولي، في ظلَّ احتمال العدوان قائماً من دولة ضد دولة أخرى، وُضعت مبادئ للقانون الدولي لتحميل المحتل مسؤوليات التخفيف من الأضرار التي يمكن أن تلحق بالدولة التي تعرَّضت للعدوان. وأطلق القانون الدولي على العدوان، بعد وقوعه، ودخول جيوش الدولة الغازية إلى أراضي الدولة المُعتدى عليها، مصطلح «الاحتلال». ورتَّب على الاحتلال مسؤوليات، نصَّت عليها المادة (42) من معاهدة لاهاي من العام 1907 «تعتبر الأرض محتلة عندما توضع عملياً تحت سيطرة الجيش المعادي». وأهمية هذا التعريف هو أن القانون الدولي، الذي ينظِّم «الاحتلال»، يضع مسئوليات قانونية في عنق المحتل التي تبقى كذلك حتى ينتهي الاحتلال قانونياً. ويُعتبر منتهياً في إحدى حالتين وهما: إما انسحاب الجيش الغازي من الأرض أو طرده منها.
ولأن الاحتلال الأميركي للعراق حصل لا لكي ينتهي، كما خطَّط له منفذوه، تحاول الإدارة الأميركية التخلص من المسئولية القانونية بإدعاء انتهائه، قبل انتهائه فعلاً، ونقل المسئولية القانونية المترتبة على الاحتلال لجهة ثانية. ولهذا السبب سارت على خطين، تحسب أن تكاملهما يؤمن لها تغطية الخديعة، وهما: ضغطها على مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرارات ملائمة. وكانت قد أعدَّت «المعارضة العراقية سابقاً» من أجل التسلل تحت «هويتها العراقية» لتنقل المسؤولية القانونية الشكلية إليها، فتضع مسؤولية ما ترتكبه من جرائم في «رقبتها».
أما ضغطها على مجلس الأمن الدولي لاستصدار قرارات ملائمة:
فقد أصدر المجلس، منذ احتلال العراق، في التاسع من نيسان 2003م، أربعة قرارات، هي في جملتها قرارات باطلة. ويجب على أية سلطة تمثل حكومة العراق الشرعية أن تطعن بها قانوناً ودون إبطاء أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي. وبطلانها يعود إلى أن «منع الإبادة من قواعد القانون الدولي القسرية لا يمكن تجاوزها، كما أن نزع سيادة دولة ليست من صلاحيات مجلس الأمن. لأنها نقض لميثاق الأمم المتحدة. وإن مجموعة القواعد التي تشكل القانون الدولي هي المواثيق التي اتفقت دول العالم على التعاقد عليها. وليس لأحد سلطة تجاوز قواعد العقود بين الدول المتعاقدة». وعلى الرغم من أن تلك القرارات جاءت لتخدم خديعة أميركا وبريطانيا، إلاَّ أنها حملت الكثير من الثغرات، التي يمكن مساءلتها لاحقاً بتهمة التواطؤ مع الحكومتين الأميركية والبريطانية. وتلك بعض الثغرات التي عرضها د. عبد الحق العاني( ):
بداية «ما يمكن أن يكون جريمة حرب أو جريمة إبادة أو جريمة ضد الإنسانية قد تنجح في الإفلات من المساءلة عنها اليوم قد تضطر في وقت لاحق للرد على التهمة إذا ما تغير الميزان الدولي قليلاً. خصوصاً وأن المتابعة القانونية ستكون ضد الأفراد الذين قد يكونون خارج السلطة وقتها».
- القرار 1483 في 22 أيار/ مايو 2003 م: أغفل تعمداً الإشارة إلى غزو العراق وهو خرق لميثاق الأمم المتحدة، وأسبغ شرعية على بيانات عملاء أميركا واعتبرها حكومة شرعية، وبذلك يكون قد نزع شرعية الحكومة السابقة، بينما «ليس له الحق في نزع سيادة دولة عضو في الأمم المتحدة ... نتيجة حرب عدوانية عليها، وليس لمجلس الأمن سلطة سحب الاعتراف بالحكومة العراقية القائمة». وعلى الثغرات التي يحملها فقد ألزم القرار المذكور قوات الاحتلال بالقانون الدولي، وهذا ما «يفتح الباب أمام الطرف المعتدى عليه أن يطعن بالحرب والاحتلال بجملته مستنداً إلى قرار مجلس الأمن نفسه».
- القرار 1500 في14 آب/ أغسطس 2003م: رحب فيه بتشكيل مجلس الحكم دون تحديد الصفة القانونية التي تم بموجبها تشكيل المجلس أو سلطة تشكيله، وهو بهذا متفق مع موقفه غير القانوني في القرار 1483.
- القرار 1511 في 16 تشرين الأول/ أكتوبر 2003م: اعتبر أن مجلس الحكم ووزراءه هم الأجهزة الرئيسة للإدارة المؤقتة العراقية، وكذلك الإذن بتشكيل قوة متعددة الجنسيات لصيانة الأمن والاستقرار في العراق دون تحديد الآلية التي يتم بموجبها تشكيل مثل تلك القوة.
-القرار 1546 في 8 حزيران/ يونيو 2004م: أحيط علماً بحل مجلس الحكم دون الإشارة لقانونية تشكيله قبل حله. وأكد سيادة القانون في العراق لكنه أهمل تحديد أي قانون يعنيه في قراره. وأقرَّ تشكيل حكومة مؤقتة. ووافق على رسالة رئيس الحكومة المؤقتة بطلب الإبقاء على قوات الاحتلال في العراق. كما أقر إجراء الانتخابات في العراق في موعد لا يتجاوز 31 كانون الثاني 2005. وبذلك وقع بالكثير من المخالفات القانونية، ومن أهمها أنه عندما «يرحب بأنه سيتم بحلول 30 حزيران/ يونيو 2004، انتهاء الاحتلال، وانتهاء وجود سلطة الائتلاف المؤقتة، وبأن العراق سيؤكد من جديد سيادته الكاملة»، فهو يقع «في تناقض قانوني خطير. ففي الوقت الذي رحب فيه بانتهاء الاحتلال أكد في القرار نفسه استمرار جيش الاحتلال في السيادة على العراق في الموافقة على طلب الحكومة المؤقتة، والتي عينها الاحتلال».
وبالإجمال لن تكون خديعة الإدارة الأميركية، والحكومة البريطانية، بالتواطؤ مع مجلس الأمن مجدية، لأنه كما يرى الدكتور العاني: «إذا ادعت تلك السلطات أن الاحتلال قد انتهى فإنها تصبح خاضعة لقوانين العراق ويعامل أفرادها معاملة أي مواطن عراقي وفق قوانين العراق حيث يحق للعراقي أن يقاضي الأمريكي والبريطاني أمام محاكم العراق. أما إذا ادعت أن الاحتلال ما زال قائماً فإنها تصبح مسئولة عن المدنيين في العراق وفق اتفاقية جنيف، وكل ما يترتب على تلك المسئولية. ولا يخفي على المتتبع أنها لا تريد أيا من الحالين». وهنا نضيف التساؤلات التالية:
-هل هناك شرعية للقرار، الذي أصدره بول بريمر، في حزيران من العام 2004م، والذي منح بموجبه حصانة للقوات الأجنبية، والأجانب المتعاقدين مع قوات الاحتلال في العراق، من الملاحقة القانونية؟
-وهل النص الذي جاء في «القانون المؤقت»، والذي يضمن أن تقوم الحكومة التي كانت معيَّنة، في حينه، بتشريع اتفاقية الحماية والأمن مع أميركا وإلزام الحكومات العراقية المتعاقبة بها، هو شرعي؟

ثامناً:المهمات التي على عملاء أميركا أن ينفذوها استكمالاً لدور مجلس الأمن الدولي في تغليف الخديعة القانونية الأميركية:
وهنا سنلقي الضوء على ما قامت به إدارة الاحتلال الأميركي على هذا المسار، أي التسلل تحت غطاء عملائها، مستفيدة من «هويتهم العراقية» لتنقل المسؤولية القانونية الشكلية إليها، فتضع مسؤولية ما ترتكبه من جرائم في «رقبتها».
1-تعيين مؤسسات سياسية تستجيب لإملاءاته:
لقد مهَّدت الإدارة الأميركية، للاستيلاء على العراق، بثلاث عشرة سنة من الحصار القاسي والعبثي. جعلته يتآكل بالمشاكل المعيشية بحيث لم يكن الهدف منه القلق على الديمقراطية أو حقوق الإنسان، بل باستبدال نظام صدام حسين بواحد قابل للسيطرة الأمريكية الطويلة الأجل على موارد العراق وأرضه. فبعد استيلائها على هذا البلد لا تعتزم السماح له أن يقع في أيدٍ أخرى .ولهذا السبب راحت تعمل على تركيب إدارات سياسية وأمنية وعسكرية تستجيب لأوامرها وحماية احتلالها لبلد مستقل. والغاية من كل تلك التراكيب إضفاء الشرعية على احتلال غير شرعي. لهذا أولت إدارة الاحتلال اهتمامها الوحيد بتلك المؤسسات على حساب مصلحة أمن المواطن العراقي وقوت عياله. فالهدف تشكيل حكومة عراقية مدينة إلى المصالح الأمريكية ستنصب في السلطة للتوقيع على بيع صناعة بترول العراق والأصول الرئيسية الأخرى إلى الشركات الأمريكية، ودعوة الجيش الأمريكي للاحتفاظ بقواعد دائمة فيه. إن المادة 59 ( ج ) مما سمَّته «الدستور المؤقت» توكل إلى الحكومة الانتقالية غير المنتخبة أن تفاوض حول «الاتفاقيات الدولية الملزمة» التي ستقرّ الوجود غير المحدد للقوات الأجنبية في العراق.
أ-مجلس الحكم الانتقالي: الجميع يعلم أن «مجلس الحكم»، المعيَّن في شهر تموز/ يوليو من العام 2003م، هو بنية غير منتخبة، مكوّن بشكل رئيسي من أناس كانوا بشكل أو آخر متعاونين مع الغزو الأمريكي غير الشرعي للعراق على أمل اكتساب السلطة والامتياز. كما أنه ليس لهؤلاء أية مصداقية بين الشعب العراقي. وقد صرَّح جنرالات أمريكيون بأن هذا المجلس لن ينجو من العقاب إذا غادرت القوات الأمريكية( ).
ب-صياغة دستور للعراق: ما يميز الدولة هو أنها تتمتع بالسيادة الكاملة، وإن الدستور هو أهم ما يميِّز سيادة الدولة، وهي لا تخضع لأية قيود في الداخل إلاَّ لدستورها. أما للخارج فهي لا تخضع إلاَّ للقانون الدولي، الذي يجب أن يُطبَّق على كل الدول على قدم المساواة. كما أن احتلال دولة ما لدولة أخرى هو سلب لسيادة تلك الدولة( ).
في 8 مارس/آذار من العام 2004م، اجتمع 25 عضواً لـ«مجلس بريمر»، أو من يمثلهم لتوقيع قانون إدارة الدولة، أو ما يسموه بالدستور المؤقت(*)، ليعرّف «الحقوق الجوهرية للشعب العراقي»، و رسم الخطوات التي بها ستؤول سيطرة البلد ظاهرياً من الولايات المتحدة إلى حكومة عراقية منتخبة. وطبقاً لتقرير في صحيفة (وس أنجيلز تايمز)، تمت صياغة الدستور المؤقت على أساس ملاحظات كتبها بول بريمر. وببساطة تم تقديمه للتصديق عليه. فبدون الشرعية الأخلاقية أو القانونية، إن السلطة الوحيدة التي صاغت قانون إدارة الدولة هي قوة ألـ 150.000 جندي أمريكي وأجنبي التي تحتل العراق( ).
إنه ليس معروفاً، في تأريخ البشرية، أن تصاغ دساتير في ظل احتلال قائم ومستمر. فالمحتل ما جاء أساساً إلا لمشروع ذاتي ينتفع فيه من الاحتلال، وأنه من أجل ذلك سوف يستبعد كل رأي مخالف لذلك الهدف. أي إن المحتل سوف يعمل على تأمين صياغة دستور يكون داعماً للاحتلال ولمشروعه الذي من أجله قام بالاحتلال. لقد منعت اتفاقية لاهاي لعام 1907، بنص صريح في المادة (43)، سلطة الاحتلال من تغيير أي من قوانين البلد المحتل بل ويلزمها بدعم تلك القوانين وتطبيقها. وهكذا يبدو واضحاً أن القانون الدولي يمنع المحتل من أن يشرَّع أي قرار إلا ما كان متعلقاً بأمن قواته. وخلاف ذلك فهو ملزم بتطبيق القوانين السائدة في الأرض المحتلة عشية الاحتلال( ).
لكن الغريب فعلاً هو أن من بين الذين أعلنوا تحفظاتهم على القانون، بل كانوا أكثر من انتقدوه هم الموقعون عليه أنفسهم. فغداة التوقيع عليه تقدم إثنا عشر عضواً في مجلس الحكم، من أصل خمسة وعشرين، ببيان أعلنوا فيه أن لديهم تحفظات على بعض فقراته، وبرروا توقيعهم عليه بأنه كان اضطراراً لئلاً يفسحوا المجال أمام تفجر الخلافات بينهم. ومن أهم الموقِّعين المعترضين: المؤتمر الوطني، وحزب الدعوة، وحركة الوفاق، والمجلس الأعلى للثورة الإسلامية وغيرهم( ). وحتى أحمد الجلبي، من أكبر عملاء المخابرات الأميركية، اعترف بأن الوثيقة لا يمكن أن تباع للشعب العراقي كدستور صحيح لأن «مجلس الحكم» غير منتخب( ).
وانتقد الدكتور صالح ماهر الجبوري، أستاذ القانون الدولي في جامعة بغداد، قانون إدارة الدولة المؤقت, وقال إن الأميركيين «هم الذين وضعوا الدستور»( ).
وفي ندوة، نظَّمها مركز دراسات الوحدة العربية في بيروت، فصَّل الأستاذ صباح المختار، محامي وقانوني عراقي يرأس جمعية المحامين العرب في بريطانيا، أهم مخاطر «قانون إدارة العراق للمرحلة الانتقالية»، بأربع:
- يبيح لسلطة الاحتلال تنصيب حكومة مؤقتة «ذات سيادة كاملة» تقوم بمهمة إعداد دستور جديد وإجراء انتخابات خلال عام.
- يُعطي حق المواطنة الكاملة لعراقيين حاصلين على جنسيات عدة، ولا يستثنى من ذلك حاملي جنسية «إسرائيل»، الذين تعتبرهم قوانين الدولة العراقية مواطني كيان عدو.
-يُلزم العراق بالاتفاقات الموقعة بين الحكومة المؤقتة والجهات الأخرى. وهذا هو باب القصيد. فالمطلوب من القانون ضمان تشريع اتفاقية الحماية والأمن مع أميركا وإلزام الحكومات العراقية المتعاقبة بها.
- يجعل الجيش العراقي جزءاً من قوة متعددة الجنسيات، عاملة في العراق تحت قيادة دولية موحدة تهيمن عليها الولايات المتحدة طبعاً.
ولهذا يندر وجود قانون مخالف للقوانين أكثر من هذا الدستور، فهو ينتهك الاتفاقات الدولية، التي تُحرّم على قوات الاحتلال سنّ القوانين أو تعديلها. ومرامي القانون في حد ذاتها جُرمية تهدف إلى تبرئة سلطات الاحتلال من مسؤولياتها القانونية عن جميع الجرائم، التي ارتكبتها أو سترتكبها في العراق( ).
ومن أهم الثغرات في الدستور هو أنه مبني على قاعدة طائفية وعرقية، فقد تم استبدال دستور علماني بدستور ينص على دين رسمي للدولة، ويتجنب تأكيد عروبة تلك الدولة. ويريد الدستور تقسيم المناصب على القاعدة الطائفية، فإذا كان رئيس الجمهورية شيعياً وجب أن يكون رئيس الحكومة سنياً، وربما كان وزير الخارجية أو الداخلية كردياً... كما لا يكتفي الدستور العراقي المقترح بتكريس انفصال الأكراد في كيان خاص بهم في شمال العراق، بل يعطيهم حق الفيتو في أي استفتاء، إذ يحق لأي ثلاث محافظات أن تشكل كياناً سياسياً فدرالياً، ويحق لأي ثلاث محافظات أن تمارس حق (الفيتو). ولم يأت هذا الرقم الثلاثي مصادفة فهو يمثل المحافظات الكردية الثلاث( ).
ج-تكبيل الحكومات العراقية المعيَّنة بقرارات واتفاقيات أميركية: ‏ذكرت مصادر في الحكومة العراقية المؤقتة أن الحاكم المدني الأمريكي السابق بول بريمر أصدر، اعتباراً من 14 وحتى 28 حزيران/ يونيو من العام 2004م، 97 قراراً إدارياً وسياسياً وقضائياً ستظل سارية حتى بعد تسليم السلطة. كما أنه كبَّل الحكومة العراقية بعدد من القرارات التي لا يجوز لرئيس الوزراء العراقي إلغاءها أو نقضها لأنها خارج صلاحياته أصلاً.
ونقلت صحيفة «أخبار الخليج» البحرينية أن بريمر أصدر، قبل أن يتم تسليم السلطة إلى العراقيين، بتاريخ 30/ 6/ 2004م، مجموعة من القرارات عدل بموجبها العديد من القوانين، وعيَّن أكثر من عشرة عراقيين في وظائف حكومية لسنوات طويلة لتكريس مفاهيمه للحكم. وأن تلك القرارات ستظل نافذة إلى أن تتسلم حكومة عراقية منتخبة السلطة في العراق. و من بين القرارات المثيرة للجدل سن قانون انتخابي يعطى لجنة مؤلفة من سبعة أشخاص سلطة حرمان بعض الشخصيات والقوى والأحزاب السياسية من المشاركة في الانتخابات. كما أمر بتعيين مستشار للأمن القومي ورئيس للمخابرات العراقية على أن يتولى كل منهما منصبه لمدة خمس سنوات متواصلة، وهذا يعنى أن هذين الموقعين سيظلان مشغولين، وليس بإمكان رئيس الوزراء العراقي أن يعين أشخاصاً آخرين فيهما. كما عيَّن مجموعة من العراقيين في مواقع مهمة في «الحكومة المؤقتة»: مفتشاً عاماً في كل وزارة لمدة خمس سنوات، ولجاناً لتنظيم قضايا الاتصالات والإذاعة، وسوق الأوراق المالية، ومفوضاً لاستقامة القطاع العام تكون لديه سلطة تقديم المسئولين الفاسدين إلى القضاء. كما أن بريمر وقَّع قراراً منح بموجبه حصانة، للقوات الأجنبية والأجانب المتعاقدين مع قوات الاحتلال في العراق، من الملاحقة القانونية قبل تسليم «السيادة» بثلاث ساعات( ).
د-التمهيد للإتيان بحكومة «ملوَّنة بالشرعية» لتوقيع معاهدات طويلة الأمد:
لما كان بناء قواعد عسكرية أميركية في العراق، لأغراض استراتيجية دولية، من أهم أهداف الاحتلال الأميركي لهذا البلد. ولا يمكن أن تكتسب شرعية في المستقبل إلاَّ إذا وقَّعتها سلطة عراقية معترف بها دولياً، كان التواطؤ الثلاثي: الأميركي والأممي وعملاء الاحتلال، يهدف إلى تشريع بناء تلك القواعد من خلال الغطاء العراقي الذي وافق على تشكله قرار مجلس الأمن الدولي الرقم 1546(*).
يأتي توقيع الاتفاقيات العسكرية في أولوية ما تريد أن تحصل عليه الإدارة الأميركية. بحيث توافق بموجبها الحكومة الجديدة على إقامة قواعد عسكرية أمريكية في العراق، يقدر عددها بـ(14 )، تتوزع على مناطق إستراتيجية، تؤمن لأمريكا السيطرة على منابع النفط العراقية، من جهة، وإيصال ذراعها العسكرية إلى أي مكان في المنطقة، انطلاقاً من العراق، من جهة ثانية. فبإقامة قواعد عسكرية إستراتيجية، وبضمان الاستحواذ على نفطه، تكون الولايات المتحدة قد حققت هدفين جوهريين يقعان ضمن أهدافها الحيوية، كشرط مسبق لصعودها الإمبراطوري، وإزاحة أي طرف يحاول منافستها على عرش العالم. وإن قيمة هذه الاتفاقيات لا تظهر إلا إذا تذكرنا أنموذج (اتفاقية غوانتانامو)، التي عقدت بين كوبا قبل الثورة وأمريكا، وتم بموجبها تأجير تلك الجزيرة إلى الولايات المتحدة لمدة 99 عاماً. وحينما حدثت الثورة وطالبت حكومتها باستعادة الجزيرة، رفضت أمريكا بشدة، واعتمدت من الناحية القانونية على الاتفاقية الموقعة مع الحكومة السابقة( ).
يقول الدكتور كمال سيد قادر: ما يميز الدولة هو أنها تمتع بالسيادة الكاملة ككيان مستقل تماماً، تمارس السلطة في الداخل دون قيود غير القيود التي يضعها دستور الدولة، و في اتجاه الخارج يكون حراً في صياغة علاقاتها الخارجية، ولا تخضع لأي قيود غير قيود القانون الدولي التي يجب أن تطبق بدورها على كل الدول على قدم المساواة. والسيادة تشمل كل سلطات الدولة، بحيث لا تنافسها سلطة أخرى داخل حدودها وخارجها، وإلا أصبحت ناقصة السيادة. ولذلك فان احتلال دولة ما لدولة أخرى هو في الدرجة الأولى سلباً لسيادة هذه الدولة. ولا يمكن اعتبار تواجد قوات عسكرية لدولة ما على أراضى دولة أخرى، بدون إذن مسبق من قبل حكومة شرعية لهذه الدولة إلا احتلالاً.
ونظراً لحساسية المسألة فالدول تلجأ عادة إلى إبرام اتفاقيات دولية لتنظيم التعاون العسكري في ما بينها، وأن كل وجود لقوات دولة ما على أراضي دولة أخرى تحتاج عادة إلى اتفاقيتين دوليتين على الأقل: اتفاقية دولية تمنح الدولة المضيفة بموجبها الدولة الضيف حق التواجد العسكري على أراضيها. واتفاقية دولية ثانية تنظم الوضع القانوني لهذه القوات و الهدف منها تحديد حقوق هذه القوات وواجباتها، كتحديد الاختصاص الجنائي على هذه القوات( ).
هـ-اجتثاث وطنية الجيش العراقي: اعتبر الدستور الجيش العراقي (الجديد) وحدة من وحدات قوات الاحتلال، يعني أنه ليس المفروض أن يكون (الجيش) الوحيد للدولة وإنما كأنه جزء من وجود أجنبي. وجاء في النص «تماشياً مع مكانة العراق كدولة ذات سيادة ورغبتها بالمساهمة مع دول أخرى في حفظ الأمن والسلم ومكافحة الإرهاب خلال المرحلة الانتقالية ستكون القوات المسلحة العراقية مشاركاً رئيسياً في القوة المتعددة الجنسيات العاملة في العراق تحت قيادة موحدة وفقاً لقرار مجلس الأمن رقم 1511 لسنة 2003، وأية قرارات أخرى لاحقة، وذلك إلى حين المصادقة على الدستور الدائم وانتخاب حكومة جديدة وفقا لهذا الدستور» ( ).
هـ-تكليف الحكومة «الانتقالية المؤقتة» بإقرارتشريعات تتَّخذ صفة الإلزام: نصت المادة (54/ ج): «حال استلامها السلطة وتماشياً مع مكانة العراق كدولة ذات سيادة، ستكون للحكومة العراقية الانتقالية الصلاحية لعقد الاتفاقيات الدولية الملزمة بخصوص نشاطات القوة المتعددة الجنسيات العاملة في العراق تحت قيادة موحدة».
وللمزيد من ضمان تطبيق قرارات بول بريمر. ولضمان استمرارية الاتفاقيات التي عقدتها إدارة الاحتلال مع «الحكومة الانتقالية»، حسب نصوص الدستور المؤقت الذي أعلن في شهر شباط/ فبراير 2004م، أصدر بول بريمر ملحقاً للقانون، بتاريخ 5/ 6/ 2004م، يُلزم فيه «الحكومة المؤقتة» التي ستنتقل إليها «تمثيلية نقل السيادة»، بتاريخ 30/ 6/ 2004م، بما يلي: «إن ما ورد في قانون إدارة الدولة بشأن الحكومة العراقية الانتقالية ومؤسساتها ومسؤولياتها في هذا القانون تنطبق على الحكومة المؤقتة ومؤسساتها ومسؤولياتها. وتحترم الحكومة المؤقتة ما هو منصوص عليه في ذلك القانون من الالتزامات المتصلة بالفترة الانتقالية والمبادئ الأساسية وحقوق الشعب العراقي». و«تكون لمجلس الوزراء السلطات الممنوحة للجمعية الوطنية في هذا القانون المتعلقة بالتعيينات واستخدام القوات المسلحة العراقية والتصديق على الاتفاقيات الدولية»( ).
أما كل تلك القرارات والاتفاقيات فلن تكتسب أية شرعية لأنها جرت تحت ظروف القوة القاهرة، أي تحت ظروف احتلال عسكري، وجرت تحت إشرافه، فيكون الطرف الثاني الوطني غير شرعي لأنه فاقد للسيادة. لأنه لا يمارس كامل السيادة على أراضيه، استناداً إلى نصوص المواد 46-53 لاتفاقية فيينا حول إبرام المعاهدات، أي عدم سريان الاتفاقيات التي أبرمت تحت التهديد والإكراه، أو تعارض نص الاتفاقية مع القانون الدولي الإجباري كقدسية سيادة الدول، وحق تقرير مصير الشعوب( ).
وأوضح محمد الرشدان، الذي يرأس هيئة عالمية للدفاع عن الرئيس العراقي السابق، أن المادة 52 من اتفاقية فيينا المطبقة في العام 1980، تنص على أن كافة الاتفاقات والمعاهدات، التي توقعها سلطات الاحتلال مع الحكومات المؤقتة باطلة، مشيراً إلى أن السبب القانوني وراء ذلك هو «أن الدولة التي تفرض الاحتلال تفرض كافة شروطها على الحكومة المؤقتة.. وبالتالي فإن أي إجراء للحكومة المؤقتة باطل قانوناً»( ).

2-وسائل الخداع في شرعنة برلمان عراقي
للهروب من واقع احتلال كل ما فيه مخالف للقانون الدولي، لجأ الاحتلال الأميركي إلى تصنيع «مظلة شرعية عراقية»، تحميه من غوائل ذلك القانون، لكن فاته أن أسباب تصنيعها ووسائله تفتقد الشرعية بالأساس.
تواطأ مجلس الأمن الدولي مع الحكومتين الأميركية والبريطانية من أجل الالتفاف على القانون الدولي. وجاء تشريع قيام انتخابات في العراق تحت سلطة الاحتلال، كمهرب لتشريع «حكومة عراقية». وهنا تبدو سلسلة من المخالفات للقانون الدولي:
-إلغاء صفة الاحتلال عن القوات الأميركية نصاً، ولكن الاحتلال باقٍ عملياً.
-التشريع للاحتلال بتغيير الحكومة الشرعية واستبداله بحكومة معينة من عملائه، بينما يلزمه القانون الدولي أن يُعيد السلطة للحكومة السابقة.
-تشريع انتخابات تحت نفوذ احتلال غير شرعي، لتشريع حكومة غير شرعية.
إن سلطة الاحتلال «بتحديدها موعداً للانتخابات، وإلزام العراق به، خلقت سابقة خطيرة في القانون الدولي. كما أن موافقة مجلس الأمن على قيام الانتخابات في ظل الاحتلال هي تشريع للاحتلال خلافاً للقانون». وكل هذا التزوير، الذي عمل على تشريعه، متواطؤن ثلاث: أميركا والعملاء العراقيون ومجلس الأمن الدولي، ليس أكثر من إخراج صوري لتمكين الإدارة الأميركية «من الإدعاء بأن العراق وفق قرارات مجلس الأمن قد أصبح دولة كاملة السيادة»، لكي يشرِّع لها إقامة «علاقات سياسية أو عسكرية أو اقتصادية مع أية دولة». وبتلك النتيجة تصبح «قوات الاحتلال في حِلٍّ من المسئولية القانونية وفق المادة السادسة من اتفاقية جنيف. وبهذا «يمكن لقوات الاحتلال الاستمرار في القتل والتخريب دون الخوف من المتابعة القانونية في أي وقت لاحق»( ).
تؤيد صحيفة (هانكيوريه) الآراء التي ترى أن الانتخابات خدعة قانونية، حيث قالت: لقد كانت جريمة كبيرة أن تغزو الولايات المتحدة العراق بصورة غير شرعية، بل والأكثر خطأ هو استجدائها لحجج جديدة لاستمرار ذلك الاحتلال العسكري، بعد أن ثبت أن مبررات غزو العراق كانت أكاذيب، كما أن الإصرار الأمريكي على دفع عجلة الانتخابات العراقية وكأنها حل لجميع المشاكل، من الصعب أن يتم تفسيره دون أن يكون خلفه أهداف استعمارية للسيطرة على الحكم عن طريق تمزيق العراق والعراقيين( ).
تنص المادّة (59 / ب)، من الدستور المؤقت، على أن أميركا ستبقي قواتها العسكرية في العراق أثناء انتخاب الحكومة الانتقالية في نهاية العام 2004م، وأثناء الاستفتاء على دستور دائم في أكتوبر/ تشرين الأول 2005م، وحتى بعد انتخاب الحكومة الرسمية الأولى في ديسمبر/ كانون الأول 2005م، وستكون القوات المسلحة العراقية تحت سيطرة قوات الاحتلال الموحدة «للمساعدة في الحفاظ على السلام و الأمن ومحاربة الإرهاب». وبهذا فإن العراقيين سوف ينتخبوا حكومة تحت حراب القوات الأمريكية وقوات الأمن العراقية التي أوجدوها ودربوها بأنفسهم والتي تأتمر بأوامرهم( ).
وتجدر الإشارة إلى أن الانتخابات، تحت ظل الاحتلال، ستقود إلى تمزيق النسيج الإثني (الشيعي-السني، والعربي - الكردي) في داخل المجتمع العراقي. وقد أوضح روبرت فيسك، الصحافي البريطاني، في مقال له أنه يرى أن المشكلة الحقيقية لهذه الانتخابات ليس فقط العنف الذي سبقها أو العنف الذي يحدث في أثنائها أو الذي سيتبعها، بل ما سيترتب عليها توسيع للهوة بين الشيعة والسنة والأكراد، حيث إن امتناع غالبية السنة عن التصويت يعني اكتساح الطائفة الشيعية لعدد ساحق من المقاعد في «المجلس الوطني الانتقالي». مضيفًا أن الشيعة الذين لم يحاربوا الاحتلال الأمريكي للعراق سيصوتون تحت الرعاية الأمريكية، بينما السنة الذين يقاتلون الأمريكيين يرفضون المشاركة في هذه الانتخابات التي وصفتها بعض جماعات المقاومة بأنها «انتخابات خائنة» وموالية للاحتلال، في حين يشارك في التصويت نحو أربعة ملايين كردي، إلا أنهم بالرغم مما سيحققوه من مقاعد بالبرلمان، فإنهم لن يتخلوا عن شبه الاستقلال الذي يتمتعون به، لذا فإن مخاطر نشوب حرب أهلية ستتزايد بتلك التجربة «الديموقراطية»، أكثر من كونها سيتم كبحها، والسيطرة عليها( ).
وليست طريقة إجراء انتخابات، هي بحد ذاتها غير شرعية لأن الاحتلال، الذي ينظمها، غير شرعي، هي الوسيلة الوحيدة، بل هي مظهر تطبيقي لمخطط مرسوم مسبقاً يعمل على قاعدة هدم كل شيء من أجل إعادة صياغته بما يستجيب لمصلحة استقرار الاحتلال وإطالة أمده. فهو قد ابتدأ في تقويض كل ركائز الوحدة السياسية للعراق، وكل ركائز وحدة النسيج المجتمعي العراقي، كمقدمة لتقطيع كل أواصر الوحدة السياسية والمجتمعية، وهذا «لم يُسفر عن محو الدولة الوطنية وحسب، بل وعن انهيار العقد الاجتماعي القديم، الذي قام عليه مجتمعها. ولا تتوقف المسألة عند حدود انهيار ومحو الدولة كناظم للعلاقات الداخلية، ولا في تحطيم أجهزتها الرقابية وأنماط وأدوات سيطرتها، وإنما تجاوزت ذلك إلى حدوث تخلخل بنيويّ في أسس التعايش التاريخي بين الطوائف والمذاهب والجماعات والإثنيات»( ).
من أجل ضمان فعلي للحصول على نتائج محددة رسمتها قوات الاحتلال استعانت، كما هو حالها في الكثير من الانتخابات في بعض الدول التي تفترض أنها ستأتي بحكومات مناهضة لها، بمنظمات ممولة أمريكياً ولها سجل طويل في توجيه الديمقراطيات باتجاه مصالح واشنطن. وهي تتدخل في العمق في كل جانب من العملية بصورة جوهرية. اثنتان من هذه الجماعات، المعهد الديمقراطي القومي للشؤون الدولية والمعهد الجمهوري الدولي، هما جزء من كونسورتيوم مؤلف من منظمات غير حكومية، زودته حكومة الولايات المتحدة بما يربو على 80 مليون دولار للقيام بنشاطات سياسية وانتخابية في عراق ما بعد صدام. فالمعهد الديمقراطي القومي تترأسه وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت. ويترأس السناتور الجمهوري جون ماكين المعهد الجمهوري الدولي(*). هذه المجموعات امتدادات لوزارة الخارجية الأمريكية. كما أنهما ترتبطان في كثير من جمهوريات العالم الثالث بخطط سرية مزعومة لفرض حكومات موالية للولايات المتحدة. وتواجه ادعاءات بأنها تساند مرشحي المعارضة وتدعم الحركات الهدامة في بلدان ينظر إلى الحكومات فيها على أنها مصدر تهديد للمصالح الأمريكية، وإن كان بعضها حكومات منتخبة ديمقراطياً.
وحول ذلك كتب هربرت دوكينا(*): لقد تعلمت وكالة التنمية الدولية الأمريكية أن القادة الشرعيين لا يُعثر عليهم فحسب، إنما يُصنعون. وقبل أن تنسحب الولايات المتحدة من الساحة يتعين عليها أولاً أن تضمن أن يعرف العراقيون ماذا سيفعلون ( ).
إن الانتخابات، يقول روبرت فيسك، محكوم عليها بالإخفاق فإذا لم يشارك السنة فيها سيحاول الأميركيون تعيين بعضهم لتجميل الانتخابات للناخبين. إن هذه ليست انتخابات، إنها تمثيلية. من المحتمل أن الشيعة يمكن أن يضربوا ضربتهم ويعلنوا جمهورية إسلامية وسيكون ذلك بالنسبة للأمريكان السيناريو الأسوأ. وما أخشاه أن تستمر قوى الغرب في محاولاتها لتسويق فكرة الحرب الأهلية كبديل عن احتلالهم واضطهادهم. وآمل أن يفشلوا لأنه لم تجر في العراق سابقاً أية حرب أهلية، فالعراقيون لا يريدونها، والوحيدون الذين يتحدثون عنها هم الأمريكان والبريطانيون( ).
فإذا كانت الانتخابات في العراق غير شرعية بكل المقاييس، فإن الأخطاء والمخالفات الميدانية لن تضيف إلى قبح الانتخابات مزيداً من القبح، وإنما تثبت أنها غير قانونية أيضاً. ولمن يريد متابعة القبح التفصيلي، يمكنه مراجعة الوثائق التالية:
-د. أيوب البزّاز: «ما هو دور البيشمركة في تزوير الانتخابات؟ شهادة من لندن» ( ).
- اللجنة العليا للقوى الوطنية الرافضة للاحتلال «وهج العراق»: رسالة موجَّهة: إلى الأمم المتحدة وإلى الجامعة العربية وإلى كل منظمات وشعوب العالم المحررة(*).
-«طعن في نزاهة سير العملية الانتخابية»: الجبهة التركمانية العراقية.
-نقلاً عن إذاعة «الجيش الإسرائيلي»: أدلى العديد من اليهود من أصل عراقي بأصواتهم في الانتخابات المزعومة، سواء في داخل العراق أو خارجه( ).
- إبراهيم الأوسي: «نتائج الانتخابات العراقية من وجهة نظر قانونية»( ).

3-التخبط في وسائل الخداع الأميركي لتشريع بقاء الاحتلال في العراق:أساليب «الحرباء القانونية» هي سيدة الموقف
تعدَّدت وسائل تمويه المشروع الأميركي وتعدَّدت ألوانه، ووقع القانونيون الأميركيون في بلبلة وحيرة حول ابتكار وسائل لإضفاء شرعية ما على بقاء الاحتلال أطول مدة ممكنة. ولعلَّنا من خلال رصدنا لتاريخية الوسائل المستندة إلى نصائح أولئك القانونيين التابعين لمراكز الأبحاث في الشركات الأميركية الكبرى ما يجعل البلبلة في النصائح واضحة، وما يُظهر الارتباك الكبير في مواقف الإدارة الأميركية التي تسير «خبط عشواء»، وهي ما إن تنتقل من خطوة إلى أخرى فلا تجد إلاَّ الكثير من الثغرات، فأصبحت وسائلها مثل ثوب مهلهل ما أن ترقعه في مكان الفتق حتى ينفتق من مكان آخر.
أ: تمويه احتلال العراق تحت شعار «تحريره ونشر الديموقراطية فيه»:
بداية، قبل بدء غزو العراق واحتلاله، اتخذت قمة جزر الآزور الثلاثية بين جورج بوش، الرئيس الأميركي، وطوني بلير، رئيس الحكومة البريطانية، وأزنار، رئيس الحكومة الإسبانية، قرار الحرب ضد العراق.
حينذاك دعا جورج بوش حليفيه إلى تلك القمة بعد أن أفلس من جرِّ مجلس الأمن إلى إصدار قرار أممي يغطي عدوانه على العراق. وقد هدَّد، بالطبع لأن القوة هي التي تحدد للحق مبادئه، بأن يسعى لتأسيس هيئة أممية تكون بديلة للهيئات السابقة، وهذا واضح بأن تلك الهيئات أخذت تشكل عائقاً أمام أطماعه.
بناء على ذلك غزا الأميركيون العراق واحتلوه. ولم يكن بوش يعير اهتماماً للقانون الدولي، وجواباً على سؤال عما إذا كان قد احتاط للجانب القانوني كغطاء للحرب، أجاب: «لا يهمني ما يقوله رجل القانون الدولي.. إننا سوف نركل قفا أحدهم». والسبب أيديولوجي لأن الرأسمالية الأميركية، في مفهوم اليمين الأميركي المتطرف، الذي يمثله بوش، ترى أن القانون الدولي، إذا لم يستجب إلى مصالحها فهو مرفوض، فمصلحة الأميركيين المتطرفين هي المقياس التي يقيسون عليها القوانين الدولية والإنسانية.
ب: تلوين العدوان بألوان «الاحتلال» كمنفذ يشرَّع من خلاله اتفاقيات مُلزمة:
مغروراً بسرعة انتصاره في الحرب النظامية. ومغروراً بأنه سيضع العالم كله، وعلى رأسهم معارضيه في شن الحرب على العراق، أمام حقائق القوة كما أمام حقائق جغرافية تفرضها القوة العسكرية الأميركية، شنَّ الحرب على العراق واحتلَّه. فعربد على العالم واستشاط غضباً، وهدَّد وتوعَّد. ولتحويل النصر النظامي العسكري إلى كسب سياسي واقتصادي استحضر من دباباته عملاءه الذين أتى بهم ليشكلوا له الغطاء القانوني. فانصاع العالم لرغبة الإمبراطور الأميركي، الذي له الحق وحده أن يحتال على القانون الدولي، وأن يستبيح كل شرائع السيادة الوطنية التي ضمنتها القوانين الأممية. فهلَّلت دول العالم الذليلة لنصاعة البياض التي تتحلى بها «ديموقراطية فرعون/ نيرون/ قيصر/ رامبو/ إمبراطور العالم/ جورج بوش»، وأعلنوا معه نجاح معركة «تحرير العراق».
وبعد أن نامت الإدارة الأميركية على حرير أوهامها في النصر العسكري النظامي، ابتدأت مرحلة تأمين طلاء كل مظهر للعدوان والغزو بألوان شرعية دولية، فلجأت إلى مجلس الأمن، وحصلت منه على القرار 1483 في 22 أيار/ مايو 2003 م. وهذا القرار، كما يقول الدكتور عبد الحق العاني: أغفل تعمداً الإشارة إلى غزو العراق وهو خرق لميثاق الأمم المتحدة، وأسبغ شرعية على بيانات عملاء أميركا واعتبرها حكومة شرعية، وبذلك يكون قد نزع شرعية الحكومة السابقة للاحتلال. بينما «ليس له الحق في نزع سيادة دولة عضو في الأمم المتحدة ... نتيجة حرب عدوانية عليها، وليس لمجلس الأمن سلطة سحب الاعتراف بالحكومة العراقية القائمة».
ويرى الدكتور كمال سيد قادر أن بريطانيا وأمريكا اعترفتا رسمياً حسب قرار مجلس الأمن 1483 بوضعهما القانوني في العراق كمحتلين. ومنذ، تلك اللحظة، ولما ألغت صفة الغزو، بتواطؤ من مجلس الأمن الدولي، بدأت مرحلة التوسل الأميركي من أجل طلي مشروعها بلون آخر. فنقلته من لون اسمه «تحرير العراق من الديكتاتورية» إلى لون أسمته «الاحتلال العسكري». وهنا تبتدئ مرحلة تمويه «المشروع الأميركي» الثانية.
ج: تمويه تشريع «حكومة عراقية»، كطرف ثانٍ مخوَّل بتوقيع اتفاقيات ملزمة:
ففي أوائل تموز/ يوليو من العام 2003م، عيَّنت إدارة الاحتلال ما أسمته «مجلس الحكم الانتقالي»، وجمعت فيه كل عملائها القادمين على دباباتها، أو بـ«بوسطات» إيرانية. ولما انتهت من ذلك، أرغمت مجلس الأمن الدولي على الاعتراف بشرعيته. فأصدر القرار 1500 في14 آب/ أغسطس 2003م، وفيه رحَّب بتشكيل مجلس الحكم دون تحديد الصفة القانونية التي تم بموجبها تشكيل المجلس أو سلطة تشكيله، وهو بهذا متفق مع موقفه غير القانوني في القرار 1483.
د: من لون «جيش الاحتلال» إلى لون «القوة المتعددة الجنسيات»:
وكي تنفلت الإدارة الأميركية من كل تهمة يوجهها لها القانون الدولي بصفتها دولة محتلة مُلزَمة بضوابط وقوانين وشرائع ترتبها عليها اتفاقيات جنيف، كانت حريصة على تغيير لونها من قوة احتلال إلى قوة صديقة. فأصدر مجلس الأمن الدولي القرار 1511 في 16 تشرين الأول/ أكتوبر 2003م. وفيه اعتبر مجلس الأمن أن «مجلس الحكم الانتقالي»، ووزراءه، هم الأجهزة الرئيسة للإدارة المؤقتة العراقية، وكذلك الإذن بتشكيل قوة متعددة الجنسيات لصيانة الأمن والاستقرار في العراق، لكن، كما يرى الدكتور العاني، دون تحديد الآلية التي تتم بموجبها تشكيل مثل تلك القوة.
وما كان ناقصاً في القرار المذكور، جاء القرار 1546 في 8 حزيران/ يونيو 2004م، حول هذا الجانب ليستكمله. يقول الدكتور كمال سيد قادر: كانت كل من الإدارة الأميركية، والحكومة البريطانية، قد طالبتا مجلس الأمن بتغيير وضعهما القانوني من «قوات محتلة» إلى «قوات متعددة الجنسيات» تساعد على ضبط الأمن في العراق
هـ: استكمال مسرحية تمويه العدوان الأميركي، وتمويه الممثل العراقي، استعداداً للحصول على اتفاقيات تستجيب لمصلحة «مشروع الأميركيين المتطرفين الجدد»:
صحيح أن القرار الرقم 1546، الصادر عن مجلس الأمن الدولي، ألزم الإدارة الأميركية بنقل «السيادة المزعومة» للعراقيين: بدءًا من الثلاثين من حزيران/ يونيو العام 2004م، مروراً بإجراء انتخابات تشريعية في الثلاثين من كانون الثاني/ يناير من العام 2005م، وصولاً إلى تشكيل «حكومة عراقية» منتخبة في كانون الأول/ ديسمبر من العام 2005م، إلاَّ أن واقع التواطؤ الدولي مع مخططات «إدارة جورج بوش» واضح بما لا لبس فيه. والتواطؤ لم يكن من دون إبقاء أفخاخ في نصوص قرارات مجلس الأمن، يرى الدكتور عبد الحق العاني: لقد ألزم القرار 1483 قوات الاحتلال بالقانون الدولي، وهذا ما «يفتح الباب أمام الطرف المعتدى عليه أن يطعن بالحرب والاحتلال بجملته مستنداً إلى قرار مجلس الأمن نفسه».
ومن جهة أخرى، نرى أن مسرحية التمويه والخداع التي يقوم بتمثيلها، والتوقيع عليها، طرفان متعاقدان: الإدارة الأميركية، وعملاؤها على شتى ألوانهم، لن يكونا الطرفين الوحيدين اللذين يتفرَّدا بتحديد مصير العراق. فهناك العامل الحاسم في تحديد مصيره، هو الإيمان باستعادة سيادة العراق، الذي يملأ قلوب العراقيين الأحرار. هم حاملو لواء المقاومة حتى التحرير. هذا الطرف سوف لن يسمح بأن تكون كل الاتفاقات التي وقَّعها عملاء الـسي آي إيه حيَّة وصالحة للتطبيق، إذ سوف يحملها جيش جورج بوش، وتابعه الذليل طوني بلير. كما ستجعل كل الأكثر ذلاً من بلير، يحملون أوراق تلك الاتفاقيات للاحتفاظ بها في ملفات التاريخ كإدانة لهم عندما يقدمهم الضمير العالمي إلى المحاكمة أمام المحكمة الجنائية الدولية. وتلك هي النتيجة التي يعلنها كل القانونيين، مروراً بمستشاري الإدارة الأميركية والحكومة البريطانية. أما العودة إلى الملف المعني بجرائم الحرب التي يرتكبها أكثر الأنظمة قذارة في العالم بحق الشعب العراقي، يجعلنا نُذهل بجسامة الجرائم والكمية الهائلة منها المنشورة في شتى وسائل الإعلام، مما يدفعنا إلى التحضير لهذا الملف، كخطوة استباقية لموعد التحرير لكي يكون جاهزاً لتستخدمه حكومة المقاومة والتحرير في الاقتصاص من الجناة الآثمين.
4-الأميركيون مُلحُّون على انسحاب أبنائهم من العراق
دعا إدوارد كينيدي السيناتور الديمقراطي إلى سحب الجنود الأمريكيين من العراق. مشّبها الوضع فيه بالحرب الأمريكية على فيتنام. وقال: «باسم قضية مضللة، استمرينا في حرب لمدة طويلة .. لقد فشلنا في فهم الأحداث التي تحيط بنا. لم نفهم أن مجرد وجودنا خلق لنا أعداء جدد وأننا هزمنا الأهداف التي وضعناها نصب أعيننا بأنفسنا... لقد كانت الحقيقة أولى ضحايا هذه الحرب». وشدد كينيدي على أن اتهامات إدارة الرئيس بوش للعراق ضلَّلت الشعب الأمريكي بغية تسويق فكرة الحرب لديه. فغرقت المصداقية الأمريكية ووصلت إلى أدنى مستوياتها في التاريخ. فهذه الحرب (ابنة الحرام) جعلت أمريكا مكروهة في العالم أكثر من أي وقت مضى. وقد حان الوقت لكي نعترف بوجود خيار وحيد: «على أمريكا إعادة العراق إلى العراقيين»( ).
يتكاثر عدد المواطنين الأميركيين المناهضين للحرب على العراق، وتزداد حركتهم من أجل الضغط على الإدارة الأميركية لسحب الجنود الأميركيين من العراق. ويرفع هؤلاء شعارات تؤكد على لا شرعية الحرب. وحول ذلك نقلت وكالة الأسوشيتد برس عن مايكل ماكونيل، المدير الإقليمي لرابطة خدمات أصدقاء أمريكا، وهي جمعية مؤيدة للسلام والعدالة الاجتماعية, قوله: «ما كان موت هؤلاء الجنود الشباب ليضيع سدى إذا ما انتصر الحق». وموجِّهاً خطابه إلى الرئيس الأمريكي جورج بوش، قائلاً له: «إعترف بأن هذه الحرب قد شنت تحت مبررات كاذبة»( ).
5-لا تفوت الرأي العام البريطاني فرصة رفض الحروب الأمبريالية:
سيعلن النائب العمالي جورج غالوي، الذي فصل من الحزب بسبب موقفه المعارض من الحرب على العراق، وسيدعو المؤسسون لهذه الحركة السياسية الجديدة، لإنهاء الحرب واحتلال العراق وكل الحروب الإمبريالية الأخرى( ).
6-الأمين العام للأمم المتحدة يعترف بانعكاسات الحرب السلبية على المنظمة الدولية:
اعترف الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان بأن الحرب، التي قادتها الولايات المتحدة الأمريكية على العراق، سببت العديد من المشاكل للمنظمة الدولية، بقوله: «إن الفترة السيئة التي نمر بها ترجع إلى ثلاث سنوات، ويمكنني القول إن هذه الفترة الصعبة ربما بدأت قبل الحرب على العراق. وذلك أن الانقسام الذي حدث بين أعضاء المنظمة بين مؤيد ومعارض والنقاشات التي حدثت أثرت كثيراً على الأمم المتحدة. إن الانقسام الذي أخذ فترة طويلة لعلاجه اثر علينا كمنظمة وذلك لأن خلال هذه الفترة هوجمنا من الطرفين، طرف المعارضين للحرب نزل إلى الشوارع متظاهراً ومحتجاً لأن الأمم المتحدة لم تستطع إيقاف الحرب، والطرف المؤيد لها كان غاضباً منا لأننا لم ندعم الحرب»( ).

في شرعيـــــة المقاومـــــة
جاء في ديباجة حق تقرير المصير «إعلان منح الاستقلال للبلدان والشعوب المستعمرة» – قرار الجمعية العامة 1514 (د – 15) تاريخ 14/12/1960. ما نصه:
وإذ تدرك التوق الشديد إلى الحرية لدى كافة الشعوب التابعة، والدور الحاسم الذي تقوم به هذه الشعوب لنيل استقلالها.
وإذ تدرك أن شعوب العالم تحدوها رغبة قوية في إنهاء الاستعمار بجميع مظاهره.
وإذ تعتقد أنه لا يمكن مقاومة عملية التحرر وقلبها وأنه يتحتم اجتناباً لأزمات خطيرة وضع حدٍ للاستعمار ولجميع أساليب الفصل والتمييز المقترنة به.
وإذ تؤمن بأن لجميع الشعوب حقاً ثابتاً في الحرية التامة وفي ممارسة سيادتها وفي سلامة ترابها الوطني. تعلن ما يلي:
1 -إن إخضاع الشعوب لاستعمار أجنبي وسيطرته واستغلاله يشكل إنكاراً لحقوق الإنسان الأساسية، ويتناقص وميثاق الأمم المتحدة ويعيق قضية السلم والتعاون العالميين.
2 -لجميع الشعوب الحق في تقرير مصيرها، ولها بمقتضى هذا الحق أن تحدد بحرية مركزها السياسي وتسعى بحرية إلى تحقيق إنمائها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي.
3 -يوضع حد لجميع أنواع الأعمال المسلحة والتدابير القمعية، الموجهة ضد الشعوب التابعة لتمكينها من ممارسة الحرية السليمة لحقها في الاستقلال التام وتحترم سلامة ترابها الوطني.
4 - كل محاولة تستهدف التقويض الجزئي أو الكلي للوحدة القومية والسمة الإقليمية لبلد ما تكون منافية لميثاق الأمم المتحدة ومبادئه( ).
نصَّ القرار رقم 3103 (الدورة 28) بتاريخ 12 كانون الأول (ديسمبر) 1973، الذي جاء تحت عنوان: « إعلان المبادئ الإنسانية الأساسية في جميع النزاعات المسلحة ومبادئ الوضع القانوني الخاص بالمناضلين ضد السيطرة الاستعمارية والأجنبية والأنظمة العنصرية»، على حق « الشعوب الواقعة تحت السيطرة الاستعمارية والأجنبية والأنظمة العنصرية في سبيل تحقيق حقها في تقرير المصير والاستقلال، هو نضال شرعي، ويتفق تماماً مع مبادئ القانون الدولي»( ).
وفقًا لما نقلته رويترز، أسقطت القاضية (كليمنتينا فورليو) اتهامات بالإرهاب عن 5 عرب، متهمين بتجنيد شباب وإرسالهم إلى العراق، مؤكدة أن ما فعلوه يندرج تحت المقاومة وليس الإرهاب. وقالت: إن إرسال مقاتلين أو أموال للعراق لا يعد إرهابًا حسب تعريفه في القانون الإيطالي. وأشارت فورليو إلى أن الكثير من الأدلة المقدمة ضعيفة جدًا، وتعتمد على تقارير مخابرات، وليس أدلة دامغة يمكن قبولها في المحاكم( ).
إن تحديد شرعية المقاومة، أو لا شرعيتها، في منظور الإدارة الأميركية، متعلق بتحديد «مفهوم الإرهاب». وللإرهاب، في المنظور الأميركي، تعريف خاص مضمونه: ما يتوافق مع المصالح الأميركية ليس إرهاباً، أما ما يتعارض معها فيُصنَّف إرهابا. والدليل –كما جاء عند نعوم شومسكي- هو «عندما أصبح رجال الدين الكاثوليك يطالبون بحقوق المواطنين الفقراء من العمال والفلاحين، بدلا من التقاليد المتبعة تاريخياً من قبل لخدمة الطبقات الغنية ومصالحها، شنَّت أمريكا حرباً تحت مسمي (حرب علي الإرهاب) ». لذا يبرهن نعوم شومسكي على خطأ المفهوم الأميركي، بما يلي:
1-بالعودة إلى تعريف الإرهاب -طبقاً للقانون الأميركي- بأنه: «التهديد باستخدام العنف (ضد المدنيين) من أجل تحقيق غايات سياسية أو دينية أو غايات أخرى». وإذا طبقنا مضمون التعريف على ما تمارسه الإدارة « فستجد نفسها وسياساتها الخارجية تقوم بتبني وتنفيذ أعمال إرهابية». لذا «تلجأ الولايات المتحدة إلى محاولات عديدة لتغيير تعريف الإرهاب... وهناك الكثير من الجهود الحكومية الأمريكية تهدف إلى تضمين ما يروق لهم في التعريف الجديد للإرهاب واستبعاد ما لا يعجبهم من التعريف».
2-حددت إدارة الرئيس الأمريكي السابق أيزنهاور ثلاث أزمات رئيسية في العالم: الأولى كانت إندونيسيا، الثانية شمال أفريقيا والثالثة الشرق الأوسط. وكل حالة اشتملت على وجود بترول، بالإضافة إلى كونهم جميعاً يمثلون دولاً إسلامية. إندونيسيا ومصر كانتا دولتان علمانيتان. والولايات المتحدة دعمت المملكة السعودية (أكثر دول العالم تطرفاً من الناحية الأصولية) ضد مصر التي كانت تقود الاتجاه العلماني بين الدول العربية. فهل كان ذلك بسبب صراع الحضارات؟ لا كان ذلك من أجل خدمة المصالح الأمريكية كما رأتها الإدارة الأمريكية آنذاك( ).
أما كيف تنظر الأطياف السياسية الأميركية إلى المقاومة العراقية؟
عالج هذا الموضوع جاك سميث، الناشط الأميركي من «حركة ضد الحرب» متسائلاً: هل يمتلك الشعب العراقي حق الدفاع عن نفسه ضد الغزو الأجنبي العنيف والاحتلال بكل الوسائل المتاحة تحت تصرفه ضد عدوان ضار يتمتع بتفوق عسكري ساحق؟
يرى سميث أن طبيعة المعركة حُرِّفت بواسطة الإعلام بناءًا على رغبة البيت الأبيض. فمن المهم بهذا الخصوص معرفة ثلاثة أشياء: أولاً، إن المقاومة متكونة من عناصر سياسية وعسكرية. ثانياً، الجماهير العراقية تعارض الاحتلال وتطالب بخروج القوات الأمريكية. ثالثاً، تتمتع المقاومة بالدعم من الشعب العراقي، وإلاَّ كيف يمكن لقوة فدائية حضرية مسلحة أن تقاتل في منطقة محتلة من دون دعم من الناس؟
أطلق الرئيس بوش الاحتلال الظالم وغير القانوني قبل أكثر من سنتين، وانفعل بصورة مروعة ضد القول إن العراقيين يمتلكون حق المقاومة. لقد ردد هذا المنظور المتغطرس من قبل كل وسائل الإعلام التي تؤثر على تشكيل الرأي الجماهيري. بوش يعرف مقاومة العدوان الأمريكي في العراق كفعل أو عمل إرهابي وليس كفاحاً شرعياً من أجل استرداد السيادة الوطنية من الاحتلال الوحشي. كما يعلن بأن الـ 140000 من جنود الاحتلال يجب أن يبقوا لكي «يدافعوا عن الديموقراطية العراقية» ضد المقاومة. أما ما هي مواقف التعدديات السياسية في الولايات المتحدة الأميركية؟
-إذا استمرت الولايات المتحدة على طريقتها الحالية، يقترح سكوت ريتر، نحن سنعاني من كابوس لمدة عقد من الزمن سيؤدي الى وفاة الآلاف الكثيرة من الأمريكان وعشرات الآلاف من العراقيين.
-والحركة الأمريكية المناوئة للحرب غير متفقة حول دعم أو عدم دعم حق الشعب العراقي في مقاومة العدوان الأمريكي. فضمن الاتجاهات السياسية الواسعة لحركة السلام، هناك العديد من المجموعات الداعية للسلام محلياً ووطنياً، فمنها من تعارض حق العراقيين في مقاومة الاحتلال، وبعضها الآخر يرفض الإعلان عن اتخاذ موقف عام:
-إحدى ائتلافات السلام الرئيسية، «متحدون من أجل السلام والعدالة»، لا تهتم بوجهة النظر القائلة بأن الشعب العراقي يمتلك الحق لمقاومة العدوان الأمريكي.
-الاتحاد الوطني الآخر، أنسر «إفعل الآن لإيقاف الحرب وإنهاء التمييز العنصري» يقول: «نحن ندعم حق تقرير المصير في الكفاح ضد السيطرة الاستعمارية، ونعتقد أن الشعب العراقي يمتلك الحق في مقاومة الاحتلال بكل الوسائل المختارة، حق مقاومة الاحتلال مفهوم مقدس في القانون الدولي، هذه ليست مسألة ميول سياسية أو إيديولوجية. ولا هي مسألة تكتيكات الحرب. بما أننا حركة أمريكية مناوئة للحرب، وأن بلادنا هي التي غزت العراق، فنحن ملزمون أن نكون واضحين جداً من هذه القضية».
ويتساءل سميث: لماذا يحجب العديد من المجموعات المناوئة للحرب وقطاعات اليسار دعمهم للمقاومة العراقية، أو حتى الحق بالمقاومة؟ فيجيب: إن هناك سببان يجعلان القطاع الليبرالي لحركة السلام يميل الى حجب الدعم. الأول العامل السياسي، كما ظهر في الانتخابات الرئاسية، في العام 2004، حيث إن المرشح الذي دعم بصورة عملية من قبل كل الليبراليين كان مصمماً على ربح النصر في العراق. وبعض من مناوئي الحرب يترددون في الدعوة الى الانسحاب الفوري «لأن انسحابنا الآن سيؤدي الى فوضى». والبعض الآخر يرى أن الشعب العراقي قد يكون تحت الاحتلال أفضل حالاً مما كان عليه تحت النظام السابق الذي أسقطه بوش.
أما اليمينيون فيرون أن من يدعمون المقاومة «غير وطنيين»، و«خونة».
واليسار السياسي منقسم: العديد من مجاميع اليسار، منظمات سلام بمنظور ضد الإمبريالية، واشتراكيون هم في أقصى اليسار يدعمون بصورة واضحة وجلية حق العراق في شن حرب العصابات لهزيمة العدوان. لكن البعض الآخر في اليسار يظهرون هواجس مختلفة، حول التركيب والوسائل التكتيكية لبعض العناصر في المقاومة. فبعضهم غير مرتاح لأن «هناك عناصر بعثية نشيطة في الكفاح ونحن لا نريد رؤية عودة قوات مفضلة لصدام حسين»، كما لو أن اليسار الأمريكي هو الذي سيقرر نوع النظام الذي سيحكم العراق. أو أن «الوهابيين السنة» وناشطي «القاعدة»، هم جزء منها.
ويلجأ قطاع آخر في اليسار و«حركة ضد الحرب» إلى الذريعة السياسية وربما لمقدار ضئيل من الإنتهازية، إذ يعدل وجهات نظره لكي يجذب عناصر لا تدعم الحق بالمقاومة. وآخرون ينظرون الى المقاومة وكأنها عقبة تحول دون قيام تحالف تقدمي من القوى التي تقف بسلبية ضد الاحتلال في العراق من الراغبين في «دعوتهم الى الطاولة التي يتعشى عليها الأقوياء». وبعضهم من مؤيدي الطريق الذي اختاره الحزب الشيوعي العراقي.
أما بعض القوى أو الشخصيات فيحاكمون الأمور بناء على بعض المظاهر الجزئية. ومن نماذجها تدور حول الأسئلة التالية:
-«هل تدعم تفجير السيارات التي تقتل المدنيين الأبرياء، أيضا؟».
-«هل تعتقد أنه لا ضير فيها أو لا بأس بها إذا يقطعوا الرؤوس ويختطفون الناس؟».
-«هل تريد أن البعثية ينصبون صداماً آخر؟».
-«لماذا لا تعطى الفرصة للقوى المتوسطة في العراق لعمل شىء دون ضوضاء خلفية حرب العصابات التي تعرقل بشكل مستمر أي فرصة للحوار».
-«ألم يكن موقفك هذا يؤدي الى حرب أهلية؟»( ).

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق