بحث هذه المدونة الإلكترونية

الجمعة، 22 يناير 2010

مقالات العام 2008 (1)

مقالات العام 2008

محتويات الكتاب

1- ملف خاص عن بعض مظاهر الديموقراطية الأميركية في العراق
2-جرائم الاحتلال الأميركي في العراق في المرحلة الراهنة ثلاثية الأبعاد والفاعلين
3-الاحتلال الأميركي في العراق أفعى مقطعة الأوصال
4-بين غزة ورام الله هل تضيع هوية فلسطين؟
5-هل تبادر فصائل المقاومة العربية إلى تأسيس قمة عربية للمقاومة؟
6-نيسان الذكرى الواحدة والستين المقاومة المستمرة
7-إدارة بوش بعد فشلها في العراق ترثي الحلم الضائع
8-الدفاع عن سميرة رجب دفاع عن مواقع الفكر القومي
9-في عبثية المسرح السياسي في لبنان تضيع مسؤولية الحاكم تجاه الشعب
10-الاحتلال الأميركي وعملاؤه يجمعون على أن الانسحاب من العراق بات وشيكاً
11-المشهد السياسي في لبنان.
12-من لا يحسن الدفاع عن الأمة العربية.
13-إعلام جورج بوش يقوم بترتيب بيته في العراق.
14-لقد طفح كيل غضبنا، إرحلوا واتركونا نعيش.
15-المقاومة الوطنية العراقية تثأر للخامس من حزيران.
16-غوانتامو خاص بسادة النظام العربي الرسمي
17-من كلَّف سعد الحريري بتقديم أوراق اعتماد لبنان إلى حكومة المالكي العميلة؟
18-ذكرى ثورة 23 تموز.
19-عودة الأسرى والشهداء تمثل حلقة من حلقات تراكم العمل المقاوم.
20-استمرار نهج المقاومة العربية مرتبط بتجديد حيوية أحزابها.
21-ارتفاع أسعار النفط: الأسباب الحقيقية والأبعاد الاستراتيجية.
22-الاستراتيجية الأميركية الراهنة انسحاب مشرِّف من العراق
23-المسألة اللبنانية بمنظار وطني وقومي
24-الاختلاف حول الهوية الثقافية والهوية القومية
25- المقاومة العراقية تعيد الحيوية لحركة دول الإقليم والعالم
26- الحلول الراهنة للأزمة اللبنانية بين الثوابت والمتغيرات.
27-مقابلة مع جريدة العرب اليوم الأدردنية.
28-بانتظار التحولات العالمية الكبرى، هل حدَّدت أنظمة العرب الرسمية خياراتها الصحيحة؟
29-لأن المقاومة العراقية كسَّرت قرون الثور الأميركي
30-لحماية التحولات الكبرى الموعودة في مرحلة ما بعد الانتخابات الأميركية
31-إن النظام الإيراني الآن قوي فعلاً، ولكنه أقوى الضعفاء في العراق
32-جائزة حذاء في الفم لرامسفيلد وجائزة حذاء على الرأس لجورج بوش
33-تطويب صدام حسين رائداً ثورياً عالمياً
34-المرحلة المقبلة ولعبة تجميع الأوراق
35-افتتاحية نشرة (طليعة لبنان الواحد) عدد كانون الأول 2008


ملف خاص عن بعض مظاهر الديموقراطية الأميركية في العراق
لقد وعد جورج بوش العراقيين بالديموقراطية فلم يُبقِ في العراق شيئاً ولم يذر
31/ 1/ 2008
نماذج من ممارسات طغمة الخونة الذين يحكمون العراق تحت الاحتلال
أولاً: المشهد العام لوضع الشعب العراقي تحت الاحتلال
إن جميع الأحداث التي تمارس ضد الشعب العراقي طابعها طائفي وعرقي وبمباركة من الاحتلالين، الأميركي والإيراني، والحكومة المركزية وحكومة الإقليم العميلتين، بمشاركة العديد من الأحزاب والكتل السياسية في السلطة العميلة، وكذلك الميليشيات التي تتبع الأحزاب والكتل ذات الطابع طائفي والعرقي وغير المتجانسة في شيء سوى سرقة ما يمكن سرقته من الحق العام والخاص للشعب العراقي. هذا مع التأكيد على أن معظم قوى الأمن الداخلي والاستخبارى والجيش تكاد تكون مقتصرة على أحزاب السلطة الطائفية، ومن بعض المجموعات والأحزاب العلمانية والماركسية وغيرهم.
أما باقي أبناء الشعب العراقي من الرافضين للاحتلالين، الذين يشكلون نسبة قد تزيد على 85% من الشعب العراقي فهم مغيّبون ومحرومون من كل شيء بما في ذلك فرص العمل.
إنه باستثناء العملاء الذين يستأثرون بمغانم السلطة، تحول العراقيون:
-ما بين نازح عن مسكنه في داخل العراق (ما يزيد على المليونين ونصف المليون نازح)،
-ومهجّر إلى خارج العراق (ما يزيد على الأربعة ملايين)،
-ومعتقل في السجون السرية والعلنية (ما يزيد عن التسعين ألف معتقل ومعتقلة)،
-وفقير ومريض ومُجهَّل (تحوَّلت المستشفيات والمدارس والمساجد والجامعات إلى سجون للاعتقال والتعذيب)،
-وقتيل (قتل مئات الآلاف من العراقيين بمن فيهم النساء والأطفال والشيوخ،
-فضلا عن قتل عشرات الآلاف من شباب وشابات العراق في سجون معلومة ومجهولة داخل وخارجه، بعد توقيفهم وتعذيبهم بأبشع الوسائل وأكثرها وحشيّة دون محاكمة أو جرم اقترفوه كاستعمال المثاقب الكهربائية التي تستخدم لثقب الرؤوس والصدور أو نار لحام الألواح المعدنية والمواد الكيميائية وقلع العيون وشق البطون وتكسير العظام وهم أحياء)،
-وليس في العراق اليوم ماء ولا كهرباء ولا غذاء ولا دواء. ..
يتداول العراقيون عمليات الاختطاف الفردي والجماعي، التي مارستها هذه العصابات وتوفر لها الحماية التامة أجهزة الشرطة والحرس الحكومي، وعندما تحصل عمليات الاختطاف، فإن العصابات التي تنفذ تلك الجرائم، تتحرك بكل سهولة في شوارع بغداد والمدن الاخرى، وتجتاز عشرات نقاط التفتيش، وتقود الضحايا الى مناطق معروفة،لتبدأ عمليات التعذيب الوحشي ومن ثم القتل وتقطيع الجثث وتشويه الوجوه، ثم رحلة العودة بجثث الضحايا، وترمي أثناء ساعات منع التجوال.
ومن نماذج السجون التابعة للعصابات الطائفية، كُشف النقاب عن مجمع للتعذيب قرب المقدادية في وسط محافظة ديالى. وجد (في المخبأ) أدلة على ارتكاب عمليات قتل وتعذيب وترهيب، ثم عثر في مكان مجاور على جثث 26 ضحية، من بينها 16 جثة, لذكور بالغين قتلوا، وتم فصل رءوس 12 منهم, بينما ضرب الأربعة الباقون بالرصاص في الرأس.

ثانياً: انتشار العصابات
1-أبناء الجواسيس يقودون عصابات القتل والنهب في البصرة الفيحاء
بعد تموز 1968 رفعت الثورة شعار (لا جاسـوس بعد اليوم)، فوجهت ضربتها لجهاز الموساد في العراق، حيث كان مركز تواجده في مدينة البصرة. وأصدرت المحكمة عقوبة الإعدام عليهم. وفي يوم 21 شباط 1969، عُلِّقوا على المشانق في قلب ساحة التحرير.
بعض أولاد الجواسيس قدموا مع المحتل، وهم يهيمنون اليوم على التجارة، وراحوا يمولون عصابات القتل والاختطاف والسيطرة على مجاميع من المليشيات لحسابهم الخاص. ويتلقون الدعم الكامل من القوات البريطانية والأمريكية والموساد وقوات القدس الإيرانية. فقتلوا العلماء والوطنيين ودمروا السجلات وحرفوا فيها وزوروا الكثير من البيانات.
وبتمويل من الإيرانيين أصدر بعضهم صحفاً يومية لتهاجم هذه الجهة او تلك الشخصية. وبالأخص منهم كل من يقف امام الأطماع التوسعية الإيرانية، وكل من وقف وتصدى للعدوان الايراني في حرب الثماني سنوات، وليحرضوا على قتل بعض العسكريين وكبار الضباط والطيارين والمثقفين والمفكرين..
واصبحت هذه الصحف من ابواق الجعفري والمالكي والحكيم والعنزي وصولاغ خسروي والبولاني وشروان الوائلي وغيرهم من العملاء. بحيث تعمِّم أوصاف بعض المسؤولين بأنهم كانوا من المظلومين والمضطهدين في عهد النظام الوطني في العراق.
وبتدخلات من الإيرانيين عيِّن البعض منهم مستشارين إعلاميين في دوائر الدولة. ولقاء خدمات البعض منهم فقد تلقوا عقوداً نفطية من حسين الشهرستاني، وزير النفط في الحكومة العميلة.
2-عراق ما بعد الاحتلال يخضع لسلطة المافيات
أصبحت كافة مدن العراق لا تخلو من دائرة استخبارية إسرائيلية والتي يتبع لها مواقع اعتقال وفرق موت وتهجير هذا فضلا عن الدوائر الاستخبارية الإيرانية التي تعمل في مختلف مدن العراق تحت غطاء الأحزاب والكتل الطائفية، بإشراف من إطلاعات وجيش القدس الإيراني. وهناك أكثر من 100 شركة أمنية خاصة غربية، وفي مقدمتها شركات أميركية، أثارت جرائمها موجات سخط في العراق والعالم باعتبار حراسها قوات لا يحاسبها القانون، طبقاً لقرار إجرامي اتخذه (بول بريمر).
إن غالبية الشركات الأمنية العاملة في العراق تشتغل بموجب عقود أو عقود ثانوية مع وكالات حكومية، أو شركات خاصة، أو مع أفراد، بحيث تخلق طبقات من المسؤولين تجعل الإشراف على الشركات أمراً صعباً إن لم يكن مستحيلاً.
لقد فضح بعض المسؤولين في التيار الصدري، ما اشتهر في العراق بالتسمية المرعبة "فرق الموت"، وأعاد أصول انطلاقتها إلى بعض الأحزاب المتنفذة في الحكومة بكربلاء، ثم تحولت هذه الفرق إلى أفواج للشرطة في محافظات الوسط والجنوب. وأن هذه الأفواج هم من الأميين، وان حاملي الرتب العسكرية بينهم ليسوا ضباطا، وذكر أن معظمهم من المنحرفين وأرباب السوابق والعصابات الإجرامية.
إن جثث القتلى المعروفين بمجهولي الهوية تعود لمعتقلين أبرياء بيعوا إلى ميليشيات وفرق موت تولت إعدامهم داخل السجون نفسها."

3-جرائم المافيا في العراق تستهدف البنية التحتية للمجتمع العراقي
ازدهرت عصابات الجريمة المنظمة ( المافيا) بنشاطها المشبوه الإجرامي في العراق بعدة أشكال بعد احتلال العراق. وشكلت شبكات كثيرة ومنتشرة ارتكبت جرائم جنائية وسياسية واقتصادية وتهريب الآثار وغيرها من جرائم تدمير البنية التحتية بالتوافق والتنسيق مع المرتزقة وقوات الاحتلال النظامية والمجرمين ذوي السوابق.
من أهم أنواع المافيا في العراق، هي:
-مافيا النفط: أنبوب النفط يتفرع إلى أربعة أنابيب بدون عدادات، ومقسمه إلى: أنبوب التصدير الرسمي التابع لوزارة النفط العراقية-أنبوب للأحزاب والمليشيات-أنبوب للتهريب إلى إيران-أنبوب خاص لقادة الاحتلال الأمريكي والبريطاني في العراق.
-مافيا السلاح: تجري عمليات تهريب السلاح على قدم وساق من خارج العراق إلى داخله وبالعكس.
-مافيا المخدرات: تنشط تجارة المخدرات في مناطق الجنوب، كما يتم تهريبها من إيران إلى دول الخليج.
-مافيا تزوير الوثائق: وكان ابرز فضائحها هي الشهادات العلمية المزورة والتي تعين بموجبها العدد الكبير من الوزراء والمحافظين وكبار الضباط. تُباع الشهادة بمئة دولار. ينشط فيها المنتسبون إلى التيار الصدري، وجيش المهدي ، ثم جماعة المجلس الأعلى وفيلق بدر.
-مافيا متعددة الوظائف: يترأسها احمد الجلبي متخصصة بتهريب الآثار، وبيع وثائق الدولة، والاستيلاء على مباني ومؤسسات حكومية، وتوقيع العقود التجارية مقابل عمولة. والقيام بعمليات الاختطاف وبيع المختطفين للأحزاب مقابل مبالغ من المال لتنفيذ عمليات التصفية السياسية.
-مافيا الأدوية: تجري عمليات تداول وبيع الأدوية والمساعدات بشكل منظم. والاتجار بالدم الملوث بالإيدز. وإن أدوية السرطان التي توفرها وزارة الصحة تباع بحوالي 80 دولاراً في الصيدليات العراقية.
-مافيا تزوير العملات: العملة العراقية وغيرها.
-مافيا الأعضاء البشرية: شراؤها من المواطنين الفقراء بأسعار بخسة. أو اقتلاعها من الذين يموتون تحت التعذيب.
-مافيا تهريب النساء: إلى دول الخليج والدول العربية والأوربية، وتشغيلهن في الدعارة.
-مافيا السيطرة على عائدات العتبات المقدسة: (أغلب اعضائها من الايرانيين)، تهيمن على ضريحي الامامين الحسين والعباس في كربلاء وتستحوذ على ايراداتهما الضخمة. عدد افراد هذه المليشيا يصل الى سبعة آلاف عنصر بينهم (قناصة) يصل عددهم الى مئة وخمسة وسبعون شخصا ينتشرون على الفنادق والابنية المجاورة للمرقدين الشريفين.
وعن هذا الموضوع تحدث أحمد الحسيني، عضو مجلس محافظة كربلاء رئيس لجنة الاوقاف وشؤون السياحة الدينية في المحافظة، وصرَّح أن واردات الحضرتين منذ احتلال العراق تنفقها هذه المليشيا في شراء الدور السكنية والاراضي والعقارات التجارية والاسلحة والاليات والمعدات. وتسجل جميع هذه الاراضي والعقارات والسيارات والاليات باسماء اعضاء المليشيا التي يقودها عبد المهدي الكربلائي واحمد الصافي.
كما أصبح للمافيا العراقية وتجار الحروب مصالح اقتصادية في العديد من العواصم العربية والعالمية.

4-مافيات الجريمة وعصاباتها متعددة الجنسيات:
لقد ارتكز عملها على عدة مقومات ومنها:
-مرتزقة ( الشركات الأمنية) وترتبط بوزارة الخارجية الأمريكية.
-دوائر المخابرات والتجسس الأجنبية.
-ذوو السوابق والمجرمون الذين هربوا خارج العراق وعادوا مع الاحتلال.
-ذوو السوابق والمجرمون الذين تم إطلاق سراحهم قبيل احتلال العراق.
-القوات الحكومية ومنها عناصر الشرطة.
-عناصر المليشيات من اللصوص وقطاع الطرق والقتلة.

5-دويلات ميليشاوية ومافاياوية داخل الدولة: لكل مجموعة مسلحة سجونها، ولكل منها قوانينها وشرائعها، وكأمثلة عنها:
-عثر في محافظة النجف على معتقل سري لحبس المواطنين وبداخله مواد تعذيب.
-من ينجو من ظلم الاحتلال يموت على أيدي ما يُسمى بالصحوة: ارتكبت عناصر ما يسمى بصحوة مدينة (حديثة) المتعاونة مع الاحتلال والحكومة بحق مواطن كان معتقلا لدى الاحتلال وبعد إطلاق سراحه قام عناصر من صحوة (حديثة) باعتقاله هو ووالده وحاكموه صورياً، واتهموه بالانتماء إلى الجماعات المسلحة، وأخرجوه إلى حديقة الدار وأمطروه بوابل من الرصاص أمام أنظار والده.
ثالثاً: واقع الفساد في العراق المحتل هو القاعدة وليس الاستثناء
استناداً الى دراسة حديثة أصدرتها مؤسسة الشفافية العالمية التي تتخذ من العاصمة الألمانية برلين مقراً لها، وتنشر مؤشراً سنوياً عن الفساد، فقد حل العراق في المرتبة الثالثة على لائحة أسوأ الدول فساداً في العالم بين 180 دولة، ولم يتأخر سوى عن الصومال وميانمار.
وقدّر أكبر مسؤول لمكافحة الفساد في العراق، قبل أن يستقيل، أن 18 مليار دولار من أموال الحكومة العراقية سرقت بوسائل مختلفة منذ العام 2004.
وقد شرّعت الحكومة العميلة طرق الفساد وقامت بحمايته، بحيث إن نوري المالكي اشترط على المحققين الحصول على طلب مسبق من مكتبه قبل ملاحقة الوزراء الحاليين أو السابقين بتهم الفساد.
ومن الأمثلة على ذلك، اكتشفت وزارة الداخلية العراقية 48 ألف وظيفة وهمية في قوات حماية المنشآت الحكومية. وإن هيئة مختصة بالوزارة قامت بتسلم ملفات عناصر حماية المنشآت البالغ عددهم 160 ألفاً وبعد تدقيق الملفات تبيّن أن العدد لا يتجاوز 98 ألفاً وأن بقية الأسماء هي لوظائف وهمية تم اتخاذ الإجراءات القانونية بحقها".
وإليكم أنموذجاً عن سواقي الفساد، أما الأنهار فحدث ولا حرج:

1-رواتب لموظفين وهميين:
كشف وزير الداخلية العراقي جواد البولاني أن لدى وزارته فائضاً مالياً مقداره 500 مليون دولار تم توفيرها من موازنة العام 2007، وكانت مخصصة لدفع رواتب «موظفين وهميين»، معظمهم من الشرطة وشراء بعض الأسلحة، وطالب البرلمان بتدوير المبلغ في موازنة العام المقبل.
حسين الشهرستاني الذي يشاع عنه بأنه (عالم نووي)، أحال النفط إلى ميدانٍ للنهب والسلب من قبل إيران والأحزاب الطائفية والمليشيات التابعة لها إضافة للاحتلال. تغاضى عن تلك السرقات وتستر عليها لأنه شريك فيها وهي لا تُعد ولا تُحصى ومنها انه رفض تطبيق نظام المراقبة الالكترونية. الخطر الأكبر الذي مازال الكثير من العراقيين يجهلونه هو منح الشهرستاني إيران تسهيلات بشان استخراج النفط من حقول النفط العراقي على الحدود العراقية الإيرانية.
2-وثيقة... الوزير صولاغ يبدّد أموال الدولة على رجاله
الوثيقة تكشف عن حجم السرقات الشخصية التي يقوم بها الوزراء والنواب، والوثيقة ذات علاقة بـ(باقر صولاغ خسروي )، الوزير المحسوب (المجلس الأعلى للثورة للإسلامية)، الذي أدخل المثقب (الدريل) في سجل التعذيب العراقي عندما كان وزيرا للداخلية ، وهو الآن وزيرا للمالية أي ممول المليشيات وخلايا الموت والسلب والخطف. والوثيقة يمنح من خلالها صولاغ مبلغ 60 مليون دينار شهريا للحماية فقط.

3-الشركات تستنزف ثروة العراق تحت عباءة الخونة الأغبياء
في معلومة وصلت من شركة بوينغ الأميركية لصناعة الطائرات تبين أن شركة الخطوط الجوية العراقية عقدت صفقة لشراء سبع طائرات رئاسية بمواصفات خاصة جدا بقيمة 11 بليون دولار أميركي ستخصص واحدة للرئيس العراقي وأخرى لرئيس الوزراء وثالثة لرئيس إقليم كردستان, فيما ستخصص الأربع الأخريات لبعض كبار المسؤولين العراقيين, لربما (الحكيم) أو (الصدر) أو(الهاشمي) أو ...
4-مسئول في حكومة المالكي يشتري سيارتين بمليار و500 مليون دينار
كما كشفت هيئة النزاهة العامة عن قيام أحد المسؤولين في الأمانة العامة لمجلس الوزراء بشراء سيارتين للاستخدام الشخصي قيمة الواحدة منهما 750 مليون دينار عراقي، وأعلن رئيس هيئة النزاهة أن المسؤول، الذي رفض الكشف عن اسمه أو منصبه لأن التحقيقات في الموضوع مازالت مستمرة، اشترى هاتين السيارتين في إطار صفقة سيارات خاصة بالأمانة العامة لمجلس الوزراء.
5-ويسرقون تراث العراق وكنوزه الأثرية
وضعت شبكة أخبار العراق يدها على وثائق ومعلومات خطيرة تتعلق بسرقة وتهريب وثائق غاية في الأهمية عن تاريخ الدولة العراقية منذ تأسيسها عام 1921 وحتى احتلال العراق . وتنبع أهمية هذه الوثائق من كونها تشكل ذاكرة العراق وتاريخه ليس منذ بداية تشكيل الدولة العراقية لكنها تتعلق بحقبة تاريخية تمتد لآلاف السنين خصوصا ما يتصل بالحضارة الإسلامية، واستنادا إلى مصادر لها علاقة واهتمام بتاريخ حضارة وادي الرافدين فان مافيات وعصابات مجرمة استخدمت أغطية ثقافية وعلمية لتهريب هذه الوثائق. وإن المافيات استعانت بأسماء وشخصيات معروفة.
رابعاً: انتشار الأزمات المعيشية واستفحالها
1-تجويع شعب العراق مهمة تستجيب لإملاءات اقتصاد السوق
وفي تقرير أعدته منظمات المجتمع المدني في العراق أكدت إن خط الفقر يشمل أكثر من ثلاثة أرباع العدد السكاني للبلد بسبب السياسة الفاشلة التي تسير عليها الحكومات التي تعاقبت منذ الغزو الأمريكي للعراق في أوائل عام2003.
أعلن وزير التجارة، في الحكومة العميلة، أن وزارته ستقوم بخفض مفردات البطاقة التموينية من عشر مواد إلى خمس، ولن تكون بالكميات المعروفة بسبب عدم وجود التخصيصات الكافية لدعم البطاقة التموينية لعام 2008. وألقى باللوم على ظاهرة انتشار الفساد ونقص اليد العاملة في وزارته.
ويرى خبراء ومتخصصون أن اقتطاع مواد معينة سيؤدي إلى انتشار المجاعة في العديد من أنحاء العراق.
وتشير التقارير إلى أن المساعدات الإنسانية يتم توزيعها على قاعدة انتمائها لطائفة دون أخرى، متخذة معيار ولائها لنظام حكومة الاحتلال. بينما من تُحجب عنه يُتَّهم بدعمه للمقاومة، تحت عنوان «دعمه للإرهاب».
2-من لم يُمته الجوع ستميته الأوبئة
ان زيادة التعرض للإشعاعات الناتجة عن استخدام بعض الأسلحة غير التقليدية في الحروب، أدت إلى ارتفاع نسبة الإصابة بالأمراض السرطانية والتشوهات الخلقية بين الولادات الجديدة للأطفال. ويزيد الطين بلة نقص العلاج اللازم لأمراض السرطان، مما يقلل من فرص نجاة العديد من المرضى، ونقص الأطباء المتخصصين، الذين فر معظمهم إلى الدول المجاورة هربا من مخاطر الاحتلال.
وبالإضافة إلى ذلك، فقد تحولت المدن والقرى العراقية إلى بيئة غير نظيفة، فاقمها انتشار قطعان كبيرة من الكلاب السائبة أسهمت بظهور وفيات بداء السعار الذي يعد من الأمراض الخطيرة جدا بعد انتقال فيروس تحمله هذه الكلاب المصابة إلى الإنسان".
كما أن هناك ضعفاً في الإجراءات المتخذة في معالجات مشاكل تلوث البيئة، التي تسببت في انتشار الأوبئة والأمراض، ومن بينها التدرن الرئوي (السّل) والملاريا، والسعار، والبلهارسيا. ونسبت التقارير ارتفاع معدلات الوفيات إلى تلوث مياه الشرب وتخلف وانعدام شبكات الصرف الصحي، وغياب الرقابة الصحية على المنتجات الغذائية المستوردة.
نتيجة لكل ذلك يتعرَّض العراقيون لمخاطر تفشي الكوليرا الوبائية لأن المناطق العراقية لا تحصل سوى على أقذر الإمدادات المائية والتي تعمها مياه المجاري والصرف الصحي. فانتشار فيروس الكوليرا يتم عبر المياه غير المعالجة، علاوة على أن المراحيض غالباً ما تكون ملاصقة لأماكن المعيشة والنوم. ولم يستثن الإهمال المستشفيات التي تعاني هي أيضاً من إمدادات المياه غير الآمنة.
وذكر تقرير للأمم المتحدة ان 22 حالة وفاة حدثت بسبب الكوليرا في العام الحالي وان هناك 4569 حالة أكدتها المختبرات كلها تقريبا في شمال العراق.
3-مرض السرطان يحصد أرواح الناس جنوب العراق
في دراسة أعدتها (جامعة البصرة)، بالتعاون مع (إدارة حماية البيئة العراقية)، أشارت إلى: ولادة ما معدله ثلاثة أطفال مشوهين يوميا في ثلاث محافظات جنوبية هي: (البصرة والعمارة) و(الناصرية)، كما أشارت إلى (تعقيدات) في التشوهات الخلقية. وأشارت إلى: تزايد الوفيات من جراء الأمراض السرطانية، وبشكل خاص سرطان (اللوكيميا)، كنتيجة بدهية لانتشار بقايا القذائف الحربية الخارقة للدروع المشبعة باليورانيوم المنضب - والتي استعملت بكثافة غير مسبوقة من قبل الجيش الأمريكي عام (2003) - مما رفع الحالات السرطانية المشخصة من (35) عام ( 1997 ) إلى (74) من بين كل (100000) نسمة من سكان المحافظات المذكورة في (العهد الديمقراطي الجديد).
4-تجارة بالأعضاء البشرية: وكي لا يموتوا من الجوع يبيع عدد كبير من العراقيين أعضاءهم البشرية ليأكلوا بثمنها. ومن أخبار هذه التجارة: القت مفارز الامن الكردي ( الاسايش ) في بلدة قلادزي بمحافظة السليمانية القبض على اثنين من افراد عصابة، تقوم باستمالة الشباب السذج والمعوزين واغوائهم بالمال، لبيع كلاهم لقاء مبالغ تافهة في المستشفيات الايرانية
5-قوات الاحتلال تنشر الأوبئة عمداً
أ-بواسطة القوارض: ألقت طائرات الاحتلال الأمريكي أكياساً فيها قوارض وفئران على عدد من المزارع في مدينة الديوانية. وذكر أحد المزارعين "لقد ذهبنا للبحث عن هذه الأكياس، وعندما عثرنا عليها فوجئنا باحتوائها على عدة أنواع من الحيوانات الصغيرة من القوارض والفئران". وقد أشار المركز الطبي بعد تشريح هذه الحيوانات إلى انها تعمل على إتلاف المزارع ونقل الأمراض إلى الإنسان، وان لها جهازين تناسليين (ذكريا وأنثويا) أي أنها تستطيع التكاثر بالتلقيح الذاتي (التكاثر السريع) خلال مدة قصيرة فيصبح عددها بالآلاف، بل الملايين، وتحمل هذه الحيوانات القارضة فايروسات تسبب أمراضا قاتلة وفتاكة وسريعة الانتشار في جسم الإنسان.
ب-الحيوانات المتوحشة: وكانت قوات الاحتلال الأمريكي قد نشرت سابقا حيوانات متوحشة في عدة مناطق من بغداد وغيرها من المحافظات. وقد تسببت هذه الحيوانات المتوحشة - وبعضها مدرب على الهجوم على الإنسان - بإصابات ووفيات بين الأهالي القريبين منها ولاسيما في الحقول والمزارع.
ج-الغازات السامة: تستخدم الشركات الأمنية غاز الـ(sc)، للسيطرة على الاضطرابات والتي يستطيع الجيش الأميركي استخدامها عندما يكون تحت ظروف محددة، وبموافقة من كبار قادة الجيش الأميركي. وهو يصيب بالعمى المؤقت، سواق السيارات، والسابلة.
6-من يسلم من الجوع والموت والاعتقال تنتزع منه أرضه مصدر معيشته
قامت السلطات في محافظة كربلاء، بتدمير آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية، معرضة العشرات من أسر الفلاحين لخطر النزوح، بعد أن خططت السلطات المحلية لتحويلها إلى منطقة سكنية لإيواء أنصارها وأزلامها.
7-سياسة الموت العنيف من ابتكارات الاحتلال: لقي يوميا ما معدله 120 عراقيا "ميتة عنيفة" منذ الاحتلال الأميركي للعراق بين آذار (مارس) 2003 وحزيران (يونيو) 2006 بحسب دراسة لمنظمة الصحة العالمية. وأشارت هذه الإحصائية وهي الأولى من نوعها، ان ما يتراوح بين 104 آلاف و223 ألف عراقي قضوا في "ميتة عنيفة" بين آذار (مارس) 2003 وحزيران (يونيو) 2006.
8-انتشار الاغتصاب والدعارة ديموقراطية الاحتلال في احترام المرأة
أ-إن 95% من السجناء تم اغتصابهم وأن 5% هددوا بالاغتصاب وخاصة النساء. و أن الاغتصاب سياسة أمريكية منهجية في التعذيب.
ب-ومن بعض الأخبار، اعترف مدير شرطة كربلاء عن تعرض أكثر من 25 فتاة للاغتصاب فى كربلاء على أيدى من وصفهم بمسؤولين وجماعات مسلحة.
ج-وقال تقرير اعدته لجان /المراة في المنظمة العراقية للمتابعة والرصد (معمر) ان زيادة ملحوظة في اعداد المومسات العراقيات قد تم تسجيله خلال 4 سنوات من الاحتلال الاميركي وتنامي سلطة الميلشيات. وان اخطر ما في هذه الظاهرة ان صبيات ونسوة ممن اعمارهن بين 13 -18 عام قد تحولن الى مومسات:
-وأن اجهزة الامن تتقاضى مبالغ مالية يومية لقاء توفير الحماية لبيوت الدعارة.
-وأوضحت التقارير أنه اكتشف في محافظة كربلاء 80 إصابة بمرض الإيدز.
-وانتشار موجة العنف ضد المرأة في العراق مظهر آخر مما يصدره الاحتلال
إن المرأة العراقية، التي عُرفتْ قبل الاحتلال، كونها الأكثر تحرراً في العالم العربي، أصبحت غير قادرة، على الظهور خارج منزلها بدون ارتداء الحجاب. ومقابل ذلك أُجبرت أعداد كبيرة من نساء العراق الهرب من ديارهن واللجوء إلى دول الجوار. وخضعن، على نحو متعاظم، لممارسة البغاء، نتيجة ظروفهن القاهرة لإعالة أطفالهن بعد مقتل أزواجهن في عنف العراق.
وأصبحت المرأة هدفاً لحملة عنف وحشي، حيثما تُسيطر المليشيات، فهناك حالات اختطاف أو قتل البنات. بعضهن قُتلن لعدم ارتدائهن الحجاب. والبعض الآخر قُتلن لمجرد استخدامهن بعض أدوات التجميل. وأخريات قُتلن لمجاهرتهن بآرائهن أو عملهن.
كما كشف قائد شرطة البصرة، اللواء عبد الجليل خلف، عن ارتفاع عدد النساء اللواتي تم ذبحهن خلال الفترة الماضية إلى50 امرأة، متهما للمرة الأولى "جماعة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في البصرة"، قائلا إنها وزعت مناشير ضد "التبرّج". وأضاف "راوحت أساليب القتل بين الذبح فوق الصدر، تهشيم وقطع الرأس أو إطلاق النار عليها، وقتل المرأة مع أطفالها، والخنق".
-تقوم شركات عطور وتجميل أجنبية بالتنسيق مع إدارة المستشفيات العراقية، بجمع مشيمة النساء العراقيات بعد الولادة من كافة مستشفيات الولادة ، دون علم الأم بطبيعة الحال . وتستعمل الهورمونات المستخلصة من مشيمة الأم بعد الولادة في صناعة أرقى العطورات وأغلاها، كما تستعمل في تشكيلة واسعة من كريمات اليد والجسم والشامبوات.
9-كيف يعيش أطفال العراق تحت الاحتلال؟
-الأطفال المعتقلون يعانون من تعذيب واغتصاب وتجويع، وهم لا يعرفون لماذا اعتقلوا؟
-الأطفال المقتلعون من أرضهم: حوالي 25 ألف طفل وعائلاتهم يجبرون كل شهر على الخروج من منازلهم واللجوء إلى مناطق أخرى.
-الأطفال المقتلعون من مدارسهم: عدد تلاميذ المدارس الابتدائية المتخلفين عن الدراسة خلال 2006 بلغ 760 ألفاً.
-ومن يسلم من الأطفال من الاعتقال والتجهيل يُقتل برصاص أجهزة الحماية للوزراء: ان حماية بعض الوزراء تعودوا على قيادة السيارات الحكومية بسرعة جنونية ويطلقون نيران أسلحتهم على أصحاب ا لسيارات الواقفة وعلى المارة كذلك. وهناك حوادث عديدة طالت أطفال المدارس.
-الأطفال اليتامى: في إحصائية لوزارة التخطيط في حكومة المالكي العميلة قدَّرت عدد اليتامى بأربعة إلى خمسة ملايين طفل، وان هناك 500 ألف طفل مشرد في الشوارع.
-الأطفال الذين يُباعون في سوق النخاسة: كشفت صحف سويدية عن سوق لبيع الأطفال الرضع والمراهقين.. وقد بكى القراء والمشاهدين من المجتمع السويدي لحظة نشره على الصحف والتلفاز السويدي! (عرض التلفاز فتاة عراقية اسمها (زهراء) ذات الأربع الأعوام تباع في وسط بغداد بمبلغ 500 دولار، ثم يكشف التقرير أن مكان بيع الأطفال يتم في بقعه خاصة داخل المنطقة الخضراء.

10-انتشار المخدرات
استبدلت بعض محافظات العراق (الفرات الأوسط وتحديدا في محافظة الديوانية واقضيتها ونواحيها) المشهورة بزراعة رز العنبر العراقي الشهير بالخشخاش لأنه يحقق إرباحا تفوق مئات المرات المردودات التي يحققها العنبر. ونبات الخشخاش بدأت زراعته تنتعش في المحافظات.
وقالت التقارير الطبية العراقية :" إن من بين كل عشرة شبان تتراوح أعمارهم بين 18 إلى 30 عاما هناك ثلاثة مدمنون على المخدرات وأن هناك ستة آلاف شاب قد أدمنوا على المخدرات في محافظات العراق الجنوبية والوسطى. وأن محافظة كربلاء تحتل المرتبة الأولى بين مدن العراق من حيث انتشار المخدرات.
وحسب الإحصائيات الصادرة عن وزارة الصحة بان أكثر من 24 ألف عراقي قد تعاطى المخدرات،كما لم تظهر لحد الآن الإحصائية التي تخص 2006 .
واشار احد المختصين الى ان هذا العدد هو عدد الذين راجعوا الدوائر الصحية بسبب تدهور حالتهم الصحية بشكل كبير اما الذين لم يراجعوا الدوائر الصحية فاعدادهم كبيرة .

11- وسياسة التجهيل والأمية جريمة منظمة
لقد مارست قوات الاحتلال وعملائه كل أنواع التخريب والتدمير لمؤسسات الدولة العراقية، ولم تكن حصة المؤسسات التعليمية والتربوية اقل من حصة غيرها من المؤسسات، ولم يكن نصيب العاملين فيها من المعلمين والمدرسين وأساتذة الجامعات والعلماء بأقل من غيرهم، فتم فصل 19 ألف معلم ومدرس وأستاذ جامعي من أكفأ التربويين والأكاديميين العراقيين فضلا عن قتل الآلاف من العاملين في المؤسسات التعليمية، ناهيك عن إلغاء 154 قسما علميا وكلية في الجامعات العراقية.
12-من أجل مداواة حاضرهم البائس والخطير: العراقيون يداوون جراحهم بالهجرة إلى الخارج
تقول الامم المتحدة ان نحو مليوني عراقي فروا من اعمال العنف في بلادهم، يقيم القسم الاكبر منهم في سوريا (1.4 ملايين) والاردن. "احتياجات العراقيين تتزايد في بلاد التهجير بعد استنفاذ الكثير منهم موارده المحدودة ولا يستطيعون تحمل تكاليف المعيشة المتزايدة". وإن هؤلاء العراقيين "يقومون بالتخلي عن احدى الوجبات اليومية لإطعام اطفالهم وذلك لمواجهة الارتفاع المتزايد للأسعار".
وفي الخارج يواجه اللاجئون العراقيون العديد من التحديات حيث نسبة قليلة منهم مسموح لهم بالعمل في مناطق نزوحهم، بالإضافة إلى صعوبة ذهاب أطفالهم إلى المدارس. وفي الكثير من الأحيان غياب العناية والخدمات الصحية، وإذا توافرت فإنها تكون بأسعار مرتفعة.
يردد بعض الذين عادوا إلى العراق : نحن نفضل الموت في العراق، لا أن نموت من الفقر والفاقة، كما أننا لو متنا في العراق سنجد من يدفننا.

2-جرائم الاحتلال الأميركي في العراق في المرحلة الراهنة
ثلاثية الأبعاد والفاعلين
مزيد من الوحشية في الموصل ومراهنة على تصفية المقاومة فيها وتآمر على تصفية الأسرى والمعتقلين
في 4/ 2/ 2008
أولاً: ثلاثية الفاعلين أميركية وصهيونية وإيرانية
منذ أن أصَّر جورج بوش على أسلوب الأكاذيب، وعلى الرغم من آخر تقرير أصدرته لجنة بيكر – هاملتون، اللجنة المشتركة بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي، استمرت رهاناته على «إحراز النصر في العراق»، واستقدم عشرات الألوف من جنوده، في أوائل العام 2007، ليدعموا رفاقاً لهم عجزوا عن تحقيق نصر موهوم طوال خمس سنوات.
ومن رهان خاسر إلى آخر، مرَّت رهاناته بسلسلة من الإخفاقات لم تنته وهي لن تنته حتى خروج آخر جندي أميركي من العراق، وكل جندي منهم يصطحب معه عميلاً من عملاء الاحتلال، هذا إذا استطاعت الهليكوبترات الهاربة من استيعاب الخونة والمرتزقة.
ساعة الصفر تقترب، ويرى جورج بوش وحزبه أن الوقت يسير بسرعة، وهم بالكاد يجدون من الأكاذيب ما يستر عورات هزيمتهم. لذلك يراهن الديكتاتور الأميركي الغبي (وهو وصف يصاحبه على طول الشارع الأميركي وعرضه)، على ثلاثية من الجرائم، يستعين بها على ثلاثة من الفاعلين.
أما الفاعلون، فهم:
-إدارة الكذب والاحتلال تحت رئاسة جورج بوش التي تبتكر وسائل جديدة في الكذب.
-وإدارة الصهيونية العالمية التي يحقنها أصحابها بالكثير من مصل الأوهام باستعادة مجد صهيون، وبناء دولة «شعب الله المختار».
-وإدارة إيرانية أخذت تتوهَّم أنها باستقوائها بـ«الشيطان الأكبر» سوف تستعيد أمجاد كسرى، وشاه رضا بهلوي الذي أسقطته أيدي الفقراء الإيرانيين وزنودهم.
وإذا كان الفاعليْن: شيطان أميركا الملوث بأوهام السيطرة على العالم، وشيطان الصهيونية الملوث بوهم بناء دولة «شعب الله المختار» يعملان من أجل تنفيذ مشروعهما الاقتصادي والتوراتي، فما بال قاعدة ثالثة الأثافي، التي تمثلها إيران، التي لا تزال تزعم أنها ثورة الإسلام، وثورة الفقراء والمحرومين، الثورة التي ستعيد العدل للعالم بعد أن ملأه الطغاة جوراً وظلماً؟
وإذا كان الثنائي الأميركي والصهيوني مستمراً في ارتكاب جرائمه في العراق، والسبب ندركه جميعاً، فما هو بال «الثورة الإيرانية» لا تزال مستمرة في ارتكاب ما ارتكبته من جرائم في العراق؟
ونحن نعلم، والكل يعلمون، أن حكام إيران ينشدون تأسيس موقع قوي لهم في الوطن العربي حتى ولو كان الثمن إيغالهم في تفتيته وإضعافه، وقد يشكل منطق ميكيافيلي «الغاية تبرر الوسيلة» وسيلة تلبي لهم مصالحهم. لكن ما بال من أصابهم زوغان في الرؤية من قوى وأحزاب، من المنسوبين إلى حركة التحرر العربية؟
لقد رأوا نصف الكأس الإيراني الممتلئ المتمثل بدعم مقاومة «حزب الله» في مواجهة الصهيونية في لبنان، ولكنهم لم ينظروا ما تفعله الإيدي الإيرانية من تمزيق ونهش في جسد العراق.
وإذا كنا لا ننكر أن تقديم العون لـ«حزب الله» قد حقق انتصارات تصب في مصلحة الاستراتيجية القومية العربية، لكن لا يمكن لهذه الاستراتيجية أن تكتمل إلاَّ بإنجاز أهدافها في الوحدة والتحرر، كما لا يمكن للتحرر والوحدة أن يكتملا إلاَّ بتحرير فلسطين والعراق معاً وكل أرض عربية أخرى تتعرَّض للاحتلال. فهل ما تفعله الإدارة الإيرانية في العراق يصب في مجرى الأهداف الكبرى لأمتنا العربية؟
فما نراه ونلمسه، وما تؤكده التقارير حتى الإيرانية منها، تدل على أن إدارة جورج بوش من أجل تحقيق النصر في العراق، لا تزال تراهن على دور تلعبه الإدارة الإيرانية في تصفية مقاومة الشعب العراقي. وهذا ما قامت، وتقوم به، القيادة الإيرانية من عقد اجتماعات مع قيادة الاحتلال الأميركي في المراحل السابقة، ومن اجتماعات تزمع على عقدها لاحقاً ستتوجها زيارة أحمدي نجاد، رئيس الجمهورية الإيرانية، إلى بغداد. والغرابة في الأمر أن يزور رئيس الإدارة الإيرانية بلداً يحتله من يزعم أنه «الشيطان الأكبر». وهذا ما يثير الكثير من الأسئلة والاستفسارات، ومن أهمها:
وهل ستكون زيارته بمعزل عن توافق أميركي إيراني؟
وهل ستكون من دون توفير حماية أميركية تحرس موكب الرئاسة الإيرانية سواءٌ أكان الأمر جواً أم كان براً؟
وهل ستكون زيارته إلاَّ تلبية لدعوة الطالباني، وهو من قام بخيانة وطنه؟
لا يمكننا هنا، إلاَّ أن نطلب من أصحاب العيون التي لا ترى الأمور إلاَّ من زاوية واحدة، أن يبرروا لنا ما ارتكبته الإدارة الإيرانية من جرائم، ولا تزال ترتكبه، في العراق. ولا يلومنا أحد إذا قلنا: إن العيون التي بها «حَوَلٌ»، تنظر إلى دمعة الصياد وتمتدح معانيها الإنسانية، وتشيح بنظراتها عن السكين، بل «الساطور والدريل» التي لا تشبع قتلاً وتدميراً وتفتيتاً في جسد العراق وأهله.
إن المنطق وسلامة الرؤية في اتخاذ الموقف يجب أن يستحضرا الموضوعية والدقة بالنظر إلى الواقع ومشاهدته من كل الزوايا. وبناء عليه فكما أننا نقدر تقديراً عالياً كل من يدعم مقاوماً ضد الصهيونية في فلسطين المحتلة، لا يجوز أن يحرف هذا الدعم أنظارنا عن نقد وتقريع كل من يمنع المقاومين في العراق المحتل عن أداء واجبهم في طرد الاحتلال الأميركي.

ثانياً: الجريمة ثلاثية الأبعاد:
مزيد من الوحشية ومراهنة على تصفية المقاومة وتآمر على تصفية الأسرى والمعتقلين
لا يزال التحالف، الثلاثي الفَعَلَة، ضالعاً في ارتكاب جريمة احتلال العراق، وتفتيته وتقسيمه على أسس عرقية وطائفية، مستمراً في دوره. ولا يزال التعاقد بين أطرافه، ساري المفعول على الرغم من كل التمويه والتعتيم على توزيع الأدوار، والتعمية على ما يجري من مساومات خارج الكواليس. ولن تثنينا عن حكمنا هذا حالات التوتر فيما بين طرفيها الأميركي – الصهيوني من جهة، والإيراني من جهة أخرى، لأنه يشبه مسرحية تمثيلية تجري أحداثها على مسرح مياه الخليج العربي. والسبب يعود إلى أنهم يختلفون على مقادير توزيع حصصهم من جسد الأمة العربية من جهة، ويتفقون على النهش في جسد العراق، الذين وإن اختلفوا عليه وفيه، فإنما يختلفون على حدود خرائط تقسيمه من جهة أخرى.
فإذا كان أطراف التحالف الثلاثي الآن يتوهمون بأن مرحلة السيطرة على جنوب العراق وشماله قد حُسمت، فهم يتعاونون على إنجاح مرحلة السيطرة على وسطه. ومن أجل هذا الأمر ينفذون مؤامرة ثلاثية الأبعاد تتمثل بالتالي:
1-جمع ما يمكن جمعه من عملاء جدد، يمثلهم من أُطلق عليهم اسم الصحوة، وهم من الذين دبَّ الضعف في نفوسهم، وسيطر حب الدولار على جيوبهم.
2-محاولة إخضاع مدينة الموصل بقوة النار والحديد وارتكاب المجازر، واحتواء إرادة سكانها.
3-ارتكاب مجزرة اغتيال جماعي للمعتقلين والأسرى في سجون العدو الأميركي.

1-زعماء «الصحوة» والمغرر بهم ستنهض عندهم «صحوة ضمير» الكرامة والسيادة الوطنية عما قريب:
أما العملاء الجدد فهم من يسمونهم بـ«عشائر الصحوة»، ممن قايضهم الاحتلال الأمن والرغيف في مقابل بيع الكرامة، فاختار الضالعون في الضعف والهوان «الأكل بأثدائهم»، كما استجابت لهم مجموعات من البسطاء المضللين المنكوبين بفقدان لقمة العيش فخيل لهم أن خيانة الوطن والكرامة تعادل رغيفاً من الخبز.
لن نستطيع القول إن ظاهرة «عشائر الصحوة» ستمر من دون تداعيات سلبية، إلاَّ أنها لن تشكل العامل الذي سيعيق مسيرة المقاومة، لأن هؤلاء سوف «يَصْحون» على أنهم مجرد أدوات يتم توظيفهم لقتل أبناء شعبهم، يأمرهم كل من فقد الضمير من الدخلاء، محتلون من جنسيات متعددة ومن خونة ينطقون العربية ويذبحون على طرائق الاحتلال وأساليبه. ولن يطول الأمر بهم على هذه الحال، فصحوة الضمير الوطني حتى لو نامت عند البسطاء المغرَّر بهم إلى حين، إلاَّ أن العذاب الذي سيعانونه مما سيجري أمام أعينهم سيشكل المهماز الذي سيعيدهم إلى الانقلاب على زعمائهم وعلى من قام بالتغرير بهم.

2-مدينة الموصل تستعد منذ زمن لردع قوة النار والحديد وارتكاب المجازر.
وأما استعراض القوة، من عرض جحافل جيش الاحتلال، ومرتزقة المالكي الزاحفة نحو الموصل، مضافاً إليها خطابات المالكي نفسه و«عنترياته»، أي «خطاباته البوشية»، ومن شابهت خطاباته خطابات سيده فما ظلم، وهي لن تكون أكثر تخويفاً من زحف جيش الاحتلال في بدايات احتلال العراق. وهو يعلم، والجنود الأميركيون يعلمون، وقياداتهم العسكرية تعلم أيضاً، ولا يخفى الأمر على كل من يقبع في البنتاغون والبيت الأبيض، سواءٌ منهم الذين استقالوا أم أُقيلوا بسبب فشلهم، أن مصير الزحف لـ «فرض النظام» في الموصل، لن يكون أوفر حظاً من كل أنواع الزحف الأخرى. فنحن لن ننسى أن كل الحملات العسكرية السابقة، التي فاقت تسمياتها المئة اسم، من «العقارب» و«الأفاعي» و«المطارق الحديدية» ... أنها باءت كلها بالفشل والهزيمة. وهل ننسى الفلوجة التي نبتت من بين الأطلال من جديد؟ وهل ننسى معركة «فرض النظام» في بغداد بشراستها ونتائجها الأكثر من مخيبة لآمال جورج بوش؟
إن الوضع في الموصل له خصوصياته، بثقلها المقاوم وجغرافيتها الواسعة، وخبرة مقاتليها التي عجمتها خمس سنين من التجارب، وحنكة قيادتها التي لا شك في أنها هضمت كل تجارب المقاومة العراقية طوال أكثر من خمس سنوات أيضاً. إن معركة الموصل باختصار هي معركة هروب الاحتلال وعملائه إلى الأمام، فمن يريد احتواء المقاومة في الموصل، وإرهاب أهلها، لا يمكنه ذلك من دون احتواء المقاومة في بغداد والوسط والجنوب.
فهل استطاع الاحتلال وعملاؤه أن يوفروا حماية «المنطقة الخضراء» في بغداد؟
وهل نجحت عقاربهم وأفاعيهم السابقة في ضرب المقاومة وإرهاب وسطها الشعبي؟
إسألوا كم هو عدد العمليات العسكرية التي ينفذها أبطال المقاومة العراقيون في مؤخرة القوات المحتلة التي تزحف إلى الموصل.
إن معارك آخر لحظة التي يأمر جورج بوش بخوضها كمثل معركة الموصل، هي كمثال من وصل إلى قمة اليأس وشفير الهاوية، إنها ليست أكثر من معارك تكتيكية يُراد منها كسباً سياسياً تخدم ماكينة إدارة الحزب الجمهوري الانتخابية. وأما موقعها من أجندة المقاتلين في الموصل فهي ليست إلاَّ «صبر ساعة»، وهي كمثل معركة عض الأصابع يخسر فيها من يصرخ أولاً. وسيصرخ الاحتلال فيها كما فعل في معارك «فرض النظام في بغداد» طوال العام 2007، والتي على الرغم من شراستها ووحشيتها، ظلت حصة المالكي وأسياده، باعتراف التقارير الأجنبية لم تتجاوز الـ 8% من مساحة بغداد.
وكيف لا تكون معركة الموصل معركة لن تفوق نتائجها نتائج المعركة التكتيكية إذا ما كانت المعارك دائرة في الموصل بينما القتلى الأميركيين يتجندلون فيها كما في بغداد والبصرة والفلوجة وديالى؟

3-التهديد بتسليم الأسرى والمعتقلين في سجون العدو الأميركي إلى قوى الأمر الواقع العميلة، لارتكاب مجزرة اغتيال بحقهم.
تواترت التقارير عن إمكانية ارتكاب حماقة جديدة ستمارسها قوات جورج بوش الذي تميَّز بالغباء والإجرام، مفادها تسليم الأسرى والمعتقلين في سجون العدو الأميركي إلى قوى الأمر الواقع العميلة. وهذا الاحتمال وارد بما هو معروف عن غريق جبان يسعى لتوظيف حياة الأسرى والمعتقلين كقشة من أجل إنقاذ سفينة أدارته من الغرق. غريق جبان ركل، ويركل كل يوم، القانون الدولي برجله.
هذا المأفون يبدو أنه أصيب بالنشاط عندما استقبلته دويلات الخليج، واندفع إلى الرقص على أنغام التراث الخليجي، برقصة السيف والصيد بالباز واستغلال الأطفال الذين نُظِّمت لبرائتهم مسرحيات الأناشيد لاستقباله من دون أن يدروا كم من رفاقهم أطفال العراق يُسحلون ويُشردون ويموتون جوعاً وبرداً. ولم تنس بعض الخليجيات أن تُقبلن رأس بطل الجريمة المنظمة جزاءً لانتهاكه شرف صنوهن من الماجدات العراقيات، و.. و...
هذا الطاغي، الذي لم يجد من يعترض على لون «الكحل في عينه»، ساح واستراح ورقص وعربد على أرواح العراقيين واستباح كرامتهم. من أين نجد من يردعه عن ارتكاب الجريمة الحمقاء في منع تسليم الأسرى والمعتقلين إلى أكثر العملاء إجراماً وقذارة في التاريخ؟
يبقى أمل لهؤلاء الأسرى في أن يجدوا في العالم كله، وعند العرب كلهم، من يقف إلى جانبهم لمنع الجريمة المجزرة من النفاذ, وهذا ما عوَّدتنا عليه الكثير من المنظمات الرسمية والأهلية. ونحن نراهن على إمكانية نجاحهم كما نجحوا في إنقاذ المناضل الشيخ مظهر الخربيط المحتجز في لبنان من خطة تسليمه إلى الحكومة العميلة في العراق.
وإن صوتاً جديداً تجمع عليه منظمات الضمير وحقوق الإنسان في الكشف عن جريمة التسليم المحتملة، لكونها تشكل لطخة عار في جبين الإنسانية، قانوناً وتشريعاً، قد تسهم في ردع الاحتلال من تنفيذ ما وعد به. أو أقلُّه تصل إلى مسامع الشارع الأميركي الغاضب على رئيسه وإدارته.

3-الاحتلال الأميركي في العراق أفعى مقطعة الأوصال
ومكشوفة الغطاء في الداخل الأميركي وفي الخارج الدولي
28/ 2/ 2008
عندما أقدمت الولايات المتحدة الأميركية على احتلال العراق، فقد حسبت أنها منتصرة بلا شك، وراحت تعد نفسها للاستيلاء على ثرواته، وتُنهي به آخر حصون المقاومة التي تواجه الإمبراطور الأميركي، وتُتوِّج جورج بوش أول إمبراطور أميركي لـ«قرن أميركي جديد». فيصفو الجو العالمي لأباطرة المال والثروة، وروَّاد «حرب الأفكار» و«الفوضى الخلاقة»، فتعوم شركاتهم على بحور من ثروات العالم التي لا تستطيع أي نار أن تأكلها. ويدين العالم، بخيراته وثرواته لعدد محدود من أباطرة المال الأميركيين. هؤلاء الأباطرة حددهم توماس فريدمان، بحوالي خمسة وعشرين شخصاً في واشنطن، تمنى أنه لو كانوا قد نفوا إلى جزيرة نائية لما كانت حرب العراق قد وقعت.
دولة امتلكت فضاء العالم، وسيطرت عليه، فدانت لترسانتها أكبر الدول، وإن اعترضت أي واحدة منها، فإنما لكي تنال أكثر ما يمكن من الفتات الذي سيسمح به إمبراطورها.
بعد العدوان على العراق واحتلاله، وبعد أن انطلقت المقاومة العراقية، وتجذَّرت مواقعها، انتهت آمال أولئك العشرات الذين يتفردون بحكم أميركا، وراحت أحلامهم تتبخر، وخدعهم سراب صحراء العراق، وانتشرت قواتهم كالأفعى في كل أنحائه، وبذلك صدقت أقوال محمد سعيد الصحاف، عندما أعلن أن العراق يترك الأفعى الأميركية تتمدد ليسهل تقطيعها.
سنوات خمس مرَّت من عمر العراق، وحكايته مع الاحتلال، حكاية الأفعى الأميركية التي تتلوى من الضربات التي تكيلها لها المقاومة العراقية من كل حدب وصوب. وحكاية الاحتلال الأميركي اليوم هي حكاية الأفعى التي تقطعت أوصالها، فلا هي قادرة على تجميع نفسها من جديد، وليست هي قادرة على التمدد. فالتجميع تارة، والتمدد تارة أخرى، هما حلاَّن أحلاهما مر، فراح مخططو الاحتلال يتخبطون في كل اتجاه، ولم يجدوا ما ينبئهم بأن حركة الأفعى التي أطلقوها في صحراء العراق ستستعيد زمام المبادرة. وبها تحول احتلال العراق إلى مجموعة من الاحتلالات، ومجموعة من الخطط التي لم تنجح واحدة منها في إعادة «ماء الوجه» لأصحاب القرن الأميركي الجديد.
فمن معارك الفلوجة، إلى سامراء، إلى تأديب محافظة الأنبار، في سلسلة لم تنته، إلى خطة «إعادة القانون» إلى بغداد، إلى «اجتثاث المقاومة من الموصل»، ومحافظة نينوى، لا تزال الأفعى تتلوى، وتتألم، وتعمل على التقاط أنفاسها، ولكن عبثاً حاولت، وعبثاً حاول المخططون العسكريون والسياسيون وحتى فلاسفتهم ومفكروهم أن يجدوا سبيلاً للقضاء على المقاومة، أو تحجيمها على أقل تقدير.
شنَّت قوات الاحتلال الأميركي مئات العمليات العسكرية في أكثر من منطقة عراقية، كـ«الأفعى المتسلقة»، و«المطارق الحديدية»، وجرَّبت كل «عمليات الاجتثاث»، ومُنيت جميعها بالفشل. وحاولت ترميم الجدار الدولي الذي كان يوفِّر غطاء دولياً للاحتلال، إلاَّ أن الجدار انهار كتلة إثر كتلة. وراهنت على أن يدعِّم عملاؤها الانهيارات، فبرهنوا على أنهم لا يقوون على حماية أنفسهم.
-تفرقت أيادي سبأ الدولية بعد أن عجزت عن مد يد الغوث بمساعدة الاحتلال وتغليفه بقرار دولي، ابتدأت بانهيار المساعدة الإسبانية، ومرَّت بالمساعدة الإيطالية، واليابانية، والبريطانية، ولن تكون آخرها المساعدة الأوسترالية.
-المآزق الكبرى التي أوقع فيه العملاء والخونة من العراقيين سيد نعمتهم، هؤلاء عادوا إلى العراق وهم مدربون على كل وسائل الفساد، وكان من الممكن أن ينجحوا في أدوارهم لو صفى الجو لأسيادهم. وهم عاجزون اليوم عن تقديم أي لون من ألوان المساعدة العسكرية، والدلائل أكثر من كثيرة. فهم خبراء في اللصوصية، والنهب والسرقة والقتل، لكنهم عاجزين عن حماية أنفسهم، فكيف بالأحرى إذا طُلب منهم أن يشكلوا حماية لأكبر جيش في العالم، تأكد أنه عاجز عن حماية نفسه.
-كان الممكن أن يقدِّم الإيرانيون نوعاً من أنواع الإنقاذ، احتذاءً لما قدموه للعدوان من مساعدات جليلة، لو أنهم لم يطمعوا بضعف «البقرة الأميركية»، وراحوا يعملون على «سلخها»، من أجل «تسمين بقرة» مشروعهم، مستغلين فرصة إسقاط حزب البعث العربي الاشتراكي من السلطة، مستفيدين من إرشادات الخميني التي أعلنها منذ العام 1980 حرباً شعواء ضد «البعث»، مستغلين جهد المقاومة الوطنية العراقية وجهادها في إنهاك الاحتلال وتأزيمه.
-وكان من الممكن أن يقدم الشارع الأميركي دعماً لحكومته لو لم يستقبل الجثث والجرحى والمعتوهين والمجرمين والمخبولين من أبنائهم.
إن هذه المرحلة، تحديداً، بعد أن شهدت تحولات جذرية في نتائج مقاومة الاحتلال، ووضعت إدارة جورج بوش على شفير الهاوية، بعد أن أسقطت أهم رموزه ومفكريه وسياسييه وعسكرييه والمخططين فيه، تشهد بداية جدية لتحولات جذرية في مقدمتها انكفاؤه إلى مرحلة الدفاع عن النفس، أولاً، وثانياً هروبه إلى الأمام في معارك وحملات عسكرية على الرغم من وحشيتها تشهد الواحدة منها الفشل تلو الأخرى.
أما تداعيات الاحتلال على الإدارة ذاتها، فقد وضعتها في مواجهة مع مصير سقوطها المحتوم، فهي بالإضافة إلى مواجهة المقاومة العراقية، فهناك مقاومات ومواجهات تستعر على نار هادئة في شتى أنحاء العالم، وعناوينها الكبرى:
أولاً: هناك بوادر اندلاع «الحرب الباردة» من جديد، ولعلَّ أهمها ظاهرتين:
-الأولى: صعود التنين الصيني، الذي حقق قفزات كبرى في تنظيم اقتصاده، بالشكل والجوهر الذي جعله من أهم منافسي الاقتصاد الأميركي. فليس لدى الصين اهتمامات بتوظيف اقتصادها من أجل الحرب، تلك التي تستنزف الاقتصاد الأميركي وتجعله يترنح بفعل الإنفاق الهائل الذي يوظف في الحروب المتواصلة التي قادتها الإدارة الأميركية في البلقان وأفغانستان والعراق.
-الثانية: بمواصلة حرب الابتزاز التي تمارسها إدارة جورج بوش ضد روسيا بوتين، وارث مجد الاتحاد السوفياتي، سواءٌ أكان الأمر بتطويقها بحاجز بشري معاد من أنظمة الدول التي كانت امتداداً للاتحاد السوفياتي، أم كان الأمر له علاقة بنشر منظومة من الصواريخ في دول أوروبا الشرقية. ذلك الابتزاز أدى إلى نفاد صبر روسيا، وما تشهده العلاقة بينهما تدل على أنها وصلت إلى بداياتها المأزومة والتي لن تنتهي إلاَّ بانتهاء أسبابها، أي نهاية مرحلة الاستفراد الأميركي بحكم العالم.
ثانياً: صياغة جديدة لعلاقات أوروبية – أميركية، هدفها تصحيح الخلل في موازين القوى السياسية:
في مقابل التحديين، الصيني والروسي، فهناك تحدٍّ آخر يتمثل بمنظومة الدول الرأسمالية الأوروبية التي تتصرف على أساس أن مشروع «القرن الأميركي الجديد» لن يصب لمصلحتها الاقتصادية أولاً فهي ستكون تابعاً للاقتصاد الأميركي، ولا تستطيع أن تتحمل وزر الحروب المتواصلة التي تقودها الإدارة الأميركية خاصة وأنها تعلم أنها ستدفع من دم جنودها لمصلحة تلك الإدارة، وتتزعَّم فرنسا هذا التيار، ولن يدوم الأمر طويلاً لتلتحق بها بريطانيا بعد تعرية نظام طوني بلير والعمل على تجريده من «ورقة التوت».
أما فرنسا فقد خرجت من دائرة النزاع بين شيراك وبوش، الذي كان قائماً على قواعد ممانعة فرنسا لحرب ضد العراق ظناً من فرنسا أنها ستنال بابتعادها عن المشروع الأميركي جائزة في التقارب مع المنطقة العربية، بينما عاد ساركوزي لتصحيح طريقة العلاقة وليس أهدافها، لعله عن طريق المرونة السياسية يحصل على ما لم يستطع شيراك من الحصول عليه عن طريق الممانعة.
إنه وإن كان ما يجمع منظومة الدول الأوروبية الغربية الآن مع الولايات المتحدة الأميركية منع إعادة إحياء أي شكل من أشكال منظومة للدول الاشتراكية، إلاَّ أنها غير مستعدة لصراعات تستنزف أموال شركاتها، وتستنزف شارعها الشعبي الذي لا تزال تأثيراته ماثلة في إسقاط حكومات إسبانيا وإيطاليا وبريطانيا وأوستراليا.
وإذا كانت الإدارة الأميركية تحاول يائسة أن تحتل العراق كله، عبر مجموعة كبيرة من مشاريع الاحتلال الموضعي، إلاَّ أنها تواجه ثلاثة حروب أخرى أشد دهاء وتأثيراً، وهي:
-مع أن الحزب الديموقراطي يقود معركته الانتخابية، مسلحاً بموقفه الداعي إلى الانسحاب من العراق، إلاَّ أن شدة مواقف المرشحين الديموقراطيين أو ضعفها حول هذه المسألة تُعد عاملاً مؤثراً في استقطاب أصوات الناخبين. ويجد هذا الاستنتاج مكاناً له في ظاهرة حصد (باراك أوباما) أصواتاً كثيرة لمجرد أنه وقف ضد قرار الذهاب إلى الحرب في العراق، ويضعف مواقع هيلاري كلينتون لمجرد تصويتها إلى جانب قرار الحرب، ولم تشفع لها تصريحاتها بإدانة تلك الحرب فيما بعد.
-إسقاط كل الحكومات الأوروبية التي دعمت الحرب ضد العراق. حتى بريطانيا قد ارتدَّت على أسس العلاقة مع أميركا التي أسسها طوني بلير، وهي تعمل للخروج من عقدة «التبعية الذليلة» لأميركا.
-حرب الاستنزاف الدائرة على الحدود الشمالية للعراق، بين الجيش التركي وحزب العمال الكردستاني، وهي حرب وقائية، كما تزعم تركيا، لمنع قيام دولة انفصالية كردية في جنوب تركيا. وهي وإن بدت كأنها اعتداء على العراق إلاَّ أنها بطبيعة أهدافها تعتبر حرباً ضد الأهداف الانفصالية الكردية بشكل عام، تلك الانفصالية التي عمقتها وعززتها بالقوة قيام دولة كردستان في شمال العراق. ومن يريد منع تلك الظاهرة من دول الجوار لخطورتها، فلن ينجح في ذلك من دون إعادة توحيد العراق، وإن محاربة الانفصاليات في العراق ليست مهمة عراقية فحسب، وإنما هي مهمة للإقليم المجاور أيضاً.
-بداية شروق حرب باردة جديدة بين الولايات المتحدة الأميركية، كأخطر ممثل للرأسمالية، وبين نظامين خصمين سابقين، وهما الصين وروسيا.
-مخاوف بعض دول الجوار العربي من النتائج الوخيمة التي ستحصدها من مساعدة أميركا في احتلال العراق، خاصة بعد أن تحول إلى أكثر نماذج الأنظمة بشاعة. وإن كانت تلك المخاوف لم تظهر حتى الآن خشية من قصاص أميركي أو عقاب، إلاَّ أن مظاهر المآزق الشعبية الأميركية والأوروبية والدولية ستدفع دول الجوار العربي إلى وعي ما يحدق بها من مخاطر بقائها على حياد من جهة أو سكوت من جهة أخرى، أو تآمر من جهة ثالثة.
مثقل العراق بكل أنواع الآلام والمآسي والعذابات التي ألحقها الاحتلال الأميركي وعملاؤه، بالشعب العراقي، ولا يزال، ويواجه الآن أكثر من وسيلة من وسائل الوحشية في احتلالات متنقلة، هدفها تحصيل كل بارقة انتصار للاحتلال الأم، تبقى المقاومة الوطنية العراقية الأمل الوحيد والشرعي في إدامة مآزق الاحتلال وعملائه.
إن استمرار المقاومة العراقية، تعتبر المركزية الأساسية التي راكمت إلى جانبها ومصلحتها كل عوامل وأشكال الحروب الأخرى، الداخلية الأميركية والخارجية الدولية، التي تستنزف إدارة جورج بوش. تلك المواجهات التي لم تصل حتى الآن إلى حدود المواجهات العنيفة إلاَّ أنها ستقوى وتتعمَّق طالما المقاومة العراقية تُنزل الخسائر في الاحتلال وعملائه، وطالما هي سائرة على طريق التحرير والنصر.
وفي حسابات بسيطة وسريعة، لا يرى المراقبون أن إدارة جورج بوش قادرة، ليس على التقدم في العراق حتى ولو بنسب بسيطة فحسب، بل هي ليست قادرة على منع انهياراتها على شتى الجبهات، الداخلية الأميركية والدولية أيضاً. وإنما واقع الأمر يدل على أنها كلما غرقت في استخدام الوحشية في العراق كلما ازدادت قناعة الشعب الأميركي بكذب وخداع إدارتهم الحالية، وبها تتعمَّق أسباب إسقاط آخر معالمها التي لم تسقط حتى الآن.
ولعلَّ مشهد الاحتلال الأميركي لفييتنام في أواخر أيامه، شبيه بمشهده في العراق اليوم. فصبر ساعة عند المقاومين العراقيين الأشاوس كفيل بإيصال إدارة جورج بوش إلى نهايتها المحتومة، نهاية أحلام صقور «القرن الأميركي الجديد»، كما نهاية كل الأحلام الإمبراطورية الأصولية في التاريخ، وبها يسجل أشاوس العراق ورفاق صدام حسين وشعبه بداية لشروق فجر قومي عربي جديد.
4-بين غزة ورام الله هل تضيع هوية فلسطين؟
في 12/ 3/ 2008
صباح النار والبارود يا أطفال غزة
صباح القتل والتدمير والعزل والحصار
تحية صباح الخير هل ودَّعتنا؟
هل أصبحت أحضان رام الله قاسية إلى هذا المستوى؟
وهل طلَّقت أحضان غزة عمقها الحنون في رام الله؟
وهل تقمَّصت أهداف السباق على السلطة هدف تحرير فلسطين كل فلسطين؟
وهل نستكمل بناء الجدار الصهيوني العازل بجدار من الحقد الفلسطيني ليفصل بين الفلسطينيين؟
هل نسينا أن الرومان يقفون على الأبواب؟
وهل نقاومهم بالتفتيش عن جنس ملائكة غزة، وجنسهم في رام الله؟
فماذا نفعل ورومان آل صهيون يقصفون أسوار غزة بحجارة من سجيل؟
ماذا نفعل وأحجار الصهاينة يقتلون أطفال غزة، ويقطعون عنهم قطرة الحليب؟
ماذا نفعل وأحجار آل صهيون يقصفون قلوب الأمهات فتدمى كل يوم وتنتحب أمهات غزة وتندب فلذات الأكباد؟
كان الفلسطينيون في الصباح البعيد، يقاتلون معاً، ويموتون معاً، يجوعون معاً، ويهجرون الأرض معاً. كان للفلسطينيين عدو واحد، فتتوحد سواعدهم لقتاله.
ما بال غزة اليوم تقاتل لوحدها، وتموت لوحدها، وتجوع لوحدها، وتعرى لوحدها؟
هل ضاعت وحدة الشعب الفلسطيني في متاهات السياسة؟
وهل أصبحت فلسطين وحدتان: واحدة شرعية والأخرى متمردة عليها؟
من هو الذي ابتكر هذا الأمر؟
كان ابتكارنا نحن، واستفاد العدو منه. والأمر كذلك، ستنقسم غزة غداً إلى غزتين، ورام الله ستصبح اثنتين. وستتوالى تداعيات المتوالية الهندسية في التفتيت التنازلي. فهل من المعقول أن تتبخر فلسطين، بعد أن قسمتها الأمم المتحدة إلى دولتين؟
يا غزة العرب
كما أنت في هذا الصباح، وكل صباح، أنت كذلك ظهرنا ومساؤنا، كنت غزة ولا تزالين، ولن تكوني إلاَّ غزة.
غزة كل فلسطين، كما رام الله، كما القدس وحيفا ويافا، كما آبل القمح ودير ياسين...
تفتَّح الصبح علينا، في العام 1948، واستقبلنا أحمداً وفاطمة من طبريا يطرقان الباب علينا في ذات فجر، واستأذنا بضيافتنا لهما لعدة أمسيات يعودان بعدها إلى البلدة التي لا يزالان يحملان مفتاح منزلهما فيها.
لم يكن من شيمنا أن نرحب بالأخ الضيف، داعين له بالرحيل إلى بلدته بسرعة. ولكننا فعلناها، ففتحنا بيتنا وصدورنا داعين الضيفين للتبكير في الرحيل.
راحت طبريا، ومن بعدها راحت حيفا ويافا و...، والقدس الغربية والتحقت بها شق توأمها الشرقية. ولا تزال مفاتيح الضيوف تنتظر غالاتها، كما لا تزال البيوت تنتظر مالكيها.
ضاعت المدن والقرى، وطبعاً دالت البيوت، وتساقط كل شبر وراء الشبر الذي سبقه في السقوط. وتأكد أن الحبل على جرار الغاصب الذي غزا طبريا في ذات صباح، وغزا غيرها في ذات ظهر، وتبعها ما تبعها من غزو في ذات مساء.
فتحولت مدن فلسطين وقراه إلى مرتع للغزو المستمر صباحاً وظهراً ومساء منذ ستين عاماً. وهذه غزة اليوم تتعرَّض للغزو، والتدمير والقتل، واختصرت مأساة غزة ستين عاماً من الوحشية والقتل.
فمن يستأذن أهل غزة اليوم؟ وهل عليهم أن يدخلوا في شتات آخر تحت سمعنا وبصرنا وصمتنا؟
ومن سيستأذن أهل رام الله غداً؟
فقد حمل أحمد وفاطمة من طبريا مفتاح بيتهم ورحلوا إلينا، فإلى أين سيحمل أحمد وفاطمة من غزة مفتاح بيتهم، وأين سيتقرون؟
كأن القتل بالقصف، والاعتقال، والتدمير.
وكأن قتل نساء فلسطين وبقر بطونهن لانتزاع الأطفال من أحشائهن، وقتل أطفال فلسطين والمسنين، واقتلاع الشجر وسحق الحجر، قدر لا محيد عنه، قدر مكتوب على أن يكون كل فلسطيني مشروع أضحية يقدمها آل صهيون قرباناً لإلههم. وكأن نبوءة التوراة نص مقدس أمر فيه الله شعبه المختار بالقتل والسحل والتدمير والسحق، هو نص مقدس فعلاً عند شعب لا يعرف الرحمة، وأصبح قتل البشر قرباناً يقدمونه إرضاءً لإلههم وكسب رضاه.
هذا ما يحصل في غزة، في كل صباح وظهر ومساء، والنبوءة تتحقق، ويزداد إعجاب التلموديين بأنفسهم، فكلما امتصوا قطرة دم، تنفتح شهيتهم على أكثر.
ولكن إلى متى؟
نصنا المقدس، نحن أبناء العروبة، أن نقاوم ونشحذ سيوفنا ما دامت الحياة تجري في عروقنا.
نصنا المقدس أن تتوحد سواعدنا، وغير ذلك هو غير المعقول في مسرح للمجانين.
إن غزة هي كل فلسطين، ومعاناتها مثال حي عن ستين عاماً بالتقويم النضالي الفلسطيني. فهي كل مدينة في فلسطين، وكل مدينة فيها تنتظر المصير نفسه.
ولأن فلسطين هي كل قرية أو دسكرة أو شبر من الأرض تمَّ اعتصابها، كانت جريمة معلَّقة برقاب العرب، فغزة اليوم، هي جريمة برقابهم، وستبقى غزة الرمز تمثل اللعنة التي تؤرقهم.
ولأن غزة هي كل ما ذكرنا، فهي اليوم تدفع عن كل العرب، وعن كل الفلسطينيين. ولقاء ذلك على الجميع، سواءٌ أكانوا سكانها، أم كانوا خارج أسوارها الجغرافية، أن لا يخطئوا بحساباتهم على الإطلاق، وعليهم أن يدركوا أن غزة اليوم، وغداً رام الله، وبعد غد مدينة أخرى تنتظر مصيرها المحتوم في عصر الفرقة والصراع بين أبناء الوطن الواحد والأمة الواحدة.
يا قادة فلسطين، في غزة ورام الله، لا تتلهوا بالخلاف حول تحديد جنس ملائكة غزة، فملائكتها فلسطينيون وعرب. ولا تتلهوا بالخلاف حول تحديد ملائكة رام الله، فملائكتها فلسطينيون وعرب.
وبصوت عالٍ، بعد أن أرعبنا ما نرى، نقولها: دافعوا عن غزة تدافعوا عن قضية فلسطين وتحموا رام الله. وأهملوا قضية غزة تسهمون في ضياع قضية فلسطين وضياع رام الله معها.
إنه من غير المفهوم على الإطلاق أن نسمي غزة بغير هويتها الوطنية، فالهوية السياسية تذهب أدراج الرياح. أما غزة فهويتها فلسطينية من البحر إلى النهر، ومن سيناء إلى جبال الكرمل. وستبقى عربية من المحيط إلى الخليج.
فيا أيها الفلسطينيين اتحدوا، ويا أيها العرب انفضوا عنكم غبار الذل والعار.
رحم الله الشهداء الذين رفعوا بأرواحهم رايات النصر ولو بعد حين، وسلاماً للمناضلين الذين رووا بدمائهم كل أرض فلسطين.
فهل من يسمع صوت الثورة والمقاومة؟
وهل من يسمع نداء الأطفال المعذبين يصرخون ويستصرخون؟
نداء أطفال فلسطين وأمهاتهم يدوي في الآفاق: لا عدو إلاَّ الصهاينة الغاصبين، إما أن نموت معاً أو نحيا معاً، وإما أن نجوع معاً أو نقتسم قطرة الحليب معاً، فتعالوا جميعاً لنثأر لكل معاناة فلسطين، من طبريا ودير ياسين وجينين وغزة، لأن البديل أن يحمل أحمد وفاطمة من غزة مفاتيح منزلهما ليلتحقوا بالطابور الطويل الذي رمز إليه أحمد وفاطمة اللذين استقبلناهما من طبريا منذ ستين عاماً.

5-بعد إفراغ القمة العربية من المضمون، والشكل أيضاً،
هل تبادر فصائل المقاومة العربية إلى تأسيس قمة عربية للمقاومة؟
في 26/ 3/ 2008
رحم الله أيام زمان، الزمان الذي لم تكتحل فيه عيون الطلائع الشابة، ذلك الزمان عندما كانت الفكرة القومية العربية تنمو وتكبر، الزمان الذي تآمرت على إلغائه أكثر القوى التي تنشد وداً مع الأممية. تلك الأممية التي اختلطت خنادق تياراتها بين اليمين واليسار بين الديني والعلماني، بين الاشتراكي والرأسمالي.
لكل أمميته، وعولمته، التي فصَّلها على مقاييس مشاريع إيديولوجية سياسية صاغها وأعلنها على مقاييس النخب التي تقودها، إلاَّ أن أحداً منها لم يُظهر الود تجاه تيار قومي جنين ابتدأ يحبو على الأرض العربية من إعلان تأسيس حزب البعث العربي الاشتراكي، ووصول الناصرية إلى أول حكم سياسي في مصر، أعلن كل منهما بالفم الملآن أنها ثورة عربية، وستبقى عربية، وستكون الصورة الأمثل لشعب عربي تآمرت على أحلامه، وضعت العوائق والمفاصل التي لا تزال تحول دون أمنياته منذ أكثر من ستين عاماً ولا تزال.
لقد نسي، أكثر المعاصرين لمرحلة امتدت إلى أقل من عشرين عاماً، أو تناسوا، أن هناك حلماً واعداً بالخير يُشرق عصره على بوادي الأمة ورواسي جبالها، فراحوا يمحون ذاكرة المعاصرين الأوفياء من حلم ناضلوا من أجل تحقيقه وتطبيقه، ولو بعد حين.
لقد كان المخططون من المنتفعين في الداخل العربي، والمخططين للاستيلاء على الوطن العربي، يعرفون خطورة أن تستمر الفكرة القومية في الانتعاش والتمدد، فتكاثفت الأيدي وتكاثر العدو، وقلَّ النصير، وهذا ما أثلج، ولا يزال يثلج، قلب كل التيارات والقوى والقوات والجماعات التي تعمل تخريباً ثقافياً وفكرياً وإيديولوجياً، في الخارج والداخل.
لم تقف الدعوة القومية عند حدود التبشير والتنظير، بل أخذت تشق طريقها بسرعة في الضغط لبناء مؤسسات رسمية عربية على شتى الصعد، وكان من أهمها تطوير أهداف الجامعة العربية، فنشأت مؤسسة القمة العربية التي أخذت ترعى المؤسسات المنبثقة عنها، كالمؤسسات الاقتصادية والثقافية والعسكرية، التي كان يشعر بتأثيراتها الإيجابية كل العرب من المحيط إلى الخليج.
قد يقول البعض إن تلك المؤسسات لم تكن تلبي الحاجة العملية لوطن عربي تمتد حدوده من المحيط الأطلسي إلى الخليج العربي، وينظر البعض الآخر إلى الإخفاقات ولا يعير اهتماماً للنجاحات. فتحول النقد عندهم إلى الردح، ولم يضعوا حصيلة عشرين عاماً في موازين مئات السنين من التخلف والفقر والخضوع للاستعباد والقهر والاستنزاف... بل انبرى العدد الأكبر من بينهم، عن سابق تصور وتصميم وتخطيط، إلى الابتعاد عن درس مرحلة العشرين عاماً من تراكم قلَّ نظيره في أمة لم تعرف إلاَّ الفرقة والتشتت والاستقواء بالخارج، بل كانوا حريصين على الدعوة إلى نبذ الانتماء إلى أمة كان لها تاريخها الطويل الذي لعب دوراً مفصلياً في تاريخ الحضارة الإنسانية.
كانت القومية العربية كمثل الأيتام على مائدة سلسلة طويلة من اللئام. وكانت أول خطوة كبرى استخدمتها تلك التيارات، وكان في المقدمة منها الاستعمار والصهيونية، هي ما أطلقوا عليه هزيمة حزيران من العام 1967.
وإذا كان الاستعمار الأميركي والصهيونية العالمية، قد خططوا للحرب المذكورة. وكانوا يعلمون، على حسابات موازين القوى النظامية ، أن الهزيمة العربية واقعة لا شك، فإنما كان الهدف الأساسي هو إيصال الشعب العربي إلى حافة اليأس والقنوط. وقد أوصلوا أكثرية الشعب العربي إلى مثل تلك البداية، باستثناء من لم يتسرَّب اليأس إلى نفوسهم، من الذين كانوا يضعون بدائل أخرى لمواجهة التحالف الصهيوني والأمبريالي الأميركي، تلك القوى التي لم تكن تنظر إلى أن المواجهة بين الأمة وأعدائها تخضع لحسابات عسكرية نظامية في ظل اختلال موازينها، بل اعتبرت أن قوة الأمة العربية تكمن في إرادة الشعب العربي للتحرر بكل الوسائل والسبل، وتأتي في مقدمتها وسيلة الكفاح الشعبي المسلَّح.
وإذا كانت نقطة البداية في تحويل مسارات الدعوة القومية قد انطلقت من حرب حزيران النظامية، تلك التي خططت لها الولايات المتحدة الأميركية والعدو الصهيوني، فإنما تلقفت القوى العربية المعادية للفكر القومي تلك النتائج ووظفتها في آلتها الدعائية والدعوية، وكأنه كان ينقصها أن تُسقط الأنظمة القومية ومن بعدها الفكر القومي أولاً لتظهر قوتها الإيديولوجية الذاتية ثانياً.
بعد الإسقاط العسكري لأول تجربة قومية في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، جاء دور إسقاط كل ما حققته من إنجازات، وفي المقدمة منها إسقاط المؤسسات العربية التي نشأت في ظل جامعة الدول العربية. فبدأت في الرأس، أي مؤسسة القمة، وأفرغتها من مضمونها تدريجياً، إلى أن بلغت أوج مستوى هزالتها عندما خضعت بعض الأنظمة للإملاءات الأميركية ودعت إلى قمة استثنائية، في العاشر من آب من العام 1990، وفيها برَّرت وغطت مخطط العدوان الثلاثيني على العراق في العام 1991.
فكانت القمة العربية الاستثنائية تلك، التي بالكاد وفَّرت للموافقة على قراراتها أكثرية النصف زائداً واحداً، لتعطي أول برهان حقيقي على المستوى الانهزامي الذي بلغته بعض أنظمة العرب الرسمية. فأصبحت مؤسسة القمة العربية، منذ ذلك التاريخ، قمة ليست مُفرَغة من المضمون فحسب، بل تُصاغ قراراتها في مطابخ السي آي إيه أيضاً، ويتم تبليغها لبعض الأنظمة الرسمية لتسويقها والدفاع عنها والتوقيع عليها، وإصدارها في بيان صادر عن العرب، والعرب منه براء.
كما تحولَّت حركة الجامعة العربية إلى حركة شكلية لا تستطيع فيها أيضاً أن تتخذ مبادرة ما تستطيع أن تفرضها، وهي تتحرك بفعل وقود تتزوَّد فيه من عدد محدود من الأنظمة، التي بدورها تتلقى كلمة السر من أولياء نعمتها. وهي إذا حاولت أن تضفي بعض الخصوصية العربية أو الوطنية على القضايا التي تزعم أنها تهتم بها، فسيكون قرار إيقاف حركتها بعوائق لا تخفى على أحد.
ومنذ ذلك التاريخ، وبعد أن باعت بعض الأنظمة العربية مضمون القمة بثمن بخس، راحت تقاوم للمحافظة على الشكل. والشكل لم يتجاوز الاجتماع الروتيني. وحتى مثل هذه الاجتماعات تحوَّلت إلى منابر لتصفية كل الحسابات الفردية بينها، وتبقى القضايا الأساسية الغائب الأكبر عن اهتماماتها.
ونتواجه الآن بمسألة انعقاد القمة العربية في سورية. ومن ملابسات ما يجري، وما يُحاك في كواليس التحالف النظامي العربي والاستعماري، نخلص إلى عدد من النتائج التي لا توحي بالخير، ومن أهمها:
-سوف تغيب القضية العراقية ولن تلقى اهتماماً يُذكر على الرغم من كل آلام الشعب العراقي ومعاناته تحت الاحتلال. والأسوأ من ذلك أن من سيمثل العراق في القمة الشكلية عملاء للاحتلال الأميركي. والزعماء العرب إذا كانوا يزعمون أنهم سيقدمون الدواء إلى العراق فإنما سيعالجون المرض بعقاقير الذي كان السبب. وهل يقدِّم العلاج للعراق من تواطأ وخان وأسهم في الاحتلال والتدمير والسرقة والتقسيم وتعميم الفتنة؟
وهل تتجرأ الأنظمة وتصرخ في وجه من سيأتي لتمثيل العراق وتطلب منه تقديم المغفرة لقاء خيانته لوطنه، أو أنها ستصرخ في وجه الإدارة الأميركية، على الأقل كما يفعل الشعب الأميركي، وتطالبه بالخروج فوراً من العراق؟
-وهل ستتجرأ القمة الشكلية وتعترف بأن المقاومة العراقية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب العراقي؟ وإنه من دون هذا الاعتراف لا يمكنها أن تفصِّل ثوب العراق على مقاييس الاحتلال وعملائه؟ أم أن ما نطالب به سيكون عبثياً لأن الأنظمة المرتبطة مضموناً بالقرارات الأميركية هي أكثر من عاجزة عن القيام بذلك؟
-وهل ستتجرأ القمة الشكلية من المساعدة على لجم العدو الصهيوني من الاستمرار في تجويع قطاع غزة، وإيقاف حمام الدم الذي يروي فيه أطفال غزة أرضهم بدمائهم وحياتهم؟
-وهل ستتجرأ القمة العربية على الصراخ في وجه كل الذين ارتهنوا القرار اللبناني عبر وسائطهم المحلية وتقول لهم: إرفعوا أيديكم عن لبنان. إن العرب وحدهم الممثل الشرعي والوحيد لشعب لبنان، ولا حلول للقضية اللبنانية بمعزل عن القرار اللبناني المستقل، وإن احتاجوا إلى مساعدة فليس غير الظفر العربي الشقيق، الظفر الذي تمرَّد على ثنائية التابع والمتبوع، هو الذي عليه أن يحك الجلد اللبناني؟
إذا كان ما نرفعه سيكون عبثياً، لأنه لا يمكن لمريض أصيب بداء التبعية للخارج، أن يداوي مريضاً آخر أصابه داء التبعية أيضاً. ولكن ما نتوقعه من نتائج مخيبة لا يبرر أن نخفت صوتنا، بل أن نرفعه ونجهر به، فمن غير الجائز أن يستكين نظامنا العربي الرسمي في فراشه، بل يجب أن تبقى طبول رفضنا لسوء أدائه تصم أذنيه، لعلَّ وعسى.
إن رفضنا لا يقوم على أساس قل كلمتك وأمش. بل هو رفض قائم على الاستمرار بالمقاومة والكفاح الشعبي المسلح، وهو السبيل الوحيد الذي أثبت نجاحه، كما هو السبب الوحيد الذي يقض ليس مضاجع الاستعمار الأميركي والصهيونية فحسب، وإنما يشكل الأرق لكل نظام عربي استكان واستسلم لإرادتهما أيضاً.
فهل يبادر رواد المقاومة العربية إلى تأسيس قمة عربية يقودها المقاومون من الخنادق؟
إن الأمر ليس بعسير المنال، وإلى أن تتحقق الأمنية، نرى بأن المقاومين مستمرون بمساراتهم الصحيحة، فبوركت الأيدي والسواعد، وإن غد انعقاد قمة للمقاومة العربية لقريب.

6-نيسان الذكرى الواحدة والستين
المقاومة المستمرة حتى شروق الفجر القومي
افتتاحية (طليعة لبنان الواحد) عدد آذار 2008
في كل نيسان من كل عام يُضاف إلى سجل البعث عنوان جديد،
فمنذ تأسيسه كان البعث يتجدد في نيسان حاملاً العطاءات الكبرى، وهو يحفر في جبل تتراكم على قممه وفي منخفضاته تلال من التخلف والأمراض، فجاء حاملاً علاجاته التي تمس حياة الأمة كلها من المحيط إلى الخليج، فرفع أنشودة العروبة والقومية مبشراً بأنه لا خلاص للأمة إلاَّ بوحدتها، ولا خلاص للتخلف الاقتصادي والاجتماعي إلاَّ بالاشتراكية، ولا علاج للجهل إلاَّ بحرية ينعم بفضاءاتها الواسعة كل إنسان العربي. إنسان يستعيد ثقته بنفسه يسهم في تغيير مسارات التخلف، وتتفجر فيه إرادة العطاء الواعية. وتغيِّر مفهومه التقليدي باعتباره عدداً تابعاً غير فاعل، يقلِّد ويتجمَّد عند حدود إملاءات الطبقة الحاكمة.
وفي كل نيسان، منذ ثورة السابع عشر/ الثلاثين من تموز في العام 1968، كان يطل علينا بالوفرة من حصاد النهوض والتقدم، على طريق بناء أنموذج قومي تجاوز الخطوط الحمراء التي رسمتها الرأسمالية العالمية، وجعلتها سقفاً ممنوعاً على الشعوب الأخرى أن ترتقي فوقه. فالرأسمالية العالمية هي التي بيدها خطط النهوض، وعلى الآخرين أن ينتظموا في طوابير التبعية والالتحاق.
على الأمم الأخرى أن تكون أفواهاً تستهلك، ومن غير المسموح لها أن تنتج.
على الأمم الأخرى أن تقدم ثرواتها لوحوش الرأسمالية لتتسع بها إهراءات غيلان الشركات الكبرى، أولئك الغيلان الذين أعدوا كل مخططات الاستيلاء على لبن الأمم الأخرى وعسلها.
أما العراق، بقيادة البعث، فقد اخترق كل السقوف المرسومة، فأعلن سيادته على ثروته في العام 1972.
والعراق، بقيادة البعث، أعلن أن بترول العرب للعرب، فوضع ترجمة للشعار، ثروته في سبيل الإنماء والتنمية والقضاء على الجوع والتخلف، وعممَّ ثقافة الإنتاج، وحوَّل الشعب العراقي إلى شعب منتج، وطلَّق مرحلة الشعب المستهلك. ووظَّف ثروته من أجل بناء جهاز عسكري دفاعي، يدافع بالطلقة التي تصنعها مختبراته، والصاروخ الذي صنَّعته أيد عراقية وتطلقه أيد عراقية. فوُضع على أجندة المتمردين على إملاءات غيلان الإمبراطوريتين الأميركية والصهيونية..
وانتقلت الثورة من مواجهة التخلف الداخلي إلى مرحلة الثورة الشعبية المسلحة بعد احتلال العراق.
وبفعل هذه الثورة يطل نيسان هذا العام ببشرى القطاف الأكبر، قطاف معركة الحواسم.
إن معركة الحواسم ليست ككل المعارك. لقد جاءت رداً على المزاعم التي أطلقتها الإمبريالية والصهيونية، ورداً على تهديداتهما للعراق. جاءت تلك التهديدات لتطلب منه الرضوخ للاحتواء أو إعادته إلى العصر ما قبل الصناعي. ولما كان العراق بقيادة البعث عصياً على الاحتواء لأنه يدرك أن الوقوع تحت الهيمنة المعادية سيجعل من العراق تابعاً ومستهلكاً لصناعة الغرب ومؤتمراً بإملاءاته الاقتصادية والسياسية. وموقع المستهلك هو التبعية الاقتصادية بعينها، والقبول بالإملاءات هي التبعية السياسية فعلاً.
إن إعادة العراق إلى العصر ما قبل الصناعي، لها وجهان متشابهان:
-الوجه الأول: يُفرض بسياسة الاحتواء، وهو أسلوب سياسي له قوة التدمير العسكرية. فيصيب عصفورين بحجر واحد: جعل البنى الصناعية الوطنية ملحقات للشركات الكبرى. وسلب البنية السيادية الوطنية والقومية.
-الوجه الثاني: يُفرَض مباشرة بالتدمير العسكري للبنى التحتية الصناعية، لكنه لا يستطيع تدمير البنية السيادية الوطنية والقومية.
وفي معرض الموازنة بين أن تفقد الدول بنيتها التحتية بقوة التدمير العسكرية، تبقى مسألة تدمير البنية السيادية عصية على التدمير، فهي كفيلة بإعادة إعمار البنية المادية. أما لو دُمِّرت هذه فسوف تخسر الدول كل شيء، بما فيها بنيتها الاقتصادية والسيادية معاً. فاختارت قيادة البعث أن تسلك الوجه الثاني مع الاستعمار والصهيونية. وأعدَّت لمقاومة شعبية طويلة الأمد، فبالمقاومة تحرم الاحتلال من الاستقرار الأمني أولاً، وتحرمه من سرقة ثروات العراق ثانياً.
هذا هو المشهد الذي آلت إليه تطورات الوقائع الميدانية: احتلال لكن من دون ضمان لأمن قواته بل قتل وقنص ومعارك دائمة يأتيهم المقاومون من أمامهم وخلفهم. وحرمان من الاستفادة من الثروات وسرقتها.
تلك هي معركة الحواسم، في جانبها العلائقي مع الاحتلال الأم. أما في جانبه الخاص بعملاء الاحتلال من العراقيين وبعض الأنظمة العربية الرسمية، فقد فشل الخونة من العراقيين من بناء نظام سياسي أمني اقتصادي، وكان مصيرهم ليس أقل مأزومية من الاحتلال نفسه. ولما وقع الاحتلال في مآزق لا يستطيع ولن يستطيع أن يجد لها حلاً، فهل يمكن لأنظمة تابعة عميلة أن تنجح فيما فشل فيه المتبوع؟
ودول الجوار الجغرافي، وبالتحديد إيران، فقد راهنت على استغفال الاحتلال الأميركي عندما تسللت تحت قبعته، تحمي عملاءها بخيمة الغطاء الجوي الأميركي، وتتحصن بحديد دروعه البرية، طامعة بالنجاح في الاستيلاء على جنوب العراق، وهو ما عجزت عنه طوال ثماني سنوات من الحرب الطاحنة. لقد فشلت منفردة في تحقيق أطماعها، وهي مأزومة تحت غطاء الاحتلال الأميركي، وهي ستهرب أيضاً تحت غطاء انسحابه، وإذا كابرت وتوهمت أنها ستحقق الاستقرار فإنها ستتعرَّض لأكثر المعارك شراسة من سكان جنوب العراق وشرفائه قبل غيرهم من أبناء العراق في الوسط والشمال.
إن ملامح حصاد نيسان هذا العام أصبحت واضحة وضوح الشمس، وجلية المعالم.
يحمل نيسان تباشير النصر على أجنحة فشل أهداف الاحتلال الأميركي، الواقع الذي أعلنه الشارع الأميركي قبل غيره، كما أعلنته منظومة الدول الكبرى المتواطئة مع إدارة جورج بوش بانسحابها واحدة تلو الأخرى من العراق، كما تعلنه بشكل مبطن كل من روسيا والصين، وهذا ما تؤكده أيضاً سواعد المقاتلين العراقيين وتضحياتهم.
إن المقاومين العراقيين، الذين دخلوا معركة التحدي ضد كل تلك القوى: أميركا والصهيونية، وبعض من الخونة من العراقيين، وبعض الأنظمة العربية الرسمية التابعة لهما، وبعض دول الجوار الجغرافي الواهمة بتحقيق حلم عفى عليه الزمن وأصبح من مخلفات ما قبل العصر القومي العربي.
إن المقاومين العراقيين هؤلاء يحق لهم أن يهتفوا ويفخروا بأنهم ربحوا معركة الحواسم، والدليل على أنها حاسمة هو أنه لأجيال طويلة قادمة لن تجرأ قوة من كل هؤلاء على النظر إلى الأمة العربية كأمة مستباحة الأرض والسيادة والثروات.
فإلى إطلالة نيسان القادم، ستكون الشمس قد أشرقت بعد انبلاج الفجر القومي القادم على حصان البعث، وأحصنة كل من أجادوا في تلقين كل أعداء الأمة العربية درساً في بلاغة المقاومة وخطابها الحاسم في الرد على كل أطماعهم ومراميهم الخبيثة.
فهل من يستجيب لاستراتيجية البعث الحاسمة وملاقاته في وسط الطريق؟
7-إدارة بوش بعد فشلها في العراق ترثي الحلم الضائع
وتفتش عنه في أدراج النظام الإيراني والنظام العربي الرسمي
في 23/ 4/ 2008
لقد نصَّ المشروع التنفيذي لليمين الأميركي المتطرف على اعتبار العراق مركز دائرة جغرافية محيطة به، واعتبار إسقاط مركز الدائرة إسقاط للدائرة كلها، وكانت المرحلة الثانية قد بدأت بعد إعلان جورج بوش إنهاء العمليات العسكرية في العراق في الأول من أيار من العام 2003.
فكانت المرحلة الثانية تعني إسقاط كل من سورية وإيران، أو احتواءهما، معاً باعتبار أن الدول الأخرى المحيطة بالعراق ساقطة في سلة الاحتواء.
ولما تبيَّن للإدارة الأميركية أن مركز الدائرة لم يسقط بفعل انطلاقة المقاومة العراقية بسرعة، أجَّلت الإدارة موعد تنفيذ المرحلة الثانية انتظاراً لإنهاء المقاومة العراقية أو احتوائها في عملية سياسية مشبوهة، تلك العملية التي أصبحت في مهب الريح.
منذ تلك اللحظة التقط أصحاب المصالح، ومنهم النظام الإيراني، الفرصة المناسبة لمساومة إدارة جورج بوش من أجل الحصول على موقع قوة ثابت في قرار الإقليم المجاور لإيران، وأكثره تأثيراً القرار العربي. ولما كان القرار العربي غائباً، رفع النظام الإيراني درجة تصلبه في التفاوض مع العدو الأميركي، واحتل صدارة طاولة المساومات مع الأميركيين.
منذ تلك اللحظة انقلبت كل معادلات السيناريو الأميركي في العراق والمنطقة، وسلكت تلك الإدارة سياسة الهروب إلى الأمام في كل المجالات، وانقلاب المعادلات يعني أن كل من كان المشروع الأميركي يستهدفه بعد إسقاط العراق تحوَّل في الاستراتيجية الأميركية إلى مشاريع إنقاذ لها من الورطة التي وقعت فيها. وتوسعت دائرة تحميل مسؤولية الفشل لدول جوار العراق من جهة، ولكل من ساعد وأسهم في احتلاله من جهة أخرى، ووزَّعت الإدارة أوامرها وراحت تمارس الضغوط كما يلي:
-الضغط على الحكومة العميلة لتوفير مستلزمات الأمن المنفلت في كل أنحاء العراق.
-مطالبة سورية بضبط حدودها أمام أي تسلل خارجي مزعوم.
-اتهام إيران بتخريب الأمن في العراق لمصلحة مشروعها.
-اتهام النظام العربي الرسمي بالتخلي عن العراق.
-اتهام حلفائها في منظومة الدول الرأسمالية بالتخلي عن محاربة ما تزعم أنه إرهاب في العراق، حتى وإن غطى البعض تقصيره بالهروب من العراق إلى أفغانستان.
سيان هربت إدارة بوش إلى الأمام أم هربت إلى الوراء، فإنها تمضي آخر أيامها في المراهنة على لا شيء إلاَّ على الأحلام والأوهام، والتسريع في سرقة نهب ثروات العراق، وتوقيع اتفاقيات غير قانونية، والتسريع في هدم وتخريب ما تبقى للشعب العراقي من معالم الوحدة الوطنية، معالم كانت تدل على أن هناك حضارة كانت تلف هذا البلد في معظم زوايا النهضة والعمران.
وفي محاولة الإنقاذ الأخيرة أشرفت رايس على توليد مؤتمرين في هذا الشهر:
-الأول: عقدته دول الإقليمين العربي ودول جوار العراق في دمشق وغايته أمنية، تبغي إدارة بوش منه أن يساعدها على ضبط الحدود الجغرافية مع العراق، متوهمة أن زخم المقاومة يهب من تلك الحدود.
-الثاني: عقدته في الكويت من أجل تشديد الأوامر على النظام العربي الرسمي الخانع من أجل إعادة فتح سفارات في بغداد أولاً. وتأليب أنظمة دول الخليج ودويلاته ضد ما تصوره خطراً إيرانياً على اعتبار أن أسباب الأتون الأمني المشتعل في العراق تعود إلى دور إيراني ناشط، متناسية أنها نسقَّت مع طهران في احتلال العراق.
في ظل سلاسل الهروب تتوهم كوندوليزا رايس، رسول جورج بوش إلى الأنظمة العربية الرسمية، والسيف المسلط على رقابهم، على أن حضَّهم على إعادة فتح سفاراتهم في بغداد يشكل الحبل الذي «سينقذ الزير جورج بوش من بئر العراق العميق».
ومتوهمة أيضاً أن تأثير فتح تلك السفارات سيوازن تأثير الوجود الإيراني في العراق، متناسية أن النظام العربي الرسمي عاجز حتى عن أن يحمي نفسه، فكيف يمكنه أن يحمي وجود أكبر جيش يحتل العراق، جيش بدوره عاجز عن توفير الأمن لنفسه.
تناست إدارة جورج بوش أن احتلال العراق لم يكن ليتم بمعزل عن تواطؤ عربي رسمي، وإيراني رسمي. كما تناست أن مشروعها آل إلى الفشل على الرغم من المساعدات التي قدَّّمها بعض الأنظمة العربية الرسمية والنظام الإيراني للإدارة بعد الاحتلال. وتناست أن تلك المساعدات قبل الاحتلال وبعده لم تستطع إيقاف المقاومة العراقية ولا التخفيف من زخمها. ولا عجب في ذلك، فالصدمة التي روَّعت فيها المقاومة العراقية إدارة بوش وكبحت سرعة اجتياحها قد عطَّلت كل حسابات الكومبيوتر والتكنولوجيا المتقدمة.
ولن يكون ردنا على الآليات التي تستخدمها الإدارة في محاولة إنقاذ نفسها من سقوط مروِّع في الانتخابات الأميركية القادمة، إلاَّ أن دخولها إلى معالجة مآزقها في العراق من بوابة إعادة السفارات العربية إلى بغداد، أو من بوابة إلقاء تبعات الفشل على التدخل الإيراني، ليس إلاَّ مدعاة للسخرية من حسابات لا علاقة لها بالمنطق وعلم الرياضيات.
قرَّر مؤتمر الكويت أن يقوم بعض الرسميين العرب بافتتاح سفاراتهم في بغداد خاصة وأن وزير خارجية الحكومة العميلة العراقية قدَّم الضمانات لحمايتها بتوفير الملاذ الآمن في سجن «المنطقة الخضراء». والمضحك في الأمر أن هذا السجن ليس بمنأى عن صواريخ المقاومة وقوة اختراقها الأمني، وإنه بالكاد يستطيع هذا الوزير أن يحمي نفسه، ويحمي أسياده.
يعرف جورج بوش كل تلك الحقائق، لأنها ساطعة كالشمس، ولكنه يريد أن يحجبها بغربال من خيوط العنكبوت، فهو بحاجة مع إدارته وحزبه لفسحة من الوقت الضائع يستغلها حتى الانتخابات الأميركية القادمة.
أما واقع الأمر فهو أن تلك المؤتمرات وما تتمخض عنه من قرارات. والعلاجات التي تخرج بها. والاتهامات التي تروِّج لها إدارة جورج بوش ضد إيران. فبعيد كل البعد عن الحقيقة. لقد غامرت الإدارة في احتلال العراق، ولم تكن لتنجح في مراحله الأولى، ولم تكن لتبقى فيه طوال خمس سنوات، لولا المساعدة التي قدمها له بعض النظام العربي الرسمي زائداً مساعدات النظام الإيراني وتسهيلاته. والغريب في الأمر هنا أنه يلقى بالملامة عليهما معاً. وتلك أهم مظاهر هروب إدارة جورج بوش إلى الأمام. فعلى ماذا تدل كل تلك المتغيرات؟
نحن نرى هنا، أن الخلاف الدائر بين إدارة بوش، وإدارة النظام الإيراني، شبيه باختلاف قادة القراصنة على توزيع حمولة السفينة التي غنموها، وينطبق الأمر أيضاً على البحارة. كما نرى من الصعوبة بمكان أن يتفقا على ذلك، خاصة وأنهما يريدان الاحتفاظ بالغنائم والسفينة معاً، وبالأخص أن غنائم السفينة كثيرة جداً تسيل لها لعاب دول العالم الطامعة بقطعة منها.
إنه قبل ستة أشهر من الانتخابات الأميركية، لا يزال قادة القراصنة وبحارتهم يتبارون ويتقاتلون، ويعمل كل منهم على إبراز أوراق قوته، وقد انخرطوا في ورشة تصفيات داخلية، بحيث يعمل كل منهم على اجتثاث الآخر.
وما «جولة فرسان» نوري المالكي، أحد البحارة القراصنة، في البصرة وبغداد والناصرية وكربلاء، إلاَّ مظهر من مظاهر اقتتال البحارة المستأجرين.
وما جولة ديك تشيني وكوندوليزا رايس، متوَّجة بمؤتمر هنا أو هناك، بالتحريض ضد الشريك الإيراني، إلاَّ مظهر من مظاهر اقتتال قادة القراصنة.
ولن يحصل أي من المتقاتلين على ما يريد، كما أن الاتفاق بينهم ممنوع، وسيستمر الاقتتال إلى المرحلة التي يعتبرونها حاسمة بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية. ففيها تراهن إدارة جورج بوش على التجديد لها بشخص جون ماكين ليتم التجديد لمشروعها في العراق، ويراهن النظام الإيراني على وصول الديموقراطيين إلى رئاسة الولايات المتحدة الأميركية طمعاً بنصب طاولة حوار معه.
لقد تناسى المؤتمرون، أنه ليس بمؤتمراتهم يجد العراق حلاً لمشكلته، ومن أهم ما تناسوه أن إدارة الصراع ليست بأيديهم، كما أن النتائج لن يحددوها بأنفسهم، فمشكلة العراق هي الاحتلال، ولن يدوم احتلال العراق بوجود مقاومة أثبتت استمراريتها، مقاومة تعتبر أن كل من تواطأ من أميركيين ودول أجنبية أخرى، ومن أنظمة عربية رسمية، ونظام إقليمي إيراني، وأدوات محلية ترتبط بتلك القوى، يتساوون في ارتكاب جريمة الاحتلال. وكأني بالمقاومة تقول: تآمروا وأتمروا أينما شئتم وكيفما شئتم، وفصلوا ثوب العراق على مقاييس الاحتلال، لكن طائر قرار الحسم سيحط على شجرة المقاومة.
لقد حدد المنهاج الاستراتيجي للمقاومة في أيلول من العام 2003، أن المقاومة تتوجه بفعلها القتالي ضد قوات الاحتلال وضد المتعاملين والعملاء أفراداً وأحزاباً وهيئات وتعطيل الأدوار المحتملة لأنظمة عربية متآمرة، وحرق أصابع تلك الأنظمة في تعاملها المخطط والمحتمل مع الشأن العراقي، وتأزيم الإقليم ومفرداته ومنع تحقيق مصالح الآخرين المجاورين على حساب العراق ووحدته الوطنية، وتعظيم تكلفة مساندتهم للعدوان وتعاملهم مع إفرازاته الداخلية في العراق المستهدفة تفتيت الوحدة الوطنية العراقية على حساب مصالح عرقية ومذهبية وجهوية وفئوية مرتهنة للاحتلال ومرتبطة بوجوده.
واستناداً إلى واقع مآزق الاحتلال والمتآمرين معه، واستناداً إلى ثوابت المقاومة، نرى:
-إذا كنا ننتظر متغيرات ستحصل في الإدارة الأميركية، تحديداً بنجاح الديموقراطيين في الوصول إلى الرئاسة، فإنما المتغير الأساسي هو أن يبادر الرئيس الجديد للوفاء بتعهداته تجاه الشارع الأميركي الذي انتخبه، وهذا التعهد واضح لا لبس فيه، ردَّدته التظاهرات المليونية الأميركية قائلة: أخرجوا من العراق.
فلا حوار مع إيران حول العراق، ولا غير إيران، يجدي نفعاً. وإنما التفاوض مع المقاومة العراقية على شروطها المعلنة، هو الكفيل بذلك. لأن إيران طالما تريد استبدال احتلال باحتلال، فهي تتناسى أنه لن يُسمح لها بموطأ قدم على أرض العراق، ولا بسلطة على أي مجموعة من الشعب العراقي.
-وإذا كانت الغاية من دعوة الأنظمة العربية لفتح سفاراتها في بغداد، حماية الاحتلال وحكومته العميلة، وحماية ما يزعمه عملية سياسية، ومصالحة وطنية، فالدعوة وتلبية الدعوة مرفوضتان من قبل المقاومة. وإنما نحسب أن الدور العربي ليس مطلوباً فحسب، وإنما هو واجب أيضاً، ولكن على قواعد حماية الأمن القومي العربي، والعراق المحرر من كل أنواع الاحتلال، والموحَّد بأرضه وشعبه جزء أساسي من هذا الأمن.
-ولأن المقاومة العراقية تعتبر أن تناقضها الرئيسي أولاً وأخيراً مع الاستعمار والصهيونية، فهي تعتبر أيضاً كل من يساعدهما، ويستمر في هذه المساعدة، سيصبح بمثابة التناقض الرئيسي إلى أن يفيء إلى أمره. وهذا ما ينطبق على الأنظمة العربية الرسمية والنظام الإيراني على حد سواء. فهل سيفيء هؤلاء وينتقلوا من ضفة التعاون مع العدو الرئيسي إلى ضفة الدفاع عن أمن الوطن العربي والإقليم المجاور له؟
وهل ستتم المراجعة قبل فوات الأوان؟
-ولأن المقاومة العراقية تعتبر أن كل قوة عراقية، أفراداً ومجموعات وقوى وأحزاب، تقع في دائرة التناقض الرئيسي طالما تقوم بمساعدة الاحتلال، وستتعرض لنيران المقاومة إلى أن تفيء إلى أمرها. فهل بعض القوى، وفي المقدمة منها التيار الصدري، سيفيء إلى أمره ويحسم قراره ويوظف طاقاته في حرب مفتوحة ضد الاحتلال؟ وأن يخرج نهائياً من المراهنة على أي عملية سياسية تحت خيمته؟
ليس هناك عند تلك القوى ما تخسره إذا حسمت أمرها إلى جانب المقاومة، بل هناك الكثير مما تكسبه في عراق محرر موحد، خاصة إذا نظَّفت صفوفها من كل الطائفيين والمجرمين وأصحاب السوابق ومن المرتبطين مع المشروعين الأميركي والإيراني.
فهل ستحمل المرحلة الباقية من عمر الاحتلال وعملائه قراراً واضحاً وصريحاً بانحياز هذا التيار إلى المقاومة؟
فإذا كانت المقاومة العراقية قد أعدَّت نفسها لاحتمال كثرة المتآمرين عليها، وحجب المساعدات عنها، واحتمال حصارها، كما هو حاصل الآن، فهي تنذر ضمناً وجهاراً كل الذين اندمجوا في مشروع العدو الرئيسي بالخروج من مواقعهم، سواءٌ أكانت مُصمَّمة عن سابق تصور لأوهام أو أطماع، أم كانت عن سذاجة ومراهنات وهمية، أم كانت عن خوف لحاجة أمنية أم معيشية، وإذا التبست على مداركهم النتائج النهائية، فعليهم أن يتبصروا للحظة، وأن يسألوا الشارع الأميركي عن مصير الاحتلال الأميركي ليجدوا الخبر اليقين.
8-الدفاع عن سميرة رجب دفاع عن مواقع الفكر القومي
27/ 4/ 2008
لم تفاجئنا حملة التشهير بسميرة رجب، الكاتبة البحرينية، ولن يفاجئنا الأمر إذا ما نالت الحملة كاتباً آخر يلتقي معها بالفكر القومي، ولا نعتبر أنها فريدة من نوعها، كما أنها ليست الأولى ولن تكون الأخيرة،
فالحملة ابتدأت منذ أن وجد القطريون والطائفيون وأصحاب المشاريع الإمبراطورية أنفسهم محاطين بفكر قومي يعمل على تقويض أحلامهم ومشاريعهم، فلجأوا إلى ممارسة العدوانية على كل فكر قومي، أو شعور قومي، أو حتى على كلمة تُقال في أهمية وحدة أمتنا القومية.
من المؤسف أن تكون بعض التيارات الطائفية العربية، من المشاركين في جوقة سايكس بيكو، بطبعتيها الإمبريالية والصهيونية القديمة والجديدة، حصان طروادة أمام سيطرة النزعات الإمبراطورية التي لن تعيش إلاَّ باليسطرة على الوطن العربي بأكمله. تلك التيارات التي ترى في الوحدة القومية خطراً على نزعات دعواتها الإمبراطورية في تصدير المذهبية إلى ثقافة المجتمع العربي، تلك المذهبية التي تزيد في التفتيت والشرذمة. فهي لا تتعب ليل نهار في إطفاء أي نسمة تهب حاملة الشعور القومي. وإننا لا نعجب من ذلك، فمصالح تلك المشاريع ستظل في خطر طالما هناك دعوة لوحدة عربية.
لقد أصبحت سميرة رجب تحت نيران أصحاب النزعات المنفلتة عن الحدود الوطنية، ولا تجد نفسها من رعاياها، وانبهرت بتلك الدعوات التي تستبيح حدود الأوطان، وراحت تلتجئ إلى حدود الطوائف والمذاهب، فضاعت عندها بوصلة الانتماء إلى وطن.
إن التأكيد على السيادة القومية، ومنع استباحتها، كانت من أولى مهمات سميرة رجب، بينما الذين يشنون الحملة العدائية ضدها، لا تعني لهم السيادة شيئاً. وتلك هي المواقع التي حدد كل من الطرفين انتماءه لها، ولن تنتهي طالما أن التناقض بين الانتماء إلى أمة ونكران هذا الانتماء موجوداً.
وطالما أن سميرة تتعرض لأمثال تلك الحملة، فهي ليست الأولى ولن تكون الأخيرة، لأن حملات أخرى طالت وستطال كل من يعلن الانتماء إلى الأمة العربية. وكل من يدافع عن سميرة رجب فكأنه يدافع عن نفسه، وكلما كُشف الغطاء عن أصحاب الحملة المعادية يعني كشفاً للمعادين للأمة العربية. وأمثال هؤلاء العدائيين لا مكان لهم في صفوف الدفاع عن سيادة أمتهم وكرامتها، وهم ليسوا بعيدين عن إعلان العداء لأوطانهم إذا ما وُضعوا أمام امتحان الخيار بينها وبين دعاة أممية المذاهب الدينية.
فإلى سميرة رجب، وإلى كل القابضين على جمر الدفاع عن سيادة أمتهم العربية، لا تحزنوا ولا تيأسوا من كثرة الناعقين على فكركم، فالقومية هي مستقبل العالم كله،
يقف في هذه المرحلة مشروعان يشهران العداء لكل من هو قومي. وهما المشروع الإمبراطوري الأميركي المتهود، والمشروع الإمبراطوري الفارسي الذي يتلطى تحت خيمة الدين والمذهب.
مشروعان ينهشان بلحم الأمة ويشربان من دمها. مشروعان اتفقا على تفتيت الأمة إلى طوائف تتناحر، وأعراق تتذابح. وهالهما أن يجدا من يقف في خندق الدفاع عنها. مشروعان اتفقا على احتلال العراق، كما أنهما يساومان الآن على فدرلته. وما يجري في العراق هو الصورة التي ستؤول إليها حال كل أقطارها. مشروعان لا يرفضان الاعتراف بأي مظهر مقاوم على أرضه فحسب، بل يعملان معاً على اجتثاث كل مقاوم على أرضه أيضاً، خاصة وأن الذين يقاومون على أرض العراق يحدوهم الدفاع عن السيادة الوطنية، بينما عملاء كل من المشروعين غطسوا بخيانة أوطانهم حتى العظم عندما تآمروا مع كل الطامعين بها والرافضين لسيادتها.
كفاك فخراً يا امرأة لا ترتقي قامة كثير من الرجال إلى شموخها.
كفاك فخراً يا مقاوماً طلقاته تنير سماء المخلصين الصادقين، وتخيف خفافيش الظلام التي تعشى أبصارها من نور الحقيقة التي تدافعين عنها.
كفاك فخراً أن رمشاً من عيونك لم يهتز أمام عدائية دعاة التفرقة الطائفية.
كفاك فخراً أنك تدعين لمساندة المقاومين ضد كل المشاريع المعادية لأمتنا العربية.
وكفاك فخراً أنك تصوبين الهدف ضد من خانوا وطنهم، إما لجهل أو لتعصب أعمى، أو لعمالة مدفوعة الأجر. وكفاك فخراً أن مذمتك تأتي من ناقص إيمان ودين، سواءٌ أكان معتلاً بداء الخيانة أم كان مؤيداً للخونة.
وكفى الذين يعملون على التشهير بك ذلاً أنهم يقفون إلى جانب من استباح سيادة العراق كخطوة أولى لاستباحة سيادة كل قطر عربي.
وكفاهم ذلاً أنهم يدافعون عن الخيانة والخائنين.
وانتظاراً لجولة أخرى، وإلى تشهير آخر، فسيبقى أمثال سميرة رجب بوصلة تعمل على التصويب نحو الحقيقة، وهل هناك أحب إلى الله من يصوب نحوها؟
9-في عبثية المسرح السياسي في لبنان
تضيع مسؤولية الحاكم تجاه الشعب
من أولى الأسس الديموقراطية أن يكون مفهوم العلاقة بين الحاكم والمحكوم عقداً اجتماعياً ملزماً يتنازل فيها المحكوم إلى ممثله في هيئات الدولة السياسية عن صوته لقاء أن يقوم النائب الحاكم بالدفاع عن حقوق المحكوم، وحمايتها، وضمان الحصول عليها.
وكأن الطبقة السياسية في لبنان فريدة من نوعها، في وعيها وفي حملها أعباء المسؤوليات، لها مفاهيم للديموقراطية غريبة عما هو معروف، وشاذ عما هو سائد في ديموقراطيات العالم. بحيث تحوَّل المحكوم إلى ضامن لحقوق الحاكم ومدافع عنه ويشكل له حماية وحصانة.
في الديموقراطيات الراقية لا تسقط في صناديق الاقتراع ورقة باختيار حاكم مرتين إذا ما انقلب الحاكم على مضمون العقد الاجتماعي الذي ينظم العلاقة بينه وبين حاكمه. أما في لبنان فإنها تسقط طوال العمر من دون أن يعرف المحكوم السبب ولا يستطيع تعليله.
إنها مصلحة الطائفة، هي العبارة التي ترددها حناجر المحكومين، ومصلحة الطائفة لا تحميها إلاَّ نخب توارثت وظيفتها أجيال النخب الطائفية عن أجيال. وإذا شغر موقع من مواقع حراس الطائفة لسبب أو لآخر، فلن تغمض عيون المحكومين قبل أن تتوِّج آخر ليملأ الفراغ.
تلك معضلة سكنت الوجدان الشعبي في لبنان، وتساوت الطوائف في اكتساب هذه النزعة، فتحوَّل العقد الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم إلى عقد بين حارس مزعوم للطائفة وأبناء الطائفة التي يزعم أنه حارس لها، يكتفي فيه الأبناء بحماية حارسهم وتتويجه مدى الحياة.
لا تعرف الحركة السياسية في لبنان غير تلك المعادلة، وكل خروج عنها، هو شذوذ مدان ومستهان.
ترافق مع هذه الأعراف الشاذة في لبنان، عرف آخر أكثر شذوذاً كان في ابتكار التفتيش عن حماية خارجية للطوائف عبر حماية حراس الطوائف، وتساوت الطوائف في لبنان أيضاً في اعتناق هذا العرف ومارسته، وبه تحول لبنان إلى ساحة لصراع الآخرين وتصفية حساباتهم، صراع لم ينته منذ قرن ونصف القرن، ولا يزال مرشحاً للتفاعل والتعقيد في هذه المرحلة خاصة وأنها الأكثر تعقيداً في تاريخ البشرية مجتمعة، كما في تاريخ المنطقة، وتاريخ الوطن العربي، فتفاعلت تأثيراتها ولفَّت لبنان من أقصاه إلى أقصاه.
لذلك نعتبر أنه إذا عُرف السبب بطل العجب، وتعقيد الأزمة في لبنان ليس أسبابه تداخل العوامل الخارجية فيه، وإنما العوامل الداخلية هي التي تتحمل المسؤولية بشكل أساسي، يتحملها الحاكم والمحكوم على حد سواء.
ولأن عوامل استقواء الطوائف آتية من الخارج، ولأن حراس الطوائف هم الذين استقدموها، ولأن أبناء الطوائف تنازلوا عن الحق بالقرار لحراسهم المزعومين، تتضِّح حقيقة لا لبس فيها هو أن فريضة الثقافة الصحيحة غائبة، الأمر الذي لا يجوز أن يستمر إلى الأبد، خاصة وأن عمر الثقافة الشاذة بلغ القرن ونصف القرن، وقد يمر قرن آخر من دون أن يعرف لبنان حلاوة الاستقرار والأمن والسلم الأهلي.
يعيش لبنان مرحلة دائرة مفرغة، فهل يمكن اختراق هذه الدائرة؟
من يتحمل المسؤولية: الخارج، أم حراس الطوائف، أم أبناء الطوائف؟
وحتى لا نضيِّع الحقيقة مرة أخرى، ونأسر أنفسنا بتحديد جنس المسؤولية، بينما العدو يغزونا ويستبيح أرضنا وسيادتنا وكرامتنا، لا بدَّ من أن نبدأ الخطوة الصحيحة. والخطوة الصحيحة تبدأ في العمل الجاد من أجل إحداث متغيرات في الثقافة الشعبية، بالحفر فيها من دون رحمة، وبتواصل واستمرار، وكد وجد، ورفع شعار: إن الحارس الحقيقي هو من يكون حارساً للوطن وليس حارساً للطائفة، وإن الاستقواء لن يكون من الخارج، بل الاستقواء الثابت الجذور هو المبني على لحمة كل أبناء الطوائف في نسيج وطني خالص.
فلنخترق الدائرة المفرغة في الداخل، فمن دون اختراقها ستبقى حدودنا سائبة أمام كل طامع. فلنخترق الدائرة المفرغة، فالخارج ليس أرحم منا بأنفسنا.
المشهد السياسي في لبنان
لا تزال المسألة اللبنانية تراوح مكانها، فهي أشبه بطبخة الحصى، إذا لم نقل أنها طبخة صوان، بالكاد تسري الحرارة فيها، لأن سخونة السياسيين اللبنانيين عاجزة عن إنتاج ما يكفي منها، فحرارتهم مستوردة يتم تصديرها من الخارج بالقدر الذي يجعلها تواكب مصالح أطرافه.
ليس ما نقوله من قبيل الاستنتاج، ولا من قبيل التجني، فقد اعترف الأفرقاء المتصارعون بذلك، وافترقوا حول تعريف جنس التدخل الخارجي ونوعه وكميته، وأيهما الأصلح وأيهما الأخطر، وتبادلوا الاتهامات والانتماءات، وركبوا موجات الفضائيات، ومتون الطائرات، وقدم إلى لبنان قناصل الدول من هب ودب، ليبدي كل منهم حرصه الكاذب على لبنان، وغيرته على مصير الديموقراطية فيه، وتباروا مديحاً بمقدرة السياسيين فيه على اتخاذ القرار، وأعلنوا أن القرار يُصاغ في لبنان وليس في غيره، وعلى أيدي اللبنانيين وليس غيرهم. ولكنهم على من يقرأون مزاميرهم!؟
لقد حفلت المرحلة الأخيرة بسلسلة من التحركات والتصريحات والمؤتمرات والرحلات والمهرجانات واقتراحات الحلول، حتى بات اللبناني عاجزاً عن مواكبتها جميعها، وتحليل أهدافها ومراميها.
إلاَّ أن تلك الحركة لم تأت على لبنان واللبنانيين بأية بركة، وبلغ تعداد تأجيل الانتخابات الرئاسية التسعة عشر تأجيلاً، والحبل على الجرار. سبقته محاولات ومداولات واجتماعات استحضر فيها كل طرف كل أنواع الاجتهادات الدستورية وغير الدستورية، والقانونية منها وغير القانونية، المعروف منها والمجهول، المستغرب منها والأكثر استغراباً.
انتظر اللبنانيون الترياق من جولة عمرو موسى
كان اللبنانيون قد استقبلوا عمرو موسى بتفاؤل وأمل في أن يأتي بالمعجزة، حاور فيها جميع الأطراف لعلَّه يجد فيها ما يجمع، فخرج والأزمة ازدادت تعقيداً. وساح بين هذا البلد العربي وذاك، وكما أعلن أنه قد يجد الحل المطلوب في مواقع القرار الفعلي، ولكنه تاه بين أسباب هذا البلد أو ذلك، إذ راح كل منها يلقي باللوم على الآخر. وتباروا حول أي منهم أكثر تأثيراً في تسهيل الحل، فاعترفوا من دون أن يدروا بتأثير المحاور العربية وعمقه في الأزمة اللبنانية.
وانتظروه من زيارات الأفرقاء اللبنانيين المكوكية
كما جال أكثر من سياسي لبناني هنا وهناك، وكانت مسارات الجولات تسلك طرقات أميركا وإيران وأوروبا، فلم يأت أي منهم بالجواب الشافي، ولم يعودوا إلاَّ بما يؤكد حقيقة تأثير الخارج على الداخل. فلا زيارة جعجع إلى أميركا، ولا زيارة سعد الحريري إلى السعودية، ولا زيارة نبيه بري إلى الشرق والغرب، ولا مكوكية جولة السنيورة في أنحاء المعمورة، قد أتت بما يطمئن بأن سياسيي لبنان قادرون على صياغة حل، ولا بما يطمئن بأن تأثيرات الخارج قد وجدت هذا الحل، أو أقله تلميحاً يعيد الاطمئنان إلى نفوس الخائفين من الشعب اللبناني.
رئيس مجلس النواب يعود بالأزمة إلى نقطة الصفر
إن ما يجري في لبنان، خاصة بعد دعوة رئيس مجلس النواب اللبناني إلى حوار بين الأفرقاء اللبنانيين، لن تكون أكثر من معلم يؤكد أنه أعاد الأمور إلى نقطة الصفر. أما السبب فهو أنه ليس بحوارهم ما يجعل الحل أقرب، فقد جربوه وفشلوا، وسيجربونه وسيفشلون. فأسباب النجاح ليست معلقة بنواصي خيول "حراس الطوائف"، وإنما بنواصي خيول المستفيدين من خدماتهم. وإذا ما نجحت المبادرة القديمة الجديدة، فستعني أن الدخان الأبيض قد تصاعد من مداخن الخارج لإدارة الأزمة على نار هادئة. فهل لهذا الاحتمال نصيب من الصحة؟
ولم تأت القمة العربية بما يبشر بالأمل
ولما حان دور القمة العربية، كمحطة كان لا بدَّ من المراهنة على أنها ستنتج بداية حل في لبنان، أكَّدت الصراعات التي دارت حول إمكانية انعقادها من عدمه، وحول إمكانية نجاحها إذا انعقدت من فشلها، أن الأنظمة العربية ليست بوارد لملمة خلافاتها، أما السبب فشبيه بالسبب الذي يحول دون وصول اللبنانيين إلى حل لبناني – لبناني. وهو أن القرار العربي، كما القرار اللبناني، ممسوك بإرادة الخارج، ومُدار من قبله ومسيطَر عليه.
فتاه المؤتمرون في القمة واختلفوا في تقييم نتائجها. وهو لا علاقة له بما يعني اللبنانيين والعرب، إذ ليس الهدف مقصود في انعقاد مؤتمر هنا أو هناك، وتلك المؤتمرات ستكون من دون نتائج إلاَّ بالمقدار الذي تتوصل فيه إلى نتائج إيجابية تصب في مصلحة القضايا العربية الأكثر سخونة إلى أقلها سخونة.
من كثرة المتحركين، وكثرة الحركة، لم يستطع عقلنا أن يستوعب من نتائجهما إلاَّ أنها أكَّدت على حالة الافتراق العميق الذي يسيطر على علاقات الأنظمة الرسمية واستقالتها عن مهام تعريب الأزمات العربية، كما أكَّدت على الافتراق العميق الذي يسيطر على علاقات الأفرقاء السياسيين في لبنان، واستقالتهم عن مهام لبننة أزمتهم.
وهل الحل يأتي من الخارج ومتى؟
ولكثرة التناقضات التي تسود علاقات الأفرقاء الدوليين والإقليمين لتباين مصالحهم وتضاربها، وصعوبة التوفيق بين مصالحها وأهدافها، لم يبزغ ضوء خافت في آخر النفق يشير إلى أن هناك بداية لحلول تعيد الأمن النفسي للبنانيين، وتطمئنهم إلى أنهم سيهنأون بشراء لقمة عيش تتناسب مع مداخيلهم.
ليست صراعات الخارج ومحاولتهم نصب طاولات تسوية توفق بين مصالحهم وأهدافهم، سائرة باتجاه حل ما، وهم غير مستعجلين، ولم ينفد صبر أحدهم، فالمعركة دائرة على غير أرضهم وبعيداً عن أذى شعوبهم، فهم يمرون بمرحلة حروب بالواسطة. والأمر كذلك فليس هناك ما يضيرهم بأن يدفع لبنان من دمه وحياته والحرب النفسية التي أرهقت كاهل أبنائه. وهم لم ينفد صبرهم طالما أن السياسيين العرب والسياسيين اللبنانيين يقاتلون بآخر عربي أو آخر لبناني كسباً لرضا الخارج ومساعداته وأعطياته.
برزت في الشهر الماضي على سطح الأزمات العربية وعود وكأنها تبشر بالخير والفرج القريب، كمثل وعد جورج بوش بأن الدولة الفلسطينية ستشهد ولادة في عهده، متعهداً أنه لن يغادر البيت الأبيض إلاَّ بتحقيق حلم الفلسطينيين. وكمثل ما حمله أردوغان من وعود صهيونية بالانسحاب من الجولان، وعود لا تبدو أنها بعيدة عن تدبير إدارة جورج بوش، وألاعيبها. وراح يخال المرء، جراء تلك الوعود، وكأن المنطقة قادمة على حلول لقضايا استعصى حلها عشرات السنين. بينما واقع الأمر، أن عهد السحر قد ولَّى، وإنما الساحر الأميركي يستخرج من قبعته فنوناً تبرِّد من سخونة المسرح، ليوحي بأن أميركا لا تزال تمتلك أوراق التأثير، وأنها لا تزال قوية وقادرة، أما السبب الذي يكمن من وراء أكمة المبادرات والوعود، فلن يبتعد كثيراً عن كونها أدوات وإعلانات تخدم مصلحة الإدارة الأميركية في التجديد لنفسها في الانتخابات الرئاسية القادمة. وهو يعني إملاء مساحة الفراغ الفاصلة عن موسم الانتخابات القادم. وفيه ما نشتمُّ رائحة طريقة جديدة في إدارة الأزمات التي تواجه الإدارة الأميركية، فنقلها من المعالجة على نيران ساخنة إلى معالجتها على نار هادئة، خاصة وأن الرأي العام الأميركي قد اتهم رئيسه بالجنون والشغف بممارسة الحروب العبثية. فهل تلك الوعود إلاَّ استجابة مسرحية يمارسها جورج بوش أمام المتفرج الأميركي الناقم؟
الحل في لبنان جائزة ترضية للحل في العراق
ليس المشهد في لبنان فريداً من نوعه حتى الآن، بل هو أقل حدة بما لا يقاس بما هو حاصل في كل من العراق وفلسطين. وليست مقاصد الخارج وأهدافه في لبنان غير مقاصده وأهدافه في فلسطين والعراق. بل إن ما يجري فيهما يُعتبر في سلة واحدة وذات هوية واحدة.
ففي فلسطين، وعود خلَّبية وعرقوبية من أقل أهدافها إسكات أصوات فلسطينية وعربية عما يدور في غزة من حصار وتجويع وقتل واغتيال، بينما يلحس الساكتون المبرد.
وفي العراق، ميدان أمهات المصالح، تتلاقى جهود أكثر الطامعين به، وعلى مقاييس تقاسم المصالح فيه، سيكون لبنان وفلسطين جائزة ترضية يقدمها أحدهم للآخر.
المرحلة الحالية مساحة فارغة تنتظر نتائج المساومات الخارجية لتملأها
وعلى المتابعين للشأنين اللبناني والفلسطيني من أجل معرفة طبيعة الحلول القادمة إليهما، أن يعرفوا طبيعة الحلول في العراق. وعلى الذين يهتمون بمعرفة نتائج المساومات حول العراق عليهم أن يعرفوا ما هو مشروع المقاومة العراقية. وهذا المشروع بثوابته الاستراتيجية يؤكد أن كل ما يُعلن عن عقد مؤتمرات ونتائج تتمخض عنها لن تكون أكثر من مؤامرات يستهلك فيها الآخرون وقتاً ضائعاً. خاصة وأن النظام العربي الرسمي، كما السياسيون في لبنان المرتبطة مصالحهم بالخارج، أتقنوا فن الاستفادة من الوقت الضائع.
10-الاحتلال الأميركي وعملاؤه يجمعون على أن الانسحاب من العراق بات وشيكاً
(جولة فرسان) المالكي في البصرة، و(زئيره) في الموصل،
ديكور يساعد المخرج الأميركي على إعلان الهزيمة
لا بدَّ من أن نعود بالذاكرة إلى أن أكثر من مسؤول أميركي صرَّح مهدداً حكومة العمالة في العراق بأن أميركا لن تبقى فيه إلى الأبد، فعليها أن تتدبَّر أمرها لاستلام الأمن فيه. وكانت مضامين هذه التصريحات تمثل أحد المخارج للانسحاب الأميركي المشرِّف من العراق!!!
وبالعودة إلى الذاكرة أيضاً إلى تصريح للرئيس الأميركي، منذ شهر تقريباً، أجاب فيه على منتقديه بإعلان النصر قائلاً: وكيف يمكن لرئيس أن يخاطب جنوداً يموتون كل يوم؟
إن القرار الأميركي بالخروج من العراق قد أخذ طريقه الفعلي، بعد مرور أشهر قليلة على احتلاله، حيث راحت الإدارة الأميركية تفتش عن طريقة مشرِّفة للخروج. فكانت المرحلة الفاصلة، منذ ذلك التاريخ حتى الآن، تمثل ما وصفه الشارع الأميركي بالغباء الذي يدفع رئيسهم إلى مقامرة مجنونة بأرواح أبنائهم وموارد بلدهم.
ففي مرحلة الغباء والجنون كانت الإدارة تراهن على أنه يمكنها أن تجرِّب كل وسائل الضغط والإرهاب لعلَّها تنقذ حلمها المتهاوي من السقوط. فكان قرارها بالخروج واقعياً، أما تجاربها فكانت تتميز بدرجة من الجنون الذي يُصاب فيه اليائس الذي ينتظر الموت في أية لحظة.
وإذا كانت مقدمات قرار الخروج المشرِّف!! وأسبابه أصبحت أكثر من واضحة، وضوح قرار المقاومة العراقية بالقتال حتى خروج آخر جندي، أو عميل، او متواطئ، أو مساند، أو محتال، فإن القرار بتجربة آخر السهام، أصبح فاشلاً أيضاً. أما مقدماته وأسبابه فهي أصبحت على غاية من الوضوح أيضاً، ويأتي في مقدمتها قرار استمرار المقاومة وتضحياتها من جهة، وقرار الشعب العراقي الذي لم يبق لديه ما يخسره إلاَّ الكرامة من جهة أخرى.

الإدارة الأميركية تتجرَّع كأس الهزيمة قطرة قطرة
تتابعت فصول قرار الخروج النهائي للاحتلال، وكانت أكثرها وضوحاً ما جاء في جلسات الاستماع التي قام بها الكونغرس الأميركي لوزير حربه، روبرت غيتس، والجنرال ديفيد بترايوس قائد القوات الامريكية في العراق، وكانت شهادتهما قاطعة في وضوحها.
وإن كان قرار الانسحاب المشرف قد بانت معالمه من تصريحاتهما، إلاَّ أنه من المنطقي أن نتوقَّع وجود خديعة ما تمارسها إدارة جورج بوش وأزلامها، وهي التي عوَّدت الشعب الأميركي على أفضل وسائل الخداع والكذب. والخديعة قد تكون فخاً للمقاومة ومناضليها الأشاوس بالاسترخاء والتطمين الذي قد يدفعها إلى التخفيف من عملياتها. إلاَّ أن هذا الأمر قد احتاطت المقاومة له عندما أعلنت منذ بداية انطلاقتها أنها لن تدع بندقيتها تصمت، حتى ولو كانت على طاولة المفاوضات مع المحتل، بل ستلاحق جنوده وقواعده العسكرية طالما ظلت تحتل شبراً واحداً من أرض العراق.

أولاً: تجارب الاحتلال المجنونة لإحباط جهد المقاومة وتيئيس الشعب العراقي:
كما كانت فاتحة العام 2007، باستقدام عشرات الآلاف من الجنود الأميركيين إلى العراق، لعلَّ الإدارة تستطيع اختراق الدائرة الجهنمية التي تعيش فيها مئات الآلاف من الجنود الموجودين في العراق، قد تآكلت وفشلت، وأعيدت إلى بلادهم، سيكون مصير خطة (صولة الفرسان) التي بدأتها في البصرة، ومرَّت بمدينة الشعب في بغداد تحت ذريعة ملاحقة جيش المهدي، وصولاً إلى عملية (زئير الأسد) في الموصل.

ثانياً: توظيف التجارب المجنونة لخدمة إخراج القرار الأميركي في البدء بعملية الانسحاب:
أما الدليل على فشل آخر التجارب المجنونة في العام 2008، فهو لم يتأخر إعلانه من على منابر مجلس النواب الأميركي بلسان غيتس وباتريوس، ووجد أصداءه عند من يُسمى رئيس جمهورية العراق، جلال الطالباني.
نتذكر أن الشعب الأميركي، وأوساط الإدارة الأميركية كانت قد أعلنت أن مخرج إنهاء الاحتلال للعراق، يجب أن يمر عبر تحميل حكومة العمالة مسؤولية الإسراع في تأهيل قواتها العسكرية والأمنية لاستلام الأمن مكان قوات الاحتلال.
ولعلَّ ما حصل في البصرة بداية يوضح أن خطة إظهار مقدرة حكومة المالكي على استلام الأمن بدأت فصولها ضد المنافسين من الميليشيات على السرقة والتهريب، وصوَّر الإعلام وكأن الأمن استتبَّ فيها، الأمر الذي بررت حكومة العمالة انتقالها إلى بغداد، ومن بعد إعلان الاتفاق مع جيش المهدي في مدينة الشعب، أراد المالكي أن يُسمع زئيره لأهل الموصل.
نحن نتوقَّع أن تخفض تلك الحكومة من صوت زئيرها في الموصل، لأنها لن تستطيع حسم المعركة فيها، خاصة وأن ما روَّجت له الحكومة من اقتحامها كان من أجل توظيفه لخدمة قرار الإدارة الأميركية بإعلان بدء الخروج المشرِّف من خلال جلسات الاستماع لأكبر موظفين عسكريين يقودان عملية الاحتلال العسكري.
ثالثاً: الإعلان عن البدء بالانسحاب التدريجي المشرف:
بعد أن أسمع رئيس حكومته (زئيره) للكونغرس الأميركي، افتتح جلال الطالباني المسرحية، يوم الثلاثاء، في 20/ 5/ 2008، معتبراً أن القوات العراقية خطت خطوات كبيرة نحو الأمام، وتمكنت من تقوية قدراتها القتالية، وأنها بانتهاء العام الحالي ستسيطر على الأمن بشكل كامل في كل العراق.
وأطل الجنرال ديفيد بترايوس، قائد قوات الاحتلال الامريكي في العراق، يوم الخميس في 22/ 5/ 2008، فأعلن أنه يتوقع ان يوصي بمزيد من خفض القوات هذا العام بعد فترة توقف في سحبها لمدة 45 يوما تبدأ في منتصف يوليو تموز.
موحياً بأنه استند إلى شهادتيْ الطالباني، وبتريوس، أعلن وزير الحرب الأمريكي روبرت جيتس أن (المرحلة النهائية) لقوات الاحتلال الأمريكية في العراق أصبحت الآن على مرمى البصر. واعترف بشكل واضح وصريح أن التقدم الذي أعلنه نوري المالكي، ليس أكثر من تقدم ضعيف، وهو ما يُولِّد حالة من الإحباط عند الإدارة الأميركية. وهذا دفعه إلى تحذير إدارته من اتخاذ قرارات متعجلة غير مدروسة. وهذا ما يرتِّب عليها مسؤولية انسحاب تدريجي طويل.
رابعاً: تأهيل القوات العميلة واتفاق مع إيران بتقسيم المصالح في العراق.
في التصور الجديد لإدارة بوش، لا يعني أي تخفيض لحجم قوات الاحتلال الأمريكية في العراق تقليص مهام القوات الخاصة الكوماندوز التي يصل قوامها الآن إلى 55 ألف جندي في العراق ينتشر 80 بالمائة منهم في منطقة القيادة المركزية للعمليات. إلاَّ أن بقاء تلك القوات مرهون بتوفير عاملين:
1-تسليم تدريجي للمهام الأمنية لـ(لقوات العراقية) العميلة، ولكن على شرط أن تكون لديها الاستعدادات الكافية للقيام بهذه المهام، وقال إن هذا الأمر حدث في السابق وكانت عواقبه وخيمة.
2-المراهنة على دور إيراني يريح قوات الاحتلال، وتستند إلى نداءات جديدة وجهها بعض أعضاء مجلس الشيوخ للإدارة الأمريكية بإجراء محادثات دبلوماسية مع طهران. وهذا السبب دفع إدارة بوش لتأجيل إصدار تقرير يفصل التدخل الإيراني في العراق بسبب حساسية المرحلة الحالية على مستوى العلاقات بين طهران وواشنطن. وقرر نقل الملف إلى الحكومة العراقية لكي تمارس الضغط على طهران. معترفة أن هناك العديد من الأسباب وراء تأجيل إعلانه. وقد كشف زلماي خليل زاده عن أهم تلك العوامل مؤكداً أنه يمكن التفاهم مع إيران إذا حصلت على مصالح معقولة بالعراق، وقد بنى ثقته بذلك على أن إيران قد ساعدت الولايات المتحدة في غزو أفغانستان والعراق، وكان هناك تنسيق بين البلدين، ولم يحدث خلاف بينهما إلا على خلفية المشروع النووي الإيراني المثير للجدل.
واقترح أيضاً "باراك أوباما" أن معالجه الأزمة العراقية تتضمن إجراء محادثات مع إيران واللجوء إلى انسحاب مدروس، كما اتفق السفير الأمريكي:كروكر" مع اقتراح أوباما بأنه يجب أن يُسمح لإيران ببعض النفوذ في العراق.
خامساً: وهل يحيي الأموات مشروع ميت؟
أصبح من نافل القول إن تحالف الاحتلال الأميركي مع إيران مع عملائهما معاً عجزوا عن تحقيق ما يرمون إلى تحقيقه الآن. ولا شك بأنهم أصبحوا على قناعة بما آلت إليها مآزقهم، فهم يتسابقون الآن على سرقة ما يستطيعون سرقته من ثروات العراق تحت دخان صراعات داخلية يدفع العراقيون الأبرياء ثمناً لها من أرواحهم ودمائهم وأرزاقهم وأمنهم.
وهم يدركون تماماً أن كل ما بنوا آمالهم عليه قد تبخَّر، وأما السبب فهو أنهم عجزوا عن احتواء المقاومة مستخدمين شتى الوسائل في سبيل ذلك. الأمر الذي أثبت أن القرار أصبح بيد المقاومة من دون أي منازع، وليس بيد أحد آخر. فالمقاومة عندما انطلقت لم تستأذن أحداً بانطلاقتها، وهي الآن لن تستأذن أحداً كيف ومتى توقف عملياتها.
لم تطلب المقاومة مساعدة من أحد، وهي إن طلبت فلم يلب أحد نداءها أو يسمعه. وما حصَّلته من قوة وبأس كان إصرار مناضليها وصمودهم على تحرير أرضهم والثأر لكرامتهم. ويكفي رسالتها هذه لتشكل صرخة في وجه كل من يزعم أنه يمتلك حصة فيها أو تأثيراً في قرارها. وهي ماضية في طريقها ولن تسمع نداء أحد، أو تلتفت إلى تهديد أحد، وتطلب من جميع من لا يستجيب إلى دعمها فليكفها مؤونة آذاها.
كما تعتبر أن كل مشاريع التآمر والاحتواء ساقطة من برنامجها السياسي، وهي عندما قبرت مشاريع المتآمرين في أرض الرافدين، أصبحوا لديها أمواتاً وجثثاً لا يمكن إعادة الحياة إليها، وما عليهم إلاَّ أن يوفروا على أنفسهم عناء المقامرة والمراهنة على مشاريع أخرى ستكون كمثيلاتها التي ابتدأت بزخم قوي في العشرين من آذار من العام 2003، وهي تتلاشى وتتحول إلى أضغاث أحلام. فهل يستفيق الجميع ويصحون؟

11-المشهد السياسي في لبنان
لا تزال المسألة اللبنانية تراوح مكانها، فهي أشبه بطبخة الحصى، إذا لم نقل أنها طبخة صوان، بالكاد تسري الحرارة فيها، لأن سخونة السياسيين اللبنانيين عاجزة عن إنتاج ما يكفي منها، فحرارتهم مستوردة يتم تصديرها من الخارج بالقدر الذي يجعلها تواكب مصالح أطرافه.
ليس ما نقوله من قبيل الاستنتاج، ولا من قبيل التجني، فقد اعترف الأفرقاء المتصارعون بذلك، وافترقوا حول تعريف جنس التدخل الخارجي ونوعه وكميته، وأيهما الأصلح وأيهما الأخطر، وتبادلوا الاتهامات والانتماءات، وركبوا موجات الفضائيات، ومتون الطائرات، وقدم إلى لبنان قناصل الدول من هب ودب، ليبدي كل منهم حرصه الكاذب على لبنان، وغيرته على مصير الديموقراطية فيه، وتباروا مديحاً بمقدرة السياسيين فيه على اتخاذ القرار، وأعلنوا أن القرار يُصاغ في لبنان وليس في غيره، وعلى أيدي اللبنانيين وليس غيرهم. ولكنهم على من يقرأون مزاميرهم!؟
لقد حفلت المرحلة الأخيرة بسلسلة من التحركات والتصريحات والمؤتمرات والرحلات والمهرجانات واقتراحات الحلول، حتى بات اللبناني عاجزاً عن مواكبتها جميعها، وتحليل أهدافها ومراميها.
إلاَّ أن تلك الحركة لم تأت على لبنان واللبنانيين بأية بركة، وبلغ تعداد تأجيل الانتخابات الرئاسية التسعة عشر تأجيلاً، والحبل على الجرار. سبقته محاولات ومداولات واجتماعات استحضر فيها كل طرف كل أنواع الاجتهادات الدستورية وغير الدستورية، والقانونية منها وغير القانونية، المعروف منها والمجهول، المستغرب منها والأكثر استغراباً.

انتظر اللبنانيون الترياق من جولة عمرو موسى
كان اللبنانيون قد استقبلوا عمرو موسى بتفاؤل وأمل في أن يأتي بالمعجزة، حاور فيها جميع الأطراف لعلَّه يجد فيها ما يجمع، فخرج والأزمة ازدادت تعقيداً. وساح بين هذا البلد العربي وذاك، وكما أعلن أنه قد يجد الحل المطلوب في مواقع القرار الفعلي، ولكنه تاه بين أسباب هذا البلد أو ذلك، إذ راح كل منها يلقي باللوم على الآخر. وتباروا حول أي منهم أكثر تأثيراً في تسهيل الحل، فاعترفوا من دون أن يدروا بتأثير المحاور العربية وعمقه في الأزمة اللبنانية.
وانتظروه من زيارات الأفرقاء اللبنانيين المكوكية
كما جال أكثر من سياسي لبناني هنا وهناك، وكانت مسارات الجولات تسلك طرقات أميركا وإيران وأوروبا، فلم يأت أي منهم بالجواب الشافي، ولم يعودوا إلاَّ بما يؤكد حقيقة تأثير الخارج على الداخل. فلا زيارة جعجع إلى أميركا، ولا زيارة سعد الحريري إلى السعودية، ولا زيارة نبيه بري إلى الشرق والغرب، ولا مكوكية جولة السنيورة في أنحاء المعمورة، قد أتت بما يطمئن بأن سياسيي لبنان قادرون على صياغة حل، ولا بما يطمئن بأن تأثيرات الخارج قد وجدت هذا الحل، أو أقله تلميحاً يعيد الاطمئنان إلى نفوس الخائفين من الشعب اللبناني.
رئيس مجلس النواب يعود بالأزمة إلى نقطة الصفر
إن ما يجري في لبنان، خاصة بعد دعوة رئيس مجلس النواب اللبناني إلى حوار بين الأفرقاء اللبنانيين، لن تكون أكثر من معلم يؤكد أنه أعاد الأمور إلى نقطة الصفر. أما السبب فهو أنه ليس بحوارهم ما يجعل الحل أقرب، فقد جربوه وفشلوا، وسيجربونه وسيفشلون. فأسباب النجاح ليست معلقة بنواصي خيول "حراس الطوائف"، وإنما بنواصي خيول المستفيدين من خدماتهم. وإذا ما نجحت المبادرة القديمة الجديدة، فستعني أن الدخان الأبيض قد تصاعد من مداخن الخارج لإدارة الأزمة على نار هادئة. فهل لهذا الاحتمال نصيب من الصحة؟
ولم تأت القمة العربية بما يبشر بالأمل
ولما حان دور القمة العربية، كمحطة كان لا بدَّ من المراهنة على أنها ستنتج بداية حل في لبنان، أكَّدت الصراعات التي دارت حول إمكانية انعقادها من عدمه، وحول إمكانية نجاحها إذا انعقدت من فشلها، أن الأنظمة العربية ليست بوارد لملمة خلافاتها، أما السبب فشبيه بالسبب الذي يحول دون وصول اللبنانيين إلى حل لبناني – لبناني. وهو أن القرار العربي، كما القرار اللبناني، ممسوك بإرادة الخارج، ومُدار من قبله ومسيطَر عليه.
فتاه المؤتمرون في القمة واختلفوا في تقييم نتائجها. وهو لا علاقة له بما يعني اللبنانيين والعرب، إذ ليس الهدف مقصود في انعقاد مؤتمر هنا أو هناك، وتلك المؤتمرات ستكون من دون نتائج إلاَّ بالمقدار الذي تتوصل فيه إلى نتائج إيجابية تصب في مصلحة القضايا العربية الأكثر سخونة إلى أقلها سخونة.
من كثرة المتحركين، وكثرة الحركة، لم يستطع عقلنا أن يستوعب من نتائجهما إلاَّ أنها أكَّدت على حالة الافتراق العميق الذي يسيطر على علاقات الأنظمة الرسمية واستقالتها عن مهام تعريب الأزمات العربية، كما أكَّدت على الافتراق العميق الذي يسيطر على علاقات الأفرقاء السياسيين في لبنان، واستقالتهم عن مهام لبننة أزمتهم.
وهل الحل يأتي من الخارج ومتى؟
ولكثرة التناقضات التي تسود علاقات الأفرقاء الدوليين والإقليمين لتباين مصالحهم وتضاربها، وصعوبة التوفيق بين مصالحها وأهدافها، لم يبزغ ضوء خافت في آخر النفق يشير إلى أن هناك بداية لحلول تعيد الأمن النفسي للبنانيين، وتطمئنهم إلى أنهم سيهنأون بشراء لقمة عيش تتناسب مع مداخيلهم.
ليست صراعات الخارج ومحاولتهم نصب طاولات تسوية توفق بين مصالحهم وأهدافهم، سائرة باتجاه حل ما، وهم غير مستعجلين، ولم ينفد صبر أحدهم، فالمعركة دائرة على غير أرضهم وبعيداً عن أذى شعوبهم، فهم يمرون بمرحلة حروب بالواسطة. والأمر كذلك فليس هناك ما يضيرهم بأن يدفع لبنان من دمه وحياته والحرب النفسية التي أرهقت كاهل أبنائه. وهم لم ينفد صبرهم طالما أن السياسيين العرب والسياسيين اللبنانيين يقاتلون بآخر عربي أو آخر لبناني كسباً لرضا الخارج ومساعداته وأعطياته.
برزت في الشهر الماضي على سطح الأزمات العربية وعود وكأنها تبشر بالخير والفرج القريب، كمثل وعد جورج بوش بأن الدولة الفلسطينية ستشهد ولادة في عهده، متعهداً أنه لن يغادر البيت الأبيض إلاَّ بتحقيق حلم الفلسطينيين. وكمثل ما حمله أردوغان من وعود صهيونية بالانسحاب من الجولان، وعود لا تبدو أنها بعيدة عن تدبير إدارة جورج بوش، وألاعيبها. وراح يخال المرء، جراء تلك الوعود، وكأن المنطقة قادمة على حلول لقضايا استعصى حلها عشرات السنين. بينما واقع الأمر، أن عهد السحر قد ولَّى، وإنما الساحر الأميركي يستخرج من قبعته فنوناً تبرِّد من سخونة المسرح، ليوحي بأن أميركا لا تزال تمتلك أوراق التأثير، وأنها لا تزال قوية وقادرة، أما السبب الذي يكمن من وراء أكمة المبادرات والوعود، فلن يبتعد كثيراً عن كونها أدوات وإعلانات تخدم مصلحة الإدارة الأميركية في التجديد لنفسها في الانتخابات الرئاسية القادمة. وهو يعني إملاء مساحة الفراغ الفاصلة عن موسم الانتخابات القادم. وفيه ما نشتمُّ رائحة طريقة جديدة في إدارة الأزمات التي تواجه الإدارة الأميركية، فنقلها من المعالجة على نيران ساخنة إلى معالجتها على نار هادئة، خاصة وأن الرأي العام الأميركي قد اتهم رئيسه بالجنون والشغف بممارسة الحروب العبثية. فهل تلك الوعود إلاَّ استجابة مسرحية يمارسها جورج بوش أمام المتفرج الأميركي الناقم؟
الحل في لبنان جائزة ترضية للحل في العراق
ليس المشهد في لبنان فريداً من نوعه حتى الآن، بل هو أقل حدة بما لا يقاس بما هو حاصل في كل من العراق وفلسطين. وليست مقاصد الخارج وأهدافه في لبنان غير مقاصده وأهدافه في فلسطين والعراق. بل إن ما يجري فيهما يُعتبر في سلة واحدة وذات هوية واحدة.
ففي فلسطين، وعود خلَّبية وعرقوبية من أقل أهدافها إسكات أصوات فلسطينية وعربية عما يدور في غزة من حصار وتجويع وقتل واغتيال، بينما يلحس الساكتون المبرد.
وفي العراق، ميدان أمهات المصالح، تتلاقى جهود أكثر الطامعين به، وعلى مقاييس تقاسم المصالح فيه، سيكون لبنان وفلسطين جائزة ترضية يقدمها أحدهم للآخر.
المرحلة الحالية مساحة فارغة تنتظر نتائج المساومات الخارجية لتملأها
وعلى المتابعين للشأنين اللبناني والفلسطيني من أجل معرفة طبيعة الحلول القادمة إليهما، أن يعرفوا طبيعة الحلول في العراق. وعلى الذين يهتمون بمعرفة نتائج المساومات حول العراق عليهم أن يعرفوا ما هو مشروع المقاومة العراقية. وهذا المشروع بثوابته الاستراتيجية يؤكد أن كل ما يُعلن عن عقد مؤتمرات ونتائج تتمخض عنها لن تكون أكثر من مؤامرات يستهلك فيها الآخرون وقتاً ضائعاً. خاصة وأن النظام العربي الرسمي، كما السياسيون في لبنان المرتبطة مصالحهم بالخارج، أتقنوا فن الاستفادة من الوقت الضائع.
***

12-من لا يحسن الدفاع عن قضايا الأمة العربية لن يحسن الدفاع عن إيران
رد على الكاتب الفلسطيني غطاس أبو عيطة
في 24/ 6/ 2008
كتب الأخ غطاس أبو عيطة (كاتب وناشط فلسطيني مقيم في دمشق) رداً على مقالة نشرتها في جريدة المجد الأردنية، في شهر نيسان الفائت، تحت عنوان (إدارة بوش بعد فشلها في العراق ترثي الحلم الضائع وتفتش عنه في أدراج النظام الإيراني والنظام العربي الرسمي). وقد نشر الأخ أبو عيطة رده في موقع (amin) الألكتروني.
لأن موقع إيران الجغرافي مجاور للوطن العربي يفرض علينا الحرص على علاقات إيجابية معها لمصلحة الأمتين معاً، ولأن الحوار مع المدافعين عن إيران منفعلين بزاوية واحدة سطحية. ولأن الحوار مع الرأي العربي الآخر مطلوب، كان لا بدَّ من توضيح الزوايا الغائبة عند معظم تيارات حركة التحرر العربي.لذلك جئنا بتوضيحات غابت عن عيون الأخ أبو عيطة.
يتمركز دفاع الأخ أبو عيطة عن إيران تحت عنوان تغليب التناقض الرئيسي على التناقض الثانوي، كون التحالف الأميركي – الصهيوني يشكل التناقض الرئيسي الوحيد في هذه المرحلة، وأن التناقض مع إيران هو تناقض ثانوي، الأمر الذي يوجب على العرب، كما ينصح الأخ أبو عيطة، أن يتفرغوا لمواجهة التحالف الأميركي – الصهيوني من دون غيره، وهذا يستدعي تحييد إيران من الصراع، خوفاً من الأخ أبو عيطة، من أن يخطئ العرب تصويب اتجاهات المعركة فتضعف عوامل المواجهة مع العدو الاستراتيجي.
ويدعو الأخ أبو عيطة العرب إلى أن لا ينخدعوا بالمزاعم الأميركية الآن التي تعمل على إظهار أن إيران تمثل العدو الرئيسي للعرب وليس أحد غيرها. وهو يسترشد في دفاعه عنها زاعماً أن إيران تقدم المساعدة للمقاومة العربية أولاً، ومن حقها أن تقوي مشروعها القومي الإيراني ثانياً، ولأنها لن تكون أكثر عروبة من معظم الأنظمة العربية الرسمية ثالثاً.
ولأن مقالنا، موضوع الرد، لم نبنه على الأكاذيب الأميركية خاصة ونحن لم ننخدع على الإطلاق بأبواق الإعلام الأميركي فحسب، بل نحن نعي تماماً أهدافه ومراميه حتى قبل هذه المرحلة بعشرات السنين أيضاً. ولذلك على طريقة الحوار العلمي وليس الإيديولوجي المغلق نتوجه إلى الأخ أبو عيطة، وإلى كل الصادقين من أبناء أمتنا العربية الذين نظروا إلى ربع الحقيقة في موضوع العلاقات العربية – الإيرانية أن تتسع صدورهم لسماع رأينا، مؤكدين له ولهم أن ما حدا بنا إلى كتابة مقالنا، موضوع رد الأخ أبي عيطة، لم تكن هواجس بل كانت تستند إلى رؤية علمية صارمة في تحليل الاتجاهات الإيديولوجية للنظام الإيراني من جهة، وإلى تحليل سلوكاته السياسية من جهة أخرى.
أولاً: في تحديد المصطلحات نظرياً وعملياً
1-التناقض الرئيسي نظرياً هو صدام الأضداد، وهنا يقع التناقض بين الإمبريالية وحركات التحرر الوطني. أما التناقض الثانوي: فيقع بين قوى متحالفة في المسائل الأساسية ولكن مصالحها ليست متطابقة تماماً.
فتكون أهداف الإمبريالية والصهيونية، عملياً، متناقضة تماماً مع مصالح الأمة العربية للأسباب التالية:
-إن الأمبريالية ظاهرة اقتصادية سياسية وعسكرية تتجسد في إقدام دولها القوية على التوسع والسيطرة على حساب شعوب وأراض أجنبية ونهب ثرواتها. لتلك الأسباب تمثل أهداف الغزو الإمبريالي الأميركي تناقضاً رئيسياً بالنسبة للأمة العربية لأنها تعمل من أجل السيطرة على الشعب العربي ونهب ثرواته، كخطوة أولى للسيطرة على العالم (أمركة العالم على مقاييس إيديولوجيا اليمين الأميركي المتطرف).
-وإن الصهيونية نوع من الإمبريالية الاستيطانية، وهي ذات إيديولوجية دينية تمهد لاغتصاب أرض فلسطين لمصلحة (شعب الله المختار)، لتلك الأسباب تشكل أهداف الغزو الصهيوني التوراتية تناقضاً رئيسياً بالنسبة للأمة العربية.
استناداً الى ذلك تلاحمت أهداف الإمبريالية في وطننا العربي، مع أهداف الصهيونية. فأصبحا معاً يمثلان التناقض الرئيسي مع الأمة العربية. وأخرجا أهدافهما الإيديولوجية باستراتيجية تفتيتها على قواعد قطرية أحياناً وقواعد طائفية وعرقية أحياناً أخرى. ويُعد (مشروع الشرق الأوسط الكبير) أوضح مثال على ذلك.
وعلى المنوال ذاته، ولأن إيران جارة للأمة العربية ولأنها مستهدفة من قبله، يُشكل التحالف المذكور تناقضاً رئيسياً لإيران. فعلى إيران إذاً أن تعتبر أن في مواجهة الأمة العربية للتحالف قوة لها. وأي ضعف للأمة العربية هو ضعف ينعكس سلباً عليها. وهذا الأمر يوجب على الأمتين أن ينسقا معاً لمواجهة التناقض الرئيسي. وعليهما أن يوظفا كل إمكانياتهما من أجل إحباط أهداف التحالف الأميركي – الصهيوني. فإذا غزا التحالف إيران، أو اعتدى عليها، يرتب على الأمة العربية واجب الدفاع عنها، وإذا غزا الأمة العربية، أو اعتدى على أي قطر من أقطارها، يرتب على إيران واجب الدفاع عنها أيضاً.
هذا في الإطار الواجب على القوميتين الإيرانية والعربية أداءه في مواجهة التناقض الرئيسي. ولكن إذا استقرأنا واقع الحال، ماذا نجد؟
2-حقائق خطابية لا يجوز إنكارها، ونواقص عملية لا يجوز تغييبها
من المعلوم أن انتصار الثورة الشعبية في إيران، في العام 1979، وطرد الشاه الذي كان حارساً للتحالف الأميركي – الصهيوني في المنطقة، شكل انتصاراً لقضايا الأمة العربية في مواجهة التناقض الرئيسي. وفي الوقت ذاته انتقلت قيادة الثورة في إيران إلى موقع الحرب مع الأمة العربية عبر البوابة العراقية، وظهرت في حرب ضروس استمرت ثماني سنوات. وبهذا بدت الأمور ملتبسة في أهداف الثورة الإيرانية، واستدعت رفع أكثر من تساؤل، فأصابت الحيرة الكثيرين حول إمكانية التوفيق بين إعلان الثورة الإيرانية عداءها للتناقض الرئيسي، وبين افتعالها حرباً ضد الأمة العربية عبر بوابتها العراقية. كما حصل التباس آخر حول تحديد من بدأ الحرب.
لم يُصب التيار القومي بشكل عام، وحزب البعث بشكل خاص، بالحيرة التي أصابت الآخرين جراء هذا الالتباس، بل كانت له تفسيراته المستندة إلى الأسباب الحقيقية، وهي الأسباب التي سنقوم بشرحها في موقع لاحق من ردنا هذا على الأخ غطاس أبو عيطة.
وعودة الى البداية، ومن منطلق حسن النية، نقول: كانت لإيران بعد انتصار ثورتها الشعبية مصالح مع الأمة العربية، لها خصوصياتها، كما للأمة العربية لها مع إيران مصالح لها خصوصيات أيضاً، وكان يمكنهما معاً أن يتعاونا من أجل التفاهم عليها من دون مواجهات عسكرية، بل بالحوار والتفاهم. إلاَّ أن هذا لم يحصل.
وكانت المرارة الكبرى هو أن النظام الإيراني كان يكبت في نفسه العداء ضد الأمة العربية، ليصوره بأنه كان عداء للنظام السياسي في العراق، والذي من أجله يبرر تنسيقه مع التحالف الأميركي الصهيوني في عدوانه على العراق واحتلاله في العام 2003.
وإذا كنا نتفق تماماً مع الأخ غطاس على المقدمات أعلاه، هذا إذا كان للنظام الإيراني الجديد أهدافاً لها خصوصياتها بالعلاقة مع الأمة العربية ومع العراق على قاعدة الاعتراف بحقوق قوميتين متجاورتين، إلاَّ أن حالة الافتراق بيننا وبينه، كأنموذج لعقلية سائدة عند أوساط عربية غيره، تستند إلى الأسباب التالية:
ثانياً: للنظام الإيراني استراتيجية بناء دولة دينية عابرة للحدود القومية
كنت أرجو لو أن الأخ غطاس يمتلك ثقافة إيديولوجية حول مفاهيم (ولاية الفقيه) وأهدافها وآليات تطبيقها، لكان وفَّر علينا وعلى نفسه وعلى القراء الأعزاء الكثير من الوقت والشرح.
وكنا نود لو أن خيار نظام (ولاية الفقيه) كان خياراً قومياً إيرانياً، يطبقه الشعب الإيراني داخل حدوده، لكنا أيضاً قد احترمنا هذا الخيار كحق للشعوب الحرة في تطبيق النظام السياسي الذي تريد. ولكن هذا النظام تم تسويقه على أساس أنه أمر إلهي يجب تصديره إلى الشعوب الأخرى بغض النظر عن الوسائل والأساليب.
نعترف بداية أن نظرية (ولاية الفقيه) كانت تجديداً في الفكر السياسي الشيعي عندما أفسح الطريق أمام الشيعة للانخراط في العمل السياسي بعد أن نأى بهم الفقه التقليدي عنه لقرون عديدة. ولكن كانت لنظرية ولاية الفقيه أبعاداً دينية مذهبية أعادت طرح تأسيس دولة دينية من جديد، دولة دينية ذات أبعاد مذهبية شيعية تتناقض مع الدولة الدينية التي تدعو إليها الأصولية السنية. على الرغم من أنه يجمع الأصوليتين مبدأ (لا حاكمية إلاَّ لله)، ولكن ليس من دون الاتفاق على مضامين تلك الحاكمية ووسائلها وأهدافها ووظائفها فحسب، وإنما لأنهما متناقضتان إلى حدود التكفير أيضاً:
1-مشروع نظرية ولاية الفقيه، كما مشروع حركة الإخوان المسلمين وفروعها، عابرة للحدود القومية، بل هي لا تعترف بتلك الحدود فحسب، وإنما لا تعترف بالقومية أيضاً. ويعتبر المشروعان بأن القومية ما وجدت إلاَّ لمحاربة الإسلام. كما يعتبران بأن الحدود القومية تحول دون بناء دولة إسلامية عالمية.
2-للمشروعين معاً أهداف إعادة تأسيس إمبراطورية إسلامية على قاعدة أن الله خلق البشرية شعوباً وقبائل ليتعارفوا أولاً، ولأن الإسلام دعوة عالمية فلا يجوز إلاَّ أن يقود البشرية بدولة عالمية ثانياً، على أن يشكل التشريع الإسلامي (الفقه الإسلامي) المصدر الوحيد لتلك الدولة ثالثاً. ولأن اتجاهات النظامين متناقضة إلى حدود التكفير المتبادل، فهما يؤسسان لفتنة إسلامية شبيهة بمثيلاتها في التاريخ الإسلامي.
3-أعطى المشروعان أولوية لإسقاط ما يعتبرانه أنظمة الكفر التي لا تحكم بما أنزل الله، واعتبرا أن الأنظمة العلمانية العربية أنظمة كفر، ويعملان من أجل إسقاطها. وقال أحد المسؤولين الكبار بحزب الله (إن العلمانية والصهيونية وجهان لعملة واحدة).
4-وإن اتفق التياران على مبدأ بناء دولة إسلامية عالمية (أممية دينية) على قاعدة (لا حاكمية إلاَّ لله) إلاَّ أنهما تناقضا حول الأسس والمبادئ والوظائف السياسية لتلك الدولة، وصلت حدود التناقض إلى مستوى التكفير المتبادل.
واستناداً إلى ذلك، وإذا أردنا الحكم على سلوكات أي نظام سياسي أو حركة سياسية أو دينية، فلا يمكننا أن نشخص تلك السلوكات الا بناء على أهدافها الإيديولوجية. وإذا أردنا أن نعرف أهداف خطاب الثورة الإيرانية السياسي لا بد من معرفة أهدافها الإيديولوجية. فالخطاب السياسي قد يكون مضللاً أما الأهداف الإيديولوجية فهي المعيار الصحيح لتقييم موقع الخطاب.
إيديولوجياً: أهداف الثورة الإيرانية بناء دولة إسلامية عالمية، وعالمية الأهداف تتناقض مع القومية، فالحدود القومية تعتبر حواجز جغرافية وسياسية ونفسية، الأمر الذي يؤكد أن لإيران (ولاية الفقيه) أطماعاً في التوسع على حساب الوطن العربي، ولأن العراق هو الجار المباشر لإيران كان لا بدَّ لمشروع الدولة الإسلامية العالمية من اعتباره بوابة التصدير المباشرة.أما النظام السياسي الوطني في العراق قبل الاحتلال، فيؤمن بالقومية حدوداً نهائية له، وهي الحقيقة الإيديولوجية التي تنفي أي أطماع للعراق في أرض إيران قبل الحرب الإيرانية – العراقية، أم بعدها.
سياسياً: جاء إعلان (تصدير الثورة) الذي رفعه الخميني، معبِّراً تمام التعبير عن أهداف الثورة الإيرانية الإيديولوجية. ولهذا السبب كان الشعار المذكور بمثابة إعلان حرب على القومية العربية بدءاً من بوابتها العراقية، بحكم عامل التجاور الجغرافي. ولهذا فإن الأهداف الإيديولوجية، وشعاراتها السياسية، تجعل من إشكالية من بدأ الحرب في العام 1980، بين إيران والعراق، لغواً من السفسطة السياسية والإعلامية.
وإذا حسبنا ما لهذه الإيديولوجية من مخاطر على صعيد الوحدة الإسلامية، يتشارك فيها دعوتان: ولاية الفقيه الإيرانية، واستعادة مجد الخلافة الراشدة الإخوانية، لاستطعنا أن نقرأ حدة الصراع بين الدعوتين إذا ما أتيح لكل منهما بناء دولته الإسلامية. ولهذا مجال آخر.
لكن يمكننا الإشارة إلى أن التحالف الشاذ الذي ربط الدعوتين على أرض العراق، ودفع كل منهما إلى الانضواء تحت راية الاحتلال الأميركي، كان يحدوه هدف إسقاط نظام علماني (كافر) أولاً، ومن بعدها، كما يحسبان، ينتقلان إلى مقاومة الاحتلال الأميركي ثانياً، كما نقرأ أن الشقاق سيدب بينهما إذا ما خلا الجو لهما وحدهما على أرض العراق ثالثاً.
ثالثاً: عودة إلى النظر بتعريف التناقض الرئيسي
1-على صعيد الأهداف الإيديولوجية:
من أهم أهداف الأمبريالية والصهيونية: محاربة القومية العربية، وإسقاط الأنظمة الجادة ببناء وحدة عربية. تنتقلان بعدها إلى تطبيق مشروع الشرق الأوسط الكبير على قاعدة بناء فيدراليات طائفية ومذهبية وعرقية.
من أهم أهداف الثورة الإيرانية: محاربة القومية العربية، وإسقاط الأنظمة العلمانية، وإقامة كيانات طائفية تبرر اقتطاع الشيعة في فيدراليات مذهبية (وهو الأنموذج الأقرب لمشروع الشرق الأوسط الجديد).
وإذا كنا نحدد مواصفات التناقض الرئيسي بناء لشروط وأسس يجب أن تتوفر في ما نعتبره يشكل تناقضاً رئيسياً. وإذا كنا نعتبر أن محاربة القومية العربية، وتمزيقها إلى دويلات طائفية، هي تلك الشروط. نتساءل: ما هو الفرق بين المشروعين الأميركي – الصهيوني والمشروع الإيراني؟
وإذا كنا نعتبر أن الإيديولوجيا الصهيونية، بأهدافها التوراتية، تستعد لخوض معركة الخير والشر على أرض فلسطين تمهيداً لظهور (المسيح المخلص). فهل ينكر أصحاب مشروع (ولاية الفقيه) أنهم يمهدون لمعركة الخير والشر الفاصلة على أرض القدس تمهيداً لظهور (الإمام الغائب)؟
2-على صعيد السلوكات السياسية والخطاب السياسي:
كنا صادقين في دعائنا أن لا نصدق ما وصلنا إليه من استنتاجات بعد قراءات متأنية تستند إلى البحث العلمي. كما كنا مذهولين من تلك الاستنتاجات، لولا أن ما جرى بعد انتهاء الحرب الإيرانية العراقية جعلنا نقف مذهولين أيضاً. ولا ضير هنا من أن نعود بالذاكرة إلى بعض المشاهد المفصلية، ومن أهمها:
أ-إعلان الخميني، بعد صدور قرار وقف إطلاق النار بين البلدين الجارين: العراق وإيران، في 8/ 8/ 1988، قائلاً بما معناه: أوافق على القرار وكأنني أتجرع السم. وهل إنقاذ بلدين جارين من حرب ضروس فيه ما يستدعي تجرع السم، أم أنه يستدعي إعلان الشعور بالراحة والاطمئنان لعودة السلام بينهما؟
ب-معاتباً الإدارة الأميركية، أعلن أكثر من مسؤول إيراني رفيع المستوى، بعد احتلال العراق: لولا الدعم الإيراني لما استطاعت أميركا احتلال كابول وبغداد. وقد جاء العتاب بعد:
-سلسلة من اجتماعات التنسيق بين الإدارتين وراء الكواليس.
-مشاركة القوى الهاربة من العراق، التي احتضنتها إيران، بمؤتمرات لندن وغيرها. تلك المؤتمرات التي كانت تحت رعاية أميركية، والتي كانت تمهد لاحتلال العراق.
-دخول تلك القوى، المدربة والمسلحة في إيران، عن طريق الحدود الإيرانية العراقية إلى العراق تحت مظلة الاحتلال الأميركي. وعلى رأسها (المجلس الأعلى للثورة الإسلامية) بقيادة الحكيمين محمد باقر وعبد العزيز. ناهيك عن ممارسات (فيلق بدر) التي كانت من أهم وظائفه، ولا تزال، ملاحقة المقاومين العراقيين وتصفيتهم، وتصفية البنى البشرية العسكرية والعلمية للعراق...
-مشاركة حزب الدعوة، حليف إيران، بالإعداد للاحتلال والمشاركة في العملية السياسية ومنه تولى عضوان رئاسة الحكومة العميلة.
-إلحاح كل القوى المرتبطة بإيران، والمنخرطة في العملية السياسية للاحتلال، لإقرار نظام (الفدرلة) وتقسيم العراق بين السنة والشيعة والكرد.
إن هذه العناوين مفاصل أساسية وليست ردود فعل ضد النظام الوطني للبعث، بل هي مفاصل استراتيجية، تعبر تمام التعبير عن المشروع الإيديولوجي الإيراني، فإن التفصيلات التي تدل وتؤكد على ضلوع المخابرات الإيرانية في تهديم الدولة العراقية هي أكثر من أن تحصى، ويكفي التذكير بما قاله أحد الباحثين العراقيين: إن إيران هي أكثر من استفاد من نحر العراق. (ندعو الأخ أبو عيطة الى متابعة عشرات آلاف التقارير ذات العلاقة).
رابعاً: ما قمنا بذكره ليست هواجس بل حقائق ثابتة
إن الهواجس تعريفاً تحتمل الشك، ولأن ما كتبنا عنه كانت نتائج أبحاث ومتابعة، وكلها موثَّقة توثيقاً علمياً، نبرزه إذا دعت الحاجة، هذا مع العلم أن أبحاثي العديدة المنشورة ذات العلاقة يمكن أن تكون بمتناول من يريد.
أما ما اشتم منه الأخ أبو عيطة أنه يشكل هواجساً لدينا، فكان يعود إلى منهجنا في الكتابة الذي يأخذ عامل إظهار حسن النية تجاه إيران، كجار للعراق العربي، مستندين إلى أنه ليس من الواجب أن نقفل أبواب الأمل في أن يعود النظام الإيراني إلى رشده.
فنحن لو جمعنا بين الأسباب الإيديولوجية والوسائل السلوكية للنظام الإيراني، لن يكون باستطاعتنا أن نصنفه خارج التناقض الرئيسي. والسبب الوحيد الذي يجعلنا نعيد النظر بتصنيفنا هو أن يعيد النظام الإيراني النظر ببناء هيكله الإيديولوجي سواءٌ أكان لجهة احترام خيارات الشعوب الأخرى للنظام السياسي الذي تريد، أم كان لجهة إعادة النظر بممارساته على أرض العراق والعودة عن الخطأ.
وهل يريد الأخ أبو عيطة، والتيار الذي غابت عنه الحقيقة، أن نقاتل العدو (التناقض الرئيسي) من أجل منعه من إلحاق الأذى بنا، ونسكت عمن يزعم أنه يمثل (التناقض الثانوي) على الرغم من أنه يُنزل الأذى ذاته بنا؟
إن العداوة والصداقة لهما معايير وأسس ومفاهيم، فإذا انطبقت على الأبعد يكون عدونا، وكذلك إذا انطبقت على الأقرب فلن يكون غير عدو لنا.
ولنفترض أن المشروع الأميركي والصهيوني قد غيَّر من أهدافه: الإقرار بحقنا في السيادة الوطنية والوحدة وبحقنا في ثرواتنا من جهة، وإلغاء المشروع الإيديولوجي التوراتي من جهة أخرى، فهل يجوز الاستمرار باعتبارهما عدوين رئيسيين (تناقضين رئيسيين)؟
ولنفترض، وهذا ما هو حاصل من دون شك، أن النظام الإيراني لا يزال يصر على اعتبار القومية العربية هدفاً يجب إلغاؤه، وتفتيت الأمة إلى دويلات طائفية وعرقية كما هو حاصل في العراق، فهل يجوز التخفيف من الحكم عليه لأنه يقدم مساعدات إلى بعض القوى المقاومة في الأمة العربية؟
إن هذا يدفعنا إلى القول: ليست المساعدات التي تُقدَّم إلى بعض العرب هي المقياس للحكم على مصداقية إيران، بل الحكم عليها من خلال التساؤل عن الثمن المطلوب تسديده لقاء تلك المساعدات. وحول هذا الأمر قد تكون السلوكات الإيجابية للنظام الإيراني قنبلة دخانية للتعتيم على جرائم تريد التعمية عليها.
يزعم الأخ أبو عيطة أن إيران تقدم مساعدات إلى المقاومة العربية، والصحيح أنها تقدم مساعدات لبعض المقاومة العربية، ولكنها تعمل للقضاء على بعضها الآخر. فهناك وجهان متناقضان للسلوك الإيراني: دعم هنا، وعداوة هناك.
وإذا كنا نعترف بأن المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق تقاتل عدواً واحداً، وليس الأخ أبو عيطة بعيداً عن هذا الاعتراف، فلماذا تدعم إيران المقاومة في فلسطين ولبنان، وتعادي المقاومة في العراق وتعمل للقضاء عليها؟
وخوفاً من أن تكون إيران قد دخلت إلى المقاومة العربية في لبنان وسورية من بوابة المقدمات الصحيحة لتخرج بها من بوابة النتائج الخطأ. يجب أن نعرض صورة ما تقدمه إيران من مساعدات بشكل واضح وصريح. أما بدورنا فنعتبر أن ما تقدمه في لبنان وفلسطين يستأهل الشكر والعرفان بالجميل، إلاَّ أنه ما يجب أن يكون واضحاً أن المقاومة في القطرين معاً سبقتا بانطلاقتهما قيام الثورة بسنوات كثيرة. ولم تكن هي من فجرتهما.
وإذا اعترفنا بالجميل هنا، فهذا لا يجوز أن يحرمنا حقنا في أن نحاسبها على مواقفها العدائية من المقاومة العراقية، بل علينا أن نسألها ونسائلها عما ترتكبه بحقها. ولن يشفع لها مساعدتها هنا، لأنه كما هو ظاهر أنها تطلب الثمن سكوتاً عن نحر المقاومة هناك. فتكون بمثل هذا الفعل قد دخلت إلينا من مقدمات صحيحة في مكان لتخرج بنا من بوابة نتائج خاطئة هناك. ولهذا نرى أن الخطاب السياسي الإيراني مضلِّلاً، كما أن اتجاهات دعمها لبعض المقاومة العراقية مضللة أيضاً.
وعن ذلك نرى أن إيران ترفع شعارات العداء للأمبريالية الأميركية، وترفع شعارات العداء للصهيونية وربيبتها (إسرائيل)، وهذه مسألة إيجابية. والمحير في الأمر، والأكثر إثارة هو أنها تعادي التحالف الأميركي – الصهيوني هنا وتدعم المقاومة التي تواجهه، لكنها تنسق معه وتشاركه هناك. ألم يلفت هذا التناقض نظر الأخ أبو عيطة؟ ألم يلفت نظره أن النظام الإيراني يتواجد على أرض العراق جنباً إلى جنب مع الاحتلال الأميركي والتغلغل الصهيوني هناك؟ ألم يخطر بباله أن يتساءل عن سر هذه الأحجية؟ ألم يتساءل: ماذا يفعل النظام الإيراني في العراق؟
كل الدلائل تؤكد أن التنسيق الكامل، منذ احتلال العراق، بين العدوين المزعومين (ونصر على مزعومين) لأن الأعداء لا يمكن أن يلتقيا على ساحة واحدة، وإذا التقيا فهل ليس في الالتقاء ما يلفت النظر ويثير التساؤل؟
لقد نسقا وتحالفا وتشاركا في احتلال العراق، تم تمزيق العراق وتفتيه إلى دويلات، وحولا ساحته إلى بؤر للصراعات المذهبية، وتشاركا في تدمير بنيته التحتية حتى عاد إلى ما قبل العصر الحجري. فكيف يمكنني كعربي أن أرضى وأسكت وأقتنع بأن أرد الصفعة إلى الأميركي فقط، وأن أدير الخد الآخر للصفعة الإيرانية؟
هل هو قانون تأجيل الصراعات الثانوية المزعومة مع إيران، لمصلحة التناقض الرئيسي مع الإمبريالية والصهيونية؟
طيب يا أخي، كان على إيران أن تغلِّب هي التناقض الرئيسي وليس نحن، خاصة وأن العدوان كان على العراق، الدولة العربية، وليس على إيران. أما كان يجدر بإيران أن ترفض المشروع الأميركي لأنه يشكل التناقض الرئيسي على تناقضها الثانوي مع العراق؟
بالله عليك، أخي أبو عيطة، أما آن لنا أن ننظر إلى الصورة بكل أبعادها من دون تجزئتها؟
أما كان من واجب إيران أن تدعم المقاومة العراقية؟
أليست المقاومة في العراق عربية؟
أليست أهدافها مواجهة التناقض الرئيسي؟
أليس من واجب الجميع أن يدعموا المقاومة التي تدق رأس الأفعى وتسحقه في العراق، لأن بقاءه حياً هناك سيجردنا من انتصاراتنا في فلسطين ولبنان؟
وهل المطلوب من المقاومة العراقية أن تعتبر عدوان إيران وعملائها في العراق عليها، هو كمثل ما يقال: (ضرب الحبيب زبيب)؟
وهل يجب تحييد عملاء إيران، ومخابرات إيران، تحت ذريعة أن تناقضنا مع إيران مجرد تناقض ثانوي؟
يا أخي لم يعد التناقض مع إيران ثانوياً، بل أصبح تناقضاً رئيسياً:
فهل من يلاحق المقاومة العراقية، أميركياً أكان الملاحق أم إيرانياً أم عراقياً أم عربياً، إلاَّ عدواً لها؟
وهل من المنطقي أن تتفرغ فقط للاحتلال الأميركي، وتترك للتدخل الإيراني أو حتى العربي أو العراقي، مهمة القضاء عليها؟
وإذا تم القضاء على المقاومة العراقية، هل يبقى لممانعي أميركا دور وصوت؟
يا أخي إذا كنت تسمع صوتاً للممانعين الآن، فإنما ارتفع صوتهم منذ أن انطلقت الرصاصة الأولى في وجه الاحتلال، وإذا خفتت أصوات رصاص المقاومة في العراق، فستنخفض أصوات كل من ركبت المقاومة لهم أرجلاً. وهل النظام الإيراني بعيداً عن الذين ركَّبت المقاومة العراقية لهم أرجلاً؟
وكما تزعم، أخي أبو عيطة، أن من حق (الأمة الإيرانية) أن تصلِّب مشروعها،
ولكن أي مشروع هو هذا الذي تصلبه تحت حماية (الشيطان الأكبر)؟
وهل من حقها أن تصلبه على جثة المشروع النهضوي العربي؟
وهل العراق اليوم تحت الاحتلال الأميركي إلاَّ جثة أكثر من استفادت من النهش فيها (الأمة الإيرانية)؟
وهل لا يمكن أن يتصلب المشروع إلاَّ بمحاولة القضاء على المقاومة العراقية؟
وهل تواطؤ بعض النظام العربي الرسمي، بل التآمر، مع الاحتلال الأميركي في العراق يعتبر مبرراً للتواطؤ الإيراني،بل التآمر على العراق؟
نحن لم نكن ننتظر أميركا لترشدنا وتعبئنا أن إيران عدوة لنا. بينما نحن نعي أن من تريد تضليلهم أميركا من الأنظمة العربية، قد شاركوا إلى جانب إيران في التواطؤ على احتلال العراق. وإذا كان الخداع ينطلي عليهم فنحن ممن لا تنطلي كل أكاذيب أميركا.
خامساً: يريد أبو العيطة أن يلهينا بشعارات تكتيكية سياسية
ليس التدليل على صحة موقف إيران من الانخراط بما يسميه الأخ أبو العيطة (بشأن حوارها حول مستقبل العراق) يكون بمقارنته بالموقف السوري. فإذا صدر خطأ عن إيران وارتكبت سورية مثله فسيكون خطأ أيضاً. أما التكتيكات السياسية فهي أمر مباح سياسياً على شرط أن لا تتناقض مع الثوابت الاستراتيجية، وهنا فليسمح لنا الأخ أبو عيطة بأن نميز بين المواقف الاستراتيجية لكل من النظامين، أما التكتيكات السياسية فهي عرضة للاجتهاد والتأويل والتفسير.
إن إيران تقاتل المقاومة العراقية ولا تعترف بها، بينما سورية تعلن: أنه لولا المقاومة العراقية لكان الوطن العربي كله قد أصبح تحت هيمنة الإمبريالية الأميركية، ولا يخفون حرصهم عليها. وكما أن إيران تعمل على تقويض وحدة العراق وتفتيته، بينما سورية تعتبر أن وحدة العراق أرضاً وشعباً، خطاً أحمراً.
ففي إطار الاستراتيجية هناك تناقض واضح بين استراتيجيتيْ كل من سورية وإيران. كان على الأخ أبو عيطة أن لا يتجاهل الأمر، بل كان عليه أن يعيه. أما عن التكتيكات فسورية ليست موجودة في العراق، كما هي موجودة إيران. وسورية لا تحاور أميركا على أرض العراق، وليس لها امتدادات سياسية تشارك بالعملية السياسية، وليست لها أدوات عسكرية ومخابراتية تلاحق المقاومين وتقتلهم، وتساوم أميركا على دمائهم...
إن إيران لا ترضى فقط بالمساومة على المقاومة العراقية، بل هي تذبحها أيضاً. أما سورية فلم ترض بذلك منذ صدور القرار 1546، الذي دعا كل دول الجوار للعراق بالمشاركة في محاربة الإرهاب، وكان يقصد بالإرهاب المقاومة العراقية. ولو استجابت سورية لهذا الأمر لكان وضع العلاقات السورية – الأميركية غير ما هي عليه الآن.
دعنا يا أخي نغلِّب الاستراتيجي على التكتيكي، فبمثل هذا التغليب نكون قد قطعنا شوطاً مهماً على طريق الحوار. ولهذا يسرنا إعلان السيد نصر الله عن (أنه قد آن الأوان، لأن تغادر مجموع القوى العراقية أوهامها بشأن النوايا الأمريكية، وأن تدرك على أن طريق المقاومة المسلحة هو الطريق الصحيح لتحرير الأرض والسيادة). ونحن نعتبر أن الخطاب يجب أن يكون موجهاً للنظام الإيراني وعملائه في العراق لكل الأسباب التي قمنا بتوضيحها في ردنا، وهو ليس موجهاً إلى قوى المقاومة العراقية لأنها هي التي تقاوم كلاً من الاحتلال و(مجموع القوى العراقية) العاملة في خدمته.
سادساً: تعالوا إلى كلمة (عقل صادق)
ننهي ردنا هذا على أنموذج من يدعون إلى اعتبار العلاقة بين العرب المؤمنين بالمقاومة وبين النظام الإيراني علاقة تناقض ثانوي، للاستجابة إلى نداء المؤتمر القومي العربي التاسع عشر الذي انعقد في اليمن في أوائل شهر أيار الماضي، النداء الذي أدان فيه ممارسات النظام الإيراني في العراق ودعاها إلى تصحيح مساراتها، كما دعا إلى تشكيل لجنة مهمتها أن تحاوره من أجل إعادة تصحيح المسارات الخاطئة كخطوة أساسية للعودة إلى صف المواجهة ضد الاحتلال الأميركي في العراق.
إنه بغير ذلك لن نعتبر أن علاقتنا بالنظام الإيراني علاقة تناقض ثانوي، بل هي علاقة تناقض رئيسي حتى نطمئن إلى وجود عكس ذلك. وعلى المقاومين العرب في كل مكان، الذين يزعمون أن للنظام الإيراني موقع الصديق من القضايا العربية، أن يلعبوا دورهم. كما ندعوهم، بحكم انتماءاتهم المقرَّبة من إيران، إلى أن يلعبوا دور القاضي النزيه والعادل في حل تلك الإشكالية، ونقول لهم: من لا يحسن الدفاع عن قضيته القومية لن يحسن الدفاع عن إيران.


14-لقد طفح كيل غضبنا، إرحلوا واتركونا نعيش
إرحلوا وخذوا حكومتكم معكم، فنحن لسنا بحاجة إلى حكومة لا توفر لنا العيش بحرية وكرامة. لسنا بحاجة إليها سواءٌ أكانت زائداً مقعداً، أو ناقصاً عشرة. أنتم تريدون حكومة تحافظ على مصالحكم، ولا ترعى مصالحنا.
إرحلوا وخذوا كل حكوماتكم معكم، واتركونا نشكل حكومة من الفقراء والمساكين، يجهلون سياساتكم وأحابيلكم، حكومة من المساكين والفقراء والفلاحين، ينظمون لنا الدور في زراعة الأرض التي وهبناها الله لنأكل من خيراتها بالتساوي، ونتسامر في الليالي المقمرة على وهج القنديل، نتسامر وأطفالنا ينامون ناعمي البال بعيداً عن أصوات رصاص بنادق أزلامكم، بعيدين عن حقنهم من خلال شاشات تلفزيوناتكم.
لم ننتفع بدفاعكم عن أميركا، كما لم ننتفع بمقاومتكم لها، لقد جعلتم منها سلعة للمتاجرة بآلامنا ومرضنا وعتمتنا وهواء دراجاتنا وفرص عملنا.
حلوا عنا انتم وأميركا، ونحن كفيلون بقتالها، ونحن أدرى منكم بحقيقتها، لقد تساعدتم معها على إفقارنا، وعرينا، وتعتيم منازلنا وصدورنا. واختلفتم حولها فزدتمونا من نعم الإفقار والعري والبطالة. أنتم تريدون التحالف معها على حساب لقمتنا، كما تريدون خصومتها على حساب حياة أطفالنا.
إرحلوا وخذوا معكم شركة كهربائكم، واتركونا نفتش على مهلنا عن قطرة (كاز) نضيء بها قناديلنا. أو نكتفي بنور الشمس في النهار، ونسهر على ضوء القمر حينما يكون في السماء.
وإذا رحلتم بشركة الكهرباء التي جعلتموها تنهبنا، وتفقر دولتنا، ليصب ما تسرب من سرقات إلى جيوبكم، فلن يتغير الأمر شيئاً بالنسبة لنا، فنحن ندفع ونبقى في دهاليز العتمة، وإذا شحنتموها معكم، نبقى في دهاليز العتمة بينما نوفر على جيوبنا دفع الخوة التي تفرضونها علينا، تحت حجة صيانة شركة لا حياة فيها، ولا حركة.
خذوا شركات أدويتكم، وأغربوا عن وجهونا، فمرضانا تموت. إرحلوا عنا لا نريد أن نملأ جيوب شركاتكم بقطرات عرقنا، ولا حتى بالغبار الذي غطى أحذيتنا. أتركونا نفتش بين أعشاب الطبيعة لنداوي آلامنا، ونجد الشفاء لأمراضنا. ماذا انتفعنا من صيدلياتكم؟ ومن مستشفياتكم؟ ومن مختبراتكم؟ إلاَّ المزيد من المرض، لقد تلبَّستنا أمراض اليأس والمرارة والحرقة والألم.
خذوا شركات هواتفكم وارحلوا عنا، وخذوا معها الأجهزة التي اشتريناها، فما نفعها إذا كنا نعجز عن دفع فواتيرها؟
خذوا شركتيها، وارحلوا عنا، واسرقوا من جيوب من أردتم، فنحن أفلسنا ولم يبق في جيوبنا قرش تسرقونه بعد. لقد أفلسنا وأُتخم أولادكم، وبطروا. ونحن نشتاق إلى عضة ليس من جهاز خليوي، بل عضة من رغيف للخبز.
إرحلوا وخذوا معكم كل الشواطئ التي احتلتم على سرقتها، وبنيتم عليها مواخير لاستقبال السياح لتعزيز خزائن جيوبكم. وخذوا السياحة معها، بترول لبنان، ودعونا نسترخي على شواطئنا مجاناً فهي ملكنا، لقد حرمتمونا من برودة مياه بحرنا، وفرضتم علينا ضريبة النظر إليه. فممنوع علينا أن نتمتع بطبيعتنا مجاناً، إذ أصبح هواء وطننا ومياه وطننا وتربة وطننا ترفاً لمن يستطيعون أن يدفعوا أجرة النظر إليها.
خذوا شواطئكم، وابتزوا بها من يريد أن يدفع الثمن. ولأنها ملكنا فقد استأثرتم بعائداتها، وسلبتم حقنا فيها وأتختمتم جيوبكم بعائداتها، وأتخمتم معدتنا بالجوع والشكوى من أمراضها. وستبقى شواطئنا على سجيتها كريمة معطاء، تستقبلنا وتحتضننا، ولا تطالبنا بدفع خوة الدخول إليها، والتمتع بمياهها الدافئة أم الباردة.
ارحلوا وخذوا معكم شركات الماء، واتركوا لنا أنهارنا. فشركاتكم تلوث الماء الذي نشربه، فالماء ملكنا وهبه الله لنا، وأنتم تتاجرون به. فما يدخل إلى بيوتنا منه يدخل ملوثَّاً، وما تكرره شركاتكم التجارية مملوء (صحة) وعافية، نعجز عن شرائه، فسلبتم منا نعمة الله، وفرضتم علينا ثمناً له. أعطانه الله مجاناً وأنتم تبيعون هبة الله.
ما بالكم، وما داءكم، جئتم باسم الدفاع عن حقوقنا، وها أنتم تدافعون عن مصالحكم.
جئتم بالطائفية لنا تزعمون حمايتنا باسمها، فلم تحموا الطائفية ولا شكلتم حماية لنا. لقد نزع الجار ثقته بجاره، ووضع الجار متراسه في مواجهة جيرانه. فمتنا برصاص الطوائف، ومات أطفالنا. لقد جعنا وعرينا كرامة لعيون توازناتكم الطائفية، فلا أنتم حصلتم عليها، ولا نحن شعرنا بحمايتها لنا.
إرحلوا وخذوا التوازنات الطائفية معكم، واتركونا نعيش جيراناً متآلفين متحالفين، هكذا كما خلقنا الله شعوباً وقبائل لنتعارف، ولنجعل من تقوى علاقاتنا مع جيراننا مساراً نسلكه لنكون الأكرم عند الله، وبمقاييسه وليس بمقاييسكم.
ماذا جلبتم لنا؟ وأية أمراض حمَّلتم أجسامنا؟ وأي ظلام لفتتم ليلنا؟ وأية جراثيم اجتماعية غرستم في نفوسنا؟ وأية محبة لله غرستم في ضمائرنا؟
اتقوا الله فينا، في عيشنا، ولقمتنا، وإيماننا، ودعونا نعيش مع جيراننا كما نشاء، على طبيعتنا، وسجيتنا، فقد مللنا مساربكم للدخول إلى جنة الأرض وجنة السماء، فالله وهبنا عقلاً متحرراً يهدينا ويقودنا إلى معرفة أي طريق نسلكه للسعادة في الدنيا والآخرة.
تذكروا، أيها السادة القابعين في عليائكم، أن الله غرس في ضمير الإنسان وعقله محبة الجار، على مثال محبة الابن والأسرة والدار، وجعلها فطرة خالية من الغش والدجل، وأمر البشر بالبعد عن كل ما يفرق الجار عن جاره، وغرس فينا فطرة اقتسام خيرات الأرض بالتساوي...
إرحلوا عنا، بسياساتكم وأحابيلكم وخداعكم، واكفونا شر فنون سياساتكم ومتاهاتها، ودعونا نعيش كما خلقنا الله. وأقسم بالله أننا سنعيش أخوة متحابين متساوين متعادلين متعاونين.
إرحلوا وسيكون لبنان واللبنانيون أفضل حالاً بغيابكم، بعيداً عن نزاعاتكم على مصالحكم، ومصالحاتكم على مصالحنا. إرحلوا عنا وستكون عين الله حارسة على حياتنا وحريصة عليها، فالله ليس طامعاً بتحقيق مصالحنا على حساب دمائنا وأرواحنا وأرزاقنا، كما لن يكون طامعاً بتحقيق مصالحه وجعلنا وقوداً لتلك المصالح يحرقنا كما يشاء وكيفما يشاء وأينما يشاء.
***

15-المقاومة الوطنية العراقية تثأر للخامس من حزيران
وتستأنف مسيرة 17 – 30 تموز
افتتاحية (طليعة لبنان الواحد) عدد حزيران 2008
لقد ودَّعنا الذكرى الحادية والأربعين للخامس من حزيران، ونستعد لاستقبال الذكرى الأربعين لثورة 17 – 30 تموز، وما بين الذكريين من ترابط وعلاقات فكرية وسياسية وثيقة.
لقد كانت أهداف حرب حزيران وأداً لكل أمل قومي في الوحدة والتحرر، بينما جاءت الذكرى الثانية لتستأنف مسيرة العمل القومي وتعيد إحياءه، وتمنع عن الأمل وأداً محققا.
لقد أصبح من قبيل التكرار، ولكنه التكرار المفيد، أن التآمر على أهداف الأمة العربية، لخطورتها في لجم أهداف أعدائها، والحيلولة دون نفاذها، كان من أولويات المشروع الاستعماري – الصهيوني قبل أن تتعمق مسيرة الثورتين: الناصرية والبعثية، ومسيرة المقاومة الفلسطينية وتشب وتكبر. بحيث إذا حصل ذلك فسيكون مخطط سايكس بيكو نسياً منسياً.
أما بالنسبة للثورة القومية، بجناحيها الناصري والبعثي، فقد وُضعت أمام اختبار سياسية الاحتواء ففشلت طوال خمسة عشر عاماً. وأما المقاومة الفلسطينية فقد كانت تزداد عمقاً واحتضاناً من قبل الجماهير العربية بعد أن تمَّ احتضانها وحمايتها من قبل طرفيْ الثورة القومية. الأمر الذي دفع بالمخطط المعادي إلى إحباطهما بعمل عسكري نظامي، فكان عدوان الخامس من حزيران من العام 1967 انتقالاً معادياً من سياسة الاحتواء إلى سياسة الاحتلال.
وإذا كانت نتائج الثورة الناصرية قد تآكلت بعد وفاة جمال عبد الناصر في عهد أنور السادات إلاَّ أن الثورة البعثية في العراق في 17 تموز جاءت رداً على نتائج عدوان حزيران، كما جاء احتضان جماهير لبنان للمقاومة الفلسطينية رداً على اقتلاعها من الأردن.
وباستئناف الثورة البعثية مسيرتها في العراق، وبصمود المقاومة الفلسطينية في لبنان، تآكلت نتائج عدوان حزيران، ووضعتا المخطط الاستعماري – الصهيوني أمام امتحان عسير، وبهما تمَّ إحياء مسيرة العمل القومي من جديد. ومن أجلهما رسم المشروع مخططاً جديداً لضربهما فكان افتعال الحرب الأهلية في لبنان وسيلة لضرب المقاومة الفلسطينية، والتخطيط لضرب ثورة العراق بشتى الوسائل والسبل.
أما ضرب المقاومة الفلسطينية فلأنها شقَّت طريقاً استراتيجياً جديداً في الكفاح الشعبي المسلح كرد على فقدان التوازن العسكري النظامي، وهذا لا طاقة للمشروع المعادي بمواجهته. وأما ضرب الثورة البعثية في العراق فلأنها رسمت لنفسها مهمة بناء السلطة السياسية لحماية الثورة العربية ومشاركة كل فصائلها ومساعدتها ورفدها بالإمكانيات. فلهذا السبب وظَّفت عائدات الثروة النفطية العراقية، بعد تأميم النفط، من أجل توظيفها في ثورة التنمية البشرية والمادية باتجاهات قومية عربية.
كانت ثورة 17 – 30 تموز، عصية على الاحتواء، وكانت مصرِّة على وضع إمكانيات السلطة في خدمة الثورة العربية، فقابلها المشروع المعادي بأساليب ووسائل جديدة، وانتقل من مرحلة احتوائها إلى مرحلة احتلالها. فابتدأت المؤامرات من العام 1980 في افتعال الحرب الإيرانية – العراقية، مروراً بالعدوان الثلاثيني في العام 1991، وحيث إنه لم ينفع استخدمت وسيلة الحصار والتجويع التي فشلت أيضاً، وانتهت باحتلال العراق في التاسع من نيسان من العام 2003.
لقد نص مشروع احتلال العراق على مراحل اعتبرها كافية لتتويج العدوان العسكري وقطف نتائجه سياسياً، بحيث كان مطمئناً للنتائج النهائية.
لم تكن ثورة 17 – 30 تموز، بقيادة صدام حسين، تتوهَّم أن تردع العدوان بمواجهة عسكرية نظامية، فوضعت البديل بالإعداد لمقاومة شعبية طويلة الأمد. وبمثل هذا الأمر تكون قد اعتبرت السلطة أحد أدوات الثورة. ولهذا لم تضحي بالثورة، بل حافظت عليها، وكانت فعلاً على حق.
لقد جمعت الثورة، ثورة 17 – 30 تموز بين مستويين: المستوى النهضوي الحضاري، والمستوى الدفاعي الشعبي. فكانت أهم أنموذج جمع في سلة متكاملة عوامل الارتقاء بالنهضة الداخلية محمية بإستراتيجية الدفاع عنها. وإذا كانت النهضة الداخلية قد تعرَّضت للهدم والتخريب بفعل الاحتلال، فإن حماية الوطن وسيادته كانت من مهمات إستراتيجية الكفاح الشعبي المسلَّح.
وعلى تلك الأسس كانت مبنية إستراتيجية المقاومة الوطنية العراقية، فبفعلها أحبطت نتائج حزيران العراقي في العام 2003، كما أحبطت نتائج حزيران العربي في العام 1967. ففي حزيران العربي منعت الأمة من الانحدار والانكسار في تموز 1968، وفي حزيران العراقي منعت الأمة من الانحدار والانكسار في العاشر من نيسان 2003.
وبمثل تلك المقدمات ثأرت المقاومة العراقية من حزيران 1967، عندما لم تدع الاحتلال الأميركي ينهي المعركة العسكرية ويقطف نتائجها السياسية والاقتصادية. بل لا تزال الحرب دائرة ومستمرة ووضعت الاحتلال في أعلى سقوف مآزقه. واستأنفت مسيرة 17 – 30 تموز بصفحتها الثورية القائمة على الخروج من متاهات الحروب النظامية، وأغرقت الاحتلال في حرب شعبية لا طاقة له بحمل أعبائها.
فأما الحرب لا تزال دائرة، وهي تصب في غير مصلحة الاحتلال، فلأن أهدافه الخمسة التي وضعها لمرحلة ما بعد الاحتلال، كانت تنص على ما يلي:
-نقل السلطة إلى العراقيين.
-الأمن: يكمن في تمكين العراقيين من تولي زمام القيادة في مجال الدفاع عن أنفسهم.
-إعادة «إعمار» البنية الأساسية للعراق.
- حشد الدعم الدولي.
- الحكم الذاتي في العراق.
ونحن بعد مرور أكثر من خمس سنوات على الاحتلال، نتساءل: كم هدف من الأهداف الخمسة قد تم تحقيقه؟
لقد نقلوا السلطة إلى العراقيين في حزيران من العام 2004، ولكن إلى العراقيين العملاء، وهم ظل الإمبراطور الأميركي على أرض العراق. وعن الأمن فحدِّث ولا حرج خاصة وأن التقارير الدولية والأميركية تشير إلى أن وضع العراق تحت سلطة الاحتلال وعملائه يُعتبر من أسوأ الأوضاع فوضوية في العالم، يخرج العراقي من بيته ولا يعرف إذا كان سيعود إليه مرة ثانية. ولا تسل عن خدعة إعادة إعمار العراق فلأنه يعمَّر بالفساد والسرقة والنهب بالتواطؤ بين الاحتلال وعملائه من جهة، والتواطؤ بين الاحتلال وإيران وعملائها من جهة أخرى. أما حشد الدعم الدولي، فيا ويلاتاه على الدعم الذي لم يحصل منه شيئاً، فالعالم لا يريد أن يدعم مشروعاً فاشلاً مأزوماً، فالاحتلال لم يحصل على دعم الشعب الأميركي فهل يمكنه أن يحصل على دعم من غيره؟ وهل يستطيع جورج بوش أن يحافظ على دعم من عملائه الدوليين الذين شاركوه في مغامراته، ولكنهم تركوه يتخبط بمآزقه تائهاً في سراب صحراء العراق، يتبعه فلا يدركه وقد أصيب بالوهن الشديد، الأمر الذي دفعه إلى أن يرقع وضعه البالي بالحصول على توقيع عملائه على سلة من الاتفاقيات النفطية والعسكرية والأمنية، متناسياً أن تلك الاتفاقيات لن يساوي ثمنها بعد خروجه من العراق، وهو خارج لا محالة، وزن الحبر الذي كتبت به، ووزن الورق الذي كتبت عليه.
لن تدع إيديولوجيا البعث في العراق، حزيران العراقي، يصل إلى اتفاقية كامب ديفيد الجديدة، فقد رفضها في حزيران العربي، وهو يقاتل من أجل منعها من النفاذ في نيسان العراقي.
وهذه إيديولوجيا البعث، بعد احتلال العراق في العام 2003، تستأنف مسيرة ثورة تموز في الكفاح الشعبي المسلح، وتثأر لحزيران الحرب النظامية العربية في العام 1967.
***

16-غوانتامو خاص بسادة النظام العربي الرسمي
16/ 7/ 2008
هل نستغرب أن تحيل إدارة جورج بوش الرئيس السوداني أحمد حسن البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية؟
وهل نستغرب أن تفعل ذلك إدارة المحافظين الجدد، برئاسة جورج بوش، خاصة وأنها امتنعت عن التوقيع على معاهدة المحكمة؟
نحن لم نستغرب كل ذلك، لأن المحيل إلى المحكمة والمحال إليها ثنائية فرضتها إيديولوجيا العنصرية البيضاء، عنصرية الرأسمالية الأميركية، سيدة العرق الأبيض وإمبراطوره المميز، تلك الإيديولوجيا سيَّدت نفسها على العالم بكل أعراقه، وجعلت من كل العالم بكل أعراقه عبيداً يأتمرون بأوامرها، وأنهت التاريخ عند حدود مصالحها. ولهذا اعتبرت أن القانون الدولي لم يوضع إلاَّ من أجل محاكمة من يتمردون على أوامرها سواءٌ أكان التمرد بالجملة أم بالتقسيط.
لقد تجرأت إدارة اليمينيين الأميركيين البيض على إحالة الرئيس السوداني إلى المحكمة الجنائية الدولية عندما سكت سادة النظام العربي الرسمي عن جريمة دعوة صدام حسين إلى الاستقالة، وعندما تجاهلوا الحكم عليه بالإعدام من مجموعة الغوغاء التي انتدبت للحكم باسم جورج بوش وبأمر منه من وراء ستائر مسرحية المحكمة العراقية.
إن سياسة القهر العنصري التي تمارسها إدارة اليمينيين الأميركيين البيض أصبحت سياسة واقعية معترف بها عند من طأطئوا رؤوسهم أمامها ودفعوا ماء وجههم للإمبراطور الأميركي صاغرين. فهي قد أصبحت أمراً واقعاً منذ أن كبَّل سادة النظام العربي الرسمي أيديهم بأنفسهم، كخيار ديموقراطي، وأقروا بواجب الطاعة له كعربون وفاء منهم لأنه أوجد لهم فرصاً للعمل في مزارعه المستباحة، على كراسي الرئاسة والوزارة والتجارة في دولهم من دون إذن من رعيتهم.
لم يذعن أولئك الرؤوس لحاكم العالم لأنه قوي وقاهر وجبار، فنحن لا نرى في كل ما يفعله الرئيس الأميركي لقوة فيه، بل لضعف في حكامنا. فقد بنى أسس قوِّته على جماجم مجموعة من الضعفاء، وعربد وتجبر وجلد وظلم وسجن ولاحق باسمهم، وأصبحنا إرهابيين باسمهم، ونلنا استحقاق الذل باسمهم. وراح يميت صوت الكرامة فينا باسمهم. وراح يعدنا بالديموقراطية والخلاص من ديكتاتوريتهم.
لم تكن الديكتاتورية هماً من هموم سيد العرق الرأسمالي الأبيض، لأنه ديكتاتور بامتياز، وهل أكثر ديكتاتورية ممن ينهي التاريخ عند عقائده الخاصة ومصالحة الخاصة ونخبته الرأسمالية الخاصة؟
فالديكتاتور عنده هو كل من لا يستجيب لإملاءاته، والديكتاتور عنده هو من لا يستجيب لتقديم مراسم الولاء له، والديكتاتور عنده هو كل من لا يعترف بديكتاتوريته، وهل أقبح ممن ينهي التاريخ عند مفاهيمه وتعاريفه للمصالح والمصطلحات.
بناء على كل ذلك، هل نحن بحاجة إلى من يرغمنا على الاعتراف بمفاهيمه؟ وهل نحن بحاجة إلى مساعدته باقتلاع ما يزعمه ديكتاتورية عند من أولي الأمر فينا؟
نحن لا نثق برياح التغيير القسري التي تهب علينا من الخارج، لأنها ستغير مجرى رياحنا إلى مجرى رياح الخارج. وبمثل هذا سيخسر أولياء الأمر فينا ونحن لن نكسب شيئاً. فما العمل؟
إن معالجة موضوع إحالة الرئيس عمر البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية من زاوية حقوقية وإنسانية، لهي من أمرّ المعالجات وأكثرها بعداً عن المنطق والحقيقة، فالمحكمة تلك التي ستحاكمه باسم الإنسانية عليها أن تكون حريصة على الإنسانية. فهل هي حريصة عليها فعلاً؟
وعن هذا لن نعلِّق بأكثر من أن نتعرَّف على هوية من دفعها إلى الانعقاد، وسببه، وأهدافه. ويكفينا أن نقول بأن الدافع والسبب والهدف، كلها من صياغة إدارة اليمينيين الأميركيين البيض. ولن نفعل أكثر من أن نقرأ عنوان الكتاب، فنحن نقرأ الكتاب من عنوانه.
وإن معالجة الموضوع من زاوية ديموقراطية لهي معالجة خاطئة وتقود إلى نتائج مضللة، لأنه ليس من شأن المحكمة الجنائية الدولية أن تتدخل في تصحيح العلاقة بين الشعوب وأنظمتها السياسية.
وإذا استثنينا الزاويتين الإنسانية، والمطلبية الديموقراطية، ووجدنا أن المحكمة الجنائية الدولية غير صالحة للنظر بالتهمة المزعومة الموجهة ضد الرئيس عمر البشير، نرى أن النظر إلى تلك الإحالة لا يجوز أن يتم إلاَّ من زاوية سيادة الشعوب على قرارها. وهذا الأمر يجعلنا نقف أمام التساؤلات التالية:
-هل العلاقة بين نظام الرئيس عمر البشير وبين الشعب السوداني علاقة سليمة؟
-هل تصحيح تلك العلاقة هي من شأن الشعب السوداني أم هو شأن سائب يحق لأي كان التدخل فيه؟
-هل يجوز للشعب السوداني أن يسلم أمره إلى قوى خارجية لتصحيح العلاقة بينه وبين نظامه الحاكم؟
-وهل تدخل القوى الخارجية في شؤون الدول السيادية هو قاعدة تنتسب إلى المبدأ الديموقراطي؟
فإذا كانت العلاقة غير سليمة بين النظام السياسي السوداني والشعب السوداني، فليس غير قاعدة صراع المتناقضات الداخلية هي التي يمكنها أن تحسم ذلك الصراع. وممنوع على أي عامل آخر أن يفعل ذلك و إلاَّ سوف تكون مدخلاً يجيز لكل عامل خارجي بالتدخل في الشؤون السيادية للدول الأخرى.
في هذا الإطار نصَّت التشريعات الأممية، الصادرة عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، على تحريم تدخل دولة في شؤون الدول الأخرى إلاَّ بما له علاقة في تهديد السلم العالمي. حتى هذا الجانب يعتبر بغاية من الدقة من حيث تفسيره وتأويله والاتفاق عما هو يمثل خطراً على السلم العالمي.
فإذا كان استنكار قرار ملاحقة البشير وشجبه قد جمع بين كل أطياف السودانيين، موالاة ومعارضة، فإنما كان السبب يعود إلى انتفاضة الشعب السوداني دفاعاً عن كرامته وقيمه الوطنية وسيادة السودان، الأمر الذي يقودنا إلى التساؤل عن ردة فعل أسياد النظام العربي الرسمي لكون السودان قطر من أقطار الأمة العربية.
والسبب الآخر الذي يقودنا إلى مخاطبة سادة النظام الرسمي العربي إلى القيام بانتفاضة أخرى تعزز الانتفاضة السودانية. وإذا كان السودان اليوم يثور دفاعاً عن كرامته وسيادته الوطنية، فعلى النظام العربي الرسمي، على الرغم من كل عواهنه وهناته وسقطاته، أن يثبت للشعب العربي، كل الشعب العربي أنه قادر أن يقول لأميركا كفى استهانة بنا، وبكرامتنا، وبسيادتنا. وبأقل من ذلك سيبقى أولي النظام العربي الرسمي مطأطئي الرؤوس يلحقوق بنا الذل والهوان. وهم مطالبون اليوم أكثر من أي وقت مضى بأن يبعدوا الأذى عن أنفسهم، فباعتراضهم على ما يجري بحق الرئيس السوداني سيبعدون شبح بناء معتقل جديد لـ(غوانتامو) خاص باعتقال الرؤساء العرب ومحاكمتهم.
وعلى سادة النظام العربي الرسمي أن يتعلموا من الإهانة التي لحقت بهم عندما سكتوا عن إدارة جورج بوش عما فعلته بحق صدام حسين، شهيد العراق، والأمة العربية، والعالم الحر. وإنهم حينما يفعلون ذلك صادقين نعتبر أن نصف المسافة الفارغة بينهم وبين الشعب العربي ستكون مؤهلة للردم. لأننا نعتقد أن الدفاع عن كرامة الشعب وسيادته في مواجهة الخارج هي المهمة الاستراتيجية الأولى في مرحلة التحرر الوطني، أما المهمة الثانية فهي تصحيح العلاقة بين النظام السياسي والشعب.
وإن كنا نقف إلى جانب الرئيس البشير في هذه المرحلة، فهو وقوف إلى جانب الدفاع عن سيادتنا، أما التتمة فلا يجوز أن تكون إلاَّ على قاعدة النضال المطلبي الديموقراطي النابع من آليات الصراع بين السلطة والشعب حتى تعود إلى الأمور إلى نصابها الصحيح.

17-من كلَّف سعد الحريري بتقديم أوراق اعتماد لبنان إلى حكومة المالكي العميلة؟
18/ 7/ 2008 حسن خليل غريب
بالأمس تناقلت الأنباء خبر لقاء جرى بين جلال الطالباني، الصورة الكاريكاتير التي علقها الاحتلال الأميركي كرئيس لجمهورية العراق، وبين باراك نتانياهو، أحد أكبر رموز الشر الصهيونية. واليوم تتحف أسماعنا بخبر زيارة سعد الحريري إلى العراق ليصافح الطالباني، ويتفاوض مع كل رموز العمالة في العراق.
كان لقاء الطالباني مع نتانياهو استئناف لعلاقات قديمة تربط أسرة الأول مع الكيان الصهيوني، وظهور واضح علني يعبر عن طبيعة احتضان الكيان الكردي الانفصالي للوجود الصهيوني في العراق بشكل عام، والفيدرالية الكردية في شماله بشكل خاص.
ليس هذا فحسب، بل أيضاً إن كل من أسهم من العراقيين في احتلال وطنهم، إنما كانوا راضخين لكل تفاصيل مشروع الاحتلال، ويأتي في مقدمتها الاعتراف بالكيان الصهيوني ونسج علاقات طبيعية معه. هذه الحقيقة تفرض نفسها علينا لنشكك بحسن نوايا سعد الحريري التي حاول تغليفها بالزعم أنه يدافع ضد الاقتتال الطائفي في العراق، كما أنه جاء إليه للدفاع عن عروبته. وهل يطلب وقف الاقتتال الطائفي ممن تجذرت الطائفية في نفوسهم، ويطلب الدفاع عن عروبة العراق ممن أغرقوا في العداء للعروبة عن سابق تصور وتصميم؟
هنا تستوقفنا مسألة التفتيش عن أسباب الزيارة وأبعادها التي قام بها سعد الحريري إلى العراق، ولقاءاته المكوكية مع كل من هبَّ ودب من عملاء الاحتلال. وهنا نتساءل: هل أهداف الزيارة كانت لأجل إعادة إعمار العراق كما حاول أن يوحي؟ أم أن لها أسباباً أخرى دفعت بالملياردير اللبناني للمخاطرة بحياته وسمعة بلده، وسمعة التيار الشعبي اللبناني الذي يتزعمه؟
فإذا كان الرأسمال لا يعترف بوطن، فهو يندفع إلى التوظيف حيثما يجد هدوءاً واطمئناناً، نستنتج بأن الملياردير اللبناني ليس بحاجة إلى توظيف أمواله في بلد لا تغيب عن أرضه الشمس إلاَّ ويسجل عشرات من الضحايا في قائمة الأموات، ولا تغيب الشمس إلاَّ لتشرق على تدمير جديد في بنيته التحتية، ولتسجل ما لا يطاق من عدد السرقات والنهب.
هذا الأمر يدفعنا إلى الاستنتاج بأن أسباب زيارة سعد الحريري إلى العراق تحتمل كل الأسباب ما عدا سبب الإسهام في إعادة (إعمار العراق).
أسباب الزيارة سياسية مدفوعة لتجميل صورة الاحتلال الأميركي
هذه المرحلة عند إدارة جورج بوش أوان تجميل السلع وتقديمها للمتسوق الأميركي بأجمل الحلل، من أجل كسب صوته في الانتخابات القادمة. السبب الذي يدفع بإدارة بوش إلى الاستعانة بكل المساحيق العربية الرسمية، وكل المساحيق الإعلامية المتواطئة، واستنفار كل الاحتياط لديها ممن يخدم ظهورهم في العراق آلة الدعاية الأميركية. وهم يسهمون جميعاً في إظهار العراق تحت الاحتلال بأنه جنة الرب الأميركي على الأرض.
وهل أهم من برهان يسوقه الاحتلال اليوم من تصوير سعد الحريري يسرح ويمرح من بغداد إلى النجف إلى كربلاء إلى المنطقة الخضراء، ليوحي كأن العراق أصبح مثالاً للأمن والأمان؟
عندما فاجأتنا الأخبار بنبأ تلك الزيارة صعقنا. وإننا على الرغم من تأكيدنا بأن الرأسمال لا وطن له، فإننا وضعنا أيدينا على قلبنا خوفاً على العمق الشعبي الوطني الذي يزعم الحريري تمثيله، هذا العمق الشعبي الذي لا نشك بوطنيته وعروبته ولا طائفيته، من أن تسيء إليه مغامرة زعيمه في الذهاب إلى العراق ومصافحة كل عملاء الاحتلال الأميركي المعادين لكل ما هو وطني أو قومي.
بداية نعتذر من تلك الجماهير، ونتمنى عليها أن لا تنفعل بما سنقوله من آراء فرضتها علينا الزيارة التي قام بها سعد الحريري إلى العراق.
ليست للزيارة أهداف قومية وليست حريصة على الديموقراطية ولا على استعادة وحدة الشعب العراقي الوطنية
لقد قام سعد الحريري في زيارته القصيرة بجولة شملت كل المتواطئين مع الاحتلال الأميركي من جهة، والمتواطئين مع النظام الإيراني من جهة أخرى، والمتواطئين على سرقة العراق من جهة ثالثة، والأمر الأكثر غرابة هو أنه لم يقدم لنا ما يقنعنا بأهداف زيارته لهم ولا بأسبابها. وتناولت زيارته جملة من القضايا السياسية الحساسة التي لم يفلح بالدفاع عن آرائه الإيجابية فيها. وهو بدلاً من إقناعنا بها خرج بنا وبنفسه أكثر بلبلة وأكثر غموضاً.
من جولته ومن آرائه نستنتج أن زيارته كانت دعائية من جهة ورسالة أميركية للإيرانيين من جهة أخرى
إنه في الوقت الذي نرى فيه الملفات الساخنة بين إدارة جورج بوش والنظام الإيراني تميل نحو التبريد، بدءاً من الساحة اللبنانية مروراً بالساحة الفلسطينية والعلاقات الثنائية بينهما من خلال الاتفاق على إعادة فتح قنصلية أميركية في طهران انتهاء بالتأجيل المتلاحق والمستمر للمباحثات حول الملف الإيراني، يظهر أن توصيات لجنة (بيكر – هاملتون) بالتحاور مع إيران قد أخذت طريقها للتطبيق في هذه المرحلة.
وفي المقابل، وفي عملية تجميل وجه الاحتلال في العراق، وتجميل وجه عملائه، تجهد إدارة جورج بوش من أجل تطبيع للعلاقات الرسمية بين حكومة المالكي العميلة وبعض الأنظمة الرسمية العربية، التي من أهم أسسها في هذه المرحلة إعادة التمثيل الديبلوماسي العربي إلى بغداد. لكن إدارة بوش لم تفلح في هذا الأمر إلاَّ جزئياً، وهذا الجزئي لا يزال ناقصاً عن الحد الأدنى، فالإدارة قد حصلت على وعدين أبترين من الأردن والكويت، من خلال إبداء الرغبة في تعيين سفيرين في بغداد من دون وضعهما على سكة التنفيذ حتى الآن. بينما لا تزال معظم الأنظمة الرسمية الأخرى عازفة حتى عن إعطاء وعد بذلك، والحجة هي عدم اطمئنانهم على سلامة الوضع الأمني في العراق.
فهل عزوف الأنظمة الرسمية عن الاستجابة إلى الطلب الأميركي، دفع بالأميركيين للاستعانة بما تيسَّر ممن يسهمون في تجميل الوجه القبيح للاحتلال وعملائه؟
جولة سعد الحريري على أتباع النظام الإيراني ليست حرصاً على وحدة السنة والشيعة
لنفرض أن هدف الحريري من جولته مد جسور الحوار بين الطائفتين المسلمتين، ألم يكن الأحرى به، في المقابل، أن يجول على قيادات سنية ومنها (الحزب الإسلامي العراقي) الممثل بحكومة العمالة؟
ولنفرض أن هدفه جاء دفاعاً عن العروبة، كما يزعم قائلاً: إن العراق ولبنان حالة واحدة، وأن البلدين لهما عمق عربي ولا يمكن لأي جهة خارجية النيل منهما أو حرف اتجاههما. فنقول بأن الدفاع عن عروبة العراق ولبنان لا يمكن أن يكون بمساعدة الاحتلال الأميركي، وإنما بمقاومة هذا الاحتلال. والدفاع عن عروبة العراق لا يمكن أن يكون بمساعدة الحكومة العميلة وكل المؤسسات المركَّبة على مقاييس العداء للعروبة. أو ليس الحد الأدنى للدفاع عن العروبة يقتضي مواجهة مشروع الشرق الأوسط الجديد؟ فهل احتلال العراق من قبل الأميركيين، ومشاركة النظام الإيراني، إلاَّ اتفاق واضح على تفتيت العروبة إلى دويلات طائفية؟
طبيب يداوي الناس وهو عليل
إن من ينتدب نفسه لمداواة أمراض العراق أن ينجح في مداواة لبنان. ومن يفشل في مداواة لبنان لا شك بأنه يعجز عن مداواة العراق. فهل نسي أن الاحتلال الأميركي، والشريك الإيراني، قد عملا على تحويل العراق إلى أنموذج لبنان في تحكيم نظام الطائفية السياسية؟ وهل لم يقرأ كل التحليلات التي تؤكد أن العراق قد تلببن؟
أما إذا كان الهدف بقصد التجارة والربح فقد ارتكب سعد الحريري، كما فعل غيره من السياسيين اللبنانيين، جريمة الربح والتجارة على حساب الشعب العراقي الذي ينهب الاحتلال وعملاؤه وشركاته كل فلس من ثروة العراقيين الوطنية، بينما غالبية الشعب العراق تحتاج إلى رغيف من الخبز وحبة من الدواء وبصيص ضئيل من الكهرباء.


18-ذكرى ثورة 23 تموز

23/ 7/ 2008 حسن خليل غريب
أن نقف في ذكرى ثورة الثالث والعشرين من يوليو، فإننا نحيي فيها ذاكرة العروبة عن واحدة من أهم التجارب الثورية التي عرفها عصر القومية العربية الذي رافق مرحلة الخلاص من الاستعمار الأجنبي.
وأن نحيي هذه الذكرى فإنما لنعيد إلقاء الضوء على مرحلة عدَّها البعض أنها كانت حلماً وانتهى إلى الأبد، فأماتوه وودعوه غير آسفين.
وبالفعل لم يبق من تلك الذكرى إلاَّ ما اختزنه القوميون العرب من شدة الرباط مع الأمة العربية ووحدتها، واعتبروا أنها واقع وحاجة لكل العرب، وإن كان الهدف بعيد التحقق فإنما هو غير مستحيل. وعلى الرغم من أن هؤلاء أصبحوا للأسف أقلية إلاَّ أنهم لا يخشون سلوك طريق قلَّ المارة فيه.
إن من أهم معالم الإصرار على سلوك هذا الطريق هو إصرار شباب عروبيين للاحتفال بهذه المناسبة، ولم يزرع الخوف في نفوسهم كثرة المتحالفين ضدها، من أولئك الذين يعملون على وأدها.
إن القومية العربية لا تزال حية، ولن تموت طالما هناك وراءها مكافح ومناضل ومنافح، وتشكل محطة ثورة يوليو أحد أهم هذه المعالم، التي بدلاً من وضعها في موقعها التاريخي والفكري والسياسي الصحيح بنقدها والاستفادة من جوانبها الإيجابية الشديدة التنوع، راحوا ينعون القومية العربية بعد أفول نجمها المضيء الماثل في أكثر من قطر ومحطة، كما أغرقوا أنفسهم، وأغرقوا الشارع العربي بتعداد الثغرات التي لا يمكن لأي عمل مهما علا شأن القائمين به ووعيهم ونباهتهم من الوقوع فيها.
إن التجربة القومية بشكل عام كانت قصيرة الزمن، تحالف ضدها مشاريع خارجية وإيديولوجيات داخلية. تلك التجربة التي ما إن ولدت حتى شكَّلت عامل تهديد لذاك الخارج ولهذا الداخل. فإذا كانت مشاريع الخارج واضحة المعالم والآفاق، بدءاً من مؤامرة سايكس بيكو وانتهاء بمشروع الإمبراطورية الأميركية ومشروع الدولة التلمودية الصهيونية، فإننا نقف بذهول أمام أهداف الإيديولوجيات الداخلية التي حسبت أن الفكرة القومية تشكل عائقاً وخطورة عليها.
لقد كان الفكر القومي، والتجربة القومية في السلطة، تحولاً نوعياً في حياة الأمة العربية، تشارك فيها كل من الناصرية والبعث رافعين ثلاثة أهداف استراتيجية شكلت مروحة ثلاثية الرؤوس أينما ابتدأت فيها ستمر برؤوسها الثلاث، وهي الوحدة والحرية والاشتراكية. وكان يكفي أن يشكل كل من رؤوس هذه المروحة تناقضاً رئيسياً مع تيار أو أكثر من التيارات والقوى التي رفعت راية العداء للقومية العربية.
إن الوحدة العربية تتناقض مع النزعة الإمبراطورية لكل التيارات التي تعمل لتصدير مشاريعها الأممية، ولا يمكن أن تتحقق إلاَّ باختراق الحدود القومية. فلذلك تعتبر الوحدة العربية عائقاً أساسياً أمام موجة تلك النزعات، ولذلك أعلنوا عداءهم السافر أحياناً والمضمر أحياناً أخرى.
والحرية، على الرغم من تركيز الاتهام على مثالب التجربة القومية في الحكم، لا تنتقص تلك المثالب من أهمية الشعار الاستراتيجي. ومآخذنا على نقد تلك التجربة من هذه الزاوية ليس لأنها غير صحيحة بل مآخذنا عليها أن ناقديها لا يتوحدون حول تعريف واحد للحرية أولاً، ومارسوا نقدهم لها بين مسكوت عنه وبين مشهَّر به ثانياً، وأخطأوا في أنهم أرادوا تطبيق مفاهيمهم في الحرية ثالثاً. ولم يأخذوا خصوصيات المجتمع العربي الذي لا تزال تعيق فيه الانتماءات الطائفية التعصبية تعميق مفهوم المواطنة رابعاً.
أما الاشتراكية، فلها أعداء كثر من كل الأصناف والاتجاهات والألوان، من الداخل ومن الخارج، من فوق ومن تحت، من يسار ومن يمين.
لم يقتصر دور تجربة الحركة القومية الناشئة حديثاً على تعميق الشعور القومي العربي فحسب، وإنما انخرطت في ميدان تأسيس مشروع عربي نهضوي أيضاً.
فثورة 23 يوليو نقلت السلطة من أيدي الملوك والاقطاع إلى أيدي الشعب وهذا من أهم إنجازات الثورة الجديدة، ونقلت قرار السلطة السابقة المرتهن لإرادة الخارج إلى إرادة وطنية مستقلة تصوغه على مقاييس مصالح الوطن، كما نقلت قرار التنمية الداخلية من أيدي الشركات الكبرى إلى أيدي القطاع العام، ونقلت قرار التسليح العسكري من هيمنة داعمي الكيان الصهيوني إلى جهات دولية أخرى لكي تحرر قرارها العسكري من الارتهان إلى من يرى في السلاح العربي عدواً للعدو الصهيوني.
تكفي الإشارة إلى تلك القرارات من زاويتها الاستراتيجية لكي نخضعها للمحاكمة من تلك الزاوية، بل رحنا بدلاً من ذلك نحاكمها على تفصيلات أين أخفقت لنصل إلى إسقاطها استراتيجياً، فكان خطأ التجربة خطأً في التفاصيل، وكان خطأ الناقدين خطأً استراتيجياً.
وهكذا حصل الأمر مع تجربة البعث في العراق، التي لن نتناول تفصيلاتها، فهي كثيرة، وتمت الإضاءة عليها في أكثر من موقع، ويكفي أن نقول: إن من أهم أسباب العدوان على العراق، واحتلاله، كان المشروع النهضوي القومي الذي أنجزه حزب البعث العربي الاشتراكي في العراق.
أما السبب في وجود هوة بين مستويات النقد المطلوب: الموضوعي والذاتي، لم يكن خلافاً في التفاصيل بل كان خلافاً في الأهداف الاستراتيجية. تجربة قومية مولودة حديثاً تشق طريقها بقفزات نوعية فكرية وسياسية واقتصادية وعسكرية وقعت بين فكي كماشة:
-فكها الأول خارجي يريد إسقاط أية تجربة قومية عربية لخطورتها على مخططاته.
-وفكها الثاني داخلي لن ترضىه أية تجربة وحدودية ذات أعماق قومية عربية حتى لو أصابت في التفاصيل والاستراتيجية، فإنما أهدافه ذات نزعات أممية استراتيجية غير معنية بنجاح الثورة القومية سواءٌ أكان استراتيجياً أم مرحلياً. بل ونزيد القول إن نجاح التجربة ستزيد العراقيل في وجهه. وهذا يعني أنه سيضعها في موقع الفاشل حتى ولو نجحت.
كان الحد الفاصل في إجهاض تلك التجربة متمثلاً في الخامس من حزيران من العام 1967. سقطت فيه التجربة الحديثة الولادة في الامتحان العسكري النظامي، وكانت النتيجة طبيعية لو قمنا بنقدها على هذا الأساس. واختلط حابل الناقدين المتألمين من الهزيمة بنابل الحاقدين المبتهجين بها. فأُحبِط المتألمون وأعلن الحاقدون موت التجربة القومية، واستفادوا من ثغرات السلطة في وجود الهوة بينها وبين مصالح الشعب، واستفادوا أيما استفادة من سقوط السلطة في أول تجربة عسكرية لها في مواجهة الترسانة العسكرية الإمبريالية.
رداً على الهزيمة النظامية، برزت ثلاثة معالم استراتيجية، وهي: ظاهرة المقاومة الشعبية الفلسطينية، ثورة 17 – 30 تموز في العراق، وحرب الاستنزاف عبر قناة السويس.
فاستفادت الأولى من حيوية الشعب الفلسطيني والعربي، وأرست قواعد استراتيجية بديلة للحرب النظامية. والثانية أحيت من جديد إمكانية الاستمرار في بناء المشروع النهضوي العربي. أما الثالثة فكانت تجربة جديدة مزجت بين إمكانيات الحرب العسكرية النظامية وإمكانيات إرادة المقاومة فكانت حرباً غير تقليدية تبغي الاستمرار في إدامة المعركة على قواعد وآليات أخرى.
وهكذا حرَّكت نتائج حرب حزيران، في العام 1967، فصائل حركة التحرر العربي وصوَّبت اتجاهاتها واستفادت من ثغراتها. كما حرَّكت استراتيجية الكفاح الشعبي المسلح الفلسطيني كوامن العقل العربي للتفتيش عن بدائل للحرب النظامية. فتعاون الحدثان التاريخيان في توفير بدائل للحرب النظامية، تلك البدائل كانت في ترسيخ بناء المقاومة، والإعداد لها واستخدامها.
فالعمل المقاوم في لبنان كان نتيجة طبيعية لتراكم التجربة الفلسطينية، وتراكم التجربة الوطنية اللبنانية، وكانت نهاية المطاف انتصاراً أنجزته المقاومة اللبنانية في العامين 2000، و2006. وفي هذه التجربة التي لا نزال نقطف نتائجها الإيجابية جمعت لأول مرة في تاريخنا بين إمكانيات السلطة المادية والإمكانيات الشعبية في البذل والعطاء، تلك تجربة جديرة بالبحث والاستفادة منها، بحيث أثبتت أنه يمكن تزويج إمكانيات النظام السياسي مع الإمكانيات الشعبية.
وأما العمل المقاوم الفلسطيني فقد احتل مكانه على أرض فلسطين بعد أن كان يُمارس من خارجها.
وأما العمل المقاوم في العراق فقد جمع في أول سابقة تاريخية إعداد السلطة السياسية فيه لموجبات العمل الشعبي المسلح في مواجهة الترسانة الأميركية.
إن العمل المقاوم في الساحات العربية الثلاث كان رداً على نقد هزيمة حزيران في العام 1967، وكان الرد المناسب الذي حقق انتصارات حقيقية في لبنان، ويحقق انتصارات فلسطينية، وينزل في العراق، بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي، أشد الضربات بالاحتلال الأميركي ويضعه على حافة الهاوية، وهو منزلق إليها لا محالة.
في الذكرى السابعة والخمسين لثورة تموز في مصر، نحصد النتائج الإيجابية الوفيرة عندما خرجنا من نفق (النق) عليها إلى رحاب نقدها. وهكذا يجب تعميم عامل الحوار الناقد والهادف إلى استخلاص العبر من أخطاء تجربة الأنظمة التي أسَّست لتجربة الدولة ذات الأهداف القومية، والاستفادة من تجربتها الإيجابية، لأنه بغير ذلك ستكون طاولات حوارنا خالية من أهداف التصحيح والتصويب، وستكون مليئة بأهداف الحقد والتشفي. وبدلاً من أن تكون مساراتنا تكاملية فستتحول إلى مسارات تنافسية، وستكون النتائج حينذاك قطف المزيد من التباعد وتسميك المتاريس.
فلنطلق النداء في هذه المناسبة إلى كل المقاومين العرب وندعوهم إلى تحرير المسافات التي لا تزال تفصلهم ليدخلوا من بوابة التكامل في مواجهتهم للتناقض الرئيسي، وليرفعوا شعار (قومية المواجهة وقومية المقاومة)، واعتبار أن كل انتصار للواحدة منها هو انتصار للأخرى، وأن يد العون التي تعضد الواحدة منها يجب أن لا تحجبها عن الأخرى، وإن مساعدة كل المقاومات في لبنان وفلسطين والعراق هو واجب قومي، وإن إعاقة أي منها أو منعها من تحقيق أهدافها هو موجه ضد المقاومة كلها وضد الأمة العربية كلها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق